شرح التلويح على التوضيح [فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ) سَوَاءٌ كَانَ
خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَالْمُرَادُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَلِذَا
حَصَرَ الْمَحَلَّ فِي الْفُرُوعِ وَالْأَعْمَالِ إذْ
الِاعْتِقَادِيَّات لَا تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ؛
لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْيَقِينِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَخْبَارُ الصَّبِيِّ) فَإِنْ قِيلَ إنَّ
ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ أَهْلَ
قُبَاءَ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا
كَهَيْئَتِهِمْ وَكَانَ صَبِيًّا قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ
كَوْنُهُ صَبِيًّا فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ
بِذَلِكَ أَنَسٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا جَاءَا بِهِ جَمِيعًا
فَأَخْبَرَاهُمْ.
(قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ) قَدْ يُجَابُ عَنْهُ
بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلشُّبْهَةِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ
كَوْنُهُ خَبَرِ الْوَاحِدِ
(2/20)
أَنْ لَا تَثْبُتَ الْعُقُوبَاتُ
كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرُ
الْوَاحِدِ فَإِنَّ كُلَّ مَا دُونَ التَّوَاتُرِ خَبَرُ
الْوَاحِدِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ دَلِيلًا فِيهِ شُبْهَةٌ
وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا لَكِنْ إنَّمَا تَثْبُتُ
الْعُقُوبَاتُ بِالْبَيِّنَةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ، فَلَا يُقَاسُ ثُبُوتُهَا بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ
الْوَاحِدُ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ.
(وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَتَثْبُتُ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ
الْوَاحِدُ بِالشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا
ثُبُوتُهَا بِخَبَرٍ يَكُونُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَمَا
كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِلَفْظِ
الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ) ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ
الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ (وَالْعَدَدِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ)
حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ الْعَدَدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا
يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ عُرْفًا كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ
(مَعَ سَائِرِ شَرَائِطِ الرِّوَايَةِ صِيَانَةً لِحُقُوقِ
الْعِبَادِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فَيَحْتَاجُ
إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ، وَالشَّهَادَةُ بِهِلَالِ الْفِطْرِ
مِنْ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ: لَهُ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ
لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ التَّزْوِيرِ وَالتَّلْبِيسِ (وَمَا
لَيْسَ فِي الْإِلْزَامِ كَالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ
وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
كَالْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ
الْوَاحِدِ بِشَرْطِ التَّمْيِيزِ دُونَ الْعَدَالَةِ
فَيُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ
وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَلِلضَّرُورَةِ
اللَّازِمَةِ هُنَا) .
فَإِنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ
غَايَةَ الْحَرَجِ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَعْثُ
الصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ بِهَذِهِ الْأَشْغَالِ.
وَالْعُدُولُ الثِّقَاتُ لَا يَنْتَصِبُونَ دَائِمًا
لِلْمُعَامَلَاتِ الْخَسِيسَةِ لَا سِيَّمَا؛ لِأَجْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
حُجَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ،
وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَمَعَ الْأَدِلَّةِ
الْقَطْعِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ
تَجِبُ مُقَدَّرَةً بِالْجِنَايَاتِ، وَلَا مَدْخَلَ
لِلرَّأْيِ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ سَائِرِ شَرَائِطِ الرِّوَايَةِ) يُخْرِجُ
الْفَاسِقَ، وَالْمُغَفَّلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَيْدُ
الْوِلَايَةِ يُخْرِجُ الْعَبْدَ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ
يَخْرُجُ بِكُلٍّ مِنْ الْقَيْدَيْنِ بَعْدَ تَفَرُّدِ كُلٍّ
مِنْهُمَا بِفَائِدَةٍ.
