فصول البدائع في أصول الشرائع وفي الاشتقاق مباحث
المبحث الأول
في شرائطه يحتسب المعنين السابقين فللعام المناسبة بين الأصل
والفرع في الحروف والمعنى وهو المذكور في الكشاف فالمقتل من
المقتل وضرب الأمير بمعنى المضروب من الضرب داخلان فيه وكذا
الوجه من المواجهة وعكسه فلا يتعين الأصل والفرع بل يتبادلان
وينقسم إلى الصغير والكبير وإلا كبر لأن المناسبة أعم من
الموافقة في الحروف والترتيب صغير ويدون الترتيب كبير نحو كنى
وناك وبدون الموافقة أكبر لمناسبة ما كالمخرج في ثلم وثلب
والصفة كالشدة في الرجم والرقم فالمعتبر لفظًا في الأولين
الموافقة وفي الأخير المناسبة ومعنى في الأخيرين المناسبة وفي
الأول الموافقة وللخاص الموافقة في الحروف وترتيبها لاتبع
الزوائد كالاستعجال من العجلة ولا فيها فقط كالتفخيم والتعظيم
وفي المعنى بخلاف الذهب من ذهب لكن مع زيادة في المعنى وإلا
لكان مترادفين كالمقتل مع المقتل ومع التغاير في الصيغة لا
كضرب الأمير من الضرب وان كان تقديريًا كما في ذلك وهجان وطلب
من الطلب لفظي لفتح الحرف الأخير ولا يندرج تحته إلا الأصغر
وعلى مذهب البصرية فعموم الأول من وجوه ستقوم يتميز الخاص عن
العدل بالزيادة في المعنى والعام بكفاية اعتبار التناسب وقد
يفرق مطلقًا بان المراد بالمعدول لفظ المعدول عنه ولذا يحكم
بالتكرر في ثلاث وبالمشتق منه والتغيير اللفظي يرتقى إلى خمسة
عشر نوعًا لأنه إما بحرف أو حركة بزيادة أو نقصان فهذه مفاريد
أربعة والتركيب بينها ثنائيًا ستة وثلاثيًا أربعة ورباعيًا
واحد والأمثلة للمفاريد كاذب من مكسور الذال ونصر وخف الضرب
عند الكوفية وللثنائية ضارب وعدل من العدالة ومسلمات وحذر وعاد
من العدد وثبت من الثبات، وللثلانية أضرب: لزيادتهما ونقصانها
وخاف لزيادتهما ونقصانه وعد من الوعد لنقصانهما وزيادتها وكال
من الكال لنقصانهما وزيادته وللرباعية ارم أمرا من الرمي
والنقص لعارض لا ينافي المشاركة في الأصول لأنه في حكم الثبوت
هذا والمشتق قد يطرد أي يطلق على كل فرد
(1/129)
يوجد فيه معنى أصله لكون تسمية الشيء به
لوجوده فيه أي كونه معتبرا من حيث إنه داخل في التسمية مصحح
لها ولو اتفق عدم الاطراد فلمانع أو من قبيل الثاني على
المذهبين، وقد لا يطرد لكون التسمية بوجود معنى الأصل فيه أي
كونه معتبرًا من حيث إنه معه ومرجح لها من بين الأسماء من غير
اعتبار دخوله فيها فالأول كاسمي الفاعل والمفعول والصفة
المشبهة واسم التفضيل وأسماء الزمان والمكان والآلة والثاني
كالقارورة وضعًا والصعق استعمالا وفي الديوان والغيوق والسماك
خلاف بين الزمخشري وابن الحاجب إنها كالصعق والقارورة.
المبحث الثاني
انه للمباشر حقيقة وفي الاستقبال مجاز وفي الماضي وقد انقطع
مختلف فيه فللحنفية مجاز وللشافعية حقيقة واختاره عبد القاهر
وأبو هاشم وقليل إن كان معناه ممكن البقاء اشترط بقاؤه للحقيقة
والثمرة تظهر في قوله عليه السلام المتبايعان بالخيار ما لم
يتفرقا فلم يثبت أبو حنيفة رحمه الله خيار المجلس بعد انقضاء
البيع وحمله على التفرق بالأقوال وأثبته الشافعى وحمله على ما
بالأبدان ومنه قوله علم إذا أفلس الرجل أو مات فصاحب المتاع
أحق يمتاعه فبعد انقضاء الملكية بالبيع لا يكون أحق عند أبي
حنيفة خلافًا له.
