فصول البدائع في أصول الشرائع وفي الحقيقة والمجاز
مباحث
والأول: في أماراتهما
يعرفان نار ضرورة أي بدون الانتقالين وكنص أهل اللغة باسمها أو
حدهما أو خاصتهما وليس في الأخيرين إلا الانتقال ليتنافى مع
أنهما كالبيان للتصور لا للتصديق بالحقيقة أو المجازية وأخرى
نظراً أي بالانتقالين من وجوه:
أ- عدم صحة النفي في نفس الأمر وإن صح لغة إذ لصحة لغة لا
يقتضي الصدق للحقيقة وصحته قيد للمجاز لا يقال المستعمل في
الجزء أو اللازم المحمولين مجاز مع عدم صحة نفيه عنهما حيث يصح
الحمل بينهما لأنا نقول يصح نفي مفهومه المطابقي عن المراد
منهما وهو مفهوما هما وهو المراد واعتراض على الأول بأن العلم
بعدم صحة النفي موقوف على العلم بكونه حقيقة إذ المجاز يصح
نفيه فإثبات كونه حقيقة به دور ظاهر وعلى الثاني بأن المراد
صحة نفي كل معنى حقيقي وإلا لانتقض بالمشترك فالعلم بها
(1/110)
موقوف على العلم بأن ذلك المعنى ليس شيئاً
من المعاني الحقيقية وذلك موقوف على العلم بكونه مجازياً
فإثبات كونه مجازاً به دور مضمر ورد بمنع التوقف الثاني لا
مكان القطع بأن زيداً ليس من المعاني الحقيقية للأسد مع أن لا
يعلم استعماله فيه فضلاً عن المجازية فلا دور واجب يحمل التوقف
على المعية فإن المعنى أن بين معرفة صحة السلب والمجازية معية
زمانية لأن العلم يكون المسلوب عنه ليس شيئاً من الحقائق مقارن
لهما زماناً فلو كانت سبباً لها لتقدمت على مقارن نفسها
والمتقدم على المع متقدم فيتقدم على نفسها وهو الدور وليس بشيء
لأن المعية أيضاً ممنوعة بما مر من السند وعندي أن كلا
التوقفين مم لأن مراد القوم صحة نفي جميع المعاني الحقيقية عن
محل الكلام وإن لم يعلم المراد نحو طلع الشمس في عشيتنا يعلم
فيه صحة سلب الجرم والضوء مع عدم خطور ما هو المراد بالبال
فضلاً عن أنه ليس شيئاً من المعاني الحقيقة لجواز أن يكون حضر
الحقائق معلوماً سابقاً ولئن سلم فلا يلزم خطور مجازيته
لاحتمام الكذب أو الغلط إلى أن ينتظر فط العلاقة والعلامة
وجوابه المشهور وجهان:
1 - منع أن سلب بعض المعاني غير كاف إذ سلبه يوجب الاشتراك
لولا المجازية والمجاز أولى.
2 - إن ورود الدور فيما لا يدري المعنى الحقيقي أي مجازي إما
إذا علما ولم يعلم المراد يعلم بصحة سلب الحقيقي أن المراد
المجازي قيل إذا لم يعلم المراد كيف يمكن سلب الحقيقي عنه أو
إثباته وأجيب بان المراد سلبه عن محل الكلام لا عن المراد ولا
منافاة بين قرينة المجاز وأمارة المجازية.
ب- قيل: للحقيقة أن يتبادر هو إلى اللهم لولا القرينة وللمجاز
أن لا يتبادر ثم أورد المشترك المستعمل في معاينة الحقيقة على
طرد علامة المجاز إذ لا يتبادر أحدهما لولا القرينة مع أنه
حقيقة وعلى عكس الحقيقة وهو وإن كان غير ملتزم دني العلامة
ملتزم ها هنا اتفاقا لخصوص المحل.
فأجيب: بأن عنه القائلين بعمومه يتبادر كلها لولاها وعند
الآخرين حقيقة في أحدها لا بعينه وهو يتبادر وسيظهر ضعفه فعدل
إلى أن للحقيقة أن لا يتبادر غيره لولا القرينة وللمجاز أن
يتبادر غيره لولاها فورد على طرد علامة الحقيقة وعكس علامة
المجاز المشترك المستعمل في معنى مجازي إذ لا يتبادر غيره
للتردد وليس بحقيقة فإن أجيب بأنه يتبادر أحد المعاني لا يعنيه
وهو غيره رد بأن إمارة المجاز تصدق حينئذ على المشترك
(1/111)
المستعمل في العين إذ يتبادر غيره لأن غير
المعين غير المعين مع أنه حقيقة وإلا لكان متواطئاً والتزام
مجازيته في المعين خلاف إجماع الأصولين وهذا إلزامي ورده
التحقيقي أن منافي الحقيقة تبادر الغير على أنه المراد
والموضوع له وهاهنا تبادر أحد المعاني لا يعنيه ليس كذلك وإلا
كان متواطأ بل على أنه لازم المراد والموضوع له لأن المراد
والموضوع له معين منها لكنا لا نعلمه والأحد الدائر لازم
للمراد ولمكن أن يجعل هذا رد الرد ويوجه بأن إمارة المجاز
تبادر غيره على أنه المراد فلا يصدق على المستعمل في المعين
لأن تبادر غيره وهو غير المعين على أنه لازم المراد وهذا وإن
كان رد الرد لكنه رد للجواب أيضاً كما مر فالاعتراض وارد بما
يقال بأنه تصحيح الجواب إذ يصدق على المعنى المجازي للمشترك
أنه يتبادر غيره على أنه المراد وهو المعين من معانيه لولا
قرينة المجاز وإن لم يعلم ذاته بالتعيين ولا ينافيه تبادر إلا
حد لا يعنيه على أنه لازم المراد هذا كلام القوم. وفيه بحث إذ
الفرق بين معين من الشيئين غير معلوم وبين أحدهما غير معين غير
واضح لأن الضمير للمعنيين وعندي أن القرينة إما معينة وهى التي
للمشترك أو محصلة وهي للمجاز والفرق أن الفهم لو سوى نسبة
المعنين إلى الإرادة لولا القرينة فهي معينة وإن رجح أحدهما
فهي محصلة فمراد المشايخ بالقرينة في الأمارتين المحصلة بقرينة
السياق فلا يرد المشترك على شيء من العبارتين في كل من
الإمارتين إذ يصدق على المشترك أنه يتبادر أحد معانيه لولا
القرينة المحصلة إذ معناه عدم توقفه على القرينة المحصلة
وتوقفه على القرينة المعينة لا ينافيه كتوقفه على العلم بالوضع
وهذا تحقيق ما حام أحد حوله ولا بد منه لأنها أشهر الإمارات في
عبارات المشايخ.