(قَوْلُهُ: صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ) يَعْنِي
تُشْتَرَطُ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ لِئَلَّا تَثْبُتَ
الْحُقُوقُ الْمَعْصُومَةُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ
هُوَ تَعْلِيلٌ لِثُبُوتِ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِخَبَرٍ يَكُونُ
فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ) تَعْلِيلٌ
لِاشْتِرَاطِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا
يَثْبُتُ إلَّا بِكَذَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
(قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ) أَمَّا
لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ كَمَالِ
الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ هِيَ الْمُعَايَنَةُ،
وَالْعِلْمُ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ
فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ» ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ
فَلِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ كَوْنَ الْمُخْبِرِ حُرًّا عَاقِلًا
بَالِغًا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْفِيذِ الْقَوْلِ عَلَى
الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ
الصِّدْقِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلِأَنَّ اطْمِئْنَانَ
الْقَلْبِ بِقَوْلِ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِقَوْلِ
الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ يُعَارِضُهُ
الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ
بِانْضِمَامِ شَاهِدٍ آخَرَ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالشَّهَادَةُ بِهِلَالِ الْفِطْرِ) يُشْتَرَطُ
لَهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْعَدَدِ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ، الَّتِي فِيهَا
مَعْنَى الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ
(2/21)
الْغَيْرِ (بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ
وَالنَّجَاسَةِ فَإِنَّ ضَرُورَتَهُمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ؛
لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ مُمْكِنٌ) فَإِنَّهُ قَدْ
سَبَقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ
أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَسْتَقِيمُ تَلَقِّيهِ مِنْ جِهَةِ
الْعُدُولِ.
فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ الضَّرُورَةَ حَاصِلَةٌ فِي قَبُولِ
خَبَرِ غَيْرِ الْعُدُولِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ
لَكِنْ نَذْكُرُ هُنَا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِمَا غَيْرُ
لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ مُمْكِنٌ فَأَمَّا
فِي الْمُعَامَلَاتِ فَالضَّرُورَةُ لَازِمَةٌ فَلَمْ يُقْبَلْ
خَبَرُ الْعُدُولِ ثَمَّةَ مُطْلَقًا بَلْ مَعَ انْضِمَامِ
التَّحَرِّي، وَقُبِلَ هُنَا مُطْلَقًا (وَمَا فِيهِ إلْزَامٌ
مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ) فَإِنَّهُ
إلْزَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْطِلُ عَمَلَهُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَيْسَ بِإِلْزَامٍ مِنْ حَيْثُ أَنَّ
الْمُوَكِّلَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ (وَحَجْرُ الْمَأْذُونِ،
وَفَسْخِ الشَّرِكَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ
(وَإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ) فَإِنَّهُ
مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِهَذَا التَّزَوُّجِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تَقْدِيرِ نَفَاذِ هَذَا الْإِنْكَاحِ
إلْزَامٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُ لَهَا فَسْخُ هَذَا
الْإِنْكَاحِ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ (فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ
وَكِيلًا أَوْ رَسُولًا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ غَيْرِ
الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ إمَّا
الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ
الشَّرَائِطِ) .
إنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ وَبَيْنَ
الْفُضُولِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَالرَّسُولَ يَقُومَانِ
مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُرْسِلِ فَيَنْتَقِلُ
عِبَارَتُهُمَا إلَيْهِمَا، فَلَا يُشْتَرَطُ شَرَائِطُ
الْأَخْبَارِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَنَحْوِهَا فِي الْوَكِيلِ
وَالرَّسُولِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
التَّلْبِيسُ وَالتَّزْوِيرُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ
الصَّوْمِ.
وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ
أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ
يَنْتَفِعُونَ بِالْفِطْرِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِهِمْ
وَيَلْزَمُهُمْ الِامْتِنَاعُ عَنْ الصَّوْمِ يَوْمَ الْفِطْرِ
فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ
انْتِفَاعَهُمْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرُ، وَإِلْزَامَهُمْ فِيهِ
أَظْهَرُ مَعَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ) ذَكَرَ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعٍ مِنْ
كِتَابِهِ أَنَّ أَخْبَارَ الْمُمَيِّزِ يُقْبَلُ فِي مِثْلِ
الْوَكَالَةِ، وَالْهَدَايَا مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ
التَّحَرِّي، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ
التَّحَرِّي، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ
السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُحَمَّدٌ
ذَكَرَ الْقَيْدَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَمْ
يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا
لِهَذَا فَيُشْتَرَطُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ
اسْتِحْسَانًا، وَلَا يُشْتَرَطُ رُخْصَةً وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي
الْخَبَرِ بِالْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ وَنَحْوِهِمَا
الْعَدَالَةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ سَوَاءٌ
أَخْبَرَ بِأَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ أَوْ مَأْذُونُهُ؛ أَوْ
أَخْبَرَ بِأَنَّ، فُلَانًا وَكَّلَ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ أَوْ
جَعَلَهُ مَأْذُونًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ
الْمُسْتَجْمِعَ لِلشَّرَائِطِ يَبْعَثُهُ لِهَذِهِ
الْمُعَامَلَاتِ أَوْ لِإِخْبَارِ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ
فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْبَعْضِ مُشْعِرٌ
بِالْقِسْمِ الثَّانِي حَيْثُ يَقُولُونَ الْإِنْسَانُ
قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْتَجْمِعَ لِلشَّرَائِطِ يَبْعَثُهُ
إلَى وَكِيلِهِ أَوْ غُلَامِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ: الْمُخْبِرُ بِمَا فِيهِ
إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ
إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ
لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ.
