شرح التلويح على التوضيح

[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]
[النَّقْضُ]
[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتُ الَّتِي تُورِدُ عَلَيْهَا وَفِي دَفْعِ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ أَيْ الْجَوَابُ عَنْهَا، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا سِتَّةٌ وَهِيَ النَّقْضُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ وَعَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَالْفَرْقُ وَالْمُمَانَعَةُ وَالْمُعَارَضَةُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ تَعْلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ وَيَذْكُرُ فِيهِ أَرْبَعَةَ طُرُقٍ: الْأَوَّلُ الدَّفْعُ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالثَّانِي الدَّفْعُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَهُوَ مَنْعُ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَتْ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِأَجْلِهِ وَالثَّالِثُ الدَّفْعُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مَنْعُ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالرَّابِعُ الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْغَرَضُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَكَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا الْحُكْمُ وَكَمَا أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِي الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْأَصْلِ فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ.
(قَوْلُهُ فَنُوقِضَ بِالْقَلِيلِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ النَّجَسُ

(2/171)


الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُدَّعَى فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ بَلْ حَاصِلُ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا وَهُوَ الْعِصْمَةُ مَثَلًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعِصْمَةُ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْجَمَلُ الصَّائِلُ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَخْمَصَةِ أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لَا يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْعِصْمَةِ فَتَبْقَى الْعِصْمَةُ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ رَافِعٌ لِلْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي فَأَجَابَ بِأَنَّ رَافِعَ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي لَيْسَ حِلَّ الْإِتْلَافِ بَلْ الرَّافِعُ هُوَ الْبَغْيُ فَهَذَا لَا يَكُونُ دَفْعًا بِالْحُكْمِ بَلْ بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعِصْمَةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالضَّابِطُ الْمُنْتَزَعُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ إذَا ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ كَالْعِصْمَةِ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَأُثْبِتَ بِالْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الْعَارِضَ لَا يَرْفَعُهُ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِصُورَةٍ كَمَالِ الْبَاغِي مَثَلًا فَأَجَابَ بِأَنَّ الرَّافِعَ شَيْءٌ آخَرُ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ) وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ وَوَجْهُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ عِنْدَ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ الْعِصْمَةُ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ ثَابِتٌ فِيهِ وَعَدَمُ مُنَافَاتِهِ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهِ مُنَافَاةُ حِلِّ الْإِتْلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
الْخَارِجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ حَدَثًا لَكَانَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ حَدَثًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَإِنَّ الْخُرُوجَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ السَّيَلَانِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ لِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ.
(قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَتْ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِأَجْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ تَطْهِيرًا حُكْمِيًّا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ثَابِتٌ بِاسْمِ الْمَسْحِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ دُونَ التَّطْهِيرِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَوْكِيدِ تَطْهِيرٍ مَعْقُولٍ كَالْغُسْلِ فَلَا يُفِيدُ فِي الْمَسْحِ وَيُفِيدُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ فِيهِ مَعْقُولٌ إذْ هُوَ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَفِي التَّثْلِيثِ تَوْكِيدٌ لِذَلِكَ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهِيَتَهُ لِيَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلُ.
(قَوْلُهُ: فَأَجَابَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْمَانِعِ) وَهُوَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْعُذْرُ وَدَفْعُ الْحَرَجِ وَفِي الْمُدَبَّرِ النَّظَرُ لَهُ وَعَدَمُ قَابِلِيَّتِهِ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ خُرُوجَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ إلَّا أَنَّهُ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا الطَّهَارَةُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْحَدَثِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَيْسَ بِحَدَثٍ

(2/172)


الْعِصْمَةَ فَأَجَابَ بِأَنَّ مُنَافَاةَ حِلِّ الْإِتْلَافِ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَمْ تَنْتَفِ فِي مَالِ الْبَاغِي بِحِلِّ الْإِتْلَافِ بَلْ إنَّمَا انْتَفَتْ لِلْبَغْيِ هَذَا غَايَةُ التَّكَلُّفِ وَمَعَ هَذَا لَا يُوجَدُ النَّقْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ، وَحِلُّ الْإِتْلَافِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ لَيْسَ عِلَّةً لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْعِصْمَةَ لِثُبُوتِ حِلِّ الْإِتْلَافِ فِي مَالِ الْبَاغِي مَعَ الْمُنَافَاةِ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْفَسَادَاتِ فِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَوْرَدَ مَثَلًا آخَرَ فِي الْمَتْنِ فَقَالَ
(وَأَنَا أُورِدُ لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ مِثَالًا وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَيَجِبُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَنُوقِضَ بِالتَّيَمُّمِ) أَيْ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ يُوجَدُ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ
(فَيُمْنَعُ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِيهِ بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْهُ) مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِي صُوَرِ عَدَمِ الْمَاءِ بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْهُ الرَّابِعُ: الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ نَحْوُ: خَارِجٍ نَجِسٍ فَيَكُونُ نَاقِضًا فَنُوقِضَ بِالِاسْتِحَاضَةِ فَنَقُولُ الْغَرَضُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ حَدَثَ ثَمَّةَ لَكِنْ إذَا اسْتَمَرَّ يَصِيرُ عَفْوًا فَكَذَلِكَ هُنَا.

(ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ الدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ النَّقْضِ
(بِهَذِهِ الطُّرُقِ فِيهَا وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعٌ فَقَدْ بَطَلَتْ الْعِلَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
إجْمَاعًا، وَكَذَا مِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ أَعْنِي الْمُدَبَّرَ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَحُرٍّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمُدَبَّرِ لِلْمَانِعِ أَوْرَدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتِدَاءً بِصَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَسْلَمُ عَنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ) حَاصِلُ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُدَعَّى وُجُوبُ الضَّمَانِ وَالْعِلَّةُ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَالْأَصْلُ صُورَةُ الْمَخْمَصَةِ وَالْفَرْعُ صُورَةُ الْجَمَلِ الصَّائِلِ وَالنَّقْضُ هُوَ مَالُ الْبَاغِي وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا جِهَةَ لِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ وَأَيْضًا حِلُّ الْإِتْلَافِ لَا يُلَائِمُ وُجُوبَ الضَّمَانِ فَضْلًا عَنْ التَّأْثِيرِ وَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ نَظِيرًا لِدَفْعِ الْحُكْمِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ عَدَمُ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْجَمَلِ الصَّائِلِ بِإِبَاحَةِ قَتْلِهِ لِإِبْقَاءِ رُوحِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْعِلَّةُ حِلُّ الْإِتْلَافِ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي حَيْثُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ حِلُّ الْإِتْلَافِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمُنَافَاةِ إذْ قَدْ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ فَأَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي بَلْ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ مُتَحَقِّقٌ

(2/173)


وَإِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ فَلَا لَكِنْ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ الْعِلَّةُ تُوجِبُ هَذَا لَكِنْ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ فَهَذَا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ بَلْ نَقُولُ إنَّمَا عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ مَا هُوَ وَالْعِلَّةُ حَقِيقَةٌ فَنَجْعَلُ عَدَمَ الْمَانِعِ جُزْءًا لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطًا لَهَا لَهُمْ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالثَّابِتِ بِالِاسْتِحْسَانِ)
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ) فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَلِأَنَّ التَّخَلُّفَ قَدْ يَكُونُ لِفَسَادِ الْعِلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ وَذَكَرُوا أَنَّ جُمْلَةَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ خَمْسَةٌ الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ لَكِنِّي عَدَلْتُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِمَا سَيَأْتِي
(مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ كَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ فِي الرَّمْيِ وَكَبَيْعِ الْحُرِّ أَوْ مِنْ تَمَامِهَا كَمَا إذَا حَالَ شَيْءٌ فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ وَكَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَوْ مِنْ ابْتِدَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ انْتَفَتْ بِالْبَغْيِ وَعَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يُوجِبُ التَّلَازُمَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَمْتَنِعَ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لَيْسَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ حَتَّى يَكُونَ تَحَقُّقُهُ فِي مَالِ الْبَاغِي مَعَ الْمُنَافَاةِ نَقْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ وَعَدَمَ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ فَضْلًا عَنْ تَأْثِيرِهِ فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّمْثِيلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ حِلُّ الْإِتْلَافِ عِلَّةً مُؤْثِرَةً وَيَكْفِي فِي التَّمْثِيلِ الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْخَارِجَ النَّجِسَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ لَكِنْ إذَا اسْتَمَرَّ الْخَارِجُ كَمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ صَارَ عَفْوًا وَسَقَطَ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ضَرُورَةَ تَوَجُّهُ الْخِطَابِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هَاهُنَا أَيْ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَكُونُ حَدَثًا وَيَصِيرُ عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ عَفْوًا كَمَا فِي الرُّعَافِ الدَّائِمِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ يَدَّعِي أَمْرَيْنِ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَحَدِهِمَا.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ النَّقْضَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُنَاقَضَةُ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ التَّأْثِيرِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَيَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ بِالنَّقْضِ وَحِينَئِذٍ إنْ انْدَفَعَ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ تَمَّ التَّعْلِيلُ وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ بَطَلَ التَّعْلِيلُ لِامْتِنَاعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَإِنْ وُجِدَ مَانِعٌ لَمْ يَبْطُلْ التَّعْلِيلُ إمَّا قَوْلًا بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَذَلِكَ بِأَنْ تُوصَفُ الْعِلَّةُ بِالْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُحَالِ ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْضُ الْمُحَالِ عَنْ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ وَيَبْقَى التَّأْثِيرُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمُحَالِ الْآخَرِ، وَإِمَّا قَوْلًا بِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ جُزْءٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ لَهَا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَبْنِيًّا عَلَى انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا أَوْ شَرْطِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

(2/174)


الْحُكْمِ كَمَا إذَا أَصَابَ السَّهْمُ فَدَفَعَهُ الدِّرْعُ وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ مِنْ تَمَامِهِ كَمَا إذَا انْدَمَلَ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّهْمِ وَالْمُدَاوَاةِ وَكَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ كَمَا إذَا خَرَجَ وَامْتَدَّ حَتَّى صَارَ طَبْعًا لَهُ وَأُمِنَ وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ فَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بَلْ فِي الثَّلَاثِ الْأُخَرِ) ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَيَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ فَالْمَانِعُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَفِي الْأَوَّلِيَّيْنِ مِنْ الصُّوَرِ الْخَمْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تُوجَدُ فِيهِمَا وَفِي الثَّلَاثِ الْأُخَرِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ وَالْحُكْمُ مُتَخَلِّفٌ لِمَانِعٍ فَتَخْصِيصُ الْعِلَّةِ مَقْصُورٌ عَلَى الثَّلَاثِ الْأُخَرِ فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْمَتْنِ إنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ بَلْ قَالَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ خَمْسَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْخِيَارُ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى مَا عُرِفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
تَحَاشِيًا عَنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَعَدَمُ الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِظُهُورِ الْأَثَرِ عَنْ الْعِلَّةِ فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عِنْدَهُمْ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَهَذَا نِزَاعٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ فَكَمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْعَامِّ حُجَّةً كَذَلِكَ النَّقْضُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ جَمْعُ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَسِرُّهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْعَامِّ إلَى أَفْرَادِهِ كَنِسْبَةِ الْعِلَّةِ إلَى مَوَارِدِهِ وَالنَّقْضُ لِمَانِعٍ مُعَارِضٍ لِلْعِلَّةِ يُشْبِهُ التَّخْصِيصَ بِمُخَصِّصٍ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْبَعْضِ. الثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ شَامِلَةٌ لِصُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَانِعٍ هُوَ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَا نَعْنِي بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إلَّا هَذَا الثَّالِثَ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِفَسَادٍ فِي الْعِلَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعٍ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَالْمُعَلِّلِ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لِمَانِعٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْهَا لِمَانِعٍ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ عَنْ الْخَشَبِ الْمُلَطَّخِ بِالطَّلْقِ الْمَحْلُولِ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ) فِي هَذَا الْمَقَامِ أَقْسَامَ الْمَانِعِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ لَكِنَّهُمْ لَمَا أَخَذُوا فِي تَعْدَادِ الْمَوَانِعِ أَوْرَدُوا فِيهَا الْمَانِعَ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ وَمِنْ تَمَامِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلِ الْمَانِعِ الْمُعْتَبَرِ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيَّرَ عِبَارَتَهُمْ وَعَبَّرَ عَنْ مَوَانِعِ الْحُكْمِ بِمُوجِبَاتِ عَدَمِ الْحُكْمِ لِيَشْمَلَ الْمَانِعَ عَنْ الْحُكْمِ وَعَنْ الْعِلَّةِ انْعِقَادًا أَوْ تَمَامًا، وَالْعُمْدَةُ فِي أَقْسَامِ الْمَانِعِ هُوَ الِاسْتِقْرَاءُ وَالْمَذْكُورُ فِي التَّقْوِيمِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْعِقَادِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّمَامِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمًا خَامِسًا نَظَرًا إلَى أَنَّ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَتَمَامًا وَدَوَامًا، وَلَا عِبْرَةَ بِالدَّوَامِ فِي

(2/175)


فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ فَدُخُولُهُ عَلَى الْحُكْمِ أَسْهَلُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَى السَّبَبِ يُوجِبُ الدُّخُولَ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَالْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَدَرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بِتَمَامِهِ لِتَمَامِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الرُّؤْيَةَ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ فَلَا خِيَارَ الْعَيْبِ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَتَمَكَّنُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَا لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْأَلْفَاظِ مَجَازٌ فَيُخَصُّ بِهَا، وَتَرْكُ الْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ مَا يَلْزَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
الْعِلَّةِ بَلْ التَّمَامُ كَافٍ كَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ لِلْحَدَثِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيَّانِ، وَقَدْ أَضَافُوا إلَيْهَا الْحِسِّيَّيْنِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَفِي كَوْنِ امْتِدَادِ الْجُرْحِ وَصَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ مَانِعًا مِنْ لُزُومِ الْحُكْمِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ الْقَتْلُ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنْ أُرِيدَ الْجَرْحُ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ صَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَرْحُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ لِعَدَمِ مُقَاوَمَةِ الْمُرْمَى فَالِانْدِمَالُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ لِحُصُولِ الْمُقَاوَمَةِ، وَأَمَّا بَقَاءُ الْجُرْحِ وَكَوْنُ الْمَجْرُوحِ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَلَا يَمْنَعُهُ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمُقَاوَمَةِ إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ عَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ بِالِانْدِمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لَازِمًا بِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا صَارَ طَبْعًا فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ إفْضَاءَهُ إلَى الْقَتْلِ وَكَانَ مَانِعًا لُزُومَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَمْثِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ وَإِلَّا فَالرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْمُضِيِّ وَالْمُضِيُّ لِلْإِصَابَةِ وَالْإِصَابَةُ لِلْجِرَاحَةِ وَالْجِرَاحَةُ لِسَيَلَانِ الدَّمِ وَهُوَ لِزُهُوقِ الرُّوح.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ) أَجَابَ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِيَ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْعِلَلَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ وَالْمَجَازُ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصِ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَلْزُومِ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَرُبَّمَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ مُطْلَقًا مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ بَلْ التَّخْصِيصُ فِي الْأَلْفَاظِ كَذَلِكَ وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ اللَّفْظُ بِالْمَجَازِ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَعَنْ الِاحْتِجَاجِ الثَّانِي بِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ تَرْكٌ لِلْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ

