فصول البدائع في أصول الشرائع المقصد الثاني في
المبادئ اللغوية
لما علم الله تعالى الخبير ... الاحتياج إلى التعبير عما في
الضمير
إعلامًا لما بين العباد ... من مصالح المعاش والمعاد
قادة الإلهام الإلهي إلى اختلاف الألسنة والعبارات
وأقدرهم على تنويع الحروف بتقطيع الأصوات
تفهيما للمعاني المفردة والمركبات
(1/80)
وقد سبق الجواب عن إيراد الدور في المفردات
بحيث يشتمل لي خفة المؤنة بخلاف الكتابة وعموم الفائدة لا كما
بالتمثيل والإشارة لكونه كيفية للنفس الضروري الذي ليس له ثبات
وشموله للمحسوس والمعقول من الممكنات المعدومة والممتنعات.
ومع أن ذلك لكف قد تم فوائده ... وعم عوائده
دلنا بالموضوعات اللغوية في كتابه الناطق ... وعلى لسان رسوله
الصادق
إلى ما يتضمن جميع المصالح الإنسانية ... من الأمور الدينية
والدنيوية
التي حصروها في خمسة من الأبواب
وهي الاعتقادات والعبادات والمعاملات والمزاجر والآداب
فوجب لذينك الأمرين التكلم فيها تحديدًا وترديدًا وأقسامًا
وأحكامًا.
الكلام في تحديد الموضوعات اللغوية
كل لفظ وضع لمعنى خرج ما ليس بلفظ من الدوال الموضوعة وما ليس
بموضوع من المنحرفات والمهملات والطبيعيات والتنوين في معنى
للتنكير الشامل للمفرد والمركبات الستة الإسنادي والتوصيفي
والإضافي والتعدادي والمزجي والصوتي وغيرها وإيراد لفظة الكل
التي لشمول الأفراد مع أن التحديد للماهية من حيث هي التي لا
يدخل فيها عموم كيف ولا يصدق مع صفة العموم على كل فرد له
وجهان إجماليان:
1 - أن ذلك في تحديد الماهية الحقيقية لا الاعتبارية لجواز أن
يكون صفة العموم داخلة فلا الاعتبار.
2 - أنه عند تبيين الماهية من حيث هي أما مع ملاحظة ما صدقت
عليها فلا ولتفصيلهما ها هنا وجوه:
أ- أن تعميمه إشعار بأنه لا يختص بقوم دون قوم.
ب- أنه إشعار بأن الملاحظ التعميم لكل فرد لا الكل المجموعي
كما يتبادر من قولهم فلان يعرف لغة الغرب.
ج -وهو المعول عليه أن اللام في الموضوعات للاستغراق الشامل
لكل فرد كما في نحو قوله تعالى {وَاللهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: من الآية 134] فوجب اعتبار
(1/81)
العموم الإفرادي في التحديد تطبيقًا بينهما
كما وجب التكرار في حد الأنف الأفطس لاعتباره في المحدود وإن
كان باعتبار أن استغراق الجمع حقيقة في شمول المجموع على
المختار واستغراق المفرد أشمل لشمول المفاريد كما بين في أن
الكتاب أكثر من الكتب بين ظاهريهما فرق غير أن المراد ها هنا
شمول المفاريد مجازًا كما في مسألة لا يتزوج النساء فانطبق
التحديد على الماهية الاعتبارية المأخوذة مع العموم أما القول
بأن عموم الجمع لشمول الأجزاء لا الجزئيات أوان الكل مجموعي
فبط لما سيجيء من أبطال شمول الأجزاء وأن الكل المجموعي في
المضاف إلى المعرفة.
الكلام في ترديدها إلى المفرد
والمركب
المفرد عندنا الذي لفظ كلمة واحدة عرفًا فالذي لفظ جنس لا
مستدرك فالكلمة المفيدة لأفراد المعنى كالفضل عن غير الموضوع
لمعنى مركب فيه نسبة أو ضم وقيد الوحدة المفيد لأفراد اللفظ عن
مثل بعلبك مما يعد كلمة لا واحدة عرفًا ولهذين الاعتبارين
اندرج تحت قولهم المركبات كل اسم ركب من كلمتين فالواحدة عرفًا
ما لا يكون جزؤه كلمة لا حال الجزئية ولا قبلها.
وها هنا تنبيهات
أ- قيل الملفوظ مطلق ما تعلق به اللفظ فيتناول أجزاء الكلام
النفسي كما يتناولها المقروء والمحفوظ والمكتوب لتعلقها به
بخلاف الذي لفظ لأنه عين اللفظ فلا يتناولها وفيه أن الصفة
المعرفة لا تكون بمعنى الفعل لا سيما وهي للحدوث والحق أن
الملفوظ قد يطلق على ما يقابل المعقول فإما هو المراد هنا
وإنما اختير الفعل توضيحًا لتعلق الوارد بعده به أو خرج أجزاء
الكلام النفسي بقيد الكلمة فإن النحوية لا يتناولها.
ب- المراد بالكلمة ها هنا النحوية المفسرة بإفراد المعنى لا
بإفراد اللفظ فلا دور ولذا يتناول نحو بعلبك وغلام زيد وتأبط
شرًا أعلامًا ما إذ المعنى المفرد ما تعلق وضع اللفظ لمجموعة
سواء له أجزاء كالإنسان أو لا كما ذكر من مطلق العلم بخلاف
معنى المركب الإسنادي والتوصيفي والإضافي والتعدادي مما فيه
نسبة أو ضم إن قيل فيصدق الكلمة النحوية على الأعلام المذكورة
قلنا نعم إلا أن يقيد اللفظ بالوحدة كاللفظة أو يراد ذلك أو
يؤخذ أفراد اللفظ في أفراد المعنى وكل منها بمعزل عما أريد ها
هنا.
