رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

 (تَقْسِيم الْمركب)

والمركب جملَة، وَغير جملَة: فالجملة: مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة، وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي اسْمَيْنِ، أَو فِي فعل وَاسم، وَلَا يرد: (حَيَوَان نَاطِق) ، و (كَاتب) ؛ فِي: (زيد كَاتب) ؛ لِأَنَّهَا لم تُوضَع لإِفَادَة نِسْبَة، وَغير الْجُمْلَة بِخِلَافِهِ، وَيُسمى مُفردا أَيْضا.
هَامِش
" وَقيل ": إِنَّمَا تحصل الدّلَالَة الالتزامية، " إِذا كَانَ " الْمَدْلُول عَلَيْهِ بهَا لَازِما " ذهنيا " للمسمى، وَإِلَّا فَلَا فهم.
وَهَذِه الْعبارَة تفهم أَن الدّلَالَة قد تتَحَقَّق، وَإِن لم يكن اللُّزُوم ذهنيا، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْغَرَض أَن اللَّفْظ غير مَوْضُوع للمعنى، فَلَو لم يكن بَينه وَبَين الْمَعْنى الْخَارِجِي لُزُوم ذهني يُوجب انْتِقَال الذِّهْن إِلَيْهِ، [لم] يدل اللَّفْظ عَلَيْهِ.
الشَّرْح: " والمركب " ضَرْبَان: " جملَة، وَغير جملَة:
وَالْجُمْلَة: مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة " يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا.
" وَلَا تتأتى إِلَّا فِي اسْمَيْنِ "؛ نَحْو: زيد قَائِم، " أَو فِي فعل " - مَحْكُوم بِهِ - " وَاسم " - مَحْكُوم عَلَيْهِ -؛ نَحْو: قَامَ زيد؛ لِأَن الْإِسْنَاد شَرط فِي الْجُمْلَة، وَهُوَ مُتَوَقف على الْمسند والمسند إِلَيْهِ، والحرف لَا يصلح لأَحَدهمَا.
" وَلَا يرد " على الْحَد - الْمركب التقييدي؛ مثل: " حَيَوَان نَاطِق "؛ من جِهَة أَنه وضع لإِفَادَة نِسْبَة النُّطْق إِلَى الْحَيَوَان، " فكاتب فِي: زيد كَاتب "؛ من جِهَة وَضعه - لإِفَادَة نِسْبَة الْكِتَابَة إِلَى زيد، وَإِن ظن صدق اسْم الْجُمْلَة على كل وَاحِد مِنْهُمَا؛ وَذَلِكَ " لِأَنَّهَا لم تُوضَع لإِفَادَة نِسْبَة "؛ إِذْ المُرَاد بِالنِّسْبَةِ نِسْبَة يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا؛ وَمَا ذكر لَيْسَ كَذَلِك.
" وَغير الْجُمْلَة بِخِلَافِهِ "؛ وَهُوَ: مَا لم يوضع لإِفَادَة نِسْبَة؛ " وَيُسمى مُفردا أَيْضا "؛ فَإِذن الْمُفْرد يُطلق على هَذَا، وعَلى مَا مضى، وَهُوَ قسم من أَقسَام الْمركب؛ بِهَذَا الِاعْتِبَار، وقسيم لَهُ؛ بذلك الِاعْتِبَار.

(1/354)


(تَقْسِيم الْمُفْرد بِاعْتِبَار وحدته ومدلوله)

