شرح الورقات في أصول الفقه [المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين محمد وعلى آله
وصحبه
وسلم (1) وبعد (2).
هذه ورقات قليلة، تشتمل على معرفة (3) فصول (4) من أصول (5)
الفقه، ينتفع بها المبتدئ وغيره.
_________
(1) هذه افتتاحية النسخة " أ "، وأما النسخة " ب " فتبدأ: (بسم
الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، قال الشيخ الإمام العالم
العلامة علامة المحققين رحلة الفقهاء والأصوليين أبو عبد الله
جلال الدين المحلي المصري الشافعي تغمده الله برحمته آمين).
وبداية النسخة " ج ": (بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد
لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن محمد بن أحمد الشافعي
تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته آمين).
(2) ليست في " ب، ج ".
(3) ليست في " المطبوعة ".
(4) الفصول جمع فصل وهو كما قال الجرجاني في التعريفات ص 89
(قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها). والتنوين في
قوله: " فصولٍ " إما للتعظيم أو للتعميم لاحتواء هذه الورقات
مع صغر حجمها على معظم مسائل علم أصول الفقه. التحقيقات ص87.
(5) ليست في "ج".
(1/65)
[تعريف أصول الفقه باعتباره مركباً
إضافياً]
وذلك (1) أي لفظ أصول الفقه، مؤلف (2) من جزئين [أحدهما أصول
والآخر الفقه] (3) مفردين (4) من الإفراد مقابل (5) التركيب
(6) لا (7) التثنية (8) والجمع، والمؤلف يعرف بمعرفة ما ألف
منه.
[تعريف الأصل]
فالأصل الذي هو [مفرد الجزء] (9) الأول ما يبنى (10) عليه غيره
(11)
[كأصل الجدار أي أساسه وأصل الشجرة أي طرفها الثابت في الأرض.
_________
(1) ورد في " و" لفظ.
(2) مؤلف أي مركب. انظر شرح العبادي ص 6.
(3) ما بين المعكوفين ليس في " ب، هـ ".
(4) في " ج " مفردين الذي.
(5) في " هـ " المقابل.
(6) في " هـ " للتركيب.
(7) ليست في " ج ".
(8) ليست في " ب، هـ ".
(9) في " ب " الجزء مفرد وهو خطأ.
(10) في " ج، و، المطبوعة " بُنيَ.
(11) انظر تعريف الأصل في المعتمد 1/ 8، مختصر ابن الحاجب 1/
25، فواتح الرحموت 1/ 8، البحر المحيط 1/ 15، شرح الكوكب
المنير 1/ 38، بيان معاني البديع 1/ 1/92، إرشاد الفحول ص 3،
الضياء اللامع 1/ 129، أصول الفقه لزهير 1/ 5، مباحث الحكم عند
الأصوليين ص 8 - 9.
(1/66)
[تعريف الفرع]
والفرع الذي (1) هو مقابل الأصل ما يبنى (2) على غيره] (3)
كفروع (4) الشجرة لأصلها وفروع الفقه لأصوله (5).
_________
(1) ليست في " ج ".
(2) في " ج، و، المطبوعة " بُنيَ.
(3) ما بين المعكوفين ساقط من " ب ".
(4) في " ب " كفرع.
(5) في " ج " لأصله، وانظر تعريف الفرع في التعريفات ص89،
التحقيقات ص 89، شرح العبادي ص 10، الحدود ص 71، المحصول 2/
2/27، تيسير التحرير 3/ 276، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/
222، إرشاد الفحول ص 204.
(1/67)
[تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً]
والفقه الذي هو الجزء الثاني، له معنى لغوي وهو الفهم (1).
ومعنى شرعي وهو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد
(2)، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة (3)، (4) وأن الوتر
مندوب (5)، ...
_________
(1) تعريف الفقه لغة: بالفهم هو رأي أكثر الأصوليين. قاله
الآمدي وابن قدامة والشوكاني وغيرهم، وعرفه أبو الحسين البصري
والإمام الرازي بأنه فهم غرض المتكلم من كلامه، وعرفه إمام
الحرمين والجرجاني بأنه العلم، وهنالك تعريفات أخرى للفقه لغة،
انظر التلخيص 1/ 105، الإحكام 1/ 6، روضة الناظر 2/ 7، إرشاد
الفحول ص 3، المعتمد 1/ 8، المحصول 1/ 1/92، المصباح المنير 2/
479، التعريفات ص 90، الإبهاج 1/ 28، البحر المحيط 1/ 19.