ج- أن الأعلام المذكورة أسماء وحين لم يكن كلمة واحدة أي
مفردًا كان القسم أعم من المقسم كالممكن من العالم والأعم من
الأعم إنما يكون أعم إذا كانا مطلقين وعند
(1/82)
المنطقيين لفظ موضوع لم يقصد دلالة جزئه
على شيء حسن هو جزؤه المراد سواء لم يكن له جزء كهمزة
الاستفهام أوله جزء غير دال كزاء زيد أو قال لم يقصد دلالته
على جزء المراد أصلًا كعبد الله وتأبط شرًا علمين أو حين هو
جزؤه كالحيوان الناطق علمًا فإن شيئًا من الجزئين لا يدل على
جزء المراد حين هو جزؤه وإن دل في وضع آخر وإلا لم يكن في
العلم دلالة على التشخص وقيل: القسمان الأخيران مثل زيد لا يدل
الجزء فيها على شيء زعمًا أن الدلالة فهم المراد بل هو فهم
المعنى ولذا كان المجمل كلمة فما دل على جزء في وضع آخر مركب
على الأول لكونه أكثر من كلمة واحدة مفرد على الثاني ونحو يضرب
غيبة أو خطابًا أو تكلمًا وضارب ومخرج وسكران وبصري وقائمة بل
كل فعل واسم متمكن لاشتمالهما على الدلالة المادية والصيغية
مفرد على الأول مركب على الثاني لدلالة جزء اللفظ على جزء
المعنى المراد حين أريد اللهم إلا أن يراد دلالة الجزء المرتب
في السمع وحين انفرازه، قيل: لا دلالة للفظ على القيدين، قلنا:
شهرة الاصطلاح تفيد الدلالة العرفية. وفرق ابن سينا بين
المضارع الغائب وغيره إنما هو بحسب عدم دلالة الغائب على
الزائد من مفهوم الفعل الذي هو نسبة الحدث إلى موضوع ما ودلالة
غيره على تعيين الموضوع لأن كل سامع يفهمه في الخطاب والتكلم
إما بحسب دلالة الياء على الغيبة فمثلهما والطعن في أن مفهوم
الفعل نسبة الحدث إلى موضوع ما بأنه ينافي صدقة على المعين غلط
كما في ضرب رجل إذ عدم اعتبار التعيين ليس اعتبارًا لعدم
التعيين والمأخوذ في المركب الدلالة في الجملة وبعدم الدلالة
في المفرد انتفاؤها أصلًا فلا يرد النقض بالمركب بالنسبة إلى
معناه البسيط التضمني أو الالتزامي جمعًا ومنعًا على حدي
المركب والمفرد أما تقييد المورد بالمطابقة فيورد النقض
بالمركبات المجازية جمعًا ومنعًا ويرادف المركب القول والمؤلف.
الكلام في تقسيم المفرد من وجهين
الأول: أنه عندنا إن لم يستقل بالمفهومية بأن يشترط في الدلالة
على معناه الإفرادي ذكر متعلقة فحرف وإن استقل فإن دل بهيئة
وضعا على زمان معين من الثلاثة ففعل وإلا فاسم وقد علم بذلك
حدودها إن قيل المميزات ليست بظاهرة الثبوت وإلا لما وقع
الخلاف الآتي في الأقسام قلنا اشتراط ذلك الظهور في الماهيات
الحقيقة أما الاعتبارية فتبع الاعتبار وكون دلالة الفعل على
الزمان بالهيئة مبني على أن المراد بالمادة الحروف الأصول
وبالهيئة هيئة جميع الحروف فلا نقض بنحو تكلم يتكلم والمؤثر في
اختلاف الزمان
(1/83)
اختلاف الهيئة النوعية التي للماضي النوعية
التي للماضي والمضارع وغيرهما من أنواع الفعل لا الصيغية التي
للمعلوم أو المجهول والثلاثي أو غيره والأصلي أو المزيد لأن
كلًا من الأزمنة الثلاثة المأخوذة في حد مأثر واحد بالنوع
والواحد بالنوع يجوز حصوله بمؤثرات مختلفة مندرجة تحت نوع
المؤثر لا خارجة عنه إن اعتبر خصوصية نوع الأثر له كما ها هنا
فلا يرد نحو ضرب وضرب مما اختلف فيه الهيئة الصيغية مع اتحاد
الزمان وعند المنطقيين إن لم يستقل بمعنى أن لا يكون وحده
مخبرًا عنه ولا مخبرًا به فهو الحرف وإن استقل فإن صلح للإخبار
عنه فهو الاسم وإلا فهو الفعل فما لا يصلح أن يخبر بها أو عنها
أصلًا كبعض المضمرات والموصلات والأفعال الناقصة حرف على
الثاني ليس بحرف على الأول وعند اختلاف النظرين لا يلزم تطابق
الاصطلاحين والمراد بقولهم الحرف لا يصلح للأخبار به وعنه
والفعل للأخبار عنه أنه لا يخبر بمعناه بمجرد لفظه فقط أو عن
معناه لا بلفظه أو بلفظه مع ضميمة.