(2/176)


مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ إذَا عُلِمَ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِمْ بِعَدَمِ الْمَانِعِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ وَاجِبٌ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ حَاصِلٌ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَهُوَ إمَّا رُكْنُهَا أَوْ شَرْطُهَا أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ إمَّا رُكْنُ الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطُهَا
(فَإِذَا وُجِدَ الْمَانِعُ فَقَدْ عُدِمَ الْعِلَّةُ ثُمَّ عَدَمُهَا قَدْ يَكُونُ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَإِذَا زِيدَ الْخِيَارُ فَقَدْ عَدِمَتْ أَوْ لِنُقْصَانِهِ كَالْخَارِجِ النَّجِسِ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ عِلَّةٌ لِلِانْتِقَاضِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْمَعْذُورِ وَمِنْهُ فَسَادُ الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ بَلْ الْوَصْفُ فِيهِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ الْأَقْوَى لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ لَا عَلَى تَحَقُّقِ الْمَانِعِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى كُلِّ صُورَةٍ تُوجَدُ فِيهَا الْعِلَّةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَمِ الْمَانِعِ فَكُلُّ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ بَلْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ وَلَوْ لِمَانِعٍ يَكُونُ عِلَّةً، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَجْهُ صَالِحًا؛ لَأَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى بُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُمْ لِلتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْمَانِعِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَنْ لَا تَعْدِيَةَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَانِعِ فَعُلِمَ مِنْ تَرْكِهِمْ التَّقْيِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ مَا يَسْتَجْمِعُ جَمِيعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّعْدِيَةُ أَنَّهُ عَدَمُ مَانِعٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ شَطْرٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ لَهَا فَعِنْدَ وُجُودِ الْمَانِعِ تَكُونُ الْعِلَّةُ مَعْدُومَةً لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطِهَا وَهَاهُنَا نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَكْفِي فِي الْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ اسْتَلْزَمَتْ الْحُكْمَ أَمْ لَا، وَلَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرَائِطَ وَقُيُودٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْمَانِعِ وَأَيْضًا كَثِيرًا مَا يَقَعُ الْإِطْلَاقُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّقْيِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ وَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُخَصَّصِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ عَدَمُهَا) أَيْ عَدَمُ الْعِلَّةِ قَدْ يَكُونُ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى مَا جُعِلَ عِلَّةً بِأَنْ تَكُونَ عَلِيَّتُهُ مَشْرُوطَةً بِعَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَنْتَفِي بِوُجُودِهِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَيْ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِ عِلَّةٍ لِلْمِلْكِ فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لَمْ يَبْقَ مُطْلَقًا فَلَمْ يَكُنْ عِلَّةً وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ هَاهُنَا مَا يُقَابِلُ الْمُقَيَّدَ بِالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ لَا الْمَشْرُوطِ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا، وَلَا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي لَا يُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِنُقْصَانِ وَصْفٍ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ أَوْ شَرَائِطِهَا فَيَنْتَفِي الْكُلُّ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ أَوْ شَرْطِهِ كَالْخَارِجِ النَّجَسِ فَإِنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ عِلَّةٌ لِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ وُجُودِ الْحَرَجِ لَا يَكُونُ عِلَّةً كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ)

(2/177)


مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهُ شَرْعًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَمَا ثَبَتَ فَسَادُ وَضْعِهِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ شَرْعًا وَسَيَأْتِي مِثَالُهُ وَمِنْهُ عَدَمُ الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ وَهَذَا لَا يُقْدَحُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَمِنْهُ الْفَرْقُ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلِّلِ وَهَذَا نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكِ لَا يَضُرُّهُ الْفَارِقُ لَكِنْ إذَا أَثْبُتَ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا يَضُرُّهُ وَكُلُّ كَلَامٍ صَحِيحٍ فِي الْأَصْلِ إذَا أُورِدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ لَا يُقْبَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ حَتَّى يُقْبَلَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إعْتَاقُ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ) هَذَا تَعْلِيمٌ يَنْفَعُ فِي الْمُنَاظَرَاتِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا أَيْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مَنَعَا لِلْعِلَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَسَادُ الْوَضْعِ كَمَا يُقَالُ التَّيَمُّمُ مَسْحٌ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْمَسْحِ فِي كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا إنَّمَا يُسْمَعُ قَبْلَ ثُبُوتِ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ، وَلَا تُوجَدُ الْعِلَّةُ وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ شَتَّى كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ نَوْعَ الْحَرَارَةِ يَحْصُلُ بِالنَّارِ وَالشَّمْسِ وَالْحَرَكَةِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَاجًا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِلَّةٌ وَمُسْتَغْنًى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآخَرَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَى تَأْثِيرِهَا الْإِيجَادَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا حَصَلَ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرُّعَافُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَصَلَ حَدَثُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْفَرْقُ) وَهُوَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ لَهُ مُدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونَ حَاصِلُهُ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَادِّعَاءَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلَّلِ إذْ السَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُعَلَّلَ بَعْدَمَا أُثْبِتَ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ عِلَّةَ لُزُومِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِيهِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْفَارِقُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُثْبِتُ فِي الْأَصْلِ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْدِيَةِ نَعَمْ لَوْ أُثْبِتَ الْفَارِقُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَانَ قَادِحًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ

(2/178)


الْمُؤَثِّرَةِ فَإِنَّهُ إذَا أُورِدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ يَمْنَعُ الْجَدَلِيُّ تَوْجِيهَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُورَدَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْجَدَلِيُّ مِنْ رَدِّهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إعْتَاقُ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ
(فَيُرَدُّ كَالْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا الْعِتْقَ يَمْنَعُ تَوْجِيهَ هَذَا الْكَلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ نُورِدَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إنْ كَانَ هُوَ الْبُطْلَانَ فَلَا نُسَلِّمُ) الْأَصْلَ هُنَا بَيْعُ الرَّاهِن فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ الْبُطْلَانُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الرَّاهِنِ التَّوَقُّفُ
(وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفَ) أَيْ إنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ التَّوَقُّفَ
(فَفِي الْفَرْعِ إنْ ادَّعَيْتُمْ الْبُطْلَانَ لَا يَكُونُ الْحُكْمَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَإِنْ ادَّعَيْتُمْ التَّوَقُّفَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَقَوْلِهِ فِي الْعَمْدِ: قَتْلُ آدَمِيٍّ مَضْمُونٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
مُجَرَّدَ الْفَرْقِ بَلْ بَيَانَ عَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةِ هِيَ الْوَصْفُ الْمَفْرُوضُ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ) أَيْ الْقَوَدُ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ قُصُورَ الْجِنَايَةِ بِالْخَطَأِ لَا يُوجِبُ الْمِثْلَ الْكَامِلَ فَوَجَبَ الْمَالُ خَلَفًا عَنْهُ فَإِيجَابُ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ لَا يَكُونُ مُمَاثِلًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُزَاحَمَةِ دُونَ الْخَلْفِيَّةِ إذْ الْخَلَفُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ بَلْ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ إثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَطَأُ إيجَابُ خَلْفِيَّةِ الْمَالِ عَنْ الْقِصَاصِ وَفِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْعَمْدُ إيجَابُ مُزَاحِمَتِهِ لَهُ.

[الْمُمَانَعَةُ]
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْمُمَانَعَةُ) وَهِيَ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَعَ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَالسَّنَدُ مَا يَكُونُ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ مَبْنِيًّا عَلَى مُقَدِّمَاتٍ هِيَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً وَوُجُودُهَا فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ وَتَحَقُّقُ شَرَائِطِ التَّعْلِيلِ بِأَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمَ النَّصِّ، وَلَا يَكُونُ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ وَتَحَقُّقُ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَغَيْرِهِ كَانَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ عِلَّةٌ أَوْ صَالِحٌ لِلْعِلِّيَّةِ، وَهَذَا مُمَانَعَةٌ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ شَرَائِطِ التَّعْلِيلِ أَوْ تَحَقُّقَ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الْمُمَانَعَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ فَقِيلَ الْقِيَاسُ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ بِجَامِعٍ، وَقَدْ حَصَلَ فَلَا نُكَلِّفُ إثْبَاتَ مَا لَمْ يَدَّعِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجَامِعِ مِنْ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ فَيُؤَدِّي إلَى اللَّعِبِ فَيَصِيرُ الْقِيَاسُ ضَائِعًا وَالْمُنَاظَرَةُ عَبَثًا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ الْخَلُّ مَائِعٌ فَيَرْفَعُ الْخَبَثَ كَالْمَاءِ وَلِهَذَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جَرَيَانِ الْمُمَانَعَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ إلَى بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا كَالطَّرْدِ وَكَالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْوَصْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلْعِلِّيَّةِ بَلْ تَكُونُ الْعِلَّةُ غَيْرَهُ كَمَا

(2/179)


فَيُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ فَنَقُولُ لَيْسَ كَالْخَطَأِ إذْ لَا قُدْرَةَ فِيهِ عَلَى الْمِثْلِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ جَزَاءٌ كَامِلٌ فَلَا يَجِبُ مَعَ قُصُورِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْخَطَأُ فَإِنْ أُورِدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رُبَّمَا لَا يَقْبَلُهُ الْجَدَلِيُّ فَنُورِدُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ
(فَتَوْجِيهُ هَذَا) أَيْ تَوْجِيهُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ
(أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْخَطَأُ
(شَرْعُ الْمَالِ خَلَفًا عَنْ الْقَوَدِ وَفِي الْفَرْعِ مُزَاحَمَتُهُ إيَّاهُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ شُرِعَ خَلَفًا عَنْ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وُجُوبُ الْقَوَدِ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ لِمَا قُلْنَا فَوَجَبَ خَلَفُهُ وَفِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْعَمْدُ الْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُزَاحَمَةُ الْمَالِ الْقَوَدَ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ.

(وَمِنْهُ الْمُمَانَعَةُ فَهِيَ إمَّا فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا كَالطَّرْدِ وَالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ هَذَا بَلْ غَيْرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
قُتِلَ عَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمُكَاتَبِ فَقِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ أَعْنِي الْمُكَاتَبِ كَوْنُهُ عَبْدًا بَلْ جَهَالَةُ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ السَّيِّدُ أَوْ الْوَارِثُ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِلَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُمَانَعَةَ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ هِيَ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ لِعُمُومِ وُرُودِهَا عَلَى الْقِيَاسِ إذْ قَلَّمَا تَكُونُ الْعِلَّةُ قَطْعِيَّةً وَعِنْدَ إيرَادِهَا يَرْجِعُ الْمُعَلَّلُ فِي التَّقَصِّي عَنْهَا إلَى مَسَالِكِ الْعِلَّةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَبْحَاثٌ فَيُطَوِّلُ الْقِيلَ وَالْقَالَ وَيُكْثِرُ الْجَوَابَ وَالسُّؤَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْمَانِعَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ لَا عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْمُمَانَعَةُ بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ الْوَصْفِ بِمَعْنَى اعْتِبَارِ نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ وَتَكُونُ عِلَّةُ الْحُكْمِ غَيْرَهُ أَوْ يَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ وَلِهَذَا جَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَفْعَ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ بِالْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ صَحِيحًا وَبِالنَّقْضِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ فَاسِدًا نَعَمْ قَدْ يُورِدُ النَّقْضَ وَفَسَادَ الْوَضْعِ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

[الْمُعَارَضَةُ]
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَ جَمِيعِ الِاعْتِرَاضَاتِ إلَى الْمَنْعِ وَالْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ الْإِلْزَامُ بِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِ الْمُعْتَرِضِ، عَدَمُ الِالْتِزَامِ بِمَنْعِهِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِدَلِيلِهِ، وَالْإِثْبَاتُ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَالدَّفْعُ يَكُونُ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا فَهَدْمُ شَهَادَةِ الدَّلِيلِ يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّتِهِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَهَدْمُ سَلَامَتِهِ يَكُونُ بِفَسَادِ شَهَادَتِهِ فِي الْمُعَارَضَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا وَبِمَنْعِ ثُبُوتِ حُكْمِهَا فَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَالنَّقْضُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ وَالْقَلْبُ وَالْعَكْسُ وَالْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَخْصِيصِ الْمُنَاقَضَةِ بِالْمَنْعِ مَعَ السَّنَدِ يُبْطِلُ حَصْرَ الِاعْتِرَاضِ فِي الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُعَارَضَةِ

(2/180)


فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَأَمَّا فِي وُجُودِهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ كَمَا مَرُّوا فِي شُرُوطِ التَّعْلِيلِ وَأَوْصَافِ الْعِلَّةِ كَكَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً)