(2) عرّف إمام الحرمين الفقه اصطلاحا في البرهان 1/ 85 بأنه
(العلم بأحكام التكليف). وعرّفه في التلخيص 1/ 105 (بأنه العلم
بالأحكام الشرعية). وعرّفه في الورقات بما هو مذكور أعلاه وهو
أجودها. انظر تعريف الفقه اصطلاحاً في: المعتمد 1/ 8، المستصفى
1/ 4، شرح العضد 1/ 25، المحصول 1/ 1/92، الإحكام 1/ 6، فواتح
الرحموت 1/ 10، الحدود ص 35، بيان معاني البديع 1/ 1/96، نهاية
الوصول 1/ 7، إرشاد الفحول ص 3.
(3) وهو مذهب جمهور الفقهاء وأما الحنفية فالنية عندهم سنة
انظر المجموع 1/ 312، المغني 1/ 84، الذخيرة 1/ 240 - 241،
جامع الأمهات ص 44، الاختيار 1/ 9.
(4) ورد في "ب" (في الحلي) وزيادتها خطأ، ولعل الناسخ انتقل
بصره إلى كلمة واجبة الآتية عند قوله وغير واجبة في الحلي فنقل
العبارة.
(5) وهو مذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة
وصاحبي أبي حنيفة، وقال أبو حنيفة: الوتر واجب. انظر بلغة
السالك 1/ 137، جامع الأمهات ص 133، الحاوي الكبير 2/ 278،
الفروع 1/ 537، الاختيار 1/ 54، بدائع الصنائع، 1/ 605 - 606.
...
(1/68)
وأن النية من الليل شرط في (1) صوم رمضان
(2)، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي (3)، وغير (4) واجبة في
الحلي المباح (5)، وأن القتل بمثقل يوجب القصاص (6)، ونحو ذلك
من مسائل الخلاف، بخلاف ما ليس طريقه الاجتهاد، كالعلم بأن
الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنا محرم، ونحو ذلك من المسائل (7)
* القطعية (8) فلا يسمى فقهاً (9) فالمعرفة هنا العلم بمعنى
الظن (10).
_________
(1) ورد في " ب " كلمة (صحة).
(2) وهذا باتفاق الفقهاء. انظر بدائع الصنائع 2/ 229، الاختيار
1/ 127، جامع الأمهات ص 171، الشرح الكبير 1/ 520، مغني
المحتاج 2/ 148 - 149، الحاوي الكبير 3/ 397، الإنصاف 1/ 293،
التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 450.
(3) وهو مذهب الجمهور وأما الحنفية فقالوا بعدم وجوب الزكاة في
مال الصبي. انظر بداية المجتهد 1/ 225، مغني المحتاج 1/ 123،
الفروع 2/ 318، بدائع الصنائع 2/ 79.
(4) في " ب " غير.
(5) وهو قول المالكية والشافعية في القول المعتمد عندهم وهو
ظاهر المذهب عند الحنابلة، وأما الحنفية فأوجبوا الزكاة في
الحلي المباح وهو قول في مذهب الشافعية ورواية في مذهب
الحنابلة. انظر المغني 3/ 41 - 42، بداية المجتهد 1/ 230،
الشرح الكبير 1/ 460، المجموع 6/ 35 - 36، بدائع الصنائع 2/
101، مغني المحتاج 2/ 95، جامع الأمهات ص 144.
(6) وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يجب القصاص بالقتل
بمثقّل إلا مثقّل الحديد ونحوه، انظر بدائع الصنائع 6/ 272،
فتح باب العناية 3/ 314، المغني 8/ 261، القوانين الفقهية ص
226، الشرح الكبير 4/ 242، مغني المحتاج 5/ 212.
(7) في " ج " مسائل.
* نهاية 2/أمن النسخة " أ ".
(8) في " ب " المعطفية وهو خطأ. والمقصود بالمسائل القطعية هي
مسائل العلم الضروري الذي يشترك به العام والخاص وليس بحاجة
إلى استدلال.
(9) لأن الفقه يكون عن نظرٍ واستدلال، انظر الأنجم الزاهرات ص
83.
