شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه ط العلمية المجلد الأول
خطبة الكتاب
...
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}
الحمد لله الذي أحكم بكتابه أصول الشريعة الغراء، ورفع
بخطابه فروع الحنيفية السمحة البيضاء، حتى أضحت كلمته
الباقية راسخة الأساس شامخة البناء. كشجرة طيبة أصلها ثابت
وفرعها في السماء، أوقد من مشكاة السنة لاقتباس أنوارها
سراجا وهاجا، وأوضح لإجماع الآراء على اقتفاء آثارها قياسا
ومنهاجا، حتى صادفت بحار العلم والهدى تتلاطم أمواجا.
ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، والصلاة على من
أرسله لساطع الحجة معوانا وظهيرا، وجعله لواضح المحجة
سلطانا ونصيرا، محمد المبعوث هدى للأنام مبشرا ونذيرا،
وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ثم على من التزم
بمقتضى إشاراته الدالة على طريق العرفان، واعتصم فيها بما
تواتر من نصوصه الظاهرة البيان، واغتنم في شريف ساحته
كرامة الاستصحاب والاستحسان، من المهاجرين والأنصار والذين
اتبعوهم بإحسان.
وبعد فإن علم الأصول الجامع بين المعقول والمنقول، النافع
في الوصول إلى مدارك المحصول أجل ما يتنسم في إحكام أحكام
الشرع قبول القبول، وأعز ما يتخذ لإعلاء أعلام الحق عقول
العقول، وإن كتاب التنقيح - مع شرحه المسمى بالتوضيح
للإمام المحقق والنحرير المدقق علم الهداية وعالم الدراية
معدل ميزان المعقول، والمنقول، ومنقح أغصان الفروع والأصول
صدر الشريعة والإسلام، أعلى الله درجته في دار السلام -
كتاب شامل لخلاصة كل مبسوط واف، ونصاب كامل من خزانة كل
منتخب كاف، وبحر محيط بمستصفى كل مديد وبسيط، وكنز مغن عما
سواه من كل وجيز ووسيط، فيه كفاية لتقديم ميزان الأصول
وتهذيب أغصانها، وهو نهاية في تحصيل مباني الفروع وتعديل
أركانها، نعم قد سلك منهاجا بديعا في كشف أسرار التحقيق،
واستولى على الأمد الأقصى من رفع منار التدقيق، مع شريف
زيادات ما مستها أيدي الأفكار، ولطيف ما فتق بها رتق
آذانهم أولو الأبصار، ولهذا طار كالأمطار في الأقطار، وصار
كالأمثال في الأمصار، ونال في الآفاق حظا من الاشتهار، ولا
اشتهار الشمس في نصف النهار. وقد صادفت مجتازي ما وراء
النهر لكثير من فضلاء الدهر أفئدة تهوى إليه وأكبادا هائمة
عليه، وعقولا جاثية بين يديه، ورغبات مستوقفة المطايا
لديه، معتصمين في كشف أستاره بالحواشي والأطراف، قانعين في
بحار أسراره على اللآلئ بالأصداف لا تحل أنامل الأنظار عقد
معضلاته ولا يفتح بنان البيان أبواب مغلقاته فلطائفه بعد
تحت حجب الألفاظ مستورة وخرائده في خيام الأستار مقصورة
ترى حواليها همما مستشرفة
(1/5)
حامدا لله
تعالى أولا وثانيا ولعنان الثناء إليه ثانيا وعلى أفضل
رسله وآله مصليا
.........................................................
