شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه ط العلمية

أقسام الحرام
والحرمة هنا ملاقية لنفس الفعل لكن المحل قابل له. وفي الأول قد خرج المحل عن قبول الفعل فعدم الفعل لعدم المحل لتدل على عدم صلاحيته للفعل لا أنه أطلق المحل ويقصد به الحال كما في الحرام لغيره.
ـــــــ
"والحرام يعاقب على فعله, وهو إما حرام لعينه" أي منشأ الحرمة عين ذلك الشيء كشرب الخمر وأكل الميتة ونحوهما. "وإما حرام لغيره كأكل مال الغير والحرمة هنا ملاقية لنفس الفعل لكن المحل قابل له. وفي الأول" أي في الحرام لعينه "قد خرج المحل عن قبول الفعل فعدم الفعل لعدم المحل فيكون المحل هناك" أي في الحرام لعينه "أصلا والفعل تبعا فتنسب الحرمة إلى المحل لتدل على عدم صلاحيته للفعل لا أنه أطلق المحل ويقصد به الحال كما في الحرام لغيره" ففي الحرام لغيره إذا قيل: هذا الخبز حرام يكون مجازا بإطلاق اسم المحل على الحال أي أكله حرام, وإذا قيل: الميتة حرام فمعناه أنها منشأ الحرمة لا أنها
.........................................................
الجزء الأول ينعقد عبادة لكونه فعلا قصد به التقرب إلى الله تعالى لكن بقاء هذا الوصف يتوقف على انعقاد الجزء الثاني عبادة وانعقاد الجزء الثاني عبادة يتوقف على تحقق الجزء الأول لا على وصف كونه عبادة فالموقوف على الأجزاء الباقية هو بقاء صحة المؤدى وكونه عبادة لا صيرورته عبادة والموقوف على صحة المؤدى هو صيرورة الأجزاء الباقية عبادة فلا دور. فإن قيل: بعد الشروع في الجزء الثاني لم يبق الجزء الأول نفسه فضلا عن وصف الصحة والعبادة. قلنا: هذه اعتبارات شرعية حيث ثبت بالنص والإجماع الحكم بالبقاء والإحباط ونحو ذلك. فإن قيل: فمن مات في أثناء العبادة ينبغي أن لا يثاب لعدم تحقق شرط بقاء المؤدى عبادة قلنا الموت منه لا مبطل فجعل العبادة كأنها هذا القدر بمنزلة تمام عبادة الحي للدلائل الدالة على كونه عبادة. فإن قيل: هب أن صيانة المؤدى تقتضي لزوم الباقي لكن كون الباقي نفلا مخيرا فيه يقتضي جواز إبطال المؤدى فتعارضا فالجواب أن الترجيح بالمؤدى أولى من العكس أي صيانة المؤدى أولى من إبطاله احتياطا في باب العبادات وصونا لها عن البطلان وأيضا المؤدى قائم حكما بدليل احتمال البقاء والبطلان فيترجح على ما هو منعدم حقيقة وحكما, وهو غير المؤدى.
الثالث: أن المنذر قد صار لله تعالى تسمية بمنزلة الوعد فيكون أدنى حالا مما صار لله تعالى فعلا, وهو المؤدى, ثم إبقاء الشيء وصيانته عن البطلان أسهل من ابتداء وجوده, وإذا وجب أقوى الأمرين, وهو ابتداء الفعل لصيانة أدنى الشيئين, وهو ما صار لله تعالى تسمية, فلأن يجب أسهل الأمرين, وهو إبقاء الفعل لصيانة أقوى الشيئين, وهو ما صار لله تعالى فعلا أولى.
قوله: "والحرام" قد يضاف الحل والحرمة إلى الأعيان كحرمة الميتة والخمر والأمهات ونحو ذلك وكثير من المحققين على أنها مجاز من باب إطلاق اسم الحل على الحال, أو هو مبني على حذف المضاف أي حرم أكل الميتة وشرب الخمر ونكاح الأمهات لدلالة العقل على الحذف. والمقصود أظهر على تعيين المحذوف; لأن الحل والحرمة من الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال

(2/262)