(10) المراد بالظن هنا هو الظن الراجح، انظر شرح العبادي ص 16،
حاشية الدمياطي ص 3.
(1/69)
[أقسام الحكم
الشرعي]
والأحكام المرادة فيما ذكر سبعة (1): الواجب والمندوب والمباح
والمحظور والمكروه والصحيح والباطل (2).
فالفقه العلم بالواجب والمندوب (3) إلى آخر السبعة.
أي بأن هذا الفعل واجب [وهذا مندوب] (4) وهذا مباح وهكذا إلى
آخر جزيئات (5) السبعة.
_________
(1) ذكر إمام الحرمين في البرهان 1/ 308 أن الأحكام خمسة، ولم
يذكر منها الصحيح ولا الباطل كما فعل هنا، وهو مذهب أكثر
الأصوليين، ولعله أراد بقوله (الأحكام) ما يعم الحكمين
التكليفي والوضعي، لأن الصحة والبطلان من الحكم الوضعي كما هو
قول أكثر الأصوليين. انظر المستصفى 1/ 94، الإحكام 1/ 130،
فواتح الرحموت 1/ 121، بيان معاني البديع 1/ 1/563، شرح الكوكب
المنير 1/ 464، نزهة الخاطر 1/ 90، الضياء اللامع 1/ 180، أصول
الفقه لأبي زهرة ص 64، الحكم الوضعي عند الأصوليين ص 172_ 174،
مباحث الحكم عند الأصوليين ص 57 فما بعدها.
(2) في " أ، ب، ج، هـ، ط " الفاسد وكذا وردت في شرح العبادي
والمثبت هو الصواب وكذا ورد في المطبوعة وفي " و" وهو الموافق
لشرحي التحقيقات والأنجم الزاهرات وهو الموافق لما سيأتي في
كلام الشارح ص
(3) ورد في " ج " وهذا وهي زائدة.
(4) ما بين المعكوفين ليس في " ب ".
(5) ليست في " هـ ".
(1/70)
[تعريف الواجب]
فالواجب (1) * من حيث وصفه بالوجوب ما يثاب على فعله ويعاقب
على تركه (2).
ويكفي في صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة مع العفو عن غيره
(3).
ويجوز أن يريد (4) ويترتب العقاب على تركه كما عبر به غيره فلا
ينافي العفو (5).
_________
(1) الواجب لغةً بمعنى الساقط والثابت. انظر الصحاح 1/ 231،
المصباح المنير 2/ 648.
* نهاية 1/أمن "ب".
(2) قوله: ما يثاب على فعله أخرج الحرام والمكروه والمباح فلا
ثواب لفاعلها، وقوله: يعاقب على تركه أخرج المندوب فإن فاعله
يثاب وتاركه لا يعاقب.
وقد عرّف إمام الحرمين الواجب في البرهان 1/ 310 بقوله أنه
(الفعل المقتضي من الشارع الذي يلام تاركه شرعاً)، ونقض عدة
تعريفات للواجب.
وعرّفه في التلخيص 1/ 163 بقوله (كل ما ورد الشرع بالذم بتركه
من حيث هو ترك له).
وانظر في تعريف الواجب اصطلاحاً المعتمد 1/ 368، المستصفى 1/
65 - 66، الإحكام 1/ 97، المحصول 1/ 1/117، شرح العضد 1/ 225،
فواتح الرحموت 1/ 61، إرشاد الفحول ص 6، مذكرة أصول الفقه ص 9،
الحكم التكليفي ص92، شرح مختصر الروضه 1/ 265، منتهى السول ص
23.
(3) قول الشارح (ويكفي في صدق ... عن غيره) جواب عن الاعتراض
على تعريف الواجب بأنه غير جامع لخروج الواجب المعفو عن تركه،
انظر شرح العبادي ص 24.
(4) أي المصنف - إمام الحرمين -.
(5) هذا هو الجواب الثاني عن الاعتراض على تعريف الواجب بأنه
غير مانع. انظر شرح العبادي ص 25.
(1/71)
[تعريف المندوب]
والمندوب (1) من * حيث وصفه (2) بالندب ما يثاب على فعله ولا
يعاقب على تركه (3).