الأعناق، ودون الوصول إليها أعينا ساهرة الأحداق، فأمرت
بلسان الإلهام، لا كوهم من الأوهام، أن أخوض في لجج فوائده
وأغوص على غرر فرائده، وأنشر مطويات رموزه، وأظهر مخفيات
كنوزه، وأسهل مسالك شعابه، وأذلل شوارد صعابه، بحيث يصير
المتن مشروحا، ويزيد الشرح بيانا ووضوحا، فطفقت أقتحم
موارد الشهر في ظلم الدياجر، وأحتمل مكابد الفكر في ظمإ
الهواجر، راكبا كل صعب وذلول، لاقتناص شوارد الأصول،
ونازفا غلالة الجد في الأصول إلى مقاصد الأبواب والفصول،
حتى استوليت على الغاية القصوى من أسرار الكتاب، وأمطت عن
وجوه خرائد قناع الارتياب، ثم جمعت هذا الشرح المرسوم
بالتلويح إلى كشف حقائق التنقيح. مشتملا على تقرير قواعد
الفن وتحرير معاقده، وتفسير مقاصد الكتاب وتكثير فوائده،
مع تنقيح لما آثر فيه المصنف بسط الكلام، وتوضيح لما اقتصر
فيه على ضبط المرام، في ضمن تقريرات تنفتح لورودها أصداف
الآذان، وتحقيقات تهتز لإدراكها أعطاف الأذهان، وتوجيهات
ينشط لاستماعها الكسلان، وتقسيمات يطرب عند سماعها
الثكلان، معولا في متون الرواية على ما اشتهر من الكتب
الشريفة، ومعرجا في عيون الدراية على ما تقرر من النكت
اللطيفة، وسيحمد الغائص في بحار التحقيق الفائض عليه أنوار
التوفيق، ما أودعت هذا الكتاب الذي لا يستكشف القناع عن
حقائقه إلا الماهر من علماء الفريقين، ولا يستهل للاطلاع
على دقائقه إلا البارع في أصول المذهبين، مع بضاعة في
صناعة التوجيه والتعديل، وإحاطة بقوانين، الاكتساب
والتحصيل، والله سبحانه ولي الإعانة والتأييد، والملي
بإفاضة الإصابة والتسديد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قوله: "حامدا" حال من المستكن في متعلق الباء أي بسم الله
أبتدئ الكتاب حامدا آثر طريقة الحال على ما هو المتعارف
عندهم من الجملة الاسمية والفعلية نحو الحمد لله وأحمد
الله تسوية بين الحمد والتسمية ورعاية للتناسب بينهما فقد
ورد في الحديث: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو
أبتر" "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجزم"
فحاول أن يجعل الحمد قيدا للابتداء حالا عنه كما وقعت
التسمية كذلك إلا أنه قدم التسمية؛ لأن النصين متعارضان
ظاهرا، إذ الابتداء بأحد الأمرين يفوت الابتداء بالآخر وقد
أمكن الجمع بأن يقدم أحدهما على الآخر فيقع الابتداء به
حقيقة وبالآخر بالإضافة إلى ما سواه فعمل بالكتاب الوارد
بتقديم التسمية والإجماع المنعقد عليه وترك العاطف لئلا
يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية ولا يجوز أن يكون حامدا حالا
من فاعل يقول؛ لأن قوله وبعد فإن العبد على ما في النسخة
المقررة عند المصنف صارف عن ذلك. وأما على النسخة القديمة
الخالية عن هذا الصارف فالظاهر أنه حال عنه. وأما تفصيل
الحمد بقوله أولا وثانيا فيحتمل وجوها: الأول أن الحمد
يكون على النعمة وغيرها فالله تعالى يستحق الحمد أولا
بكمال ذاته وعظمة صفاته وثانيا بجميل نعمائه وجزيل
آلائه التي من جملتها التوفيق لتأليف هذا الكتاب الثاني أن
نعمة الله تعالى على كثرتها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولا
وإيجاد وإبقاء ثانيا فيحمده على القسمين تأسيا بالسور
المفتتحة بالتحميد حيث أشير في الفاتحة إلى الجميع وفي
الأنعام إلى الإيجاد وفي الكهف إلى الإبقاء أولا وفي السبأ
إلى الإيجاد وفي الملائكة إلى الإبقاء. ثانيا الثالث
الملاحظة لقوله تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى
وَالْآخِرَةِ} [القصص:70]
(1/6)
وفي حلبة
الصلوات مجليا ومصليا. وبعد: فإن العبد المتوسل إلى الله
تعالى بأقوى الذريعة
.........................................................
على معنى أنه يستحق الحمد في الدنيا على ما يعرف بالحجة من
كماله ويصل إلى العباد من نواله وفي الآخرة على ما يشاهد
من كبريائه ويعاين من نعمائه التي لا عين رأت ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَآخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
[يونس:10] فإن قلت فقد وقع التعرض للحمد على الكبرياء
والآلاء في داري الفناء والبقاء فما معنى قوله ولعنان
الثناء ثانيا أي: صارفا عطفا على "حامدا" قلت: معناه قصد
تعظيمه ونية التقرب إليه في كل ما يصلح لذلك من الأقوال
والأفعال وصرف الأموال إشارة إلى أنواع العبادات فإن نعم
الله تعالى تستوجب الشكر بالقلب واللسان والجوارح والحمد
لا يكون إلا باللسان، وفيه إشارة إلى أن الأخذ في العلوم
الإسلامية ينبغي أن يعرض عن جانب الخلق ويصرف أعنة الثناء
من جميع الجهات إلى جناب الحق تعالى وتقدس عالما بأنه
المستحق للثناء وحده، فإن قلت: من شرط الحال المقارنة
للعامل والأحوال المذكورة أعني حامدا وغيره لا تقارن
الابتداء بالتسمية قلت: ليس الباء صلة ل "أبتدئ" بل الظرف
حال والمعنى متبركا بسم الله أبتدئ الكتاب، والابتداء أمر
عرفي يعتبر ممتدا من حين الأخذ في التصنيف إلى الشرع في
البحث ويقارنه التبرك بالتسمية والحمد والصلاة، فإن قلت:
فعلى الوجه الثالث يكون حامدا ثانيا بمعنى ناويا للحمد
وعازما عليه ليكون مقارنا للعامل وحينئذ يلزم الجمع بين
الحقيقة والمجاز قلت: يجعل من قبيل المحذوف أي وحامدا
ثانيا بمعنى عازما عليه فلا يلزم الجمع.