التقسيم الثاني
المفرد إما واحد أو متعدد وكذا معناه فهذا أربعة الواحد للواحد
لم يشترك في مفهومه كثيرون لا محققًا ولا مقدرًا فمعرفة لتعينه
إما مطلقًا أي وضعًا واستعمالًا فعلم شخص وجزئي حقيقي إن كان
فردًا وإلا فعلم جنس أو استعمالًا فقط فأما بالآلة العاهدة
فمعرف بالنداء أو باللام أو مضاف بوضعه الأصلي سواء كان العهد
أي اعتبار الحضور لنفس الحقيقة أو لحصة منها مطلقًا مذكورة أو
في حكمها أو مبهمة من حيث الوجود معينة من حيث التخصص أو لكل
من الحصص وأما الإشارة الحسية فاسمها وأما بالعقلية فلا بد من
دليلها سابقًا كضمير الغائب أو معًا كضميري المخاطب والمتكلم
أو لاحقًا كالموصوف وإن اشترك كثيرون محققًا أو مقدرًا فكلي
نكرة جنس أن تناول الكثير على أنه واحد وإلا قاسم جنس وأيا كان
فتناوله لجزئياته إما بالتفاوت بأحد الوجوه الثلاثة كالوجود
للخالق أو الأشدية كالنور للقمر من السهى أو الأولوية كعكسه أو
الأولوية للشمس من القمر وهو المشكك وأما بالسوية كالإنسانية
للأب والابن فإن المتقدم في الوجود لا فيها وهو المتواطيء
الأول من هذه الأقسام إن لم يتناول وضعًا إلا الأفراد معينًا
فخاص خصوص الشخص مطلقًا وإن تناول فإما وضعًا واستعمالًا فإن
تناول الآحاد واستغراقها فعام بالإجماع سواء استغرقها مجتمعة
كالكل المجموعي المضاف إلى المعرفة ولفظ الجميع والجملة والرهط
والقوم إلا مجازًا أو فرادى على سبيل الشمول كمن وما مطلقين
والكل
(1/84)
إلا فرادى المضاف إلى النكرة أو على سبيل
البدل كمن وما مقيدين بالأول بخلاف الكل إلا فرادى المقيد به
ففي احتمالهما الخصوص كما ظن استدلالًا بتقييدهما به إلا
مجازًا كلام وإن لم يستغرقها فإن تناول مجموعًا غير محصور يسمى
عامًا عند من لم يشترط الاستغراق كالجمع المنكر وعند من شرطه
واسطة والحق أنه خاص حينئذ لأنه قطعي الدلالة على أقل الجمع
كالمفرد على الواحد بخلاف العام المخصوص ما سيجيء وإن لم
يتناول مجموعًا بل واحدًا واثنين أو تناول محصورًا فخاص خصوص
الجنس أو النوع لتناولهما ها هنا جميع الكليات اصطلاحًا فالدال
على الماهية التي ليست من حيث هى هي واحدة ولا كثيرة ولا مقيدة
بقيد لا أنها من حيث هي ليست إياها ففرق بين سلب الثبوت وثبوت
السلب مطلق وعلى الماهية مع قيد مقيد وقيده إن كان كثرة معينة
عدد وغير معينة عام ووحدة معينة معرفة وغير معينة نكرة وأما
وضعًا فقط لا استعمالًا كغير العلم من المعارف فالمستغرق جمعًا
كان أو غيره عام إجماعًا والجمع الغير المستغرق مختلف فيه
وغيرهما خاص خصوص الشخص استعمالًا وغير خصوص الشخص وضعًا ومن
الألفاظ ما هو خاص من وجه كالنكرة الموصوفة بصفة عامة في
الإثبات وسيجيء توضيح الكلام إن شاء الله تعالى.
تنبيه: كما يسمى اللفظ بالكلي والجزئي بالعرض كذلك يسمى
بالذاتي والعرضي والمعنى هو الذاتي في الكل والكثير للكثير
متباينة متفاصلة كالإنسان والفرس أو متواصلة كالسيف والصارم
والواحد لكثير كالاثنين مثلًا بالنسبة إلى واحد منهما كالأول
وإلى كل منهما فإن لم يعتبر تخلل النقل بينهما سواء لم يكن نقل
بأن وضع لهما أولًا أو كان فاستويا في الاستغناء عن القرينة
المحصلة فمشترك بالنسبة إليهما ومجمل بالنسبة إلى كل منهما ما
دار بينهما إذ لو تعين أحدهما بقطعي يكون مفسرًا وبظني مأولًا
وكون قسم الشيء باعتبار قسيمًا باعتبار آخر غير محذور وإن
استويا في الاحتياج إلى القرينة المحصلة فمجاز إن استلزم
المجاز الحقيقة أولًا وإن اعتبر تخلل النقل فأما لمناسبة
فباعتبار هجر الوضع الأول أو غلبة استعماله في الثاني يسمى
منقولًا شرعيًا أو عرفيًا أو اصطلاحيًا باعتبار أن ناقله شرع
أو عرف عام أو خاص وباعتبار أن الأول موضوع أصلي والثاني جائز
عنه يسمى اللفظ منسوبًا إلى الأول حقيقة لغوية أو شرعية أو
عرفية أو اصطلاحية باعتبار واضعها وإلى الثاني مجازًا لغويًا
أو شرعيًا أو عرفيًا أو اصطلاحيًا والشرعي خص من الاصطلاحي
لشرفه والعناية به مستعارًا إن كانت مشابهة وإلا فمجازًا
مرسلًا وعند البعض كلاهما استعارة وإما لمناسبة وبذلك الاعتبار
يسمى مرتجلًا شاذًا إن لم يكن طبق
(1/85)
نظيره من اسم الجنس وقياسًا إن كان.