لنا: لو كان حقيقة لما صح وصفه بالانتفاء وقد صح بيان اللزوم
أن صحة الوصف بالانتفاء وهو المعنى بصحة النفط أمارة قطعيةٌ
للمجاز وبيان بطلان اللازم أن وصفه بالانتفاء في الحال يصح
فيصح بالانتفاء مطلقًا لأن الوقتية تستلزم المطلقة وبهذا
التوجيه سقط وجوه من الاعتراض:
1 - منع بطلان اللازم للقاضين وهو أن الثبوت في الحال أخص من
الثبوت فظنه أعم والعام لا يستلزم الخاص لأن خلل فيه قيد
للانتفاء.
2 - القول بموجب العلة أن الاستلزام مسلم ولكن صحة الوصف
بالانتفاء مطلقا لا ينافي صحة الوصف بالثبوت مطلقا لأن
المطلقتين لا يتناقضان قبل تنافيها لغة للتكاذب بينهما عرفا
قلنا ذلك لأجل التوافق العرفي على ارادة الوقتية بالمطلقة
تجوزًا من إطلاق العام على الخاص ألا ترى أن من قال للعنب
الحلو إنه حامض يعد سخفًا من الكلام فنقول المراد بالانتفاء
المطلق اللازم ان كان الانتفاء في جميع الأزمان فاللزوم ممنوع
لأن الوقتية لا تستلزم الدائمة وإن كان الانتفاء في الجملة فإن
أريد به المفهوم العرفي اللغوي وهو الانتفاء في الحال فهو عين
الملزوم فلو كفي في الغرض اكتفى بالملزوم وان أريد الانتفاء في
وقت ما فلزومه مسلم لكنه لا ينافي الثبوت في وقت ما لأن
المنتشرتين
(1/130)
كالمطلقتين وإنما سقط لن صحة النفى مطلقًا
أمارة المجاز سواء صح الوصف بالثبوت أو لا، نعم يرد على من قال
وإذا صح النفى مطلقًا لم يصح الإثبات.
3 - المعارضة بأنه لو لم يكن حقيقة لما صح وصفه بالثبوت لأن
الأصل في الإطلاق الحقيقة وقد صح لأنه يصح وصفه بالثبوت في
الماضي فيصح مطلقًا لأن الوقتية تستلزم المطلقة وإنما سقط لما
أشرنا إليه أن صحة النفى أمارة قطعية للمجاز فلا يعارضها طاهر
الأصل في إلاطلاق قبل، والجواب الصحيح: أن لزوم صحة الوصف
بالانتفاء المطلق لغة ممنوع إذ قد يصح إطلاق المقيد بدون
المطلق لغة كالأسد على الشجاع مقيدًا بقرينة لا مطلقًا ولأن من
يدعى كونه حقيقة في الماضي كيف يسلم صحة نفيه لغة وأما لزومها
عقلا فمسلم لكن لا تنافي كونه حقيقة في الماضي وإنما ينافيه لو
صح لغة أيضًا لا يقال قد مرَّ أن أمارة المجاز صحة النفى في
نفس الأمر لا لغة لأن معنى ذلك أن الصحة اللغوية لا يكفى بل لا
بد أن ينضم إليه الصحة في نفس الأمر. وفيه بحث: لأن صحة الوصف
بالانتفاء في الحال لما كانت لغة كانت صحة الوصف بالانتفاء
مطلقًا لغةً أيضًا لأن استلزام الخاص للعام ليس أمرا يختص بقوم
دون قوم لأنه لما ثبت أن عرف اللغة على إرادة الوقتية بالمطلقة
ثبت اللزوم لغة بل العينية وإنما لم يكتف بالملزوم لأن أمارة
المجاز في عرفهم كما مر بالنفى المطلق بأي معنى تعارفوه ودعوى
أنه يجوز مخالفة للدليل بلا دليل فإن الأصل في الإطلاق الحقيقة
وأما الاستناد بالمجاز المقيد بالقرينة فأسقط لأن الكلام في أن
معنى ما إذا صدق مقيدا بصدق فطلقًا وما يتغير معناه بالقيد
والإطلاق ليس مثله وتوضيحه أن القرينة ليست قيدًا للمعنى
المجازي بل صارفًا عن الحقيقة ولنا أيضًا أن وجود المفهوم إما
أن يكون قيدًا لكونه حقيقة أو لا والثاني يقتضي كونه حقيقة في
المستقبل، فيكون قيدًا ومجازًا في الماضي فإن قيل القيد هو
الثبوت المشترك بين الماضي والحال قلنا إن اعتبر دخول الزمانين
كان مشتركًا لفظيًا والمجاز أوَّلي ينافيه وينافيه إجماع أهل
اللغة على خروج الزمان من مفهوم الصفات وإن اعتبر عروضها فلا
طريق إلى معرفته إلا النقل وما ثبت من أربابه نقل وإلا فلا وجه
للنزاع وليس الحمق في عدم الاعتراف بعد الدليل أدلى منه في
الاعتراف بلا دليل.