ج- مع كل مما يعده للمجاز خاصة إذ لا ينعكس شىء منها وهو عدم
اطراده بأن لا يجوز استعماله في محل مع وجود سبب الاستعمال وهو
في المجاز مجوزه نحو أسال القرية دون اسأل النشاط وكالنخلة
للإنسان الطويل دون غيره ولا ينعكس لأن المجاز قد يطرد كما مر
واعترض بانها غير مطردة لوجودها في الحقيقة كالسخي والفاضل لا
يطلق على الله مع جوده ومزيد علمه والقارورة لا يطلق على غير
الزجاجة كالدن مع تقرر الشيء فيه فأجيب بأن الإمارة عدم
الاطراد من غير مانع مطلقاً وهاهنا مانع شرعي في الأولين ولغوي
في الثالث فرد بان عدم الاطراد لا لمانع ممكن له سبب وسببه إما
المانع أو عدم المقتض والمفروض أن لا مانع فهو عدم المقتضي
ومقتضي الاستعمال إما الوضع أو العلاقة لكن العلاقة لو اقتضت
ولا مانع لكان مطرداً فهو الوضع فعدم الاطراد سببه عدم
(1/112)
الوضع فالعلم به يتوقف على العلم بعدم
الوضع لا لأن ذا السبب إنما يعلم بسببه كما ظن أن الحكيم يقول
به بل ما قاله إن العلم التام بما له السبب بالعلم يسببه بل
لأن العلم بعدم المانع من ترتب الأثر على المقتضى يقتضي العلم
بخصوصية المقتضي لاحتمال أن يكون مفسدة المانع مرجوحة عن مصلحة
المقتضي فلا يمنع وإذا توقف العلم بعدم الاطراد لا لمانع على
العلم بعدم الوضع وقد جعل إمارة للمجاز باعتبار عدم الوضع
فيتوقف العلم بعدم الوضع عليه فيدور.
توجيه أخصر
أن العلم بعدم الاطراد لا المانع موقوف على العلم بعدم المانع
الموقوف على العلم بخصوصية المقتضى وهو الوضع حتى يحكم بعدمه
فلو توقف المجاز باعتبار عدم الوضع عليه دار فلا يرد أن المجاز
أخص من عدم الوضع وجودًا ولا يلزم من توقف الخاص توقف العام
فالجواب الحق أن المراد يكون عدم الاطراد إمارة المجاز أن
الدائر بين المطلق والمقيد إذا لم يطرد في المطلق يعلم أنه
مجاز فيما عدا المقيد فيعلم أن الجواد لمن من شأنه البخل
والفاضل لمن من شأنه الجهل أو النسبة إلى فرد من بني نوعه
بالزيادة والقارورة لما به خصوصية الزجاجة فلا دور لأن منشأه
تقييد عدم الاطراد بعدم المانع ولم يقيد فأمكن العلم به بنحو
النقل والاستقراء وإلا بالعلم بسببه ولا نقض أيضاً لأنها حقائق
في المقيد.
د- إمارة المجاز دي مقام التردد بينه وبين المشترك وهي مخالفة
صيغة جمعه لصيغة جمع مسمى هو فيه حقيقة كالأمور مع الأوامر
فانهال لما أشعرت بعدم التواطئ فالمجاز أولى فلا يرد جواز
مخالفة صيغتط جمعي المشترك المذكور والذكران والذكارة خلاف
الأنثى والمذاكير للعضو وكذا العيدان لعود الخشبة والأعواد
لعود اللهو ولا ينعكس لجواز اتحاد جمعي المجاز والحقيقة كالحمر
والأسد.
هـ - التزام تقييده فلا يراد عند الإطلاق نحو نار الحرب فيمن
يقول بمجاز به المضاف كالسكاكي على خلاف الجمهور للشهور في نحو
أظفار المنية وتوقفه على صحبة الغير لخقيقاً أو تقديراً التي
هي دليل المجاورة في الخيال {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله} (آل
عمران: من الآية 54) مثلها {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله}
(الأعراف: من الآية 99) ولا ينعكسان لأن عدم التقييد والتوقف
فقد يوجد في المجاز.
ز- عدم جواز اشتقاق المنصرفات منه كالأمر للفعل.
ح- التعلق إلى غير قابل نحو اسأل القرية.
(1/113)
ط- إطلاق الحقيقة متعلق على ما ليس له ذلك
نحو انظر إلى قدرة الله أي مقدوره.
المبحث الثاني في مجوز المجاز
العلاقة اتصال للمعنى المستعمل فيه بالموضوع له صورة كما في
المرسل أو معنى كما في الاستعارة وعلاقتها المشابهة وهي
الاشتراط في معنى مطلقا لكن يجب أن يكون ظاهر الثبوت لمحله
والانتفاء عن غيره وإلا لم يفهم مع صرف القرينة عن الحقيقة
وكان تعمية وألغازا كالأسد على الشجاع لا الأبخر والموجود
والتعين من القرينة غير ملتزم وليس المراد بها الاشتراك في
الكيف فيندرج لختها المشاكلة الكلامية كالإنسان على الصورة
المنقوفة والمطابقة والمناسبة والموازاة وغيرها وتضاد نزل
يمنزلة التناسب لتهكم أو لقليح نحو فبشرهم بعذاب أليم والاتصال
الصوري إما في اللفظ وهو في المجاز بالزيادة والنقصان على مذهب
المتقدمين قبل وفي المشاكلة البدعية وهو الصحبة الحقيقية أو
التقديرية والحق أن عدها علاقة باعتبار أنها دليل المجاورة في
الحيال فهي العلاقة في الحقيقة وإلا فالمصاحبة في الذكر بعد
الاستعمال والعلاقة تصحح الاستعمال فيكون قبله أو في المعنى
فأما أن يكون المجازي عين الحقيقي بالقوة كالمسكر لخمر أريقت
أو بالفعل فيما مضى فالكون عليه كاليتيم للبالغ أو فيما يستقبل
فالأول إليه كالخمر للعصير ممن كانت مقصودة منه عنده أما الحال
ففيه حقيقة وإما بأن يكون لازما له وتسمى المجاوزة لزوماً
ذهنياً كالعدم على الملكة أو خيالياً عادة كأحد الضدين على
الآخر حيث لا تنزيل كالسليم على اللديع والمشاكلة البديعية
مثله من وجه ومثل المشاكلة الكرمية من أخراً وإن كان الانتقال
عادياً ويندرج فيه صور كلية:
1 - الكلية والجزئية كالركوع في الصلاة واليد فيما وراء الرسغ
ويدخل فيهما المطلق في المقيد كما سيجيء وعكسه كالنصف في البعض
والخاص في العام وعكسه إذا كان العام جزءًا والحقيقة المراد
بها العموم نحو علمت نفس لأنها جزء الأفراد.
2 - الحالية والمحلية كاليد في القدرة نحو يد الله وعكسه نحو
قدرة طولي.
3 - حلولهما في محل كالحياة في الأيمان والعلم والموت في
ضدهما.
4 - حلولهما في محلين متقاربين كرضي الله في رضي رسوله.
5 - حلولهما في خيرين متقاربين كالبيت في حرمة بدليل فيه مقام
إبراهيم.
6 - السببية والمسببة فالقابلية كالظرف على مظروفه نحو سأل
الوادي وعكسه نحو البريد لي مكان ربطه والفاعلية كالنبات
والغيث من الطرفين ومن السببية الدم في الدية وأكل
(1/114)
الدية في أكل الدم والاكاف في ثمنه
والمسببة الموت على المرض والحرج والضرب والمهلكة والغائية نحو
الخمر في العنب والعهد في الوفاء في قوله تعالى إنهم لا إيمان
لهم ومن الجائز اجتماع العلاقات بالاعتبارات فالصور به كالمتصل
على الهيولى والقابل على الصورة عند من يقول بهما وهذان
متدرجان تحت الحالية والمحلية أيضاً فلا تغفل عن النكتة.
7 - الشرطية والمشروطية نحو الأيمان في الصلاة والمصدر على
الفاعل والمفعول كالعلم أو المعلوم فالمجموع أكثر من ثلاثين.