_________
(1) المندوب لغة من الندب وهو الدعاء لأمر مهم ومنه قول
الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
قال الفيومي: المندوب في الشرع والأصل المندوب إليه لكن حذفت
الصلة منه لفهم المعنى. المصباح المنير 2/ 597، وانظر الصحاح
1/ 223، تاج العروس 2/ 424 - 427.
* نهاية 2/أمن " ج ".
(2) في " ب " وصف.
(3) قوله (ما يثاب على فعله) خرج بهذا القيد الممحظور والمكروه
والمباح، فلا ثواب على فعلها. وقوله (ولا يعاقب على تركه) خرج
بهذا القيد الواجب، فإن تاركه يعاقب. انظر الأنجم الزاهرات ص
89. ويسمى المندوب أيضاً نافلةً وسنةً ومستحباً وتطوعاً
ومرغباً فيه. انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 89، شرح
الكوكب المنير 1/ 403، التحقيقات ص 105، الأنجم الزاهرات ص 89،
إرشاد الفحول ص 6.
وقد عرّف إمام الحرمين المندوب في البرهان 1/ 310 بقوله (هو
الفعل المقتضَى شرعاً من غير لوم على تركه).
وعرّفه في التلخيص 1/ 162 بقوله (هو الفعل المأمور به الذي لا
يلحق الذم والمأثم شرعاً على تركه من حيث هو ترك له).
وانظر تعريف المندوب اصطلاحاً في أصول السرخسي 1/ 115، كشف
الأسرار 2/ 311، تيسير التحرير 2/ 231، المحصول 1/ 1/128،
الإحكام 1/ 119، شرح العضد 1/ 225، شرح تنقيح الفصول ص 71، شرح
الكوكب المنير 1/ 402، شرح مختصر الروضه 1/ 353.
(1/72)
[تعريف المباح]
والمباح (1) من حيث وصفه (2) بالإباحة (3) ما لا يثاب على فعله
(4) وتركه، ولا يعاقب على تركه (5)
وفعله (6) أي ما لا يتعلق بكل من فعله وتركه ثواب ولا عقاب
(7).
_________
(1) المباح لغة من الإباحة يقال: باح الرجل ماله، أذن في الأخذ
والترك وجعله مطلق الطرفين، المصباح المنير 1/ 65 وانظر لسان
العرب 1/ 534، تاج العروس 4/ 17 - 18.
(2) ليست في " ج " وفي " ب " وصف.
(3) في " ب " بالمباح وهو خطأ.
(4) قوله (ما لا يثاب على فعله) خرج بهذا القيد الواجب
والمندوب، لأن فاعلهما يثاب على فعلهما، وكذلك خرج الحرام
والمكروه، لأن فاعلهما لا يثاب على فعلهما. انظر الأنجم
الزاهرات ص 91، شرح العبادي ص 26.
(5) قوله (ولا يعاقب على تركه) خرج بهذا القيد الواجب فإن
تاركه يعاقب. وقد عرّف إمام الحرمين المباح في البرهان 1/ 313
بقوله (هو ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك من غير اقتضاء
ولا زجر). وعرّفه في التلخيص 1/ 161 بقوله (ما ورد الإذن من
الله في فعله وتركه من حيث هو ترك له من غير تخصيص أحدهما
باقتضاء ذم أو مدح)، ثم قال (فهذا حدّ سديد إن شاء الله تعالى
يميز المباح عن المحرمات والواجبات والمندوبات والمكروهات
ويميزه أيضاً من الأفعال قبل ورود الشرائع). وانظر في تعريف
المباح اصطلاحاً المستصفى 1/ 66، المحصول 1/ 1/128، المسودة ص
577، شرح تنقيح الفصول ص 71، فواتح الرحموت 1/ 113، الإحكام 1/
175، التقرير والتحبير 2/ 143، مباحث الحكم عند الأصوليين ص
107، أصول الفقه لشعبان ص 201.
(6) ليست في " أ ".
(7) قال الشارح: ذلك لرد ما قيل إن كلاً من الإثابة والمعاقبة
على كل من فعل المباح وتركه أمر جائز، إذ له تعالى أن يفعل ما
يشاء، حتى إثابة العاصي وتعذيب الطائع، فلا يصح نفي واحدة من
الإثابة والمعاقبة. حاشية الدمياطي ص 4.
(1/73)
[تعريف المحظور]
والمحظور (1) من حيث (2) وصفه (3) بالحظر أي الحرمة ما يثاب
على تركه (4) امتثالاً (5) ويعاقب على فعله (6).
