فصول البدائع في أصول الشرائع

ومن المبادئ اللغوية مباحث حروف المعاني
وتسميتها بالحروف مع وجود نحو الظروف مجازية باعتبار الغالب أو بمعنى الكلمات أما حروف المباني فلسنا بصددها ففيها مقدمة وأقسام.

المقدمة في تحقيق معنى الحرف وما به يتمايز الكلمات
قولهم الحرف لا يستقل بالمفهومية أي بمفهومية المعنى منه هو معنى قولهم يدل على معنى في غيره والضمير للفظ كمعنى احتياجه إلى انضمام لفظ آخر لا للمعنى إذ لا معنى لحصول المعنى في غير نفسه وربما يصحح بأنه مثل الدار حسنة في نفسها أو غيرها أي بالنظر إلى ذاتها أو غيرها فحاصل معناه أن الحرف ماكان مشروطًا وضعًا في دلالتها على معناها الأفرادي ذكر متعلقها فلا يرد مثل الابتداء وذو وكل وقيد وإمام لأن ذكر المتعلق فيها شرط الاستعمال لا الدلالة أما التركيبي فالكلمات الثلاث مشتركة في أن ذكر المتعلق
__________
(1) أخرجه مسلم (3/ 1587) ح (2003).

(1/136)


شرط في دلالتها عليه قيل وفي الفرق بين الاسم والحرف بذلك في مثل على وعن والكاف تمحل وهو لزوم أن لا يفهم المعنى الواحد من اللفظ الواحد بعد العلم بالوضع أحيانًا مع أنه يفهم بأخرى ولخكم وهوكونهما مع تساوي الحالين.
والتحقيق يستدعي مقدمتين الأولى أن وضع اللفظ إما خاص بأن يوضع واحد لواحد فالموضوع له إما خاص وجزئي حقيقي كالإعلام أو عام كلي كرجل لإنسان ذكر بالغ أو غير بالغ فهو حين استعماله في الجزئي بخصوصه مجاز وإما عام بأن يوضع دفعة متعدد لمتعدد أو واحد لمتعدد فالأول بأن تعيين أمر مشترك بين الألفاظ وآخر بين المعاني فيقال المندرجة تحت الأمر الأول موضوعة للمندرجة لخت الثاني فتعقل الأمرين المشتركين آلة الوضع ليس شيء منهما موضوعًا ولا موضوعًا له كما في صيغ المشتقات والثاني قد يكون الموضوع له فيه كالموضوع خاصًا وجزئيًا حقيقيًا بأن يكون كل واحد من المشخصات باعتبار أمر مشترك بينهما هو آلة الوضع كاسم الإشارة فإن ما وضع له جزئي حقيقي لكن آلة وضعه أمر كلي هو كونه مشارًا إليها فلذا جاز إطلاقه على كثيرين ومثله ضمير المتكلم باعتبار قيام الكلام به والمخاطب باعتبار توجه الكلام إليه ولذا كان استعماله في غير المعين مجازاًَ وفي ضمير الغائب كذلك باعتبار ولفظ ما جرى ذكره وباعتبار معناه يكون جزئيًا وكليًا فلذا كان أنزل في التعريف بل اختلف في جواز تنكيره وقد يكون كليًا كالموصول موضوع لكل مشار إليه بجملة معلومة الانتساب فآلة الوضع ها هنا الإشارة العقلية وهي كلية وتقييدًا لكليّ لا يفيد الجزئية بخلاف الإشارة الحسية الثانية أن الحرف وضع باعتبار معنى كلي هو نوع من النسبة لمشخصاته ومن شأن النسبة أن لا تتشخص في الخارج والعقل إلا بالمنتسبين فلذا اشترط في فهم معناه ذكر فالمعنى آلة ثمة موضوع له ها هنا عينا أو جزءًا ولكون التعلق عارضًا للنسبة الكلية تستقل بالمفهومية إذاكانت موضوعًا لها ولا ينافيه عدم استقلالها في الوجود الخارجي بخلاف ما إذا كانت آلة الوضع والموضوع له شخص منها وإما الفعل فعند ابن الحاجب ليست النسبة المعينة داخله في مفهومه والحق إنها داخله ولذا احتاج إلى ذكر الفاعل لكنه يدل على ما يستقل بالمفهومية كالحدث والزمان فبذلك فارق الحرف كذا قيل والذي هو حقيق بأن ينبع أن الداخل فيه النسبة إلى موضوع ما لأن دعوى أنه موضوع لأن يسند إلى معين يكذبه غير وجد كما مر فهو كلية لا جزئية إذا تمهيد هذا فنقول مثل على وعن الكاف حروفًا لنفس النسبة المعينة وأسماء قبل للنسبة الكلية والحق إنها للذوات باعتبار نسبة كلية كفوق

(1/137)


والجانب والشيئية ويوضحه الترجمة الفارسية زيد ما نند أسد است وهجموا أسد است.

القسم الأول في حروف العطف
فأصلها معنى وأكثرها استعمالا الواو لأنها لمطلق الجمع (1) ومعنى الإطلاق عدم
التعرض للترتيب وهو تأخر مدخوله زمانًا كما قال به بعض الشافعية ونقل قوله بنفسه في
أحكام القرآن حيث يستحيل لجمه ولو هم على أصل أبي حنيفة رحمه الله وللمقارنة وهي
الاجتماع زمان كما روي عن الشافعي في الجديد ومالك في اشتراطهما الولاء في الوضوء
وتوهم على أصل الصاحبين لا التعرض لعدمهما ومعنى الجمع أعم منه في الثبوت كما بين
جملتين لا محل لهما من الإعراب إذ عدم العطف يخيل الإضراب وقيل: لتحسين النظم كما سيجىء وفي حكم الإعراب كما في العطف بين الاسمين وما في حكمهما مما له محل من الإعراب أو في ذات المعمول ما كما بين فعلين مجردين أو مع متعلقاتهما ولا عطف بين الحرفين إلا في أما على قول وثم محذوفًا مدخولها، لنا النقل عن أئمة اللغة والاستقراء والتأمل في قوانين الوضع فمن الأول قول أبي علي الفارسي إنه مجمع عليه وذكر سيبويه في حفسة عشر موضعًا من كتابه ومن الثاني أنه المفهوم بينهم من جاءني زيد وعمر وصدقه حين معيتهما وتعاقبهما فيه وأنه ليس مثل الفاء في أن دخلت الدار وأنت طالق حيث تطلق في الحال وأنه للجمع في الزيدون ولا سيما قد حكم بالتشابه بينهما وتشرب اللبن وتأتي مثله ولا يصلح الفاء فيها مثل {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (طه: من الآية81)، إذ لا يراد التعليق وأنه لو كان للترتيب للزم التناقض في آيتي البقرة والأعراف لاتحاد القصة آمرًا ومأمورًا وزمانًا فليس مثله إيتاء الركوعين وعدم صحة تقابل زيد وعمرو بالمنقوطة من تحت لأن إضافة مفهوم الفعل يقتضي المعية ولذا امتنع فعمرو وإن يكون وعمر بعدة تكريرًا وقبله تناقضًا وللمعية معه تكريرًا وكلاهما تناقضًا ولما حسن الاستفسار عن المتقدم والمتأخر كسؤالهم عن مبدأ سعى الصفا والمروة ولا يعارض بمثله لأن السؤال إذا
__________
(1) هو قول جمهور النحاة والأصولين والفقهاء.
قال أبو عليّ الفارسي: أجمع نحاة البصرة والكوفة على أنها للجمع المطلق. وذكر سيبويه في سبعة عشر موضعًا من كناية أنها للجمع المطلق.
انظر/ المحصول للرازي (1/ 160 - 161)، إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 88 - 96)، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 99 - 103)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 229)، نهاية السول للإسنوي (2/ 185 - 187)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 144) بتحقيقنا (محمَّد فارس).

(1/138)


كان للجمع لتعدد محتملاته بخلاف إذا كان للترتيب وقلنا لما حسن دون لامتنع لجواز أن يكون الباعث على السؤال ح احتمال التجوز للجمع المطلق فإنه غالب والتوالي باطلة ويضاف إلى الكل أن الأصل فط الإطلاق الحقيقة قيل يجب المصير إلى خلاف الأصل لدلالتنا الآتية قلنا هي معارضة وهي مقررة لا مفسدة مع ما سيجيء من فساد تلك الأدله ومن الثابت أن الأصل في الكلمات عدم الترادف كالاشتراك وعدم قصور المعاني من الألفاظ فلو كان للترتيب المطلق كبعد أو بلا مهلة كإلغاء كما يفهم من شرط الولاء أو معها كثم أو للمقارنة كمع الترادف وإن لا يكون للجمع المطلق لفظ إذ ليس غير الواو وإجماعا فهو كالجنس وهذه الأنواع وإن العام أعم فائدة إذ الاحتياج إلى الخاص يستلزم الاحتياج إليه من غير عكس فيجعل اللفظ له إذا دار بينه وبين الخاص.
فروعنا: زعم البعض أنها للمقارنة وفاقًا بين أصحابه لتعلق الكل ونزول الجملة فيما قال لغير المدخول بها أنت طالق ومطالق وطالق إن دخلت الدار (1) والبعض أنها لها عند الصالحين وللترتيب عند أبي حنيفة رضي الله عنه لنزولها جملة فيه مع تقدم الشرط عندهما وواحدة عنده فاسدان بل ذلك بناء على الأصول فموجب ذكر الطلقات المعلقة المتعاقبة عنده الافتراق رعاية لعدم الواسطة ووجودها وتعددها الحاصلة فط التعليق وقت الوقوع كسلك الجواهر بخلاف لكرر الشرط إذ الكل بلا واسطة وتأخر الشرط لأن الكل يتوقف على الآخر المغبر ويتعلق دفعه وعندهما الاجتماع لأن مشاركة الناقصة للتامة يجعل الكلام بلا واسطة واستشكل القاضي أبو زيد قوله من وجهين:
1 - أن التعاقب في التكلم وأزمنة التعليق لا يقتضي تعاقب أزمنة الوقوع كما عند تكرر الشرط بل ذلك بتم أو بثلاثًا واحدة بعد واحدة.
2 - أنه ليس بطلاق في الحال حتى يقبل وصف الترتيب والوصف لا يسبق الموصوف فلا بد لذلك الوصف من ثم أو بعد وأجاب مثمس الأئمة بأن المعلق كالمنجز عند وجود الشرط ومن ضرورته تفرق الوقوع كما لو نجز أنت طالق وطالق وطالق فقول أبي حنيفة - رضي الله عنه - أقرب إلى مراعاة حقيقة اللفظ وكذا كل ما يوهم الترتيب أو المقارنة من مسائلنا بناء على الأصول فمن الأول هذا المنجز في غير المدخول بها لأنها إذا بانت بالأولى من غير
__________
(1) قال الشيخ الكسانيّ: يقع الثلاث إن وجد الشرط؛ لأن أهل اللغة وضعوا هذا الكلام على تأخير الشرط لإيقاع الثلاث جملة في زمان ما بعد الشرط لحاجتهم إلى تدارك الغلط. انظرلم بدائع الصنائع للكاساني (3/ 140).

(1/139)


عدة فات محل التصرف فلو يقع الباقيان خلافًا لمالك وأحمد والشافعي في القديم لا للترتيب وثبوت الحرمة الغليظة بالثالث ليس تغير ليوجب توقف الأول بل تقرير لموجبه وهو رفع القيد بخلاف أنت طالق ثلثًا لأن العدد مفسر يتم المراد به فلا يقع إلا به والطلاق الثاني فما بعده ليس بمفسر غير إنها تبين عند أبي يوسف إذ لو توقف على الثاني لم يفت المحل فوقعا جميعًا وما روى عن مالك أن الواو مثل ثم ففي المدخول بها في وقوع الثلاث حتى أو قال أردت التأكيد لا يعتبر عنده لأنه نية خلاف الظاهر إذ التأكيد بغير الواو هو الغالب وعند الشافعية يعتبر لأنه محتمل حتى قالوا في له علي ألف وألف يلزم ألفان بنية التأكيد نظيره أنت علي حرام صريح في اليمين فينصرف إليها عند عدم نية الطلاق والظهار لا عندها إذ ليس في الصراحة بحيث لا يقل الصرف عنه ومنه تزويج الأمتين برضاهما من غير إذن المولى بعقد أو بعقدين من رجل فأعتقهما معًا لا يبطل شيئًا وفي كلمتين منفصلتين يبطل الثابتة وهذا في هذه حرة وهذه أمة متصلًا لأن عتق الأولى يبطل محلية الوقف في الثانية إذ لا حل للأمة على الحرة ومن الثاني تزويج الحنين في عقدتين بغير إذن الزواج قال أجازهما معًا بطلا ومتفرقًا فالثاني وقوله أجزت نكاح هذه وهذه كأخوتهما لا لأن الواو للمقارنة بل لأن آخر الكلام بغير صدره من الجواز إلى الفساد فيتوقف بشرط الموصل بخلاف المسألتين السابقتين إذ لا مغير فيهما ومنه من مات عن أعبُد قيمتهم سواء وابن لا وارث غيره فبقوله أعتق في مرض موته هذا وهذا متصلًا عتق من كل ثلثه كأعتقهم لا للقران بل لأن الآخر بشرط الوصل بغير الصدر من عتق إلى رق عنده أو براءة إلى شغل ذمة عندهما لسعاية البعض إذ لو قاله ساكنًا بينها عتق الأول إذ لا مزاحم ونصف الثاني لأن نصف الثلث استوفي في حقه وثلث الثالث لأن ثلثي الثلث استوفيا في زعمه والمسألة من ثمانية عشر، وفي الحصيري فرق مسألتي الأمتين والأختين من اختلاف وضعهما فإن المعطوفة في الأولى تامة حيث وضعهما مع خبرها لا تشارك المعطوف عليها فلا يتوقف الأول على الآخر نحو عمرة طالق ثلاثًا وزينب طالق حيث تطلق الثانية واحدة وفي الثانية ناقصة تشاركها فلا فرق إذ كانتا تامتين أو ناقصتين والحق هو الأول الفارق وإن كالتا تامتين للمرتبتين أو لا قوله تعالى {ارْكعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: من الآية 77) ففهم وجوب الترتيب قلنا لعله مستفاد من قوله عليه السلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" (1) أو الإجماع أو فعله بيانًا لمجمل الصلاة فلا يرد البحث بأن فعله
__________
(1) أخرجه البخاري (1/ 226) ح (506)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 206) ح (397)، وابن =