وَالِاخْتِلَافُ
(2/22)
وَأَيْضًا قَلَّمَا يَتَطَرَّقُ الْكَذِبُ فِي الْوَكَالَةِ
وَالرِّسَالَةِ بِأَنْ يَقُولَ كَاذِبًا وَكَّلَنِي فُلَانٌ
أَوْ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ، وَيَقُولَ: كَذَا وَكَذَا. وَأَمَّا
الْأَخْبَارُ الْكَاذِبَةُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ وَوَكَالَةٍ
فَكَثِيرَةُ الْوُقُوعِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَخَافَةَ ظُهُورِ
الْكَذِبِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَشَدُّ.
وَقَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ) أَيْ: شَبَهِ
الْإِلْزَامِ وَعَدَمِ الْإِلْزَامِ.
[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ
وَالتَّبْلِيغِ أَمَّا السَّمَاعُ فَهُوَ الْعَزِيمَةُ فِي
هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ إمَّا بِأَنْ يَقْرَأَ الْمُحَدِّثُ
عَلَيْكَ أَوْ بِأَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ فَتَقُولُ: أَهُوَ
كَمَا قَرَأْتُ فَيَقُولُ نَعَمْ وَالْأَوَّلُ أَعْلَى عِنْدَ
الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - كَانَ ذَلِكَ أَحَقَّ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- فَإِنَّهُ كَانَ مَأْمُونًا عَنْ السَّهْوِ أَمَّا فِي
غَيْرِهِ، فَلَا عَلَى أَنَّ رِعَايَةَ الطَّالِبِ أَشَدُّ
عَادَةً وَطَبِيعَةً، وَأَيْضًا إذَا قَرَأَ التِّلْمِيذُ
فَالْمُحَافَظَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَإِذَا قَرَأَ
الْأُسْتَاذُ لَا تَكُونُ الْمُحَافَظَةُ إلَّا مِنْهُ.
وَأَمَّا الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ فَقَائِمٌ مَقَامَ
الْخِطَابِ فَإِنَّ تَبْلِيغَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - كَانَ بِالْكِتَابِ وَالْإِرْسَالِ أَيْضًا
وَالْمُخْتَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا،
وَفِي الْأَخِيرَيْنِ أَخْبَرَنَا.
وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَهِيَ الْإِجَازَةُ وَالْمُنَاوَلَةُ
فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ
فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: أَجَازَ، وَيَجُوزُ أَيْضًا
أَخْبَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا فِيهِ لَا
يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي كِتَابِ
الْقَاضِي. لَهُمَا أَنَّ أَمْرَ السُّنَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
إنَّمَا وَقَعَ مِنْ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا
حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ
لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قِيَاسِ
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى
يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ
فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ لِلْمَجْمُوعِ وَبَعْضُهُمْ
لِلرَّجُلِ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ لِلْعَدَدِ
تَأْثِيرًا فِي الِاطْمِئْنَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ
فِي الرَّجُلَيْنِ الْعَدَالَةُ كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا،
وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطَ وُجُودِ سَائِرِ
الشَّرَائِطِ أَعْنِي: الذُّكُورَةَ، وَالْحُرِّيَّةَ،
وَالْبُلُوغَ لَا نَفْيًا، وَلَا إثْبَاتًا فَلِذَا قَالَ
فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ
إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ سَائِرُ شَرَائِطِ
الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - حَتَّى لَا يَقْبَلَ خَبَرَ الْعَبْدِ،
وَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْكُلُّ
سَوَاءٌ أَيْ: يَكْفِي فِي هَذَا الْقِسْمِ قَوْلُ كُلِّ
مُمَيِّزٍ كَمَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي لَا إلْزَامَ فِيهِ
لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - جَزَمَ بِاشْتِرَاطِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لَكِنْ
لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ قُصُورٌ فِي رِعَايَةِ
شَبَهِ عَدَمِ الْإِلْزَامِ فَقَوْلُهُ: رِعَايَةً
لِلشَّبَهَيْنِ تَعْلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ
الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ |