شرح الورقات في أصول الفقه [الأصل في
الأشياء]
وأما الحظر والإباحة، فمن الناس من يقول إن الأشياء بعد البعثة
على الحظر (1)، أي على صفة هي الحظر، * إلا ما أباحته الشريعة،
فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة، يتمسك بالأصل وهو
الحظر.
ومن الناس من يقول بضده (2)، وهو أن (3) الأصل في الأشياء بعد
البعثة أنها على الإباحة، إلا ما حظره (4) الشرع.
_________
(1) وهذا قول ابن أبي هريرة من الشافعية وأبي بكر الأبهري من
المالكية وأبي يعلى وابن حامد والحلواني من الحنابلة وقول بعض
الحنفية وبه قال الشيعة الإمامية ومعتزلة بغداد، انظر التبصرة
ص 532، اللمع ص 337، البرهان 1/ 99، المستصفى 1/ 63، المعتمد
2/ 868، المحصول 1/ 1/209، الإحكام 1/ 90، شرح المحلي على جمع
الجوامع 1/ 62، تيسير التحرير 2/ 167، التمهيد للإسنوي ص 109،
شرح العضد 1/ 218، البحر المحيط 1/ 154، المسودة ص 474، شرح
الكوكب المنير 1/ 325.
* نهاية 13/ب من " أ ".
(2) وهذا قول أبي حنيفة وعليه أكثر الحنفية، وهو قول أبي اسحاق
الإسفرايني وأبي حامد المروزي وابن سريج من الشافعية، وبه قال
جماعة من الحنابلة كأبي الخطاب الكلوذاني وأبي الحسن التميمي
وهو رواية عن الإمام أحمد، وبه قال أبو الفرج المالكي ومعتزلة
البصرة، انظر المصادر السابقة في هامش رقم (1) من هذه الصفحة.
(3) ليست في " ج ".
(4) في " ج " حظر.
(1/210)
والصحيح التفصيل (1)، [وهو أن] (2) المضار
(3) على التحريم، والمنافع (4) على الحل.
أما قبل البعثة فلا حكم يتعلق بأحد (5)، لانتفاء الرسول الموصل
إليه (6).
_________
(1) وقال بهذا التفصيل الإمام الرازي والبيضاوي والإسنوي
والزركشي وابن السبكي،
انظر المحصول 2/ 3/131، المنهاج مع شرحه الإبهاج 3/ 165،
المنهاج مع شرح الإسنوي 3/ 118 - 119، البحر المحيط 6/ 12.
(2) ما بين المعكوفين ليس في " ج ".
(3) في " ج " والمضار.
(4) في " ج " والمانع وهو خطأ.
(5) قال الآمدي (مذهب الأشاعرة وأهل الحق أنه لا حكم لأفعال
العقلاء قبل ورود الشرع) الإحكام 1/ 93، وهذا اختيار كثير من
الأصوليين، انظر المعتمد 2/ 868، المستصفى 1/ 63، المحصول 1/
1/209، شرح العضد 1/ 218، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 62،
تيسير التحرير 2/ 167، التمهيد للإسنوي ص 109، المنهاج مع شرح
الإسنوي 1/ 96.
(6) في " ب " له.
(1/211)
[الاستصحاب]
ومعنى استصحاب الحال (1) الذي يحتج (2) به كما سيأتي.
أن يستصحب الأصل أي العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي (3)،
بأن لم (4) يجده المجتهد بعد البحث (5) عنه بقدر الطاقة
كأن (6) لم يجد دليلاً على وجوب صوم رجب فيقول لا يجب باستصحاب
الحال أي [العدم الأصلي] (7) وهو حجة جزماً (8).
أما الاستصحاب المشهور، الذي هو ثبوت أمر في الزمن الثاني
لثبوته في الأول (9)
_________
(1) في " ج " الحال الحال.
(2) في " ب " لا يحتج، وفي " أ " يحتاج، وكلاهما خطأ.
(3) هذا الاستصحاب المعروف بالبراءة الأصلية، انظر البرهان 2/
1135، المستصفى 1/ 218، شرح العضد 2/ 284، شرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 350، البحر المحيط 6/ 17، فواتح الرحموت 2/ 359
الإبهاج 3/ 168 شرح الكوكب المنير 4/ 405، إرشاد الفحول ص 237،
التحقيقات ص 577، شرح العبادي ص 218.
(4) ليست في " ج ".