المبحث الثالث
في أن النقل لا يشترط في أحاد المجازات بل العلاقة كافية إذ لو
كان نقليا لتوقف أهل العربية في التجوز على النقل والخطأ
واستعمل غير المسموع وليس كذلك بالاستقراء ولذلك لم يدونوا
المجازات كالحقائق وقيل: أيضاً لو كان نقلياً لاستغني عن النظر
في العلاقة لكفاية النقل وقد أطبق أهل العربية على الافتقار
إليه وفيه نظر لأن المراد بالاستغناء إن كان استغناء كما هو
المناسب فاللزوم ممنوع والإطباق ليس على افتقاره وإن كان
استغناء الواضع في وضعه فاللزوم ممنوع ولئن سلمنا الإطباق على
افتقار المتجوز لكن لا يلزم منه الافتقار في تجوزه لجواز أن
يكون في الاطلاع على الحكمة الباعثة للمجاز وتعرف جهة حسنة
وقيل: يشترط لوجهين:
أ- أنه لو كفي العلاقة لجاز نحو نخلة لطويل غير إنسان للمشابهة
وسبكة للصيد للمجاورة والسمار للأرض للتضاد والأب للابن وعكسه
للسببية والمسببية لا للأول إليه في الأب والكون عليه في الابن
كما ظن أما إذا لم يختلف المضاف إليه كان يقال أبو زيد ويراد
ابنه أو بالعكس فظاهر وأما إذا اختلف فلان الابن علي الأب
لكونه ابنا حقيقة وجوٍابه أن العلاقة مقتضية للصحة وتخلفها
لمانع مخصوص لا يقدح ولئن كان عدم المانع جزءًا من المقتضي
فمعنى كفاية العلاقة عدم اشتراط وجود النقل وإن كان المانع
معتبراً معه هذا كلام القوم ولم يحم أحد حول تحقيق المانع عن
التجوز في أمثاله والذي نحدسه من تصفح الأقوال وتفحص الأمثال
أن كل حقيقة جرت عادة البلغاء في التجوز على الانتقال منها إلى
معنى معين دائماً كما عن الجمود إلى بخلها بالدموع أو أن
البكاء فالانتقال إلى غيره وإن كان مع علاقة مصححة كما عنه إلى
عدم البكاء مطلقاً وعنه إلى السرور محتل ليس بمقبول لأنه غير
منقول حتى يلزم تحجر الواسع وإلحاق بالمقلد بل لأن تعارفهم على
أخلافه يمنع الأذهان عن الالتفات لفت هذا الانتقال فيما بينهم
فاعتبر المانع
(1/115)
في حقهم مانعاً مطلقاً إما لم يعلم تعارفهم
فيه يجوز الانتقال عنه إلى مجاز فيه المجوز المعتبر في
المختارة ويشترط النقل عند المخالف.
ب- أن التجوز بلا نقل إثبات ما لم يصرح به فيجامع قياس وبدونه
اختراع وكلاهما باطل جوابه أن عدم الوضع الشخصي لا يقتضي عدم
الوضع مطلقاً ليلزم أحدهما لجواز أن يوضع نوعياً أن العلاقة
مصححة ويعلم بذلك كليا بالاستقراء كما في قواعد العربية من رفع
الفاعل باسمه ونصب لمفعول واسمه.
المبحث الرابع
في أن اللفظ المستعمل جنسهما فليس قبل الاستعمال شيئاً منهما
فمعنى أن المجاز يستلزم الحقيقة أولاً أن استعماله مجازاً
يستلزم استعماله حقيقة الحق لا للعلم الضروري بإمكان استعماله
في غير ما وضع له بدون استعماله فيه كإمكان عكسه الاتفاقي
للمخالف لو لم يستلزم لخلا الوضع عن الفائدة وكان عبثاً وأنه
محال إما الملازمة فلان ما لم يستعمل لم يفد المعاني المركبة
فانتفت فائدة الوضع قلنا لا نم إن فائدته إفادة المعاني
المركبة فقد مر جواب شبهة من قال به لكن هذا غيركاف لأن غير
المستعمل لم يفد المعاني المفردة أيضاً فالجواب الحق منع
انحصار الفائدة فربما كانت صحة التجوز أو منع بطلان اللازم إذ
البعث مراداً به ما لا يقصد به فائدة غير لازم وما لا يترتب
عليه غير محال وربما استدل على الحق بأنه لو استلزمها لكان
لنحو شابت لمة الليل أي ابيض الغسق وقامت الحرب على ساق أي
اشتدت من المركبات حقيقة وليست وأجِيب جدلياً بأنه مشترك
الالتزام لأن نفس الوضع لازم للمجاز فيكون لنحوها موضوع له
وليس وتحقيقاً باختبار أن لا مجاز في المركب بل في المفردات
ولها وضع واستعمال قيل هذا يصح في المثال الأول فاللمة عن
الغسق والشيب عن البياض لا في الثاني وأجيب بأن القيام عن
الثبات على أرفع الأوضاع من قام النائم كما قال الزمخشري في
يوم يقوم الحساب ونحوه ترجلت الشمس إذا أشرقت أو عن عدم غلبة
إحدى الفئتين من قامت لعبة الشطرنج والساق عن أسباب الحرب التي
بها ثباته ومن أَتبع عبد القهر في أن المجاز مفرد ومركب ويسمى
عقلياً وحقيقة عقلية لكونهما في الإسناد كان طرفاه حقيقتين نحو
سرتني رؤيتك أو مجازين نحو أحياني اكتحالي بطلعتك أو مختلفين
فإن اتبعه في عدم الاستلزام أيضاً فذاك وإلا فيجيب بأن مجازات
الأطراف لا مدخل لها فيه ولها حقائق ومجاز الإسناد ليس لفظاً
حتى يطلب لعينه حقيقة ووضع بل معنى له حقيقة يعبر هذا اللفظ
واجتماع المجازات لا يستلزم اجتماع
(1/116)
حقائقها ومن قال بأن المجاز المركب في
الاستعارة التمثيلية نحو طارت به العنفاء وأراك تقدم رجلاً
وتؤخره أخرى فلا بد أن يقول بعدم الاستلزام وإلا ففط مذهبه
إشكال ومن نفى المجاز المركب كما أجاب عن التمثيلية بأن المجاز
في المفردات إن أمكن تحمله في كل موضع أجاب عن المجاز العقلى
بأنه من الاستعارة التبعية وذلك لأن عرف العرب على أن يعتبر
القابل فاعلاً نحو مات زيد وطلعت الشمس ودعوى أن الإسناد فيهما
مجاز عند الشيخ افتراء عليه ولم يلتزموا الإسناد إلى الفاعل
الحقيقي كما في أثبت الله وخلق الله ومنه ضرب زيد لأنه محل
أحداث الدق ولم يضرب محذو حذو إثباته فكذا سرتني رؤيتك وما في
معناه لأنها قابلة لأحداث الفرح فاتحدت جهة الإسناد على متعارف
العرب ولم يعتبر في ذلك تدقيق الأشاعرة في قاعدة خلق الأعمال
كما اعتبره عبد القاهر ولكون المتعارف ذلك صار إسناد الطاعة
والمعصية والعبث إلى العباد مع أن الموجد هو الله تعالى وشددنا
النكير على المعتزلة في إسناد الكلام إلى الله لا يجاده في
محله بأن الاستقراء دليل عدم صحته وإذا ثبت أن القابل يعتبر
فاعلاً فإذا أسند الفعل إلى قابله كما في سرتني رؤيتك فلا مجاز
وإذا أسند إلى غير قابله يجعل مجازا عن فعل يكون الفاعل مسبباً
قابلياً له وهذا معنى قولهم يجعل مجازا في التسبب العادي لا ما
فهموا أن يكون الفعل مجازاً عن تسبب له كما ظن فورد نحو جد جده
وشعر شاعر لأن تسبب القابل عادي كما مر أن عادة العرب على
الإسناد إليه والحقيقي هو تسبب الفاعل بمعنى أثبت الربيع صار
زمان إثباته وبني الأمير أمر ببناءه وجد جده اشتد أو وقع كما
ذكره الزمخشري في تقطع بينكم بالنصب وحاصله أن يجعل استعارة
تبعية ويستغنى بها عن المجاز العقلي كما عن الاستعارة بالكناية
تقليلا للانتشار وربما يستدل أيضاً بأنه لو استلزمها لكان
اللفظ الرحمن حقيقة وهو ذو الرحمة مطلقًا وليس ورحمان اليمامة
تعنت في الكفر.