تنبيهات:
1 - لما جاز كون القسم أعم فلا بعد في وجود المجمل والمفسر
والمأول في غير المشترك كآية الربا وسورة الملائكة.
2 - لما كان تمايز الأقسام بحيثيات مخصوصة فلا محذور في
اجتماعها كالحقيقة مع غير المجاز مطلقًا ومعه من وجه وكالعام
أو الخاص أو المطلق مع غيرها.
3 - المنقول غالبًا كان نفسه أو مهجورًا أصله حقيقة في الأول
مجاز في الثاني لغة وبالعكس عرفًا للناقل والمرتجل حقيقة فمن
الحقيقة مهجورة ومستعملة ومن المجاز متعارف وغير متعارف.
4 - الوضع الأول معتبر في الحقيقة لصحة الإطلاق وفي المجاز
لصحة الانتقال وفي المنقول لترجيح الاسم على غيره في تخصيصه
بالمعنى الثاني فيطرد الحقيقة إلا لمانع كالأسد لكل هيكل بخلاف
السخي والفاضل لله تعالى وكذا بعض المجاز لكل ما فيه علاقة ككل
شجاع بخلاف النخلة لغير الإنسان الطويل كما سيجيء لا المنقول
فلا يسمى الدن قارورة ولا كل مسكر خمرًا.
5 - الحقيقة إذا بلغت في قلة الاستعمال حدًا لا يستغني فهم
معناها عن القرينة المحصلة صارت مجازًا والمجاز بالعكس والكثير
للواحد مترادفة لا كالإنسان والناطق قال الشافعية وكل من غير
الثالث أن اتحد معناها نصوص وإلا فكالثالث متساوي الدلالة مجمل
والراجح ظاهر والمرجوح مأول والمشترك بين النص والظاهر محكم
وبين المجمل والمأول متشابه والتقسيم الوافي ما سيأتي من
اصطلاحنا ثم كل من الأقسام الأربعة لا أقسام إما مشتق بالمعنى
الخاص إن كان صيغته مأخودة من أخرى بشروط أربعة توافقهما معنى
ولفظًا تركيبًا وترتيبًا وتغايرهما صيغة حقيقة أو تقديرًا أو
زيادة المأخوذة في المعنى أو بالمعنى العام إن اشترط تناسب
الأولين فقط ولا نجري ها هنا إلا على الأول وإما غير مشتق إن
لم يكن والمشتق صفة إن دل على ذات غير معينة باعتبار معنى معين
وإلا فغير صفة سواء دل على معنى فقط وإن سمى صفة عند المتكلمين
أو على ذات معينة ومعنى معين كالقارورة وأسمى الزمان والمكان
لعدم دلالتهما إلا عليهما أو على ذات غير معينة ومعنى غير معين
كالرجل وكالأفعى والأجدل والأخيل على المختار.
وها هنا لواحق
الأول: في النسب الأربع بين العينين كل مفهومين جزئيين
متباينان وجزئي وكلي
(1/86)
متباينان إن لم يصدق الكلي عليه وإلا
فالكلي أعم وغيره هذه فيهما توهم ناش من الغفلة عن هذية الجزئي
وكل كليين إن لم يصدق شيء منهما على شيء من الآخر فمتباينان
ومرجعه إلى السالبة الكلية من الطرفين وإلا فإن صدق كل منهما
على كل من الآخر فمتساويان ومرجعه إلى الموجبة الكلية من
الطرفين وإلا فإن صدق أحدهما على كل من الآخر فالصادق عام مطلق
والآخر خاص مطلق ومرجعه إلى الموجبة الكلية على الخاص والسالبة
الجزئية عن العام وإلا فكل منهما عام وخاص من جهتين ومرجعه
الموجبة الجزئية والسالبة الجزئية من الطرفين فلا بد فيه من
صورة الاجتماع وصورتي الافتراق ولا ينقص الحصر بنقيضي الإمكان
العام والشيئية من حيث هما عينان لأن المعتبر في صدق الكليات
إمكان فرض صدقها كما في الكليات الفرضية وقد يعتبر النسب
الأربع بحسب الوجود.
الثاني: فيها بين النقيضين بين نقيضي المتباينين تباين جزئي
وهو صدق أحدهما بدون الآخر في الجملة لصدق كل من النقيضين مع
عين الآخر ومرجعه إلى السالبة الجزئية من الطرفين فهو أعم من
التباين الكلي كما بين نقيضي الوجود والعدم والعموم من وجه كما
بين نقيض اللاحيوان والإنسان لأن السلب عن البعض أعم من السلب
عن الكل أو السلب عن البعض مع الإيجاب للبعض وبين نقيضي
المتساويين تساو والأصدق أحدهما بدون الآخر ولا نقض بالأمر
الشامل كما مر لأن نقيض الشيء سلبه والسالبة السالبة المحمول
تستلزم الموجبة المحصلة فإن سلب السلب إيجاب ونقيض الأعم
المطلق أخص مطلق وإلا لتساوى النقيضان فالعينان ولا نقيض
بنقيضي الممكن الخاص والعام لأن كل ما ليس بممكن خاص معناه كل
ما ليس مسلوب الضرورة عن الطرفين وسلب السلب إيجاب فمعناه كل
ما هو ضروري الطرفين فلا يصدق عليه لا الواجب ولا الممتنع
لاشتمال كل منهما على ضرورة من طرف ولئن كابر أحد بصدق الممتنع
قلنا فلا يصدق كل ممتنع ممكن عام لأن ضروري الطرفين ممتنع
حينئذ وليس بممكن عام وبين نقيضي الأعمين من وجه مباينة جزئية
لصدق كل من الطرفين مع عين الآخر ولا بد في أخذ النقيضين من
رعاية شرائط التناقض.