(1/140)


غير موجب بعد ما كان التقديم في الذكر لإفادته نوع قوة ظاهرة مرجحًا في الجملة كما في الوصية بالقرب النوافل وثانيًا قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية 158).
ففهم عليه السلام وجوب الترتيب وقال ابدؤوا بما بدأ الله أو نص على مقتضاه إذ لو كانت للجمع لما سألوه ولا تعارض لأنهم يجوزون الجمع تجوزًا غالبًا أما الترتيب فمطلوب نعم لو قيل لما حسن كما مر لحسن المعارضة قلنا المحل في حكم أنهما من المشاعر لا يحتمل الترتيب فكيف يفهم أما وجوب السعي فثبت بقوله تعالى {لا جناح عليه أن يطوف بهما} وهذا وإن احتمل الإباحة فقوله عليه السلام «إن الله كتب السعي فاسعوا» (1) بين وجوبه واختيار عبارة دفع الجناح له كونهما مكان (أساق) و (نائلة) ولئن سلم فالسعي في حق الترتيب محمل إذ لا بد له منه بينه فعله أو مواطنه بلا ترك وقوله ابدءوا بعد ترجيح التقديم في الذكر وثالثًا ما روي في خطة الأعرابي حيث قال ومن عصاهما فقد غوى من قوله عليه السلام بئس خطب القوم أنت قل ومن عصي الله ورسوله والفارق الترتيب قلنا لا نم إذ لا ترتيب في معصيتهما بل هو ترك العظيم بالإفراد لو تقدم لفظ أو بذكر لفظ الله ورابعًا إنكارهم على ابن عباس عامره بتقديم العمرة مع قوله وأتموا الحج والعمرة لله لا يقال العلة لا دعاء لتجوز في الترتيب لأنه مغلوب لا يصلح داعيًا في الإنكار قلنا ذلك لكون الأمر بالتقديم منافيًا للجمع المطلق لأن مقتضاه جواز التأخير، وربما يجاب بأنه معارض بأمره فإنه يقتضي عدم الترتيب، وفيه بحث أن لعله لدعوى التجوز الغالب في الجمع.
وخامسًا: أن للترتيب في اللفظ سببًا والوجود صالح له فيتعين ظاهرًا. قلنا: ينتقض بصورة تكرر العامل حيث لا يترتب فيه إجماعا فسببه ما يتكفل بتعداده علم المعاني وإذا ثبت أنه ليس للترتيب لا يوجه في آية الوضوء ولا في قول محمَّد ينوي من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة أما الجمع فأتم من الجنسية فالافتراق بين علي مائة ودرهم ومائة
__________
= حبان في صحيحه (4/ 541) ح (1658)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 2871) ح (1508)، والدارمي (1/ 318) ح (1253)، والبيهقي في الكبرى (2/ 345) ح (3672)، والدارقطني في سننه (1/ 272)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 55).
(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4/ 233) ح (2765)، والبيهقي في الكبرى (5/ 98) ح (9150)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 195) ح (3)، والطبراني في الكبير (5/ 188) ح (5032)، والامام أحمد في مسنده (6/ 4371) ح (27503).

(1/141)


ثوب مبني على أصل ستلقاه.
ذنابتان
الأولى: أن الواو بين جملتين لا محل لهما من الإعراب يسمى واو الابتداء أو واو تحسين النظم والأصح أنه للعطف يونسه ما في المعاني من اشتراط أحد الجوامع مع الثلاث في أحد القسمين من الأقسام الستة وحكم الثانية لا تشارك الأولى لكونها تامة كما مر فإن دليل المشاركة الافتقار أما إن كانت ناقصة فشاركها فيما تم به الأولى بعينه لا بتقدير مثله إلا عند استحالة الاشتراك في الخارج فإن دخلت الدار فأنت طالق وطالق بعد قوله كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق يمين واحدة ولذا يقع واحدة اتفاقًا لا كالتكراركما مر وكذا أنت طالق إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه يقع به واحدة وإن دخلتهما وكذا لفلان على ألف ولفلان كذا إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة بدخولها لا كل بدخول نفسها وفي هذا نظر لصاحب الكشف رحمه الله وكان وجهه أن ما تم به الأولى ليس الشرط فقط بل المجموع منه ومن الطلاق وليس هذا المجموع في الثانية عينه في الأولى لاستحالة اشتراك المرأتين في طلاق واحد والجواب أن التمسك ببعض الاعتبارات كاف في صحته وبتقدير مثله عندها نحو جائنى زيد وعمرو وكونه من عطف المفرد لفظًا لا ينافي تقدير المثل لرعاية المعنى إذ التقدير نوعان أحدهما صحيح اللفظ لو المعنى وثانيهما لتوضيح المعنى كما قال عبد القاهر في تقدير اللام بين المضاف والمضاف إليه وكما قدر الزمخشري متبركًا في بسم الله اقرأ وهذا من الثاني وكذا أنت طالق وفلانة لاستحالة الاشتراك في مجيء وطلقة لا يقال ففط هذه طالق ثلاثًا وهذه يمكن مشاركتها في الثلاث فينقسم عليهما فنكمل ثلاث لأن ذكر بعض ما لا يجزي كذكر الكل لا ثلاث كما انقسم الأف في مسألة الإقرار، ولأنا نقول نعم لولا ما في تنصيص الثلاث من الٍاشارة إلى أن مقصود الزوج إثبات الحرمة الغليظة وبالانقسام لا يحصل إذ فاستحال الاشتراك حكمًا ومن الناس من أوجب الشركة فيما بين الشامتين أيضًا فقال القرآن في النظم يوجب القرآن في الحكم فاستدلوا من قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكاةَ} (البقرة: من الآية 43) على عدم وجوب الزكاة على الصبي ولعلهم بنوا على اتحاد المخاطب وقلنا لا نعلم لعدم افتقار الثانية الذي هو دليل الشركة بل ذلك لكون الزكاة عبادة محضة كالصلاة لو ليس فيها معنى المؤنة كصدقة الفطر والعشر والخراج والصبي ليس من أهلها وأهل الإنابة فيها لعدم كمال الاختبار ويكفي في الأيمان والنوافل اختبار ما توسيعا لمحالها فبذلك

(1/142)


يسقط قول الشافعية إن الخطاب بهما يتناوله والعقل خص الصلاة البدنية لا الزكاة المالية لا مكان أداء الولي لا يقال لو كان دليل الشركة هو الافتقار لم يتعلق الثانية في أن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر لكونها تامة لانا نقول غير تامة في حق التعليق فإن مناسبتها للجزاء في الاسمية مع عدم مرجح الصرف عنه يقتضي ظاهرًا عطفها عليه والجزاء بعض الجملة حكمًا بخلاف وزينب طالق فإن إعادة الخبر مع كفاية المبتدأ ترجح الصرف عن الجزاء والعطف على الكل وعلى هذا والأصل العطف على الأقرب بينا قوله تعالى {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} حيث عطفناه على فاجلد ولمناسبتها إنشاء وخطابًا للأئمة وزجرا لأن الزجر في رد الكلام فوق الضرب فيفتقر إلى الشرط من تلك الحيثية لا على الجملة كقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسقُونَ} (النور: من الآية 4)، لعدمها فإن حكايه الحال القائمة لا تصلح جزاء وزجرًا من الحكام والثمرة أن الرد من لضام الجد والاستثناء المترتب عليه لا يترتب على ما قبله فلا يقبل شهادة المحدود في القذف بعد الحد وإن تاب لا قبله لأن أوان تمام الجد بعده وذكر البرغري وقبله لكن بالفسق لا حدًا فلو تاب قبله يقبل وفيه خلاف الشافعى فيقبلها إن تاب بعده لا قبله وقولنا لصح لكون القذف سببًا للفسق فلو كان الرد به لجاز قبل الحد وكان العجز عنهم شرطًا للحد متراخيًا لعطفه يتم وبينهما لا ردكما لا حد فيقتض عدم الرد حدًا كما يقتضيه العطف بالواو وقيل: موجب النهي وهو حرمة القبول لا يصلح حدًا لأن الحد فعل بقيمة الإِمام قلنا الحد لازمه وهو ترك القبول كما أن الحد فيما قبله ليس الوجوب بل لازمة وهو الجلد.
قيل: المنهي عنه لا بد من تصوره وقد أبطلتموه.
قلنا: منصور حيث ينعقد النكاح بحضورهم لا كالعبد قيل معناه لا تقبلوا بعد الحد شهادة لأجل صدق مقالتهم فإنه معنى اللام ولا نزاع فيه.
قلنا: تقبل شهادة الغير لهم على سائر حقوقهم وعلى إثبات زنا المقذوف فأريد شهادتهم للإجماع ولأن عموم النكرة في سياق النفي يوافق شهادتهم لا شهادتهم ومن المعطوف على الجملة، قوله تعالى {وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ} (الشورى: من الآية 24) ولذا أعيد لفظ الله وحذف الواو لفظًا لا لالتقاء الساكنين وحظا لاتباعه وقوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} (آل عمران: من الآية 7) عندنا.
الثانية: أن الواو قد تمستعمل للحال لأنها تجامع ذاتها نحو وفتحت أبوابها أي مفتوحة قبل لقوله مفتحة بخلاف أبواب جهنم حيث لا تفتح إلا عند الدخول وكلاهما مقتضي

(1/143)


الكرم فلا يحمل عليها لا بامتناع العطف أو بالنية أما الأول فنحو أدّ إليّ ألفا وأنت حر وأنزل وأنت آمن لامتناع عطف الإخبار على الإنشاء ولما تعين الحال ومن شأنها أن لا تسبق عاملها أو لأنها حال مقدرة نحو {فَادْخُلُوهَا خَالِدينَ} (الزمر: من الآية 73) أي مقدرًا لحرية بعد الأداء استعملت في معنى جواب الأمر الَمتأخر عنه المقدر حصوله بعده وقصد تعليقها بمفهومه لا بالعكس إذ لا يعلق المتكلم إلا ما يمكنه تنجيزه فلم يعتق إلا بحد الأداء ولم يأمن إلا بعد النزول وأما الثانية فنحو أنت طالق وأنت حريضة أو مصلية فإنه ظاهر في العطف لمناسبة الجملتين اسمية ويحتمل الحال لعدمها خبرية أو إنشائية ولأن إنشائية الأولى غير وضعية رجح الأول فيقع الطلاق في الحال إلا إذا نوى واو الحال يصدق ديانة لا قضاء فيتعلق بالمرض والصلاة بخلاف خذه مضاربة واعمل به في البزّ فإن العطف متعين لأن الانشاء لا يقع حالًا فيصير شورة ويبقى المضاربة عامة واختلف في طلقني ولك ألف فقالا للحال فله الألف إذا طلقها (1) إما قياسًا على أدّ إليّ ألفا وأنت حر بدلالة حال المعارضة في الخلع الشارطة للبذل والحال شرط وإما استعارة للباء كما في القسم بتلك الدلالة كما في احمل ولك درهم بخلاف أنت طالق وأنت مريضة ومسألة المضاربة إذ لا معارضة فيهما فإن المضارب أول الأمر أمين ثم وكيل ثم شريك وإذ لو كان العمل عوض الأخذ لاستحق لحجرد الأخذ وليس كذا إجماعا وقال رحمه الله الأصل الحقيقة ولا يصلح معنى المعاوضة معير إلا أنه في الطلاق زائدًا إذ يغلب بدونه وإذ قد يكون يمينًا من جانبه إذا دخله فيلزم ولا ينصح رجوعه قبل قبولها ويحنث به في أن خلفت بطلاقك ولا يمين في المعاوضة كالنكاح والعوارض لا تعارض الأصول بخلاف الإجارة المشروعة معاوضة كالتبع ثم أن العدول إلى مجاز التعليق لم يتعارف فيما ليس أصله المعارض المعاوضة إلا إذا أمكن المتكلم لتنجيزه كمسألتي التحرير والتأمين خلاف التطليق من المرأة الطالبة وهو المعلق بالالتزام الألف عندهما لا عكسه حتى قوله بألف مثله وهذا بيان أن لبس فيهما مانع تعليق على أن فيهما مقتضيًا له وهو أن المتكلم لا يرضي بالحرية قبل الأداء وإلا لغا الصدر إذ لا يصح المضرب ولا بالأمان قبل النزول لعدم المقصود وهو معاينة محاسن الإِسلام المقضية إلى إسلامه بخلاف التطليق قبل الأداء للمرأة الطالبة وبهذا يندفع أن ذكرها الألف دليل إرادة المعاوضة إما أن العطف يبقي بلا جامع لو أرسلوك ألف في بيتك فمع أن العطف على مقدر مناسب لأن المذكور إنشاء مثل طلقتنى
__________
(1) انظر بدائع الصنائع للكاساني (3/ 152).