قوله: "وعلى أفضل رسله مصليا" لما كان أجل النعم الواصلة
إلى العبد هو دين الإسلام، وبه التوصل إلى النعم الدائمة
في دار السلام، وذلك بتوسط النبي عليه الصلاة والسلام صار
الدعاء له تلو الثناء على الله تعالى فأردف الحمد بالصلاة،
وفي ترك التصريح باسم النبي عليه السلام على ما في النسخة
المقررة تنويه بشأنه وتنبيه على أن كونه أفضل الرسل عليه
السلام أمر جلي لا يخفى على أحد. والحلبة بالسكون خيل تجمع
للسباق من كل أوب استعيرت للمضمار. والمجلي هو السابق من
أفراس السباق والمصلي هو الذي يتلوه؛ لأن رأسه عند صلويه،
ومعنى ذلك تكثير الصلاة وتكريرها أو أشار بالمجلي إلى
الصلاة على النبي وبالمصلي إلى الصلاة على الآل؛ لأنها
إنما تكون ضمنا وتبعا، ثم لا يخفى حسن ما في قرائن الحمد
والصلاة من التجنيس وما في القرينة الثانية من الاستعارة
بالكناية والتخييل والترشيح وما في الرابعة من التمثيل،
وإن تقديم المعمولات في القرائن الثلاث الأخيرة لرعاية
السجع والاهتمام، إذ الحصر لا يناسب المقام، وإن انتصاب
أولا وثانيا على الظرفية. وأما التنوين في أولا مع أنه
أفعل التفضيل بدليل الأولى والأوائل كالفضل والأفاضل فلأنه
هاهنا ظرف بمعنى قبل، وهو حينئذ منصرف لا وصفية له أصلا،
وهذا معنى ما قال في الصحاح إذا جعلته صفة لم تصرفه تقول
لقيته عاما أول وإذا لم تجعله صفة صرفته تقول لقيته عاما
أولا ومعناه في الأول أول من هذا العام، وفي الثاني قبل
هذا العام.
قوله: "سعد جده" فيه إيهام، إذ الجد البخت وأب الأب.
قوله: "وفقني الله" التوفيق جعل الأسباب متوافقة ويعدى
باللام وتعديته بالباء تسامح أو
(1/7)
عبيد الله بن
مسعود بن تاج الشريعة سعد جده وأنجح جده يقول لما وفقني
الله بتأليف تنقيح الأصول أردت أن أشرح مشكلاته وأفتح
مغلقاته معرضا عن شرح المواضع التي من يحلها بغير إطناب لا
يحل له النظر في ذلك الكتاب واعلم أني لما سودت كتاب
التنقيح، وسارع بعض الأصحاب إلى انتساخه ومباحثته وانتشر
النسخ في بعض الأطراف ثم بعد ذلك وقع فيه قليل من
التغييرات وشيء من المحو والإثبات فكتبت في هذا الشرح
عبارة المتن على النمط الذي تقرر عندي لتغيير النسخ
المكتوبة قبل التغييرات إلى هذا النمط.
ثم لما تيسر إتمامه وفض بالاختتام ختامه مشتملا على
تعريفات وحجج مؤسسة على قواعد المعقول وتفريعات مرصصة بعد
ضبط الأصول وترتيب أنيق لم يسبقني على مثله أحد مع تدقيقات
غامضة لم يبلغ فرسان هذا العلم إلى هذا الأمد سميت هذا
الكتاب بالتوضيح في حل غوامض التنقيح، والله تعالى مسئول
أن يعصم عن الخطأ والخلل كلامنا وعن السهو والزلل أقلامنا
وأقدامنا.
.........................................................
تضمين لمعنى التشريف والمصنف كثيرا ما يتسامح في صلاة
الأفعال ميلا منه إلى جانب المعنى.
قوله: "وفض" من فضضت ختم الكتاب فتحته والفض الكسر
بالتفريق واختتمت الكتاب بلغت آخره والختام الطين الذي
يختم به جعل الكتاب قبل التمام لاحتجابه عن نظر الأنام
بمنزلة الشيء المختوم الذي لا يطلع على مخزوناته ولا يحاط
بمستودعاته، ثم جعل عرضه على الطالبين بعد الاختتام وعدم
منعهم عن مطالعته بعد التمام بمنزلة فض الختام.
قوله: "مؤسسة على قواعد المعقول" أي مبنية على الوجوه
والشرائط المذكورة في علم الميزان لا كما هو دأب قدماء
المشايخ من الاقتصار على حصول المقصود.
قوله: "وترتيب أنيق" أي: حسن معجب يريد به بعض ما تصرف فيه
من التقديم والتأخير في المباحث والأبواب على الوجه الأحسن
الأليق لم يسبقني والصواب لم يسبقني إلى مثله سبقت
العالمين إلى المعالي.
