فصول البدائع في أصول الشرائع

المقدمة الثانية: في المبادئ التفصيلية وفيها مقاصد ثلاثة:-
المقصد الأول: في المبادئ الكلامية لما لم يكن استنباط الأحكام عنه أداتها غلا بالنظر في الدلالة والاستدلال والدليل المدلول تصوريا كان النظر الكاسب أو تصديقيًا لم يكن يد في كل منها تعريفًا وأقسامًا وأحكامًا، الكلام في الدلالة وهي لغة ترادف الإرشاد والهدي هو المعلوم من الصحاح وأخصية الهدي من الكشاف وأخصية الإرشاد من المصادر واصطلاحًا كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم والظن بشيء آخر أو من الظن به الظن بشيء آخر لزومًا ذاتيًا أو مع القرائن والقسم الرابع محال إلا شرعًا كما مر ومعنى الترديد أنه كل منها فهو تنويع لا تشكيك فالأول الدال والثاني المدلول والدال إن كان لفظًا فالدلالة لفظية وإلا فعقلية كدلالة المعجزة على صدق الرسول واللفظية إن كان للوضع فيها مدخل فوضعية وإلا فإن كانت باقتضاء طبيعة اللافظ التلفظ به عند عروض المعنى له فطبيعية كاح على السعال وإلا فعقلية كعلى اللافظ ومرادنا اللفطة الوضعية وهي
__________
(1) أخرجه الدارمي (2/ 320) - ح (2533) والإمام أحمد في مسنده (4/ 228) - والحارث في مسنده (1/ 201) - ح (60) البغية.
وأبو يعلى في مسنده (3/ 160 - 161) - ح (1586) وأبو نعيم في الحلية (2/ 24).

(1/26)


كون اللفظ بحيث إذا أطلق أو أحس فهم المعنى للعلم بالوضع وقيل: متى أطلق ومبنى الخلاف اعتبار القرائن وعدمه والموقوف على العلم بالوضع فهم المعنى من اللفظ وفي الحال وما يتوقف عليه العلم بالوضع فهمه في الجملة وسابقًا وهي إما على تمام الموضوع له فمطابقة أو على جزئه بأن تنتقل الذهن من الكل إليه انتقالًا من الإجمال إلى التفصيل بعكس الحد فتضمن أو على خارجه اللازم لزومًا ذهنيًا عقليًا أو عاديًا لا خارجيًا لدلالة العدم على الملكة فالتزام فيتبعان للمطابقة. وقيل: لزومًا عقليًا فقط أي بينا بالمعنى الأخص عند جمهورهم والأعم يكفي عند الرازي ويرد عليهم أنواع المجازات فإنه مفقود في أكثرها وأجيب بأنه متحقق بالنسبة إلى المسمى مع القرينة وليس بشيء لأن الدال على المعنى المجازي إن كان هو اللفظ مع القرينة نحو أسدًا يرمي لا يكون شيء من أقسام إنجاز مجازًا في المفرد وإن كان هو اللفظ بمعونة القرينة عاد الجواب على موضوعه بالنقض إذ لم يكن اللزوم البين بتفسيرهم شرطًا ولأن قرينة المجاز ليست لفهم المعنى المجازي مطلقًا بل قسم منها لرد إرادة الحقيقة كيرمي فيما مر فإن الأسد يتفهم منه معنى الشجاع هذا ما قيل وفي الجوابين شيء فإن اللزوم البين إذا فسر بما يعم ما بالقرينة لم يكن في الجواب نقض لموضوعه وأيضًا القرينة إنما تكون لرد إرادة الحقيقة فيما يكون اللزوم بينا بلا قرينة وإلا فلا فهم، والتحقيق ما أشرنا إليه أن هذا الخلاف مبني على اعتبار القرائن وعدمه لا على تفسير الدلالة كما ظن فإنه فرع اعتبار القرينة لا بالعكس ولا بد من قيد في كل منها وفهم الجزء قد يتأخر في العلم التفصيلي وهو الفهم بشرط لا وذلك هو المراد ولا ينافي لزوم سبق فهمه في الجملة ولذا قالوا الأجزاء العقلية بلا شرط محمول جنس أو فصل وبشرط لا جزء مادة أو صورة وليست هذه المادة والصورة ما قيل بتركب الجسم عنهما وإلا لم يمونا للأغراض بل كل منهما مشترك بين المعنين ثم فهم الجزء لا يستلزم فهمه مع جزئيته هذا عند المتطبقين، وعندنا المطابقة والتضمن واحدة بالذات متعددة بالإضافة بالنسبة إلى كمال المعنى وإلا لزم فهم الجزء عند إطلاق اللفظ الموضوع لمعنيين مرتين في ضمن المجموع ومنفردًا والوجدان يكذبه وإذا ذهبنا أن المطابقة والتضمن لفظية والعقلية فقط هي الالتزام لا مع التضامن كما ذهب إليه صاحب المفتاح فلا يرد النقض بالتضمن على مهجورية الالتزام لكونها عقلية قيل كون الدلالتين واحدة بالذات غير معقول فيما إذا نصب قرينة مانعة عن إرادة الكل ولا يجاب بأنه مطابقة حينئذ لأنها دلالة على تمام المراد لأن الدلالة بحسب الوضع لا يحسب الإرادة كما يفهم من تعريفها بل إما بأن عدم

(1/27)


الإرادة لا ينافي وجود الدلالة وإما بأن القرينة غير معتبرة عندنا في الدلالة اللفظية وحينئذ يتحدان بالذات ودلالة المركب بحسب مادته وصورته في الأقسام الخمسة عشر غير خارجة عن الثلاث وفي الأرقام والمعميات إن أوجبت القرائن اللهم فالتزام وإلا فلا دلالة، والنسبة بين الدلالات الثلث بحسب اللزوم في الوجود وعدمه ستة فالتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة لامتناع وجود جزء الشيء ولازمه ولا يكون نفسه والمطابقة والالتزام لا يستلزمان التضمن لجواز بساطة الموضوع له والمطابقة والتضمن استلزامهما للالتزام محتمل، وعند الرازي مقطوع به لأن كل مفهوم يستلزم أنه ليس غيره ومرجع الخلاف إلى أن لمعتبر في دلالة الالتزام اللزوم البين بالمعنى الأخص كما هو الحق وهو لزوم تصوره من تصور الملزوم أو بالمعنى الأعم وهو اللزوم المجزوم به من تصورهما فإذا كفى تصور الملزوم في فهم اللزوم كفى التصوران ولا ينعكس والالتزام مهجور اصطلاحًا ولكونها عقلية على مذهبنا إلا في المحاورات بل في الحدود كلا وبعضًا والتضمن كلا ولا بعضًا والمطابقة لا كلا ولا بعضًا ودلالة المطابقة بطريق الحقيقة والتضمن والالتزام بطريق المجاز واللزوم اعتباري صادق لا كاعتبار الاجتماع في النقيضين فلا يتسلسل وصدق الشيء لا تستلزم وجوده كصدق الأسلوب.

الكلام في الاستدلال
وهو طلب الدلالة لغة واصطلاحًا فأما الكلي على الجزئي نحو هذا جسم متحيز وهو القياس العقلي لأن فيه جعل النتيجة المجهولة مساوية للمقدمتين في المعلومية وسيجيء تعريفه وأما بالجزئي على الكلي نحو كل جسم متحيز لأن أفراده كذلك ويسمى استقراء ويعرف بإثبات الحكم الكلي لثبوته في جزئياته فإن كان تمامًا يسمى قياسًا مقسمًا أيضًا ويفيد القطع وإلا فاستقراء ناقصًا ولا يفيد إلا الظن نحو كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ فإن التمساح بخلافه وأما بالجزئي على الجزئي لعلة جامعة ويسمى تمثيلًا وقياسًا فقهيًا لما فيه من تسوية الجزئيين في الحكم لتساويهما في العلة وسيجيء توفية مباحثه إن شاء الله تعالى، أما الاستدلال بالكلي على الكلي نحو كل إنسان ناطق وكل ناطق حيوان فيرجع إلى ما بالكلي على الجزئي قيل لأن الكليين إن دخلا تحت ثالث فهما جزئيان إضافيان وهو المراد ها هنا وإلا فلا تعدي لحكم الأكابر إلى الأصغر، وفيه نظر لأن مقتضاه لا يكون الاستدلال إلا بالجزئي على الجزئي بل لأن الملاحظ في التعدية خصوص الصغرى وعموم الكبرى كما سيحقق بناء على أن مرجع القياس إلى الحكم على ذات

(1/28)


الأصغر بواسطة مفهوم الأوسط وهو أعم وكذا في الاقتران الشرطي يستدل بعموم الأوضاع والتقادير على بعضها أما في الاستثنائيين فلا يصح إلا بالرجوع إلى الأول بأن مضمون التالي متحقق الملزوم فهو متحقق أو مضمون المقدم منتفى اللازم فهو منتف.
الكلام في الدليل هو لغة يقال للمرشد وما به الإرشاد والمرشد لناصب العلامة وذاكرها.
وقيل: المرشد للمعاني الثلاثة ولو مجازًا (1) لأن المورد ما يطلق عليه ولئن سلم فلا جمع مع أن المجاز إذا اشتهر التحق بالحقيقة فالدليل على الصانع هو الصانع أو العالم أو العالم وعلى الحكم الشرعي هو الله والفقيه أو الكتاب وغيره واصطلاحًا في الأصول ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري فيتناول البرهان والأمارة واعتبار الإمكان ليتناول ما قبل النظر والصحيح وهو ما فيه وجه دلالة لأن الفاسد لا معتبر به وإن أفضى اتفاقًا فإن التوصل يقتضي وجه الدلالة بخلاف الإفضاء والخبري ليخرج المعرف وبعضهم فرق بين اصطلاح الأصول والفقه فعمم الأول وخص الثاني بالقطعي ويسمى الظني أمارة والأصح الأول يعرف بتتبع موارده وأيًّا ما كان فهو الأصغر المحكوم عليه في الصغرى لا مجموع المقدمتين لأن النظر ترتيب أو حركة للترتيب فوقوعه في المرتب محال بخلاف المنطقين فإن الدليل عندهم قولان أي قضيتان في القياس البسيط فصاعدًا في المركب مفصول النتيجة أو موصولها يكون عن المجموع قول آخر أو لو سلمت لزم لذاته عنه قول آخر بطريق الكسب وهذا القيد يخرج لزوم عكسي القضية المركبة والمقدمة في الاستثنائي ليست عين اللازم بل لزومه وإحدى المقدمتين كيف ما كانت ليست بمستفادة منهما بل العلم بها سابق على العلم بهما فيتناول الصناعات الخمس أعني البرهاني والظني المتناول للخطابة والجدل والشعرى والمغالطي المنقسم إلى المشاغبي والسفسطي ولو قيل يستلزم لذاته لم يتناول إلا البرهاني لأن أقرب الصناعات إليه الظني وليس بين الظن وشيء ما ربط عقلي أي ليس شيء مستلزمًا للظن بحيث لا يتخلف عنه عادة لانتقاء الظن مع بقاء سببه عادة كظن المطر مع الغيم الرطب فليس البحث الكلامي ها هنا تجويز اللزوم العادي الذي هو المراد في الظني لما بينا من انتفائه عادة ولا بيان أن الدليل الظني لا يستلزم لذاته شيئًا بأن المؤلف من مقدمتين ظنيتين يحصل نتيجته على تقدير واحد هو صدقهما وينتفي على ثلاث تقادير كذبهما وكذب
__________
(1) انظر / إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 11).

(1/29)


بهما وكذب هذه وتلك فالانتفاء إن لم يكن راجحًا فلا أقل من المساواة ولذلك يتخلف الظن بحصولها عنهما لأن البيان لا يسمى بحثا بل دليلًا بل الإشارة إلى اللزوم الذاتي أعم من العادي والتوليدي والإيجابي على المذاهب.
تذنيب
المراد هنا بالاستلزام الذاتي أن لا يختلف عنه اللازم أصلًا لا ما لا يكون بمقدمة أجنبية كما في قياس المساواة أو غريبة كنا لاستلزام بواسطة عكس النقيض فسيجيء أن ذلك معتبرًا عندهم.
(تنبيه) الدليل أخص من الدال لتناول التصورات بخلاف الدليل، الثاني في أقسامه الدليل أن أريد به المقدمات إما عقلي محض ولا يثبت ما يتوقف عليه النقل مثل المسائل السبعة السالفة إلا به وإلا لزم الدور وإما نقلي محض بمعنى أن مقدماته القريبة مأخوذة من النقل نحو تارك الأمر عاص لقوله تعالى {فَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: من الآية 93] وكل عاص يستحق العقاب لقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللْهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: مِن الآية 14] الآية لا بمعنى عدم توقفه على العقل أصلًا فلا وجود له إذ لا بد لصدق ناقله من عقل دفعًا للتسلسل فما لا يمتنع عقلًا إثباته ولا نفيه كجلوس غراب الآن على منارة الإسكندرية لا يثبت إلا به وأما مركب بمعنى أن مقدماته القريبة بعضها من النقل وبعضها من العقل ويثبت ما عدا القسمين كوحدة الصانع إذ يمكن إثباتها بالعقل والنقل ومن أراد بالنقلي ما لا يكفي فيه العقل قسمة إلى قسمين وإن أريد به مأخذ المقدمات فإن كان استلزامه للمطلوب بحكم العقل فعقلي كالعالم للصانع وإلا فنقلي ولا معنى للمركب، الثالث في أحكامه الدليل العقلي قد يفيد اليقين الإجماع وإلا فلا برهان أما النقلي فقيل لا يفيد لتوقفه على العلم بالوضع والإرادة والأول لكونه مما لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه إنما يثبت بنقل اللغة والنحو والصرف وأصولها ثبتت برواية الآحاد الغير الثقة وفروعها بالأقيسة وكلاهما إن صحّا فظني، والثاني يتوقف على عدم النقل والاشتراك والمجاز والإضمار والتخصيص والتقديم والتأخير والناسخ والكل جائز ولا يجزم بانتفائه بل غايته الظن. وبعد الأمرين لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح إذ في إبطاله لكونه موقوفًا عليه إبطال النقل الموقوف وكل ما أدى إلى إبطاله كان مناقضًا لنفسه وباطلًا وعدمه غير يقيني، لا يقال احتمال المعارض ثابت في العقلي أيضًا؛ لأنا نقول

(1/30)


العقلي الصحيح ينفي بمجرده احتمال المعارض والإلزام تعارض القواطع وارتفع الأمان عن البديهيات وأيضًا فأدور الألفاظ كلفظ الله اختلف فيه أسرياني من لاها بحذف الألف وإدخال اللام أو عربيّ فإما مشتق وضعه كلي من أله كعبد وزنا ومعنى أو من وله تحير أو من لاه ارتفع وأما موضوع وضعا شخصيًا للذات الموصوفة بصفات الألوهية أو للذات معها فما الظن بغيره والصحيح أن النقلي يفيد اليقين بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمال، وبيانه أن من المنقولات ما هو متواتر لغة كالأرض والسماء والحرّ والبرد في معانيها وصرفًا كقاعدة أن ضرب ماض ونحوا كقاعدة رفع الفاعل والمؤلف منه قطعي الدلالة ثم قد يكون قطعي الإرادة أيضًا لخلوه من المذكورة من العدميات فيحصل به علم قطعي كعلمنا بوجود مكة وبغداد فالقدح فيه بالدليل سفسطة وبدونه عناد فإن أراد المشكك أن بعض الدلائل اللفظية لا يفيد اليقين فلا نزاع أو شيء منها يفيده فشبهته لا يفيده، فإن قيل الخلو عن الأمور المذكورة إنما تبتني على الاستقراء الغير التام وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود وأيضًا السفسطة تستحق الجواب لأن العلم بكذب مقدماتها إما ضروري اشتبه على السوفسطائي فيجب التنبيه عليه أو كسبي فتحتاج إلى كاسب قلنا مما علم قطعًا بالتجربة إن العقلاء لا يستعملون الكلام في خلاف الأصل عند عدم القرينة الصارفة فيقال هذا قطعي الدلالة مستعمل مع عدمها وكل ما كان كذلك خال عن الأمور المذكورة وكل خال عنها قطعي الإرادة والمقدمة الثانية تجربته ومع ذلك فيجوزان ينضم إليه قرائن عقلية تقتضي عدم الأمور المذكورة وأن الأصل هو المراد كما في نصوص إيجاب الصلاة والزكاة والتوحيد والبعث وحينئذ لو لم يعلم قطعًا لبطل التخاطب بالجزميات وقطعية التواتر واو وجد المعارض العقلي لزم تعارض القواطع فمثله أيضًا ينفي المعارض بمجرده، وأما أن السفسطة لا تستحق الجواب فالمراد لا تتعين مقدمة منها للبطلان بل هو بالحقيقة نقض إجمالي أي دليلكم غير تام بجميع مقدماته لتخلفه إذ قد يحصل العلم القطعي بالوضع والإرادة وهذا ظاهر في الشرعيات التي يمتنع ثبوتها بمجرد العقل فلا معارض من قبله وعدمه من الشرع معلوم بالضرورة من الدين كما في النصوص المذكورة وأما في العقليات المحضة فقيل توقف لأن إفادة اليقين فيها مبنية على أنه هل يحصل بمجرد النقل بعدم المعارض العقلي وهل للقرينة مدخل في ذلك ولا قطع فيهما وهذا إنما يصح إذا نقل عمن لم يقطع عقلًا بصحة قوله كالنبي أما إذا سمع منه أو نقل عنه بالتواتر نقلا مشتملا في كل مرتبة على قرائن عقلية دالة على عدم خلاف الظاهر

(1/31)


أو عرف بالنقل المتواتر عدمه أيضًا فلو لم يصح وظهر المعارض العقلي لزم كذبه وحصل تعارض القواطع فإن العلم القطعي نوعان الحاصل من قطعي الثبوت المشتمل نقله على ذلك ويسمى علم اليقين كالمحكم المتواتر والحاصل منه غير مشتمل على قرائن خلاف الظاهر وعدمه وهو علم الطمأنينة كالظاهر والنص والخبر المشهور فالأول يقطع جميع الاحتمالات والثاني الاحتمالات الناشئة عن الدليل على أن الحق أن إفادة اليقين يتوقف على انتفاء المعارض لا الجزم بانتفائه لحصولها مع عدم خطوره أصلًا نعم يجب أن يكون بحيث إذا لوحظ جزم بانتفائه. الكلام في دلالة الدليل هي باشتماله على جهة الدلالة وهي أمر مستلزم للمطلوب ثابت للدليل لينتقل الذهن من الدليل لثبوته إلى المطلوب لاستلزامه إياه وهذا على عرفنا ولا بد من تفسير بعرف المنطق ليتضح حقيقته فالأمر هو الأوسط واستلزامه للمطلوب مفهوم الكبرى والمطلوب نسيبة الأكبر والدليل هو الأصغر وثبوت الأمر له مفهوم الصغرى وإنما قدمنا الإشارة إلى الكبرى لأنها أقوى المقدمتين لأن المعتبر في صغرى الخصوص بحسب المفهوم ساوتها في الوجود أولًا، ولأنها تشتمل على الحكم بالأكبر على الأصغر والاحتياج إلى الصغرى لاندراج الأصغر تحت الأوسط وذلك معلوم غالبًا بالحس أو الضرورة أو القوة القريبة من الفعل وهذا معنى كونها مهملة الحصول، ثم هذا البيان قبل حقيقة القياس الاستثنائي الذي وضع فيه المقدم. وقيل: الشكل الأول كما فسرناه ولكل منهما وجه لأن كليهما بديهي الإنتاج وبينهما تراجع فيجري على ما فسرنا، وفقول ثبوت الأمر للدليل يقتضي كون الصغرى موجبة موضوعها الأصغر فانتفاؤه إما بأن يكون سالبة أو موضوعها أوسط أو كليهما أما الأول ففي الثاني والرابع من الثاني وأما الثاني ففي ضروب الثالث والرابع سوى ثالثة ففيه كلاهما وينتفي أيضًا في الصغرى الشرطية من اقتراني الشرطيات وأن الثبوت فيها عند الدليل لا له ثم استلزامه للمطلوب يقتضي كون الكبرى كلية موجبة موضوعها الأوسط فانتفاعه إما بأن يكون جزئية أو سالبة أو كليهما أو موضوعها الأكبر فقط أو مع أحديهما أما الأول ففي ثالث الثالث وأما الثاني ففي الثاني والرابع من الأول والرابع والخامس من الثالث وأما كلاهما ففي سادس الثالث وأما الرابع فقط ففي الثاني والرابع من الثاني والأول والثالث من الرابع ومع الجزئية ففي ثاني الرابع ومع السالبة ففي الأول والثالث من الثاني والرابع والخامس من الرابع ومعهما لا وجود لها على مذهب على المتقدمين وعند الباحثين عن الموجهات لها وجود إذا كانت

(1/32)


إحدى الخاصتين كما عرف في موضعه ومن هذا يعلم أن انتفاء مجموع الأمرين أعني ثبوت الوسط للدليل واستلزامه للمطلوب في الثاني والرابع من الثاني والثلاثة التي كبرياتها سوالب من الثالث وجميع الشكل الرابع وانتفاء أحدهما في الأول والثالث من الثاني والثاني والرابع من الأول والثلاثة التي كبرياتها موجبات من الثالث بقى الأول والثالث من الأول فالباقية ترتد إليهما بل إلى الضروري من الضرب الأول وهما الموجبتان الكليتان ولارتدادها قواعد لا تخفي بعد الإحاطة بها على من ليس بممحو عن دفتر المخاطبين:
1 - الجزئي يكون كليًّا بتعيين الموضوع إن تعدد أفراده وإلا فشخصيًا.
2 - السالب يكون موجبًا سالب المحمول بتقديم الموضوع والرابطة على حرف السلب والموجب السالب المحمول مساو للسالب في المعنى.
3 - الأصغر إذا وقع محمولًا يجعل موضوعًا بالعكس المستوى وكذا الأكبر إذا وقع موضوعًا وإذا اجتمعا يجوز قلب المقدمتين وعكس النتيجة.
4 - الموجب الكلي يصير موجبًا سالب الطرفين مبدلهما بعكس النقيض على مذهب المتقدمين ولا فساد في بيانه لأن سلب السالب إيجاب ويجوز توسيط ما يخالف حدوده حدود القياس عندهم كما مر وسالبًا سالب الموضوع مبدل الطرفين على مذهب المتأخرين إن احتج إليه.
5 - كل قضية موجهة بجهة ما إذا جعلت جهتها جزءًا محمولها فهي ضرورية لضرورية الإمكان للممكن.
6 - المتصلة الموجبة حصول محمول مقدمها مستلزم لحصول محمول تاليها فهي في قوة الموجبة الكلية الحقيقية.
7 - المنفصلة ترتد إلى المتصلة من عين أحد الجزءين ونقيض الآخر على حسب الانفصال ثم المتصلة إلى الموجبة الكلية.