وفيه بحثّ لما مر أن الدائر بين المطلق والمقيد ليس حقيقة في
المطلق بل في المقيد، وقيل: ذو رقة القلب أو بقيد المذكورة
وفيهما أيضاً شيء إذ لا يفهم في العرف الجاري إلا إرداة الخبر
وإذ وضع الصفات للذات بلا قيد الذكورة وإلا اجتمع المتنافيان
عند دخول التاء ولكان نحو عسى وحبذا حقيقة لأن الكلام مع
القائل بفعليته وكل فعل له زمان وقد استقرئ ولم يوجد قيل وهو
المعنى بعدم الاستعمال وفيه شىء بل التعويل على أن اللغة جوزت
استعمالها على من لم يثبت عنده حقيقتها والمراد العدم في
الجملة.
تتمة: ففط أنبت الربيع البقل أربعة مذاهب إذ لا بد له من
التأويل لئلا يكون كذباً
(1/117)
ومعتقد لا اعتبار له والنصرف في مطلق
المجاز إما في اللفظ أو في المعنى وكل بزيادة أو
نقصان أو نقل والنقل لمفرد أو لتركيب فأقسامه سعة لكن التأويل
المذهوب إليه ها هنا إما
في المعنى أو اللفظ ففي الإثبات أو الربيع أو التركيب:
1 - مذهب الرازي وتصرفه في أمر عقلي فقط وحاصله أن يتعقل معناه
لا للقصد إليه بل لأن ينتقل منه إلى تعقل جملة أخرى بطلب
التصديق بها وهي أنبت الله بتشبيه حال إنبات الله بحال إنبات
بقدر للربيع في دورانه معه فهي استعارة تمثيلية مستعار منه
فيها مقدر نحو طارت به العنقاء وفي هزم الأمير الجند محقق أو
يطلب تصورها نحو يا هامان ابن لي صرحاً لا كناية كما ظن ولكان
كون الفعل للفاعل الحقيقي ذاتياً له كان إسناده إلى غيره
بواسطة تشبيه حاله إلى حاله وجعله فردا منه تصرفاً في حكم عقلي
لا لغوي.
2 - مذهب ابن الحاجب وهو أن يجعل المسند مجازا عن فعل يكون
الفاعل سبباً قابلياً له عادة وإن كان وضع أنبت لا كل فعل كما
ظن لأن يسند إلى السبب الحقيقي الفاعلي لكن لا بعينه لأن دعوى
أن أنبت موضوع للصدور عن الفاعل المعين يكذبنا غير وجه وأقله
جواز عدم ذكره وكون ذكره تكرر ولكونه لا بعينه ولا بد من
تعيينه لم يجز حذف الفاعل فس استعارة تبعية وقد جرى على هذا
الصنيع في كل مجاز عقلي واستعارة بالكناية فالمجاز عنده ليس
إلا لغوياً.
3 - مذهب السكاكي وهو أن الربيع استعارة بالكناية وتفسيره أن
فيه تصورين:
1 - أن يتصور الربيع بصورة الفاعل الحقيقي ويجعل فرداً منه وإن
كان عنه متعارف مبالغة في التشبيه ومن لوازمه أن يكون الفاعل
الحقيقي اسم جنس يتناوله.
2 - أن ينقل اسم جنسه إلى المشبه ويستعار له ويجعل لفظ الربيع
كأنه ذلك فهذه استعارة قرينتها استعارة أخرى هي عند القوم ثبوت
الإثبات للربيع من حيث إنه فرد ادعائي لا حقيقى ولما كان
استعارة ثبوته له لازمة لاستعارة جنس الفاعل الحقيقى له وقد
انتقل من الأولي إلى الثانية لكونها قرينتها جعلت الثانية
استعارة ملتبسة بالكناية ومكنية والأولى تخيلية لتخيل إثبات
لازم المشبه به للمشبه كما هو بعينه كذلك في أظفار المنية ولما
لم يثبت المتقدمون في المنية استعارة وجعلوا إثبات الإظفار
تخيلية وإثبات الإنبات لي أنبت الربيع مجازا عقلياً كان ما هو
المجاز العقلي عندهم استعارة تخييلية سواء كان المثبت أمرا
محققاً كالإنبات أو مخيلاً كالإظفار واستلزم المكنية للتخييلية
وإن كان التخييلية عند السكاكي نوعاً من الكلام إذا كان المثبت
مخيلاً لا نفس الإنبات فلم يكن لازمه للمكنية
(1/118)
عنده ولما اختار أيضاً نظم التبعية في سلك
المكنية بالتصرفين وقرينة التخييلية انتظم الثلاث في سلك واحد
عنده وتصرفهما في أمر عقلي أولاً وهو جعل المشبه به ولغوي
ثانياًوهو نقل اسمه إليه.
4 - مذهب عبد القاهر وهو أن الهيئة اللفطة موضوعة وضعاً نوعياً
للمعنوية فالموضوعة لملابسة الفاعلية أي لإسناد الحدث إلى ما
يقوم به عادة إذا استعملت في ملابسة الظرفية لمناسبة بينهما
بلا دعوى الجنسية والمبالغة في التشبيه كان مجازا عقلياً
وتصرفه في أمر لغوي فقط فاعتبار التشبيه بين الإسنادين بدون
اعتبار وضع الهيئة التركيبية ولذا نسب التصرف إلى العقل وجعل
المجاز مجموع الكلام مذهب الرازي واعتباره معه بدون دعوى
الجنسية والمبالغة وجعل المجاز في الهيئة الاسنادية ونسبة
التصرف إلى اللغة مذهب عبد القاهر، واعتباره معه ومع دعواهما
أمر ثالث غيرهما ليس مذهبا لأحد والحق أن المذاهب الأربع
اعتبارات لا حجر فيها بعد كفاية العلاقة في المجاز وقد اعتبرها
صاحب الكشاف في ختم الله وطبع الله وإثبات الغشاوة على الأبصار
والأكنة على القلوب حيث جعل الختم والطبع والتغطية تارة أنفسها
استعارة مصرحة تبعية لعدم نفاذ الحق في القلوب ونبو السمع عن
الإصغاء إليه وعدم اجتلاء الأبصار بالأيات الإلهية بجامع عدم
الانتفاع وأخرى محالها تمثيلية أو استعارة بالكناية على الخلاف
في توجيهه عن أشياء ضرب حجاز بينها وبين الاستنفاع بها بتشبيه
بين الحالين أو في الطرف وطورا جعل المجموع منهما ومن الفاعل
استعارة تمثيلية مستعار منه قلوب ختم الله عليها محقق كقلوب
الأغنام أو البهائم نحو سأل به الوادي أو مقدر كذلك نحو طارت
به العنقاء وآخر عد الإسناد مجازياً من قبيل إذا ردعا في القدر
من يستعيرها، وزاد الكناية التلويحية عن ترك القسر والإلجاء
المتعينين طريقاً إلى إيمانهم فإنه ملزوم مختومية القلوب من
الله بالواسطين أو لازمها تمهيدا لقاعدة التكليف وإن يكون
حكايته كلام الكفرة تهكما بهم وظني أن استعارة تمثيلية من
تشبيه حال غير محقق بحال محقق ومن باب فبشرهم من وجه وإن يكون
مجازاً عن تمكن صفة القلوب والأسماع والأبصار فقيل كناية
إيمائية وليس يمرضى لأن الانتقال من المردوف والظاهر أنه
استعارة بالكناية أو تمثيلية لكن باعتبار نسبته إلى مجرد
الفاعل.