قوله: "لم يبلغ" صفة تدقيقات والعائد محذوف أي لم يبلغها
فرسان علم الأصول إلى هذه الغاية من الزمان أو المراد لم
يصل فرسان هذا العلم إلى تلك الغاية من التدقيق فيكون من
وضع الظاهر موضع الضمير وتعدية البلوغ بإلى لجعله بمعنى
الوصول والانتهاء.
قوله: "سميت هذا الكتاب" جواب لما وضع اسم الإشارة موضع
الضمير لكمال العناية بتمييزه، فإن قلت: لما لثبوت الثاني
لثبوت الأول فيقتضي سببية ما ذكره بعد لما لتسمية هذا
الكتاب بالتوضيح فما وجهه قلت: وجهه أن الضمير في إتمامه
للشرح المذكور الموصوف بأنه شرح لمشكلات التنقيح وفتح
لمغلقاته وإتمام مثل هذا الشرح مع اشتماله على الأمور
المذكورة يصلح سببا لتسميته بالتوضيح في حل غوامض التنقيح.
(1/8)
إليه يصعد
الكلم الطيب من محامد لأصولها من مشارع الشرع ماء ولفروعها
من قبول القبول نماء على أن جعل أصول الشريعة ممهدة
المباني وفروعها رقيقة الحواشي بنى على أربعة أركان قصر
الأحكام وأحكمه بالمحكمات غاية الإحكام وجعل المتشابهات
مقصورات خيام الاستتار ابتلاء لقلوب الراسخين والنصوص منصة
عرائس أبكار أفكار المتفكرين وكشف القناع عن جمال مجملات
كتابه بسنة نبيه المصطفى وفصل خطابه صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه ما رفع أعلام الدين بإجماع المجتهدين ووضع
معالم العلم على مسالك المعتبرين.
ـــــــ
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] افتتح
بالضمير قبل الذكر ليدل على حضوره في الذهن، فإن ذكر الله
تعالى كيف لا يكون في الذهن سيما عند افتتاح الكلام كقوله
تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}
[الإسراء:105] وقوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
[الواقعة:77] وقوله الطيب صفة الكلم. والكلم إن كان جمعا
وكل جمع يفرق بينه وبين واحدة بالتاء يجوز في وصفه التذكير
والتأنيث نحو نخل خاوية ونحو "منقعر", "من محامد لأصولها
من مشارع
.........................................................
قوله: "إليه يصعد" افتتاح غريب واقتباس لطيف أتى بالضمير
قبل الذكر دلالة على حضور ذكر الله تعالى في قلب المؤمن
سيما عند افتتاح الكلام في أصول الشرع وإشارة إلى أن الله
تعالى متعين لتوجه المحامد إليه لا يفتقر إلى التصريح
بذكره ولا يذهب الوهم إلى غيره، إذ له العظمة والجلالة
ومنه العطاء والنوال وإيماء إلى أن الشارع في العلوم
الإسلامية ينبغي أن يكون مطمح نظره ومقصد همته جناب الحق
تعالى وتقدس ويقتصر على طلب رضاه ولا يلتفت إلى ما سواه لا
يقال: إن ابتدأ المتن بالتسمية فلا إضمار قبل الذكر، وإن
لم يبدأ لزم ترك العمل بالسنة؛ لأنا نقول يكفي في العمل
بالسنة أن تذكر التسمية باللسان أو تخطر بالبال أو تكتب
على قصد التبرك من غير أن تجعل جزءا من الكتاب وعلى كل
تقدير يكون الإضمار قبل ذكر المرجع في الكتاب، والصعود
الحركة إلى المعالي مكانا وجهة استعير للتوجه إلى العالي
قدرا ومرتبة والكلم من الكلمة بمنزلة التمر من التمرة يفرق
بين الجنسي وواحده بالتاء، واللفظ مفرد إلا أنه كثيرا ما
يسمى جمعا نظرا إلى المعنى الجنسي ولاعتبار جانبي اللفظ
والمعنى يجوز في وصفه التذكير والتأنيث قال الله تعالى:
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] أي
منقطع عن مغارسه ساقط على وجه الأرض وقال: {كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] أي متآكلة
الأجواف، ثم الكلم غلب على الكثير لا يستعمل في الواحد
ألبتة حتى توهم بعضهم أنها جمع كلمة وليس على حد تمر وتمرة
إلا أن الكلم الطيب بتذكير الوصف يدل على ما ذكرنا مع أن
"فعلا" ليس من أبنية الجمع فلا ينبغي أن يشك في أنه اسم
جمع كتمر وركب وأنه ليس بجمع كنسب ورتب ففي قوله والكلم إن
كان جمعا حرازة لا تخفى والصواب، وإن كان بالواو.
قوله: "من محامد" حال من الكلم بيانا له على ما قال النبي
عليه السلام "هو سبحان الله
(1/9)
الشرع ماء
ولفروعها من قبول القبول نماء" القبول الأول ريح الصبا
"على أن جعل أصول الشريعة ممهدة المباني وفروعها رقيقة
الحواشي" أي لطيفة الأطراف والجوانب ودقيقة
.........................................................