الثالث: في تحقيق الفرق بين العموم المعنوي المعبر عنه بالكلية
التصورية والصناع المعبر عنه بالكلية التصديقية لما لم يكن
المفهوم الكلي من حيث هو واحدًا ولا كثيرًا بل ولا كليًا علم
أن العموم أي الاشتراك عارض له من حيث نسبته إلى أفراده فأمكن
أخذه من حيث هو ويسمى بلا شرط ومن حيث هو عام وكلي أي معروض
لهما وهو الكلي الطبيعي عند
(1/87)
التحقيق ويسمى بشرط العموم ومن حيث هو خاص
بما يصدق عليه من الأفراد من حيث إنه
جنسها أو نوعها أو فصلها أو خاصتها أو عرضها وقد أدرجت الثلاثة
الأخيرة في الأولين
ها هنا اصطلاحًا اعتبار الفحش التفاوت كمنزلة التفاوت في
الحقيقة ويسمى بشرط الخصوص
ومن حيث عرائه عن الجميع ويسمى بشرط لا فالمأخوذ من حيث هو هو
موجود خارجًا في المشهور ولأنه جزء الموجود فيه وقيل: لا ولا
لتقدم على الكل في الوجود فلا يحمل عليه وللزم من قيام الوجود
الواحد به وبما ينضم إليه قيام الواحد بمحلين إن قام بكل منهما
وإن يكون الموجود هو المجموع إن قام بالمجموع وإن يمتنع حمله
على المجموع إن تعدد وجودهما فالحق أن الموجود ما صدق عليه لا
هو.
وفيه بحث أما أولًا فلأن الطبيعية إن لم يكن محمول ما موجودًا
لأن المراد بكل محمول مفهومه الكلي تحقيقًا أو تأويلًا ولا
قائل به بل يقولون معنى الحمل بالاتحاد فيه وأما ثانيًا فلأن
ما سوى الطبائع الكلية التشخيص وهو أمر اعتباري عندنا وموجود
زائد عند الحكيم فماذا هو الموجود المعروض.
وأما ثالثًا: فلأن معروض التشخيص إن كان كليًا فذاك وإن كان
جزئيًا كان متشخصًا قبله والكلام فيه كما هو فيلزم وجود
التشخيصات الغير متناهية أو وجود الطبيعة الكلية وفي الأول
محالان عندنا فتعين الثاني والجواب عن دليله:
أولًا: بالنقض بالوجود الذي حكموا باتحاده بين الموضوع
والمحمول.
وثانيًا: بالحل باختيار أن الوجود واحد قائم بكل منهما وقيام
الواحد في محلين إنما يكون محالًا لو أريد بالقيام التبعية في
التحيز فلا ثم إن الوجود متحيز فضلًا عن التبعية وإلا كان
معقولًا أول وعرضًا ويستدعى وجود محله قبله إلى غير ذلك من
مفاسد لا تحصى إما لو أريد به الاختصاص الناعت فلا لجواز أن
يكون الواحد ناعتًا لأمور كثيرة كسواد الحبشي ناعت للإنسان وما
فوقه وما يساويه ولبدنه ولحمه ووجهه وبشرته وغيرها ولئن علم
فتلك الاستحالة في الواحد بالشخص والوجود لا يتشخص بل المتشخص
هو الموجود فلو حدته صح الحمل ولقيامه بأمور متعددة صح الحكم
على كل بأنه موجود فالحق أن من الجزء الخارجي ما له وجود متميز
لتميز تحيزه المعلوم حسًا كجدران البيت أو عقلًا كالأجزاء
الفردة فلا يحمل، ومنه ما ليس كذلك فيحمل، وأما المأخوذ من حيث
هو عام فقيل بوجوده أيضًا بمعنى وجود كل حصة منه في شيء وهو
معنى وجود الواحد الجنسي أو النوعي لا بمعنى وجود ذاته
الوحدانية في متعدد ليلزم اتصاف الواحد بصفات
(1/88)
متضادة وقيل: بعدمه لأن الوجود الخارجي
يلزمه الخصوص المنافي للعموم وقد مر جوابه لكن هذا العموم غير
العموم الاستغراقي أو التناولي على المذهبين لأن هذا في
الحقيقة عموم صحة الصدق فهو بالذات للمعنى وللفظ بواسطته
وتحققه بفرد كاف وعن دلالة التناول بمعزل وذلك العموم عموم نفس
الصدق ومستفاد من وضع اللفظ ولا يتحقق بفرد ويتفهم منه التناول
فلذا كان التحقيق تسميته مطلقًا سواء أخذ من حيث هو أو عامًا
ومقيدًا إن أخذ من حيث هو خاص فتعين الآخر للعموم الصناعي وأما
المأخوذ من حيث عرائه عن القيود فغير موجود في الخارج قطعًا
لأن كل ما فيه مكتنف بها وقد يقال وغير معقول أيضًا وإلا
لاكتنف بالعوارض العقلية والحق أنه معقول إذ لا حجر في التعقل
كتعقل المعدوم المطلق والعوارض العقلية ما جعله العقل قيدًا
فيه لا ما لحقه عند التعقل مطلقًا.