(5) ورد في " هـ " البحث الشديد.
(6) في " ج " فإن.
(7) في " هـ " (لعدم الأصل)، وفي " ج " (العدم بالأصل).
(8) وهذا باتفاق العلماء، انظر المصادر السابقة في هامش رقم
(3) من هذه الصفحة.
(9) هذا هو الذي ينصرف إليه اسم الاستصحاب عند الإطلاق، انظر
شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 350، شرح الإسنوي 3/ 124، شرح
العبادي ص 219 - 220، أثر الأدلة المختلف فيها ص 186.
(1/212)
فحجة عندنا (1) دون الحنفية (2) فلا زكاة
عندنا في عشرين (3) ديناراً ناقصة تروج رواج الكاملة *
بالاستصحاب.
_________
(1) وهذا قول الشافعية والمالكية والحنابلة وقول بعض الحنفية،
انظر الإحكام 4/ 127، المستصفى 1/ 218، شرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 350، المحصول 2/ 3/148، شرح العضد 2/ 284، أصول
مذهب أحمد ص 373، شرح الكوكب المنير 4/ 403، شرح تنقيح الفصول
ص 447، أثر الأدلة المختلف فيها ص 188.
(2) وهو وقول أبي الحسين البصري، ونقل عن الشافعي، انظر
الإحكام 4/ 127، المعتمد 2/ 884، أصول السرخسي 2/ 223، تيسير
التحرير 4/ 177، فواتح الرحموت 2/ 359، أثر الأدلة المختلف
فيها ص 189.
وفي المسألة أقوال أخرى، انظر المصادر السابقة.
(3) في " ب " العشرين.
* نهاية 11/أمن " ب ".
(1/213)
[ترتيب الأدلة
والترجيح بينها]
وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي (1)، وذلك كالظاهر (2)
والمؤول فيقدم اللفظ (3) في معناه (4) الحقيقي على معناه
المجازي (5) والموجب للعلم على الموجب للظن، وذلك كالمتواتر
والآحاد (6) فيقدم * الأول إلا أن يكون عاماً فيخص بالثاني كما
تقدم من تخصيص الكتاب بالسنة (7).
والنطق من كتاب أو (8) سنة ...
_________
(1) انظر البرهان 2/ 1143، المستصفى 2/ 392، الإحكام 4/ 239،
فواتح الرحموت 2/ 189، تيسير التحرير 3/ 136، المحصول 2/
2/505، البحر المحيط 6/ 108، الإبهاج 3/ 199، شرح تنقيح الفصول
ص 417، 420. شرح الكوكب المنير 4/ 599، التحقيقات ص 589.
(2) في " ج " على الظاهر.
(3) ليست في " هـ ".
(4) في " هـ، ط " المعنى.
(5) جماهير الأصوليين واللغويين على أن الحقيقة مقدمة على
المجاز، وللمسألة عدة صور انظر المعتمد 2/ 910، المستصفى 1/
359، كشف الأسرار 2/ 83، شرح تنقيح الفصول ص 119، مرآة الأصول
ص 122، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 331، فتح الغفار 1/ 135،
البحر المحيط 6/ 166، الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة ص 139
فما بعدها.
(6) انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 210، شرح العبادي ص
272، التعارض والترجيح 2/ 130.
* نهاية 14/أمن " أ ".
(7) انظر ص 134 من هذا الكتاب.
(8) في " هـ " و.
(1/214)
على القياس (1) إلا أن يكون النطق عاماً،
فيخص بالقياس كما تقدم (2).
والقياس الجلي على الخفي (3)، وذلك كقياس (4) العلة على قياس
الشبه (5)، فإن وجد في النطق من كتاب أو سنة ما يغير الأصل
(6)، أي العدم الأصلي الذي يعبر عن استصحابه باستصحاب الحال
فواضح أنه يعمل بالنطق (7).
_________
(1) وهذا باتفاق الأصوليين، لأن الكتاب والسنة أقوى من القياس،
انظر المستصفى 2/ 392، تيسير التحرير 3/ 137، المدخل إلى مذهب
أحمد ص 196، شرح الكوكب المنير 4/ 605.
(2) انظر ص 137 من هذا الكتاب.
(3) القياس الجلي هو ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع،
أو هو ما تسبق إليه الأفهام.