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذا قالها العبد
عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن
له عمل صالح لم يقبل" ، وإنما صلح الجمع المنكر بيانا
للمعرف المستغرق لما سيجيء من أن النكرة تعم بالوصف كامرأة
كوفية، ولأن التنكير هاهنا للتكثير، وهو يناسب التعميم.
والمحامد جمع محمدة بمعنى الحمد، وهو مقابلة الجميل من
نعمة أو غيرها بالثناء والتعظيم باللسان. والشكر مقابلة
النعمة بالإظهار وتعظيم المنعم قولا أو عملا أو اعتقادا
فلاختصاص الحمد باللسان كان بيان الكلم بها أنسب والمشارع
جمع مشرعة الماء وهي مورد الشاربة والشرع والشريعة ما شرع
الله تعالى لعباده من الدين أي أظهر وبين وحاصله الطريقة
المعهودة الثابتة من النبي عليه السلام جعلها على طريق
الاستعارة المكنية بمنزلة روضات وجنات فأثبت لها مشارع
يردها المتعطشون إلى زلال الرحمة والرضوان وبهذا الطريق
أثبت لقبول العبادة الذي هو مهب ألطاف الرحمن ومطلع أنوار
الغفران ريح الصبا التي بها روح الأبدان ونماء الأغصان فإن
القبول الأول ريح الصبا ومهبها المستوي مطلع الشمس إذا
استوى الليل والنهار ويقابلها الدبور والعرب تزعم أن
الدبور تزعج السحاب وتشخصه في الهواء، ثم تسوقه فإذا علا
كشف عنه واستقبلته الصبا فوزعت بعضه على بعض حتى يصير كسفا
واحدا، ثم ينزل مطرا تنمي به الأشجار والقبول الثاني من
المصادر الشاذة لم يسمع له ثان والنماء الزيادة والارتفاع
نما ينمي نماء ونما ينمو نموا وحقيقة النمو الزيادة في
أقطار الجسم على تناسب طبيعي، ثم في وصف المحامد بما ذكر
تلميح إلى قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [ابراهيم:24] فإن المحامد لما
كانت هي الكلم الطيب والكلمة الطيبة كشجرة طيبة فالمحمدة
شجرة لها أصل هو الإيمان والاعتقادات وفروع هو الأعمال
والطاعات وتحقيق ذلك أن الحمد، وإن كان في اللغة فعل
اللسان خاصة إلا أن حمد الله تعالى على ما صرح به الإمام
الرازي في تفسيره ليس قول القائل الحمد لله، بل ما يشعر
بتعظيمه وينبئ عن تمجيده من اعتقاد اتصافه بصفات الكمال
والترجمة عن ذلك بالمقال والإتيان بما يدل عليه من الأعمال
فالاعتقاد أصل لولاه لكان الحمد كشجرة خبيثة اجتثت من فوق
الأرض ما لها من قرار والعمل فرع لولاه لما كان للحمد نماء
إلى الله تعالى وقبول عنده بمنزلة دوحة لا غصن لها وشجرة
لا ثمرة عليها، إذ العمل هو الوسيلة إلى نيل الجنات ورفع
الدرجات قال الله تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، وفي الحديث: "فإذا لم يكن عمل صالح
لم يقبل" فأشار المصنف إلى أن لشجرة المحامد أصلا ثابتا هو
الاعتقاد الراسخ الإسلامي المبتنى على علم التوحيد والصفات
وفرعا ناميا إلى الله تعالى مقبولا عنده هو العمل الصالح
الموافق للشريعة المطهرة المبتنى على علم الشرائع والأحكام
وأشار إلى الاختصاص والدوام بقوله إليه يصعد بتقديم الظرف
المفيد للاختصاص ولفظ المضارع المنبئ عن الاستمرار.
قوله: "على أن جعل" تعليق للمحامد ببعض النعم إشارة إلى
عظم أمر العلم الذي وقع التصنيف فيه ودلالة على جلالة قدره
والشريعة نعم الفقه وغيره من الأمور الثابتة بالأدلة
السمعية
(1/10)
المعاني "بني
على أربعة أركان قصر الأحكام وأحكمه بالمحكمات غاية
الإحكام وجعل المتشابهات مقصورات خيام الاستتار ابتلاء
لقلوب الراسخين" فإن إنزال المتشابهات على مذهبنا وهو
الوقف اللازم على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]
.........................................................