الكلام في النظر من وجوه
الأول في تعريفه قيل هو الفكر الذي يطلب به علم أو ظن (1) والمراد الفكر ها هنا انتقال النفس في المعقولات قصدًا سواء كان لتحصيل المطالب أولًا كأكثر أحاديث النفس فهو كالجنس وإن خرج الحدس المفسر بسنوح المبادئ مع المطالب دفعة فليس بزائد
__________
(1) هذا تعريف القاضي أبي بكر.
انظر / إحكام الأحكام للآمدي (1/ 13) المحصول للرازي (1/ 14).

(1/33)


وقيد القصد يخرج تذكر النظر وانتقال النائم والحسد المفسر بسرعة الانتقال لا حركة النفس من المطالب إلى المبادئ ثم الرجوع ولا الحركة الأولى فقط والباقي كالفصل وقول الآمدي بأن الفكر تعريف أسمى معنيًا الآخيرين والباقي رسمي كتعريف الكتاب بالقرآن الموصوف بعيد لأن الرسم حينئذ مبهم ولصدقه على القوة العاقلة وآلات الإدراك ونفس الدليل ثم قد يطلب الظن من حيث هو ظن فيما يكفي وطرح الغلبة أولى لأن الظن في الغالب أغلب فالأقسام إلى القسمين خاصة مميزة شاملة وليس تعريفًا بالأخص الأخفى لا لأن المعروف أحدهما لا المهين منهما لأن معرفة أحدهما موقوفة على معرفةكل منهما بل كان كونه أخفى باعتبار كنهه لا لتميزه في الجملة المعتبر ها هنا ولأن كل قسم من المعرف معرف لكل من المعرف مساو له هذا تعريفه بعرفنا، وأما تعريف المنطقين فيختلف باعتبار المذاهب فمن يرى أنه اكتساب المجهول بالمعلوم وهم أرباب التعاليم القائلون لا طريق إلى المعرفة إلا التعليم الفكري عرفوه بتحصيل أمر أو ترتيب أمور حاصلة للتأدي إلى آخر والمراد حقيقته عند بعضهم فيشعر بالحركة الأولى ويستلزم الثانية وعند الأمور المرتبة يجعل المصدر بمعنى المفعول وإضافة بالصفة إلى موصوفها ويستلزم الحركتين وغطه في تعيين الأمور لا في الحركتين وهو يتناول الصحيح والفاسد وإن أريد تخصيصه بالصحيح يقال بحيث يؤدي ومن يرى أنه مجرد التوجه فمن جعله عدميًّا غرفه بتجريد الذهن عن الغفلات ومن أخذه وجوديًّا عرفه بتحديق العقل نحو المعقولات كتحديق البصر نحو المبصرات والعقل ليس بمشترك عندنا ولئن سلم فالقرينة المعينة واضحة.

الثاني في أقسامه
النظر إما صحيح إن اشتمل على جهة الدلالة وتعريفه بالمؤدي إلى المطلوب لا يناسب جعله محل النزاع الآتي في إفادة العلم وإلا ففاسد فصحته مادته وصورته معًا وفساده بفساد أحدهما أو كليهما وقسمته إلى الجلي والخفي ليست بحسب ذاته إن فسر بالترتيب ونحوه بل بعارض كيفيتي الدليل الصورية الحاصلة من تفاوت الأشكال في الجلاء والخفاء المادية كتوقفه على مقدمات كثيرة وأكثر قليلة وأقل من التفاوت في تجريد الطرفين فيكون كل منهما كالصحيح والفاسد مجازًا شائعًا ثم حقيقة عرفية وإن فسر بالأمور المرتبة فحقيقة مطلقًا كما كالدليل.

الثالث في شروطه
فلمطلق النظر بعد الحياة العقل وسيأتي تفسيره وعدم ضده العام والخاص مضادته

(1/34)


فالعام كل ما هو ضد الإدراك كالنوم والموت والغفلة والغشية والخاص هو العلم بالمطلوب والجهل المركب به إذ صاحبهما لا يتمكن من النظر لأنه مع العلم طلب الحاصل ومع الجهل المركب يمتنع الإقدام عليه أما البسيط فلا يضاده بل بينهما عدم وملكة بل هو شرط للنظر أما من علم بدليل ثم طلب دليلًا آخر فهو في الحقيقة طالب لجهة دلالة الدليل الثاني ونظر فيه بأن الاستدلال بشيء على شيء مبني على نسبة خاصة بينهما وهي في كل دليل بينه وبين المطلوب لا بين جهة الدلالة، فأقول المراد إن الغرض من تكثير الدلالة تكثير جهاتها لا إثباته لحصوله أو أن المطلوب إذا ثبت بلوازمه كعكسه وعدم نقيضه وجزئياته ومن جملتها جهة الدلالة المخصوصة في كل دليل فيجوز أن يقصد بالإثبات مجرد لازمه هذا أو المجموع وتعتبر النسبة بينهما وعندي أن المطلوب بجميع الدلائل واحد لكن النظر فيه بالثاني ليس بحسب الأمر نفسه بل على تقديران لا يكون معلومًا قبله وللنظر الصحيح أمران أن يكون في الحجة لا في الشبهة وأن يكون من جهة دلالته والألم ينفع.

الرابع في أحكامه العائدة إلى إفادة المطلوب
وهي أقسام الأول الصحيح يفيد العلم قد يفيده الرازي والآمدي كل نظر صحيح في القطعيات بشروطه يفيده والفرق أن الأول سهل البيان لثبوته بنظر جزئي بديهي إنتاجه قليل الجدوى إذ الجزئي لا يصلح كبرى لصغرى سهلة الحصول عند إرادة إثبات إنتاج نظر جزئي أثناء المحاورة فإن إثبات الجزئي بالجزئي إثبات بنفسه أو بما يباينه والثاني بالعكس خلافًا للسمنية والمهندسين في الإلهيات والملاحدة في معرفة الله تع بدون تعلم، فمنا من قال بأن العلم بالمط ضروري ومنه الرازي كإفادة الشكل الأول والعلم بالملازمة مع وجود الملزوم وجود اللازم فقيل عليه فلم يختلف فيه ولما فرق بينه وبين قولنا الواحد نصف الإثنين واجب بأنه قد يختلف قليل لخفاء أو عسر تجريد في التصورات كالسوفسطائية في جميع البديهيات والفرق للألف أو لتفاوت في التجريد لا لاحتمال النقيض ومنا من قال بنظريته منهم الإِمام وأنكر الرازي بأنه إثبات للشيء بنفسه وذلك يقتضي أن يعلم قيل نفسه فيعلم حسين لا يعلم وهو تناقض واجب يمنع كونه إثباتًا لنفسه بل للمهملة أو الكلية على التحريرين بنظر شخصي فيحتمل أن يكون الشخصي ضروريًّا دون المهملة أو الكلية بناء على اختلاف العنوان فإن تصور الشيء بكونه نظرًا ما أو كل

(1/35)


نظر غير تصوره بذاته المخصوصة والاختلاف بالضرورية والنظرية ناش من التصورات وأن يكون ذلك الشخصي من النظر ذات جهتين معلومة بالضرورة من حيث الذات مجهولة من حيث أنه نظر ما والعلم بها من حيث الذات لا يثبت بالنظر لضروريته فلا يلزم إثبات الشيء بنفسه، نظيره كل نظر صحيح فيه شروط الإنتاج مشتمل على جهة الدلالة المقتضية للعلم بالمط بلا مانع وهذا ضروري من فرض المبحث وكل مشتمل على المقتضى بلا مانع يجب ترتب الأثر عليه ضرورة فهذا نظر شخص ضروري من حيث ذاته يثبت الكلية فضلًا عن المهملة لا من حيث أنه نظر وهذا أولى من تمثيله بمطلق الشكل الأول البديهي الإنتاج بحسب ذاته ثم قياس سائر الأنظار لإثبات الكلية عليه بجامع اشتماله على جهة الدلالة على ما لا يخفي، ولنا أن قولهم لا شيء من النظر بمفيد إن كان ضروريًّا لم يختلف فيه أكثر العقلاء وهذا لا يمنع وإن كان نظريًّا لزم إثباته بنظر خاص يفيد العلم به والإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي، وللسمنية وجوه من الشبه:
1 - الاعتقاد بالمط بعد النظر إن كان ضروريًا لم يظهر خطؤه وقد ظهر لنقل المذهب وضروريته بعد النظر لا ينافي نظريته بالنسبة إلى النظر فليس الترديد قبيحًا وإن كان نظريًّا تسلسل وجوابه ضروري إن أريد بالضرورية نفى احتياجه إلى نظر آخر وما يظهر خطؤه لا يكون نظرًا صحيحًا والكلام فيه وهذا لضروري ليس خلاف المتعارف ونظري إن أريد احتياجه إلى النظر في الجملة لحصوله من النظر السابق ولا تسلسل إذ لا يحتاج إلى نظر آخر.
2 - المقدمة الواحدة لا تنتج والثنتان لا يجتمعان لامتناع اجتماع التوجهين إلى مقصدين في حالة واحدة وجوابه منع امتناع اجتماع المقدمتين كطرفي الشرطية في تصوري التصديقين وكالحكم على زيد إنه إنسان فإنه حكم فيه بحيوان وناطق في التصديقين وامتناع الاجتماع في التوجه لا يقتضي امتناعه في العلم ولا في النظر فسر بالأمور المرتبة فبالتوجه الواحد يطلع على أشياء.
3 - إفادته للعلم مع العلم بعدم المعارض وإلا لزم التوقف لاحتماله حتى يظهر عدمه وعدمه ليس ضروريًا العدم ممتنع الوقوع لكنه يقع أما للنقلي فظاهر الناظر لا في نفس الأمر فنظري محتاج إلى نظر آخر ويتسلسل وجوابه أن عدمه نظري فإن النظر الصحيح كما يقتضي العلم بالمط يقتضي العلم لعدم المعارض لاستحالة تعارض القواطع فلا يحتاج إلى نظر آخر وأن عدمه ضروري كضرورية النتيجة بعد النظر بمعنى عدم احتياجه إلى نظر آخر.

(1/36)


4 - النظر إما مستلزم للعلم بالمط فلا يكون عدم العلم شرطًا له إذ لو كان عدم اللازم شرطًا للملزم نافى الملزم اللازم وهو مح وأما غير مستلزم وهو المطلوب وجوابه بأن استلزامه استعقابه عادة لإيجابه غير شامل للمذهب فلا بد من قولنا أو إيجابه عند تمامه واشتراط عدم العلم قبل تمامه.
5 - دلالة الدليل إن توقفت على العلم بها لزم الدور وإلا كان دليلًا باشتماله على جهة الدلالة لا باعتبارها.
6 - العلم بعده أما الواجب فيقبح التكليف به لكونه غير مقدور أو أنه خلاف الإجماع وإلا فيجوز انفكاكه وجوابه أن التكليف بالنظر، ورد بأنه خلاف الظاهر مثلًا معرفة الله واجب والنظر فيها واجب آخر لا أن إيجاب أحدهما عين إيجاب الآخر وأجيب بأنه كلام على السند، وأقول في حله أن ارتكاب خلاف الظاهر جمعًا بين الأدلة ليس أول لحن لفظ بالبصرة فمعنى التكليف بالمعرفة التكليف بالنظر فيها ومعنى التكليف الآخر بالنظر أي العلم بوجوبه التكليف بالنظر للعلم به والكلام على السند المنحصر منعه فيه جائز ولصحته مطلقًا جهة ذكرناها في حواشي المطالع، وعندي توجيه آخران الباء للسببية أي التكليف بالعلم بسبب مقدورية النظر فإن المكلف به أعم من مقدورية نفسه أو طريق تحصيله وذلك لأن العلم وإن وجب بعده فبالغير والواجب بالغير يجوز التكليف به والفرق بينهما أن هذا منع قبح التكليف به والأول منع أن التكليف به.
7 - دليل وجود الصانع إن أوجب وجوده لزم من عدم الدليل عدمه في الواقع وإن أوجب العلم بوجوده فلا يكون دليلًا ما لم ينظر وجوابه أنه يوجب العلم به بمعنى متى علم علم وهذه الحيثية لا يفارقه نظر أو لم ينظر.
8 - الاعتقاد الجازم الحاصل بعد النظر قد يكون علمًا وقد يكون جهلًا فالتمييز بماذا وجوابه أن التمييز بأن العلم ما يقتضيه النظر الصحيح فإنه كما يقتضي العلم يقتضي كونه علمًا لا جهلًا أو بركون النفس بعد تجويز الطرفين وعدم العناد إلى أحدهما فلا يلزم الكفرة المصرون نعم يلزم المعتزلة القائلون بتمثل العلم مع الجهل فإن التمييز من التماثل مشكل لوجوب اتحاد المتماثلين في الذاتيات ولوازمها واختلاف العوارض لا يدل على اختلافها فكيف يميز به والجواب الكلي عن شبههم أنها إن أفادت فقد أبطلتهم النظر بالنظر وإلا فوجودها كعدمها، لا يقال الغرض من معارضة الفاسد بالفاسد التساقط لأنا نقول إن إفادته فقد أفاد بعض النظر وإلا فلا عبرة قبل الغرض إيقاع الشك وهو على غير

(1/37)


العلم بالمتقابلين قلنا إن أفاده النظر شيئًا وإلا فلا عبرة، وللمهندسين في أن الغاية في الإلهيات الظن بالأخلق والأولى دون العلم وجهان:
1 - إن الحقائق الإلهية لا تتصور فكيف يصدق بها بخلاف العلوم المتسقة كالحسابيات والهندسيات وجوابه منع عدم تصورها فإنه مختلف فيه ثم منع وجوب التصور بكنه الحقيقة للتصديق وإلا فيلزمهم في الظن.
2 - إن أقرب الأشياء إلى الإنسان هويته وأنها غير معلومة لكثرة الخلاف فيها فأبعدها أولى وجوابه أن كثرة الخلاف دليل العسر لا الامتناع الذي فيه النزاع، وللملاحدة وجهان:
1 - لو كفى العقل لما كثر الخلاف وجوابه أن كثرته لفساد الأنظار الحاصل من معارضة الوهم.
2 - العلوم الضعيفة كالنحو لا تستغنى عن التعلم فكيف بعد العلوم عن الحس والطبع وجوابه أن الاحتياج بمعنى العسر مسلم وبمعنى الامتناع الذي فيه النزاع لا، وقد يردّ عليهم بوجهين ضعيفين:
1 - صدق المعلم إن علم بقوله دار أو بالعقل ففيه كفاية وذلك لأنهم ربما يقولون بمشاركتهما بأن بضع مقدمات يعلم منها صدقه.
2 - لو لم يكف العقل لاحتاج المعلم إلى معلم آخر وتسلسل وذلك لأنه يكفي عقله دون عقل غيره أو ينتهي إلى الوحي هذا كله إذا قالوا النظر لا يفيد العلم بدون المعلم أما لو قالوا كما حكى عنهم صاحب التلخيص لا يفيد النجاة بدونه فالرد عليهم بإجماع من قبلهم على النجاة والآيات الآمرة بالنظر في معرض الهداية إلى سبيل النجاة من غير إيجاب للتعليم ورد هذا الرد بأن الإجماع غير متواتر فلا يكون حجة في العمليات والآيات الآمرة معارضة بالدالة على إيجاب التعليم ثم قيل والحق إن التعليم في العقليات ليس بضروري بل إعانة وفي المنقولات ضروري والأنبياء ما جاؤوا لتعليم الصنف الأول وحده بل وللصنف الثاني، وأقول بل الحق إن التعليم في العقليات يتوقف عليها صحة النقل ليس إلا للإعانة وفيما لا مدخل للعقل هو المفيد ضرورة وفي غيرهما مفيد بلا ضرورة فلكل من الآيات الآمرة للنظر والتعليم محمل فلا معارضة والإجماع إنما يحتج به ها هنا على من تواتر عنده كما لا يحتج به مطلقًا الأعلى من ثبت عنده.
الثاني: في كيفية إفادته للعلم وها هي كترتيب كل أثر على مؤثره العرفي بالعادة على

(1/38)


مذهب الأشاعرة لا بالتوليد لاستناد جميع الممكنات إلى الله ابتداء والاستناد إلى غيره مجازي كاستناد الإفادة إلى النظر ولا بالإيجاب لأنه مختار والمنفى الإيجاب الذي يقول به الحكماء فلا ينافيه الوجوب بالاختيار، وبالتوليد عند المعتزلة وهو الإيجاب بالواسطة كحركة المفتاح بحركة اليد ولا ينافي الاختيار بلا واسطة والنظر بولد العلم وأما تذكر النظر فلا يولده عندهم فقياس أصحابنا ابتداء النظر بالتذكر إلزامًا لهم فأجابوا بأن بينهما علة فارقة من وجهين عدم مقدورية التذكر وكون التذكر بعد حصول العلم فإن صح الفرق بطل القياس وإلا منعنا الحكم والتزمنا التوليد ثمة، والحاصل أنه قياس مركب فالخصم بين منع الجامع ومنع الحكم، وعلى سبيل الإعداد عند الحكماء فإن الفيض يتوقف على استعداد خاص يقتضيه وعند تمام الاستعداد يجب وهو مذهب الإِمام، وأما قول الرازي بأنه واجب غير متولد عملًا بدليل المذهبين فينافيه القواعد الكلامية ككونه مختارًا واستناد كل من الحوادث إليه ابتداء وأنه لا يجب على الله تعالى شيء اللهم إلا أن يريد الوجوب العادي.
الثالث: أن الفاسد يستلزم الجهل عند الرازي مطلقًا كاستلزام أن العالم قديم وكل قديم مستغن عن العلة أن العالم مستغن عنها ولا يفيده مطلقًا عند البعض وإلا لأفاد نظر المحق في شبهة المبطل الجهل له وجواب الأول منع الاستلزام في نفس الأمر لعدم اشتمال الفاسد على وجه الدلالة بلى يفيده عند الناظر لاعتقاده الفاسد لكن ليس كل من أتى بالنظر الفاسد يعتقده ولا كل ما يفيد الشيء من حيث المحل المعين يفيده من حيث هو فلا استلزام والقول بأن مدعاة مهملة فاسد والثاني أن نظر المحق في شبهة المبطل إنما يفيده الجهل لو اعتقد مقدماتها وإلا فنظر المبطل في حجة المحق يفيده العلم وقيل: الفساد المادي يستلزمه والصوري لا وليس بشيء إذ ربما يفيد فاسد المادة العلم مع صحة صورته نحو كل إنسان حجر وكل حجر ناطق والحق النزاع يرتفع بتحرير المبحث فإن أريد الاستلزام عند الناظر بشرط اعتقاد الصحة في المادة والصورة فالمذهب الأول وإن أريد استلزامه في نفس الأمر كما في الصحيح فالمذهب الثاني، لا يقال فنظر المبطل في حجة المحق يفيده العلم أو كان استلزامه في نفس الأمر؛ لأنا نقول نعم لو لم يمنع عقيدته الفاسدة المستقرة عن درك حقيقتها وإن أريد استلزامه عند الناظر في بعض الأحيان بشرط اعتقاد الصحة في المادة فقط إذا الصورة مضبوطة فالمذهب الثالث وهذا تحقيق لا تجده في كلام القوم، الرابع شرط ابن سينا في الإفادة التفطن لكيفية اندراج الأصغر الجزئي تحت الأكبر الكلي

(1/39)


قيل فإن أراد به اجتماع المقدمتين معا فحق وإلا فمم، وحديث البغلة المنتفخة البطن للذهول عن إحديهما ولا يلزم انضمام مقدمته أخرى فيحب ملاحظة ترتديها مع الأولين وبتسلسل كما ظنه الرازي بل العلم بأن هذا مندرج تحت ذاك عين ملاحظة نسبة المقدمتين إلى المطلوب وأما تفاوت الأشكال في الجلاء والخفاء فلاختلاف اللوازم قربًا وبعدًا، وأقول العلم بالاندراج هو العلم يكون الأصغر من جزئيات الأوسط التي حكم بالأكبر على جميعها وهو أمر يفيد مصورة القياس فيجب ملاحظته كالمستفاد من مادته فلئن كان تصديقًا آخر ليس مغايرًا للمقدمتين حتى يتسلسل وليس عين اجتماعهما وإلا لم يتفاوت الأشكال بل أمر فهمه من الأول بين ومن الآخر بملاحظة الارتداد إليه قربًا وبعدًا فلذا يتفاوت واختلاف النتائج متابعة له لا بالعكس، الخامس قيل الخلاف في كون وجه الدلالة كالحدوث غير الدليل كالعالم مع أنه صفته فرع الخلاف في أن صفة الشيء غيره أولًا هو ولا غيره والحق أنه فرغ الخلاف في الوجود الذهني إذ ليس في الخارج غير العالم والصانع.