وأما القياس الخفي فهو ما يكون فيه نفي الفارق مظنوناً، ومثل
الشارح للقياس الجلي بقياس العلة، وللخفي بقياس الشبه، انظر
شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 339 - 341، إرشاد الفحول ص 222،
التعريفات ص 96، شرح العضد 2/ 247، تيسير التحرير 4/ 76، شرح
الكوكب المنير 4/ 207، المحصول 1/ 3/149، شرح العضد 2/ 247.
(4) في " أ، ج " قياس.
(5) للأصوليين تفصيل في الترجيح بين الأقيسة، انظر البرهان 2/
1202، المستصفى 2/ 398، المحصول 2/ 2/593، البحر المحيط 6/
180، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 375، تيسير التحرير 4/ 88،
شرح تنقيح الفصول ص 427، فواتح الرحموت 2/ 325، شرح العضد 2/
317، الإبهاج 3/ 237، إرشاد الفحول ص 280، شرح الكوكب المنير
4/ 712
(6) في " هـ، ط " الأول، وهو خطأ.
(7) لأن العمل بالاستصحاب حينئذ يكون منافياً للنطق من كتاب أو
سنة، انظر التحققيات ص 600.
(1/215)
وإلا أي وإن لم يوجد ذلك (1)، فيستصحب
الحال، أي العدم الأصلي أي (2) يعمل به (3).
_________
(1) ليست في " ب ".
(2) ليست في " ج ".
(3) انظر مبحث الاستصحاب ص 206 من هذا الكتاب.
(1/216)
[شروط المفتي أو
المجتهد]
ومن شرط المفتي (1) وهو المجتهد أن يكون عالماً بالفقه أصلاً
وفرعاً خلافاً ومذهباً (2)، أي بمسائل الفقه، وقواعده (3)
وفروعه (4)، وبما فيها من الخلاف (5)، ليذهب إلى قول منه ولا
يخالفه، بأن * يحدث قولاً آخر، لاستلزام اتفاق من (6) قبله
بعدم ذهابهم إليه [على نفيه] (7).
_________
(1) المفتي هو المخبر بحكم الله تعالى عن دليل شرعي، أو هو
المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعاً بدليل مع حفظه لأكثر
الفقه، انظر صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 4، الفتيا ومناهج
الإفتاء ص 9، إرشاد الفحول ص 265، تيسير التحرير 3/ 179، أحكام
الإفتاء ص 26.
(2) انظر تفصيل الكلام على شروط المجتهد في البرهان 2/ 1330،
التلخيص 3/ 457، شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 382، الإحكام
4/ 162، المستصفى 2/ 250، المحصول 2/ 3/30، صفة الفتوى والمفتي
والمستفتي ص 16، شرح تنقيح الفصول ص 437، كشف الأسرار 4/ 15،
تيسير التحرير 4/ 180، البحر المحيط 6/ 199، الإبهاج 3/ 254،
شرح الكوكب المنير 4/ 459.
(3) في " أ، ج " قواعده.
(4) وهذا معنى قول إمام الحرمين (أصلاً وفرعاً) أي عالماً
بأصول الفقه وبمسائل الفقه المستنبطة من الكتاب والسنة، انظر
التحقيقات ص 601.
(5) أي الخلاف بين أئمة الفقه أرباب المذاهب وغيرهم من كبار
المجتهدين. ولم يبين الشارح قول المصنف (ومذهبا)، والمقصود
بالمذهب ما يستقر عليه رأي المجتهد بعد الخلاف، التحقيقات ص
602.
* نهاية 9/أمن " ج ".
(6) ليست في " ج ".
(7) ما بين المعكوفين ليس في " ج "، وورد في " هـ " نفيهم.
(1/217)
وأن يكون كامل الآلة (1) في الاجتهاد (2)
عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة
ومعرفة الرجال (3) الراوين للأخبار (4) ليأخذ برواية المقبول
منهم دون المجروح.
وتفسير الآيات الواردة في الأحكام (5) والأخبار الواردة فيها
(6) ليوافق ذلك في اجتهاده ولا يخالفه
_________
(1) في " ب، ط " الأدلة.
(2) بأن يعرف كيفية النظر في استفادة المجهول من المعلوم ويعرف
شرائط الحدود والبراهين والأمارات وكيفية تركيب مقدماتها
واستنتاج المطلوب منها وشرائط القياس ونحو ذلك، التحقيقات ص
602.
(3) انظر البرهان 2/ 1332، التلخيص 3/ 459، شرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 384.