للقائلين بالحقيقة أولًا: إجماع اللغة على صحة ضارب أمس والأصل
الحقيقة.
وثانيًا: صحة الحكم بالإيمان على النائم والغافل وإجراء أحكام
المؤمنين وجوابهم بعد المعرضة به على صحة ضارب غدًا وعدم صحة
الحكم على المؤمن بالكفر لكفره المتقدم أن
(1/131)
يقول التمسك بالأصل إذا لم يعارضه قاطع وهو
أنه لو كان حقيقة لكان المؤمن المذكور كافرًا ومؤمنًا حقيقة
والمعتق عبدًا وحرًا حقيقة فيرث ولا يرث ويقبل شهادته ولا يقبل
إلى غير ذلك من الفساد ولكان أكابر الصحابة كفارًا حقيقة فلم
يصح (ليسوا بكافرين) لغة وقد صح بدليل تخطئة اللغوي قائله ولا
تغفل عن النكتة وبهذا لا يرد أن عدم صحته شرعي لتعظيمهم فعلم
أن الكل مجازًا إما المؤمن في مثل النائم فأما مجازًا وباعتبار
أن العقيدة تكون ملكة أو أعطاه الشرع حكم البقاء ما لم يعارضه
قاطع لحكم لا تحصى.
وثالثًا: ويصلح للمفصلين أن بقاء المعنى لو اشترط لم يكن مثل
مخبر ومتكلم حقيقة
لأن أجزائه حروفٌ تنقضى شيئًا فشيئًا، ولا يجتمع في حين فكيف
يبقى معناه.
وجوابه: أن الأجزاء المتعاقبة من أواخر الماضي وأوائل المستقبل
عدت حالًا لا الآن المختلف في وجوده فكل مباشرة لم يتخلل
بينهما ما يعد عرفًا تركا لها واقعة في الحال إذ لو اعتبر الآن
لم يكن أكثر أفعال الحال مثل يضرب ويمشي من مكة إلى مدينة
ويكتب القرآن أو فعل الحال مما ذكروه نحو يخير ويتكلم حالا
والإجماع يبطله ولئن سلمنا فلا نم اشتراط بقاء المعنى بتمامه
بل بقاء جزء منه كما في المصادر السيالة كاف.
وللقائلين بالتفصيل معنى آخر وهو أن المشروط البقاء فيما أمكن
وهاهنا متعذر بخلاف ما مر فإن الكافر في الصحابة مجاز بعدم
بقائه ممكنًا والمؤمن في النائم حقيقة لبقائه شرعا.
تتمة: هذا النزاع في نحو الضارب أما تسميته بنحو اسم الفاعل
حقيقة في أي زمان تحقق معناه لأنه اسم من مصدر عنه الضرب
مطلقًا والحكم بالأعمال وعدمه مبني عليه وما قال المنطقيون من
أن صدق عنوان الموضوع في أحد الأزمنة بالفعل الحقيقي أو الفرضي
أو بالإمكان كاف أمر تعارفوه لتحقيق الكلية لا تعلق له بوضع
اللغة فإسناد القول بالحقيقة في الماضي إلى ابن سينا مستدلًا
بما ذكر في تحقيق المحصورات سهوٌ وإلا لكان حقيقة في المستقبل
أيضًا وهو خلاف الإجماع.