_________
(1) المحظور مأخوذ من الحظر وهو المنع، والمحظور هو الحرام
الذي هو ضد الحلال. لسان العرب 3/ 136، المصباح المنير 1/ 131
- 132.
(2) في " ج " هو.
(3) في " ب " وصف.
(4) قوله (ما يثاب على تركه) خرج بهذا القيد الواجب والمندوب
والمباح، فلا يثاب تاركها انظر الأنجم الزاهرات ص 92،
التحقيقات ص 110.
(5) قوله (امتثالاً) أي إذا تركه المكلف امتثالاً لنهي الشارع،
وليس لأي داع آخر كأن يتركه لخوف مخلوق أو حياءً منه أو لعجز
فلا يثاب على تركه لذلك، كما هو مذهب جمهور الأصوليين. انظر
المستصفى 1/ 90، حاشية الدمياطي ص 4، التحقيقات ص 110، شرح
العبادي ص 28.
(6) قوله (ويعاقب على فعله) خرج بهذا القيد الواجب والمندوب
والمباح والمكروه، فإنه لا عقاب على فاعلها، وقد انطبق التعريف
على المحظور لتحقق الصفتين وهما وجود الثواب على تركه ووجود
العقاب على فعله. الأنجم الزاهرات ص 92.
وقد عرّف إمام الحرمين المحظور في البرهان 1/ 313 بقوله (فهو
ما زجر الشارع عنه ولام على الإقدام عليه). وانظر في تعريف
المحظور - الحرام - اصطلاحاً المستصفى 1/ 76، المحصول 1/
1/127، الإحكام 1/ 113، البحر المحيط 1/ 255، الإبهاج 1/ 58،
المنخول ص 137، شرح الكوكب المنير 1/ 386، روضة الناظر2/ 41،
مرآة الأصول ص 281، الوجيز في أصول الفقه ص 41.
(1/74)
[ويكفي في صدق (1) العقاب وجوده لواحد من
العصاة مع العفو عن غيره.
ويجوز أن يريد ويترتب العقاب على فعله كما عبر به غيره (2) فلا
ينافي العفو] (3).
_________
(1) في " ج " ذلك.
(2) ليست في " ج ".
(3) ما بين المعكوفين ليس في " هـ، ط ".
قال العبادي: (وأورد على هذا التعريف أن العفو جائز واقع فيخرج
عن التعريف الحرام المعفو عن فعله فلا يكون جامعاً وأجاب
الشارح بجوابين: أحدهما: أنه يكفي صدق العقاب وتحققه على فعله
وجوده لواحد مثلاً من العصاة بفعله مع العفو عن غيره منهم ولا
ينافيه أن الفعل مفرد مضاف لمعرفة لما تقدم في نظيره ووجوده
لواحد من العصاة لا يتخلف على ما تقدم.
والثاني: أنه يجوز أي يصح أن يريد المصنف بقوله ويعاقب على
فعله وإن كان ظاهراً في وجود العقاب بالفعل معنى ويترتب العقاب
أي استحقاقه، أو أراد بالترتب الاستحقاق على فعله بأن ينتهض
فعله سبباً للعقاب كما أي حال كون هذا المعنى المراد مماثلاً
لمعنى ما عبّر به أو حالة كون هذا اللفظ الذي أراد معناه
مماثلاً للفظ الذي عبّر به غيره أي غير المصنف فلا ينافي حينئذ
قوله ويعاقب على فعله العفو عن فاعله) شرح العبادي ص28 - 29.
(1/75)
[تعريف المكروه]
والمكروه (1) من حيث وصفه (2) بالكراهة، ما يثاب على * تركه
(3) امتثالاً (4) ولا يعاقب على فعله (5).
_________
(1) المكروه لغة: مأخوذ من الكراهة وقيل من الكريهة وهي الشدة
في الحرب والمكروه ضد المحبوب. لسان العرب 12/ 80، المصباح
المنير 2/ 532.
(2) في "ب" وصف.
* نهاية 2/ب من " أ "
(3) قوله (ما يثاب على تركه) خرج بهذا القيد الواجب والمندوب
والمباح، فلا يثاب تاركها انظر شرح العبادي ص 29، الأنجم
الزاهرات ص 93.
(4) انظر تعليق رقم (5) من الصفحة قبل السابقة.