الكلام في تقسيم المركب
هو إما تام ويسمى كلامًا وجملة إن وضع لإفادة ما يطلب في
النسبة من ثبوتها بين طرفيها أو انتفائها وهذا لا يحتاج إلى
تقييد الإفادة بصحة السكوت مع أنها مجهوله وتفسيرها بعدم
انتظار المخاطب أو عدم افتقار المتكلم إلى انضمام لفظ آخر
افتقار المحكوم به أو بالعكس رد للمجهول إلى المجهول لأنه يجب
اصطلاح حاصل في كل من طرفي الشرطية وهذه الإفادة أعم من
الإفادة الجديدة فيتناول نحو السماء فوقنا ولأنها تشعر بالقصد
يخرج عنه كلام الطيور ويعم الثبوت والانتفاء الإنشاءات لأنهما
أعم من الإيجادي والإخباري فأخرج ما وضع ما يدل على النسبة
بالعقل كدلاله اضرب على أني طالب للضرب، وأنت مطلوب ولإفادة ما
وضع للإشارة لا لإفادة ما يطلب فيها نحو الإضافي والتوصيفي وما
وضع لذات لها نسبة كالصفات إذا لم تكن قائمة مقام الفعل كما
بعد الاستفهام والنفي وإنما توصف بالإسناد لأنه مشترك بين
التام وغيره ولا يتأتى إلا من اسمين أو فعل واسم والباقية
أربعة أو سبعة وحرف النداء بمنزلة ادعو والعدول تنصيص على
الإنشاء والجملة الشرطية جزاء مقيد بالشرط في الحقيقة
والاعتبار لها كما في الظرفية وإما ناقص وقد يسمى مفردًا
بالاشتراك كمقابل المثنى والمجموع ومقابل النسبة ثم التام إن
احتمل الصدق والكذب من حيث اللغة أو بالنظر إلى مجرد أنه إثبات
شيء لشيء أو نفيه عنه فخبر وقضية كما مر وتعين أحدهما بحسب
الخارج عن ذلك لا ينافيه والأول هو الصحيح لما سيجيء في مباحث
السنة وجعل الواو الواصلة بمعنى أو الفاصلة إنما يصح لو فسر
الاحتمال بالإمكان العام إذ لا يبقى للخاص معنى وقد يعرف الصدق
والكذب بدون
(1/89)
الخبر ولو سلم فلماهية الخبر اعتبارها من
حيث هي وبه يعرف الصدق والكذب به واعتبار أنها مدلول الخبر وبه
يعرف بهما لوضوح نفس ماهيته عند الفعل وإلا فإنشاء فإن دل
بالذات لا بواسطة التمني والترجي والهيئة لا كنحو اطلب الفعل
على طلب ذكر ماهية فاستفهام أو فعل فمع الاستعلاء أمر إن كان
غير كف ونهي إن كان كفاف أمر لأن طلب الطف بالمادة ومع التساوي
التماس ومع الخضوع دعاء فيهما وإلا فتنبيه طلبي نحو التمني
والترجي والتعجب والنداء والقسم أولًا كألفاظ العقود والناقص
إن كان أحدهما قيدًا ناعتًا يسمى تقييديًا وتوصيفيًا ولا يتركب
إلا من اسمين أو اسم وفعل لأن الموصوف اسم والصفة إما فعل أو
اسم ولأنه إشارة إلى الخبر وإلا فغير تقييدي والنافع في
المطالب التصورية هو التقييدي كما أن النافع في التصديقية هو
الخبر.
تتمة: مدلول اللفظ قد يكون لفطًا مفردًا أو مركبًا مستعملًا
كالكلمة والخبر أو مهملًا كأسماء حروف التهجي والهذيان.
خاتمة في تقسيم اختاره أصحابنا
لعموم نظره وجموم ثمره
أما الأول فلشموله المفرد والمركب الإسنادي وغيره وأما الثاني
فلاستغراقه الاعتبارات من أول وضع الواضع إلى آخر فهم السامع
وهو تقسيم اللفظ الغير الكثير بالنسبة إلى معناه كثيرا كان
أولًا والقسمان الآخران متدرجان تحته بالنظر إلى كل لفظ قالوا
معرفة أحكام الشرع والفتوى بمعرفة أقسام النظم والمعنى من حيث
يرجع الثانية إلى الأولى وإلا ففيه تبيان لكل شيء، جميع العلم
في القرآن لكن، تقاصر عنه أفهام الرجال، واستفادتها من البعض
غير تعلقها بالكل ومعناها أقسام النظم من حيث يفهم المعنى
واختاروا العبارة الأولى لفوائد:
1 - أن الثانية مشعرة بأن اعتبار المعنى قيد في المدلول مع أن
ثبوت الأحكام به والنظم وسيلة.
2 - أن المعنى غاية النظم فهو متقدم في الباطن متأخر في الظاهر
فاستويا.