(1/144)


مستغن عني ولك ما تحصل به غيري لا يربو على ما سبق من الوجوه اللفظي والمعنويين، والفاء للتعقيب من غير تراخ إلا بزمان لطيف وهو ما لا يعد فاصلًا ومهلة عرفًا (1) والاستدلال بدخولها على إجراء المتعقب للشرط صحيح لأنه أثر الوصل والتعقيب ولو عقليًا فبوجوده يعلم المؤثر ولا دور فيه كما في كل برهان إنيّ ففي إن دخلت هذه الدار فهذه لا يحنث بترك أحديهما وتقديم الثانية وتأخيرها مع مهلة وفي إن دخلت فأنت طالق فطالق تبين المدخولة بالأولى فقط وقيل: عندهما بهما لأن أجزية شرط واحد لا يترتب فيجعل للواو مجازًا والحق اتفاقهم عليّ الواحدة كبعد وصرف الترتيب إلى الوقوع أقرب إلى الحقيقة من إلغائه كما وجب في على درهم فدرهم درهمان (2) صرفا للترتيب إلى الوجوب إذ لا يتصور إلا في زماني وهو الفعل لا العين أو استعارة كمعنى الواو والأول أقرب إلى الحقيقة ثم الثاني مما قال الشافعي - رضي الله عنه - يلزمه درهم (3) لأن الثاني لتحقيق الأول أي فهو درهم لامتناع الترتيب كقول رؤبة (يريد أن يعربه فيعجمه) أي إعرابه إعجام قلنا إضمار فيه ترك الحقيقة من كل وجه وفيما قلنا العمل بها من وجه والإعجام عطف على الإرادة وواقع بعدها وفيضل الله مفسر لا به ولذا دخل على ازدياد الثمن المرتفع في أخذت بعشرة فصاعدًا أى فازداد الثمن لترتبه على السعر الأول وعلى الجزء لترتبه على الشرط فقوله فاقطعه بعدا يكفيني قميصا فقال نعم فقطعه فلم يكفه مضمن لأن الإذن المرتب على الكفاية لكونها شرط مقدرًا معدوم قبل وجودها كما لو كان ملفوظًا بخلاف اقطعه فإنه إذن مطلق والغرور إذا لم يكن في ضمن عقد لا يضمن الغار كالخبر يا من الطريق فإذا فيه لصوص وقوله فهو حر بعد بعث منك العبد بكذا قبول لأن الإعتاق المرتب على مجرد الإيجاب يقتضيه بخلاف هو حر أو هو إذ لاحتماله الإخبار حيث لم يرتبه لا يثبت القبول بالشك وعلى الحكم المعلول لترتبه على العلة حيث تعقبها بلا فصل إما رتبة أو زمانًا نحو جاء الشتاء فتأهب واعتبار الحكمية لا ينافي الجزائية ونحو أطعمه
__________
(1) انظرا نهاية السول للإسنوي (2/ 187)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 164)، فواتح الرحموت
شرح مسلم الثبوت (1/ 234).
(2) انظرا المبسوط لشيخ الإِسلام السرخسي (81/ 8).
(3) ونصه في الأم: قيل له: إن أردت درهمًا ودرهمًا فدرهمان، وإن أردت فدرهم لازم في أو درهم جيد فليس عليك إلا درهم.
انظر/ الأم (6/ 221)، المهذب للشيرازي (2/ 348)، الإقناع للماوردي (1/ 200)، التنبيه
للشيرازي (1/ 275)، الوسيط للغزالي (3/ 342)، روضة الطالبين للنووي (4/ 387).

(1/145)


فأشبعه وسقاه فرواه أي يعين الإطعام والسقى لأن المراد بهما ليس مطلقهما كما ظن بل مقدارًا يكفى للإشباع والإرواء حتى أو فيما به لم يفسد العبارة وككتب فقرمط وضرب فأوجع والترتيب عقبي والقدم الواجب العلة ذاتي كحركت الإصبع فالخاتم فيندفع في قوله عليه السلام لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه رأي الظاهرية كدواء الأصفهاني أنه لا يعتق قبل أن يعتقه فلا تمسك لهم بصريحه حيث كان إلا عتق حكمه ولا بان بقربة لو منعت البقاء منعت الابتداء كالنكاح لأن عدم منع فابتداء الفائدة هي ترتب العتق بخلاف النكاح وبجواز أن يترتب على موثر متنافيان أحدهما بواسطة كالملك والاعتاق بواسطته على الشراء وقريب منه أن شريتك فأنت حر فيقع عن الكفارة بالشراء بنيتها خلافًا لزفر والشافعي وجعل الاعتاق يمنزلة الإحياء بناء على أن الرق إثر الكفر الذي هو موت حكمي.
ذنابة: وقد يدخل على العلة إذا دامت نحو تأهب فقد جاء الشتاء وابشر فقد أتاك الغوث وتزود فإن خير الزاد التقوى وفدعه فدولته ذاهبة تنبيها على دوامها فإنها إذا دامت ترتبت على المعلول وقيل: إذا كان المعلول مقصودا منها وعلة غائية لها فيدخل على الحكم من وجه كما في الأمثلة فإن ما قبل الفاء مقصود من الإخبارات التي بعدها ومثاله حقيقي صلّ فقد أمر الله بها ولا تزن فقد نهى عنه واحضر فقد دعاك الأمير والعلل في الكل دائمة حكمًا ونظيره أدّ ألفًا فأنت حر وأنزل فأنت آمن يعتق ويأمن قبلهما ولا يضمر الشرط لأنه ضروري ولا ضرورة إما لعلة فلكونها مستدامة أو معلولة على الأصل من وجه فكانت أولى من الإضمار ولأن تقدير الشرط الناقل إلى المستقبل عند التلفظ به لم يعهد مع الماضي نحو ائتني أكرمتك فمع الاسمية وهي أبعد أولى.
تتمة: يعرف الأولى بفاء التعقيب والثانية بالجزائية والثالثة بفاء التفريع والسببية والرابعة بفاء التعليل، وثم للتراخي ويظهر أثره عنده في التكلم والحكم كأنه سكت بينهما قولًا بكمال التراخي فالمطلق ينصرف إلى الكمال ولأن بينهما تلازمًا في الانشاآت فتراخي الحكم يقتضيه تكلمًا نظيره جعل التعليق تطليقًا عند وجود الشرط لتراخي حكمه لا إلغاء والأول أعم وعندهما في الحكم ووجود المدلول فقط لأنه المعتبر عند الوضع واللفظ متصل كيف والعطف ينافي عدمه قلنا ليس المراد أنه لتراخي اللفظ بل لتراخي الحكم الحاصل عند تراخي اللفظ والاتصال ضرورة معتبر لجمعه حتى تم بما تم به الأول وإن لم يعتبر لتراخيه حتى لم يتعلق بما تعلق به الأول ففي تعليق أنت طالق ثم طالق ثم طالق

(1/146)


بالشرط يتعلق الكل عندهما وينزل مرتبًا وعنده في الدخول بها ينزل الاثنان ويتعلق ما يلي الشرط قدمه أو آخره وفي غيرها أن آخره وقع الأول ولغي غيره وإن قدمه تعلق الأول فهان ملكها ثانيا ووجد وقع ووقع الثاني ولغط الثالث لا الثاني لما مر أن الاتصال صورة يعتبر في حق الشركة فيما تم به الأول وصورة ومعنى هو المعتبر في حق التعليق كما في أن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق فأحكام الصور الأربع متفق عليها ها هنا فيصلح مقيسًا عليها.
ذنابة: قد يستعار للواو للمجاورة من إطلاق المقيد على المطلق نحو قوله تعالى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَذِينَ آمَنُوا} (البلد: من الآية 17) فالإيمان هو السابق في الاعتبار على جميع الأعمال فضلًا عن فك الرقبة أو الإطعام ويقال للتراخي في الرتبة تنزيلًا لتباين المنزلتين منزلة تباين الوقتين وفيه أن المقتضى ح تأخير الإيمان عن التواصي بالأمرين ويقال لترتيب الإخبار بأنه لمن كان من المؤمنين وفيه إضمار بلا ضرورة والمضمر مستدرك وفي الحمل على الواو عمل بالحقيقة من وجه واختار البعض أن المعنى ثم دام على الإيمان إذ الأمور بخواتمها كقوله تعالى {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدىَ} (طه: من الآية 82) أو ينافيه عطف التواصي بالأمرين إذ اعتبار الدوام فيه لا فيما بعده تفكك النظم ونحو قوله تعالى {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} (يونس: من الآية 46) فشهادته لا تختص بما بعد مرجعهم فهي بمعنى الواو كمم ساد أبوه ويقال أريد بالشهادة نتيجتها وهي العقاب وفيه أنه يستلزم تاويلا آخر وهو عدم حمل ما على عمومه والأصل في خلاف الأصل التقليل مع ما مر أن العطف عملًا بالحقيقة القاصرة ويقال معناه مؤد شهادته بإنطاق أعضائهم فالشهيد بمعنى ناصب أشهادة أو خالفها وفيه بعض ما مر ولأن لا استعارة عند إمكان العمل بالحقيقة حملناه في رواية: "فليكفر عن يمينه ثم ليأت بالذي هو خير (1) "على الواو لا على الفاء مع قربه لتعذر العمل بحقيقة الأمر فإن التكفير قبل الحنث واجب إجماعا ولم يرجح حقيقة ثم لأن الأمر مقصود الحديث والكفارة خلف البر المقصود عن اليمين ولتقدمه لفظًا وليتوافق الروايتان فإن المراد في رواية التأخير الوجوب قطعًا وهي الأشهر فحمل الأخرى عليها أولى ولأن في هذه الرواية ترك العمل بالإطلاق أيضًا لعدم جواز التكفير بالصوم قبل الحنث اتفاقًا غير أن الاستعارة للواو إذا وجبت فاستعارة الفاء أولى لمزيد جوارها لخلوها عن قيد المهلة، وبل للإضراب عما قبلها على تدارك غلطه فلا يقع
__________
(1) أخرجه مسلم (3/ 1272) ح (1650).

(1/147)


في القرآن إلا حكامة نحو: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} (الأنبياء: من الآية 5) أو على أن الثاني أهم فيقع نحو {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ في الاَخِرَة} (النمل: من الآية 66) الآية فقيل معناه إبطاله ذكر مع لا تأكيدًا أولًا، وقيل: جعله مسكوتًا عنه بلا، لا والتصريح بحبه معه وهو المختار فنحو بل عمر وبعد الإثبات للإضراب عنه وبعد النفي عنه أو عن منفيه وكلاهما مذكور، فإن أجزاء الموجبة بعض أجزاء السالبة فلا إشكال.
فروع: قال زفر رحمه الله في عليّ ألف بل ألفان لا يملك إبطال الأول فلزما (1) وكألف درهم بل ألف دينار وأنت طالق واحدة من اثنين أو الإبل ثنيتين في المدخول بها (2) خلاف غيرها إذ لا محل لما بعد الوحدة بخلاف المعلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة بل ثنيتين أولا، لأن مقتضى إقامة الثاني مقام الأول الذي أبطله اتصاله بالشرط بلا واسطة ولما لم يكن في وسعه إبطال الأول وجب تقدير شرط آخر ليعمل بقصده، إذ لو لم يقدر لاتصل بواسطة وليس لمقصود له فصار كالحلف بيمين عكس العطف بالواو على قول أبي حنيفة فإنه لتقرير الأول فيقتضي الاتصال بذلك الشرط بواسطه، واستحسنا بأن الإخبار يحتمل التدارك وذا في العرف ينفي انفراد الأول وإكماله بالثاني نحو سني ستون بل سبعون وحججت حجة لا بل حجتين لا نفى أصله لكونه داخلًا في الثاني فيجتمع النفي والإثبات بخلاف اختلاف الجنس إذ لا تدخل نحو حجة بل عمرتين أما الإنشاء فلا يحتمل التدارك لأن التدارك للكذب ولا كذب في الإنشاء كما ظن فإن الغلط أعم بل لأنه كما يتلفظ يوجد فلا يمكن إعدامه حين هو موجود فلذا يقع الثلاث في مسألة الطلاق حتى لو قال كنت طلقت أمس فثنيتان استحسانًا وكذا على ألفان بل ألف أو ألف جياد بل زيوف يلزم أكثر المالين وأفضلهما استحسانًا (3) والقياس ثلاثة والمالان (4) كما قال.
ذنابة: إذا تعارض سبها العطف رجح بالقوة ثم بالقوة ثم بالقرب كالضمير يصرف إلى المقصود ثم إلى الأقرب لأن القرب اللفظى ضعيف بخلاف العصبات فإن القرب ثمة يستلزم القوة المعنوية مثال الأول أنت طالق إن دخلت الدار لا بل هذه لامرأة فيحتمل
__________
(1) فيلزمه ثلاثة. انظر/ حاشية ابن عابدين (8/ 141).
(2) فتطلق ثلاثًا. انظر/ المبسوط للسرخسى (6/ 125).
(3) انظر/ المبسوط للسرخسى (18/ 9).
(4) لأن الجنس واحد، والتفاوت في الجنس بمنزلة التفاوت في العدد. انظر/ المبسوط للسرخسى (18/ 9).