الكلام في المدلول
وهو العلم أو الظن من وجوه الأول في أنه يحد أولًا، الرازي لا يحد لأنه ضروري لوجهين:
1 - أنه معلوم فلو كان كسبيًا لعلم بغيره وكل شيء يعلم به فدار.
2 - إن علم كل أحد بنفسه بل وبأنه عالم ضروري لحصوله للصبيان ومن لم يمارس الكسب مسبوق بالعلم المطلق والسابق على الضروري ضروري وجوابهما أن معلومية غير العلم بتعلق علم جزئي تصوري أو تصديقي به وزاد علم كل أحد بنفسه أو بكونه عالمًا حصول العلم فهو تصديق والتصديق ولو بديهيًّا بجملته لا يستلزم تصور كنه أطرافه حتى يتوقف معلومية الغير والعلم بنفسه على تصور كنهه الذي فيه النزاع ولأن حصول الشيء ولو في الذهن لا يستلزم تصوره فكم من راء ومريد لا يتصور عنه الرؤية والإرادة لا بعدها فيكون أثرًا لازمًا ولا قبلها فيكون شرطًا لازمًا فينفك أحدهما عن الآخر فلا يلزم من بداهة الآخر وبه يحصل الجواب عن دليلهم الثالث وهو أن مطلق العلم لو كان كسبيًا لكان كل علم كسبيًا ضرورة أن كسبية الجزء تستلزم كسبية الكل واللازم بط لأن من العلوم ما هو ضروري بالوجدان وذلك لأن اللازم منه كسبية تصور كل علم وهو لا ينافي في حصول بعض التصورات أو التصديقات بلا كسب لأن حصول الشيء ليس

(1/40)


مشروطًا بتصوره حتى يتوقف عليه وعن الرابع أن العلم من الوجدانيات وهي بديهية فإن البديهي حصولها لا تصورها ولأن تصور الشيء ربما سبق التصديق والسابق غير اللاحق فيتغايران فلا يلزم من بداهة أحدهما بداهة الآخر قيل هذا أولى، وفيه بحث لأن المغايرة لا تجدي إذا توقف البديهي عليه، لا يقال الموقوف عليه سابق ليس بدهيًا، لأنا نقول لا تم كلية الكبرى بل ما له سابق من نوعه إذ يجوز التصديق البديهي المفسر بالحكم أن يكون له تصور سابق، وأما الرازي فلما جعل التصديق هو المجموع فإنما يكون بديهيًا عنده لو كان كل تصور منه بديهيًا ولذا نراه يستدل في كتبه الحكمية ببداهة التصديقات على بداهة التصورات ولا يفيد اللازم لرجوعه إلى الإصلاح فهذا الجواب لا يستقيم على زعمه بل الجواب حينئذ منع بداهة التصديق والإمام والغزالي لعسر تحديده لصعوبة الاطلاع على ذاتياته وعروض الاشتباه في أن الإضافة فيه ذاتية أو عرضية وإنما يعرف بالقسمة كما سنقسم ما عنه الذكر الحكمي إلى أن يخرج الاعتقاد الجازم المطابق لموجب أو بالمثال كان يقال العلم كاعتقاد أن الواحد نصف الاثنين أو يقال العلم كانطباع الصورة في المرأة فالنفس والغريزة التي بها تتهيأ للانطباع بالمعقولات المسماة بالذهن والصورة المنطبعة كالحديد وصقالته والصورة المتوهمة الانطباع وصور المعقولات حقائقها التي إذا انطبعت في النفس كانت علمًا ولذا اختير أنه كيف فذكر الانطباع أو الحصول تنبيه على أن تسمية الصورة علمًا باعتباره ومن جعله انفعًا لا جعله حقيقة واستبعد الآمدي كلامهما بأن القسمة والمال أن أفاد تمييز له عما سواه فيعرف بهما وإلا فلا يحصل بهما معرفته لأنها نفس التمييز أو ملزومته لا يقال الذي منعاه الحد والرسم بهما لا ينافيه لأنا نقول بل منعًا مطلق التعريف بدليل نقل الرسوم وإبطالها ثم القول بالعسر غايته أن منع التحديد بالتصريح في العبارة والرسم بالإشارة وأجيب بأن إفادة التمييز لا تقتضي صحة التعريف إذ الرسم ليس مطلق المميز بل مميز شامل بين لا بمعنى البين الآتي إذا الانتقال منه لا إليه ولا بمعنى ما يكون بحيث يصح منه الانتقال إلى الملزوم فإن هذا المعنى غير معهود بل بمعنى بين الثبوت لإفراد المعرف وبين الانتفاء عن غيرها بالمعنى اللغوي كاستواء القامة للإنسان لا كقابليته الكتابة لما قال الغزالي في المستصفى واجتهد أن يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة المعروفة (1) وههنا الذي يحصل به كمال التمييز المطابقة لموجب وليس
__________
(1) نعم، هكذا ذكره حجة الدين الغزالي.
انظر / المستصفى (1/ 14).

(1/41)


بحيث يكون ثبوتها لأفراد العلم وانتفاؤها عن أفراد غيره ظاهرًا معلومًا وإلا لم يحصل الجهل لأحد والذي يدل على أنه كسبي أنه لو كان ضروريًّا فإن كان بسيطًا والمعنى بشرط حصوله ذاتيًا له كان كل معنى حاصل علمًا والمقدم بجزئية حق إما أنه بسيط فلأنه إذا كان ضروريًا لم يكن له تصور يتوقف عليه وكل ما كان كذلك كان بسيطًا وأما أن المعنى بشرط حصوله ذاتي له لأن رفعه عين رفعه وكل شيء شأنه ذلك كان ذاتيًّا وأما الملازمة فلأن ذاتي البسيط لا يتعدد لكن ليس كل معنى حاصل علمًا إذ قد يكون ظنًا وجهلًا وتقليدًا وغيرها.
توضيح
يطلق المعنى على ثلاثه معان على العرض نحو قيام المعنى بالمعنى محال وعلى المعقول المقابل للمحسوس كما يجيء وعلى مطلق المدرك في تعريف العلم بوصول النفس إلى معنى وهو المراد ها هنا لا العرض كما نوهم لأن العرض ليس بذاتي للأغراض.

الثاني: في حده الحدود المرضية عندنا ثلاث يستخرج اثنان منها من التقسيمين والثالث الأصح أنه صفة توجب لمحلها المتصف بها تمييزًا لا يحتمل نقيضه أي توجب كون محلها وهو النفس مميزة لما تعلقت به فإن العلم له تعلق لازم وبذلك خرج سائر الصفات كالقدرة والإدارة الموجبة للتميز لا للتمييز والضمير في نقيضه للتمييز وعدم الاحتمال أما لمتعلقة على حذف المضاف بمعنى أن متعلقة أي الطرفين لا يقبل طرؤ نقيض هذا التمييز الذي هو الإيجاب أو السلب بدله على وجه يطابق الواقع فذلك كقولهم ماهية الممكن قابلة لوجودها وأما لنفسه بمعنى أن التمييز لا يقبل طرؤ نقيضه بدله على وجه يطابق الواقع فذلك كقولهم وجود الممكن قابل لعدمه والمراد عدم احتماله بوجه ما لعموم الفعل في سياق النفي كما في لا آكل فيخرج الجهل لاحتماله النقيض في نفس الأمر والظن والشك والوهم لاحتمالها عند الموصوف والتقليد لاحتماله عن الموصوف على تقدير التشكيك فهذا الحد يتناول التصديق اليقيني والتصور إذ لا نقيض لتمييزه لأن التناقض يلزمه الحكم ولذا يقال نقيض الشيء رفعه لا عدوله ولا يمنع الحد، وصدق التعريف على التصور الخطأ حينئذ إذ لا نقيض له فيتحمله غير محذور لأن ذاته علم وخطائية باعتبار عروض ملاحظة الحكم فيه كما أن السواد والبياض متضادان بذاتهما متضايفان بعارض ضديهما ثم رأى كالأشعري أن الإحساس اقتصر عليه وإلا زاد تمييزًا في المعاني لا الكلية لئلا يخرج العلم بالجزئيات ومن رأى أن العلم عين الإضافة فسره بالتمييز واعتراض العلوم

(1/42)


العادية ككون الجبل حجرًا يحتمل انخلاقه ذهبًا بدله عند الجمهور وانقلابه ذهبًا لثبوت المختار وتجانس الجواهر عند من يقول به ولا بد من قوله بتقوم الجسم بالأعراض واجب بوجهين أحدهما أدق أما الدقيق فهو أن كون الجبل حجرًا يحتمل كونه ذهبًا بمعنى وقوعه بدله بالنظر إلى ذات الجيل فإن الممكن نسبته إلى الطرفين على السوية بالنظر إلى ذاته أما ذاته مع وصف كونه حجرًا فلا يحتمل ذلك وأما الأدق فهو أنا ولئن سلمنا أن كون الجبل حجرًا بالنظر إلى وصفه أيضًا يحتمل الذهبية لكن مرادنا ليس أن يحتمل متعلق التمييز نقيض نفسه بل أن يحتمل متعله أو نفسه نقيض التمييز وهو الجزم بكونه حجرًا أو كونه حجرًا إذا الجزم به لا يحتمل نقيض جزم العقل فإن الواقع كونه حجرًا وإنما يحتمله لو لم يحصل الجزم بثبوت عين الحكم لأمر يوجبه من حس أو ضرورة أو دليل أو إعادة لأن العادة فعل المختار على سبيل الدوام.

الثالث في القسمة المخرجة لمعناه الثاني مقدمة
نسبة المحكوم به إلى المحكوم عليه إما بحسب نفس الأمر وهي الخارجية وإما بحسب نفس المدرك وتسمى باعتبار كون المدرك مخلوقًا الذهنية المتصورة بإطلاقه الذكر النفسي وما عند الذكر الحكمي فالإدراك اما أن يتعلق بنفسها كما في الشك والوهم أو بحصولها وهو إذعان أنها واقعة في نفس الأمر أو ليست فالذكر النفسي المتناول لعلم الله بالمعنى الأول لا الخارجية ولا الذهنية ولا الإذعان إذا فرض تحققه بين المتعلقين وهما طرفاه فيكون من شأنه أن يلحقه حكم ويصدر عنه حكم ذكري يعتبر له نقيض فاللإثبات النفي وللنفي الإثبات فإما أن يحتمل متعلقة نقيض ذلك النفسي بوجه من الوجوه أعني في الواقع أو عند الذاكر أو عن الذاكر أولًا، والثاني العلم والأول إما أن يكون بحيث لو قدر الذاكر النقيض لكان محتملًا عنده أولًا والثاني هو الاعتقاد فإن كان مطابقًا فاعتقاد المقلد وإلا ففاسد كالجهل المركب إذ لو تأمل في الشبهة صاحبها أو أصغى حق الإصغاء إلى حجة المحق لتشكك بل اعتقد نقيضه والأول إما راجح فالظن أو مرجوح فالوهم أو مساو فالشك وإنما جعلنا مورد القسمة الذكر النفسي بالمعنى الأول دون الاعتقاد أو الحكم أي بالمعنى الثاني ليتناول الشك والوهم إذ لا اعتقاد فيهما وههنا يعلم أن الاعتقاد يطلق أيضًا على مطلق ربط القلب بالنسبة على أنها واقعة في نفس الأمر سواء كان لموجب ومع

(1/43)


تجويز النقيض أولًا وقول الرازي بأنه لا يتناول العلم انحلال العقود لا الإرتباط مم فعلم أن مورد القسمة يتناول الأقسام بذاته ويحتمل النقيض بالاعتبار اللاحق لكن لا يتناول تصور غير النسبة ولذا صار المعنى الأول أعم وتعريفه أصح والقول بجواز أن يكون بين المقسم والقسم عموم من وجه كما بين والعالم فاسد ها هنا لأن القاسم اعترف بخروج حد كل قسم عنها وذا مانع عن ذلك وأن توجه المنع إليه بما مر من أن المميز إنما يصلح معرفًا لو كان بين الثبوت لإفراد المعرف بين الانتقاء عن غيرها وليس الخارج ها هنا كذلك.

الرابع في القسمة المخرجة لمعناه المتوسط في العموم والخصوص
وهي أن العلم بالإدراك والتصور بلا شرط تارة يقسم إلى التصور والتصديق أي التصور بشرط لا وهو التصور الساذج وإلى الحكم المفسر بالإذعان الذي هو كيف أو انفعال لا التركيب الخبري النفساني الذي هو فعل في الأصح عند الحكيم والمجموع الحاصل من التصورات الثلاث والحكم عند الرازي ويرد على النسائي وجوه:
1 - إن المورد إما العلم الواحد فلا يصدق على العلوم الأربعة وإما مطلق العلم فلا ينحصر في القسمين وجوابه أن المورد ما له هيئة وحدانية حقيقية لا ما ليس له جزء.
2 - أنهما متقابلان ولا تقابل بين الجزء والكل لاجتماعهما وجوابه أن التقابل باعتبار الصدق أو العارض ولا ينافيه عدمه باعتبار الوجود.
3 - أن هذا التفسير يجوز اكتساب الحكم الذي هو تصور حينئذ من التصديق والتصديق الذي أحد طرفيه كسبي فقط من التصور وجوابه أن المفسر يجوزه ولا مناقشة ولو أريد بالحكم ما هو فعل يرد عليهما معًا أن أحد قسمي العلم ليس بعلم أو مركب مما صدق عليه العلم ومما لا يصدق عليه فلا يصدق عليه بخلاف صدق الحيوان على المركب منه ومن الناطق حيث يصدق عليه نعم يرد الفقه المركب من العلم والعمل إلا أن يراد العلم المنضم إلى العمل لا المجموع وكذا نحو الخمسة المركبة من الفرد كالثلاثة ومن الزوج كالاثنين.
والجواب عن الأول: أنه ماهية اعتبارية والكلام في الحقيقة.
وعن الثاني: أن تركب العدد من الوحدات ولا عدد يصدق على الوحدة حتى يكون تركبه مما يصدق عليه ومما لا يصدق والتحقيق أن المركب من الأجزاء الخارجية لا

(1/44)


يصدق على شيء منها كالعدد على الوحدات والبيت والإنسان على اليد والرجل بل على مجموع اعتبر فيها هيئة وحدانية حقيقية في الماهيات الحقيقية واعتبارية في الاعتبارية ولأنه يعتبر للمجموع هوية واحدة يصدق عليه الأجزاء العقلية ويجري التصادق بينها، وأخرى يقسم إلى التصور الساذج وإلى التصور مع الحكم ويسمى القسم الثاني التصديق فيحتمل أن يكون المراد من الشيء مع الشيء المجموع وهو مذهب الرازي فيرد الأبحاث الأربعة وأن يكون الشيء بشرط مقارنته لآخر فلا يرد شيء منها لكنه خلاف الخلاف المتعارف وأخرى يقسم إلى التصور الساذج وإلى التصور مع التصديق كما قال ابن سينا الشيء قد يعلم تصورًا ساذجًا وقد يعلم تصورًا معه تصديق كذلك قد يجهل من طريق التصور وقد يجهل من طريق التصديق فلا يرد الأبحاث الأربعة، ويرد أن نفس التصديق خارج عن القسمين فالتقسيم غير حاصر وأجيب بأن المراد ليس الحصر بل أن العلم يقع على أحد وجهين ووقوعه على الوجه الثالث لا ينافيه وهو مردود لأن جعله المجهول من جهة التصديق مقابلًا له يفهمنا أن المراد من المعلوم بالتصور مع التصديق هو المعلوم من جهة التصديق فالمراد كما قال المتقنون المعلوم الذي علمه تصديق أي حكم فإن الحكم كما يسمى باعتبار ذاته تصديقًا يسمى باعتبار حضوره في الذهن تصورًا مع التصديق ويمكن رد التقسيم الثاني إلى هذا المعنى وعليه يجرى فنقول العلم إما متعلق بمفرد أي لا بحصول النسبة وهو التصور والمعرفة وإما متعلق بحصولها وهو التصديق والعلم فهو مشترك بين المورد والقسم قيل: هذا وإنما يصح إذا كان الحكم المعبر عنه بحصول النسبة فعلًا مغايرًا للعلم أما إذا كان إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها فالوجه في التقسيم أنه إما حكم أو غيره وليس بشيء لأن التصديق إن كان العلم بالحكم الذي هو فعل توقف حصوله على خمسة أشياء بل المراد بالعلم بحصول النسبة إدراك النسبة التي هي مورد الإيجاب والسلب واقعة فالتصور نحو تصور النسبة في الشك والوهم والتصديق ضربان متميزان بذاتهما يتوقفك تحقق حقيقة الثاني على تحقق المعلوم، كما أن الإحساس يتوقف على تحقق المعلوم وحضوره وباللازم المشهور وهو احتمال الصدق والكذب وعدمه التصديق الكاذب يتوقف على تحقيق المعلوم في الزعم وذلك كاف وبأن التصديق يتوقف على التصورات الثلاث شرطًا أو شطرًا دون العكس لكن بوجه يقتضيه مقام الحكم لا بأي وجه كان ولا بحسب كنه الحقيقة البتة فالمجهول مطلقًا يمتنع الحكم عليه ولا ينافيه كونه محكومًا عليه ها هنا بجهة معلومية ذاته بالمجهولية لأن امتناع الحكم عليه ما دام مجهولًا مطلقًا

(1/45)


فالمطلقة لا تنافيه أو الجهة مجهوليته فرضًا وتقديرًا فيندفع ولو أورد على قولنا لا شيء من المجهول مطلقًا دائمًا يصح الحكم عليه دائمًا.