3 - أن المعنى مقدم في الإفادة مؤخر في الاستفادة والإفادة
مقدمة قلنا اعتبر القرآن اسمًا للمعنى في العلم الأعلى لا ها
هنا كما توهموا من جواز الصلاة خاصة بالفارسية عندنا حالة
العجز وفاقا والقدرة خلافا وإن كان الاعتماد على رجوعه إلى
قولهما واستدلوا عليه بأن الإعجاز في معنى القرآن تام في الأصح
لأنه حجة على العجم أيضًا واعتبار العجز في
(1/90)
حقه من حيث المعنى لعجزه لفظًا عن شعر مثل
امرئ القيس أيضًا لأن الاستنباط من النظم وإن كان للمعنى
والمسألة مبنية على إقامة التنظيم الفارسي مقام العربي لما لاح
من أن مبني النظم على التوسعة لأنه وسيلة غير مقصودة ومبنى
القراءة على التيسير بالآية ولأنها تسقط عن الأمي ويتحمل عن
المقتدي مطلقًا عندنا ولفوت الركعة عند الكل لا على اطراحه حتى
يكفر منكر نزول النظم ويحرم كتابته فارسية وبزندق المداوم على
القرائة بها إما الذبيحة فلحقة لأن المقصود فيها الذكر والنظم
وسيلة كحالة المناجاة بل أولى باعتبار المعنى ولذا اتفق
الثلاثة في أجزائها بالفارسية، واختلفوا في التشهد والخطة وأما
وجوب سجدة التلاوة بها وحرمتها على الجنب والحائض وحرمة مس
المكتوب بها فمع أنه جواب المتأخرين ثبت احتياطيًا به الفرق
بين القبيلين والإعجاز بالمجموع أقوى وأشمل ولا ينافي تحققه
بالبعض واختاروا النظم لأن في حقيقة اللفظ سوء أدب ولاشتماله
على الاستعارة اللطيفة والنظم في الشعر ليس حقيقة لغوية ورجحان
العرف المشهر يعارضه ما في الاستعارة من اللطف المستتر، فنقول:
أداء المعنى باللفظ الجاري على قانون الوضع يستدعي وضع الواضع
ثم دلالته أي كونه بحيث ينفهم منه المعنى ثم استعماله ثم فهم
المعنى فلفظ بتلك الاعتبارات الأربع وتقسيمات أربع مربعة إلا
الثاني فإنه ممن يسمى أقسامها وجوه النظم صيغة ولغة أي صورة
ومادة ووجوه البيان أي إظهار المراد بحسب الدلالة الواضحة أو
الخفية بحكمة الابتلاء يأخذ الوجهين فذكر وجوه الخفاء إلا
لبيان وجوه الوضوح كما ظن جريًا على سنن قوله وبضدها تتبين
الأشياء بل لأحكامها الخاصة بها ووجوه الاستعمال ووجوه الوقوف
أي اطلاع السامع على مراد المتكلم ومعاني الكلام وبعضهم فسر
البيان بظهور المراد للسامع فأخره عن الاستعمال ولما ورد أنه
عين الوقوف فسر الرابع بكيفية الدلالة وليس بتحقيق:
فأولًا: لأن الدلالة كون اللفظ بحيث يفهم معناه وهو بكيفية
مقدم على الاستعمال المقدم على الوقوف فكيف يفسر بها.
وثانيا: أن الظهور والخفاء في وجوه البيان بحسب الدلالة إذا
الذي بحسب الاستعمال في الصريح والكناية فلا بد أن تقدم
أقسامها على الاستعمال تقدم الدلالة بل هما في الحقيقة أقسام
الدلالة وتسميتها أقسام البيان لكونه مسببا عنها وثالثا أن
المتكلم لا بد أن يلاحظ وجوه البيان قبل الاستعمال إصابة
الخطاب الذكي والغبي محزهما وبعد الكل فظهور المراد غاية
الاستعمال فيجوز اعتبار تقدمه في التصور الأولى وصنع اللفظ إما
(1/91)
لواحد وذلك عند وحدة الوضع فإن كان على
سبيل الانفراد أي انقطاع التناول أو الاستغراق فخاص وإلا فعام
وأما لمتعدد فإن تعين بعض معاينة بالقطعي انقطع اعتبار تعدده
فدخل فيما مر وإلا فإن ترجح بغالب الظن وأيًّا كان أو غيره
فأول وإلا فمشترك وبعضهم ثلث القسمة لأن المأول ليس باعتبار
الوضع بل بتصرف المجتهد والحق فعل الجمهور لبقاء تناوله الوضعي
وإضافة الحكم إلى الصيغة الموضوعية بخلاف المفسر والثابت
بالقياس ولا يغفل من جواز اجتماع الأقسام بالحيثيات.