(1/148)


العطف على الجزاء أىِ بل هذه طالق إن دخلت أنت وعلى الشرط أي بل إن دخلت هذه فأنت طالق أو عليهما أي بل إن دخلت هذه فهي طالق ولا حمل على الثالث لبعده كثرة تقديره من غير ضرورة وعدم الشركة في كلا الجزئين مع أن إقامة الثاني مقام الأول بإبطاله يقتضي الشركة فيما تم به الأول بعينه وإفراده بالشرط والجزاء يبطلها فيتحمل على الثاني بشرط النية وعلى الأول مطلقًا للغرض والصيغة أما الغرض فلأن الظاهر أن يقصد تدارك أعظم الأمرين وهو الغلط في الجزاء لأنه المقصود في مثله وأما الصيغة فلأن العطف على المرفوع المتصل بلا مؤكد لشبهه المؤكد بالمعدوم قبيح لا يقال ذاك فيما لا فصل وهاهنا فصل فيرجح العطف على الشرط بالقرب نحو أنت طالق أن ضربتك لا بل هذا يجعل عطفًا على المنصوب لقربه لأنا نقول اعتبار الفصل صحيح إذا لم يوجد في الكلام ما العطف عليه أقوى أما إذا وجد لعدم احتياجه إلى التأكيد والفصل وهو أنت فلا إلا إذا تعذر العطف عليه نحو أنت طالق إن دخلت الدار لا بل فلان فيعطف على الشرط لتعذره على الجزاء.
فرع: إذا نوى الثاني فإن دخلتها الأولى والثانية أو كلتاهما طلقت الأولى ديانة وقضاء وفي دخول الأولى تطلق الثانية أيضًا قضاء ولا يصدق في صرف الطلاق عنهما بنية التخفيف ومثال الثاني أن لفلان علي ألف درهم للا عشرة دراهم ودينارًا فيحتمل العطف على المستثنى كالمستثني منه لصحة استثناء الدينار باعتبار قيمته من الدراهم استحسانًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف فيرجح بالقرب، وبأن الأصل براءة الذمة أما عند محمَّد وزفر فعلى المستثنى منه لا على المستثنى لعدم صحة استثنائه قياسًا لا يقال ولا على المستثني منه لذلك فيبطل لأن العطف نحو ألف درهم إلا عشرة وثوبًا لأنا نقول لا ثم فإنه مثل ألف درهم ومائة دينار إلا درهما فقد صححه في الأصل وصرفه إلى الدراهم لصحته صورة ومعنى لا معنى فقط كالدينار بخلاف الثوب إذ لا مجانسة له مع شيء منهما، لكن للاستدراك وهو رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق ويقتضي اختلاف ما بعدها لما قبلها نفيًا وإثباتًا معنى فإذا كان مفردًا لثبوته لا يقع إلا بعد النفي وح يفارق بل من وجهين:
1 - أن بل قد يقع بعد الإثبات.
2 - أنه لنفي الأول أو السكوت عنه على القولين وهاهنا نفي الأول لا به بل بدليله مثاله ما جائني زيد لكن عمرو لمن زعم عدم مجيء عمرو وأيضًا لنسبة بينهما وفي المفتاح لمن زعم أن زيدًا جاءك دون عمرو وإن كان جملة فيقع بعد

(1/149)


الإثبات نفيًا وبعد النفي إثباتًا ومنه غاب زيد لكن عمرو حاضر قالوا إذ اتسق الكلام تعلق النفي بالإثبات وإلا كان مستأنفًا واتساقه بأن يصلح ما بعدها تداركًا لما قبلها وذلك بأمرين:
1 - الوصل لأنه ربما كان مغيرًا موجبًا لتوقف الصدر عليه فلا يعتبر إلا معه.
2 - أن لا يتخذ محل النفي والإثبات وإلا لتناقضا فإن احتمل اللفظ ما كان لي قط ولكن لعمرو فالنفي يحتمل تكذيب المقر لعمومه وردًا قراره ويحتمل تحويل القربة إلى عمرو وح لا يكون ردًا لا يقال الأمر الثاني للاتساق ليس فيه فإن التحويل مبني على القبول النافي للنفي العام فيتناقض السلب الكلي والايجاب في الجملة لأنا نقول لعم إذا لم يتوقف الصدر على الآخر أما إذا توقف يعمل بهما فتوجه النفي العام إلى حقيقة الملك والقبول يبتني على ظاهر اليد فيقبل صرف الملك إلى آخر، وقد يقال النفي في مثله لتأكيد الإثبات فيكون له حكم المؤكد لا حكم نفسه بل ويكون متأخرًا عنه حكمه، آخر قول المقضي له بدار بالبينة ما كانت في قط لكان لزيد باعني أو وهبني بعد القصاء فيعمل إذا وصل بالنفي والإثبات معًا للتغيير والتوقف ما بالإثبات فيكون الدار لزيد وإما بالنفي فلأن تكذيب الشهود يستلزم كون الملك للمقضي عليه فيكون متأخرًا عن النفي المقارن للإثبات لزيد فتكذيبه يتضمن قيمتها للمقضي عليه لأنه إقرار على نفسه ولتأخره عن الإثبات لا يبطل ملك زيد لأنه شهادة عليه فلا يسمع من واحد أما إذا فصل كان ردًا إلى المقضي عليه ثم شهادة عليه فلا تسمع كماذا صدق المقر له المقر في جميع ما قاله لأنه إذا صدق النفي العام اعترف ببطلان القضاء كالثاني والأول يدعيه فيكون له بخلاف المسألة الولي فإن الأولين متفقان على نفي الملك عن نفسهما فيكون للثالث.
تتمة: ضمان هذه الدار قبل مبني على ضمان العقار بالغصب فكذا يقصر اليد وقيل: اتفاقي لأنه ضمان بالقول كسوم البيع والرهن والبيع الفاسد والرجوع وقيل: أتلفها بالإقرار لغيره والضمان به اتفاقي كبالشهادة الباطلة. مثال الثاني: لك علي ألف قرض فقال لا لكن غصب يحمل النفي المجمل على السبب أي ليس قرضًا ليتسق فإن إنفاقهما على وجوب الألف يقتضي تصحيحه ما أمكن وتكذيب المقر في البعض غير مبطل لإقراره مطلقًا بخلاف شهادة واحد بالغصب والآخر بالقرض فإن المدعي يكذب أحدهما في بعض الشهادة وذلك مبطل لها مطلقًا ومثله بعينه لك علي ألف ثمن هذه الجارية فقال هى لك ما بعتها لكن في عليك ألف أما إذ تزوجت الأمة بغير الأذن بمائة فقال المولى لا

(1/150)


أجيز النكاح ولكن أجيزه بمائتين أو إن زدتني خمسين يجعل فسخا لأن النفي ها هنا ليس مجملا بل معلقًا بأصله ومع نفيه لا يمكن إثباته بمائتين بخلاف قوله لا أجيزه مائة لكن بمائتين فإنه تدارك قدر المهر لا أصله وهذا لأن الظاهر من المولى الملتقى بالإنكار الفعل المتمرد عدم إجازة أصله كما هو ظاهر لفظه فلا يكون قوله ولكن أجيزه بمائتين دلالة من جهة المتكلم أن مراده نفيه مقيدًا بماله كما ظن لا سيما في مثل النكاح الذي لا يلتقي بنفي المهر ولا يكون كلامه لغوا أيضًا بل يكون جزاء بالأضرار بزيادة المهر وتوقيف غرضه إلى أن يقبلها.
تتمة: لكن المشددة كالعاطفة في جميع هذه الأحكام، وأو لأحد ما زاد عليه أي لأحد الشيئين أو الأشياء بغير عينه فيقضي في الخبر إلى الشك أو التشكيك وفي الإنشاء ويسمى الابتداء، وقيل: نوع منه ليس فيستلزم إلى التخيير أو الإباحة أو التسوية أو نحو ذلك مما يقتضيه المقام أما الأول فلأن الشك ليس بمقصود في وضع الكلام الذي للإفهام لا أنه ليس بمقصود لمتكلم ما وفي وضع ما فجعله مقصودًا خلاف الأصل بل حاصل بسبب أن المتناول غير عين أما عند المتكلم وهو الشك أولًا عنده وهو التشكيك ولأن هذا مطرد غير مفض إلى الاشتراك بخلاف الشك وأما الثاني فلأن الإنشاء لا خارج له فلا يحتمل الشك ولعدم تصور الامتثال في غير العين ثبت التخيير وغيره ضرورة التمكن منه لكن فعلًا لا قولًا لعدم الضرورة فيه فقوله هذا حر وهذا يمنزلة أحدهما إخبار لغة حتى لو أشار بهما إلى عبد وحر كان إخبارًا قطعًا فينبغي أن لا يحتمل التخيير بل يجب بيان من اعتقه كما واعتق معينا ثم نسيه وإنشاء عرفا لخعل الحرية ثابتة سابقًا اقتضاء صحيحًا للمعنى اللغوي فأوجب التخير فلذا كان بيانه إنشاء من حيث أن الإنشاء الأول تناول نكرة فلم ينزل فشرط أهلية وصلاحية المحل حتى لو بين في الميت بعد موت أحدهما لم يصح وإظهار لما أخبر به من حيث خبرته أو كونه معرفة من حيث أنه لا يعدوهما فأجبر عليه فعمل بجهة الإنشاء في موضع التهمة وبجهة الإظهار في غيره رعاية مسائل الجامع والزيادات فيما طلق إحدى الأربع غير مدخول بهن فتزوج الخامسة أو أخت أحديهن بيانه في أخت المتزوجة معتبر لتمكنه من إنشاء الطلاق فيها ومدخولًا بهن لا لتهمة من جهة العدة وفيما قال لامرأتيه أحديكما طالق فخرجت أحديهما قبل البيان عن محليته بالموت تعينت الباقية فلو كنت عنيت الميتة صدق في بطلان ميراثه عنها لا في صرف الطلاق عن الباقية وفيمن تحته حرة وأمة مدخول بهما قال أحديكما طالق ثنتين فأعتقت

(1/151)


فمرض وبين في المعتقة لخرم غليظة لجهة الإظهار ويصيره فارًّا فترث هي لجهة الإنشاء وفيمن قال لعبديه المتفاوتين قيمة أحدكما حر فمرض فبيانه في كثير القيمة معتبر بجهة الإظهار ويعتق من جميع المال لأن كليهما لتردده بين العتق وعدمه صار كالمكاتب فلم يتعلق به حق الورثة فلا تهمة بخلاف مسألة الفرار.
فروع:
1 - وكلت فلانا وفلانًا في البيع أو أحد هذين لا يصح قياسًا لجهالة المأمور ويصح استحسانًا لأن الوكالة متوسع فيها والجهالة مستدركة غير مفضية إلى النزاع فإن هما باعا صح فلم يشترط اجتماعهما بخلاف وهذا وليس بعد بيع أحدهما أن يبغ الآخر وإن عاد إلى ملك موكله أما بيع هذا وهذا فقيل لا قياس مق جهالة الموكل به دون جهالة الوكيل كجهالة المقرّ به والمقر له، والأصح أن هاهتا أيضًا قياسًا لأن التوكيل بالبيع كالبيع فلا تصح مع جهالة المبيع واستحسانا لأن الجهالة مستدركة والموكل قد يحتاج إلى هذا والتحيز لا يمنع الامتثال كما في الكفارة.
2 - دخول أو في الثمن أو الأجرة مفسد وكذا في المبيع أو المستأجر إلا أن يكون من له الخيار معلومًا في اثنين أو ثلاثة فيصح استحسانا عندنا خلافًا لزفر والشافعيّ وهو القياس للجهالة التي تعود على موضوع المعاملات بالنقض كما في الثمن وجهالة من له الخيار وما فوق الثلاثة، وجه الاستحسان: استبداد من له الخيار بالتعين فلا يقضي إلى المنازعة غير أنه لخطره يشبه القمار فتحمل في الثلاثة المشتملة على أوصاف الجودة والرداءة والتوسط كما تحمل في خيار الشرط إلى ثلاثة أيام إلحاقًا للمحل بالزمان والجامع الحاجة إلى التردي واندفاع الحاجة لما دونها وهذا الخيار في المبيع لا الثمن وهذا الخطر وإن كان في العقد فحكمه ثابت في النكرة وخطر خيار الشرط وإن لم يدخل العقد فحكمه ليس بثابت أصلًا فاستويا فجاز الإلحاق وعدم جوازه فيما فوق الثلاثة عندهما مع جواز خيار الشرط لأنه ثابت بالأثر على خلاف القياس فلم يمكن الإلحاق فيه ثم خيار التعين فيها يتناول العاقدين عند الكرخي كما في خيار الشرط وفي المجرد لا يجوز للبائع لأن الجواز لضرورة التردي في اختيار ما هو إلا رفق وهي مفقودة فيه لأنه كان له والإجارة كالبيع فيه كما في الخيارات الآخر.
3 - دخول أو في المهر يوجب تحكيم مهر المثل عند أبي حنيفة لجهالة التسمية وله موجب أصلى لا يجوز العدول عنه بالشك كالقيمة في البيع وأجر المثل في الإجارة مع أن

(1/152)


التسمية زيادة فيه لجواز النكاح قبلها فهي كأجر المثل في الإجارة الفاسدة وعندهما يوجب تخيير الزوج إذا كان مفيدًا بأن كان المالان مختلفين صفة أو جنسًا وإذ لم يفد مثل ألف أو ألفين حالة أو مؤجلة لزمه الأقل المتيقن إلا أن يتسامح أن النكاح لما لم يفتقر إلى التسمية اعتبرت التسمية فيه بالإقرار المفرد عن العوض وبالوصية وبدل الخلع والعتق والصلح عن القود كل منها بألف أو ألفين يلزم الأقل وبيان الإجمالي من المجمل قلنا ليس فيها موجب متعين لجوازها بغير عوض ولخيير المستحق أقطع للنزاع وأوفق للرضاء لا سيما عند شهادة الطاهر له.
تتمة: فالأصل أن الموجب الأصلي عنده مهر المثل فلا يعتبر التسمية إلا إذا صحت من كل وجه وعندهما المسمى فلا يعدل عند إلا إذا فسد من كل وجه.
4 - أن الواجب في كدرة اليمبن والحلق وجزاء الصيد واحد منها يتعين باختياره فعلًا لا قولًا وإلا عاد على موضوعه بالنقض لكن على طريق الإباحة حتى إذا فعل الكل جاز وكان الواجب أعلاها ولو ترك الكل عوقب بأدناها ويسمى واجبًا مخيرًا (1) لا كما زعم المعتزلة وبعض العرقيين أن الكل واجبٌ بدلًا ويسقط بفعل أحدهما وجوبُ الباقي (2) فإن أرادوا الثواب والعقاب لواحد فالنزاع لفظى أو للجميع فالنزاع معنوي، وفي الميزان أنه مبني على أن التكليف يبتني على حقيقة العلم عندهم فبواحد لا بعينه تكليف العاجز وعندنا على سبب العلم كما على سبب القدرة وطريق العلم وهو الاختيار قائم. 5 - أوجب الحسن ومالك التحييز في كل نوع من أنواع قطع الطريق بين القتل والصلب والقطع (3) وحملوا {أَوْ يُنْفَوْا} (المائدة: من الآية 33) على معنى وينفوا بالقتل عملًا بحقيقة وكما في كفارة اليمين قلنا ذكر الأجزية الأربعة المتفاوتة خفة وغلظًا في مقابلة المحاربة المتنوعة عادة إلى الأربعة المتفاوتة كذلك أمارة العدول عنها إلى معنى التقسيم والتفصيل إما القضية مقابلة الجملة بالجملة وإما لأن أغلظ الجزاء عند أخف الجنايات وأخفه عند أغلظها لا يليق بالحكمة وإما لحديث جبريل حين نزل بالحد على أصحاب أبي بردة لفظهم على أناس يريدون الإِسلام "أن من قتل وأخذ المال صلب ومن
__________
(1) انظر/ إحكام الأحكام للأمدى (1/ 142)، المحصول لفخر الدين الرازى (1/ 273 - 274)،فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 66 - 69).
(2) انظر/ إحكام الأحكام للأمدي (1/ 142)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 66 - 69).
(3) انظر/ القوانين الفقهية لابن جوزي (1/ 238).