(5) قوله (ولا يعاقب على فعله) خرج بهذا القيد الحرام لأن
فاعله يعاقب.
وتعريف المكروه بما ذكره إمام الحرمين يشمل ما كان طلب تركه
بنهي مخصوص وما كان بنهي غير مخصوص كالنهي عن ترك المندوبات
المستفاد من أوامرها وهو أصل الاصطلاح الأصولي وإن خالف بعض
متأخري الفقهاء كالشارح فخصوا المكروه بالأول وسموا الثاني
خلاف الأولى. انظر شرح العبادي ص 29 - 30.
وقد عرّف إمام الحرمين المكروه في البرهان 1/ 313 بقوله (ما
زجر عنه ولم يلم على الإقدام عليه).
وأما في التلخيص فقد أبطل إمام الحرمين عدة تعريفات للمكروه
عند الأصوليين ولم يرتضها ثم قال (فإذا بطلت هذه الأقسام لم
يبق بعد بطلانها إلا المصير إلى أنه مندوب إلى تركه ومأمور
بتركه غير ملوم على فعله). التلخيص 1/ 168 - 170.
وانظر تعريف المكروه اصطلاحاً في المستصفى 1/ 67، المحصول 1/
1/131، الإحكام 1/ 122، الإبهاج 1/ 59، شرح الكوكب المنير 1/
413، إرشاد الفحول ص 3، شرح العضد 1/ 225، البحر المحيط 1/
296، الأنجم الزاهرات ص 93، التحقيقات ص 112.
(1/76)
[تعريف الصحيح]
والصحيح (1) من حيث (2) وصفه (3) بالصحة، ما يتعلق به النفوذ
ويعتد به (4)، بأن استجمع ما يعتبر (5) فيه شرعاً، عقداً (6)
كان أو عبادة (7).
_________
(1) الصحيح في اللغة مأخوذ من الصحة وهي ضد السقم. انظر تاج
العروس 4/ 165، المصباح المنير 1/ 333.
(2) في " ج " هو.
(3) في " ب " وصف.
(4) قوله (ما يتعلق به النفوذ) النفوذ من نفذ السهم إذا بلغ
المقصود من الرمي فالنفوذ من فعل المكلف. وقوله (ويعتد به) أي
يوصف بالاعتداد والاعتداد من فعل الشارع. انظر شرح العبادي ص
30، التحقيقات ص 115، شرح الكوكب المنير 1/ 474 - 475.
وانظر تعريف الصحيح في الإحكام 1/ 130، المحصول 1/ 1/142،
فواتح الرحموت 1/ 122، تيسير التحرير 2/ 235، شرح الكوكب
المنير 1/ 465، شرح تنقيح الفصول ص 76، حاشية البناني على جمع
الجوامع 1/ 100، التلخيص 1/ 171.
(5) في " ج " يقرب.
(6) ليست في " ب ".
(7) الصحة في العبادات تعني الإجزاء وإسقاط القضاء. والصحة في
المعاملات تعني ترتب أحكامها المقصودة بها عليها. انظر شرح
الكوكب المنير 1/ 465، 467، الإحكام 1/ 130، فواتح الرحموت 1/
122، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 100، شرح تنقيح الفصول
ص76، تيسير التحرير 2/ 235، الحكم الوضعي عند الأصوليين ص 166،
مباحث الحكم عند الأصوليين ص 155.
(1/77)
[تعريف الباطل]
والباطل (1) من حيث وصفه (2) بالبطلان ما لا يتعلق به النفوذ
ولا يعتد به (3)، بأن لم يستجمع ما يعتبر فيه شرعاً، عقداً كان
أو عبادة (4).
والعقد يتصف بالنفوذ والاعتداد (5).
والعبادة تتصف (6) بالاعتداد (7) فقط (8) اصطلاحاً (9) *.
_________
(1) الباطل في اللغة من البطلان بمعنى فسد وسقط حكمه فهو باطل.
الصحاح 4/ 1635، تاج العروس 14/ 56، المصباح المنير 1/ 52.
(2) في " ب " وصف.
(3) الباطل مقابل للصحيح بكل معانيه وانظر في تعريف الباطل
اصطلاحاً المستصفى 1/ 95، المحصول 1/ 1/143، الإحكام 1/ 131،
شرح العضد 2/ 7، شرح الكوكب المنير 1/ 473، شرح تنقيح الفصول ص
76، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 105.