الخامس في تقسيم هذين القسمين
كل منهما إما ضروري يحصل بلا طلب وكسب وهو البديهي عند البعض وقسم منه عند آخرين وهو ما يثبته مجرد العقل كالأولى والتي قياساتها معها وأما المطلوب لا يحصل إلا بالطلب وهو الكسبي والنظري وهو ما يتضمنه النظر الصحيح، قيل: يرادفه لأن الكسب لا يمكن إلا بالنظر وقيل: يمكن عقلًا فهو أخص لكن بينهما ملازمة عادية بالاتفاق وتحصيل الكسبي بلا نظر خرق للعادة أما وجود الأقسام الأربعة فبالوجدان وإذ لولا أن بعض كل منهما ضروري لزم الدور أو التسلسل المانعان للاكتساب أما الدور فظاهر وأما التسلسل فلأن تحصيل الأمور الغير المتناهية في زمان متناه وهو الزمان الذي بين أول تعلق النفس بهذا البدن قديمة كانت أو لم تكن وبين زمان الكسب مع أن كل توجه يستدعي زمانًا محال وهذا بناء على امتناع اكتساب أحدهما من الآخر أما في التصديق فظاهر وأما في التصور ففي مطلقه ولا يلزم من عدم تحققه إلا في ضمن أحد الخاصين عدم إرادته إلا في ضمنه وفي تصورات الوجوه المنتهية تصورات الكنه إليها والإيراد بأن هذا أيضًا نظري حينئذ فيمتنع اكتسابه أما نقض إجمالي لا بالتخلف بل بإلوام المحال فيندفع بمنع أنه نظري على ذلك التقدير لاستحالة التقدير أو أنه نظري يحتاج إلى نظر حينئذ وإنما يحتاج لو كان نظريًا في نفس الأمر وأما مناقضة بمنع صدقه في نفس الأمر فلا يمكن التقصي وإنما يتوجه ممن لا يعترف بمعلوم فالاستدلال على من يعترف به ويدعى كسبيته أو على التقدير فيقال صادق في نفس الأمر فإن صدق على التقدير فذاك وإلا فينفي التقدير لأن منافي الواقع منتف ثم لولا أن بعض كل منهما نظري لما احتجنا إلى نظر في شيء والدليل منزل في كل منهما لا في كليهما إذا ثبت هذا فالمنكر للكسب في شيء أو في التصورات كالرازي وكذا المنكر للبداهة في كل شيء ما كالسوفسطائية أو في الحسيات فقط أو في غيرها فقط مباهت أن أنكر بعد العلم يعرض عنه لأن غرضنا إظهار الحق لا الإلزام أو جاهل بمعنى الأقسام فيفهم فالضروري من التصورات ما لا يتقدمه تصور يتوقف تحققه عليه سواء كان داخلًا في حقيقته كما في الحقيقي أو خارجًا كما في الرسمي وإلا كان محتاجًا إلى جمعه وترتيبه وذلك نظر فلا يحد ولا يرسم فكل ضروري بسيط والمطلوب ما يتقدمه ذلك فكل مركب مطلوب وليس كل بسيط

(1/46)


ضروريًا ولا كل مطلوب مركبًا لأن البسيط ربما يكون مطلوبًا بالرسم ولاعتراض على جمع الأول ومنع الثاني بتصور لا بطلب مفرداته كتصور الاثنين جوابه منع بداهة تصور الاثنين كيف وقد اختلف في ماهية الإعداد ووجوديتها اختلافًا لا يرجى معه التطابق وبداهة التصديق بالاثنينية لا يقتضي بداهة تصورهما، ومن التصديق ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه وهو دليله ولا ينافيه تقدم التصور الضروري أو النظري والمطلوب بخلافه وأورد من أنكر اكتساب التصور بوجهين الأول أن المطلوب إما مشعور به فلا يطلب لحصوله أو غير مشعور به فلا يطلب لامتناع توجه النفس نحو المعقول عنه فرد يمنع الحصر لجواز أن يكون مشعورًا به من وجه دون وجه فأعيد الكلام فيما يطلب من وجهيه ثم وثم حتى يتسلسل وأجيب باختيار أن الوجه المطلوب مجهول بذاته ومعلوم بصفته التي هي الوجه الآخر فيتوجه إليه كذات الروح مع مبدائيته للحس والحركة ولا يتسلسل لأن جهة معلومية المطلوب عين الوجه الآخر لا غيره إذ هو من جهات الوجه المجهول لا يقال فيتوقف التوجه إليه على معرفة كون الوجه المعلوم من جهات الوجه المجهول وذلك يقتضي توجهًا سابقًا إلى الوجه المجهول فيتسلسل لأنا نقول: إن أريد بالمعرفة الحكم فلا نم توقف التوجه عليها وإلا لزم من كل تصور تصديق وإن أريد تصوره به فسلم ولا نم استدعاءه توجهًا سابقًا وإلا لم يتصور شيء ومنهم من أثبت أمرًا ثالثًا زعمًا منه أن الوجهين يثبتان له فلا بد من محكوم عليه ولا حاجة إليه؛ لأن الثالث إما معلوم فلا حاجة إلى وجهه المعلوم أو مجهول فيجوز أن يطلب ذاته.
وهذا الجواب إجمالي فصله بعضهم: بأن الوجه المعلوم الحقيقة الشاملة للمطلوب وغيره كالشيئية والوجود والمجهول تعيين المطلوب من بين مشمولاتها وليس بتام لأن الداعي إلى التوجه المخصوص يكون مخصوصًا كليًا أو غالبًا ولبعضهم بأن المعلوم أجزاؤه في الحقيقي وخاصته في الرسمي المعمورة فبالعلم مع المفردات الآخر والمطلوب تعيين تلك المفردات وتمييزها عن غيرها كتعيين شخص بالإشارة من جملة الحاضرين لطالب زيد وهذا يقتضي أن لا يتصور ما ليس بحاصل أصلًا والوجدان يكذبه، والتحقيق أنه ليس متصور حاضرًا في الذهن بل منه ما هو كالمحزون فيه المعرض عنه فإن كان الالتفات إليه من غير قصد يسمى حدسًا وإن كان يقصد إليه والداعي شيء من خواصه الداخلة أو الخارجة فإذا أحضر منه جملة ورتبت حصل مجموع لم يكن حاصلًا كمن يبني بناء فهذا هو الحد الحقيقي ثم ربما ينتقل الذهن منه إلى مغفول عنه أو متوجه إليه لتعلقه به بوجه

(1/47)


كمن الجر إلى الجار فيكون رسمًا ومن هذا يعلم أمور:
1 - أن الحد مركب والرسم يجوز بساطته.
2 - أن القصد لا بد له من داع فلا بد أن يكون مسبوقًا بتصور فيسقط ما يظن أن النظر حينئذ يكفي فيه الانتقال الثاني.
3 - سقوط الاعتراض بأن أجزاء الحد حتى الصوري إن كانت معلومة كان المحدد معلومًا فلا طلب وإلا لامتنع التعريف بها وذلك لأن أجزاءه معلومة غير مستحضرة فالطلب لاستحضارها وترتيبها.
لا يقال إذا كان الصوري معلومًا كان الجمع والترتيب حاصلًا فالطلب لماذا لأنا نقول إن أريد بالجزء الصوري الصورة التي يعبر عنها بالفصل فلا نم استلزامه الجمع والترتيب في العقل وإن أريد الهيئة المجموعية من المادة والصورة فهي ليست بحاصلة والطلب لتحصيلها فالتعريف كما ذكره الرازي في المباحث المشرقية نوعان نوع لتمييز الحاصل في الذهن عن غيره ونوع لتحصيل ما لم يكن وإنما خص الرازي الإيراد والإنكار بالتصور مع وروده ظاهرًا في التصديق أيضًا لأن اندفاعه فيه واضح فإن النسبة الحكمية متصورة فيه نفيًا وإثباتًا والمطلوب تعيين أحدهما وتصورهما لا يستلزم حصولها وإلا لزم حين التشكك اجتماع النفي والإثبات وأما جواب المتأخرين بأن قولكم كل مشعور به يمتنع طلبه وكل غير مشعور به يمتنع طلبه لا يجتمعان على الصدق إذ العكس المستوي لعكس نقيض كل ينافي الآخر فمردود بأن الموضوع في كل قسم مقيد بمورد القسمة كالتصور فيكون موضوع العكس المستوي كما لا يكون تصورًا مشعورًا به أعم من موضوع الآخر كالتصور الغير المشعور به فلا ينافيه والجواب عام ورده بمنع انعكاس الموجبة الكلية كنفسها بعكس النقيض إلزامي للمتأخرين القائلين بمنعه وإلا بالانعكاس صحيح، الثاني أن تعريف الشيء بنفسه دور وبجميع أجزائه كذا لأنه عينه وببعض أجزائه بالنسبة إلى ذلك البعض دور وإلى غيره خارج ولأن باقي الأجزاء إن لم يحتج إلى التعريف لم يكن المعرف المجموع بل بعضه وإن احتاج ولم يعرف به لم يحصل التعريف وإن عرف فبالخارج وبالخارج وكذا بالداخل والخارج لأن المجموع خارج موقوف على العلم باختصاصه به وهو دور دون ما عداه الغير المتناهي وفيه الإحاطة بغير المتناهي والجواب عن الحد التام بأن جميع الأجزاء ليس نفسه إذ كل واحد مقدم فكذا الكل أو بأن الحد جميع تصورات الأجزاء والمحدود تصور واحد الأجزاء ليس بحق أما الأول فلأنه لو كان غير الأجزاء فإما

(1/48)


معها فلا يكون جميعًا أو دونها فلا يكون أجزائه ولأنه لا يلزم من تقدم كل تقدم الكل وإلا تقدم الكل على نفسه وهو دور والمادية فقط ليست جميعًا ولا كافية في معرفة الكنه وأما الثاني فلأن التصور الواحد للجميع إن أريد الوحدة الشخصية فغير كاف إذ عدم تصور جزء مناف لتصور الكل وإلا لزم وجود الكل في الذهن بدون الجزء وإن أريد الوحدة المجموعية فلا مغايرة إلا في العبارة ثم ولو سلم المغايرة في الحقيقة اشتمل تصور الشيء بحده على تصور لأجزائه مرتين تفصيلًا أولًا وإجمالًا ثانيًا وليس كذلك بالوجدان بل الحق ما مر أن الأجزاء إذا استحضرت ورتبت حصل مجموع هو الماهية فالحد أمور كل منها مقدم كالأجزاء الخارجية وتقويمه بعينها ويطرد المغلطة في نفي التركيب مطلقًا بأدنى تغيير بأن يقال كل من الجزئين ليس نفس السواد مثلًا فعند اجتماعها إن لم يحصل هيئة لهما هي السواد فلا سواد وإن حصل فالتركيب في قابله أو فاعله لا في نفسه هف، وحله أن السواد عين المجموع لا شيء غيره يحل فيه وعن الحد الناقص بأن المحدود المجموع من حيث هو مجموع فإن الواجب فيه تصور المحدود بوجه يميزه عما عداه فلا يجب الاطلاع على ذاتي ما والمعرف وإن كان جزءًا ليس من لوازمه أن يتوقف عليه حصول أجزاء المحدود كالصوري لا يتوقف عليه المادي وإلا لدار ولا نفسه بل حصول الكل من حيث هو أو البعض والأجزاء الباقية غنية عن التعريف أو مترفة قبل وعن الرسم تامًا أو ناقصًا بأن الواجب في الخارج اختصاصه الموجب للانتقال لا العلم به وإلا لزم من كل تصور بخارج تصديق ولئن سلم فيوجه لا دور ولا تسلسل فيه.

الكلام في النظر الكاسب
لما كان النظر الكاسب قسمين كاسب التصور وكاسب التصديق وكان كل منهما مركبًا غالبًا أو كليًّا وكل مركب مشتملًا على مادة وصورة وجب عقد فصلين لمباحث ذينك الأصلين وجزءيهما، وقبلهما تمهيدات:
1 - إن كاسب التصديق مركب قطعًا لما مر من أن جهة دلالة الدليل تقتضي مقدمتين وكاسب التصور اختلف في وجوب تركيبه أو إمكان أفراده نادرًا وهذا النزاع مبني على أن الصورة البسيطة المطلع عليها حين نفتش الصور العقلية الموجبة لانسياق الذهن إلى المطلوب لا تعد كاسبة للتصور لعدم اشتمالها على الحركة الثانية كما لا يعتبر الحدس كاسبًا لعدم الحركتين فإن المعتبر في الكسب مجموع الحركتين أو تعد أو على أن اعتبارها كاسبة إنما هو مع القرينة العقلية المصححة للانتقال وإن لم يكن المنتقل عنها إلا

(1/49)


أمرًا واحدًا أولًا معها لا على أن يفسر النظر بأحد الأمرين من التحصيل والترتيب فقط فإن تفسير الحقيقة فرع تحققها فالنزاع في الحقيقة لو بني على التفسير لدار فعلم أن البسيط لو كان معرفًا لكان راسمًا أما الفصل والخاصة وحدهما فلاشتقاقهما مركبان من موضوع لا يعتبر تعيينه لا أن يعتبر عدم تعيينه حتى ينافي المعين ومن نسبة لمعنى معين إليه.
2 - إن المادة والصورة مفسرتان عند الحكماء لمعنيين:
أحدهها: أن ما به الشيء بالقوة مادة وما به الشيء بالفعل صورة ومن شانهما أن لا يوجد أحديهما منفكة عن الأخرى في الخارج أما في العقل فالمعبر عن المادة يسمى جنسيًا وعن الصورة فضلًا وأن يكونا في الماهية المحققة لا الاعتبارية وأن يكون المحل متقومًا بالحال لا بالعكس وهاتان إن كانتا في الأجسام كانتا موجودتين لا متميزتين في الخارج والحس بل في الذهن وفي نفس الأمر وإن كانتا في الأعراض أو في المفارقات لم يكونا موجودتين إلا في الذهن والأمور الذهنية الغير المطابقة للخارج إنما تكون كاذبة لو حكم الذهن بوجودها في الخارج ولم يكنز.
وثانيهما: أن المادة قابل وجداني بالذات أو الاعتبار والصور هيئة عارضة لذلك ذكره ابن سينا في الشفاء فالحال متقوم بالمحل ويمكن انفكاك أحدهما عن الآخر ويكونان في الماهية الاعتبارية كالكرسي واصطلاحنا على هذا جرى فقلنا المادة مفردات المركب من حيث هي كذلك والصورة الهيئة الحاصلة في التئامها.
3 - أن الهيئة الحاصلة ثلاثة أقسام لأن المركب إما أن يكون له حقيقة غير حقيقة المفردات فيكون له كيفية زائدة أو لا يكون والثانية كهيئة العشرة إذ ليس لها حقيقة غير الآحاد لأنها عشرة وإن تفرقت في أقطار العالم شرقًا وغربًا بلا اجتماع وترتيب فليس فيها كيفية زائدة اللهم إلا في التعقل إن كان، أي: إن حصلت فمن الأمور العقلية وإن اعتبرها العقل إن كان التعقل، أي: الوجود الذهني فإن التعقل ثابت لا محالة وتقاوم العشرة بالأمور التي لا بها أقل منها لتعاونها لا لعشريتها والأولى إما أن تفيض عليها صورة تصير بها نوعًا في الخارج مبدأ للآثار المختلفة كالنبات ومزاج المعجون ألا لا تفيض ولكن يحصل هيئة اجتماعية يعتبر فيها نظام وترتيب فتحصل لها حقيقة أخرى اعتبارية كالكرسي والبيت ويعبر عن الأولى بشيء مع شيء وعن الثانية بشيء لنوع من شيء مع شيء وعن الثالثة بشيء لشيء مع شيء.

(1/50)


الفصل الأول في كاسب التصور
ويسمى قولًا شارحًا ومعرفًا واحدا عن الأصولين، وفيه مقامات،

الأول في تعريفه وهو ما يميز تصور الشيء عن جميع ما عداه بطريق الكسب فالمميز في التصديق وعن بعض ما عداه وإن جوزه المتقدمون في الناقصة ولا بطريق الكسب كالحدس والتمييز بالملزومات البينة ليس بحد وتصور الشيء أعم مما بكنهه أو لا ومعرف المعرف وإن كان أخص بحسب العارض فهو مساو بذاته كمعنى الشيء ومفهومه كما أن جنس الجنس أخص وأعم باعتبارين فيجوز كون الشيء الواحد مفهومًا وذاتًا باعتبارين وشرطه الاطراد وهو التلازم في الثبوت أي كما وجد الحد وجد المحدود وعكس نقيضه المنع والانعكاس وهو التلازم في الانتفاء أي كما انتفى المحدود وسمي انعكاسًا لأنه عكس نقيض الانعكاس العرفي أو الاصطلاحي بحسب خصوص المادة فسمي باسم ملزومه وهو كلما وجد المحدود وجد الحد ويلزمه الجمع وهو أن لا يشذ شيء من أفراده،
الثاني في تقسيمه وهو إما حد حقيقي وهو حد منبيء عن ذاتياته الكلية المركب بعضها مع البعض فالمتنبيء عن العرضيات رسم وعن الذاتيات الجزئية كالتشخصات الذاتية للمركبة من معروض التشخص ونفسه ليس بحد لأن الأشخاص لا تحد لأن التعريف بالكليات لا يفيد تمييزها مشخصة لما عرف أن تقيد الكلي بالكلي لا يفيد الجزئية وبالتشخصات معًا لا يمكن لتبديلها لمحة فلمحة مع بقاء الشخص فلا يتناولها إلا الإشارة الحسية أو الوهمية والذاتيات فردًا فردًا لا تفيد الحقيقة لعدم صورته الجنسية الحاصلة بمطلق التركيب الشاملة للتامة والناقصة إذ لو اشتمل على مجموع الذاتيات بالمطابقة أو بالتضمن مع صورته النوعية الحاصلة من تقدم الجنس القريب على الفصل فتام وإلا فناقص سواء كان بتقديم الفصل أو بالاكتفاء عليه أو وعلى الجنس البعيد اكتفاء بدلالة الفصل التزامًا وبعضهم فسر الذاتيات بمجموعها ثم أدرج الحدود الناقصة في الرسوم وهو ذهاب إلى ما لم يعهد وإما حد رسمي وهو حد منبيء بلازمه المختص البين بالمعنى المار مرتين فالمتنبيء بالعارض أو بغير الخاص أو بغير البين ليس برسم فإن كان معه جنس قريب فتام وإلا فناقص وهو بالخاصة وحدها أو مع الجنس البعيد وقيل: ومع العرض العام مطلقًا لكن الحق مع العرض العام المساوي للجنس وهو المسمى بالجنس كما أن الخاصة مسماة بالفصل أما الفصل القريب مع الخاصة أو العرض العام فقيل غير معتبر إذ ضمهما معه غيره مفيد لا التمييز ولا الاطلاع على الذاتي وقيل: رسم ناقص لأن المركب من الداخل والخارج خارج. وقيل: حد ناقص

(1/51)


وهو الأصح لأن الفصل وحده إذا أفاد التمييز الحدي فمع ضميمة أولى وهكذا الخلاف في التعريف بمجموع الذاتيات والعرضيات كالتعريف بالعلل الأربع قيل رسم تام وقيل: حد تام وإما حد لفظي وهو حد منبيء بلفظ أشهر سواء كان مفردًا رادفه محو الغضنفر الأسد أو مركبا وافقه كالتعريف نحو الوجود من البديهيات والمحسوسات والاصطلاحات ولذا عرفوه ببيان ما تعقله الواضع فوضع اللفظ بإزائه حتى إن ما يقال في أول الهندسة الشكل هيئة حاصلة من إحاطة حد أو حدين أو حدود بالمقدار تعريف إسمي وبعد بيان وجوده يصير حقيقيًا وأما التعريف بالمثال فرسم فبالموافقة المميزة معتبرة إلا فلا.

وههنا تحصيلات:
1 - إن تقديم الجنس القريب صورة الحد التام لكون التمييز بعد التشريك أدخل في تمام التعريف وقال صاحب التلخيص لأنه المطابق لوجود المحدود فإن جنسه لاستلزام رفعه رفع الفصل بلا عكس مقدم بالطبع ولا يلزم كون الترتيب جزءًا من ماهية المحدود لأن المساواة واجبة في المفهوم لا في الوجود وليس من لوازم الاتحاد في الماهية الاشتراك في جميع الأجزاء كما بين الشخصين فالجزاء الصوري للمحدود هو الترتيب وقال الكاتبي هذا مسلم ولكن ذكره عير ملتزم في تمامية الحد بل أولى فإن الحد التام هو جمع الأجزاء المادية، وأقول الحق عندي إن صورة المحدود هو الفصل وإن كان في الحد مادة لا الترتيب وإلا لتقوم الجوهر بالعرض بل هو صورة الحد من حيث إنه تصوير للماهية وكون الحد مطابقًا للمحدود إنما هو فيه يتعلق به التصور من الحد ولا ينافي أن يكون له جزء آخر لا من حيث هو تصوير هو الترتيب فلا ينافي أن المغايرة بينهما في الذات المتصورة ليست إلا في الإجمال والتفصيل، لا يقال فالمحدود جزء من الحد فالموقوف تصور الحد لا بالعكس لأنا نقول الواقع جزأ له كل جزء من المحدود لا مجموعة ككل جزء من المعلوم للعلة التامة ومن الاثنين للثلاثة لا المجهولان وأما أن الجنس مقدم بالطبع فبعد تسليم وجودهما وتعدده أحدهما لا نم وجوب التعبير عن كيفية وجود الماهية فضلًا عن وجود أجزائها بل عن نفسها فقط كما لا يجب في تعريف الكرسي التعبير عن تقدم مادته ولئن سلم فالتقدم في التصور والذكر لا يفيد المتقدم في الوجود.
2 - إن الحد لا بد له من مميز فإن كان ذاتيًا فحقيقي وإلا فرسمي وكل إن اشتمل على الجنس مقدمًا فتام وإلا فناقص ولا ينتقص الحد التام بالمركب من المتساوين لأن المراد فيما له جنس أو الكلام في المحققة لا الممتنعة وهو ممتنع لأنهما لو لم يتحدا في ذات فلا

(1/52)


حمل بينهما وإن اتحدا فتلك الذات أن تعين وتحصل لا بهما فليسا جزئين له وإلا كان جنسًا إذ لا نعني به إلا ذاتًا مبهمًا زال إبهامه وتحصل بالفصل وإن لم يوجد منه الأنواع وفيه منع.
3 - المركب بحد دون البسيط إذ لا بد للحد من فصل فإن تركب عنهما غيرهما حدتهما وإلا فلا.
4 - كل كسبي له خاصة بينة رسم وإلا فلا فإن تركب أمكن رسمه التام لوجوب اشتماله على الذاتي المشترك وإلا فالناقص.