(1/153)


قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله كون خلاف ومن جاء مسلمًا هدم الإِسلام ما كان منه في الشرك (1) وفي رواية ومن (أخاف الطريق ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي) (2) أي بالحبس الدائم ووجوب الصلب على كل من جماعة قتل بعضهم لا ينافيه لأن المراد بالحديث صرف كل حد إلى نوع من قطع الطريق لا إلى أشخاص أبي بردة لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب والمراد بإرادة تعلم أحكامه أو الحربي إذا هاجر لإرادة الإِسلام يصير كالرمي ولا جنايات في كفارة اليمين وغيره حتى قال أبو حنيفة رحمه الله إذا احتمل الجناية الوحدة أي صورة لما سيجيء والتعدد أي معنى خير الجزاء في الجزاء قولًا بكمال المقابلة من حيث الصورة والمعنى كما في قاطع اليد ثم القاتل عمدًا فمن أخذ المال وقتل خير الإِمام بين الأجزية الأربعة عنده (3) وعندهما بين القتل والصلب فقط (4) لأن الأدني يتدرج تحت الأعلى ولذا اندرج إلا خافه وجزاء أخذ المال ولقوله عليه السلام "ومن قتل وأخذ المال صلب" (5) قلنا بعد ما مر لم يتدرج بل قطع الرجل جزاؤها ولئن سلم أنه لغلظ الجناية بالمهاجرة فالإخافة لازمة لها وإلا لازم بين أخذ المال والقتل وفي الحديث روايات متعارضة فالتمسك يما فعله بالعرنيين حيث جمع بين القتل والقطع أو المقصود به بيان اختصاص هذه الحاله بالصلب فقط لا عكسه ولا ينافيه جواز لقطع معه فيها.
6 - هذا حر أو هذا لعبده ودابته باطل عندهما فلا حكم له أصلًا لأن غير المعين غير محل للعتق وقيل: يتعين بنيته كما في عبده مع عبد الغير لأنهما كقوله أنت حر أو لا وعنده يكون مجازًا عن المعين لأن خلفية المجاز في العبارة لا الحكم وهما تحتمل التعين حتى لزمه في العبدين ويعين يموت أحدهما أو بيعه والعمل بالمحتمل أولى من الإهدار فيلغو ذكر ضميمته كالوصية لحي وميت ما عبد الغير فمحمل العتق موقوفًا ولذا لا يتجزأ المضموم إليه.
__________
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (4/ 1455) ح (729)، والبيهقي في الكبرى (8/ 283)، وابن
أبي شيبة في مصنفه (6/ 4) ح (29018)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 108).
(2) أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 212).
(3) فإن شاء قطع يده ورجله ثم قتله أو صلبه وإن شاء لم يقطعه وقتله أو صلبه انظر/ بدائع الصنائع للكاساني (7/ 93).
(4) انظرا بدائع الصنائع للكاساني (7/ 93).
(5) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (729)، والبيهقي في الكبرى (8/ 283)، والدارقطني في سننه (3/ 38)،وعبد الرزاق في مصنفه (16/ 117) ح (10172).

(1/154)


7 - خير الفراء في هذا حر وهذا وفي الطلاق بن الأول والأخرين ولا يعتق أحد حالًا لأنه بمنزلة هذا حر وهذان كما في قوله والله لا أكلم هذا أو هذا، وهذا حيث يحنث بكلام الأول وكلام الآخرين لا بكلام الثاني أو الثالث.
قلنا: الواو للشركة فيما سيق له الكلام وذلك إيجاب العتق في أحدهما فيعطف الثالث على المعتق منهما فيعتق لا على المعين إذ لا حظ له في العتق فصار كأحدكما حر وهذا، وهذا قياس مسألة اليمين كقول زفر غير أن الإفادة نكارة أو في سياق النفي قدرنا نفيًا آخر فيما دخله أولًا الواو، فاقتضى العطف على المنفي بالنفي الثاني بمنزلة لا أكلم هذا ولا هذا، وهذا الذي هو في قوة ولا هذين والجمع في النفي يوجب الاتحاد في الحنث نحو لا أكلم هذا ولا هذا أي هذين كما يوجب التفريق الاختلاف نحو لا أكلم هذا ولا هذا أي كلا، وقيل: لأن خير الآخرين مثني، والواجب تقدير المفرد لأنه مثل المذكور بخلاف مسألة اليمين لجواز تعلق الفعل بالمفرد والمثني ولأن الثاني مغاير للأول فيتوقف عليه لا الثالث لأن الواو للتشريك المقرر فلا يتوقف التحيز عليه. ورد الأول: بجواز تقدير مفرد لكل من الأخيرين والثاني بأن التشريك لا ينافي التعبير كما في لا أكلم هذا وهذا إذ يجب جمع الأخيرين في الاختيارح ولا يكفي أحدهما فالاعتماد على الأول ولكن الجواب عن الأول بأن الظاهر عند تقدير الخبر لكل أن لا يجتمعا في أحد شقط التحيز وعن الثاني بأن مغير به الثالث يتوقف على عطفه على الثاني معينًا وفيه النزاع ففيه مصادرة بخلاف الثاني فإنه معطوف على الأول ومغير له قطعًا وإن ترجح التخريج الأول بما قالوا لو قال لفلان وفلان كان النصف الأخير وكان كمسألة التحرير إذ لا نكرة في سياق النفي ليعتبر في الثاني حكم بعطف الثالث عليه باعتباره، مع أن علي ألف يصح تعلقه بالمفرد والمتعدد كما في لفلان علي ألف ولفلانين.
ذنابتان: الأولى أنها تستعمل في النفي وما في معناه لعمومه ما قبلها وما بعدها شبهة بالواو ولا عينه وقبل يستعار والأول أعم ولخقيقه إنها في النفي بمعنى الأحد مهموز الموضوع مبهمًا لا المعتل الذي هو لمبدأ العدد فإنه خاص ولذا صح إرداف نفيه بإثبات الاثنين كرجل دون الأول فلازم نفيه عمومًا ففط الملزوم حقيقة وفي اللازم مستعار مثاله في الخبر ما جاءني زيدًا وعمر وأي أحدهما ولا واحد منهما وفي الإنشاء {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كفُورًا} (الإنسان: من الآية 24) أي لا هذا ولا ذاك فيتمثل بأن لا يطعهما لا واحدًا منهما فقط وسره أن الأحد المبهم نكرة فتعم في سياق النفي لأن انتفاء غير العين

(1/155)


والانتهاء عنه بهما عن الجميع وقلنا لا عينه لأن أصلها لما كان عموم النفى كما في قوله تعالى {مَا لَمْ تَمَسوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (البقرة: من الآية 236) أي ما انتفى المجامعة وتقدير المهر فلا حاجة إلى أن يجعل يمعنى إلا كما فعله في الكشاف لم يعدل عنه إلى نفي العموم إلا لدليل كما ذهب إليه في الكشاف في قوله تعالى {يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَئكَ لا يَنْفَعُ نفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (الأنعام: من الآية 158) أن عدم النفع لمن لم يجمع بين الإيمان قبل أشراط الساعة وبين كسب الخير في الإيمان، ولم يحمل على عموم النفى أنه لمن لم يعمل لا الإيمان قبلها ولا كسب الخير فيه لأن نفي الإيمان يستلزم نفي كسب الخير فيه وجوابه من وجوه:
1 - أن المراد لا ينفع فيه الإيمان لمن لم يقدم ولا كسب الخير في إيمان ذلك اليوم لمن لم يقدمه ففيه لف استغنى عن ذكره بذكر النشر.
2 - أن المراد بكسب الخير الإخلاص أي لا ينفع الكافر إيمانه ولا المنافق اخلاصه.
3 - ولئن سلم فيكون كقوله {لا تَأخُذُهُ سنَةٌ وَلا نوْمٌ} (البقرة: من الآية 255) ويراد بنحوه المبالغة في نفي الشيء بنفيه ونفط ملَزومه ويسمى تدليا من وجه وترقيًا من آخر يقال الأمير لم يحضر البلد ولا أقام فيه وفيه إشارة إلى فائدة أخرى والله أعلم أنه لو كان قدم أحد الأمرين وهو الإيمان المجرد أو هو مع كسب الخبر لنفعه اما أصل الواو فتفى الجمع وهو نفي العموم فلا يعدل إلى عموم النفى إلا لدليل حالي كما حلف لا يرتكب الربا أو أكل مال اليتيم إذ اليمين للمنع وليس للاجتماع تأثير فيه أو مقالي كلا الزائدة نحو ما جاء في زيد ولا عمرو فلو حلف لا يكلم هذا ولا هذا كان لعموم النفى فلو كلم أحدهما يحنث إلا مرة لأن هناك الحرمة واحد وفي هذا وهذا العموم فلو كلم أحدهما لم يحنث فيجعل المؤثر في المنع الاحتمال رعاية لأصل الواو إلا أن يعلم خلافه كما في ولا هذا فأو هنا بمعنى الواو مع لا، ثم مما في معنى النفى الإباحة لأنها رفع الخطر نحو أجالس الفقهاء أو المحدثين ويتميز عن التخيير بوجوه:
1 - جواز الجمع فيها دونه ولذا أصله أن يقع في الإثبات نحو والله لأدخلن هذه الدار أو هذه فأيهما دخل بر وإن لم يدخلهما حنث بخلاف لا أدخل هذه أو هذه فالبر بأن لا يدخلهما والحنث بدخول أيهما كان والأ في بجميع خصال الكفارة كداخل الدارين بعد ما حلف ليدخلن هذه أو هذه فيتمثل بأحديهما وجواز غيرها بالاباحة الأصلية حتى لم يجز الجمع أصلًا في نحو بيع هذا العبد أو ذاك وطلق هذه المرأة أو تلك.

(1/156)


2 - أن يتقدم عليها القرائن المجوزة للجمع كرفع الحظر في لا أكلم إلا فلانًا أو فلانًا وكذا برئ فلان من كل حق في قبله إلا دراهم أو دنانير له أن يدعي المالين جميعًا لأنه بعد رفع حظر الدعوى وكذا لا أقربكن إلا فلانة أو فلانة فليس بمول منهما فلا تبيان بمضي المدة بخلاف لا أقرب هذه أو هذه أربعة أشهر فبمضي المدة بانتا جميعًا وإنما كان في لا أقرب أحديكما موليًا من أحديهما فقط فبمضي المدة تبين أحديهما والخيار إليه مع أنه معنى أو كما في هذه طالق أو هذه لأن إحدى لا كاحد المهموز بل كالمعتل خاصة صيغة ومعنى ولذا لا يدخلها كل ولا يوصل بمن التبعيضية فصار كالمعرفة فلم يشمل على إبهام التعميم بالنفى وكوجود الصفة المرغوبة في كل كمثال المجالسة بخلاف جالس الصلحاء أو الصلحاء وكأظهر السماحة في خذ من مالي هذا أو هذا فالتخيير حيث لم يكن شيء من هذه.
3 - جواز وقوع الواو موقع أو معها دونه نحو جالس الفقهاء والمحدثين ومنه بكل قليل أو كثير في البيع أو الوقف أو الشفعة أو كتاب الشروط فإنه لإباحة التصرف إذ لولاه لم يدخل مثل الشرب والطريق فيوجب العموم ولأن الإباحة في ضمن عقد لازم تلزم ولأنه للمبالغة في إسقاط حق البايع حتى قيل يدخل الثمر والزرع بل وأمتعة الدار إن قال فيها وهذا داخل فيها أو خارج وهذا الواو فيهما وفرق الطحاوي بوجوب كل في كل من لفظي الثانية وإلا كان المبيع منعوتًا ولا يتصور بخلاف الأولى فإن القليل داخل في الكثير وأجيب بأن امتناع اجتماع الوصفين اقتضى تقدير منعوت آخر كما في جاء زيد وعمرو والثاني أن تستعمل كمعنى حتى أو إلى أو إلا وذلك إذا امتنع العطف معنى أو لفظًا أما معنى فنحو لألزمنك ولا أفارقك أو تعطني حقي فإن المقصود وهو أن اللزوم لأجل الإعطاء لا يحصل مع العطف فسقطت حقيقته واستعير لما يحتمله وهو الغاية أو الاستثناء لأن تناول أحد المذكورين يقتضى تناهي احتمال كل منهما وارتفاعه لوجود صاحبه ويحتمله الكلام لاحتمال صدره الامتداد وشمول الأوقات فوجب إضمار أن للجار أو ليكون المستثنى مصدرًا منزلًا منزلة الوقت المخرج عن الأوقات المشمولة لصدره ومنه (تحاول ملكًا وتموت فنعذرا) وأما لفظًا فكقوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (آل عمران: من الآية 128) شىء أو ينوب عليهم على أحد الأقاويل فقد قيل بالعطف على ليقطع أو على الأمر أو شىء بتقدير أن فإن تحريم أن يدعو عليهم بالهلاك يحتمل الامتداد.