(وَمِنْهُ الْمُعَارَضَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إمَّا أَنْ يُبْطِلَ دَلِيلَ الْمُعَلِّلِ وَيُسَمَّى مُنَاقَضَةً أَوْ يُسَلِّمُهُ لَكِنْ يُقِيمُ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ وَيُسَمَّى مُعَارَضَةً وَتَجْرِي فِي الْحُكْمِ وَفِي عِلَّتِهِ وَالْأُولَى تُسَمَّى مُعَارَضَةً فِي الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ) فَقَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ هَذَا تَقْسِيمُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُعَارَضَةِ لَا تَقْسِيمُ الْمُعَارَضَةِ فَإِذَا عَلَّلَ الْمُعَلِّلُ فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ مُقَدَّمَاتِ دَلِيلِهِ وَيُسَمَّى هَذَا مُمَانَعَةً فَإِذَا ذَكَرَ لِمَنْعِهِ سَنَدًا يُسَمَّى مُنَاقَضَةً كَمَا يَقُولُ مَا ذَكَرْت لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ طَرْدٌ مُجَرَّدٌ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ إلَى آخِرِ مَا عَرَفْت فِي الْمُمَانَعَةِ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ دَلِيلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
لِخُرُوجِ الْمَنْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْهُمَا وَعِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ: الْمُنَاقَضَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّقْضِ وَمَرْجِعُهَا إلَى الْمُمَانَعَةِ؛ لِأَنَّهَا امْتِنَاعٌ عَنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّنَدِ لَهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْخَصْمِ قَدْ ثَبَتَ بِتَمَامِ دَلِيلِهِ قُلْنَا هِيَ فِي الْمَعْنَى نَفْيٌ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ وَنَفَاذِ شَهَادَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَيْثُ قُوبِلَ بِمَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مَدْلُولِهِ وَلَمَّا كَانَ الشُّرُوعُ فِيهَا بَعْدَ تَمَامِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ غَصْبًا؛ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ قَامَ عَنْ مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ إلَى مَوْقِفِ الِاسْتِدْلَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَدْحَ الْمُعْتَرِضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالْقَصْدِ فِي الدَّلِيلِ أَوْ فِي الْمَدْلُولِ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْمُمَانَعَةُ وَالْمَمْنُوعُ إمَّا مُقَدَّمَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَعَ ذِكْرِ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَيُسَمَّى مُنَاقَضَةً، وَإِمَّا مُقَدِّمَةٌ لَا بِعَيْنِهَا وَهُوَ النَّقْدُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الدَّلِيلُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُعَلِّلِ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِهَا وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَيَدْخُلُ فِي أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا وَهُوَ الْغَصْبُ الْغَيْرُ الْمَسْمُوعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْخَيْطَ فِي الْبَحْثِ بِوَاسِطَةٍ بَعْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُعَلِّلِ وَالسَّائِلِ عَمَّا كَانَا فِيهِ وَضَلَالُهُمَا عَمَّا هُوَ طَرِيقُ التَّوْجِيهِ وَالْمَقْصُودِ بِنَاءً عَلَى انْقِلَابِ حَالِهِمَا وَاضْطِرَابِ مَقَالِهِمَا كُلَّ سَاعَةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدْحُ فِي الْمَدْلُولِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلدَّلِيلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ الْمَدْلُولِ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَإِمَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ وَتَجْرِي فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ وَفِي عِلَّتِهِ بِأَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى مُعَارَضَةً فِي الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةُ الْمُعَارَضَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَمَامِ الدَّلِيلِ مُنَاقَضَةً وَالْمُعَارَضَةُ فِي الْحُكْمِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَلَوْ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فَمِنْ

(2/181)


فَيَقُولُ مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَدْلُولِ لَكِنْ عِنْدِي مَا يَنْفِي ذَلِكَ الْمَدْلُولَ وَيُقِيمُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْلُولُ هُوَ الْحُكْمَ أَوْ مُقَدِّمَةً مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ، الْأَوَّلِ يُسَمَّى مُعَارَضَةً فِي الْحُكْمِ وَالثَّانِي يُسَمَّى مُعَارَضَةً فِي الْمُقَدِّمَةِ كَمَا إذَا أَقَامَ الْمُعَلِّلُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْحُكْمِ هِيَ الْوَصْفُ الْفُلَانِيُّ فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ لَا يَنْقُضَ دَلِيلَهُ بَلْ يُثْبِتُ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَهَذَا مُعَارَضَةٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ
(أَمَّا الْأُولَى فَإِمَّا بِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَهِيَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ فَإِنْ دَلَّ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ فَقَلْبٌ كَقَوْلِهِ: صَوْمُ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ كَالْقَضَاءِ فَنَقُولُ صَوْمُ فَرْضٍ فَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّعْيِينِ بَعْدَ تَعْيِينِهِ كَالْقَضَاءِ لَكِنْ هُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
حَيْثُ إثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْمُنَاقَضَةُ فَمِنْ حَيْثُ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ إذْ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ لَا يَقُومُ عَلَى النَّقِيضَيْنِ فَإِنْ قُلْت فِي الْمُعَارَضَةِ تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْخَصْمِ وَفِي الْمُنَاقَضَةِ إنْكَارُهُ فَكَيْفَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ قُلْتُ يَكْفِي فِي الْمُعَارَضَةِ التَّسْلِيمُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْإِنْكَارِ قَصْدًا فَإِنْ قُلْتَ فَفِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ وَإِبْطَالَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ دَلِيلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ. قُلْتُ عِنْدَ تَغَايُرِ الدَّلِيلَيْنِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْبَاطِلُ دَلِيلَ الْمُعَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَ الدَّلِيلُ ثُمَّ دَلِيلُ الْمُعَارِضُ إنْ كَانَ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ فَقَلْبٌ وَإِنْ كَانَ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَعَكْسٌ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهِيَ الْمُنَاقَضَةُ الْخَالِصَةُ وَإِثْبَاتُهُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِ مَا وُكِّلَ مِنْهُمَا صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا وَالْمُعَارَضَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ إنْ كَانَتْ بِجَعْلِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ مَعْلُولًا وَالْمَعْلُولِ عِلَّةً فَمُعَارَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ وَإِلَّا فَمُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ لِنَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ، وَقَدْ تَكُونُ لِإِثْبَاتِ عِلِّيَّةِ عِلَّةٍ أُخْرَى إمَّا قَاصِرَةٍ وَإِمَّا مُتَعَدِّيَةٍ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَرْدُودٌ وَأَمْثِلَتُهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْت بَعْدَ مَا ظَهَرَ تَأْثِيرُ الْعِلَّةِ كَيْفَ يَصِحُّ مُعَارَضَتُهَا خُصُوصًا بِطَرِيقِ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ جَعْلُ الْعِلَّةِ بِعَيْنِهَا عِلَّةً لِنَقِيضِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ قُلْتُ رُبَّمَا يُظَنُّ ظُهُورُ التَّأْثِيرِ، وَلَا تَأْثِيرَ وَرُبَّمَا يُورَدُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ أَوْ قَلْبٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَافَاةُ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ تَأْثِيرٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَمَامِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَطْعِ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَهَكَذَا حُكْمُ فَسَادِ الْوَضْعِ فَتَخْصِيصُهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّأْثِيرِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ) يَعْنِي زِيَادَةً تُفِيدُ تَقْرِيرًا وَتَفْسِيرًا لَا تَبْدِيلًا وَتَغْيِيرًا لِيَكُونَ قَلْبًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَلْبِ الشَّيْءِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ كَقَلْبِ الْجِرَابِ يُسَمَّى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ جَعَلَ الْعِلَّةَ شَاهِدًا لَهُ بَعْدَ مَا كَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِ أَوْ عَكْسًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَكَسْتُ الشَّيْءَ رَدَدْته إلَى وَرَائِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ

(2/182)


التَّعْيِينُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ) أَيْ تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ تَعْيِينٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ وَفِي الْقَضَاءِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ
(وَكَقَوْلِهِ: مَسْحُ الرَّأْسِ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ رُكْنٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَعْدَ إكْمَالِهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى حُكْمٍ آخَرَ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ النَّقِيضُ يُسَمَّى عَكْسًا كَقَوْلِهِ: فِي صَلَاةِ النَّفْلِ عِبَادَةٌ لَا تَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ فَنَقُولُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ النَّذْرُ وَالشُّرُوعُ كَالْوُضُوءِ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَجِبُ بِالشَّرْعِ لَا بُدَّ أَنْ يَجِبَ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ كَمَا فِي الْحَجِّ فَيَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ إذَا فَسَدَتْ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا لَا تَجِبُ بِالشُّرُوعِ فَنَقُولُ لَوْ كَانَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدِ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
رَدُّ أَوَّلِ الشَّيْءِ إلَى آخِرِهِ وَآخِرِهِ إلَى أَوَّلِهِ نَظِيرُ الْعَكْسِ مَا إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَلَاةُ النَّفْلِ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ فَنَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَلَاةُ النَّفْلِ مِثْلَ الْوُضُوءِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ النَّذْرُ وَالشُّرُوعُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَذَلِكَ إمَّا بِشُمُولِ الْعَدَمِ أَوْ بِشُمُولِ الْوُجُودِ وَالْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ جَمِيعًا وَهُوَ نَقِيضُ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ فَالْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَ بِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وُجُوبَ الِاسْتِوَاءِ الَّذِي لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ صَلَاةِ النَّفْلِ بِالشُّرُوعِ وَهُوَ نَقِيضُ مَا أَثْبَتَهُ الْمُعَلِّلُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ.
(قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ) يَعْنِي ادَّعَى الْمُعَلِّلُ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَجِبُ بِالشُّرُوعِ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا عِنْدَ الْفَسَادِ وَيَلْزَمُهَا بِحُكْمِ عَكْسِ النَّقِيضِ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا لَا تَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ فَاعْتَرَضَ السَّائِلُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ لَكَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ لِمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الشُّرُوعَ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وَكَذَا الشَّارِعُ عَزَمَ عَلَى الْإِيقَاعِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى إلَى الْبُطْلَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ اسْتِوَاءُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي فِي عَدَمِ وُجُوبِ صَلَاةِ النَّفْلِ بِهِمَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِوُجُوبِهَا بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ غَيْرُ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ كَوْنُ الِاعْتِرَاضِ مِنْ قَبِيلِ الْعَكْسِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْرِيبًا إلَى أَنَّ هَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ لِتَضَمُّنِهَا إبْطَالَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدِ لَوْ كَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ لَكَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي أَنَّ الْقَلْبَ أَقْوَى مِنْ

(2/183)


لَكَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ
(وَالْأَوَّلُ أَقْوَى مِنْ هَذَا) أَيْ الْقَلْبُ أَقْوَى مِنْ الْعَكْسِ
(لِأَنَّهُ جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ وَبِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ جَاءَ فِي الْعَكْسِ بِحُكْمٍ آخَرَ وَفِي الْقَلْبِ جَاءَ بِنَقِيضِ حُكْمٍ يَدَّعِيهِ الْمُعَلِّلُ فَالْقَلْبِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَكْسِ اشْتَغَلَ بِمَا لَيْسَ هُوَ بِصَدَدِهِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَفِي الْقَلْبِ لَمْ يُشْغَلْ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا جَاءَ بِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ إذْ الِاسْتِوَاءُ يَكُونُ بِطَرِيقَيْنِ وَالْمُعْتَرِضُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّهُمَا وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُبَيَّنِ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُجْمَلِ وَأَيْضًا الِاسْتِوَاءُ الَّذِي فِي الْفَرْعِ غَيْرُ الِاسْتِوَاءِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُ
(وَلِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَفِي الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْعَدَمِ وَفِي الْفَرْعِ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْوُجُودِ وَإِمَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
الْعَكْسِ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِالْعَكْسِ جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ غَيْرِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَرِضِ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا بِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَاكِسَ جَاءَ بِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ الْمُحْتَمِلُ لِشُمُولِ الْوُجُودِ وَشُمُولِ الْعَدَمِ وَالْقَالِبُ جَاءَ بِحُكْمٍ مُفَسِّرٍ هُوَ نَفْيُ دَعْوَى، الْمُعَلِّلُ الثَّالِثُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ إثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَلَمْ يُرَاعِ هَذَا فِي الْعَكْسِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْأَصْلِ أَعْنِي الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي عَدَمَ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، وَلَا بِالشُّرُوعِ، وَفِي الْفَرْعِ أَعْنِي صَلَاةَ النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي الْوُجُوبَ بِالنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ جَمِيعًا فَلَا مُمَاثَلَةَ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِيهِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ لِكَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ الْمُعَارَضَةُ نَوْعَانِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَمُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَالْقَلْبُ وَيُقَابِلُهُ الْعَكْسُ وَالْقَلْبُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً وَالْعِلَّةَ مَعْلُولًا مِنْ قَلَبْتُ الشَّيْءَ جَعَلْته مَنْكُوسًا، وَثَانِيهِمَا أَنْ تَجْعَلَ الْوَصْفَ شَاهِدًا لَك بَعْدَ مَا كَانَ شَاهِدًا عَلَيْك مِنْ قَلَبَ الشَّيْءِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ أُلْحِقَ بِهَذَا الْبَابِ وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى رَدِّ الشَّيْءِ عَلَى سَنَنِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ الْعِلَلِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ زِيَادَةُ تَعَلُّقٍ بِالْعِلَّةِ حَيْثُ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ، وَعَكْسُهُ الْوُضُوءُ بِمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَثَانِيهِمَا بِمَعْنَى رَدِّ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ سَنَنِهِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ فَيُقَالُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْقَلْبِ ضَعِيفٌ

(2/184)


عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَأَمَّا بِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ
(وَهُوَ مُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ وَهُوَ إمَّا أَنْ يُثْبِتَ نَقِيضَ حُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِتَغْيِيرٍ أَوْ حُكْمًا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ النَّقِيضُ كَقَوْلِهِ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْغُسْلِ فَنَقُولُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ، وَهَذَا) أَيْ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ
(أَقْوَى الْوُجُوهِ) فَقَوْلُهُ الْمَسْحُ رُكْنٌ نَظِيرُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ
(وَكَقَوْلِنَا فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا: صَغِيرَةٌ فَتُنْكَحُ كَاَلَّتِي لَهَا أَبٌ فَيُقَالُ صَغِيرَةٌ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا بِوِلَايَةِ الْأُخُوَّةِ كَالْمَالِ فَلَمْ يَنْفِ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ بَلْ وِلَايَةً بِعَيْنِهَا لَكِنْ إذَا انْتَفَتْ هِيَ يَنْتَفِي سَائِرُهَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْفِي الْإِجْبَارَ بِوِلَايَةِ الْإِخْوَةِ يَنْفِي الْإِجْبَارَ بِوِلَايَةِ الْعُمُومَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا نَظِيرُ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الْمُعَارَضَةِ
(وَكَالَتِي) نَظِيرُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ
(نُعِيَ إلَيْهَا زَوْجُهَا فَنُكِحَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ فَيُقَالُ الثَّانِي صَاحِبُ فِرَاشٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَحِقُّ النَّسَبَ كَمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
لِأَنَّهُ لَمَّا جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ ذَهَبَتْ الْمُنَاقَضَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَمْ يَنْفِ التَّسْوِيَةَ لِيَكُونَ إثْبَاتُهَا دَفْعًا لِدَعْوَاهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ حُكْمٌ مُجْمَلٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي الْمُعَارَضَةُ الْخَالِصَةُ فَخَمْسَةُ أَنْوَاعٍ اثْنَانِ فِي الْفَرْعِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْأَصْلِ وَجَعَلَ أَحَدَ أَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ الْمُعَارَضَةَ بِزِيَادَةٍ هِيَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ وَتَقْرِيرٌ لَهُ كَمَا يُقَالُ الْمَسْحُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْغُسْلِ فَيُقَالُ رُكْنٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَعْدَ إكْمَالِهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ كَالْغُسْلِ وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ الْقَلْبِ فَأُورِدُهُ تَارَةً فِي الْمُعَارَضَةِ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ تَقْرِيرٌ فَيَكُون مِنْ قَبِيلِ جَعْلِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ فَيَلْزَمُ إبْطَالُهُ وَتَارَةً فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا جَعَلَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ، الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الْعَكْسِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَقْوَى الْوُجُوهِ) لِدَلَالَتِهِ صَرِيحًا عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُعَارَضَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ بِعَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ وَكَقَوْلِنَا فِي صَغِيرَةٍ) يَعْنِي مِثَالَ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي تُثْبِتُ نَقِيضَ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ بِتَغَيُّرٍ مَا، قَوْلُنَا فِي إثْبَاتِ وِلَايَةِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا، وَلَا جَدَّ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ صَغِيرَةً فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ كَاَلَّتِي لَهَا أَبٌ بِعِلَّةِ الصِّغَرِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ صَغِيرَةٌ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا بِوِلَايَةِ الْأُخُوَّةِ كَالْمَالِ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ عَلَى مَالِ الصَّغِيرَةِ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَالْعِلَّةُ هِيَ قُصُورُ الشَّفَقَةِ لَا الصِّغَرِ عَلَى مَا يُفْهَمْ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُعَارَضَةً خَالِصَةً بَلْ قَلْبًا فَالْمُعَلِّلُ أَثْبَتَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَارِضُ لَمْ يَنْفِهَا بَلْ نَفَى وِلَايَةَ الْأَخِ فَوَقَعَ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ تَغْيِيرٌ هُوَ التَّقْيِيدُ بِالْأَخِ وَلَزِمَ نَفْيُ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ الْقَرَابَاتِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ

(2/185)


تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودِ فَوَلَدَتْ فَالْمُعَارِضُ وَإِنْ أَثْبَتَ حُكْمًا آخَرَ) وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ لِلثَّانِي نَفْيُهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمُعَارَضَةُ فَالسَّبِيلُ التَّرْجِيحُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمِنْهَا مَا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ الْعِلَّةُ مَعْلُولًا وَالْمَعْلُولُ عِلَّةً وَهِيَ قَلْبٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَرِدُ هَذَا إذَا
(كَانَتْ الْعِلَّةُ حُكْمًا لَا وَصْفًا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَعْلُولًا وَالْحُكْمَ عِلَّةً
(نَحْوُ: الْكُفَّارُ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّ جَلْدَ الْمِائَةِ غَايَةُ حَدِّ الْبِكْرِ وَالرَّجْمُ غَايَةُ حَدِّ الثَّيِّبِ فَإِذَا وَجَبَ فِي الْبِكْرِ غَايَتُهُ وَجَبَ فِي الثَّيِّبِ غَايَتُهُ أَيْضًا فَإِنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا كَانَتْ أَكْمَلَ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا تَكُونُ أَفْحَشَ فَجَزَاؤُهَا يَكُونُ أَغْلَظَ فَإِذَا وَجَبَ فِي الْبِكْرِ الْمِائَةُ يَجِبُ فِي الثَّيِّبِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا الرَّجْمَ فَإِنَّ الشَّرْعَ مَا أَوْجَبَ فَوْقَ جَلْدِ الْمِائَةِ إلَّا الرَّجْمَ
(وَالْقِرَاءَةُ تَكَرَّرَتْ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ فَكَانَتْ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَنَقُولُ الْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً؛ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ) يَعْنِي لَوْ جَعَلَ الْمُعَلِّلُ جَلْدَ الْبِكْرِ عِلَّةً لِرَجْمِ الثَّيِّبِ، فَنَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ هَذَا بَلْ رَجْمُ الثَّيِّبِ عِلَّةٌ لِجَلْدِ الْبِكْرِ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَالْمُخْلَصُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
فَنَفْيُ وِلَايَتِهِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وِلَايَةِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِيرُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَجْهُ صِحَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْأَوَّلِ صَاحِبَ فِرَاشٍ صَحِيحٍ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا مَعَ فَسَادِ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفِرَاشِ تُوجِبُ حَقِيقَةَ النَّسَبِ وَالْفَاسِدُ شُبْهَتُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ شُبْهَتِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ بَلْ فِي الْحُضُورِ حَقِيقَةُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ مَائِهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ قَلْبٌ أَيْضًا) مِنْ إذَا قَلَبْت الْإِنَاءَ وَجَعَلْت أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ وَهُوَ أَعْلَى وَالْمَعْلُولُ فَرْعٌ وَهُوَ أَسْفَلُ فَتَبْدِيلُهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْكُوزِ مَنْكُوسًا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُعَارَضَةً إذَا أَقَامَ الْمُعْتَرِضُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا ادَّعَاهُ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً وَإِلَّا فَهُوَ مُمَانَعَةٌ مَعَ السَّنَدِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ لَوْ أَثْبَتَ كَوْنَ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا لَزِمَ نَفْيُ عِلِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْلُولَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السَّائِلَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ آخَرَ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلُهُ فَلَزِمَ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتْ بِعِلَّةٍ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ وَالْمُخَلِّصُ) لَا يُرِيدُ بِالْمُخْلِصِ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا الْقَلْبِ وَدَفَعَهُ بَلْ الِاحْتِرَازُ عَنْ وُرُودِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُورِدَ الْحُكْمَيْنِ بِطَرِيقِ تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُفِيدَ التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِهِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ

(2/186)