كمسألة الرؤية والمعاد وكون الإجماع والقياس حجة وما أشبه
ذلك وأصول الشريعة أدلتها الكلية ومباني الأصول ما تبتنى
هي عليه من علم الذات والصفات والنبوات وتمهيدها تسويتها
وإصلاحها بكونها على وفق الحق ونهج الصواب وفروع الشريعة
أحكامها المفصلة المبينة في علم الفقه ومعانيها العلل
الجزئية التفصيلية على كل مسألة ودقتها كونها غامضة لطيفة
لا يصل إليها كل أحد بسهولة وجميع ذلك نعم تستوجب الحمد،
إذ بالشريعة نظام الدنيا وثواب العقبى وبدقة معاني الفقه
رفعة درجات العلماء ونيلهم الثواب في دار الجزاء، وفي هذا
الكلام إشارة إلى أن علم الأصول فوق الفقه ودون الكلام؛
لأن معرفة الأحكام الجزئية بأدلتها التفصيلية موقوفة على
معرفة أحوال الأدلة الكلية من حيث توصل إلى الأحكام
الشرعية وهي موقوفة على معرفة الباري وصفاته وصدق المبلغ
ودلالة معجزاته ونحو ذلك مما يشتمل عليه علم الكلام الباحث
عن أحوال الصانع والنبوة والإمامة والمعاد وما يتصل بذلك
على قانون الإسلام.
قوله: "بني على أربعة أركان" بمنزلة البدل من الجملة
السابقة شبه الأحكام الشرعية بقصر من جهة أن الملتجئ إليها
يأمن من غوائل عدو الدين وعذاب النار فأضاف المشبه به إلى
المشبه كما في لجين الماء والأحكام تستند إلى أدلة جزئية
ترجع مع كثرتها إلى أربعة دلائل هي أركان قصر الأحكام
فذكرها في أثناء الكلام على الترتيب الذي بنى الشارع
الأحكام عليها من تقديم الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم
العمل بالقياس ذكر الثلاثة الأول صريحا والقياس بقوله ووضع
معالم العلم على مسالك المعتبرين أي القائلين المتأملين في
النصوص وعلل الأحكام من قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا
أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] تقول اعتبرت الشيء إذا
نظرت إليه وراعيت والعلم الأثر الذي يستدل به على الطريق
عبر به عن علة الحكم التي بها يستدل على ثبوت الحكم في
المقيس، فإن قلت: ليس ترتيب الشارع تقديم السنة على
الإجماع مطلقا، بل إذا كانت قطعية قلت: الكلام في متن
السنة ولا خفاء في تقدمه، وإنما يؤخر حيث يؤخر لعارض الظن
في ثبوته، ثم ذكر بعض أقسام الكتاب إشارة إلى أنه كما
يشتمل القصر على ما هو غاية في الظهور وعلى ما هو دونه
وعلى ما هو غاية في الخفاء والاستتار بحيث لا يصل إليه غير
رب القصر وعلى ما هو دونه كذلك قصر الأحكام يشتمل على محكم
هو غاية في الظهور ونص هو دونه وعلى متشابه هو غاية في
الخفاء ومجمل هو دونه وسيجيء تفسيرها.
قوله: "مقصورات" أي محبوسات جعل خيام الاستتار مضروبة على
المتشابه محيطة به بحيث لا يرجى بدوه وظهوره أصلا على ما
هو المذهب من أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله وفائدة
إنزاله ابتلاء الراسخين في العلم بمنعهم عن التفكير فيه
والوصول إلى ما هو غاية متمناهم من العلم بأسراره فكما أن
الجهال مبتلون بتحصيل ما هو غير مطلوب عندهم من العلم
والإمعان في
(1/11)
لابتلاء
الراسخين في العلم بكبح عنان ذهنهم عن التفكر فيها،
والوصول إلى ما يشتاقون إليه من العلم بالأسرار التي
أودعها فيها ولم يظهر أحدا من خلقه عليها "والنصوص منصة
عرائس أبكار أفكار المتفكرين" منصة العروس مكان يرفع
العروس عليه للجلوة "وكشف القناع عن جمال مجملات كتابة
بسنة نبيه المصطفى وفصل خطابه" أي الخطاب الفاصل بين الحق
.........................................................
الطلب كذلك العلماء مبتلون بالوقف وترك ما هو محبوب عندهم،
إذ ابتلاء كل أحد إنما يكون بما هو على خلاف هواه وعكس
متمناه.
قوله: "بكبح عنان ذهنهم" تقول كبحت الدابة إذا جذبتها إليك
باللجام لكي تقف ولا تجري.
قوله: "أودعها فيها" أي أودع الله الأسرار في المتشابهات
والإيداع متعد إلى مفعولين تقول أودعته مالا إذا دفعته
إليه ليكون وديعة عنده، وإنما عداه بفي تسامحا أو تضمينا
بمعنى الإدراج والوضع.
قوله: "منصة" بفتح الميم المكان الذي يرفع عليه العروس
للجلوة من نصصت الشيء رفعته والعروس نعت يستوي فيه الرجل
والمرأة ما داما في إعراسهما يجمع المؤنث على عرائس
والمذكر على عرس بضمتين، وفي هذا الكلام نوع حزازة؛ لأن
المعاني التي أظهرت بالنصوص وجليت بها على الناظرين هي
مفهوماتها والأحكام المستفادة منها وهي ليست نتائج أفكار
المتفكرين، بل أحكام الملك الحق المبين فكأنه أراد أن
المجتهدين يتأملون في النصوص فيطلعون على معان ودقائق
ويستخرجون أحكاما وحقائق وهي نتائج أفكارهم الظاهرة على
النصوص بمنزلة العروس على المنصة.