المبحث الخامس في وقوع الحقائق
لا ريب في اللغوية والعرفية العامة كالدابة والملك لبعض ما يدب
ومن يرسل والخاصة كالقلب والنقض إما في الشرعية وهي المستعملة
في وضع أول للشارع لا لأهل الشرع
(1/119)
كما ظن فمذهبان نفيها للقاضي أبي بكر قائلا
تارة بأنها مقررة في اللغوية والزيادات شروط وأخرى بأن ركنية
الزيادات للمعاني المجازية الغالية عند أئمة الشرع لا للمرادة
للشارع وإثباتها بوضع الشارع لها لمناسبة فمنقولات أولاً لها
فموضوعات مبتدأة لبعض الفقهاء والمعتزلة وهو المختار والدينية
التي أثبتوها نوع منها وهي ما لم يعرف أهل اللغة معناه
والاقتصار عليه لأنه الواقع كأسماء الذوات أي التي لم يعتبر في
مفهومها المباشرة كالمؤمن والإيمان دون أسماء الأفعال التي
اعتبرت كالمصلي والصلاة وتخصيصها بالفاعل لا يصح طردًا وعكسًا
وفرقوا بأن المناسبة ملاحظة في وضع الشرعى دون الدينية لعدم
المعرفة فلا عمية الأولى قيل الاقتصار عليها أولى ومن ادعى
مذهباً ثالثاً لم يحرر مذهب القاضي والثمرة حملها في كلام
الشارع مجردة عن القرينة على اللغوي له والشرعى لهم إما في
كلام المتشرعة فعلى الشرعى إجماعاً لأنها حقائق عرفية بينهم
للمثبت أن مثل الصلاة اسم لمثل الأقوال والهيئات المفتتحة
بالتكبير المحتتمة بالتسليم وإنها السابقة إلى الفهم منها وليس
إلا بتصرف الشرع. وفيه بحثٌ إذ لو أريد بالشرع الشارع منع أو
المتشرعة فلا يجدي ولئن سلم فلو أريد بالتصرف وضعه منع أو
استعماله فلا يجدي ثم قول الخصم بأنها باقية في اللغوية
والزيادات شروط باطلة بأنه حينئذ لا يكون مصلياً من لم يكن
داعياً ومتبعًا كالأخرس المنفرد لا يقاتل من قبيل ترك الركن
الزائد كما في المريض المومي لأنا نقول هذا إقامة هيئة مقام
أخرى ولم يقم مقام الدعاء أو الاتباع شىء ومع تسليمه يثبت أصل
الدعوى ولا اشتراك لأن المسني الهيئة المشروعة وكذا قوله بأنها
مجازات لاشتهارها في استعمال الشارع وذلك معنى الحقيقة الشرعية
وللنافي أولاً إنها لو نقلها الشارع لفهمها
المكلف ونقل إلينا وإلا لزم تكليف الغافل ولم ينقل إذ لا تواتر
مع أنه المعتاد في أركان الدين والأحاد لا نفيد العلم وهي
معلومة وجوابه منع حصر التفهيم في الطريقين فإن له ثالثاً هو
الترديد بالقرائن كما في تعليم اللغات للأطفال وهذا منع بطلان
اللازم أن أريد بالتفهيم ما يتناوله وإلا فمنع الملازمة
وثانياً إنها لوكانت شرعية لكانت غير عربية إذ لم يضعها العرب
واللازم بطلان القرآن مشتمل عليها وكل مشتمل على غير العربي
غير العربي وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا} (يوسف: من الآية 2) وجوابه من وجوه:
1 - منع أن العرب لم يضعها لجواز أن يكون وضع الشارع إياها
لمناسبة فيكون مجازات لغوية وهي موضوعة بنوعها.
2 - منع أن المشتمل على غير العربي غير عربي بل العربي ما
غالبه هو قصيدة فيها
(1/120)
لفظة فارسة قيل بدليل صحة الاستثناء نحو
القرآن عربي إلا تلك الألفاظ وليس بشيء لأن القرآن يراد به
المجموع باعتبار غالبه وكل من كلماته وصحة الاستثناء بالاعتبار
الأول ممنوع أولاً يرى أن القرآن العربي مشتمل على مثل إبراهيم
مما أجمع على عجمته وإن سلم احتمال كون مثل الاستبرق مثل
الصابون وعلى أسماء السور وإنها موضوعات مبتدأة شرعية أما
الاستناد بأن العربي ما يستعمله العرب في الجملة من دون تعيين
المعنى قبط لأن تعيين اللغة ناظر إلى معناها.
3 - منع أن كل القرآن عربي لجواز كون الضمير للسورة وهي بعض
القرآن ولوضع القرآن للمفهوم الكلي المشترك بين الكل والجزء
كالماء ولذا يحنث بقراءة آية من حلف لا يقرأ القرآن إن صح
الحكم على السورة بأنها القرآن وبعضه بالاعتبارين بخلاف
المائية أو لأنه مشترك لفظي بين الكل والجزء وللمعتزلة في
إثبات الحقائق الدينية التي هي الموضوعات المبتدأة وجوه:
1 - أن هذه المعاني المخترعة الشرعية لا بد لها من ألفاظ
تعرفها للمكلف وجوابه أن التجوز كاف في التعريف.
2 - أنها واقعة لأن الأيمان لغة التصديق وشرعاً العبادات
المخصوصة أي الواجبات ولا مناسبة بينهما تصحح النقل قيل هو
سببها وأجيب بأنه ليس سبب حصولها بل قبولها وهذه السببية لا
تصحح إطلاق المؤمن على مودي الواجبات أما أن الأيمان العبادات
الواجبة فلأن العبادات هي الدين المعتبر لقوله تعالى إن الدين
عند الله الإِسلام والإِسلام هو الأيمان والألم يقبل مبتغية
لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران: من الآية85) ولأن المسلمين من
المومنين في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فيهَا مِنَ
المؤمِنِينَ} (الذاريات: 35) الآيتين، ولولا الاتحاد لم يستقم
الاستثناء، وإذا ثبت أَن العبادات هي الإيمان ثبت عكسه لأن
الحمل الحقيقي بين الصفات يقتضي اتحاد المفهومين وجوابه
المعارضة والحل أما الأولى فبقوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (الحجرات: من الآية 14) قل لم
تومنوا ولكن قولوا أسلمنا فإن المثبت غير المنفى فهذا على أن
يراد بهما المعنيان الشرعيان لا التصديق والانقياد بظاهرهم
معارضة لدليل أن الإِسلام هو الإيمان وإن ضم إليه وقد ثبت أن
العبادات هو الإِسلام فمعارضة الدليل أن العبادات هو الإيمان
وأما الحل فيمنع أنه لولا اتحاد المفهومين لم يقبل الأيمان من
مبتغية لجواز أن لا يكون ديناً غيره بل من شرائطه الأعمة وبه
يمنع قوله لولا الاتحاد لم يستقم
(1/121)
الاستثناء لجواز أعمية المؤمن واستقامة
استثناء المسلم فإن قلت أعميته وإن صحت لجواز كون المصدق فاسقا
لكن قوله تعالى لم تؤمنوا الآية ينافيها قلت نعم لولا إرادة
المعنيين اللغويين وهو مم وربما يجاب بأن السياقة لا تدل على
الاستثناء لجوازان يقال أخرجت النصارى فما وجدت غير بيت من
اليهود وبأن المسثنى منه بيت وبأنه لا يلزم من كون المؤمن
مسلماً كون الإيمان إسلاماً ويضمحل الجميع بأنه إن أريد بالبيت
المستثنى أهله لبيانه بالمسلمين فكذا بالبيت المقدر والمستثنى
منه أهله للمجانسة وهم المومنون لسياقه فالمعنى ما وجدنا فيها
أهل بيت هم المؤمنون إلا أهل بيت هم المسلمون فيكونان متحدين
وإلا يوجد في المؤمنين غير المسلمين وهو خلاف النص وإذا سلم
اتحاد المفهوم بينهما يلزم الخاه بين الإيمان والإِسلام وأجاب
الإِمام أيضاً بأن ذلك للواحد المذكر البعيد فلا يصرف إلى
الأمور كالواجبات ولا إلى المؤنث كإقامة الصلاة ولا إلى القريب
كأبناء الزكاة فإن صرفتم إلى المأمور به لقوله تعالى وما أمر
وأصرفنا إلى الدين المخلص لقوله تعالى مخلصين له الدين ويرد
عليه أنه إن لم يصرف إلى المجموع باعتبار أجزائه المتعددة
فيجوز من حيث هو غير انه من حيث هو يعد قريباً فلا يشار إليه
بذلك بل يصرف إلى أن يعبدوا فإن لفظه مذكر ومعناه مصدر مضاف
للعموم في معنى عباداتهم فعطف يقيموا ويؤتوا كعطف الروح على
الملائكة فالمعنى جميع العبادات الواجبات دين الملة المستقيمة
فبذلك يسقط الطعن أيضاً بأن مذهبكم أن الدين فعل الواجبات
بأسرها والمذكور ها هنا بعضها.