(1/157)


فرع: لو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الأخرى بالنصب فإن دخل أولًا الأولى حنث أو الثانية (1) بر لتعذر عطف المنصوب على المرفوع والمصدر على الفعل حتى إن رفع فإن عطف على المنفى وجب شمول العدم وحنث بدخول أيهما كما في والله لا أدخل هذه أو لا أدخل هذه قال أبو بكر البلخي: وذا واجب حتى لو قال والله أفعل لم يحنث بالترك إذ المثبت من جواب القسم يجب تأكيده بتصدير اللام وتعجيز النون وإن عف على النفي، قال محمَّد رحمه الله ونوى التخيير فذهب الزعفراني وعامة المشايخ أنه يريد التخيير بين النفي والإثبات وأبو بكر البلخي على أنه بين النفين كما مر لوجوب إضمار لا فعلي الأول وجب عدم دخول الأولى أو دخول الثانية وحنث بدخول الأولى دون الثانية ليس إلا وإلما جاز النصب لاحتمال الكلام ضرب الغاية بخلاف ما قال والله لا أدخل هذه أبدًا ولأدخلن هذه الأخرى اليوم قال المؤبد لا يغني بالموقت فموجبه تخيير نفسه في التزام الكفارة بإحدى اليميني فالحنث في الأولى بالدخول مطلقًا وفي الثانية بتركه اليوم فإذا حنث في الأولى بالدخول بطلت الثانية كما في قوله أنت طالق إن دخلت هذه أو لم أدخل هذه اليوم وإن لم يدخل الدار الأولى فإن دخل الأخرى اليوم برَّ في الثانية وبطلت الأولى لاختياره يمين الإثبات، وإن لم يدخلها في اليوم حنث في الثانية وبطلت الأولى (وحتى) بين الأسماء للغاية والأصل كما لها كسائر الحقائق وهو بعدم العطف والدخول كإلى (2) سواءكان جزءًا ينتس المذكور به كمسالة السمكة أولا وينتس عنده كمسألة البارحة ومنه قوله تعالى {حَتَّى مَطْلَع الْفَجْرِ} (القدر: من الآية هـ) وهو قول ابن جنى ومختار الصفار وفخر الإِسلام وقال عبد القاهر وتبعه جار الله بالدخول مطلقًا والمبرد والفراء والسيرافي بالدخول إن كان جزءًا وإلا فلا، ثم قد تستعار للعطف والدخول معها بجامع الاتصال والترتيب فيجب أمران:
1 - أن يكون الحكم السابق مما ينقضي شيئًا فشيئا حتى ينتهي إلى المعطوف الذي هو الطرف الأفضل أو الأرذل لكن بحسب اعتبار الترقي أو التدلى لا بحسب الوجود فقد يتقدم فيه نحو مات كل أب في حتى آدم وقد يتوسط نحو مات الناس حتى الأنبياء وقد يتأخر نحو قدم الحاج حتى المشاة وقد يحتملها نحو استنّت الفصال حتى القرعى.
2 - أن يكون ما بعدها جزءًا مما قبلها وهذا مقتضى الأمر الأول لا كونها عاطفة
__________
(1) انظر/ البحر الرائق (4/ 332).
(2) انظر/ مغني اللبيب (1/ 111).

(1/158)


فالأصل في العطف المباينة كما في سائر العواطف نحو جاءني زيد وعمرو ولذا ذكر ابن يعيمق ويمتنع حتى عمرو فبقوله اعتقت غلماني أو إمائي حتى سالمًا أو سالمًا حتى مباركًا لم يعتق مدخولها وكذا الجر في الثالث إذ لا يصلح غاية بخلاف إلى في الكل لمجيئه بمعنى نحو {وَلا تَاكلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء: من الآية 2) ثم قد تكون استئنافية معها فيدخل على مبتدأ مذكور الخبر نحو (وحتى الجياد ما يقدن بأرسان) أو مقدرة من جنسه كرفع السمكة، وإما بين الأفعال صورة فإن احتمل الصدر الامتداد بنفسه أو بتجدد أمثاله والآخر منهيًا له وعلامة لانتهائه فللغاية بمعنى إلى بإضمار أن أو الاستئنافية نحو {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزيةَ} (التوبة: من الآية 29) و {حَتَّى تَسْتَأنِسُوا} (النور: من الآية 27) و {حَتَّى تَغْتَسلُوا} (النساء: من الآية 43) وخرجت النساء حتى خرجت هند وإلا فإن صلح الصدر سبب للآخر فللسببية بمعنى كى نحو {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فتْنَة} (الأنفال: من الآية 39) إن فسر الفتنة بالقتال إذ ليس عدم الفتنة منهيًا فإن القتالَ واجب وإن لم يبدؤنا به أما إن فسرت بالشرك على ما يؤيده قوله تعالى {وَيَكُونَ الدَّينُ كُفهُ لِلَّهِ} (الأنفال: من الآية 39) فغائية وقوله تعالى {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (البقرة: من الآية 214) بالنصب يحتمل الغاية أي بلغ بهم الضمير إلى أن يقولوا ذلك تمنيا له واستطالة للشدة وسرد الغاية كونها علم الانتهاء لا التأثير ويحتمل السببية وبالرفع استيفائية غائية أي هو يقول وإن تعذر السببية أيضًا فللعطف المحض الخالص عن الغاية والمجازاة.
ذنابة: شرط البرّ في الغاية وجودها إذ لا انتهاء بدونها، وفي السببية وجود ما يصلح سببًا إذ وجود الغرض مقصود ثانيًا في الظاهر وفي العطف وجود المعطوفين.
فروع: مثال الغاية عبدي حر إن لم أضربك أو تشكي يدي أو يشفع فلان أو تدخل الليلة وكذا إن ضربتك حمى توذيني فإن مدخولاتها دلالات الإقلاع عن الضرب الممتد بتجدد الأمثال وعدمه الممتد بحقيقة فإذا أقلع قبلها حنث ولم يعتبر العود إليه لأن الحامل غيظ لحقه حالًا فيتقيد بأول الوهلة عرفًا ولذا إذا غلب عرف يترك به الحقيقة فإن لم أضربك حتى أقتلك أو حتى لقوت على الضرب الشديد وإلا لا يذكر الضرب عادة بخلاف حتى يغشى عليك فإن الضرب إلى تلك الغاية معتاد، مثال السببية أن لم يخبر فلانًا بما صنعت حتى يضربك فلا امتداد للصدر ولذا لا يصح ضرب المدة وإن لم أضربك حتى تضربني أو تشتمني فلا يصح الآخر منهيًا بل داع إلى زيادته، وإن لم آتك حتى تعذبني لعدمها والسببية قائمة في الكل فيفعل السبب بر أو مثال العطف المحض إن لم

(1/159)


آتك حتى أتغذى عندك أي إن لم يكن مني إتيان فتغذَّ لأن التغذي بغذاء القبر عند الإباحة إحسان بالحديث فلا يصلح منهيًا وهذا إن لم تأتني حتى تغذيني وإن آتك حتى أغذيك ولا سببًا لأن فعله لا يصلح جزاء لفعل نفسه، قيل: أي على سبيل الشكر لا على سبيل الزجر والخبر ككفارة قتل الصيد وضمان المتلفات وسجدة السهو ورد بأن اعتبار الشكر غير لازم كما في أسلمت حتى أدخل الجنة ببناء الفاعل ولو أريد بالمجازاة المكافأة بالمواساة لم يرد هذا أيضًا ولكن ينافيه المثالان الأولان للسببية وقد ذكروهما، فالمثال القائل أن لم تخبر فلانًا بإحسانك إليه حتى تشكر له أو حتى يكفر لك فإنه لا غاية لعدم الامتداد ولا سببية إذ لا يصلح خبر الإحسان سببًا لشكر نفسه ولا لكفران الغير فحكمه أن وقت بنحو اليوم فشرط البر وجود الفعلين فيه كانا مقارنين أو مع التراخي إلا إذا عني الفور وشرط الحنث عدم أحدهما فيه وإن لم يوقت ففط العمر بالاتصال أو التراخي إذ لم ينو الفور وقيل: شرط البر وجود الثاني غير متراخ عن مجلس الأول وعليه يحمل قول من قال إذا أتاه فلم يتغذ ثم تغذي غير متراخ فقد برّ ولا ثبت له بل محمله عندي التنبيه على عدم وجوب الوصل الحسي وجواز التأخير بقدر لا يعد تراخيًا عرفًا وحمله على طغيان القلم بسقوط لفظ اليوم بعيد وعلى عدم التراخي عن الاتيان وقتًا آخر أبعد وهذه استعارة بديعة اقترحها محمَّد وهو مما يحتج أئمة اللغة بقوله مع أن نقل العلاقة كاف في الصحيح ولا تحجير للواسع فالقول ما قالت حذام لا ما قاله ابن يعيش فيجوز جاءني زيد حتى عمرو وإن لم يسمع فإذا جازت الاستعارة للعطف فقيل للواو وعليه العتابي وإلا صح للفاء لأن مجانسة الغاية للتعقيب أكثر.

القسم الثاني في حروف الجر (الباء)
للإلصاق وهو إيصال الشيء بالشيء بدلالة التنصيص والاستعمال حتى قالوا لا يخدم معنى ما له كالاستعانة عنه وهو يقتضي الملصق أولًا لأنه المقصود والملصق به ثانيًا لأنه كالألة تبع وخصوصًا في باء الاستعانة وصحبت الأثمان التي هي وسائل المقاصد المنتفع بها ولذا جاز البيع بلا ملك ممن لا يبيع فشراء العبد بكر من حنطة موصوفة منعقد يوجب الكر حالًا ويصح استبدالها وشرائها بهذا العبد سلم فيعتبر شرائطه من القبض والتأجيل ولا يصح استبداله.
فر وع:
1 - إن أخبر تني بقدوم فلان يقع على الصدق لأن القدوم فعل لا يصح مفعولا للتكلم

(1/160)


الثاني بنفسه ولا سيما إذا صحبته الباء فالأصل أن لا يزاد بلا ضرورة كما في أخبرني بهذا الخبر زيد فاقتضى حذف الملصق كبسم الله أي بدأت شيئًا ملصقا به فمعناه إن أخبرتنى الخبر ملصقا بذلك الفعل الموجود بخلاف إن أخبرتنى أن فلانا قدم لأنه يصح مفعولًا بلا إضمار الباء المحوج إلى إضمار آخر وإن شاع فإنه خلاف الأصل كالتعدية بالحرف مع صحة التعدية بدونه فالمعنى إن أخبرتنى هذا الخبر فهو من حيث أنه خبر تكلم بالقدوم لا عينه والتكلم دليل الوجود لا موجبة فيحتمل الصدق والكذب إما مساواة إن أعلمتنى بقدومه وأنه قدم في افتضاء الصدق فبناء على أن العلم اسم الحق والخبر وإن كان علمًا في اللغة ومنه الاختبار للامتحان لكن الخبر جعل عرفا لما يصلح دليلًا على المعرفة ولذا يوصف بالكذب لا العلم ولا يرد إن كنت تحبيني بقلبك فقالت كاذبة أحبك حيث تطلق إلا عند محمَّد وإن لم يلتصق بقلبها لأن اللسان جعل خلف القلب لخفاء المحبة بخلاف القدوم.
2 - أنت طالق في بمشيئة الله أو بإرادته أو برضاه أو بمحبته جعل بمعنى الشرط لأن الإلصاق لعدم لخققه بدون الملصق به يفضي إلى معناه فلا يقع بها (1) وإن أضيفت إلى العبد كان تمليكا فيقتصر على مجلس العلم ولم يجعل للسببية حتى يقع كانت طالق بمشيئة الله أو لمشيئة فلان إذ التعليل محقق لأن الإلصاق يستدعي ترتب الملصق على الملصق به في الزمان وهو موجود بين الشرط والمشروط دون العلة والمعروف لتقارنهما زمانًا إما بأمره وحكمه وإذنه وقضائه وقدرته وعلمه فيراد به عرفًا تحقيق الإيقاع لا معنى الشرط لأن الإلصاق به لا يفيد التخيير كالأربعة السابقة بل التخيير عرفًا فيقع حالًا أضيفت إلى الله تعالى أو إلى العبد بخلاف الاشتمال فيها لما سيجيء، قيل مشيئة العبد أمارة مشيئة الله تعالى لقوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ} (الإنسان: من الآية 30) الآية فتوقف عليها بها فيقع وليس بشيء وإلا لوقع في قوله إن شاء الله والحل إن معناه إلى أن يشاء الله مشيتكم لا مشئكم والشرط هو الثانية.
3 - قال في المحصول: الباء إذا دخل على متعد بنفسه نحو {وَامْسَحًوا بِرُؤُوسِكُمْ} (المائدة: من الآية 6) صار التبعيض للفرق الضروري بين مسحت المنديل وبالمنديل في إفادة الأول الشمول والثاني التبعيض فيجب أدلق ما يتناوله الرأس وهو شعرة أو شعرتان، وقال مالك الباء زائدة نحو (تنبت بالدهن) على وجه كما في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ}
__________
(1) فلا تطلق. انظر/ الدر المختار (3/ 373).