قوله: "وفصل خطابه" أي خطابه الفاصل المميز بين الحق
والباطل أو خطابه المفصول الذي يتبينه من يخاطب به ولا
يلتبس عليه على أن الفصل مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول،
وهذا من عطف الخاص على العام تنبيها على عظم أمره وفخامة
قدره، إذ السنة ضربان قول وفعل والقول هو الموضوع لبيان
الشرائع المبني عليه أكثر الأحكام المتفق على حجيته بين
الأنام.
قوله: "ما رفع" أي ما دام رايات مراسم الدين مرفوعة عالية
بإجماع المجتهدين الباذلين وسعهم في إعلاء كلمة الله
وإحياء مراسم الدين فإن الحكم المجمع عليه مرفوع لا يوضع
ومنصوب لا يخفض.
قوله: "جليل الشأن" أي عظيم الأمر باهر البرهان أي غالب
الحجة وفائقها مركوز أي مدفون من ركزت الرمح غرزته في
الأرض والكنوز الأموال المدفونة والصخور والحجارة العظام
شبه بها عباراته الصعبة الجزلة لصعوبة التوصل بها إلى فهم
المعاني التي هي بمنزلة الجواهر النفيسة والرمز الإشارة
بالشفتين أو الحاجب تعدى بإلى فأصل الكلام مرموز إلى غوامض
حذف الجار وأوصل الفعل فصار غوامض مسندا إليه والنكتة
اللطيفة المنقحة من نكت في الأرض بالقضيب إذا ضرب فأثر
فيها يعني قد أومأ إلى النكت الخفية اللطيفة في أثناء
إشاراته الدقيقة والنظر تأمل الشيء
(1/12)
والباطل صلى
الله عليه وعلى آله وأصحابه ما رفع أعلام الدين بإجماع
المجتهدين، ووضع معالم العلم على مسالك المعتبرين. أراد
بمعالم العلم العلل التي يعلم القائس بها الحكم في المقيس،
وأراد بالمعتبرين بكسر الباء القائسين، ومسالكهم هي مواقع
سلوكهم بأقدام الفكر من مواد النصوص إلى الأحكام الثابتة
في الفروع، فمبدأ سلوكهم هو لفظ النص فيعبرون منه إلى
معانيه اللغوية الظاهرة، ثم منها إلى معانيه الشرعية
الباطنة فيجدون فيها علامات وأمارات وضعها الشارع ليهتدوا
بها إلى مقاصدهم، ولما قال بني على أربعة أركان قصر
الأحكام ذكر الأركان الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع
والقياس على الوجه الذي بنى الشارع قصر الأحكام عليها.
.........................................................
بالعين والإمعان فيه واللحظ النظر إلى الشيء بمؤخر العين
واللحاظ بالفتح مؤخر العين والتنقيح التهذيب تقول نقحت
الجذع وشذبته إذا قطعت ما تفرق من أغصانه ولم يكن في لبه
وتنظيم الدرر في السلك جمعها كما ينبغي مترتبة متناسقة
والكلام لا يخلو عن تعريض ما بان في أصول فخر الإسلام
زوائد يجب حذفها وشتائت يجب نظمها ومغالق يجب حلها وأنه
ليس بمبني على قواعد المعقول بأن يراعى في التعريفات
والحجج شرائطها المذكورة في علم الميزان، وفي التقسيمات
عدم تداخل الأقسام إلى غير ذلك مما لم يلتفت إليه المشايخ.
قوله: "موردا فيه" في ذلك المنقح الموصوف يعني كتابه وكذا
الضمائر التي تأتي بعد ذلك.