3 - لوكان الإيمان التصديق لكان قاطع الطريق المصدق مؤمناً
وليس لأنه يخزي حيث يدخل النار بقوله ولهم عذاب عظيم وهو دخول
النار بالإجماع ومن يدخلها فقد يخزي لقوله تعالى ومن تدخل
النار فقد أخزيته لا يقال هو حكايته كلام الأبرار ولا يمتنع
الكذب عليهم لأنه في معرض التصديق عرفا والمؤمن لا يخزى لقوله
تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ} (التحريم: من الآية 8)، وجوابه أن المراد
الصحابة بدليل معه وهم بُرءاء من قطع الطريق لأنهم عدول، ولذا
يقبل مراسيلهم إجماعًا وبعد تسليم العموم استيناف لا عطف قيل
فلا فائدة في الإخبار بعدم إخزاء النبي ومن معه فإن لمثله
فوائد مع أن عند الأشاعرة لا علم إلا من السمع.
فروع ثلاثة على النقل
1 - أن النقل خلاف الأصل للاستصحاب ولتوقفه على وضع ثان وهجر
الأول.
2 - من الأسماء الشرعية متواطئة كالصوم والزكاة ومشتركة
كالصلاة بين ذات الأركان
(1/122)
وصلاة المصلوب وصلاة الجنازة ولا معنى
مشترك بينهما يدعى بالصلاة والحروف الشرعية لم توجد والأفعال
توجد تبعاً ففسر التبعية بالاشتقاق من الاسم الموجود ومنعت
والحق أن التبعية لاعتبار النقل أولاً في المصادر وإن استعملها
الشارع وهذا كالاستعارة فإنها تنقسم إلى أصلية وهي الواقعة في
الحقائق أي ما ليس في مفهومها ما يصدق عليه النسبة كأسماء
الأجناس غير الصفة لأنها الصالحة للموصوفية أعني بالتشبيه ها
هنا وإلى تبعية وهو الواقعة في الأفعال والمشتقات لاعتبار
التشبيه في المصدركالدلالة بالنطق في نحو تطلقت في الحال وهي
ناطقة وفي الحروف لاعتباره في متعلق معناها أي ما يؤول إليه
عند التعبير أو مدخولها على المذهبين كما في لام العاقبة حيث
شبه تعقيب مدخوله بالتعليل لأن العلة الغائبة لكونها معلولة في
الخارج تتعقب الفعل أو نفس مدخوله بها نحو فالتقطه آل فرعون
ليكون لهم عدوًا وحزنًا ولدوا للموت وابنوا للخراب.
3 - صيغ العقود والفسوخ منقولة إلى الإنشاء في المختار وإلا لم
يمكن تعليقه أي في الماضي والحال أو لم يكن المعلق منجزاً عند
وجوب الشرط بل عُدَ للإيقاع أي في المستقبل ولأنها لو كانت
أخباراً فإن كذبت لم يترتب عليها الأحكام وإن صدقت فبوقوع
النسبة الخارجية فصدقها يتوقف على وقوع مدلولتها في أحد
الأزمنة ووقوعها أن توقف عليه دار أو على غيره وهو خلاف
الإجماع ولما وقع بقوله طلقتك للرجعية شيء كما لو نوى الإخبار.
المبحث السادس في وقوع المجاز في
اللغة والقرآن
أما في اللغة (1) خلافاً للأستاذ (2) فلان مثل الأسد للشجاع
وشابت لمة الليل مما لا يحصي يسبق عند الإطلاق منه غير ما أريد
به ويفهم هو بقرينة والفهم بالقرينة أمارة المجاز وقرينة
المشترك لتعيين أحد المفهومين لا للفهم له أنه مخل بالفهم عند
خفاء القرينة
__________
(1) أي واقع، وقال الشيخ سيف الدين الآمدي إنه الحق، وقال
الشيخ عبد الشكور: واقع بالضرورة، أي الاستقرائية. انظر/ إحكام
الأحكام للأمدي (1/ 61)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
(31111).
(2) قال: لأنه يخلّ بالتفاهم فإن اللهم إنما يتوجه إلى
الحقيقة.
وهو ممنوعٌ: لأنه لا يجوز استعماله من غير قرينه حيئذٍ ومنقوض
لأنه ينفي الإجمال لأنه أيضًا يخل بالفهم مع أنه واقع اتفاقًا.
انظر / فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 311).
(1/123)
وجوابه أن ذلك يفيد الاستبعاد وكونه على
خلاف الأصل لا الامتناع فهو مظنة عدم الوقوع ولا معتبر لها مع
القطع بالوقوع وأما في القرآن خلافاً للظاهرية فلا مثله فيه
منها قوله تعالى {لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْء} (الشورى: من الآية
11) مجاز بالزيادة {وَاسْأَلِ الْقَريةَ} (يوسف: من الآية 82)
مجاز بالنقصان فعند المتقدمين راجعان إلى حكم الكلمة لا معناها
ويطلق المجاز عليهما بالاشتراك ثم منهم من يجعل المجاز نفس
كلمة تغير إعرابها لزيادة أو نقصان ومنهم من يجعله إعرابها
ويلزمها ما من شىء كمثله وسوال القرية حيث لم يتغير الإعراب
فيهما وعند المتأخرين راجعان إلى المعنى فقد أطلق مثل المثل
على المثل وسؤال القرية على سؤال أهلها فهما لفظان مستعملان في
غير وضع أول قالوا لي الأول حقيقة في نفي الشبيه فقيل مرادهم
نفى من يشبه ذاته ومعناه ليس كذاته شىء نحو بمثل ما آمنتم به
أي بنفسه وهو سهو لأنه وقوع فيما مر منه من حيث المثل في النفس
مجازًا وإن إحدى أداتي التشبيه زائداً والحق أن مرادهم نفي
شبيه المثل لأن التنزيه يقتضيه كما يقتضي نفى المثل وأجيبوا
بوجهين:
الأول: أن نفي مثل المثل يناقض غرضه وهو إثبات ذاته بلا مثل؟
لأن مثل مثله ذاته ضرورة أن المماثلة من الطرفين وهو المراد من
التناقض لا أن في عين النفي إثباتا بالظهور إثبات المثل وإلا
كان مبنياً على الثاني فيستدعي تأخيره وكان جوابه جواباً لهما.
