روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل فصل: [في أسباب
مخالفة البرهان أو القياس]
وجميع الأدلة في أقسام العلوم ترجع إلى ما ذكرناه.
وحيث تذكر لا على هذا النظم فهو: إما لقصور، وإما لإهمال
إحدى المقدمتين2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 خلاصة ذلك: أن جميع الأدلة العقلية في جميع العلوم ترجع
إلى ما تقدم ذكره، =
ج / 1 ص -87-
ثم
إهمالهما إما لوضوحهما، وهو الغالب في الفقهيات. كقول
القائل: هذا يجب رجمه؛ لأنه زنا وهو محصن، وترك المقدمة
الأولى لاشتهارها، وهي: كل1 من زنا وهو محصن فعليه الرجم.
وأكثر أدلة القرآن على هذا. قال تعالى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}2. فترك: أنهما لم تفسدا للعلم به3.
وكذلك قوله تعالى:
{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا
لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}4.
ثم قد يكون الإهمال للمقدمة الأولى، وقد يكون للثانية. وقد
تترك إحدى المقدمتين للتلبيس على الخصم، وذلك بترك المقدمة
التي يعسر إثباتها، أو ينازعه الخصم فيها، استغفالًا للخصم
واستجالًا له، خشية أن يصرح بها فيتنبه ذهن خصمه لمنازعته
فيها.
وعادة الفقهاء إهمال إحدى المقدمتين، فيقولون في تحريم
النبيذ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فإن كانت مخالفة لما تقدم لم تكن دليلًا معتبرًا، وذلك
يرجع إلى أمرين: إما قصور علم الناظر، وإما إهمال إحدى
المقدمتين: الصغرى أو الكبرى.
وهذا الإهمال لأحد سببين: إما وضوح تلك المقدمة، وإما قصد
التعمية والتلبيس على المستدل، حتى لا يستطيع نقض المقدمة.
هذا معنى كلامه.
1 في جميع النسخ "وكل" ولعل الواو من زيادات النساخ فلا
محل لها.
2 سورة الأنبياء من الآية: 22.
3 قال الفراء: إن "إلا" هنا بمعنى "سوى" والمعنى: لو كان
فيهما آلهة سوى الله لفسدتا، ووجه الفساد: أن كون مع الله
إلها آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرًا على
الاستبداد بالتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ويحدث
بسببه الفساد. انظر "فتح القدير للشوكاني جـ3 ص453".
4 سورة الإسراء الآية: 42.
ج / 1 ص -88-
النبيذ
مسكر، فكان حرامًا كالخمر1، ولا تنقطع المطالبة عنه ما لم
يردّ إلى النظم الذي ذكرناه -والله أعلم-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الشيخ ابن بدران: "قوله: النبيذ مسكر، أي: ويتركون:
وكل مسكر حرام. ومثله قولك: لا تخالط فلانًا، فيقال: لِمَ؟
فيقول: لأن الحسَّاد لا تؤمن مخالطتهم. وتمامه أن تقول:
الحساد لا يخالطون، وهذا حاسد، فينبغي أن لا يخالط. فتركت
مقدمة المحكوم عليه وهي قولك: هذا حاسد.
وكل من يقصد التلبيس في المجادلات فطريقه: إهمال إحدى
المقدمتين إيهامًا بأنه واضح". "نزهة الخاطر جـ1 ص76". |