وللمفرد بِاعْتِبَار وحدته ووحدة مَدْلُوله وتعددهما: أَرْبَعَة أَقسَام: فَالْأول: إِن اشْترك فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ، فَهُوَ الْكُلِّي، فَإِن تفَاوت؛ كالوجود للخالق والمخلوق، فمشكك، وَإِلَّا فمتواطئ، وَإِن لم يشْتَرك فجزئي، وَيُقَال للنوع أَيْضا:
هَامِش
الشَّرْح: " وللمفرد بِاعْتِبَار وحدته ووحدة مَدْلُوله، وتعددهما: أَرْبَعَة أَقسَام "؛ لِأَن لَفظه: إِمَّا وَاحِد، أَو مُتَعَدد؛ وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَعْنَاه: إِمَّا وَاحِد، أَو مُتَعَدد؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام:
" فَالْأول ": وَهُوَ مُتحد اللَّفْظ، وَالْمعْنَى، " إِن اشْترك فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ "؛ لكَونه غير مَانع من وُقُوع الشّركَة فِيهِ، " فَهُوَ الْكُلِّي "؛ كالحيوان، ولسنا نشترط فِيهِ الشّركَة بِالْفِعْلِ؛ أَلا ترى أَن لفظ (الشَّمْس) كلي، وَإِن لم تقع فِيهَا شركَة، " فَإِن تفَاوت " مَفْهُوم الْكُلِّي فِي أَفْرَاده؛ بِأَن كَانَ فِي أَحدهمَا أولى من الآخر، أَو أقدم؛ " كالوجود للخالق والمخلوق " - فَإِنَّهُ للخالق أولى وأقدم مِنْهُ للمخلوق، أَو كَانَ فِي أَحدهمَا أَشد من الآخر؛ كالبياض للثلج وللعاج؛ إِذْ هُوَ فِي الثَّلج أَشد " فمشكك.
وَإِلَّا "، أَي: وَإِن لم يتَفَاوَت، " فمتواطئ "؛ كالإنسانية بِالنِّسْبَةِ إِلَى أفرادها.
فَإِن قلت: مَا بِهِ الِاخْتِلَاف فِيمَا جعلتموه مشككا: إِمَّا أَلا يكون دَاخِلا فِي الْمُسَمّى؛ وَهُوَ

(1/355)


جزئي، والكلي ذاتي وعرضي، كَمَا تقدم. الثَّانِي؛ من الْأَرْبَعَة: مُقَابِله؛ متباينة. الثَّالِث:
هَامِش المتواطئ، أَو دَاخِلا؛ فَهُوَ الْمُشْتَرك، فَأَيْنَ المشكك؟
قلت: لَا نسلم أَنه إِذا لم يكن دَاخِلا، يكون متواطئا؛ لِأَن المتواطئ هُوَ مَا لَا تخْتَلف محاله بِمَا هُوَ من جنس مُسَمَّاهُ؛ بِخِلَاف المشكك؛ فاشتركا فِي أَن كلا مِنْهُمَا مَوْضُوع لِمَعْنى وَاحِد بِالْحَقِيقَةِ، وافترقا فِي اخْتِلَاف الْمحَال، وفارقا الْمُشْتَرك؛ إِذْ هُوَ مَوْضُوع لكل وَاحِد من مختلفي الْحَقِيقَة.
" وَإِن لم يشْتَرك " فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ، " فجزئي " حَقِيقِيّ؛ وَهُوَ مَا يكون نفس تصَوره مَانِعا من وُقُوع الشّركَة فِيهِ؛ كَالْعلمِ، " وَيُقَال للنوع أَيْضا جزئي " إضافي، أَي: بِالْإِضَافَة إِلَى جنسه؛ فَإِذن: لفظ الْجُزْء يُطلق على الْحَقِيقِيّ والإضافي.
" والكلي ذاتي "؛ وَهُوَ: مَا يكون مُتَقَدما فِي التَّصَوُّر على مَا هُوَ ذاتي لَهُ، " وعرضي "؛ وَهُوَ: مَا لَا يكون كَذَلِك؛ " كَمَا تقدم " فِي الْمنطق.
" الثَّانِي: [من] " الْأَقْسَام " الْأَرْبَعَة مُقَابِله "، أَي: مُقَابل الأول، وَهُوَ متكثر اللَّفْظ وَالْمعْنَى؛ كالإنسان وَالْفرس، وَيُقَال لَهَا " متباينة.

(1/356)


إِن كَانَ حَقِيقَة للمتعدد، فمشترك، وَإِلَّا فحقيقة ومجاز. الرَّابِع: مترادفة.
وَكلهَا مُشْتَقّ وَغير مُشْتَقّ، صفة وَغير صفة.