(1/161)


(البقرة: من الآية 195) فوجب مسح الكل، قلنا الأول لا نقل له لغة وفيه الترادف مع من والاشتراك مع الإلصاق وكلاهما خلاف الأصل. والثاني إلغاء الحقيقة بلا دليل بل الأصل أن باقط الإلصاق إذا دخل الآلة اقتضى استيعاب محله نحو مسحت الحائط بيدي لإضافته إلى جملة ما وقع مقصودًا والآلة يكفى منها ما يحصل به المقصود وإن دخل المحل تشبيهًا له بالآلة إذ هي حرفها لا لأنه جعل وسيلة فاكتفى فيه بقدر ما يحصل به المقصود نحو مسحت يدي بالحائط يريد وضع الآلة عليه فقط فالتقى قول مالك رحمه الله ثم لو اقتضى الاستيعاب لاقتضاه في الآلة ولما لم يقتض وضع الآلة استيعابها عادة إذ لا عادة في إيصال ظهر اليد وفرج الأصابع اكتفى بالأكثر الحاكي للكل حكمًا ففرض عن هذا التبعيض لا مطلقا بل مقدرًا فصار مجملا وهذا أولى من أن يثبت إجماله بالقياس على سائر الأعضاء المفروض فيها بعض مقدر إذ لو فرض مطلق البعض لكان الزائد على مقدار المقدر فرضا كالزائد على الآيات الثلاث في القراءة ولتأدي الفرض في ضمن غسل الوجه لحصوله وليس كذا إجماعًا، وجه الأولوية ضعف إثبات الإجمال بالقياس وكون عدم التادي بغسل الوجه لفرضية الترتيب عنده وإذ لا يلزم من التقييد من وجه التقييد من كل وجه فلعله مطلق في الزائد على الحاصل مع غسل الوجه وربما يقال المسح إمرار اليد وإصابة شعرة أو شعرتين لا تسمى إمرارًا وكان مجملا بينه الحديث بقدر الناصية وهو الربع فانتقى قول الشافعية والاستيعاب في التيمم إن صح فقد قيل لا يجب مسح منابت الشعور الخفيفة بالتراب في الوجه كاللحية الخفيفة اتفاقا فثابت بالسنة المشهورة أو بدلالة الكتاب لأنه خلف عن المستوعب ولأن المسح بالصعيد في العضوين قائم وقام الوظائف الأربع تصنفت تخفيفا وكل تنصيق يقتضي بقاء الباقي على ما كان كصلاة المسافر وعدة الإماء وحدود العبيد والصلح أو الإبراء عن عشرة على خمسة على أن مسح الأكثر يكتفي به في رواية الحسن قياسا على مسح الخف والرأس.
4 - يشترط في أن خرجت إلا بإذني الإذن لكل خرجه لأن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفى كان خرجت إلا بقناع إذ اليمين فيه للمنع فالمعنى لا تخرجي خروجا إلا ملصقا بإذني فعما المستثني حسب عموم صفته بخلاف إلا أن آذن لك فإذ لم يصح مستثني بنفسه عن الخروج بل إما بتقدير الباء المحوج إلا تقدير المتعلق وتقدير الموصوف المستثني وتقدير المستثني منه العام مع أن إلا خروجا أن آذن كلام محتل لا يعرف له استعمال بخلاف إلا خروجًا بإذني أو بتنزبل المصدر منزلة الوقت المحوج إلى

(1/162)


تقدير المستثنى منه العام وفي كل منهما كما ترى خلاف الأصل متضاعف فاكتفى بواحد وجعل مجازًا عن الغاية فإن الاستثناء يناسبها في انتهاء الحكم السابق على أن خروجها مرة أخرى بلا إذن إذا لزم منه الحنث على بعض التقادير دون بعض لا يحنث بالشك واحتج الفراء في جعله مستثني بتقدير الباء بقوله تعالى {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (الأحزاب: من الآية 53) وقد كان تكرار الإذن شرطًا وفيه عمل بحقيقة الاستثناء قلنا معارض بقوله تعالى {إِلا أَنْ تُغْمضُوا فِيه} (البقرة: من الآية 267) و {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (يوسف: من الآية 66) الاَ أن يحاطَ بكم فمعناهما الغاية ثم التكرار ثمة ليس من إلا أن كيف ولو كان مكانه حتى لكان كذا نحو {حَتَّى تَستَأنِسُوا} (النور: من الآية 27) بل بقوله {إِن ذَلِكُمْ كَانَ يُوذِي النَّبِيَّ} (الأحزاب: من الآية 53) وبالعقل ومر ترجيح المجاز.
تتمة: أن نوى في إلا أن إلا بأذني صحت ديانة وقضاء لأنه محتمل فيه التشديد وفي عكسه ديانة فقط إذ فيه التخفيف.
وعلى للاستعلاء صورة ومعنى نحو تأمر علينا ولأن الواجب مستغل عن من عليه كما يقال ركبه دين يستعمل للوجوب وضعًا شرعيًا حتى لفلان على ألف دين قطعًا إلا أن تصل إليه وديعة فتحمل على وجوب الحفظ ترجيحًا للمحتمل على الموجب بالمحكم ثم لأن الجزاء لازم للشرط لزوم الواجب لمن عليه يستعمل في الشرط نحو {يبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا} (الممتحنة: من الآية 12) وكون على صلة المبايعة لا ينافي شرطية مدخوله للمبَايعة لتوقفها عليه ثم لما بين العوض والمعوض من اللزوم في الوجوب يستعمل في العوض أيضًا كالباء غيو أن المشروط لتوقفه على الشرط يتعقبه تعقب اللازم للملزوم بخلاف العوضين فبينهما مقابلة ومقارنة فكان للشرط بمنزلة الحقيقة عنده فلم يحمل على معنى الباء إلا إذا تعذر كما في المعاوضات المحضة أي الخالية عن الإسقاط كالبيع والإجارة والنكاح فإنها لا تحتمل التعليق بالخطر لئلا يلزم مغني القمار فيحمل على العوض تصحيحًا بقدر الإمكان أما إذا لم يتعذر كما في الطلاق فللشرط عنده فمن قالت له طلقني ثلاثًا على ألف إذا طلقها واحدة لا يجب شيء وكان رجعيًا عنده لأن أجزاء الشرط لا تتوزع على أجزاء المشروط ففي قوله إن دخلت هذه وهذه فأنت طالق ثنتين تعلقتا بدخولهما ولا يقع واحدة بدخول أحديهما إذ بينهما معاقبة فلو انقسم تقدم جزء من المشروط على الشرط بخلاف العوضين إذ بينهما مقارنة فلا محذور في الانقسام، وتنويره أن لزوم الكل للكل كمجموع مستوى القامة الضحاك للإنسان لا يقتض لزوم

(1/163)


جزئه لجزئه كمجرد مستوى القامة أو الضحاك للحيوان أو الجسم وعندهما يجب ثلث الألف وكان باينًا كما لو قالت بألف درهم لأن الطلاق على مال معاوضة منها إذ لها الرجوع قبل كلامه وقد صدر منها فيحمل عليها بدلالة الحال كما في احمل الطعام على ألف وقولها طلقنى وضرتي على ألف وطلقها وحدها لزمها قدر ما يخصها منه كألف.
قلنا: الأصل في نحو الطلاق جانبه بتمامه منه وهو من جانبه يمين قابل للتعليق حتى ليس له الرجوع قبل كلامها إذا ابتدأ ولا يقتصر على مجلسه فيحمل عليه ولا يعدل عنه بلا موجب ودخول المال وإن حصل معنى المعاوضة لم يمنع عن صحة التعليق نحو إن قدم فلان فأنت طالق على ألف فالصادر منها إما طلب تعليق الثلاث بالمال أو تعليق التزام المال وأيا كان إذا خالف لم يجب شيء بخلاف المعاوضات الغير القابلة للتعليق ومسألة الضرة إذا الغرض من ضمها نقض البدل على نفسها لو طلقها وحدها إذ لا مائدة لها في طلاق الضرة بعد طلاقها فحمل على المقابلة بدلالة حالها، وينصر قوله مسألة الموادعة من السير وهي أن مسلمًا إذا وادع أهل الحرب سنة على ألف فإن رأى الإِمام أبطالها رد الألف وقاتل وإن مضى نصف السنة ثم رأى يرد نصفه قياسًا على الإجارة بعوض معلوم وكله استحسانًا لأن على الشرط أن يسلم لهم الموادعة في جميع المدة فلا يتوزع المشروط على أجزائه وليست الموادعة في الأصل من المعاوضات بخلاف الإجارة وإن وادعهم ثلاث سنين كل سنة بألف وقبض كل ثم رأى الأبطال بعد سنة يرد الألفين لأن الباء للعوض المنقسم باعتبار الأجزاء. (ومن) للتبعيض مع ابتداء الغاية (1) أي في العرف الغالب الفقهي وسيجيء تحقيقه في بحث العام مع بعض أمثلته فلا ينافيه مجيئه لابتداء الغاية أي المسافة في خرجت من الكوفة ولا أصالته في العرف اللغوي والبيان في لفلان عشرة من فضة وبمعنى الباء في {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} (الرعد: من الآية 11) وصلة في {لِيَغْفرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ} (إبراهيم: من الآية 10) فينا بقوله {إِن الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر: من الَآية 53) إن الله يغفر الذنوب جميعًا لا في أمة نوح وفي المغفرة معنى عدم المؤاخذة وفي جاءني من أحد وديار لا من رجل على ما سيجيء قال في المحصول أصلها التمييز لوجوده في الكل وقيل: التبين لذلك وفيهما بحث إذ لو أريد تمييزها أو تبيين ما فحاصل في كل كلمة ولو أريد مصطلح النحو فشمولهما ممنوع، وإنما يحمل على الصلة إذا تعذر حقيقة ومجازاة إذ الأعمال أولى من الإهمال قيل وإذا احتاج الكلام ليفيد فائدة ما
__________
(1) انظر/ أصول السرخسى (1/ 222)، التقرير والتحبير (2/ 5)، الفصل في الفصول للجصاص (1/ 94).

(1/164)


كقولنا اخلعنى على باقي يدي من الدراهم أو من دراهم وفي يدها درهم أو درهمان ولزمها ثلاثة (1) لأن من صلة أي ليست تبعيضية وإلا لما اختل الكلام بدونها بخلاف قوله إن كان ما في يدي من الدراهم إلا ثلاثة أو غيرها أو سواها فجميعها صدقة فإذا هي أربعة أو خمسة بصدق بكلها لأن الواحد والاثنين بعضها بخلاف إن كان ما في يدي دراهم إلا ثلاثة والمسألة بحالها فلا شيء عليه لأن ما دون الثلاثة ليست دراهم، وأورد بأن عدم اختلال الكلام أمارة الصلة وغمارتها إخلاله وبأن من في الأولى نيابة لأصله لأنها الزائدة بل وفي المسألتين، وجوابه أن الصلة قد يراد بها البيانية المحضة لأنها زائدة من حيث المعنى وهي المرادة هنا وإمارتها الاختلال وعدمه أمارة الصلة اللفظية نعم لو أورد بأن الدراهم يتناول الواحد فلا يجب ثلاثة لأجيب بأن ذلك في لام الجنس وهذا للعهد وما في المسألة الأولى فليست بيانية محطة لإفادتها التبعيض والألم يكن لذكرها فائدة بخلاف الثانية، وإلى الانتهاء الغاية أي المسافة ولذا يدخل في النهايات وأنه إذا دخل الأزمنة قد يكون للتوقيت، أي لانتهاء الثبوت المنجز إليها ولولاها لثبت بعدها أَن قبله المنيا كآجال الأيمان نحو لا أكلم فلانًا إلى شهر والإجارة نحو آجرت داري إِلى شهر بكذا ومنه أجل الخيار وقد يكون للتأخير والتأجيل وهو لا يثبت مع موجبه إلا بعادها ولولاها لثبت حالًا كالبيع إلى شهر فإنه لتأخير المطالبة والبيع موجبها وإخراجه من غاية التأخير ليس بشيء إذ التأخير للمطالبة ولا ينفع في ذلك تعليقه بمحذوف هذا إذا لم يحتمل الصدر إلا أحدهما فإن احتملها نحو أنت طالق إلى شهر فإن نوى التأقيت أو التأخير فذاك غير أن التأقيت لغو والتأخير تقبله الطلاق نحو أنت طالق غدًا وإلا فللتأقيت عند زفر وأبي يوسف رحمه الله في رواية لأن التأجيل صفة موجود كتأجيل الديون قلنا بل للتأخير فيما يقبله ولا يقبل التوقيت بعد الثبوت ويؤدي إلى الإلغاء كوقوع الطلاق فيصرف الأجل إلى الإيقاع احترازًا عن الإلغاء بخلاف الديون فإن ثبوتها لا يقبل التأجيل فانصرف إلى المطالبة وتحقيقه أن تأجيل الديون إما لثبوتها فليس وإما لمطالبتها فتأخير فلا قياس إما آجال الأيمان والإجارة فلقبولها التأقيت (أصل آخر) في دخول الغاية تحت المغيا وعدمه إن تناول صدر الكلام لها دخلت وأفادت إسقاط ما وراءها إن كان لا إنها غاية الإسقاط الغير المذكور كما ظن وذلك لأن الشك في الخروج ح فلا ينبت سواءكانت قائمة بنفسها أي غاية بحسب الوجود قبل التكلم كرأس السمكة أولًا أي غاية بحسب التكلم وفي الوجود اتصال
__________
(1) انظر الجامع الصغير (1/ 216)، البحر الرائق (2/ 261).

