شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه ط العلمية حكم النفل
مدخل
...
حكم النفل
والنفل ما يثاب فاعله، ولا يسيء تاركه، وهو دون سنن
الزوائد، وهو لا يلزم بالشروع عند الشافعي رحمه الله
تعالى؛ لأنه مخير فيما لم يفعله بعد فله إبطال ما أداه
تبعا.
ـــــــ
قوله: "والنفل يثاب فاعله" أي يستحق الثواب, ولا يذم تاركه
جعله حكم النفل وبعضهم تعريفه وأورد عليه صوم المسافر
والزيادة على ثلاث آيات في قراءة الصلاة, فإن كلا منهما
يقع فرضا
(2/260)
دليل الحنفية على لزوم النقل بالشروع
وعندنا يلزم لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
ولأن ما أداه صار لله تعالى فوجب صيانته، ولا سبيل إليها
إلا بلزوم الباقي فالترجيح بالمؤدى أولى من العكس؛ لأن
العبادة مما يحتاط فيها، ولما وجب صيانة ما صار لله تعالى
تسمية، وهو النذر فما صار فعلا أولى.
ـــــــ
ولا يذم تاركه. وأجيب عن الأول بأن المراد الترك مطلقا,
وعن الثاني بأن الزيادة قبل تحققها كانت نفلا فانقلبت فرضا
بعد التحقق لدخولها تحت قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا
تَيَسَّرَ} كالنافلة بعد الشروع تصير فرضا حتى لو أفسدها
يجب القضاء ويعاقب على تركها ذكره أبو اليسر والنفل دون
سنن الزوائد; لأنها صارت طريقة مسلوكة في الدين وسيرة
للنبي عليه السلام بخلاف النفل.
قوله: "وهو أي النفل لا يلزم بالشروع عند الشافعي رحمه
الله تعالى" حتى لو لم يمض فيه لا يؤاخذ بالقضاء, ولا
يعاقب على تركه; لأن حكم النفل التخيير فيه فإذا شرع, فهو
مخير فيما لم يأت تحقيقا لمعنى النفلية إذ النفل لا ينقلب
فرضا وإتمامه لا يكون إسقاطا للواجب بل أداء للنفل ولهذا
يباح الإفطار بعذر الضيافة, وإذا كان مخيرا فيما لم يأت
فله تركه تحقيقا لمعنى التخيير وحينئذ يلزم بطلان المؤدى
ضمنا وتبعا لا قصدا, فلا يكون إبطالا لخلوه عن القصد كمن
سقى زرعه ففسد زرع الغير بالنز, فإنه لا يجعل إتلافا
وجوابه منع التخيير في النفل بعد الشروع, فإنه عين النزاع,
وعندنا النفل يلزم بالشروع حتى يجب المضي فيه ويعاقب على
تركه لوجوه:
الأول: قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وفي
عدم الإتمام إبطال للمؤدى, فإن قيل: لا إبطال, وإنما هو
بطلان أدى إليه أمر مباح له هو ترك النفل قلنا لا معنى
للإبطال هاهنا إلا فعل يحصل به البطلان كشق زق مملوك له
فيه ماء لغيره, ولا شك أن بطلان ما أتى به من النفل إنما
حصل بفعله المناقض للعبادة إذ لم يوجد شيء سواه بخلاف فساد
زرع الغير, فإنه يضاف إلى رخاوة الأرض لا إلى فعله الذي هو
سقي أرضه.
الثاني: أن الجزء الذي أداه صار عبادة الله تعالى حقا له
فتجب صيانته; لأن التعرض لحق الغير بالإفساد حرام, ولا
طريق إلى صيانة المؤدى سوى لزوم الباقي إذ لا صحة له بدون
الباقي; لأن الكل عبادة واحدة بتمامها يتحقق استحقاق
الثواب. لا يقال: صحة الأجزاء المتأخرة وكونها عبادة
متوقفة على صحة الأجزاء المتقدمة وكونها عبادة, فلو توقفت
هي عليها لزم الدور; لأنا نقول هو دور معية بمنزلة
المتضايفين كالأبوة والبنوة يتوقف كل منهما على الآخر, وإن
كان ذات الأب متقدما فكذا هاهنا يتوقف صحة كل جزء على صحة
الجزء الآخر مع تقدم ذات بعض الأجزاء. وقد يقال: إن
(2/261)
|