الثالث في مادية الذاتي والعرضي
المفهوم وهو الحاصل في العقل سواء كان بالآلة أو بدونها إن منع من حيث إنه منصور فيه وقوع الشركة في الخارج فجزئي وذلك إذا كان حصوله فيه بالآلة على أنه عين الموجود في الخارج وإن لم يمنع وذلك إذا كان بدون الآلة على أنه مثال الموجود أو مفروض الوجود فكلي سواء امتنع وجوده الخارجي كشريك الباري والكليات الفرضية أو أمكن ولم يوجد كالعنفاء أو وجد فرد وامتنع غيره كالواجب تعالى وتقدس أو أمكن ولم يقع كالشمس عند من يجوز غيره أو وقع متناهيًا كالكوكب السيار أو غير متناه بمعنى أن لا يوجد زمان لم يكن شيء من أفراده موجودًا فيه كمقدورات الله تعالى ومعنى الشركة مطابقة ما في العقل للكثيرين المحققة أو المقدورة في الخارج ومعنى عدم منعها إمكان فرض المطابقة وإن امتنعت إذ في الجزئي امتناعه إذ فرضها بمنع كون المنصور جزئيًا وفرق بين فرض الممتنع والفرض الممتنع والقسيمة باعتبار المفهومين أو الفردين فلا ينافيها صدق الكلي على مفهوم الجزئي ولا يسري ذلك الصدق إلى أفراده كما لا يسري صدق النوع على مفهوم الإنسان إلى أفراده، ثم الكلي إما ذاتي أو عرضي والذاتي محمول لو فهم الذات فهم معه بمعنى أن فهمه أو متضمن لفهمه وعكس نقيضه خاصة أخرى وهو لو لم يفهم الذات بمعنى أن رفعه عين رفعها فيخرج اللازم البين بقيد العينية والمتضايفان بقيد المحمولية والعينية في الخارج لا تنافي حكم العقل بأن الذاتي رفع فرفعت الذات ومن أحكامه أن لا يكون الحد حقيقيًا إلا بتعقل جميع الذاتيات سواء أديت مطابقة أو تضمنها أو أديت التزامًا إن عدت الناقصة حدًا حقيقيًا فلا يتعدد إلا في العبارة بخلاف الرسمي لجواز تعدد اللوازم، ومن لوازمه أمران آخران، أحدهما أن لا يعلل أي لا يكون ثبوته للذات بعلة غير علتها بخلاف العرضي فإنه إن كان قريبًا فعلته نفس الذات لا علتها

(1/53)


وإن كان بعيدًا فعلته الوسط أو لا يكون إثباته لها التصديق به معللا لا بالذات لأنها ليست متقدمة والعلة متقدمة ولا بغيرها والعرضي يعلل التصديق به بالذات إن كان قريبًا وبالوسط إن كان بعيدًا هذا إذا كان فهم الذات بتمام حقيقتها، أما إذا كان ببعض الوجوه كما لقوم بله لم يفهموا الحقائق فيجوز أن يعلل إثبات الذاتي بعده أو بذاتي أخص ولذا يقال حمل العالي بواسطة السافل لكن هذا التعليل للتصور بالذات وللتصديق بالعرض، وثانيهما أن يتقدم على الذات في التعقل لأن الكلام في الأجزاء المحمولة كما أن شأن الجزء الخارجي أن يتقدم في الوجود الخارجي أن يتقدم في الوجود الخارجي لكن رفع كل جزء عين رفعها في الخارج بخلاف وجود كل جزء وهذه المعاني الأربعة خواص حقيقية متلازمة غير أن المتقدم في الوجود لا يتناول نفس الذات، وللذاتي في غير صناعة التحديد موضوعات أربع:
1 - المحمول لأربعة معان لممتنع الانفكاك عن الشيء وماهيته وممتنع الرفع وواجب الإثبات وكل من الثلاثة الأخيرة أخص مما قبله.
2 - الحمل لثمانية معان استحقاق الموضوعية وعموم المحمول ومواطأته واقتضاء طبع الموضوع ودوام ثبوت المحمول وثبوته بلا وسط ومقوميته ولحوقه لا لأمر أعم أو أخص أو مباين.
3 - السبب إيجابه للمسبب دائمًا أو غالبًا.
4 - الوجود كون الموجود قائمًا بذاته فهذه أربعة عشر معنى لكل منها عرضي يقابله أو العرضي الذي نحن فيه فمحمول يمكن فهم الذات قبله وفهمها ليس فهمه أو متضمنًا لفهمه ومعلل ثبوته أو إثباته ويتأخر عقلًا.

الرابع في تقسيم الذاتي
الذاتي معنى ما ليس بخارج عن الماهية سواء كانت جزءًا منها أو عنها فالنسبة اصطلاحية أو إلى الأشخاص ولذا قيد في حد الحد بالكلية لإخراج الشخص ينقسم إلى ثلاثة لأنه إما:
تمام لماهية المعقولة للأشخاص ويسمى تمام الماهية المختصة وهو النوع الحقيقي لأنه لا يزيد عليها إلا بالمشخصات التي لا تدخل في التعقل أي بلا آلة وإنما يتناولها إشارة حسية أو وهمية.
أو الحد: فهو الدال علة تمام الماهية لا عينه فالنوع الحقيقي ذو آحاد محققة أو مقدرة

(1/54)


متفقة الحقيقة باعتبار كونها آحادًا له أي مقولًا في جواب السؤال عنها بما هي فذو آحاد بمعنى الكلي جنس ومحققة.
أو مقدرة: ليتناول مثل الإنسان والشمس ومتفقة الحقيقة لإخراج الجنس وما يماثله مفصله وخاصته وعرضه والباقي لإخراج الفصل والخاصة إن لم يخرج الخاصة بالمورد وإخراج الجنس بالنسبة إلى أفراد ونوع واحد وإدخال الجنس بالنسبة إلى حصص الأنواع ولا بد من اعتبار قيد الحيثية في كل من الكليات لأن الأمور الصادقة على محل واحد لا تنفصل إلا به والكليات كذلك لصدقها فإنه جنس لأسود نوع للمكيف فصل للكثيف خاصة للجسم عرض عام للإنسان أو جزؤها فأما تمام الماهية المشتركة بينها وبين أشخاص النوع الآخر أولًا والأول الجنس فهو تمام ما يشتمل من الذاتي على أمور مختلفة الحقيقة ويخرج فصل الجنس بقيد التمام وتلك الأمور يسمى باعتبار مشموليتها بالأنواع الإضافية وإن جاز اشتمالها على أمور مختلفة الحقيقة ولذا قيل النوع الإضافي هو الأخص من كليين مقولين في جواب ما هو فإن المقول في جواب ما هو تمام الماهية مشتركة كانت أو مختصة فهو أعم من الحقيقي من وجه أن تحقق بسيط نوعي له ماهية كلية وإلا فمطلقًا وليس كل بسيط نوعًا كالجنس العالي والفصل الأخير وهذا النوع يشارك الجنس في أن لكل منهما أربع مراتب عاليًا ومتوسطًا وسافلًا ومفردًا وإن فارقه بالعموم من وجه لكن ترتب الأجناس متصاعد والأنواع متنازل ولذا سمي العالي من الأجناس جنس الأجناس والسافل من الأنواع نوع الأنواع وكل من الكليات الأخيرة إن لم يوجب اختلاف العوارض بالحقيقة فهو نوع الأنواع كجنس الأجناس ونوع الأنواع وإلا فأنواع متوسطة والمضاف جنس الأجناس على التقديرين والثاني الفصل لأن ذاتيًا لا يكون تمام المشترك ما أن لا يكون مشتركًا أصلًا كفصل النوع أو مشتركًا ليس تمامًا بل بعضه كفصل الجنس ولا بد أن يكون مساويًا له لا مباينًا لأنه محمول ولا أخص لأنه بعضه ولا أعم وإلا لتحقق في نوع آخر فليس تمام المشترك بينهما وبينه وهلم جرا فيتركب الماهية من غير المتناهي وهو مح لأن الكلام في المعقولة ومساوي الجنس يميزه عن جميع أغياره الذي هو بعض أغيار الماهية والمميز عن بعض الأغيار فصل إذا لم يكن تمام المشترك وتمامًا المشتركين غير طاف لدفع المحال لأن بعضها المشترك بينهما أما تمام المشترك بينهما فهو تمام المشترك للماهية لأن جنس الجنس جنس وهو خلاف المفروض وأما بعضه فلا بد من تمام مشترك ثالث وهكذا ولأن بينهما حينئذ عمومًا من وجه فلا يوجد في الماهيات المحققة والكلام فيها والثابت به أن الفصل

(1/55)


ذاتي مميز لا يكون تمام المشترك سواء كان تمييزه عن المشاركات الجنسية أو الموجودية وقد قيل بهما وبناؤه على احتمال تركب الماهية متساويين وهو الحق أو امتناعه وأما نحن فلما لم يكن لها وجود لم نقل بها وإن احتملت.

الخامس في تقسيم العرضي
هو إن لم يمكن مفارقته لازم فأما للماهية بعد فهمها بخلاف الذاتي سواء كان بوسط وهو غير بين ومفارقته بغير الوسط لا ينافي لزومه معه أو لا بوسط وهو بين خاص يكفي فيه تصور الملزوم وعام لا يكفي في الجزم به إلا التصوران ولزومه لا يتوقف على فرض وجوده كفردية الثلاثة وأما للوجود يتوقف عليه فإما شامل كحادثية الجسم أو غيره كمظلليته في الشمس، فليس معنى لازم الماهية لازمها في أي وجود لازمها في وجودها الخاص كما ظن وإلا يكن لازم الوجود شاملًا وإن أمكن عارض فإما أن لا يزول أصلًا كسواد الغراب وليس بلازم الوجود لإمكان مقارنته بالأدوية أو يزول فإما سريعًا كصفرة الذهب أو أسرع كحمرة الخجل أو بطيئًا كالشباب أو أبطأ كالشيب فهذه عشرة إن لم يوجد في غير الذات فخاصة وإن وجدت فعرض عام وقد ظهر حدهما.
تنبيهان:
1 - تعاريف الكليات: قيل: رسوم لاحتمال أن يكون المذكورات لوازم المفهومات وقيل: حدود لأنها ماهيات اعتبارية فحقيقتها هذه الأمور المعتبرة والاحتمال يوجب عدم العلم بالحد لا العلم بعدمه ورجح الأول بأن المحمولية مقيسة إلى الغير فيقتضي الخروج وهو مردود لأن ذلك الاقتضاء في المحققة والحق أن الأمور المذكورة إن كانت عين معتبر فحدود وإلا فرسوم وحين لم يتحقق فتعاريف.
2 - كما أن الحد باصطلاح الأصوليين مطلق القول الجامع المانع كذلك الجنس أعم من المشترك الذاتي المستتبع ومن لازمه المساوي أما عارضه الأعم فمختلف في أنه يسمى جنسًا والأخص متفق على أنه لا والفصل هو المميز الكامل أعم من الذاتي المختص المستتبع ومن لازمه المساوي أما عارضه الأعم أو الأخص فلا.

السادس في خلل الحد المطلق والرسمي
مقدمات:
1 - الخلل مقصورًا على الصورة يسمى نقصًا فيها ومقصورًا على المادة ضعفًا في الدلالة وما يشملهما خطأ.

(1/56)


2 - خلل المادة بالنقض يستلزم نقص الصورة فيكون خطأ لأن ذهاب المعروض ملزوم ذهاب العارض بخلاف خللها لضعف في الدلالة.
3 - الخلل المقصور على الصورة غير قادح في الصحة بل في الكمال.
4 - لازم المذكور فني التصور المذكور في حق المادة ومهجورية الالتزام لرعاية
الصورة.
5 - الخلل الرسمي ما يتعلق باللزوم فنقول في مطلق الحد النقص في الصورة بإسقاط الجنس الأقرب أو مطلق الجنس ولا نقص في المادة لدلالة الفصل عليهما بالالتزام أو بتقديم الفصل نحو العشق المفرط من المحبة.
والخطأ أقسام:
1 - جعل الجنس عرضًا عامًا لا يساويه كالموجود والواحد للإنسان وفيه بحث إن ليس أقل من تركه.
2 - جعل العرض الأخص من الفصل كالكاتب بالفعل.
3 - ترك الفصل مطلقًا.
4 - التعريف بنفسه مثل الحركة عرض نقله، وفيه فسادان.
5 - جعل النوع جنسًا نحو الشر ظلم الناس.
6 - جعل الجزء المقداري جنسًا مثل العشرة خمسة وخمسة والأولى أن يقال جعل الجزء الخارجي الغير المحمول جزء جنسًا كان أو فصلًا وذلك عند عدم إرادة المجموع أما معها وهو مراد المجوز فيجوز والنزاع لفظي وخلل المادة لضعف في الدلالة وإنما يتصور في التعريف للغير استعمال الألفاظ الوحشية والمشتركة بلا قرينة معينة والمجازية بلا قرينة محصلة لعدم ظهور المقصود وتعينه وتحصله واشتماله على تكرير من غير حاجة كما في تعريف الأنف الأفطس ومن غير ضرورة كما في تعريف المتضايقين وهو القيد المستدرك والفرق بين الحاجي والضروري أن عدم التكرير الحاجي يخرجه عن الكمال والضروري يخرجه عن الصحة وفي مادة الرسمي يشترط أن يكون ظاهرًا بالنسبة إلى المرسوم فلا يجوز يمثله في الخفاء وأخفى بالأولى وبما يتوقف تصوره على تصوره فالأول مثل الزوج عدد يزيد على الفرد ينقص عن الزوج بواحد ولو كان الفرد عددًا لم يصدق الزوج على الاثنين ولو قيل في الفرد يزيد على الزوج لم يصدق شيء منهما على شيء من أفرادهما ومنه تعريف أحد المتضايقين بالآخر.

(1/57)


فإن قلت: إن لم يذكر الآخر لم يتعقل فكيف يعرف بدونه.
قلت: يدرج الإشارة إلى الآخر بنوع تلطف مثل الأب حيوان يتولد من نطفته شخص آخر من حيث هو كذلك ولا يقال الأب من له ابن وحقيقته أن يذكر الآخر لا من حيث هو مضاف والثاني نحو النار جسم كالنفس فإن النفس المعقولة أخفى من النار المحسوسة ولذا كثر الاختلاف فيها وكذا مشابهتها إياها في أحداث الخفة أو في حفظ المزاج الحاصل من النضج ولو بوجه والثالث هو التعريف الدوري صريحًا مثل الشمس كوكب نهاري أو مضمرًا مثل الاثنان زوج أول إلى أن يعرف المتساويان بالاثنين وإنما خص هذا بالرسمي لأن الظهور والخفاء إنما يتصور بين الملزوم واللازم للاشتباه في نفس اللازم أو في الانتقال منه لا بين الكل والجزء فلا شك أن الكل أخفى من الجزء وكذا لا توقف إلا للكل على الجزء، لا يقال ربما يؤدي الجزء بلفظ خفي الدلالة على المعنى المنتقل منه ولا يكون في اللزوم خفاء؛ لأنا نقول ذلك من الضعف في الدلالة كما مر فالمراد بهذا الخفاء المعنوي ومنه يعلم سقوط ما يقال لا صورة للتعريف بالأخفى لأن المحدد مجهول من حيث هو محدد والحد من حيث هو حد معلوم وذلك لأن مجهوليته من حيث هو مرسوم كحقيقته لا ينافي ظاهريته من الرسم بوجه آخر فلم يذكروا خلل الحد اللفظي إذ ليس مخصوص بل يندرج خلله فيما ذكر كالتعريف بالأخفى وغيره.

خاتمة
في أن الحد الحقيقي لا يكتسب بالبرهان ويحتمل معنيين: أن لا يكتسب ثبوته للمحدود وأن لا يكتسب تعقل المحدودية أما الأول فلأنه اكتساب ثبوت الشيء لنفسه لأن الحد عين المحدود في الحقيقة سمى الشيء المجموع باعتبار نفسه محدودا وباعتبار أجزائه المفصلة حدًا.
وأما الثاني: فلأن الاستدلال على تعقل المحدود بحقيقته موقوف على تعقله بحقيقته تعقل ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه فلو استفيد ذلك التعقل من هذا الاستدلال دار التوقف من جهة واحدة بخلاف التصديق فإن الموقوف عليه فيه تعقل النسبة والمطلوب إثباتها أو نفيها وبذلك سقط أم تصور المحكوم عليه من وجه كاف وأن تعقل المحدود غير مستفاد من ثبوت الحد بل من تعقله لأن كلًا منهما إنما يتوجه لو كان الاستدلال على ثبوت الحد لا على تعقله، لا يقال تعقله تصوره والمكتسب بالبرهان التصديق فأي حاجة إلى هذا البيان لأنا نقول الحاجة لبيان أن التصديق بالذاتي لا يكتسب

(1/58)


بالبرهان ليتوسل به إلى تصور كنه الحقيقة وذلك من البيان الأول ولبيان أن تعقل الشيء بذاتية لا تكسب بالبرهان وإن فرضنا إمكان اكتساب التصور من التصديق وذلك من البيان الثاني بخلاف العرضي في الوجهين ولذا قيد المدعي بالحقيقي وإلا فالتصور الرسمي من حيث أنه تصور لا يكتسب أيضًا بالبرهان نعم لما ثبت أن الذاتي لا يعلل بمعنى لا يكون إثباته بعلة ثبت أن الحد الحقيقي لا يعلل فبيانه بعد ذلك إما تبرع بيان صريح في الكل بعد البيان في الجزء أو المحتمل لهما أو لأن المراد بالتعليل فيما سبق تعليل الثبوت إلا الإثبات وهذا أوجه وعلم من ذلك أيضًا أن التصديق يستدعي تصور طرفيه لا بأي وجه كان بل من جهة ما يستدعيه ولا يخفي مما مر أن البيان الأول إنما يتم لو كان تصوره حين الاستدلال بحقيقته أما لو كان يوجه فيجوز أن يستدل على إثبات حده له فذلك قولهم حمل العالي على السافل بواسطة حمل السافل فالحاصل أن المحدود بالشيء لا يستدل على ثبوت حده له حين هو محدود حين تصوره بوجه لا يكون محددًا به ولعدم إمكان تحصيله بالبرهان لا يطلب البرهان عليه فلا يمنع بل البحث فيه إما بالمعارضة بحد يعترف الحادية وإلا فالتصور ما لم يعتبر نسبته فلا يتعارض ولا يتناقض وإما بمنع شرائطه وصحته ولوازمه كالاطراد والانعكاس والجلاء والذاتية ومنه منع أن ذلك مفهومه شرعًا أو لغة وطريق إثباته النقل وكل ذلك منع التصديق لا التصور.

الفصل الثاني في كاسب التصديق
ويسمى حجةً ودليلًا وقياسًا عقليًا وقد مر تعريفه بقي الكلام في مادته وصورته ففيه قسمان القسم الأول في مادته وهي القضية المسماة إذا جعلت جزء قياسك مقدمة فلا بد من تعريفها وذكر أقسامها وأحكامها ففيه مرامات.
الأول في تعريفها وتقسيمها: القضية قول خبري أي مركب عقلي في المعقولة لفظي في الملفوظة يحتمل الصدق والكذب بالنظر إلى أنه إثبات أو نفي وقد يسمى تصديقًا باعتبار أنها مصدق النسبة أو التصديق هو المجموع أو إطلاقًا للجزء على الكل فلا بد فيها من محكوم عليه ومحكوم به يسميان عند المنطقيين في الحماية موضوعًا ومحمولًا والشرطية مقدمًا وتاليًا وعند النحويين مسندًا إليه ومسند وشرطًا وجزاء وحكم بنسبة حكمية يسمى الدال عليه رابطة أما بهو هو ويسمى إيجابًا أو بهو ليس هو فسلبًا والقضية حماية موجبة أو سالبة وأما بهو عنده أو ليس عنده فشرطية متصلة موجبة أو سالبة وأما بهو مباين له أو ليس بمباين فشرطية منفصلة موجبة أو سالبة والانفصال ويرادفه العناد

(1/59)


والمنافاة والمباينة إما صدقًا وكذبًا فحقيقة وإما صدقًا فقط فمانعة الجمع وإما كذبًا فقط فمانعة الخلو وربما يرفع من الأخيرين قيد فقط فيكونان عامتين لشمول كل منهما الحقيقية وهذه القسمة اعتبارية بملاحظة الحكم قدمناها لأنه أقوى أجزاء القضية ولازمها المساوي كأنه عينها وأما ملاحظة المحكوم عليه فإن كان جزئيًا سميت شخصية وإن كان كلبًا فأما نفس الطبعة مطلقة كانت أو مقيدة بقيد العموم فطبيعية أو أفرادها فإن بين كميتها أي كليتها فمحصورة كلية موجبة أو سالبة أو جزئيتها فمحصورة جزئية موجبة أو سالبة فهذه هي المحصورات الأربع وإن لم يبين فمهمله ملازمة الجزئية لأنها متحققة وقسيمة الجزئية باعتبار مفهومها للكلية لا تنافي اجتماعها بحس الوجود كالكلي والجزئي والآية الكريمة كلية لأن اللام فيها للاستغراق وإنما تكون مهملة لو كانت اللام للجنس وربما تذكر الطبيعية لعدم استعمالها في الحجة، أما الشخصية فاستعمال الكلية يوجب استعمالها أو لإدراجها في المهملة التي في قوة الجزئية إذا اعتبر اندراج المسمى في المراد بالموضوع أما إدراجها في الشخصية فمناف لجعل الشخصية في حكم الكلية حتى قالوا بإنتاجها في كبرى الأول وأما بملاحظة المحمول فإن جعل السلب جزءًا منه يسمى معدولة موجبة أو سالبة وإلا فإن حكم بربط السلب فسالبة المحمول موجبة أو سالبة وإلا فموجبة محصلة أو بسيطة حكم فيها بسلب الربط فهذه ستة إذ لم يعتبر العدول والسلب والتحصيل في جانب الموضوع وإلا بلغت ثمانية عشر وذلك لأن الاختلاف بها ليس بمؤثر في مفهوم القضية لأن مناطها ذات الموضوع لا عنوانه والشيء لا يختلف باختلاف التعبير عنه بخلاف المحمول فإن المعتبر مفهومه.
تنبيه
ربما يقسم القضية إلى الحقيقة والخارجية والذهنية بأن يقال الحكم فيها إما على الأفراد المحققة فقط أو الذهنية فقط أو شاملًا للمحققة والمقدرة التحقق وربما يقسم إلى المطلقة والموجهة فيقال إن تعرض فيها بكيفية ثبوت المحمول للموضوع من الضرورة بأقسامها الخمسة واللا ضرورة بأقسامها الأربعة والدوام بأقسامه الثلاثة واللا دوام بقسيمة فموجهة وإلا فمطلقه وشيء من التقسيمين لا يهمنا فلذا لم نذكرهما ومباحثهما:
أما الأول: فلأن المحكوم عليه فيما نحن فيه كالأدلة وأفعال المكلفين يحكم عليه باعتبار تحققه في الخارج لا باعتبار فرض تحققه فيكفينا معرفة الخارجية، وأما الثاني: فلان الجميع عائد إلى الضرورية إذا اعتبر الجهة جزءا من المحمول كما مر فلا يحتاج إلى تفاصيلها.