قوله: "الإعجاز في الكلام أن يؤدى المعنى بطريق هو أبلغ من
جميع ما عداه من الطرق" ليس تفسير المفهوم إعجاز الكلام؛
لأنه لا يلزم أن يكون بالبلاغة، بل هو عبارة عن كون الكلام
بحيث لا يمكن معارضته والإتيان بمثله من أعجزته جعلته
عاجزا ولهذا اختلفوا في جهة إعجاز القرآن من الاتفاق على
كونه معجزا فقيل إنه ببلاغته وقيل بإخباره عن المغيبات،
وقيل بأسلوبه الغريب وقيل بصرف الله العقول عن المعارضة،
بل المراد أن إعجاز كلام الله تعالى إنما هو بهذا الطريق،
وهو كونه في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة على ما هو الرأي
الصحيح فباعتبار أنه يشترط في إعجاز الكلام كونه أبلغ من
جميع ما عداه يكون واحدا لا تعدد فيه بخلاف سحر الكلام
فإنه عبارة عن دقته ولطف مأخذه، وهذا يقع على طرق متعددة
ومراتب مختلفة فلهذا قال أهداب السحر بلفظ الجمع وعروة
الإعجاز بلفظ المفرد وهدب الثوب ما على أطرافه وعروة الكوز
كليته الذي تؤخذ عنه أخذه وهي أقوى من الهدب فخصها
بالإعجاز الذي هو أوثق من السحر، وفي الصحاح السحر الأخذة
وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، ومعنى تمسكه بذلك مبالغته
في تلطيف الكلام وتأدية المعاني بالعبارات اللائقة الفائقة
حتى كأنه يتقرب إلى السحر والإعجاز وهاهنا بحثان الأول أن
كون طريق تأدية المعنى أبلغ من جميع ما عداه من الطرق
المحققة الموجودة غير كاف في الإعجاز، بل لا بد من العجز
عن معارضته والإتيان بمثله من الطرق المحققة والمقدرة حتى
لا يمكن الإتيان بمثله غير مشروط؛ لأن الله تعالى قادر على
الإتيان بمثل القرآن مع كونه معجزا فما معنى قوله أبلغ من
جميع ما عداه والثاني أن الطرف الأعلى من البلاغة وما يقرب
منه من المراتب العلية التي لا يمكن للبشر الإتيان بمثله
كلاهما معجز على ما ذكر في المفتاح ونهاية الإعجاز
(1/13)
وبعد: فإن
العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة عبيد الله بن
مسعود بن تاج الشريعة سعد جده وجد سعده يقول لما رأيت فحول
العلماء مكبين في كل عهد وزمان على مباحثة أصول الفقه
للشيخ الإمام مقتدى الأئمة العظام فخر الإسلام علي البزدوي
بوأه الله تعالى دار السلام وهو كتاب جليل الشأن باهر
البرهان مركوز كنوز معانيه في صخور عباراته ومرموز غوامض
نكته في دقائق إشاراته ووجدت بعضهم طاعنين على ظواهر
ألفاظه لقصور نظرهم عن مواقع ألحاظه.
أدرت تنقيحه وتنظيمه وحاولت تبيين مراده وتفهيمه وعلى
قواعد المعقول تأسيسه وتقسيمه موردا فيه زبدة مباحث
المحصول وأصول الإمام المدقق جمال العرب ابن الحاجب مع
تحقيقات بديعة وتدقيقات غامضة منيعة تخلو الكتب عنها سالكا
فيه مسلك الضبط والإيجاز متشبثا بأهداب السحر متمسكا بعروة
الإعجاز.
وسميته: تنقيح الأصول والله تعالى مسؤول أن يمتع به مؤلفه
وكاتبه وقارئه وطالبه ويجعله خالصا لوجهه الكريم إنه هو
البر الرحيم.
ـــــــ
"وبعد فإن العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة
عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة سعد جده وجد سعده يقول
لما رأيت فحول العلماء مكبين في كل عهد وزمان على مباحثة
أصول الفقه", أي: مقبلين عليها من أكب على وجهه سقط عليه
فإن من أقبل على الشيء غاية الإقبال فكأنه أكب عليه "للشيخ
الإمام مقتدى الأئمة العظام فخر الإسلام علي البزدوي بوأه
الله تعالى دار السلام وهو كتاب جليل الشأن باهر البرهان
مركوز كنوز معانيه في صخور عباراته ومرموز غوامض نكته في
دقائق إشاراته ووجدت بعضهم طاعنين على ظواهر ألفاظه؛ لقصور
نظرهم عن مواقع ألحاظه". أي لا يدركون بإمعان لنظر ما
يدركه هو بلحاظ عينه من غير أن ينظر إليه قاصدا "أردت
تنقيحه وتنظيمه وحاولت", أي طلبت "تبيين مراده وتفهيمه
وعلى قواعد المعقول وتأسيسه وتقسيمه موردا فيه زبدة مباحث
المحصول وأصول الإمام المدقق جمال العرب ابن الحاجب مع
تحقيقات بديعة وتدقيقات غامضة منيعة تخلو الكتب عنها سالكا
فيه مسلك الضبط والإيجاز متشبثا بأهداب السحر متمسكا بعروة
الإعجاز", اختار في الإعجاز العروة و في السحر الأهداب لأن
الإعجاز أقوى و أوثق من السحر و اختار في العروة لفظ
الواحد و في الأهداب لفظ الجمع لأن الإعجاز في الكلام أن
يؤدي المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق و لا
يكون هذا إلا واحدا و أما السحر في الكلام فهو دون الإعجاز
و طرقه فوق الواحد فأورد فيه لفظ الجمع.
"وسميته بتنقيح الأصول، والله تعالى مسئول أن يمتع به
مؤلفه وكاتبه وقارئه وطالبه
.........................................................
وحينئذ يتعدد طريق الإعجاز أيضا بأن يكون على الطرف الأعلى
أو على بعض المراتب القريبة
(1/14)
|