رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (الْخلاف فِي وُقُوع الْمُشْتَرك)
(مَسْأَلَة:)
الْمُشْتَرك وَاقع؛ على الْأَصَح؛ ... ... ... ... ... ... ...
...
هَامِش
الثَّالِث ": مُتحد اللَّفْظ، متكثر الْمَعْنى؟ وَحِينَئِذٍ "
إِن كَانَ حَقِيقَة للمتعدد "؛ كَالْعَيْنِ؛ للباصرة،
وَالْجَارِيَة - " فمشترك، وَإِلَّا فحقيقة " فِي الْمَوْضُوع
لَهُ أَولا، " ومجاز " فِي الآخر؛ ك " الْأسد " الْمَوْضُوع
أَولا؛ للحيوان المفترس، وَثَانِيا؛ للشجاع.
" الرَّابِع ": متكثر اللَّفْظ، مُتحد الْمَعْنى، وَيُقَال
لَهُ: أَلْفَاظ " مترادفة "؛ ك " الْإِنْسَان، والبشر "؛
فَهَذِهِ الْأَقْسَام، " وَكلهَا مُشْتَقّ وَغير مُشْتَقّ، صفة
وَغير صفة ".
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " الْمُشْتَرك وَاقع؛ على الْأَصَح "؛ خلافًا لمن
أَحَالهُ.
ك " ثَعْلَب "، وَأبي زيد [الْبَلْخِي، والأبهري] ، وَزَعَمُوا
أَن مَا يظنّ مُشْتَركا، فَهُوَ إِمَّا حَقِيقَة ومجاز، أَو
متواطئ.
(1/357)
لنا: أَن الْقُرْء للطهر.
هَامِش
" لنا " على وُقُوعه: " أَن الْقُرْء للطهر " بِخُصُوصِهِ، ...
... ... ... ... ... ... ...
(1/358)
وَالْحيض مَعًا على الْبَدَل؛ من غير
تَرْجِيح.
هَامِش " وَالْحيض " بِخُصُوصِهِ " مَعًا على الْبَدَل؛ من غير
تَرْجِيح " لأَحَدهمَا على الآخر؛ فَكَانَ حَقِيقَة فيهمَا؛
فَيكون مُشْتَركا.
(1/359)
وَاسْتدلَّ: لَو لم يكن، لخلت أَكثر
المسميات؛ لِأَنَّهَا غير متناهية؛ وَأجِيب بِمَنْع ذَلِك فِي
الْمُخْتَلفَة والمتضادة، وَلَا يُفِيد فِي غَيرهَا، وَلَو
سلم، فالمتعقل متناه، وَإِن سلم، فَلَا نسلم أَن الْمركب من
المتناهي متناه؛ وَاسْتدلَّ بأسماء الْعدَد، وَإِن سلم، منعت
الثَّانِيَة، وَيكون كأنواع الروائح.
هَامِش
الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " على الْوُقُوع؛ بِدَلِيل،
وَالْمُصَنّف لَا يرتضيه، فَلذَلِك عبر عَنهُ بِلَفْظ:
(اسْتدلَّ) ، وَذَلِكَ ديدنه إِلَّا نَادرا.
وَتَقْرِيره: " لَو لم يكن " الْمُشْتَرك وَاقعا، " لخلت أَكثر
المسميات " عَن أَسمَاء؛ " لِأَنَّهَا غير متناهية "؛
وَالْحَاجة ماسة إِلَى مَعْرفَتهَا، وَالتَّعْبِير عَنْهَا،
والألفاظ متناهية؛ لِأَنَّهَا مركبة من الْحُرُوف المتناهية،
والمركب من المتناهي متناه، فَلَو لم يُوجد وضع لفظ وَاحِد
لمعان كَثِيرَة؛ لزم خلو مَا زَاد على عدد الْأَلْفَاظ من
الْمعَانِي عَن الْأَسْمَاء.
" وَأجِيب بِمَنْع ذَلِك "، أَي: بِمَنْع عدم التناهي " [فِي "
الْمعَانِي " الْمُخْتَلفَة والمتضادة، وَلَا يُفِيد " عدم
التناهي] " فِي غَيرهَا "، وَهِي المتماثلة هُنَا، فجزئيات
الْحَيَوَان لَا تَنْحَصِر مَعَ أَن لَفظه مَوْضُوع لَهَا.