(4) جمهور الأصوليين لم يفرقوا بين الباطل والفاسد سواء كان
ذلك في العبادات أو في المعاملات، وأما الحنفية ففرقوا بينهما
في المعاملات فالباطل ما لم يشرع بأصله ووصفه، والفاسد ما شرع
بأصله دون وصفه، وأما في العبادات فوافق الحنفية الجمهور في
عدم التفريق بين الباطل والفاسد. انظر تيسير التحرير 2/ 236،
التوضيح 2/ 123، التقرير والتحبير 2/ 154، أصول السرخسي 1/ 86،
البحر المحيط 1/ 320، شرح الكوكب المنير 1/ 473، التمهيد
للإسنوي ص 59، الإحكام 1/ 131، الحكم الوضعي عند الأصوليين ص
184.
(5) فيقال عقد نافذ معتد به كعقد البيع إذا استجمع شروطه
وانتفت موانعه.
(6) ليست في " ب ".
(7) فيقال عبادة معتدٌ بها ولا يقال عبادة نافذة.
(8) في " ب " فقد.
(9) قوله (اصطلاحاً) أي بحسب اصطلاح أهل الشرع أو بعضهم، شرح
العبادي ص 31.
* نهاية 1/ب من " ب ".
(1/78)
[الفرق بين الفقه
والعلم]
والفقه (1) بالمعنى الشرعي أخص من العلم (2) لصدق العلم بالنحو
وغيره، فكل فقه علم، وليس كل علم فقهاً (3).
[تعريف العلم]
والعلم (4) معرفة المعلوم، أي إدراك ما من شأنه أن يعلم على ما
_________
(1) سبق تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً ص 62 من هذا الكتاب.
(2) العلم لغةً اليقين ويأتي بمعنى المعرفة أيضاً وهو نقيض
الجهل. لسان العرب 9/ 371، المصباح المنير 2/ 427.
(3) قوله (فكل فقه علم، وليس كل علم فقهاً) أي أن النسبة بين
الفقه والعلم العموم والخصوص المطلق كما بين الإنسان والحيوان.
ويقال أيضاً كل فقيه عالم، وليس كل عالم فقيهاً، إذ القاعدة
أنه كلما وجد الأخص وجد الأعم ولا عكس. انظر حاشية الدمياطي ص
4، شرح العبادي ص 32 - 34، الأنجم الزاهرات ص 97.
(4) اختلف العلماء في العلم هل يحدّ أم لا؟ فقال جماعة منهم:
العلم لا يحدّ لعسره، وهو قول إمام الحرمين الجويني في البرهان
والغزالي وغيرهما، وقال الإمام الرازي: العلم لا يحدّ لأنه
ضروري.
وقال أكثر العلماء: العلم يحدّ، وهذا قول إمام الحرمين في
الورقات وفي التلخيص. ...
انظر البرهان 1/ 119 - 122، التلخيص 1/ 108 - 109، المستصفى 1/
25، شرح العضد 1/ 46، شرح الكوكب المنير 1/ 60 - 61، الإحكام
1/ 11، المفردات ص 343، الحدود ص 24، المسودة ص 575، المنخول ص
36 فما بعدها، المحصول 1/ 1/99 - 102، البحر المحيط 1/ 47،
التعريفات ص 82، بيان معاني البديع 1/ 1/123 فما بعدها.
(1/79)
هو به في الواقع، كإدراك (1) الإنسان بأنه
حيوان ناطق (2).
[تعريف الجهل وأقسامه]
والجهل (3) تصور الشيء، أي إدراكه على خلاف ما هو به (4) في
الواقع (5)، كإدراك الفلاسفة أن العالم وهو ما سوى الله تعالى
قديم.
وبعضهم وصف هذا الجهل بالمركب (6)، وجعل البسيط عدم العلم
بالشيء، كعدم
_________
(1) في " ب " لإدراك.
(2) انظر ما أورد على تعريف العلم من اعتراضات والجواب عنها في
شرح العبادي ص 34 - 37، حاشية الدمياطي ص 4 - 5.
(3) الجهل في اللغة خلاف العلم. المصباح المنير 1/ 113.
