فصول البدائع في أصول الشرائع

ففي المشترك مباحث.
الأول: أنه واقع في اللغة ويتضمن جواز وقوعه وقيل: يجب وقيل: يمتنع لنا أن القرء مشترك وواقع فالصغرى لأنه موضوع يستعمل للطهر والحيض معًا على البدل من غير

(1/105)


ترجيح وهذا بإطباق أهل اللغة وكل ما كان كذلك مشترك لأنه المبحث المحرر فأخرج لمعنيين المنفرد معناه ومعنًا أي يستعمل لكل على تقدير استعماله للآخر المنفرد المشكوك في تعين ما وضع له من المعنيين كافعل في الوجوب والندب ولا يخرج بنفي الترجيح لأنه بعد تعين الموضوع له فالمعية في الاستعمال لا في زمانه وعلى البدل شيئين.
1 - المتواطيء والمشكك فإن الرجل يستعمل في القدر المشترك إما من حيث هو أو من حيث حصوله في فرد معين عهدًا أو في جميع الأفراد التي كل منها معنى عهدي لكن على الاجتماع.
2 - الموضوع المعنيين كالإمكان الخاص لسلبي الضرورة من الطرفين فإنه ليس مشتركًا بالنسبة إلى أحدهما بل بالنسبة إليه وإلى سلب ضرورة أحد الطرفين ومن غير مرجح الحقيقة والمجاز وارد يمنع كون القرء حقيقة فيهما لجواز مجازيه أحدهما وجفاء موضع الحقيقة وأجيب بأن المجاز أن استغنى عن القرينة التحق بالحقيقة وحصل الاشتراك وإلا فلا تساوي إما كونه مجازا فيهما فيدفعه عدم احتياجه إلى القرينة المانعة عن الحقيقة وإن احتاج إلى القرينة المعنية والغرض من هذه الإشارة إلى الحقيقة المختارة للمشترك وإلا فالاستدلال بأن القرء حقيقة في كل منهما لعدم احتياجه إلى القرينة المانعة كاف للموجب وجهان الأول منهما يستدعي مقدمات.
1 - أن المسميات غير متناهية أولًا يرى أن بعضها وهو الأعداد غير متناهية.
2 - أن الألفاظ متناهية لتركبها من الحروف المتناهية بالانضمامات المتناهية إذ الألفاظ الموضوعة لا ترتقي عن السباعي مع أن بعض تقاليبها مهمل.
3 - أن ما عدا أي قدر متناه من غير المتناهي يكون أكثر فنقول لو لم يجب لجاز أن لا يقع ويمتنع لأنه لو كانت المسميات غير متناهية والألفاظ متناهية فلو لم يقع الاشتراك لخلت أكثر المسميات أي ما عدا أي قدر متناه منها عن الاسم والمقدم بجزئية حق والملازمة لامتناع وفاء المتناهي بغير المتناهي فرادى وبطلان التالي لأن قصور الألفاظ يخل بغرض الوضع الذي هو تفهيم المعاني وربما يوجه بأن توزيع المتناهي على غير المتناهي يوجب الاشتراك وإنما يتم لو بين عدم قصور الألفاظ عن المسميات والجمل التي يوضع المشترك بإزائها أنفسها متناهية وأفرادها غير متناهية وجوابه من وجوه أربعة:
1 - منع عدم تناهي المعاني إن أريد بها المختلفة والمتضادة وتسليمه مع منع عدم وفاء الألفاظ بها إن أريد المتماثلة المتحدة في الحقيقة أو المطلقة فإن الوضع للحقيقة

(1/106)