الثاني: أنه ظاهر في إثبات مثله ونفى ذاته تعالى عن ذلك علوا
كبيراً لأن وضع ليس لسلب النسبة بين اسمه وخبره ولا تعرض له
لسلبها بين اسمه وما أضيف إليه خبره فالظاهر أنها مسلمة وإلا
لتعرض لسلبها وإن كان محتملا عقلاً وإذا ثبت مثله ظاهراً كان
ذاته مثل مثله وقد نفاه وربما يرد الأول لجواز أن يكون نفي مثل
المثل لنفي المثل بطريق الكناية دفعاً للتناقض ولي في ذلك وجه
آخر أن يراد نفى مشابهته لمن يفرض مثلاً له فإن نفى الموصوف
بالمثلية ربما يكون بنفيها كما تقول لا جاهل عندي نريد به نفى
جهل من عندك ولا يقال إنه مجاز لأن نفي الكل عند انتفاء الجزء
حقيقة والثاني بأن الظاهر لا حكم له حين عارضه القاطع المذكور
في نفيه من أنه لنفي المثل دفعاً للتناقض وزيد وجه آخر أن يراد
نفى شبيه المثل القاصر في المماثلة على ما يقتضيه قانون
التشبيه فضلاً عن المثل ولا قصد إلى ذات بعينه كما في مثلك لا
يبخل وفي الثانية أن القرية مجتمع الناس من قرأت الناقة ومنه
القرآن وهو غلط إما معنى فلأن المجتمع بفتح الميم غير الناس
فلا يقيده وبكسره ممنوع وإما لفظاً فلفا وتهماناً فصاص
ومهموزاً وإن القرية تجيبك لخلق الجواب
(1/124)
فيها كما قالوا بخلق الإرادة في الجدار في
{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (الكهف: من الآية 77) وهو
بعيد لأنه وإن أمكن لا سيما زمن النبوة إلا أنه إنما يقع معجزة
أو كرامة وهو بالنسبة إلى التجوز قليل والعدول عن الشائع إلى
القليل إلا عندما يقوم عليه دليل عليك مع أن وصف القرية بالتي
كنافيها دليل إرادة أهلها وإلا فدلالة الصدق في كلام جميع
الجمادات حاصلة ومنها قوله تعالى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: من الآية 194)
{وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلُهَا} (الشورى: من الآية40)
عبر عن جزاء الاعتداء وعن الحسنة الواقعتين علىً وفق الشرع حيث
لم ينه عنهما باسم الخارج عنه القبيح ففيه استعارة أحد الضدين
للآخر كالسليم الديغ أو أحد المتشابهين صورة للآخر كالفرس
المنفوس وذكر المثل لا ينافيها لأن مبنى الاستعارة تناسي تشبيه
وقعت لأجله لا كل تشبيه فتشبيه الاستعارة في الجنس والآلة
والمحل قال الفقهاء القصاص لمثل عقوبة الجاني فإن لم يحصل يزاد
من جنسه وإيراد المثل لتشبيه الجزاء في المقدار الذي يختلف فيه
الأفراد فهذا مثل قولك رأيت أسداً في الحمام مثل أسد رأينا أمس
في الطول وأما توهم أنه مثل زيد أسد مثله ففاسد فإن المشبهين
وهما جزاء الاعتداء والحسنة ليسا بمذكورين في الآيتين وقيل: لا
تجوز فيهما لأن الاعتداء هتك حرمة شيء والمعنى كما هتك حرمة
لكم من الحرم أو الشهر الحرام أو المال أو النفس أو العرض
فاهتكوا حرمته والسيئة مال يسوء من نزل به وهو مختار الكشاف
وكونهما من المشاكله لا يخرجهما عن المجاز كما ظن ومنها مكر
الله والله يستهزئ بهم فالمكر مجاز عن جزائه والاستهزاء عن
إنزال الهوان.
وقال الرازي المكر إيصال المكروه على وجه تخفي والاستهزاء
إظهار الإكرام وإخفاء الإهانة فيجوز من الله حقيقة لحكمه،
ومنها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: من
الآية 35) الله نور السموات والأرض مجاز عن المنور وقيل: هو
الظاهر في نفسه المظهر لغيره لا العرض فهو حقيقة والحق أن
أمثلة المجاز من نحو {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} (مريم: من الآية
4) و {جَنَاحَ الذُّلِّ} (الإسراء: من الآية 24) و {نَارًا
لِلْحَرْبِ} (المائدة: من الآية 64) بلغت في الكثرة حداً يفيد
الجزم بوجوده فلا يمنعه التمحل في صور معدودة إن أمكن.
تمسكوا بأن المجاز كذبٌ لصدق نفيد فلا يقع في القرآن وإذ لو
وقع لكان البارى متجوزاً والجواب عن:
1 - أن الصادق نفي الحقيقة فلا ينافي صدق إثبات المجاز.
وعن: 2 - أن عدم إطلاق المتجوز لعدم الأذن وإن صح لغة أو لأن
المتجوز أبوهم
(1/125)
المتسمح والتوسع فيما لا ينبغي من القول
والفعل من الجواز بمعنى التعدي أو توهم المتجاوز من مكان إلى
آخر من الجواز كمعنى العبور أما حمله على إبهام جواز إطلاق نحو
لمكار لورود مكر فبعيد ويؤنسه البحث عن وقوع المعرب فيه فإنه
مروي عن ابن عباس وعكرمة خلافا للأكثرين لنا أن المشكاة حبشية
والسجيل والاستبرق فارسيتان والقسطاس رومية وقولهم بجواز كونه
مثل الصابون بعيد لأنه نادر فلا يصرف إليه الظاهر وربما يتمسك
بالأعلام العجمية وجعلها من المعرب المفسر بما تصرف فيه العرب
وأجروا أحكامهم لو مما فيه النزاع مع ظهور وقوعها مما فيه
النزاع لهم ما مر من لزوم أن لا يكون القرآن عربياً وقوله
تعالى {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: من الآية 44) أفنفي
التنويع اللازم نفي للمعرب الملزوم وجواب الأول ما مر والثاني
أن المراد كلام أعجمي ومخاطب عربي فلا يفهمه فيبطل غرض إنزاله
بدليل سياق قوله تعالى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنا
أَعْجَمِيّاً} (فصلت: من الآية 44) ولئن سلم فلتفي التنويع
المخصوص أي على وجه لا يفهمه العرب بدليل قوله تعالى {لَوْلا
فُصًلَتْ إياتُهُ} (فصلت: من الآية 44) أي بينت وبالمعرب لا
يحصل ذلك الوجه.