والحرمة هنا ملاقية لنفس الفعل لكن المحل قابل له. وفي الأول قد خرج المحل عن قبول الفعل فعدم الفعل لعدم المحل لتدل على عدم صلاحيته للفعل لا أنه أطلق المحل ويقصد به الحال كما في الحرام لغيره.
ـــــــ
ذكر المحل وقصد به الحال فالمجاز ثمة في المسند إليه وهنا في المسند, وهو قوله: حرام إذا أريد به منشأ الحرمة.
"والمكروه نوعان مكروه كراهة تنزيه, وهو إلى الحل أقرب ومكروه كراهة تحريم, وهو إلى الحرمة أقرب, وعند محمد لا بل هذا" الإشارة ترجع إلى المكروه كراهة تحريم "حرام لكن بغير القطعي كالواجب مع الفرض".
"وأما الثاني" المراد بالثاني أن لا يكون حكما أصليا أي يكون مبنيا على أعذار العباد "فيسمى رخصة وما وقع من القسم الأول" أي الذي هو حكم أصلي "في مقابلتها" أي في مقابلة الرخصة "يسمى عزيمة وهي إما
.........................................................
العباد والمقصود الأظهر من اللحوم أكلها, ومن الأشربة شربها, ومن النساء نكاحهن. وذهب بعضهم إلى أنها حقيقة لوجهين: أحدهما أن معنى الحرمة هو المنع, ومنه حرم مكة وحريم البئر فمعنى حرمة الفعل كونه ممنوعا بمعنى أن المكلف منع عن اكتسابه وتحصيله ومعنى حرمة العين أنها منعت من العبد تصرفاته فيها فحرمة الفعل من قبيل منع الرجل عن الشيء كما نقول للغلام لا تشرب هذا الماء ومعنى حرمة العين منع الشيء عن الرجل بأن يصب الماء مثلا, وهو أوكد. وثانيهما: أن معنى حرمة العين خروجها عن أن تكون محلا للفعل شرعا كما أن معنى حرمة الفعل خروجه عن الاعتبار شرعا فالخروج عن الاعتبار شرعا متحقق فيهما, فلا يكون مجازا وخروج العين عن أن تكون محلا للفعل يستلزم منع الفعل بطريق أوكد وألزم بحيث لا يبقى احتمال الفعل أصلا فنفي الفعل فيه, وإن كان تبعا أقوى من نفيه إذا كان مقصودا.
ولما لاح على هذا الكلام أثر الضعف بناء على أن الحرمة في الشرع قد نقلت عن معناها اللغوي إلى كون الفعل ممنوعا عنه شرعا, أو كونه بحيث يعاقب فاعله وكان مع ذلك إضافة الحرمة إلى بعض الأعيان مستحسنة جدا كحرمة الميتة والخمر دون البعض كحرمة خبز الغير سلك المصنف رحمه الله تعالى في ذلك طريقة متوسطة, وهو أن الفعل الحرام نوعان: أحدهما: ما يكون منشأ حرمته عين ذلك المحل كحرمة أكل الميتة وشرب الخمر ويسمى حراما لعينه. والثاني: ما يكون منشأ الحرمة غير ذلك المحل كحرمة أكل مال الغير, فإنها ليست لنفس ذلك المال بل لكونه ملك الغير فالأكل محرم ممنوع لكن المحل قابل للأكل في الجملة بأن يأكله مالكه بخلاف الأول, فإن المحل قد خرج عن قابلية الفعل ولزم من ذلك عدم الفعل ضرورة عدم محله ففي الحرام لعينه المحل أصل والفعل تبع بمعنى أن المحل أخرج أولا من قبول الفعل ومنع, ثم صار الفعل ممنوعا ومخرجا عن الاعتبار فحسن نسبة الحرمة وإضافتها إلى المحل دلالة على أنه غير صالح للفعل شرعا حتى كأنه الحرام نفسه, ولا يكون ذلك من إطلاق المحل وإرادة الفعل الحال فيه بأن يراد بالميتة أكلها لما في ذلك من فوات الدلالة على خروج المحل عن صلاحية الفعل بخلاف الحرام لغيره, فإنه إذا أضيف الحرمة فيه إلى المحل يكون على حذف المضاف, أو على إطلاق المحل على الحال. فإذا

(2/263)