" [وَلَو سلم " عدم تناهي الْمعَانِي، فَيمْنَع كَونهَا
متعقلة؛ إِذْ الذِّهْن لَا يستحضر مَا لَا يتناهي] ؛ "
فالمتعقل " مِنْهَا وَحده " متناه "، والوضع إِنَّمَا يكون
للمتعقل، " وَإِن سلم " أَن التعقل غير متناه، " فَلَا نسلم "
تناهي الْأَلْفَاظ، إِذْ يمْنَع " أَن الْمركب من المتناهي
متناه.
وَاسْتدلَّ بأسماء الْعدَد "؛ فَإِنَّهَا غير متناهية، مَعَ
تركيبها من الْحُرُوف المتناهية.
" وَإِن سلم " أَن الْأَلْفَاظ متناهية، " منعت " الْمُقدمَة "
الثَّانِيَة "، وَهِي الاستثنائية، أَي: قَوْلنَا:
(1/360)
وَاسْتدلَّ: لَو لم يكن، لَكَانَ
الْمَوْجُود فِي (الْقَدِيم) و (الْحَادِث) متواطئا؛ لِأَنَّهُ
حَقِيقَة فيهمَا، وَأما الثَّانِيَة؛ فَلِأَن الْمَوْجُود إِن
كَانَ الذَّات، فَلَا اشْتِرَاك، وَإِن كَانَ الصّفة، فَهِيَ
وَاجِبَة فِي الْقَدِيم؛ فَلَا اشْتِرَاك؛ وَأجِيب بِأَن
الْوُجُوب والإمكان لَا يمْنَع التواطؤ؛ كالعالم والمتكلم؛
قَالُوا: لَو وضعت، لاختل الْمَقْصُود من الْوَضع؛ قُلْنَا:
يعرف
هَامِش لخلت أَكثر المسميات، " وَيكون كأنواع الروائح "؛ فِي
كَونهَا لم تُوضَع لَهَا أَسمَاء، فَلم يسْتَحل خلو بعض
الْمعَانِي عَن الْأَسْمَاء.
الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " أَيْضا على وُقُوع الْمُشْتَرك؛
بِأَنَّهُ " لَو لم يكن " وَاقعا، " لَكَانَ الْمَوْجُود فِي
الْقَدِيم والحادث متواطئا "؛ وَاللَّازِم بَاطِل، والملازمة
وَاضِحَة؛ " لِأَنَّهُ حَقِيقَة فيهمَا "، فَلَو لم يكن
بِاعْتِبَار وَضعه لخصوصهما، لَكَانَ [بالتواطئ، أَي] :
بِاعْتِبَار وَضعه لأمر عَام - مُشْتَرك بَينهمَا عِنْد من
يَجْعَل صدق التواطؤ فِي أَفْرَاده بِالْحَقِيقَةِ، " وَأما
الثَّانِيَة "، أَي: الْمُقدمَة الاستثنائية؛ " فَلِأَن "
الَّذِي يُسمى " الْمَوْجُود، إِن كَانَ الذَّات "؛ كَمَا
يَقُول الْأَشْعَرِيّ، " فَلَا اشْتِرَاك "؛ لمُخَالفَة ذَات
وَاجِب الْوُجُود سَائِر الذوات، " وَإِن كَانَ صفة " زَائِدَة
على الذَّات، " فَهِيَ وَاجِبَة فِي الْقَدِيم "، مُمكنَة فِي
الْحَادِث؛ وَحِينَئِذٍ؛ " فَلَا اشْتِرَاك "، فَأَيْنَ
المتواطؤ.
" وَأجِيب بِأَن الْوُجُوب والإمكان لَا يمْنَع " وَاحِد
مِنْهُمَا " التواطؤ "؛ لكَونه من الصِّفَات الْعَارِضَة
للمعنى الْمُشْتَرك؛ " كالعالم والمتكلم "؛ فَإِنَّهُمَا فِي
الْقَدِيم واجبان، وَفِي الْحَادِث ممكنان، مَعَ اشتراكهما فِي
الْمَعْنى.