المبحث الثالث
في أن اسم الفاعل لا يشتق لشيء باعتبار فعل يقوم بغيره (1)
خلافًا للمعتزلة (2) ولهم
__________
(1) بل يجب بمقتضى اللغة إطلاق ذلك المشتق على الذي قام به،
لأنا استقرأنا اللغة فوجدنا الأمر كذلك. انظرا المحصول للرازي
(1/ 91)، نهاية السول للإسنوي (1/ 91).
(2) اعلم أن المعتزلة لم يصرحوا بهذا الخلاف وإنما لما نفوا عن
الله تعالى صفاته الذاتية كالعلم والقدرة ووافقوا على أنه عالم
قادر مثلًا لكن بذاته لا بصفات زائدة عليها ألزمهم أهل السنة
بأنهم قائلون =
(1/132)
قولان يشتق من فعل يقوم بنفسه فالله مريد
بإرادة قائمة بنفسها ويشتق باعتبار ما يقوم بثالث فإنه متكلم
بكلام بجسم يخلقه فيه كجبريل وهو محل النزاع ها هنا وإنما
يذهبون إليه إذا ثبت الإنصاف به وامتنع القيام فلا يرد أنه لو
صح لزم أن يكون الله تعالى أسود ومتحركا وغيره لخلقها، لنا
الاستقراء ولهم دليلان:
1 - صحة قاتل وضارب منع أن القتل والشرب أثر حاصل في المفعول
أي عند الأشاعرة فهو الرامي. وجوابه منع أن التائير عين الأثر
فإن العينية في الوجوه لا تنافي الغيرية في المفهوم المعتبرة
في وضع اللغة كما يسمى إضاءة واستضاءة بالاعتبارين والموجود
الضوء ليس إلا وليس هذا اختيارا لمذهبهم كما ظن.
2 - إطلاق الخالق باعتبار الخلق الذي هو عين المخلوق لأن
التكوين عين المكون عند الأشاعرة إذ لو كان غيره لكان التأثير
فلو قدم كما قالت الحنفية قدم العالم لوجوب وجود المعلول عند
وجود الموجد وقدرته وتعلقها والتخلف عن الموجب بط وهذا لا
ينافي كون الموجد في نفسه فاعلًا بالاختبار وإن حدث كما قالت
الأشاعرة احتاج إلى تأثير آخر ولزم التسلسل فهذا أيضًا الرامى
إذ المعتزلة يجوزون تأخر الأثر عن التأثير قولًا بأن مقتضى
التأثير بالاختيار جواز تراخي الأثر عنه لا لعلة كما أن مقتضاه
بالايجاب عدم جوازه لا لعلة وجوابه من وجهين:
1 - أن الخلق يقوم بنفسه لأنه إما جواهر تقوم بنفسها وإما
أعراض تقوم بها فالكل يعد قائما بنفسه لعدم قيامه من حيث هو
يغير المجموع فهو غير محل النزاع لأنه ما يقوم بثالث وتمثيله
بالجسم الذي يعد قائما بنفسه مع أن بعض أجزائه وهو الصورة قائم
بغيره وهو المهبولي عند من يقول بهما إنما يناسبه أو أريد
بالخلق المجموع المنقسم إلى أجزائه الجواهر والأعراض انقسام
الجسم إليهما لا كل من جزئياته وهو الحق لأن المشتق له هو
الخلق مطلقًا لا قتل زيد وضرب عمرو ومعناه أن إسنادهما إليه
خلقًا باعتبار اندراجهما تحت خلق المجموع لا من حيث هما ولكون
الدليل الزاميًا خرج الجواب على مذهب الأشاعرة لأن المعتزلة
قائلون بأزلية القنوات وإن المخلوق الوجودات الزائدة أو
انصافها بها وهما قائمان بالغير والمنبع لا يجب كونه على وفق
مذهب المستدل.
__________
= بجواز اشتقاق اسم لمن لا يقوم به للوصف.
انظر/ حاشية الشيخ بخيت على نهاية السول (2/ 98 - 99).