(1/60)


تذنيب
سالبة المحمول ولا تستدعي وجود الموضوع خارجًا محققًا في الخارجية ومقدرًا في الحقيقة وذهنا في الذهنية كمطلق السالبة بخلاف المعدولة ومطلق الموجبة فالأوليان أعم من المعدولة وعند وجود الموضوع يتلازمان.

أصول تنبيهية
1. موضوعية الموضوع غير محموليته وغير محمولية المحمول وموضوعيته لإمكان
الاختلاف بينها بالضرورة والإمكان إذا لم يعتبر الذات المعينة.
2. معنى الحمل الحكم على المتعدد في الذهن بوحدة هويته فلا يلزم عدم إفادته ولا كون الشيء نفس ما ليس هو.
3. صدق الحمل الخارجي لا يستدعي وجود مبدأ المحمول في الخارج ولا وجود نفس الحمل والوضع بل وجود شيء يصدق عليه إن كان إيجابًا فلا يجب وجود الأجزاء العقلية ولا الماهية الكلية من صدقها على فرد ولو وجب لوجوب من مدرك آخر بل وجود ما يصدف هي عليه وجودًا واحدًا لا متعددًا.

المرام الثاني فيما يفيد اليقين منها وما يفيد
الصناعات خمس برهان وخطابة وجدل وشعر ومغالطة إن قوبل بها البرهان فسفسطة أو الجدل فمشاغبة وتتمايز بما يتركب منها فمقدمات البرهان يقينية وينتج إنتاجًا يقينيًا واليقين باللزوم ووجود الملزوم ملزوم اليقين بوجود اللازم لأن لازم الحق حق وتكون ضرورية من الضروريات الخمس أو السبع أو منتهية إليها وإلا فإن عاد سلسلة الاكتساب دار وإلا سار متسلسلًا وربما يقتصر على التسلسل للزومه من الدور قيل اللازم منه هو التسلسل المتعارف لأن التوقعات الدورية غير متناهية ويلزمها الموضوعات الغير المتناهية ولا يعني بالمتعارف إلا التوقعات الغير المتناهية في موضوعات كذلك وفيه بحث لأن المتعارف التوقعات الغير المتناهية في الموضوعات الغير المتناهية في نفس الأمر لا على التقدير فالأولى أن يفسر هذا التسلسل بالتوقعات الغير المتناهية في الموضوعات الغير المتناهية مطلقًا أعم مما في نفس الأمر أو على التقدير أو بالتوقعات الغير المتناهية والأول أولى لأنه أقرب إلى المتعارف، وأما مقدمات غير البرهان فلا تستلزم المدلول من حيث هي لأن أقربها الظن والاعتقاد وليس بينهما وبين الشيء ربط عقلي لزوالهما مع بقاء

(1/61)


موجبهما عند قيام المعارض وظهور خلافه بوجه يقيني كما مر فمقدماتهما إما ظنية أو اعتقادية أو مركبة والاعتقاد قد يحصل من الظنيات بانضمام القرائن أما الضروريات عند المنطقين فسبع لأن العقل إن لم يفتقر في حكمها إلى شيء فهي الأوليات وإن افتقر فإما إلى الحس حس الباطن فالوجدانيات أو حس الظاهر فإن لم يحتج إلى تكرره فالمحسوسات وإن احتاج واختص بحس السمع فالمتواترات وإن لم يختص فالتجريبات وإما إلى غير الحس فإن لم تغب الواسطة ففطريات القياس ويسمى قضايا قياساتها معها وإن غابت وحصلت بسهولة فالحدسيات وإلا فليست ضرورية والفرق بين الحدس والتجربة أن التجربة محتاجة إلى المباشرة وعندنا خمس لأن حكم العقل لا يحتاج إلى غير الحس في الضروريات ففطريات القياس من الأوليات وإمكان تركيب القياس لا يخرج عنها وإلا فلا أولى والحدسيات عندنا من الظنيات لا من الضروريات، وإلا لما جوز العقل نقيضها فإن العقل يجوز في مثاله المشهور أن يكون نور القمر من أمر يدور اختلافه مع اختلاف القرب والبعد ألا ترى أن إبطال رأي ابن الهيثم بالخسوف ليس مما يذهب إليه العقل بسهولة وعد الوهميات منها خطأ لأنها وإن تعلقت بالمحسوس فربما يغلط كتوهم صداقة من ليس له هي وأما الظنيات فمنها مقدمات الخطابة وهي إما مقبولات مأخوذة من معتقد فيه لمعجزة أو كرامة أو كفاية أو ديانة وإما مظنونات يظن صدقها لقرائن وفائدتها الترغيب إلى الخير والتنفير عن الشر، ومنها مقدمات الجدل وهي إما مشهورات يعترف بها الناس لمصلحة عامة أو رقة أو حمية أو شرع أو أدب وربما ينسبه للأوليات ويفرق بأنها قد تكون باطلة وبأنها لا تحصل لمن قذر خلقه دفعة وإما مسلمات في علم أو عند الخصم كحجية القياس الفقهي وفائدته إقناع القاصر عن البرهان وإلزام الخصم واعتياد النفس بترتيب المقدمات على أي وجه شاء، ومنها مقدمات الشعر وهي مخيلات تورث بالنفس قبضًا أو بسطًا على القبول ويروجه الألحان الطيبة والأوزان المطبوعة وفائدته انفعال النفس بالرغبة والنفرة، ومنها مقدمات المغالطة وهي الوهميات التي يحكم الوهم فيها على المعقول حكمها على المحسوس فربما يغلط والمشبهات بالضرورية أو المشهورة وغيرها من الظنية فإن قوبل بها الحكيم فسفسطة وإن قوبل الجدلي فمشاغبة، وفائدتهما تغليط الخصم وأعظم منه معرفتها للاحتراز عنهما كالسحر هذا هو المقرر عند المنطقيين والذي يهمنا من الظنيات أربع حدسيات كما مر ومشهورات شرعية يندرج تحتها المقبولات الشرعية الغير المتواترة والمظنونات الشرعية ولا اعتبار للعرفيات منهما

(1/62)


ووهميات ومسلمات والمخيلات غير مفيدة في أحكام الشرع وقيل: ليس فيها حكم فليس ظن.
تتمات ثلاث
1 - البرهان إن كان الاستدلال فيه بما يفيد اللمية والآنية أي بسبب للثبوت والتصديق يسمى برهانًا وتعليلًا عند البعض ولا يكون إلا من المؤثر إلى الأثر وإن كان بما يفيد الآنية فقط أي التصديق وذلك لا بد منه وإلا لم يكن دليلًا يسمى برهانًا واستدلالًا مطلقًا عند البعض سواء كان بالأثر على المؤثر أو بأحد الأثرين على الآخر أو بأحد المتضائقين عند من لم يجعلهما أثرين على الآخر.
2 - قد مر أن وجه الدلالة هو الحد الأوسط لكن لا من حيث ذاته بل من حيث توسطه المخصوص بين الأصغر والأكبر وخصوصيته ناشئة من ثبوته للأصغر واستلزامه للأكبر وذلك يقتضي خصوص موضوع الصغرى وعموم موضوع الكبرى فلذا قيل وجه الدلالة أن الصغرى خصوص باعتبار موضوعها أي لها خصوص أو خاصة والكبرى عموم واندراج الخاص تحت العام واجب فيندرج موضوع الصغرى تحت موضوع الكبرى الثابت لجميع أفراده محمولها فيلتقي موضوع الصغرى ومحمول الكبرى وهو المطلوب ولما كان موضوع الكبرى باعتبار محموليته في الصغرى أعم من موضوع الصغرى مطلقًا لأن الملاحظ في الموضوع كل فرد وفي المحمول مفهومه الكلي كان الحكم بعموم موضوع الكبرى شاملًا للمتساوي مع الأصغر بحسب الوجود.
3 - إن إحدى مقدمتي البرهان قد يحذف للعلم بها اقترانيًا كان القياس أو استثنائيًا نحو {لَوْ كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: من الآية 22] فإن الحق أن لو للزوم فقط لا مع المقدمة الاستثنائيةكما قيل، فالمحذوفة استثناء نقيض المقدم لأنه في متعارف العرب لانتفاء الثاني لانتفاء الأول، وقيل: استثناء نقيض التالي لأن استثناء نقيض المقدم لا ينتج ولأن عدم سبب ما لا يقتضي عدم المسبب بخلاف العكس والحق أن ذلك متعارف لا يمكن إنكاره غايته الاستلزام الادعائي العادي الخارجي المبني على أن يراد بخزائه ما يحصل بشرطه المنحصر سببًا يكون الآية الكريمة سيقت لنفي تعدد الآلهة فلا بد أن يراد فيها استثناء نقيض التالي كما هو في مقام الاستدلال.

المرام الثالث في الأحكام
وهي التناقض والعكسان فالاحتياج إلى الأول لطريق الخلف والأخيرين لطريق العكس

(1/63)


ولما مر، ففيه ثلاثة فصول

الأول في التناقض
وفيه ثلاثة أجزاء

الأول في تعريفه وهو اختلاف كل قضيتين بحث يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى ومن كذبها صدقها فالاختلاف جنس وذكر الكل ليطابق المحدود المعتبر عمومه بلام الاستغراق وليس بين ظاهريهما فرق لأن كلًا منهما استغراق المفرد والقضيتين تخرج المفردين والمفرد والقضية إذ لا يتحقق التناقض بين المفرد وشيء آخر والباقي يخرج المتبادلين في الصدق والكذب اتفاقًا نحو الإنسان ناطق والحمار ليس بناهق فلكون الواقع الافتراق وشمول الصدق أو الكذب خلافه اتفق التبادل ويخرج اللتين ليس بينهما منع الجمع كمادة منع الخلو فقط أو منع الخلو كمادة منع الجمع فقط إذ المتناقضان يلزمهما الانفصال الحقيقي لا إن كل ما بينهما انفصال حقيقي متناقضان إذ ليس بين إثبات الشيء وسلب لازمه المساوي كإثبات الإنسانية وسلب الناطقية تناقض ويخرج عن التعريف بوجهين:
1 - إن لفظ من المبتدأ القريب كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى وبوح منه فيفهم منه اللزوم الذاتي وثمة بواسطة أن إثبات الشيء في قوة إثبات لازمه أو سلب اللازم في قوة سلب الملزوم ومنه لزوم الانفصال الحقيقي بين المسلب الكلي لتلازمه مع السلب الجزئي لخصوص المادة وبين الإيجاب الكلي نحو لا شيء من الإنسان بحجر وكل إنسان حجر بخلاف كل عدد زوج مع لا شيء من العدد بزوج إذ لا تنافي الأصدقاء لعدم تلازمه مع بعض العدد ليس بزوج.
2 - أن المراد أن يكون منشأ اللزوم صدق أحديهما أو كذبها فقط وليس ثمة كذلك بل مع استلزامه لنقيض الأخرى ومن هذا يعرف أن تقييد الاختلاف بالإيجاب والسلب ليس بواجب وأن قولنا يلزم من صدق أحديهما كذب الأخرى ليس بكاف كما في هذا حجر وليس بحماد ولا قولنا من كذب أحديهما صدق الأخرى كما في سلبهما لا يقال النقوض الثلاث إنما ترد على من لم يقيد الاختلاف بالإيجاب والسلب وإلا ففي كل منهما اختلاف بغيرهما كالمحمول لأنا نقول قيود التعريف يخرج ما ينافيها لا ما يغايرها وإلا لم يمكن إيراد قيدين فقيد الإيجاب والسلب يخرج ما ليسا فيه لا ما فيه الاختلاف بهما وبوجه آخر.

الثاني في شرطه
وهو أما في الشخصية فإن لا يكون بين النقيضين اختلاف أي تغاير في المعنى إلا بتبديل كل من الإثبات والنفي بالآخر وتفسير الاختلاف بالتغاير لإخراج الموضوعين المتماثلين غير المختلفين اصطلاحًا والتقييد بالمعنى لأن الاختلاف في اللفظ لا ينافيه نحو

(1/64)


زيد إنسان وليس بشرًا والمراد بنفي هذا التغاير نفيه ذاتًا واعتبارًا فهو إثبات لوحدة النسبة الحكمية المستلزمة للوحدات الثمانية وغيرها إذ لو اختلف أما الوحدات الثمانية فمشورة وأما غيرها فمثل الاتحاد آلة وحالًا وتمييزًا ومفعولًا به وله ومعه ومطلقًا نوعيًا أو عدديًا وغير ذلك ومن ها هنا بعلم أولوية اعتبار وحدة النسبة الحكمية من تعداد الثمانية وكذا من اعتبار وحدتي الموضوع والمحمول وإدراج الغير فيهما إما بتعيين البعض للموضوع والبعض للمحمول فلانعكاس القضية حين انعكاس القضية وإما بالإطلاق فلان وحدة الزمان لا يندرج في أحدهما وإلا فللنسبة زمان آخر فللزمان زمان آخر كذا قيل، وفيه بحث من وجهين:
1 - منع أن لكل نسبة زمانًا نحو الزمان موجود أو معدوم ونظائره العزيزة.
2 - منع أن زمان النسبة لا بد أن يكون محققًا فربما يكون وهميًا اعتباريًا نحو كان الله ولم يكن معه شيء وأمثاله الكثيرة.
وأما في المحصورة فمع ذلك الاختلاف بالكلية والجزئية لجواز كذب الكليتين وصدق الجزئيتين إذا كان الحكم بعرض خاص ببعض الموضوع قيل صدق الجزئيتين لعدم وحدة الموضوع وأجيب بأن تعيين الموضوع يدرجها في الشخصية وهو مردود لإمكان دخول السور على موضوعها نحو كل ولا شيء ثم أجيب بأن الاعتبار في الأحكام لمفهوم القضية والتعين خارج عنه وفيه أيضًا بحث لما مر أن الجزئية تعتبر كلية بتعيين الموضوع تصحيحًا لارتداد القياسات ولسلوكهم طريقة الافتراض في الجزئية بتعيين موضوعها والحق من الجواب أنه إذا عين فإن كان شخصًا واحدة يدخل في الشخصية وإلا ففي الكلية لإرادة كل من المعنيات وكيفما دار يخرج عن المبحث وأما في الموجهة فما كنا لنتعرض لها ولكنا ذكرنا أن الشخصية ربما تكون موجهة ومنعنا فيها غير التغاير بالنفي والاثبات وقد قيل لا بد من الاختلاف في الجهة أيضًا لصدق الممكنتين وكذب الضرورتين في مادة الإمكان الخاص فيجيب عنه تارة بإدراج الاختلاف فيها في الاختلاف بالنفي والإثبات لأنه إذا وجب الاختلاف في الجهة كان رفع النسبة الموجهة بجهة خاصة برفع تلك الجهة وأخرى بأن الاختلاف في الجهة لم يخب بالحقيقة كما في المطلقتين الوقتيتين ومعنى الاختلاف فيها عدم كون وجوب كونها محفوظة فالمنفي الاختلاف الواجب وإذا لم يجب ذلك لم يكن منفيًا، فإن قلت المدعي وجوب الاختلاف في القضايا الثلاثة عشر المدونة وذلك ثابت لأن المتفقين في الجهة منها يجتمعان في مادة اللادوام فالدوائم الست كذبًا

(1/65)


والسبع الباقية صدقًا ولا ينافيه عدم الاختلاف في المطلقتين الوقتيتين، قلت إذا لم يجب في كل موجهة ففيما يتحقق كالضرورية واللاضرورية والدائمة واللادائمة يتوارد النفي والإثبات على الجهة في الحقيقة، وفيما لا يتحقق كالمطلقتين الوقتيتين المعتبر تعين وقتهما لا اختلاف فلا يرد شيء منهما وأخرى بأن المراد أن لا يكون في الشخصية تغاير غيره من حيث هي مطلقة بقرينة السياق والحق من الجواب أنا ذكرنا أن جميع الموجهات ينقلب إلى الضرورية إذا أخذ الجهة جزءًا من المحمول فالاختلاف في الجهة معدود من الاختلاف في المحمول الموجب للاختلاف في النسبة.

الثالث في أحكامه: المثبتة الكلية نقيض السالبة الجزئية والمثبتة الجزئية نقيض السالبة الكلية
الفصل الثاني في العكس المستقيم
ويسمى المستوى ويطلق على الفعل والحاصل منه ففيه جزآن، الأول في تعريفه لمعنييه فالفعل تحويل طرفيها بحيث يلزم صدقة على تقدير صدقها فالتحويل هو التقديم والتأخير جنس والطرفان أعم من الموضوع والمحمول والمقدم والتالي والتخصيص لا مخصص له وعدم ذكر الاقترانات الشرطية ليس بمخصص إذ ربما يحتاج إلى العكس في القياس الاستثنائي وبيان ارتداده إلى الاقتراني مقلوب والباقي يخرج انعكاس الموجبة الكلية كنفسها في مادة المساواة وإلى السالبة الجزئية في بعض المواد إذ لا لزوم إذ مصداقه أن لا يختلف باختلاف المواد فيتضمن قيد بقاء الكيف لأنهم لم يجدوا اللزوم بعد التتبع إلا حالتئذ ويدخل قيد التقدير عكس القضايا الكاذبة وتناوله عكس المنفصلات غير قادح لأن الشيء لعدم إفادته لا يخرج عن حقيقته بل عن اعتباره أما الاعتراض باللازم من العكس كالسالبة الجزئية من الكلية فمندفع أيضًا بأن المتبادر إلى الذهن من اللزوم هو الذاتي بلا واسطة ولزوم الأعم بواسطة لزوم الأخص وهذا أولى مما قبل بواسطة تبديل آخر أو اللازم هو تمام اللازم وهو ما لا لازم يشتمل عليه ولو قيل بحيث يحصل أخص لازم يصدق على تقدير صدق الأصل يكون أظهر، والحاصل من الفعل هو القضية التي حصلت بعد التحويل وهكذا في عكس النقيض من باب خلق الله تعالى، الثاني في أحكامه فعكس الكلية المثبتة جزئية مثبتة لالتقاء الموضوع والمحمول في ذات وكذا المقدم والتالي فرضًا لا الكلية لجواز كون المحمول أعم وعكس الكلية السالبة مثلها لعدم التقائهما أصلًا، قيل هذا ليس على عمومه فإن الوقتيتين والوجوديتين والممكنتين والمطلقة العامة لا

(1/66)


تنعكس أصلًا، وأجيب بأن معناه إن كانت منعكسة فعكسها ذلك وبشأن عدم التفصيل لعدم التعرض بالجهة والأول أولى والحق التعميم على ما يقتضيه سياق ذكر القواعد بناء على أن جهات تلك القضايا إذا أخذت جزء المحمول كانت ضرورية فتنعكس وعكس المثبتة الجزئية مثلها للالتقاء والسالبة الجزئية لا عكس لها لجواز كون الموضوع أعم وامتناع عن الأخص وأما أن المتأخرين قالوا بانعكاس الخاصتين عرفية خاصة وزادوا لذلك في الشكل الرابع ضروريًا ثلاثة فبناءً على تعيين الموضوع ولذا بينوه بالافتراض، وذلك خروجٌ عن مفهوم الجزئية وبحث في الحقيقة عن الشخصية أو الكلية، وكما أن أول من تنبه لإخراجه أثير الدين الأبهري فأنا أول من تنبه لجوابه من طرف المتقدمين.