فَإِن قلت: إِطْلَاق الْعَالم والمتكلم على الْقَدِيم والحادث
لَيْسَ بالتواطؤ، [بل] بالتشكيك؛ إِذْ هُوَ من الْقَدِيم أولى
وَأَحْرَى.
قلت: كَأَنَّهُ توسع هُنَا، فَجعل المتواطئ أَعم؛ إِذْ غَرَضه
هُنَا دفع الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَهُوَ حَاصِل بِكُل من
التواطؤ والتشكيك.
(1/361)
بالقرائن، وَإِن سلم، فالتعريف الإجمالي
مَقْصُود؛ كالأجناس.
هَامِش
والمانعون من وُقُوع الْأَلْفَاظ الْمُشْتَركَة " قَالُوا: لَو
وضعت، لاختل الْمَقْصُود من الْوَضع "؛ وَاللَّازِم بَاطِل،
وَبَيَان الْمُلَازمَة: أَن الْفَهم لَا يحصل مَعَ
الِاشْتِرَاك من حَيْثُ هُوَ مُشْتَرك.
" قُلْنَا: يعرف " مُرَاد الْمُتَكَلّم " بالقرائن ".
فَإِن قلت: فَإِذن يحْتَاج إِلَى انضمام قرينَة، والقرائن
[فِي] الْغَالِب خُفْيَة، ثمَّ هَب أَنَّهَا وَاضِحَة، فَمَا
الدَّاعِي إِلَى لفظ يحْتَاج فهم المُرَاد مِنْهُ إِلَى
قَرَائِن.
فَاعْلَم أَن هَذَا لَا يدْفع الْوُقُوع.
" وَإِن سلم "؛ أَنه لَا يحصل بالمشترك فهم المُرَاد بالتفصيل
- " فالتعريف الإجمالي مَقْصُود؛ كالأجناس "؛ فَهِيَ تفِيد
الْمَاهِيّة من غير تَفْصِيل لما تحتهَا.
وَلقَائِل أَن يَقُول: الْأَجْنَاس تفِيد قدرا مُشْتَركا بَين
مَا تحتهَا أجمع، فَأمكن الِامْتِثَال فَهِيَ أولى من
الْمُشْتَرك؛ إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا، وَلِهَذَا لم
يمْنَع أحد الْوَضع للأجناس، فَلَو حذف المُصَنّف الاستشهاد
لهَذَا، لَكَانَ أحسن.
والتعريف الإجمالي حَاصِل بالمشترك، وَإِن لم يكن كالأجناس؛
فَإِن سامع الْمُشْتَرك يعرف أَن المُرَاد بِهِ بعض مدلولاته،
فيستفيد ذَلِك، ثمَّ يستعد للامتثال.
(1/362)
(مَسْأَلَة:)
وَوَقع فِي الْقُرْآن؛ على الْأَصَح؛ كَقَوْلِه تَعَالَى:
{ثَلَاثَة قُرُوء} ، و {عسعس} ل (أقبل) ، و (أدبر) .
قَالُوا: إِن وَقع مُبينًا، طَال بِغَيْر فَائِدَة، وَغير
مُبين - غير مُفِيد، وَأجِيب: فَائِدَته مثلهَا فِي
الْأَجْنَاس، وَفِي الْأَحْكَام الاستعداد للامتثال، إِذا
بَين.
هَامِش
وَهَذَا عِنْد من لَا يحمل الْمُشْتَرك على مَعَانِيه، وَأما
من يحملهُ، فَلَا يخفى حُصُول الْفَائِدَة بالمشترك عِنْده.
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " وَوَقع " الْمُشْتَرك " فِي الْقُرْآن؛ على
الْأَصَح؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثَلَاثَة قُرُوء} [سُورَة
الْبَقَرَة: الْآيَة، 228] ؛ فَإِن لفظ الْقُرْء بالاشتراك
اللَّفْظِيّ للطهر وَالْحيض، " و {عسعس} "؛ فِي قَوْله:
{وَاللَّيْل، إِذا عسعس} ، [سُورَة التكوير: الْآيَة، 17] ؛
فَإِنَّهَا لَفْظَة مَوْضُوعَة " ل (أقبل) ، و (أدبر) "،
وَالْقُرْآن لَا يَتَأَتَّى الاستشهاد بِهِ إِلَّا على
الْأَصَح.