(1/133)
2 - أن للقدرة تعلقًا جديدًا به الحدوث
مسمى باعتبار الحادث صدورًا وباعتبار المحدث خلقًا وباعتبار
القدرة إيجابًا فالخلق وهو كون الذات تعلقت قدرته أمر نسبي
متجدد تجدد سائر النسب والإعدام غير حادث ليحتاج إلى تأثير آخر
فيلزم التناسل فإن الحادث قسم الموجود قائم بالله تعالى
وباعتباره اشتق له فذلك كاف فيه وإن لم يكن في الخارج عين حادث
سوى العالم فكونه في الخارج عينه وفي الاعتبار غيره هو الجامع
بين دليلنا ودليلكم هذا على مذهب بعض الأشاعرة أن الإرادة
قديمة والمتجدد تعلقها عند حدوث المراد ولا يلزم منه القول
بالحال كما ظن لجواز كون التعلق نسبة عدمية متجددة بين الخالق
وماهية المخلوق يتوقف وجودها عليها بالذات ويكون معها بالزمان
أما أن قالوا بقدم الإرادة وتعلقها أو بقدم التكوين وتعلقه
كالحنفية فالتكوين في الأزل متعلق بحدوث كل حادث في وقته
المعين بجميع خصوصياته أو بقدمه وحدوث تعلقه كما عند بعضهم
فالتكوين مع سائر خصوصياته فكما يقتضي حدوث الموجود يقتض حدوث
تعلقه على وجه لا يحتاج إلى تكوين آخر وكونه كذلك وإن أوجب
الجزئية أو لا يتغير فلا ينافي الأزلية ووصُف الباري تعالى به
لأن الجزئية في الحادث المعلوم لا في العلم والتكوين المتعلقين
به من حيث هو جزئي ولا يذهبن عن صحيفة خاطرك أحسن نقش ثبت فيه
أن جميع القضايا ضرورية بل أزلية إذا جعلت الجهات جزء المحمول.
تتمة: القول بأنه لا تنافي بين المذهبين إذ التكلم يمعنى إيجاد
الكلام هو المسند إلى الله عندهم وهو قائم به من ضيق لتعطن فإن
المعتزلة مصرحون بأن فعله قائم بغيره والتكلم يمعنى إيجاد
الكلام غير معهود في اللغة يعدان الأصل عدم الاشتراك.
المبحث الرابع
في أن شرط المشتق صدق أصله خلافا للجبائين فإنهما قالا بعالمية
الله تعالى من دون علم زائد مع كونها معللة به مطلقًا، لنا أن
أصله وهو معنى المصدر جزؤه فلا يوجد حقيقة دونه وإن أطلق الكل
على الجزء مجازًا ونحو العالم ليس مجازًا في الله تعالى وإلا
لصح سلبه وهو خلاف ما عليه الإجماع نعم لو قالوا العالم من له
العلم لا من له العلم بالزائد ولئن سلم فمن له الزائد ولو في
الاعتبار والفهم ولا يجب الزيادة في الوجود لكان شيئًا لا يقال
صح سلب كل صفة عن نفسها نحو السواد ليس بأسود حتى قيل كل صفة
فرد من أفراد نقيض ما ثبت كالكتابة للكاتب فلئن كان العلم عين
الذات كان سلب العالمية عنه ولا سيما من حيث أنه علتها سلبًا
لها من الذات لأنا لا نم ذلك فإن كل صفة ثابتة لنفسها
(1/134)
بالذات وللغير بواسطتها فالسواد للسواد
ذاتي وللأسود بواسطه وكذا الوجود والحدة وغيرها والثبوت يكفي
فيه المغايرة الاعتبارية لصدق كل جزء، وإن كان غير مفيد والقول
بان الكتابة لا كاتب لتوهم أن الكاتب من صدر عنه الكتابة وليس
كذا بل المعنى الكلي للمشتق ما له المصدر كالمائت والحسن
وغيرهما فإن نسبة أكثر المصادر إلى القوابل كما مر ثم ولئن
فذلك في الصفة الزائد والحق أن الخلاف مبني على أن صفات الله
تعالى عينه أو غيره أو ليست عينه لا منافاة في شىء من المذاهب
للغة وهو مستوفي في الكلام.