المشتركة كاف في التفهيم.
2 - على تقدير تسليم عدم تناهي كل منها فمنع عدم تناهي ما يحتاج إلى التعبير والتفهيم وذلك ما يدخل لخت تعقلنا وتوجهنا ولوكان الواضع هو الله تعالى فلما كان وضعه لتفاهم العباد جاز أن يعتبر حالهم في التناهي.
3 - منع تناهي الألفاظ لتركبها من المتناهي كأسماء العدد الغير المتناهية مع تركبها من اثنى عشر وإنما يتوجه لو أريد مطلق الألفاظ بناء على يكون مرات الانضمام غير متناهية والوضع نوعيا شاملا لها أما لو أريد الألفاظ المفردة الموضوعة بالفعل فقد مر إنها متناهية.
4 - منع بطلان التالي وإنما يختل غرض الوضع لو لم يعبر عن الباقي بالمجازات أو بالاضافة والوصف وغيرهما كأنواع الروائح وكثير من الصفات كحمرة الورد والحمرة الشديدة بخلاف الفطوسة وربما يستدل على تناهي المعاني ببرهان التطيق بغرض سلسلة واحدة من مبدأ وتطيق الباقي بعد إفراز جملة متناهية منها على الكل وجوابه أن المراد بالتطيق إما توافي الحدين فيختار عدمه وذا لفرض زيادة في مبدأ أحديهما فلا يلزم وإما أن يوجد في أحديهما ما يقابل كلا من الآخرة فيختار وجوده وذلك لعدم تناهيهما فلا يلزم تساوي السلسلتين للثاني أنه لو لم يقع لكان الموجود في القديم والحادث متواطئاً أو
مشككاً وهو باطل فالملازمة لأنه حقيقة فيهما وإلا لصح نفيه عن أحدهما فلو لم يكن لخصوصهما لكان لمشترك بينهما تفاوت في أفراده أم لا والمشترك المعنوى حقيقة في الأفراد إذا اعتبر حصصها التي كل منها لقام حقيقته ومن ثمه امتنع سلبه عنها وبطلان اللازم لأنه واجب في القديم ممكن في الحادث فالشيء الواحد بالحقيقة يكون واجباً ثبوته لذاته وممكناً وأنه مح أو لأن الوجود عين الموجود كما هو مذهب الأشعري وأبي الحسين فلا يكون مشتركاً بينهما قلنا على الأول لا نم إن الواحد بالحقيقة لا يكون واجب الثبوت لذات الثبوت لأخر إذا كان مشككاً كالعلم والكلام في القديم والحادث وإنما لا يكون لو كان الاختلاف من نفسه لا مما صدق عليه وهذا ما يقال المتواطئ لا يكون له مقتضيات مختلفة بخلاف المشكك والتحقيق أن المشكك من حيث هو مشترك كذلك والاختلاف مما صدق عليه كالنور للشمس يقتضي إبصار الأعشى دون نور السراج لكن في الاستناد
بنحو العلم والكلام كلام هو أن صفات الله تعالى عند مشايخ الأشاعرة مغايرة بالحقيقة لصفات الممكنات مغايرة الذات ولا إلزام بالمختلف فيه ما لم يقم عليه برهان ومن اقتصر على المتواطئ أراد المشترك المعنوي التناول للمشكك أو اكتفى بذكره عن المشكك

(1/107)


لاتحاد التوجيه أو لا يرى التشكيك بأن ما به التفاوت إن كان في الماهية فلا اشتراك وإلا فلا تفاوت وليس بشيء لأن التفاوت من ماهية ما صدق عليه كان يكون وجود الصانع مخالفاً بالحقيقة لوجود المصنوع والوجود المشترك زائداً عليهما كالماهية والشخص وغيرهما وعن هذا أن كل مشكك زائد على ما يقال عليه وعلى الثاني منع أن وجود كل موجود عينه وتقول بعد الجوابين هو دليل الوقوع لا وجوبه للمخيل إن وضعه يخل بغرض الوضع إذ لا يحصل معه فهم المعاني على التفصيل لخفاء القرائن فيكون مفسدة وهذا أولى مما يقال إن نفسه يخل بغرض المتكلم لتساوي نسبته إلى المعاني ففهم السامع واحدا منها ترجيح بلا مرجح لأنه ينفي استعماله لا وقوعه وإمكانه مع أن القرينة مرجحة قبل هذا مظنه عدم الوقوع ولا اعتبار بالمظنة مع تحقق المئنة فأجابوا بأن ما يظن مشتركاً فأما متواطئا ومجاز خفى الحقيقة لخفاء القرينة كالعين من حيث هو مستدير أو شفيف وقلنا لا نم إن اللهم الفصلي لا يحصل مع القرائن المعتبرة للتفصيل وإن المقصود التفاهم التفضلى دائماً بل والإجمالي طوراً كما في أسماء الأجناس وإن بما يقدم منع المقدمة الخيرة لقربها في الذهن أو قوتها في الاهتمام أو قلة احتياجها إلى تطويل السند.

المبحث الثاني
أنه واقع في القرآن أسماء نحو {ثَلاثَةَ قُرُوء} (البقرة: من الآية 228) وفعلاً نحو {وَاللْيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (التكوير:17) فقد ذكر الجوهري أنه موضوع لأقبل وأدبر (1) وقيل: لا للزوم ما لا حاجة إليه أو ما لا يفيد وكلاهما نقص لأن وقوعه مبينا تطويل بلا طائل وغير مبين وغير مفيد قلنا لا نم أن البيان بعد الإجمال لا طائل فيه فعلم المعاني متكفل لفوائده ولا ثم عدم الفائدة في وقوعه غير مبين فربما يفيد فائدة إجمالية كما مر أو فائدة الابتلاء باستنباط مقصوده أو بالعزم على الامتثال من الثواب أو العقاب.

المبحث الثالث
أنه خلاف الأصل وإلا لساوى المنفرد في الدائر بينهما فاحتاج كل لفظ إلى الاستفسار ولم يفد التمسك بالنصوص ظناً فضلاً عن العلم وفيه بحث وإلا وضح أنه لعروض الاشتراك ولأنه أقل بالاستقراء فيكون مرجوحاً قيل الأفعال مشتركة فالماضي بين الخبر والإنشاء والمضارع بين الحال والاستقبال والأمر بين الوجوب والندب وكذا
__________
(1) انظرا لسان العرب (13916).