(4) عرّف إمام الحرمين الجويني الجهل في البرهان 1/ 120 بقوله
(الجهل عقد يتعلق بالمعتقد على خلاف ما هو به). وانظر تعريف
الجهل اصطلاحاً في الحدود ص 29، البحر المحيط 1/ 71، شرح
الكوكب المنير 1/ 77، التعريفات ص 43، المحصول 1/ 1/104، حاشية
البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 161، الكليات ص 350، معجم
المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/ 545.
(5) هذا تعريف الجهل المركب.
(6) أطلق جماعة من العلماء على ما سبق الجهل المركب لأنه مركب
من جهلين أحدهما: عدم العلم، والثاني: اعتقاد غير مطابق، فصاحب
الجهل المركب جاهل بالحكم وجاهل بأنه جاهل، ولذلك قيل:
جهلت وما تدري بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري
وقيل أيضاً:
قال حمار الحكيم يوماً ... لو أنصف الدهر كنت أركب
لأنني جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب
(انظر حاشية الدمياطي ص 5، الأنجم الزاهرات ص 99، التحقيقات ص
127، شرح العبادي ص 39، شرح الكوكب المنير 1/ 77، شرح تنقيح
الفصول 63.)
(1/80)
علمنا بما تحت الأرضين (1)، وبما في بطون
البحار (2).
وعلى ما ذكره المصنف لا يسمى هذا (3) جهلاً (4).
[تعريف العلم الضروري]
والعلم الضروري (5) ما لم (6) يقع عن نظر واستدلال (7)، كالعلم
الواقع بإحدى (8) الحواس الخمس الظاهرة، وهي (9)
_________
(1) في " ب " الأرض.
(2) انظر تعريف الجهل البسيط في البحر المحيط 1/ 72، التعريفات
ص 43، حاشية البناني على شرح المحلي 1/ 161 - 162، شرح العبادي
ص 39.
(3) ليست في " ج ".
(4) أي إن تعريف إمام الحرمين للجهل إنما هو للجهل المركب،
وبناءً على ذلك لا يسمى عدم العلم بالشي جهلاً إذ لا يصدق عليه
تصور الشيء لانتفاء تصوره مطلقاً. انظر شرح العبادي ص 39 - 40.
(5) قال أبو الوليد الباجي: وصف هذا العلم بأنه ضروري، معناه
أنه يوجد بالعالمِ دون اختياره ولا قصده. الحدود ص 25.
(6) في " ج، هـ " لا.
(7) انظر تعريف العلم الضروري في شرح الكوكب المنير 1/ 66،
البحر المحيط 1/ 58، الإحكام 1/ 12، المنخول ص 42، التعريفات ص
83، الكليات ص 610، 2/ 532، بيان معاني البديع 1/ 1/137.
(8) في " ب " بأحد وهو خطأ.
(9) في " ب " التي هي حاسة، وفي " المطبوعة " التي. ...
(1/81)
السمع والبصر واللمس والشم والذوق (1) فإنه
يحصل بمجرد الإحساس بها (2) من غير نظر (3) واستدلال.
[تعريف العلم المكتسب]
وأما العلم (4) * المكتسب (5) فهو الموقوف على النظر
والاستدلال (6)، كالعلم بأن العالم حادث (7)، فإنه موقوف على
النظر (8) في ** العالم وما نشاهده (9) فيه من التغير (10)،
فينتقل من تغيره إلى حدوثه.
_________
(1) ورد في " المطبوعة " أو التواتر، وفي " و" أو بالتواتر.
(2) ليست في " ج "، وفي " ب " بها لا.
(3) في " ج " ولا.
(4) في " و" والعلم.
* نهاية 3/أمن " أ ".
(5) العلم المكتسب يسمى أيضاً العلم النظري لأنه يقع بنظر
واستدلال. وانظر تعريف العلم المكتسب في الإحكام 1/ 11، شرح
الكوكب المنير 1/ 66، بيان معاني البديع 1/ 1/137، إرشاد
الفحول ص 5، التعريفات ص 83، الحدود ص 25.
(6) في " ب " نظر واستدلال، وفي " و" ما يقع عن نظر واستدلال.
(7) قوله (العالم حادث) أي وجوده مسبوق بالعدم.
(8) في " ج " على النظر في النظر.
** نهاية 2/ب من " ج ".
(9) في " ب " يشاهد، وفي " هـ " نشاهد.
(10) في " ج " تغيره.
(1/82)
|