عَنْ هَذَا أَيْ التَّعْلِيلِ بِوَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَلْبُ
(أَنْ لَا يُذْكَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ إذَا ثَبَتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا نَحْوُ: مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إذَا صَحَّ كَالْحَجِّ) فَتَجِبُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالشُّرُوعِ تَطَوُّعًا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالُوا الْحَجُّ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فَنَقُولُ الْغَرَضُ الِاسْتِدْلَال مِنْ لُزُومِ الْمَنْذُورِ عَلَى لُزُومِ مَا شَرَعَ لِثُبُوتِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا بَلْ الشُّرُوعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ رِعَايَةُ مَا هُوَ سَبَبُ الْقُرْبَةِ وَهُوَ النَّذْرُ
(فَلَأَنْ يَجِبَ رِعَايَةُ مَا هُوَ الْقُرْبَةُ أَوْلَى وَنَحْوُ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَكَذَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ) فَيَثْبُتُ إجْبَارُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(فَقَالُوا إنَّمَا يُوَلَّى عَلَى الْبِكْرِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ يُوَلَّى فِي نَفْسِهَا فَنَقُولُ الْوِلَايَةُ شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ، وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِيهَا سَوَاءٌ) أَيْ لَا نَقُولُ إنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْمَالِ عِلَّةٌ لِلْوِلَايَةِ فِي النَّفْسِ بَلْ نَقُولُ كِلْتَاهُمَا شُرِعَتَا لِلْحَاجَةِ فَتَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَتْ إحْدَاهُمَا ثَبَتَتْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَاحِدٌ
(وَهَذِهِ الْمُسَاوَاةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرُوا) وَهُمَا مَسْأَلَتَا رَجْمِ الْكُفَّارِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَخِيرِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ يُمْكِنُ لَنَا فِي مَسْأَلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
قَدْ مَسَّتْهَا النَّارُ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ وَهَذَا الشَّخْصُ مُتَعَفِّنُ الْأَخْلَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُومٌ وَهَذَا الْمُخَلِّصُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُكْمَيْنِ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ الْآخَرِ لِيَصِحَّ الِاسْتِدْلَال كَمَا فِي النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ وَكَالْوِلَايَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَبِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْأُخْرَيَيْنِ فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَغَيْرُ مُتَصَوَّرٍ كَيْفَ وَالْمَالُ مُبْتَذَلٌ وَالنَّفْسُ مُكَرَّمَةٌ وَإِنْ أُرِيدَ الْمُسَاوَاةُ مِنْ وَجْهٍ فَالْفَرْقُ لَا يَضُرُّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بُنِيَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْوِلَايَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَحَقَّقَ الْحَاجَةُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَيْ لَا تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ فَيُحْتَاجُ فِي النَّفْسِ لِعَدَمِ الْكُفْءِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي الْمَالِ لِكَثْرَتِهِ فَتَسَاوَيَا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً لَا يُقْبَلُ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلتَّعْدِيَةِ وَذَلِكَ كَمَا إذَا قُلْنَا الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ مَوْزُونٌ مُقَابَلٌ بِالْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيُعَارَضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلَ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ دُونَ الْوَزْنِ وَيُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُعْتَرِضِ إبْطَالُ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ فَإِذَا بَيَّنَ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ آخَرَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا بِالْعِلِّيَّةِ فَلَا يُقْبَلُ وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءَ عِلَّةٍ فَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالِاسْتِقْلَالِ حَتَّى قَالُوا إنَّ الْوَصْفَ الَّذِي ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتَهُ لَوْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ

(2/187)


الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْمُخَلِّصُ عَنْ الْقَلْبِ وَلَوْ يُمْكِنُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ وَالْقِرَاءَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ فَلِأَنَّ الرَّجْمَ وَالْجَلْدَ لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَتْلٌ وَالْآخَر ضَرْبٌ وَلَا فِي شُرُوطِهِمَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِأَحَدِهِمَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لَلْآخَرِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ سَاقِطَةٌ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَأَيْضًا الْجَهْرُ سَاقِطٌ فِيهِ فَقَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَمِنْهَا خَالِصَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا أَثْبَتَهُ الْمُعَلِّلُ فَمَقْبُولَةٌ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى عِلِّيَّةِ شَيْءٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَمَا يُعَارِضُنَا مَالِكٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالِادِّخَارُ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
فِي مَحَلٍّ آخَر وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي بُطْلَانِ الْمُعَارَضَةِ بِإِثْبَاتِ عِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ شَتَّى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْمُعَلِّلِ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ وَهَذَا كَافٍ فِي غَرَضِ الْمُعْتَرِضِ أَعْنِي الْقَدْحَ فِي عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ لَا يُقَالُ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ وَظَهَرَ تَأْثِيرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا قَطْعًا بَلْ ظَنًّا وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ آخَرَ مُوجِبًا لِزَوَالِ الظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ اسْتِقْلَالًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَدَّى) أَيْ الشَّيْءُ الْآخَرُ الَّذِي ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتَهُ إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَمَا إذَا قِيلَ الْجَصُّ مَكِيلٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا كَالْحِنْطَةِ فَيُعَارِضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الطَّعْمُ فَيَتَعَدَّى إلَى الْفَوَاكِهِ وَمَا دُونِ الْكَيْلِ كَبَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِثْلُ هَذَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ وَالْمُعْتَرِضَ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ فَقَطْ إذْ لَوْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ بِالْعِلِّيَّةِ لَمَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْفَرْعِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ فَإِثْبَاتُ عِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ نَفْيَ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُعَلِّلُ عَلَيْهِ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ أَيْضًا؛ قَوْلًا بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ ثُمَّ الْتِزَامُ أَنَّ الِاقْتِيَاتَ وَالِادِّخَارَ أَيْضًا عِلَّةٌ لِيَتَعَدَّى إلَى الْأَرُزِّ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ الطَّعْمَ أَيْضًا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ جَرَيَانَ الرِّبَا فِي التُّفَّاحِ مَثَلًا فَإِنْ قُلْت الْكَلَامُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ وَتَأْثِيرُهُ فَانْتِفَاؤُهُ بِثُبُوتِ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قُلْتُ: الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ عِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ، وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِعِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُرَجَّحْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُبْطِلُ عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ وَيُثْبِتُ صِحَّةَ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ لِمُجَرَّدِ الْمُعَارَضَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُقْبَلُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ عِلِّيَّةِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِمَا لِجَوَازِ اسْتِقْلَالِ الْعِلَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا

(2/188)


مُتَعَدٍّ إلَى الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ فِي الْجَصِّ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ بِعِلَلٍ شَتَّى وَإِنْ تَعَدَّى إلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِ الْآخَرِ.

(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ) لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْعِلَّةَ نَوْعَانِ إمَّا عِلَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَنَا وَإِمَّا عِلَّةٌ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا بِالدَّوَرَانِ دُونَ التَّأْثِيرِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ عِنْدَنَا وَتُسَمَّى عِلَّةً طَرْدِيَّةً فَفِي هَذَا الْفَصْلِ تُذْكَرُ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ
(وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ وَهُوَ يُلْجِئُ الْمُعَلِّلَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ) أَيْ يَجْعَلُ الْمُعَلِّلَ مُضْطَرًّا إلَى الْقَوْلِ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْخَصْمُ مِنْ تَسْلِيمِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ
(كَقَوْلِهِ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ يُسَنُّ عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنَّ الْفَرْضَ الْبَعْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَهُوَ إمَّا رُبْعٌ أَوْ أَقَلُّ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ وَإِنْ غَيَّرَ فَقَالَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ التَّكْمِيلُ كَمَا فِي أَرْكَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[التلويح]
وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى فَسَادِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ لَا لِصِحَّةِ الْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَفْتَقِرُ إلَى مَعْنًى يُوجِبُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِ صِحَّةِ أَحَدِهِمَا فِي فَسَادِ الْآخَرِ لَا يُنَافِي فَسَادَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ صِحَّةِ الْآخَرَ لَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ ظَنًّا لَا قَطْعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَعْنِي بِفَسَادِ الْعِلِّيَّةِ إلَى هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ مَا لَمْ يُرَجَّحْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ بِدُونِ التَّرْجِيحِ.