الفصل الثالث في عكس النقيض
وفيه جزءان: الأول: في تعريفه بالمعنى الأول ويظهر منه المعنى الثاني وهو تبديل كل من طرفي القضية بنقيض الآخر بحيث يلزم صدقه على تقدير صدقها وذلك إنما يكون مع بقاء الطيف وعند المتأخرين جعل نقيض المحمول موضوعًا وعين الموضوع محمولًا على وجه يصدق على التقدير وذلك مع المخالفة في الكيف والحق للمتقدمين لأن نقيض الشيء سلبه لا عدوله فسلب السلب إيجاب فيجري عليه. الثاني: في أحكامه فالكلية المثبتة تنعكس كنفسها لأن محمولها لازم لموضوعها بأي جهة كانت موجهة عند أخذ الجهة جزء المحمول وسلب اللازم ملزوم سلب الملزوم والجزئية المثبتة لا تنعكس إذ لا استلزام ثمةَ كما في بعض الحيوان لا إنسان.
قيل: في الجزئية أيضًا لزوم لبعض الأفراد وأجيب بأن ذلك لا يقتضي اللزوم لنفس الموضوع وليس بتحقيق إنما التحقيق أن اللزوم الجزئي يصح أن يصدق على تقدير وسلب لازمه على تقدير آخر فلا يقتضي سلب ملزومه كما في المثال المذكور ولذا اشترط في القياس الاستثنائي كلية اللزوم، والجزئية السالبة تنعكس كنفسها لأنهما الكليتين المثبتتين المتلازمين وثبت أن كل متصلتين توافقتا كمًا وكيفًا وتناقضتا مقدمًا وتاليًا تلازمنا وتعاكستا والكلية السالبة تنعكس جزئية سالبة لأنها لازمة للجزئية اللازمة للكلية ولازم اللازم لازم وكذا لازم الأعم لازم الأخص ولأن كل متصلتين توافقتا كمًا وكيفًا وتاليًا ويكون مقدم أحديهما ملزوم مقدم الأخرى لزمت لازمة المقدم الأخرى من غير عكس.

القسم الثاني في صورته
صورة مطلق البرهان ضربان لأنه إن لم يكن اللازم ولا نقيضه مذكورًا فيه بالفعل

(1/67)


فاقتراني وإن كان اللازم أو نقيضه مذكورًا بالفعل فاستثنائي وقيد بالفعل لأن الذكر بالقوة بالمادة حاصل في الاقتراني أيضًا فلولا ذلك انتقض تعريف الاستثنائي طردًا والاقتراني جمعًا قيل اللازم فيه الحكم والمذكور في الاستثنائي ليس فيه الحكم فليس مذكورًا بالفعل وأجيب بأن المراد بالذكر بالفعل الذكر بالأجزاء المادية وترتيبها لا بالأجزاء المادية فقط كما الاقتران وفيه بحث لأنه إن أريد بترتيب الأجزاء جمعها فلا يحصل الفعل بذلك وإن أريد ربطها فلا يحصل إلا بالحكم والتحقيق أن مضمون طرفي الشرطية يجب فرض التصديق فيه وفرض التصديق وإن لم يكن تصديقًا فهو مشتمل عليه فيكون مذكورًا بخلاف طرفي الحملية ومن هنا يتصور معنى قولهم الشرطية تنحل بطرفيها إلى قضيتين فنعقد ههنا فصلين:

الفصل الأول
في الاقتراني فمنه ما ليس فيه شرط ولا تقسيم ويسمى الاقتراني الحملي ومنه ما فيه أحدهما ويسمى الاقتراني الشرطي وله أقسام خمسة باعتبار خمسة باعتبار تركبه من متصلتين ومنفصلتين ومنهما ومن حملية مع أحديهما ونحن لا نعتني بها لقلة جدواها وبعد أكثرها عن الضبط والاستغناء بغيرها عنها فالاقتراني الحملي أقل ما يشتمل عليها قضيتان كما يقتضيه تعريف القياس ذكرتا أو حذف أحديهما ولا بد من اشتراكهما في أمر كما يقتضيه وجه الدلالة ويسمى حدا أوسط لتوسطه بين طرفي المطلوب كما لا بد أن يشتمل أحديهما على موضوع المطلوب ويسمى حدًا أصغر لكونه أخص وأقل أفرادًا حقيقة غالبًا واعتبارًا كليًا وتلك المقدمة صغرى لأنها ذات الأصغر والأخرى على محموله المسمى حدًا أكبر لكونه أعم كذلك وتلك المقدمة كبرى لأنها ذات الأكبر فأجزاء مقدمات القياس حدود لأنها أطراف النسبة كحدود نسب الرياضيين وتسمى الهيئة الحاصلة لها من وضع الأوسط عند الحدين الآخرين بالوضع أو الحمل شكلًا ومن اقتران الصغرى بالكبرى إيجابًا أو سلبًا وكلية أو جزئية ضربًا وقرينة والقول اللازم باعتبار استحصاله مطلوبًا وباعتبار حصوله نتيجة كما يسمى لازمًا للزومه ومدعي لادعائه والأشكال أربعة لأن الأوسط إن كان محمولًا في الصغرى موضوعًا في الكبرى فهو الأول وإن كان بالعكس فهو أربع وإن كان محمولًا فيهما فهو الثاني وإن كان موضوعًا فيهما الثالث وقال بعضهم إن كان محمولًا في أحديهما موضوعًا في الأخرى فهو الأول فأدرج الرابع فيه ومنهم من لم يدرج ولم يعتبر كالفارابي وابن سينا وسيأتي فيه كلام ومن أراد شمول

(1/68)


الاصطلاح للاقترانات الشرطية وضع مكان الموضوع المحكوم عليه ومكان المحمول المحكوم به ووجه ترتيبها أن الأول على النظم الطبيعي الذي هو الانتقال من المبدأ إلى المنتهى مارًا على الوسط وبين الإنتاج لأنه على مقتضى جهة الدلالة ومنتج للمطالب الأربعة ولا شرف المطالب الذي هو الإيجاب الكلي أما الإيجاب فلأن الوجود خير من العدم وأما الكلية فلأنها أكثر استعمالًا في العلوم وأنفع وأضبط وأكمل لأنه أخص ثم الثاني لأنه ينتج الكلي الأشرف من الموجب الذي نتيجة الثالث لأن شرف الكلية بحسب نفس المقصود وهو العلم ولأنه من جهات متعددة ثم الثالث لموافقة الأول في الكبرى.

أحكام تنبيهية
1 - الأشكال مشتركة في عدم الإنتاج عن سالبتين وعن جزئيتين وصغرى سالبة
كبراها جزئية إلا في الرابع وفي أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين كمًا وكيفًا عرف جميعها
باستقراء الجزئيات فلو أثبت شيء من الجزئيات بها لزم الدور وهكذا شأن كل حكم كلي
ثبت بالاستقراء.
2 - الأول يشارك الثاني في الصغرى فقط والثالث في الكبرى فقط لا الرابع في كلتيهما فيرتد الثاني إليه أو هو إلى الثاني بعكس الكبرى والارتداد بينه وبين الثالث بعكس الصغرى والرابع بعكسهما أو عكس الترتيب لأن ارتداد كل شكل إلى الآخر بعكس ما تخالفا فيه.
3 - الثاني يخالف الثالث فيهما فالارتداد بينهما بعكس المقدمتين ويشارك الرابع في الكبرى فقط فالارتداد بينهما بعكس الصغرى.
4 - الثالث يشارك الرابع في الصغرى فقط فالارتداد بينهما بعكس الكبرى ثم الضروب الممكنة الانعقاد في كل شكل ستة عشر حاصلة من ضرب المحصورات الأربع صغرى في مثلها كبرى لأن المهملة في قوة الجزئية والشخصية في قوة الكلية والطبيعية غير مستعملة فما يكون منتجًا منها يكون قياسًا بالحقيقة وما لا فلا إذ لا يلزم منه قول آخر فيسقط بحسب الشروط بيان إسقاطه طريقان طريق الحذف وهو بيان ما لا يوجد فيه الشروط وطريق التحصيل وهو بيان ما يوجد فيه فلنعقد أربعة أجزاء

الجزء الأول في الشكل الأول: قيل إنتاج باقي الأشكال موقوف على الشكل ومستفاد منه ثم اختلف فقيل ذلك لوجوب انتهاء الطرق كلها من الخلف وغيره إليه إذ لا بد من انتهاء المواد والصور إلى الضروري قطعا للتسلسل لا لوجوب ارتداد كل ضرب وشكل إلى الأول ألا يرى أن

(1/69)


رابع الثاني نحو بعض (ج) ليس (ب) وكل (أ) (ب) لا يمكن رده إليه وقيل: بل لأن حكم العقل بالإنتاج موقوف على ملاحظة رجوعه إليه لأمرين تقدما:
1 - أن حقيقة البرهان وسط مستلزم للمطلوب ثابت للمحكوم عليه.
2 - أن جهة الدلالة خصوص الصغرى وعموم الكبرى.
وكلاهما صورة الشكل الأول فلا بد أن يلاحظ في كل دليل ذلك أما الاستدلال بغير الرجوع من الطريق فيمكن أن يكون لعدم تمكن الناس من تلخيص العبارة وليس من شرط ما يلاحظ العقل التمكن من تفسيره كالاستحسان فإنه معنى يقع في نفس المجتهد وإن لم يمكن التعبير عنه ولا يكون ذلك قادحًا في الاستدلال بالرجوع في كل منتج وبعدمه في غيره لتقوية اللمية بالآنية في الموارد الجزئية إذ لا يبعد أن يفطن ذكي لحكمة هي مناط الأمر كوجود هيئة الشكل الأول للإنتاج فيؤيدها باستقراء الجزئيات وعدم إمكان الرجوع فيما ذكروه ممنوع لرجوعه تارة بعكس نقيض كبراه إلى كل ما ليس (ب) ليس (أ) وأخرى باستلزامها إلى لا شيء من (أ) ليس (ب) لأن الموجبة المحصلة أخص من السالبة المعدولة والسالبة المحمول ثم بانعكاسه المستوى إلى لا شيء مما ليس (ب) (أ) فالحكم بتوقف العلم بالإنتاج على ملاحظة الرجوع بالأمرين المذكورين ليس قولًا بأن انتفاء الدليل يوجب انتفاء المدلول بل بأن المدلول لا يوجد بدونه وفرق ما بينهما بين ثم قيل هذا الخلاف مبني على أن الرد بواسطة عكس النقيض معتبرًا ولا بل ذلك مقدمة غريبة قيل لا لأن القياس استدلال بالكلي على الجزئي والشيء لا يكون مندرجًا تحت النقيضين وقيل: نعم كثيرًا ما يستدل بحكم الكلي على أن حكم جزئي نقيضه خلاف ذلك كما استدل بحديث الطوف أن غير الطواف من السباع نجس ثم لإنتاجه شرطان:
1 - بحسب الكيف إيجاب الصغرى حقيقة سواء كانت محصلة أو معدولة أو سالبة المحمول أو حكمًا كالسالبة المحضة التي في قوة سالبة المحمول فإن جمعها ينتج بشرط أن يوافقه موضوع الكبرى ليحصل أمر مكرر جامع إذ لو كان الصغرى سالبة محضة ولم يوافقه موضوع الكبرى تعدد الأوسط فلم يتعد الحكم بالأكبر على ما هو أوسط بالوجه المعتبر في موضوع الكبرى إلى الأصغر نحو لا شيء من (ج) (ب) وكل (ب) أو (لا ب) (أ) بخلاف وكل ما هو ليس (ب) (أ) فإنه يوافق كل (ج) هو ليس (ب) والصغرى في حكمه لأن السالبة والسالبة المحمول متساويتان في عدم اقتضاء وجود الموضوع وحكم أحد المتساويين حكم الآخر وهذا قول الخونجي والأرموي أولًا ثم رجع الأرموي وقال

(1/70)


كما على ذلك برهة فتبين لنا خطأه وذلك لأن المساواة لو كفت في تكرار الوسط لكان زيد ناطق وكل إنسان حيوان قياسًا منتجًا لزيد حيوان وليس كذلك بالاتفاق لعدم تكرر الوسط والجواب لنا بالفرق أن الوسط فيما نحن فيه مفهوم واحد تعلق به السلب في الصغرى والكبرى غير أنه اعتبر في الكبرى ثبوت ذلك السلب أيضًا بخلاف صورة النقض فإن الناطق الإنسان مفهومان متغايران والتحقيق أن الأوسط كما تكرر باعتبار ما ذكرناه فقد تعدد بسبب اعتبار ثبوت السلب في الكبرى دون الصغرى وإن لزمه فمن اعتبر في القياس الاستلزام الذاتي المفسر بما لا يكون بواسطة مقدمة يخالف حدودها حدود القياس لم يقل بتكرره ها هنا ومن لم يعتبره أو فسره بعدم التخلف كما مر قال بتكرره وهو الحق ومن ها هنا يعلم إن تكرر الأوسط شرط للإنتاج في كل شكل لرجوع جميعه إلى الشكل الأول لا كما ظنه بعض الأفاضل من أنه شرط للعلم بالإنتاج كشروط الاقتران الشرطية أما قياس المساواة فالحق أن الأوسط متكرر فيه بالحقيقة لأن قولنا (أ) مساو لـ (ب) و (ب) مساو لـ (ج) ومساوي المساوي مساو في قوة قولنا (أ) مساو لمساوي (ج) وكل مساوي (ج) (فا) مساو لـ (ج) وكون تعقل النتيجة عند تعقل القول الأول حاصلًا بدون تكرر الوسط لا ينافيه بناء على ما مر من أن ملاحظة الشيء لا تستدعي التعبير عنه، الشرط الثاني بحسب الكم كلية الكبرى حقيقة أو حكمًا كما في الشخصية ليعلم اندراج الأصغر فيه إذ لو كانت جزئية جاز أن يكون البعض المحكوم عليه بالأكبر من أفراد الأوسط غير الأصغر لا يقال اشتراط كلية الكبرى يقتضي كون الاستدلال بهذا الشكل دوريًا لأن العلم بكلية الكبرى موقوف على العلم بثبوت الأكبر لكل من أفراد الأوسط أو سلبه عنه التي منها الأصغر فلو توقف العلم بثبوته للأصغر أو سلبه عنه عليه دار لأنا نقول لا نم توقف العلم بكلية الكبرى على ذلك فإن من شأن الحكم أن يختلف العلم به باختلاف أوصاف الموضوع فيجوز أن يكون ثبوت الأكبر أو سلبه معلومًا لمن يتصف بالأوسط كان من كان دون من يتصف بالأصغر بخصوصه كالحدوث للمتغير والعالم فيستفاد هذا من ذاك لا بالعكس وأما الاعتراض على كلا الشرطين بأن الإنتاج متحقق بدونهما لا شيء من (ج) (ب) وبعض (ب) (أ) بالنسبة إلى بعض (أ) ليس (ج) لأن نقيضه منضمًا إلى الصغرى ينتج مناقض الكبرى ففي غاية السقوط لأن تعين الأشكال يتعين موضوع المطلوب ومحموله والشكل بالنسبة إلى المطلوب المذكور ليس أول بل أربع وبحسب هذين الشرطين حذف السالبتان صغرى

(1/71)


مع الأربع كبرى والموجبتان صغرى مع الجزئيتين كبرى أو حصل الموجبتان صغرى مع الكليتين كبرى فضروبه المنتجة أربعة هي الاستدلال بثبوت الأوسط لكل الأصغر أو بعضه وكل منهما مع ثبوت الأكبر لكل الأوسط أو سلبه عن كله على ثبوت الأكبر لكل الأصغر أو سلبه عن كله أو ثبوته لبعض الأصغر أو سلبه عن بعضه وترتيب الضروب باعتبار شرف النتائج أو شرف أنفسها.

الجزء الثاني في الشكل الثاني
وحاصله حمل محمول واحد على متغايرين ليحمل أحدهما على الآخر ولإنتاجه شرطان: الشرط الأول: بحسب الكيف اختلاف مقدمتيه بالإيجاب والسلب ولذا لا ينتج إلا سالبة ولبيانه مقدمة هي أن مخالفته للأول لما كانت في الكبرى وجب أن يعكس إحدى مقدمتيه وتجعل كبرى الشكل الأول وتلك صغرى هذا الشكل في الضرب الثاني والكبرى في البواقي لكن في الرابع عكس النقيض على أحد الطريقين وعكس لازمها مستقيمًا على الطريق الآخر وكل منهما أولى من الآخر بوجه فالأول لقصر المسافة والثاني لمراعاته كحدود القياس فيكون طريقًا متفقًا عليه قيل الثاني أيضًا عكس النقيض للملزوم على مذهب المتأخرين فالأول أولى مطلقًا وليس بصحيح لأن المعتبر عكس اللازم لا الملزوم وقيل: أيضًا كل من الطريقين مبني على جعل الصغرى السالبة في حكم الإيجاب أما قبل صيرورتها صغرى الشكل الأول أو بعدها وفيه أيضًا بحث لأن حكم الإيجاب أن أعطى قبل الصيرورة صار الضرب الرابع يحسب الطريق الثاني موجبتين مع الملزوم وضربًا ثالثًا مع اللازم وبحسب الطريق الأول موجبتين وإن أعطى بعد الصيرورة حصل النتيجة بحسب الطريق الثاني موجبة سالبة المحمول فيحتاج إلى أخذها في قوة السالبة المحصلة إلا أن يؤخذ عكس النقيض على مذهب المتأخرين وليس بمناسب وينقدح منه طريقة أخرى هي أن يوضع لازم الكبرى موضعها فيكون الصغرى موجبة سالبة المحمول والكبرى سالبة كلية ويحصل الثالث من هذا الشكل ومن الجائز رد الضرب إلى أجلى منه قد علم إنتاجه إذا تقررت فنقول إن لم تختلفا فإن كانتا موجبتين فعكس ما يعكس منهما جزئية لا يصلح لكبروية الشكل الأول وبتعين الموضوع يصير الجزئية كلية لكن الأوسط لا يتكرر وإن كانتا سالبتين يصير صغرى الأول سالبة وعند جعلها موجبة سالبة المحمول لا يتكرر الأوسط لأن الأكبر مسلوب عما يثبت له عين الأوسط لا سالبة.