الثانية: دلالة اللفظ على مراد المتكلم إما ظاهرة بمجرد الصيغة
أي لا يضم القرينة كالسياقية أو السياقية الدالة على أن سوق
الكلام له أي أنه المقصود الأصلي فظاهر أو وبه فقط فنص أو ومع
شيء ينسد به باب التأويل والتخصيص فقط فمفسر أو مع ما ينسد به
باب النسخ فمحكم وإما خفية يعارض غير الصيغة فخفي أو بها فإن
أمكن دركه عقلًا لغموض أو استعارة فمشكل أو نقلا لازدحام
معانيه فيحمل وإلا فتشابه فهو ساقط الطلب وطريق درك الجمل
متوهم والمشكل قائم وتسمية الشافعية أقسام البيان محكما بمعنى
المتضح المعنى وأقسام الخفاء متشابها بمعنى غير المتضح المعنى
لإجمال أو تشبيه أو غيرهما اصطلاح مأخوذ من ظاهر قوله تعالى
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}
[آل عمران: من الآية 7] ومنهم من فسر الحكم بما استقام نظمه
للإفادة والمتشابه بما استقام لا للإفادة بل للابتلاء لا بما
اختل لعدم الإفادة كما توهم فإنه جزأة عظيمة وهؤلاء كأمتنا
يقفون على {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل
عمران: من الآية 7] الأعلى في العلم فالراسخون لا يعلمون
تأويله وهو مذهب عامة الصحابة والتابعين وأهل السنة من أكثر
الحنفية والشافعية خلافًا لأكثر المتأخرين والمعتزلة، قيل
والظاهر خلافه لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد، وإن لم يمتنع على
الله تعالى والقول بحذف المبتدأ أو تخصيص الحال بالمعطوف وإن
كان خلاف الظاهر أهون من الخطاب ما لا يفهم مع وقوعه حيث لا
الباس قطعا نحو {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:
من الآية 72] والتصريح به مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما
ولأنه إذ جاز أن يعرفه الرسول مع الحصر جاز أن يعرفه الربانيون
قلنا للابتلاء وجهان الإمعان في الطلب والوقف عنه، والثاني
أعظمهما بلوى لمنع العقل عن صفته الجليلة وأعمهما نفعًا في
الدنيا بالأمن عن الزيغ وجدوى في العقبى بكثرة مطلب الحسنى
فحكمه إنزال المتشابه ابتلاء الراسخين في العلم بكبح عنان
ذهنهم عن التأمل المطلوب وتسليم الأمر إلى المحبوب
(1/92)
وإلقاء النفس في مدرجة العجز والهوان،
وتلاشي الاسم والرسم بالفناء في عظمة بقاء الرحمان، وهذا منتهى
إقدام الكمل بالسير الأكمل، في الطريق الأقوم الأعدل، وقبل
الثاني ابتلاء نفس العقل ولولاه لاستمر العالم في أبهة العلم
على المرودة وما استأنس إلى التذلل لعز العبودية والدليل نقلي
وعقلي فمن الأول قراءة ابن مسعود (إن تأويله إلا عند الله) (1)
وقراءة أبي وابن عباس في رواية طاووس (ويقول الراسخون) (2)،
ومن الثاني: أنه جعل تباعه بالتأويل حظ الرائعين كما بالفتنة
بإجرائه على ظاهرة وتخصيص التأويل بما يشتهونه خلاف الظاهر
والإقرار بحقيقته مع العجز عن دركه حظ الراسخين قبل أو قصد ذلك
لكان الأليق وأما الراسخون قلنا الأليق تقديره لتناسب (إما
الذين في قلوبهم زيغ) إذ لم يعهد أما في القرآن بدون أختها
وليتم التفريق بعد الجمع والتقسيم وعلم الرسول عليه السلام
بإعلام الله تعالى لا ينافي الحصر كالغيب ولا محذور في اقتضاء
الوقف الحصر وعدمه إذ لم يتوافر قبيل الأداء وقيل: النزاع لفظي
فالمثبت ظاهر العلم أو ما يمكن رده إلى الحكم والمنفي حقيقة
العلم أو ما لا يمكن كالعلم بالساعة ولا بد من القول به تحقيقا
للقلة في قوله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعلْمِ إِلا
قَليلًا} [الإسراء: من الآية 85] وما أوتيتم من العلم إلا
قليلًا ولقوله عليه السلام (أو استأَثرت به في علم الغيب عندك)
(3)، وهذا أولى في الاعتقاد احترازًا عن إزراء أحد الفريقين
والتفضيل أولى في الاصطلاح لاختصاص كل بحكم غايته الاشتراك في
لفظي الحكم والمتشابه أو عدم إرادة الحصر.
الثالثة: استعماله إما بحسب وضع أول فحقيقة أولًا فمجاوز أيًّا
كان فإن الاستعمال ظهور المراد فصريح وإلا فكتابة ولا نقفل عن
النكتة.
الرابعة: أقسام الاستثمار: أي الاستنباط فهم المعنى إما من نفس
اللفظ مسوقًا له أي
__________
(1) انظر/ تفسير الطبري (3/ 184)، تفسير ابن كثير (1/ 348).
(2) انظر/ تفسير الطبري (3/ 184)، تفسير ابن كثير (1/ 348)،
فتح الباري (8/ 210).
(3) أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 253) ح (972)، والحاكم في
مستدركه (1/ 690) ح
(1877) وقال: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن
عبد الله عن أبيه،
فإنه مختلف في سماعه عن أبيه.
وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 40) ح (29318)، والإمام أحمد في
مسنده (1/ 391) ح (3712)،
والحارث في مسنده (2/ 957) ح (1057 / البغية)، وأبو يعلى في
مسنده (9/ 198 - 199) ح
(5217)، والطبراني في الكبير (10/ 169) ح (10352)، وفي الدعاء
(1/ 163) ح (6).
(1/93)
مقصودا في الجملة عبارة كان بطريق المطابقة أو التضمن أو
الالتزام وغير مسوق له ويجب كونه لازما فإن لم يتوقف عليه
تصحيح الحكم المطلوب فإشارة، وإن توقف فاقتضاء، وإما من مفهومه
فإما بواسطة القلة المفهومة لغة أي غير الموقوفة على مقدمة
شرعية فدلالة أو الموقوفة عليها وهو القياس وذلك خارج عما نحن
فيه لعدم انضياف حكمه إلى اللفظ وكل من هذه العشرين أقسام
النظم لأن المراد النظم الذي يفهم معناه من عبارته أو إشارته.
ومن عادتهم البحث عنها تفسيرًا واشتقاقًا وإحكامًا وترتيبًا
فوجوه المعرفة ثمانون وهو مراد من جعلها عدد الأقسام فلنجر في
ترتيب كتابنا على سوق أصحابنا ولنعد تفسيرها لمزيد تنويرها،
وإن علم بالالتزام من وجوه ضبط الأقسام. |