أما على مَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم - وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَبنَا
- من أَنه حَقِيقَة فِي الطُّهْر، مجَاز فِي الْحيض - فَلَا
يَتَأَتَّى.
وَإِنَّمَا أَتَى المُصَنّف بِهَذَيْنِ المثالين؛ لِأَن الأول
من الْأَسْمَاء، وَالثَّانِي من الْأَفْعَال، وَأَحَدهمَا
مُفْرد، وَالْآخر جمع؛ ليفهم بذلك أَن الْقُرْآن مشحون
بالمشترك على اخْتِلَاف أَنْوَاعه.
الشَّرْح: " قَالُوا: إِن وَقع " الْمُشْتَرك " مُبينًا "
فِيهِ مُرَاد الْمُتَكَلّم - " طَال " الْكَلَام " بِغَيْر
فَائِدَة، وَغير مُبين غير مُفِيد " - فيقبح الْخطاب بِهِ.
" وَأجِيب ": بِأَنا نَخْتَار وُقُوعه غير مُبين.
[قَوْلكُم] : غير مُفِيد:
قُلْنَا: مَمْنُوع؛ و " فَائِدَته " إجمالية " مثلهَا فِي
الْأَجْنَاس "؛ فَإِن الْفَائِدَة فِي الْأَجْنَاس أَيْضا
إجمالية، " و " هَذِه الْفَائِدَة الإجمالية حَاصِلَة فِي
الْمُشْتَرك، سَوَاء أورد " فِي الْأَحْكَام " أم غَيرهَا؛
(1/363)
(المترادف)
(مَسْأَلَة)
المترادف وَاقع؛ على
الْأَصَح؛ ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش على خلاف مَا فهم الشارحون، والإجمالية فِي الْأَحْكَام
أَفَادَ بِهِ أصل التشريع.
وَفَائِدَته فِي الْأَحْكَام، أَي: يخص الْأَحْكَام فَائِدَة
أُخْرَى؛ وَهِي " الاستعداد للامتثال [إِذا بَين] " المُرَاد.
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " المترادف وَاقع؛ على الْأَصَح ".
(1/364)
كأسد وَسبع؛ وجلوس وقعود.
هَامِش
خلافًا لأبي الْعَبَّاس ثَعْلَب، وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن
فَارس؛ حَيْثُ أنكرا المترادف؛ زاعمين أَن كل مَا يظنّ
مترادفا، فَهُوَ من المتباينات بِالصِّفَاتِ؛ كَمَا فِي
الْإِنْسَان والبشر؛ فَإِن الأول بِاعْتِبَار النسْيَان، أَو
بِاعْتِبَار أَنه يؤنس؛ وَالثَّانِي بِاعْتِبَار أَنه بَادِي
الْبشرَة.
وسبيل الرَّد عَلَيْهِمَا صور لَا محيص عَنْهَا؛ " كأسد وَسبع
"؛ فِي الْأَعْيَان؛ " وجلوس وقعود "؛ فِي الْمعَانِي.
وأوضح من ذَلِك التَّمْثِيل بِالْبرِّ وَالْحِنْطَة؛ وَإِلَّا
فقد يَقُولَانِ: مَوْضُوع السَّبع أَعم من الْأسد؛ وَعَلِيهِ
حَدِيث: " نهي عَن أكل ذِي نَاب من السبَاع "، وَالْجُلُوس:
الِاسْتِقْرَار عَن قيام، وَالْقعُود: الِاسْتِقْرَار عَن
اضطجاع، وَقيل: عَكسه.
وَذَلِكَ الرَّد عَلَيْهِمَا أَيْضا [بِمَا] فِي " سنَن أبي
دَاوُد " ... ... ... ... ...