المبحث الخامس
في تعيين مفهوم الصفة نحو الأسود مما لم يعتبر خصوصية ذاته
كالأحمر العلم والقارورة إنما تدل مبهمة باعتبار صفة معينة
جسماً كان أو غيره وإلا فالأسود جسم مثل الجسم ذو السواد جسم
والإنسان حيوان لمن يعمله بحقيقة فلا يفيد وليس كذلك قيل وفيه
احتراز عن أسماء الزمان والمكان والألة لدلالتها على خصوصيات
الأشياء الثلاثة فإن المقتل زمان أو مكان وقع فيه القتل لا شىء
وقع فيه ولذا لم يجز مكان مقتل بخلاف المقتول فيه وقيل: هي
كسائر المشتقات إذ لا دلالة على خصوصية ما وقع فيه الفعل
زماناً أنه خلاء أو مقدار حركة الفلك الأعظم ومكاناً أنه خلاء
أو السطح الباطن للحاوي والحق هو الأول لتعين مدلولها من حيث
أنه زمان أو مكان أو آلة فإن هذه الأمور معتبرة أجزاء بدلالة
تفسير أئمة اللغة بخلاف الفاعل والمفعول في اسميهما وغير ذلك
ولا يلزم من اعتبار هذا التعين اعتبار تعين عنه حقيقة المدلول
ولا من عدم اعتبار الثاني عدم اعتبار الأول كما لم يعتبر في
القارورة إلا الزجاجية لا عنه حقيقتها.
المبحث السادس
في عدم جواز القياس في اللغة (1) خلافاً للقاضى أبي بكر وابن
سريج بالجيم وبعف الشافعية (2) ومحل النزاع ليس ما ثبت تعميمه
نقلاً جزئياً كالنكرة أو كلياً كما فيه القواعد الصرفية أو
النحوية أو غيرهما ولا معيناً يلحق بمعين آخر في حكم شرعي
كالنبيذ للخمر في الحرمة عند من يلحقه بل ما يسمى باسم إلحاقاً
بمعين سماه من حيث تعيينه لمعنى يؤثر بدور التسمية معه وجوداً
وعدماً في ذلك المعين كتسمية النبيذ بالخمر لتخمير العقل حيث
__________
(1) واختاره حجة الدين الغزالي، وسيف الدين الآمدي. انظرا
المستصفى للغزالي (1/ 322 - 324)،
أحكام الأحكام للآمدي (1/ 78).
(2) وصححه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. انظر/ اللمع (ص 6).
(1/135)
حيث لا يسمى ماء الغيب خمرًا قبله وبعده ومثله تسمية النباش
سارقًا للأخذ بالخفية واللائط زانيًا للإيلاج المحرم ولو ثبت
التعميم بالنقل في شيء منها لم يكن مثالًا كما إذا صح ما روي
عن ابن عمر أنه عليه السلام قال "كل مسكر خمر" (1).
لنا: أنه إثبات اللغة بالاحتمال لأن ذلك المؤثر أو المدار
يحتمل تصريح الواضع يمنع دخوله في المسمية كالأدهم والقارورة
واعتباره والإثبات بالاحتمال تحكم وإذ لو جاز صدر الحكم بالوضع
بغير قياس قبل احتمال الوضع وعدمه مرادًا به التسوية ممنوع
فيما نحن فيه وإلا فلا نم بطلانه لجواز رجحان احتمال الوضع فلا
تحكم قلنا المراد لتسوية عند عدم تعرض الوضع للمنع والاعتبار
ويكفي ذلك مع قولنا الأصل عدم الرجحان تمسكوا ولا بدوران الاسم
مع ذلك المعنى وجودًا وعدمًا فإنه يفيد ظن العلية وجوابه
بالقلب بأن دورانه مع المحل أيضًا حين كونه محلًا له كماء
العنب ومال الحي ووطؤه في القبل يفيد ظن علية المجموع وعدم
علية مجرد المعنى مع أن فيه جمعًا بين الدليلين وهو أولى من
إهدار أحدهما، وثانيا: بقياس القياس في اللغة على القياس في
الشرع بجامع الاشتراك في الموثر أو المدار وليس إثباتا للشيء
بنفسه بل اللغوي بالشرعي الزاما على القائلين به وجوابه أن لا
جامع إذ مجوز الشرعي الإجماع أو الاشتراك المذكور معه. |