(1/72)


الشرط الثاني: بحسب الكمية كلية إذ لو كانت جزئية لا تصلح لكبروية الأول وقلب الجزئية بعد عكسها يجعل القياس شكلًا رابعًا ومع هذا لا بد من كليتهما في رده إلى الأول وعكس الصغرى لا بد من جعله كبرى ليرجع إلى الأول فلا بد من عكس النتيجة ليحصل المطلوب لكن النتيجة حينئذ سالبة جزئية لا تنعكس ولما كان كبرى الشكل الأول الذي يرتد إليه عكسًا كليًا لم يكن إلا عكس السالبة الكلية لأن السالبة الجزئية لا تنعكس الموجبة جزئية فلم يكن نتيجة إلا سالبة هذا في العكس المستوى وأما عكس النقيض فربما يكون عكس الموجبة، ولكن سالبة أو في حكمها كما في الطريق الأول للرابع وبحسب هذين الشرطين سقط الموجبة الكلية صغرى مع الموجبتين والجزئية السالبة كبرى والكلية السالبة صغرى مع السالبتين والموجبة الجزئية كبرى وكذا الجزئية الموجبة مع الموجبتين والجزئية السالبة مع السالبتين والموجبة الجزئية أو حصل الموجبتان صغرى مع السالبة الكلية الكبرى والسالبتان مع الموجبة الكلية فضروبه المنتجة أربعة وهي الاستدلال الأوسط لكل الأصغر وسلبه عن كل الأكبر أو بسلبه عن كل الأصغر وثبوته لكل الأكبر على سلب الأكبر عن كل الأصغر أو بثبوت الأوسط لبعض الأصغر وسلبه عن كل الأكبر أو بسلبه عن بعض الأصغر وثبوته لكل الأكبر على سلب الأكبر عن بعض الأصغر وقد مرت الإشارة إلى أن بيانه في الأول والثالث بعكس الكبرى وفي الثاني عكس الصغرى وجعلها كبرى ثم عكس النتيجة وفي الرابع بعكس النقيض للكبرى أو بعكس الاستقامة للازمها.
تتمتان
الأولى: أن بيان الإنتاج ربما يكون بالخلف ففي هذا الشكل يجعل نقيض النتيجة لإيجابه صغرى والكبرى لكليتها كبرى لينتج من الأول مناقض الصغرى ولتقريبه وجوه:
1 - أن نقيض النتيجة مع الكبرى يستلزم نقيض الصغرى واللازم منتف فينتفي المجموع وانتفاؤه ليس بانتفاء الكبرى لأنها حقة بل يكذب نقيض النتيجة فالنتيجة حقة.
2 - صدق القياس مع نقيض النتيجة يستلزم اجتماع النقيضين وهما صدق الصغرى لأنها جزء القياس وكذبها لأن نقيض النتيجة مع الكبرى يستلزمه واللازم منتف فيتبقى المجموع لكن القياس صادق فكذب نقيض النتيجة.
3 - بين صدق المقدمتين ونقيض النتيجة منع الجمع إذ لو اجتمعنا يلزم نقيض الصغرى ومنع الجمع بين شيئين يستلزم ملازمة صدق أحدهما كذب الآخر فصدق

(1/73)


المقدمتين يستلزم كذب نقيض النتيجة، وإذا لزم كذبه لزم صدقها والثالث أوفى لأنه يفيد لزوم صدق النتيجة الذي هو المدعي لأصدقها في الجملة كالأولين كذا قيل، والحق أن اللازم في الكل لزوم النتيجة لأن بين كذب النقيض والعين منع الجمع أيضًا وزيادة أما الاعتراض بأن انتفاء المجموع لا يقتضي انتفاء شيء من الآحاد لجواز أن يكون بانتفاء الاجتماع وبأن مقدمات القياس مفروضة الصدق لأنها صادقة في نفس الأمر فلمانع أن يمنع اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما على ذلك التقدير لجواز أن يكون محالًا ملزومًا لآخر فغير وارد أما الأول فلأن صدق الآحاد ملزوم صدق الاجتماع فإذا انتفى صدق الاجتماع انتفى صدق شيء من الآحاد قطعًا وأما الثاني فلأن كل مفروض الصدق لا يستلزم كل محال بل ما كان بينه وبينه علاقة تقتضي الاستلزام، والتحقيق أن المفروضات التي يطبعها العقل لا تستلزم المحال لولا ما فيها من المحال وإلا لارتفع الثقة عن أحكام العقل وأما في الشكل الثالث فطرق الخلف فيه أن يجعل نقيض النتيجة لكليته وجزئيتها كبرى والصغرى لإيجابها صغرى فينتج من الأول نقيض الكبرى وأما في الرابع فإن كان منتجًا للسلب كالضروب الثلاثة الأخيرة فكالشكل الثاني وإن كان منتجًا للإيجاب كالأولين فكالشكل الثالث لكن الحاصل في القسم الأول ما ينافي عكسه الصغرى وفي القسم الثاني ما ينافي عكسه الكبرى فلا بد فيهما من عكس النتيجة وذلك لبعد الرابع عن النظم الكامل، الثانية قال ابن سينا لا حاجة إلى هذه البيانات؛ لأن ثبوت الأوسط لأحد الطرفين وسلبه عن الآخر تقتضي المباينة بينهما وزيف بأنه إن كان حجة فإعادة للدعوى وإن كان ادعاء لأنه بين فلاشتباه البين بالقريب منه والرازي يستعمل مثله على أنه لمى الإنتاج والحق أنه صحيح وبيانه أنه غير محتاج إلى تكلف لأن حاصلة استدلال يتنافى اللوازم على تنافي الملزومات لا يقال ذلك فيما كان مقدمتاه ضروريتين فيمس الحاجة في غيره لأنا نقول يرجع جميعه إليه إذا أخذ الجهة جزءًا من المحمول وذلك كاف وترتيب الضروب لأن الأولين أشرف ذاتًا ونتيجة لكليتهما والأول والثالث أشرف لاشتمالهما على صغرى الأول دون الثاني والرابع.

الجزء الثالث في الشكل الثالث
وحاصله وضع موضوع لشيئين متغايرين ليوضع أحدهما للآخر ولإنتاجه شرطان:
1 - يحسب الكيف إيجاب الصغرى وإلا فبين الأوسط والأصغر مباينة، والحكم بالأكبر على أحد المتباينين لا يقتضي الحكم على الآخر ولأن مخالفته الأول في الصغرى

(1/74)


فرده إليه بعكس ما يجعل صغرى فعكس الصغرى السالبة سالبة لا يصلح لصغرورية الأول وكذا عكس الكبرى سالبة سالبة ولأنه لا إنتاج من سالبتين وموجبة موجبة جزئية لو جعلت صغرى للصغرى السالبة ينتج من الأول سالبة جزئية لا بد من عكسها ليحصل المطلوب ولا تنعكس وعند اعتبارها موجبة سالبة المحمول تنعكس إلى موجبة سالبة الموضوع ومعناه إثبات الأكبر لما سلب عنه الأصغر والمطلوب سلب الأكبر عما ثبت له الأصغر.
الشرط الثاني: بحسب الكم كلية إحدى المقدمتين لأن الجزئيتين لا يصلح شيء منهما لكبروية الأول لا بنفسها ولا بعكسها ولما كان صغرى الأول الحاصلة ها هنا عكسًا موجبًا كان عكس موجب فيكون جزئيًا فلا ينتج الأجزئية فبحسب هذين الشرطين سقط السالبتان صغرى مع الأربع كبرى والموجبة الجزئية مع الجزئيتين أو حصل الموجبة الكلية صغرى مع الأربع كبرى والجزئية مع الكليتين فضرورية المنتجة ستة وهي الاستدلال بثبوت الأصغر والأكبر لكل الأوسط أو الأصغر لبعضه والأكبر لكله أو بالعكس على ثبوت الأكبر لبعض الأصغر أو بثبوت الأصغر لكل الأوسط أو بعضه وسلب الأكبر عن كله أو بثبوته لكل الأوسط وسلب الأكبر عن بعضه على سلب الأكبر عن بعض الأصغر والبيان في الأولين والرابع والخامس بعكس الصغرى وفي الثالث بعكس الكبرى وجعلها صغرى ثم عكس النتيجة لأن عكس الصغرى يخرجه إلى جزئيتين وكذا في السادس غير أن الكبرى السالبة تجعل موجبة سالبة المحمول فتعكس وتجعل صغرى ثم تعكس النتيجة وبيان هذا الشكل بالخلف قد تقدم وترتيب الضروب أن المنتجة للإيجاب أقدم وجعل المنطقيون الرابع ثانيًا لأنه في نفسه من كليتين واعتبار النتيجة المقصودة فيما يمكن أولى وقدم الأول على قرينيه والرابع على جنسيه لكونهما أخص لتركبهما من كليتين ثم الثاني على الثالث والخامس على السادس لاشتمالها على كبرى الشكل الأول.
تتمتان ذكرهما ابن سينا
1 - إن الثاني والثالث وإن كانا يرجعان إلى الأول فلهما خاصية ليست فيه وهي جواز انتظامهما في بعض المواضع على وجه يراعى فيه الحمل الطبيعي والسابق إلى الذهن ولو أورد نظام الأول خرج عن طبيعته، فإن بعض الأشياء يقتضي الوضع لبعض والآخر يقتضي الحمل عليه بالطبع وسابقًا في الذهن نحو الإنسان حيوان ولا شيء من النار بارد ويقبل هذا بعينه يعرفنا فائدة الشكل الرابع لإمكان انتظام مقدماته على وجه يراعى فيه الطبيعي والسابق إلى الذهن وقيل: وبعض فوائد الأشكال الثلاثة مساس الحاجة عند

(1/75)


تحصيل بعض المجهولات عن بعض ضرورتها التي لا يرتد إلى الأول وقد سمعت أنه لا يصح عندنا وأن مرجع هذا الخلاف ما هو.
2 - كما أن الأول فاضل من حيث أنه ضروري الإنتاج بينها فالرابع بعيد عن الطبع وسبق الذهن محتاج في إبانة قياسيته إلى كلفة متضاعفة والمتوسطان متوسطان بينهما لأنهما لقربهما من أن يكونا بيني القياسية يكاد الطبع الصحيح يفطن لقياسيتهما قبل بيان الرجوع إذ سبق بيانه من نفسه بملاحظة يسيرة ولهذا صار لهما قبول ولعكس الأول إطراح.

الجزء الرابع في الشكل الرابع
نقل الرازي عن أرسطو أن الأوسط إذا كان محمولًا في أحديهما موضوعًا في الأخرى فهو الشكل الأول فقال ناصروه إن الرابع هو الأول قدم فيه الأهم وهي الكبرى وسمعت منا فيما سلف أن تعين الأشكال بتعين موضوع النتيجة ومحمولها وذلك ناقضة ثم لإنتاجه شروط:
1 - أن لا يستعمل السالبة الجزئية.
2 - أن لا ينتظم الصغرى السالبة الكلية إلا مع الموجبة الكلية.
3 - أن لا ينتظم الصغرى الموجبة الجزئية إلا مع السالبة الكلية أما الأول فلأن ارتداده إلى الأول أما بعكس المقدمتين أو بقلبهما ولا عكس حينئذ والقلب إما يجعل صغرى الأول سالبة أو كبراها جزئية، وأما الثاني فإذ لولاه لانتظم الصغرى السالبة الكلية أما مع الموجبة الجزئية ويمتنع فيه الطريقان أما قلبهما فلوجوب عكس نتيجة وهي سالبة جزئية وأما عكسهما فلصيرورة كبرى الأول جزئية وأما مع السالبة الكلية ولا إنتاج عن سالبتين وأما الثالث فإذ لولاه لانتظم الصغرى الموجبة الجزئية أما مع الموجبة الكلية أو الجزئية وأيا كان يمتنع الطريقان لصيرورة كبرى الأول جزئية فيهما أو عكس الموجبة جزئية هذا وأما الصغرى الموجبة الكلية فينتظم مع الثلاث غير السالبة الجزئية فالطريق مع السالبة الكلية الصغرى ليرجع إلى الثاني ثم إلى الأول بما عرف أو عكس المقدمتين من الابتداء ومع الموجبة الكلية والجزئية قلب المقدمتين أما عكس الصغرى فخطأ وعكس الكبرى مستدرك وبحسب اعنبار هذا الشرط سقط السالبة الجزئية الصغرى مع الأربع والكبرى مع الثلاث سبعة وكل من السالبة الكلية الموجبة الجزئية مع الاثنتين أربعة أو حصل الموجبة الكلية مع الثلاث وكل من السالبة الكلية والموجبة الجزئية مع الاثنتين فضرورية

(1/76)


المنتجة خمسة هي الاستدلال بثبوت الأصغر لكل الأوسط والأوسط لكل الأكبر أو بعضه على ثبوت الأكبر لبعض الأصغر أو بسلب الأصغر عن كل الأوسط لكل الأكبر على سلب الأكبر عن كل الأصغر أو بثبوت الأصغر لكل الأوسط أو بعضه وسلب الأوسط عن كل الأكبر على سلب الأكبر عن بعض الأصغر قلة نتائج ثلاث غير الموجبة الكلية لأن العكس لا بد منه إما في النتيجة أو في المقدمة لأن البيان في الأول والثاني والثالث بقلب المقدمتين ثم عكس المنتجة وفي الرابع والخامس بعكس المقدمتين.

الفصل الثاني في القياس الاستثنائي
وهو ضربان الأول ما يكون بالشرط ويسمى المتصل ومقدمته المشتملة على شرطية والأخرى استثنائية وشرط إنتاجه أمور:
1 - كون الشرطية أي النسبة بين التالى والمقدم كلية أي ثابتة على جميع الأوضاع والتقادير الممكنة الاجتماع مع المقدم إذ لو كان جزئية جاز أن يكون وضع اللزوم غير وضع الاستثناء اللهم إلا أن يكون وضع الاستثناء كليًا أو يكون وضع الاستثناء بعينه وضع اللزوم فينتج.
2 - أن يكون دائمة أي يكون حصول التالي دائمًا بدوام حصول المقدم لا دوام صدقه بصدقه ولا دوام النسبة بين المقدم والتالي فإنهما لا يكفيان لأن صدق المطلقة أيضًا دائمي بل صدق كل قضية بالجهة المعتبرة فيها نحو كلما كانت الشمس طالعة بالغة نصف النهار.
3 - أن تكون تلك الكلية والدوام في ضمن اللزوم إذ لو كان في ضمن الاتفاق لم ينتج لا استثناء عين المقدم لأن صدق الاتفاقية مستفاد من صدق التالي فلو استفيد هذا من ذلك لدار ولا استثناء نقيض التالي إذ لا اتفاق لكذبهما ولا لزوم لعدم العلاقة والاقتصار على الدوام اكتفاء بدلالة أدوات الشرط على اللزوم ليس بجيد لأن الدال على اللزوم قال على الدوام أيضًا بل بعضها قال على الكلية أيضًا.
4 - أن يكون موجبة لأن الأمرين اللذين ليس بينهما اتصال لا يلزم من وضع أحدهما أو رفع وضع الآخر أو رفعه.
5 - أن يكون الاستثناء لعين المقدم فالنتيجة عين التالي أو لنقيض التالي فالنتيجة نقيض المقدم إذ لو انتفى أحدهما جاز وجود الملزوم مع عدم اللازم وأنه بهدم اللزوم ومنه يعلم إنتاجهما بالذات لا يتوسط عكس النقيض للشرطية في إنتاج الثاني ولا ينتج استثناء

(1/77)


نقيض المقدم أو عين التالي لجواز كون اللازم أعم وفي صورة التساوي بملاحظة لزوم المقدم للتالي وهو متصل آخر وأكثر استعمال الشرط في الأول بأن لأنه وضع لتعليق حصول التالي بحصول المقدم مثبتين أو منفيين أو مختلفين لا لتعليق صدقه بصدقه كما مر وفي الثاني لأنها وضعت لغرض أن يعلق به عدم المقدم لعدم التالي وإن كان الوجودان مقدرين لا محققين ولذا كان الغرض ذلك وهو المناسب لمقام الاستدلال كما في قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: من الآية 22] وعلى هذا لو لانتفاء الأول لانتفاء الثاني لكن في العلم لا الوجود وعند جمهور النحاة بالعكس فالآية الكريمة عندهم الانتفاء الفساد الناشيء عن التعدد الانتفاء التعدد هذا وكون لو موضوعًا لذلك كثرى فقد يستعمل لمجرد اللزوم من غير غرض التعليق بين العدمين نحو قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: من الآية 221] وقوله عليه السلام "لو لم يخف الله لم يعصه".
بحث شريف
الاستثنائي المتصل الذي استثنى فيه نقيض التالي إذا استعمل فيه لو بعد وضع المطلوب يسمى قياس الخلف وحقيقته عن المنطقيين إثبات المطلوب بإبطال لازم نقيضه وعندنا بإبطال نفس نقيضه وعند البعض بإلزام المحال من نقيضه ومرجع النزاع أن المنطقيين يستعملون لبيان الملازمة بين نقيض المطلوب ونقيض مقدمة صادقة من مقدمات القياس قياسًا اقترانيًا شرطيًا قائلين لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه مع الكبرى مثلًا ولو ثبتا ثبت نقيض الصغرى الصادقة لكنه بط ونحن نستعمله لبيان بطلان التالي الذي هو نقيض المدعي ونقول لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه لكنه بطل لأنه لو ثبت مع الكبرى ولو ثبتا ثبت نقيض الصغرى والبعض لم يتعرضوا لذلك القياس أصلًا قائلين لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه لكنه مما ينافي المقدمة المسلمة وهي الكبرى مثلًا لأن اجتماعهما يستلزم نقيض الصغرى الصادقة والمقصود وأيًّا كان فهو قياس استثنائي يستثنى فيه نقيض التالي ومقدم شرطيته عدم صدق المطلوب لكن المناسب لمغزى من لم يذكر الاقتراني الشرطي هو الثالث، الضرب الثاني ما يكون بغير شرط ويسمى استثنائيًا منفصلًا ويسمى المشتملة على الانفصال شرطية مفصلة والأخرى استثنائية وشرط إنتاجه بعد كلية

(1/78)


الشرطية وإيجابها التنافي بين أمرين أو أكثر بأحد الوجوه الثلاثة أي كون المنفصلة عنادية إذ لولاه لم يكن بين وجود أحدهما وعدم الآخر لزوم فلا استدلال ثم التنافي إن كان إثباتًا ونفيًا يلزمه لأربع لزومات بين عين كل منهما ونقيض الآخر ونقيض كل منهما وعين الآخر فأربع نتائج اثنان باعتبار التنافي إثباتًا فقط فالأولان وإن كان نفيًا فالآخران.
تنبيهان
1 - يجب رعاية جهة المقدم والتالي في أخذ النقيض فسقط اعتراض الرازي بأن التالي إذا كان مطلقة لا يلزم من نفيه نفي المقدم.
2 - علم من هذا البحث عدة من الملازمات الشرطية فمن المنفصلات الثلاث ثماني متصلات وبالعكس لأن كل لزوم يلزمه التنافي بين عين الملزوم ونقيض اللازم، ففي صورة التساوي بين عين كل ونقيض الآخر إثباتًا ونفيًا لتركيب اللزومين ومن المنفصلة الحقيقية موجبة كانت أو سالبة منع الجمع والخلو الموافقة كيفًا ومن المانعة منع الخلو إثباتًا من نقيضي جزئيتهما موافقًا كيفًا ومن عينيها كخالفًا كيفًا وبالعكس فبين الشيء ونقيضه أو مساوي نقيضه انفصال حقيقي وبينه وبين الأخص من نقيضه منع الجمع وبينه وبين الأعم من نقيضه منع الخلو.
خاتمتان
لكلا القياسين الأولى في ارتداد كل منهما إلى الآخر يرد الاستثنائي المتصل إلى الشكل الأول يجعل المستثنى وهو المراد بالملزوم سواء كان عين المقدم أو نقيض التالي حدًا أوسط وثبوته عينًا أو نقيضًا صغرى واستلزامه لعين التالي أو نقيض المقدم كبرى هذا فيما كان المحكوم عليه في المقدم والتالي واحدًا أما إذا لم يكن كما في قولهم كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا فيكون الجامع بينهما هو الوقت فيقدر الوقت محكومًا عليه مشتركًا ويجري هذا وقت فيه الشمس طالعة وكل وقت فيه ذا ففيه النهار موجود فهذا وقت فيه النهار موجود وهذا مع وضوحه خفي على الجمهور وقد مر جواز أن يكون للزمان زمان وهمي كالأفعال المتعلقة بالأزمنة والممتنع هو الزمان المحقق والاستثنائي المنفصل يرد أولًا إلى المتصل على ما سلف ثم إليه ويردُّ الاقتراني إلى الاستثنائي المتصل بعكسه أي يجعل الوسط ملزومًا أي مستثنى والصغرى استثنائيًأ والكبرى استلزامًا وإلى المنفصل بأن يردد بين الوسط وبين منافيه وهو نقيض الأكبر وثبوت الوسط استثناء لعينه لينتج عين الأكبر الذي هو نقيض نقيضه والأمثلة غير خافية.

(1/79)


الثانية في خطأ البرهان
وذلك إما للغلط في مادته على منع الخلو فهو قسمان:
1 - غلط المادة لفظًا إما للاشتراك اللفظي نحو عين وكل عين جار أو المعنوي كالعطف في العشرة خمسة وخمسة يحتمل ثلاثة معان أنها كل منها منفردًا أو مجتمعًا أو المركب والصادق هو الأخير ومثله حلو حامض وعكسه طيب ماهر للماهر في غير الطب لأن صدقه عند الانفراد نظرًا إلى ظاهر المبادر وعند تعيين المراد لا يختلف وإما للالتباس بين المتباينة والمترادفة كالسيف والصارم أو معنى كالحكم على الجنس المطلق بحكم نوعه أي بحكم المقيد بالذاتي فصلًا كان نحو اللون سوادًا وجنسًا نحو السيال الأصفر مرة فصحة الأول عند تقيده للبصر والثاني عند تقيده بالخلط وعلى المطلق بحكم المقيد بقيد عارض نحو الرقبة مومنة ويسمى كل منهما إبهام العكس إذ فيه إبهام عكس الموجبة الكلية كنفسها فلا يحتمل الغلط من حيث الصورة يجعل اللام للجنس ولا يتوقف أيضًا الغلط المادي على جعل اللام للاستغراق كما ظن كل منهما وكالقياس الصادق بالكاذب من جهة عدم رعاية شرائط التناقض وجعل ما ليس بقطعي كالقطعي وجعل الحمل العرضي الذي بواسطة كالذاتي الذي لا بها وجعل النتيجة مقدمة ويسمى مصادرة على المطلوب إذ ليس بمستلزم للمطلوب لأنه عينه والقول بأنه صوري إذ لا يستلزم قولًا آخر ليس بتحقيق لأنه يستلزمه صورة ومنه جعل الوسط أحد المتضايفين وكل قياس دوري صريح أو مضمر.
2 - غلط الصورة لخروج القياس من تأليف الأشكال فعلًا وقوة لا كما في قياس المساواة أو عن شيء من شرائط الإنتاج المتقدمة ولنا رسالة لطيفة جامعة لجزئيات قسمي الغلط مع أمثلتها المستعملة في العلوم.