(1/365)
صفحة فارغة
هَامِش وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْعَبَّاس بن
عبد الْمطلب - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بالبطحاء، فمرت سَحَابَة، فَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَتَدْرُونَ، مَا هَذَا؟ "
فَقُلْنَا: السَّحَاب، قَالَ: " والمزن؟ "، قُلْنَا: والمزن،
قَالَ: " والعنان؟ " ... الحَدِيث.
(1/366)
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/367)
قَالُوا: لَو وَقع، لعري عَن الْفَائِدَة؛
قُلْنَا: فَائِدَته التَّوسعَة، وتيسير النّظم والنثر للروي
أَو الْوَزْن، وتيسير التَّجْنِيس والمطابقة.
هَامِش
الشَّرْح: " ومنكرو الترادف " قَالُوا: لَو وَقع، لعري "
اللَّفْظ " عَن الْفَائِدَة "؛ لحصولها بِاللَّفْظِ الآخر؛ "
قُلْنَا: فَائِدَته: التَّوسعَة " فِي الْعبارَة، " وتيسير
النّظم والنثر وللروي "، وَهُوَ الْحَرْف الَّذِي تبنى
عَلَيْهِ القصيدة، سَوَاء أَكَانَ آخر حرف فِي الْبَيْت أم
لَا، " أَو الْوَزْن "؛ بِسَبَب مُوَافقَة أحد اللَّفْظَيْنِ
رويا، أَو استقامة للوزن دون [الآخر] ، " أَو تيسير
التَّجْنِيس والمطابقة "؛ فَلَا يخفى أَن قَوْله تَعَالَى:
{وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير
سَاعَة} [سُورَة الرّوم: الْآيَة، 55]- أبلغ من قَوْلنَا: مَا
لَبِثُوا غير لَحْظَة، وَقَوله: {وهم يحسبون أَنهم يحسنون
صنعا} [سُورَة الْكَهْف: الْآيَة، 104]- أوقع من قَوْلنَا: وهم
يتوهمون أَنهم يحسنون، وأقسام الجناس كَثِيرَة مَعْرُوفَة فِي
البديع، وتيسير الْمُطَابقَة؛ وَهِي الْجمع بَين المتضادين،
مَعَ مُرَاعَاة التقابل فِيهِ - نَحْو: {فليضحكوا قَلِيلا
وليبكوا كثيرا} [سُورَة التَّوْبَة: الْآيَة، 82] .
(1/368)
قَالُوا: تَعْرِيف الْمُعَرّف؛ قُلْنَا:
عَلامَة ثَانِيَة.
هَامِش وَاضح، فقد تحصل الْمُطَابقَة بِأحد اللَّفْظَيْنِ دون
الآخر؛ وَكَذَلِكَ الْوَزْن؛ كَقَوْل الشَّاعِر: [الطَّوِيل]
(فَلَا الْجُود يفني المَال وَالْجد مقبل ... وَلَا الْبُخْل
يبقي المَال وَالْجد مُدبر)
وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك، إِذا كَانَ أَحدهمَا مَوْضُوعا
بالاشتراك لِمَعْنى آخر يحصل بِاعْتِبَارِهِ التقابل، دون
صَاحبه.
قَالَ القَاضِي عضد الدّين: كَمَا قيل: خسنا خير من خسكم،
وَقيل فِي مُقَابلَته: خسنا خير من خياركم، فَوَقع، التقابل
بَين الخس وَالْخيَار؛ بِوَجْه، وَوَقع بَينهمَا المشاكلة؛
بِوَجْه آخر، وَلَو قَالَ: خير من قثائكم، لم يحصل التقابل.
الشَّرْح: " قَالُوا ": الترادف: " تَعْرِيف الْمُعَرّف "؛
لِأَن اللَّفْظ الثَّانِي تَعْرِيف لما عرف الأول؛ وَذَلِكَ
محَال.
" قُلْنَا ": بل " عَلامَة ثَانِيَة "، وَيجوز أَن يكون
للشَّيْء عَلَامَات؛ وَهَذَا على تَقْدِير أَن يكون الْوَضع من
وَاحِد مُرَتبا، أما إِن كَانَ من واضعين أَو وَاحِد دفْعَة
وَاحِدَة، فَلَا يتخيل تَعْرِيف الْمُعَرّف أصلا.