(1/108)


ّالحروف بشهادة النحاة فإذا أضيف بعض الأسماء إليها كان المشترك غلب وجوابه منعه في الماضي إلا في قلائل وفي المضارع والأمر لخلاف فيهما بل لإجماع غير الواقفية على خلافه في الأمر وهم شرذمة قليلون وفي الحروف بشهادة النحاة على أن أحد المعاني أصل وبعد هذا فغالب الألفاظ الأسماء والاشتراك فيها نادر.
3 - أن فيه مفسدة للسامع لاحتمال أن لا يفهم ويهاب الاستفسار أو يستنكف أو يظن أنه فهم فيقع الجهل وللمتكلم لا مكان فهم السامع خلافاً لمراده ضاراً له.
وفي الترادف مباحث:
الأول: أنه توالى الألفاظ المفردة على موضوع له واحد بالاستقلال فتوالي الألفاظ جنس والمراد ما فوق الواحد واحترز بالمفردة عن الحد والمحدود وإن ذهب البعض إلى ترادفهما فإن الحق أنهما مختلفان إجمالاً وتفصيلاً كما مر ولأن دلالة الحد بأوضاع متعددة وعن التواكيد المركبة وبه موضوع واحد عن المهملات والمتباينة تفاضلت أو تواصلت كالإنسان والناطق والحقيقة والمجاز وبالباقي عن التوابع الباقية.
الثاني: أن سببه إما تعدد الواضع أو تكثير وسائل التعبير المسمى عند علماء البيان بالاقتنان فان تكثير الذرايع أفضى إلى المقصود أو تيسير مجال النظم والنثر وأنواع البديع أما النظم فقد يصلح أحدهما للقافية أو الوزن دون الآخر نحو ذاهبة بخلاف صاحب العطة وأما النثر فقد يصلح أحدهما للسجع أو وزن الترصيع نحو حمدت آلاؤه وشكرت نعماؤه بخلاف نعمه وأما أنواع البديع فكالتجنس كما مر وكإبهام التقابل المراد به المطابقة وكالمشاكلة الرماد بها مراعاة النظير نحو حسناً خيرا من خياركم في جواب حسناً خير من حسنكم والترادف باعتبار أحد المعنين كاف في التمثيل وإن كان حصول الفائدة باعتبار معنى آخر وبهذا يندفع ما قال المانعون لوقوعه أنه لو وقع لعرى الوضع عن الفائدة لكفاية أحدهما واللازم بطلان الواضع أو الملهم حكيم وقالوا لزم التعريف بالثاني للمعرف بالأول وأنه لخصيل الحاصل قلنا نصب علامة أخرى للمعرفة بهما بدلا وإذا قيل لهم لا نفيد المظنة مع المئنة قالوا ما يظن منه من اختلاف الذات والصفة كالإنسان والبشر باعتبار ظهوره أو الصفات كالخمر لتغطية العقل والعقار لعقره أو لمعاقرته البدن وملازمته أو الصفة وصفه الصفة كالعقار والحندريس لعدم معاقرته أو اختلاف الذكر والأنثى كالأسد والليث أو الحالة السابقة كالقعود من القيام والجلوس من الاضطجاع والكل مم حتى يثبت بالعقل الصحيح لا سيما في الكل.

(1/109)


الثالث: أنه خلاف الأصل لتوقف استعماله على حفظ المتخاطبين جميع المترادفة وإلا جازان يعبر أحدهما بغير اللفظ المعلوم لصاحبه فلا يفهم مراده وفيه مشقة والأصل عدمها.
الرابع: في صحة وقوع كل من المترادفين موقع الآخر وربما يقال في وجوب صحته والمراد واحد لأن الإمكان إذا جعل جزعًا من المحمول كانت النسبة ضرورية وإلا صح صحته إذ لا مانع في المعنى لوجدته والتركيب لعدم الحجر فيه عند صحته بالنقل المتواتر قالوا لصح خذاي أكبر مكان الله أكبر واللازم منتف قلنا ملتزم صحته ولئن سلم فاختلط اللغتين فارق لأن كل لغة مهمل بالنسبة إلى الأخرى إلا عند اعتبار النقل والإقامة كما فعلنا بدلالة التعريب، وفي التأكيد المناسب للترادف بحث واحد أنه تقوية مدلول المذكور بلفظ آخر أي مغاير شخصاً أو نوعاً سواء كان مقدما كان على الجملة المؤكدة أو مؤخراً فإما بنفسه ويجري في الألفاظ كلها ويسمى باللفظي وإما بغيره ويسمى المعنوي كالألفاظ المحفوظة ومنه المقدم كان وأنكره الملاحدة طعناً في القرآن متمسكين بأن الأصل التأسيس لأن الإفادة خير من الإعادة قلنا إنه لا يمنع الجواز لفائدة دفع توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول أو رفع التردد أو ورد الإنكار أو التنبيه على الاهتمام بشأن الكلام أو المخاطب أو إظهار التحسر والتحزن أو غير ذلك وكلها إما صريحًا وجزيا على مقتضى الظاهر أو كناية وجريًا على خلافه كما فضل في مقاه ومع ذلك فالمظنة لا تعارض المئنة الثابتة باستقراء اللغات.