المبحث السابع
في ترجيح الدائر بين المجاز والمشترك كالنكاح في أصل اللغة
للضم ثم نقل إلى الوطء والعقد المشتملين عليه فقيل في الوطء
حقيقة بالنسبة إلى العقد المفضي إليه فاستدل بقوله {وَلَا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} (النساء: من الآية 22) على
عدم جواز تزوج الابن مزنية الأب وقيل: بالعكس لأن الوطء مقصود
منه وهو الأصح قال الزمخشري: أينما ورد النكاح في القرآن بمعنى
العقد فهو كما بينا حقيقةٌ في أحدهما مجاز في الآخر أو مشترك
بينهما والحق أن المجاز أولى لفوائده ومفاسد الاشتراك والترجيح
بين النوعين لا بين كل فردين فلا محذور في عدم اطراد بعض
الوجوه وهذا البحث وإن كان اللائق ذكره في المقاصد لكنه يتضمن
أمراً كانه الداعي إلي ذكره ها هنا وهو الداعي إليها من
فوائدهما وفوائد المحاز قسمان بالنسبة إلى الحقيقة وبالنسبة
إلى المشترك والثاني أمران:
1 - أغلبيته استقراء حتى قال ابن جني أكثر اللغة مجاز ويلحق
المظنون بالأغلب.
2 - إن المجاز معمول به مطلقاً قبله قرينة حقيقة ومعها مجاز
والمشترك بلا قرينة مهمل
والأعمال أولى من الاهمال أما الأول فوجوه:
1 - الأبلغية من البلاغة لا المبالغة كما ظن نحو اشتعل الرأس
شيبا أبلغ مراتب من
(1/126)
شبت.
2 - الأوجزية كما في الاستعارة،
3 - الأوفقية إما في لفظة للطبع لننقل في الحقيقة كالحنفقيق
للداهية أو عذوبة في المجاز كالروضة للمقبرة أو تنافر في
الحقيقة كالعوسج لطويل العنق من النوق أو في معناه المقام
لزيادة كان لاستمالة على الدعوى بينه أو تعطم كالشمس للشريف أو
تحقيركالكلب للحقير أو ترغيب كماء الحياة لبعض المشروب أو
ترهيب كالسم لبعض المطعوم وليس هذا تكراراً بل بلاغة لأن مطابق
المقام أعم من البليغ إما لأنه جنسه وإما لأن المقام قد يقتضي
تأدية المعنى بألفاظ كيف كانت بنظم يخرجها عن حكم النعيق.
4 - تلطف الكلام بإفادة اللغة التخيلية الموجبة لمزيد التلقي
وسرعة التفهم نحو رأيت بحراً من المسك موجه الذهب.
5 - التخلص من قذارة الحقيقة كالغائط وكنايات النيك في القرآن.
6 - مطابقة تمام الرماد ولها موارد كاستعارة المحسوس للمعقول
فإن الوهم يساعد العقل في قبوله حينئذ وهو الحكمة في ضرب
الأمثال كما حصلت بالتشبيه في قوله وطول مقام المرء في الحي
مخلق البيتين فيفيد فهم تحقق المعنى الجامع في المشبه على حقه
وكما عند بيان مقدار الجامع المتحقق في المشبه كاستعارة سواد
الغراب للمداد وكذا سائر أغراض التشبيه فإنها ربما يكون
أغراضاً للاستعارة وكما في الاستعارة مطلقاً المقيدة للمبالغة
في التشبيه.
7 - أنواع الصنائع البديعة كالسجع عند وقوع حمار ثرثار فاصلتين
ونحو نزلت بواد غير ممطور وفناء غير معمور ورجل غير مسدور
وكالمقابلة المراد بها الطباق نحو (ضحك المشيب برأسه فبكى)
بخلاف ظهر وليس ضحك حقيقة فيه والإلزم الاشتراك وكالمطابقة
المراد بها المشاكلة نحو (كلما لج قلبي دي هواها لجت في مقتي)
وكالمجانسة نحو سبع أرانب وستة سباع وكصحة الوزن والقافية
والنووي نحو:
عارضتنا أصلاً فقلنا الربرب ... حتى تبدي الأقحوان الأشنب
فإن الربرب ليس كالسنن الأبيض ومفاسد الاشتراك وجوه:
1 - إخلالة بالفهم إذا خفي القرينة عند من لا يجوز عمومه
والمجاز حينئذ يحمل على الحقيقة.
2 - تأدية إلى مستبعد من ضد أو نقيض، قيل: هو لزوم مناسبة
الواحد للنقيضين أو
(1/127)
الضدين لما ذهب إليه عباد من أن بين اللفظ
والمعنى مناسبة ذاتية وهو بناء على مذهب مرجوح، وقيل: هو حمل
المشترك بين الضدين كالقرء على ما ليس بمراد من ضده أو المشترك
بين النقيضين على نقيض المراد كلفظ النقيض بين الإيجاب والسلب
وفيه شىء إذ لم يثبت الاشتراك بين النقيضين والحق لزوم ما هو
بعيد عن المراد من ضد أو نقيض إذا حمل على خلافه كما إذا حمل
القرء في لا تطلق في القرء على الطهر فعلى أن النهي عن الشيء
أمر إيجاب لضده بفهم وجوب انطلاق في الحيض وهو ضد المراد وطى
أنه أمر يعم الإيجاب والندب يفهم ضده أيضاً ويلزم كلا منهما
عدم حرمة التطليق في الحيض وهو نقيض المراد.
3 - احتياجه إلى قرينتين المعنين والمجاز إلى واحدة وعروض
بفوائد الاشتراك ومفاسد المجاز ففوائده وجوه:
1 - اطراده فلا يضطرب.
2 - الاشتقاق منه لا نحو المئني والمجموع بالمعنين نحو أقرأت
يمعنى حاضت وطهرت فيتسع الكلام والمجاز قد لا يشتق منه وإن صلح
له حين كونه حقيقة كما مر في الأمر بمعنى الفعل وقد يشتق
كالاستعارة التبعية.
3 - صحة التجوز المعنين فيتكثر فوائد المجاز ومفاسد المجاز
وجوه:
1 - احتياجه إلى الوضعين الشخصي أو النوعي للحقيقة والنوعي
للعلاقة.
2 - أن فيه مخالفة ظاهر والمشترك ليس ظاهراً في شىء من معانيه
ليلزم بإرادة أحدهما مخالفته. 3 - تأديته إلى الغلط عند عدم
القرينة لحمله على الحقيقة قطعاً بخلاف المشترك فقيل الترجيح
معنا لأن المذكور من فوائد المجاز متحقق في المشترك أيضاً
كالأبلغية إذا اقتضى المقام الإجمال وإلا لم يرد في القرآن
والأوجزية كالعين والجاسوس في الباصرة فإنها جاسوس الحس
المشترك وإلا وفقية للطع لعذوبة فيه كالعين أو ثقل في المجاز
كالخنفقيق المستعار لغير الملايم وهذا أنواع البديع فالسجع
كالمين والعين دون الجاسوس والمقابلة كما مر من حسناً خير من
خياركم ونحو (حديث على مر الزمان قديما)، وفمثل كثير في الرجال
قليل، والمطابقة نحو كلما ضربت فرسي سوطاً ضرب عدواً أي طار
كما أن التوجيه وهو ذكر ذي وجهين، والإيهام وهو ذكر لفظ له
معنيان وإرادة البعيد جاريان في المشترك جريانهما في المجاز
نحو أدام الله مثمل فلان أي جمعه أو تفرقه ونحو حملناهم طرا
(1/128)
على الدهم بعد ما أي على القيود والجواب أن الأغلبية المخصوصة
بالمجاز راجحة على الكل لأن اعتبار الكل لكونها مظنة الغلبة
ولا عبرة بالمظنة مع لخقق انتفاء المئنة ولخقق المئنة لا يضره
عدم المظنة وهذا كما أن قبلة الصائم مظنه الوطء المفسدة فهي مع
انتفاء الوطء لا يفسد الوطء بدونها يفسد والمئنة تقلب عن موضع
التحقق إلى العلة الموثرة بالذات ويسمى حكمة والمظنة عن موضعه
الظن إلى ما يقض إليها. |