(1/369)
(الْحَد والمحدود غير مترادفين)
(مَسْأَلَة:)
الْحَد والمحدود، وَنَحْو: " عطشان نطشان "، غير مترادفين؛ على
الْأَصَح؛ لِأَن الْحَد يدل على الْمُفْردَات، و " نطشان " لَا
يفرد.
(مَسْأَلَة:)
يَقع كل من المترادفين مَكَان الآخر؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ،
وَلَا حجر فِي ... ... ... ...
هَامِش
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " الْحَد والمحدود، وَنَحْو: عطشان نطشان "، أَي:
الِاسْم وَتَابعه: كخراب يباب - " غير مترادفين؛ على الْأَصَح
"؛ خلافًا لمن توهم الترادف؛ لما رأى أَن كلا من الْحَد
والمحدود يسْتَلْزم صدقه صدق الآخر، وَأَن معنى التَّابِع
والمتبوع وَاحِد.
ومذهبه فِي الْحَد ضَعِيف؛ " لِأَن الْحَد يدل؛ على
الْمُفْردَات "، أَعنِي: أَجزَاء الْمَحْدُود؛ بالتفصيل،
والمحدود يدل عَلَيْهَا؛ بالإجمال.
وَأما فِي التَّابِع، فَفِي غَايَة السُّقُوط؛ إِذْ التَّابِع
لَا يقوم مقَام الْمَتْبُوع؛ بِخِلَاف المترادفين، وَلَا
يسْتَعْمل مُنْفَردا عَن الْمَتْبُوع؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله: " ونطشان لَا يفرد ".
وَأطلق الْبَيْضَاوِيّ فِي " منهاجه " أَن التَّابِع لَا
يُفِيد.
والآمدي قَالَ: قد لَا يُفِيد معنى أصلا؛ بِإِثْبَات (قد) .
وَالْإِمَام قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": شَرط كَونه مُفِيدا
تقدم الأول عَلَيْهِ.
قلت: ويفيد التقوية حِينَئِذٍ؛ هَذَا هُوَ الْحق.
(" مَسْأَلَة ")
الشَّرْح: " يَقع كل من المترادفين مَكَان الآخر " حَال
التَّرْكِيب؛ خلافًا للْإِمَام الرَّازِيّ، وَمن تبعه؛ "
لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَا حجر فِي التَّرْكِيب " فِي
الْأَلْفَاظ.
(1/370)
التَّرْكِيب؛ قَالُوا: لَو صَحَّ، لصَحَّ "
خداي أكبر "؛ وَأجِيب بالتزامه؛ وبالفرق باختلاط اللغتين.
هَامِش
" قَالُوا: لَو صَحَّ " وُقُوعه، " لصَحَّ " أَن يُقَال: فِي
الصَّلَاة: " خداي أكبر "؛ إِذْ لَا فرق فِي كَون اللَّفْظ
مَوْضُوعا للمعنى؛ باصطلاح لُغَة، أَو لغتين.
" وَأجِيب بالتزامه " أَولا، فَنَقُول: يَصح (خداي أكبر) ؛ "
وبالفرق " ثَانِيًا بَين كَون المترادف من لُغَة، أَو لغتين؛ "
باختلاط اللغتين "؛ وَهُوَ رَأْي ثَالِث فِي الْمَسْأَلَة مفصل
ذهب إِلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ والهندي.
وَالْحق فِي الْجَواب: أَن عدم صِحَة (خداي أكبر) ؛ إِنَّمَا
هُوَ للتعبد فِي الصَّلَاة عِنْد أَصْحَابنَا بِلَفْظ (الله
أكبر) ، وَالْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة؛ إِنَّمَا هُوَ
حَيْثُ لَا يَقع تعبد بسبيكة لفظ، فَإِن وَقع، فَلَيْسَ من
هَذَا الْبَاب فِي شَيْء، وَذَلِكَ كَلَفْظِ التَّكْبِير،
وَالنِّكَاح، وَاللّعان؛ للقادر على الْعَرَبيَّة، وأمثال
ذَلِك.
(1/371)
|