(4) في " ب " الأخبار.
(5) قال الغزالي إنها نحو خمسمئة آية، المستصفى 2/ 350، وهذه
المقصود بها الأحكام، وإلا فالآيات التي تأخذ منها الأحكام
أكثر من ذلك، انظر شرح الكوكب المنير 4/ 460، إرشاد الفحول ص
250، المحصول 2/ 3/33، شرح تنقيح الفصول ص 437، كشف الأسرار 4/
15.
(6) قال إمام الحرمين في التلخيص 3/ 458 (ومما يشترطه أن يحيط
به من سنن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما
يتعلق بالأحكام حتى لا يشذ منها إلا الأقل ولا يكلف الإحاطة
بجميعها فإن ذلك لا ينضبط).
وقال الشوكاني (واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد من السنة،
فقيل خمسمئة حديث، وهذا من أعجب ما يقال، فإن الأحاديث التي
تأخذ منها الأحكام الشرعية ألوف مؤلفة،
وقال ابن العربي في المحصول هي ثلاثة آلاف، وقال أبو علي
الضرير، قلت لأحمد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه
أن يفتي، يكفيه مئة ألف؟ قال: لا. قلت: ثلاثمئة ألف. قال: لا.
قلت: أربعمئة ألف. قال: لا. قلت: خمسمئة ألف. قال: أرجو. وقال
بعض أصحابه هذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا، أو
يكون أراد وصف أكمل الفقهاء، فأما ما لا بد منه فقد قال أحمد
رحمه الله: الأصول التي يدور عليها العلم عن النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينبغي أن تكون ألفاً ومئتين) إرشاد
الفحول ص 251.
* نهاية 14/ب من " أ ".
(1/218)
وما ذكره * من قوله عارفاً إلى آخره من
جملة آلة الاجتهاد.
ومنها معرفته بقواعد الأصول (1) وغير ذلك (2).
_________
(1) قال إمام الحرمين في البرهان 2/ 1332، (وعلم الأصول أصل
الباب، حتى لا يقدم مؤخراً ولا يؤخر مقدماً، ويستبين مراتب
الأدلة والحجج)، وانظر المستصفى 2/ 353، صفة الفتوى والمفتي
والمستفتي ص 14.
(2) كمعرفته بمواقع الإجماع والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول
ونحو ذلك، انظر شرح العبادي ص 240، شرح المحلي على جمع الجوامع
2/ 384، المستصفى 2/ 351، المحصول 2/ 3/33 - 35.
(1/219)
[شروط المستفتي]
ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد (1)
[فيقلد المفتي في الفتيا] (2).
فإن لم يكن الشخص * من أهل التقليد بأن كان من أهل الاجتهاد
فليس له أن يستفتي كما قال وليس للعالم أي (3) المجتهد أن يقلد
لتمكنه من الاجتهاد (4).
_________
(1) أهل التقليد هم خلاف أهل الاجتهاد، وأهل التقليد يقلدون
المجتهدين، فلا يجوز تقليد غير المجتهد، قال تعالى (فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) سورة النحل الآية 43، وأهل الذكر
هم العلماء. التحقيقات ص 610، البرهان 2/ 1341، وانظر تفصيل
الكلام على حكم التقليد في البرهان 2/ 1357، الإحكام 4/ 221،
المحصول 2/ 3/101، المستصفى 2/ 389، شرح العضد 2/ 306، المعتمد
2/ 934، شرح تنقيح الفصول ص 431، إرشاد الفحول ص 267، شرح
الكوكب المنير 4/ 541، تيسير التحرير 3/ 246، البحر المحيط 6/
280.
(2) ما بين المعكوفين ليس في " المطبوعة ".
* نهاية 11/ب من " ب ".
(3) ليست في " ج "
(4) اتفق العلماء على أن المجتهد لا يقلد غيره في حكم قد اجتهد
فيه، فإن لم يكن قد اجتهد في الحكم فالمسألة فيها تفصيل، انظر
البرهان 2/ 1339، شرح العضد 2/ 300، المعتمد 2/ 945، المستصفى
2/ 384، شرح المحلي 2/ 393، شرح تنقيح الفصول ص 443، إرشاد
الفحول ص 264، كشف الأسرار 4/ 14، البحر المحيط 6/ 285، شرح
الكوكب المنير 4/ 515، الإحكام 4/ 236.
(1/220)
|