(1/165)


كالغابات الزمانية لما يصلح وقوعه نحو {إِلَى الْمَرَافِقِ} (المائدة: من الآية 6) فإن اليد مما يتناول إلى الإبط كما فهم الصحابة رضي الله عنهم في التيمم وإن لم يتناولها لم تدخل وأفادت مد الحكم للشك في الدخول قائمة بنفسها كانت كحائط البستان أولًا نحو {أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى الليلِ} (البقرة: من الآية 187) فلا يصح الوصال لأن المراد الصوم الشرعي فرضًا كان وهو ظاهر أو نفلًا لعدم القائل بالفضل ومسألة الصباح للبارحة فإخراج القائمة بنفسها عن التفصيل لا تحصيل له إما نفل فمن أصول فخر الإِسلام وغيره وإما عقلًا فلأن كون الشك في الدخول أو الخروج يشملهما لعدم الفصل كمسألة السمك والقول بخروج رأسها مخالفة للجمهور ولا ينتقض الثالثة بقوله {إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} (الإسراء: من الآية 1) فإن مطلق الإسراء لا يتناوله لأن دخوله عليه السلام ثبت الأحاديث لا بموجب إلى وقولنا قرأت الكتاب إلى آخره كمسالة السمك وإلى باب القياس إن أريد عدم قراءته فمعدول به عن الأولى بقرينة التحسر في ذكر الغاية أو الافتخار بذكر المُغَيَّا لأن مقامه يقتضي عده من المغيا لو قرئ وهذا تحقيق لما وضع له مجموع القيد والمقيد وضعًا نوعيا باعتبار معاني مفردية وذا جار في كل مركب لأنه اعتبار كل منهما منفردًا فلا وجه لبحث القاضي الإِمام ومناسب لمذهب أكثر النحاة في تجويز الدخول والخروج بالقرائن وهو مراد من عبر عنه بالدخول عند تناول الصدور بالخروج عند عدمه فإنهما من القرائن الكلية المحتاج مخالفتهما إلى دليل بل ومن عبر عنه الاشتراك إذ المراد الاشتراك العرفي في الاستعمال وهو الحق لا الدخول فقط ولا الخروج فقط.
فروع: لا تدخل آجال الديون والإجارة لأن الترفيه وتمليك المنفعة يوجب أدنى ما يتناوله فهي لمد الحكم ولذا وجب تعيينها لرفع النزاع وكذا أجل البيع اتفاقًا في الثلاثة بخلاف غاية الخيار عنده لأن مقتضى الخيار التأييد ولذا يفسد العقد ويعود صحيحا بإسقاط في الثلاث عنده ولي أي مدة عندهما فهي لإسقاط ما وراءها وكذا آجال الأمان نحو لا يكلمه إلى رجب في رواية الحسن إما في ظاهر الرواية لأن الأصل عدم جرمة الكلام وعدم وجوب الكفارة فلا يجبان بالشك فاعتبرت غايات للمنفي كما مر نظائره في إن لم أضربك حتى تصيح أو تشتكي فكانت لمد الحكم لا لإسقاط ما وراءها وعندهما يجب خروجها فيها إذ هو الأصل لأن شأن الغاية أن ينتهى الحكم عندها إلا لدليل كدخول المرافق بحديث تعليم الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به وكدخولهما في لفلان من دراهم إلى عشرة وأنت طالق من واحدة إلى ثلاث للعرف ودلالة الحال ولذا

(1/166)


تحير زفر في جواب إيراد الأصمعي قول رجل حين سئل عن سنه ما بين ستين إلى سبعبن هل يكون ابن تسع حيث أخرجهما زفر عملا بأصل الغاية إلى أبي حنيفة يدخل الأولى فقط ضرورة أنه تحقيق لما يترتب تحققه على تحقق المبدأ سواء وجد المرتب عليه أولًا كما في من واحد إلى اثنين فإن عدم ترتب الحصول على التحصيل للخطأ في طريقه ولما ذكر المبدأ له بخلاف ما إذا لم يذكره نحو أنت طالق ثانية حيث يقع واحدة فإن لم يخطأ في طريقه فمعه وإلا فالمبدأ فقط سواء كان المبدأ واحدا أو ما فوقه نحو من عشرة إلى عشرين بخلاف الغاية الأخيرة إذ لا يتوقف تحقق المغيا عليها وصدر الكلام لم يتناولها وهكذا حكم ما بين الواحد إلى العشرة ويؤيد مذهب أبي حنيفة قوله عليه السلام "أكثر أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" (1) ومنه أخذ الأصمعي إلزام زفر فلا يرد أن التضايف بين مفهوم الأولى والثانوية لا ذاتياتهما وإن عد الواحد جزاء مغلظة من باب اشتباه المعروض بالمعارض فإنه جزء موجب اللفظ حاصل وإنها لم يخرج الأخيرة في كل إلى عشرة لقمات واشتر كذا إلى عشرة وفيما تكفل إليها لدلالة الحال فإن المبيح أو الموكل أو المتكفل إلى كذا لا يباشرها أو وهو راض بتمامها بخلاف الطلاق إذ لاحتراز عن الثالثة بل عن تكثيره غالب والإقرار فإنه يقتضي تحقق المخبر عنه تعينًا.
(وفي) للظرفية فالزمانية للمعاني والمكانية لها (2) وللذوات حقيقيين كانتا نحو صمت في يوم الاثنين وزيدًا وجلوسه في الدار ومجازين نحو طيب الحال في دولة فلان إذا لم يقدر مضاف والنظر في الكتاب أو زيد في نعمة وحقيقة كانت نفس الظرفية كالقدر المختص بالمظروف في الأمثلة المذكورة أو اعتبارية كالأشمل منه فالأقسام اثنا عشر وفيها أصول:
1 - أن تقارن المظروف إلا لدليل كالإقرار بغصب ثوب في منديل وتمر في قوصرة لزما بخلاف دابة في اصطبل.
__________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (7/ 246) ح (2980)، والحاكم في مستدركه (2/ 463) ح (3598)، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه والترمذي (5/ 553) ح (3550) وقال: حسن غريب، والبيهقي في الكبرى (3/ 370) ح (6314)، وابن ماجه (2/ 1415) ح (4236)، والطبراني في الأوسط (6/ 85) ح (5872)، والإسماعيلي في معجم الشيوخ (1/ 503) ح (151)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 390) ح (5990)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 174 - 175) ح (252).
(2) انظر التقرير والتحبير (2/ 93)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 528)، الإبهاج لابن السبكى (1/ 347).

(1/167)


2 - أن الصاحبين لا يفرقان بين إثباته وحذفه لأن المختصر من الشيء في حكمه وفرق الإِمام بأن الاتصال بلا واسطة يقتضي استيعابه لانطباقه على اسم الكل فيفيد الظرفية الحقيقية إما بالواسطة فكالآلة وقد مر مثله في الباء ولأنه بمنزلة المفعول به ح والأصل فيه الاستيعاب إلا لدليل ويؤيده قول أهل العربية في مالك يوم الدين بالفرق بين مالك الدهر ومالك في الدهر أن الأول لمالكية جميع الأمور عرفًا لا لحذف المفعول وصمت الدهر يقع على الأبد وفي الدهر على ساعة بنية صوم يوم فالأول في الثاني يصدق ديانة فقط وكذا أنت طالق غدًا ليقع في كله فلا يصدق في نية آخر النهار إلا ديانة وفي غد أي في جزء منه يصدق قضاء أيضًا وإذا لم ينو يقع في أوله للسبق وعدم المزاحمة وما روى إبراهيم عن محمَّد أن أمرك بيدك رمضان وفي رمضان سواء وكذا غدًا وفي غد الاستيعاب بناء على ما يراد به ضرب المدة دون مطلق الحصول بخلاف الطلاق ولذا يستوعب مع في.
3 - أن إضافة الطلاق إلى المكان لا تقيده فيقع في الحال لأن نسبته إلى الأمكنة بالسوية ولأنه موجود فالتعليق به ينجز بخلاف الزمان نحو أنت طالق في مكة إلا إذا أضمر الفعل كالدخول أو أريد بالمحل حاله أو بالسبب سببه فإن الدخول سبب الكائنية فيصير كالشرط فلا يقع إلا إذا دخل وقبل يصير شرطا حقيقة لأن كلا منهما ليس بمؤثر ويتعلق الفعل به والأصح أنه للمقارنة ح فمن قضية الظرف الاحتواء على المظروف بجوانبه ولذا يتقيد به أما الشرط فبمعنى العاقبة والثمرة فيما قال لأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق نحو مع نكاحك ولو كان مستعارًا للشرط طلقت نحو إن تزوجتك فلذا يستعار بمعنى مع إذا ذكر الفعل فلو قال في أنت طالق في الدار نويت إضمار الدخول صدق ديانة (1) وإذا كان بمنزلة الشرط في عدم الوقوع قبله لم يقع في أنت طالق في مشيئة الله وغيرها من عشرة الزيادات لأن التعليق بها متعارف وهي مما يصح وصف الله بوجوده وعدمه فلم يعلم وقوعه قطعًا كما عند الإضافة إلى العباد بخلافها بباء الإلصاق فإن التعارف في إرادة التعليق كان مختصا بالأربعة الأول ثم كذا الرواية وهاهنا شامل إلا في علم الله إما لأن المشتهر استعماله في المعلوم، وأنت طالق في معلوم الله لتجير لأن معلومة واقع بخلاف القدرة على إحدى الروايتين فإن استعمالها في المقدور نادر غير مشتهر مثله وقولهم هذا قدرة الله محمول على حذف المضاف بمعنى
__________
(1) أي فلا يقع. انظر أصول السرخسي (1/ 224)، أصول الشاشي (1/ 233).

(1/168)


أثر قدرته لا بمعنى المقدور لأن الأول أقرب إلى الحقيقة وأشيع ولا يصح مثله في العلم لأنه ليس بمؤثر كالقدرة وإما لأن العلم ليس مما يصح وصف الله بعدمه فإنه شامل فلا خطر فيه ليصح شرطًا إما القدرة فبمعنى التقدير وقد قرئ قوله فقدرنا مشددًا وهو مما يصح وصفه بعدمه كالإرادة إما على ما روي في الكافي إنها كالعلم حيث يراد بهما التنجيز عرفًا فلا حاجة إلى الفرق.
أصل متفرع عليه
إنما لا يقع المقيد بمشيئة الله لكونه تعليقًا عند أبي يوسف وإبطالا للكلام عند محمَّد وأثره في أنه يمين فوقوعه في إن شاء الله أنت طالق مع التقديم لعدم حرف الجزاء الرابط ومثله إن لم يشأ الله وإن شاء الجن لا يقال لا بد أن يقع في إن لم يشأ الله لأن مشيئة الله إن وقعت وقع مراده وإن لم يقع وجد المعلق عليه، لأنا نقول وإن سلم كونه للتعليق فلا نعلم اقتضاء الوقوع فإن تعليق الطلاق بعدم مشيئة الله تعليق بما يستحيل معه وقوعه فيكون لغوًا وهذا إذا علق بعدم مشيئة مطلقًا أما إذا علق بعدمها مقيدًا باليوم مثلًا لما في النوازل أنه إذا قال أنت طالق لليوم واحدة إن شاء الله وإن لم يشاء الله أي تلك الواحدة فثنتين فإن طلقها قبل مضي اليوم وقعت تلك الواحدة وإن لم يطلق فيه يقع ثنتان لوقوع عدم مشيئة الله الواحدة إذ لو شاءها لطلق ولو لم يقيد باليوم فقال أنت طالق واحدة إن شاء الله وثنتين إن لم يشاء الله لا يقع شيء فالواحدة للاستثناء والثنتان لأنها لو وقعت لبطل الكلام مق حيث صح فإن الوقوع مع عدم مشيئة الله محال (1) وهذا إذا عاق وقوع الثنتين بعدم مشيئة الله إياهما لا بعدم مشيئة الله الواحدة والسابقة إذ لو علقه بهذا في صورة الإطلاق ففي المستثنى أن وقوعه يتأخر إلى الموت حتى لو لم أطلقها طلقت قبل الموت بلا فصل.
4 - لفلان عشرة في عشرة لا يصلح لطرفيه الشيء بمثله فيلزم عشرة (2) إلا أن ينوي مع أو الواو فعشرون (3) وفرق ما بينهما في أنت طالق واحدة في واحدة لغير الممسوسة (4) وعند زفر عشرون في كل حال إذ عند تعذر الحقيقة تصرف إلى مع نحو {فادخلى في
__________
(1) انظرا حاشية ابن عابدين (3/ 370).
(2) انظرا البحر الرائق (3/ 285).
(3) لمناسبة الظرف كليهما. انظرا البحر الرائق (3/ 285).
(4) فتقع واحدة. انظر / فتاوى السعدي (1/ 339)، أصول السرخسي (1/ 225)، التقرير والتحبير (2/ 95).

(1/169)


عبادي} أي معهم وعند الحسن مائة حملًا على متعارف الحساب قلنا في المجازات كثرة فكما يجيء بعني مع أو الواو يجيء بعني على نحو {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وبمعنى من نحو {وارزقوهم فيها} وليس أحد الوجوه أولى فيعتبر أول كلامه ولا نعلم عدم صحة تلك المجازات على أنه لا يثبت الزيادة بالشك لأن الأصل براءة الذمة إلا أن يعترف بنيته وفيه تغليظ فيصدق وإما متعارف في الحساب فلا معتبر به لأن أثره تكثير الأجزاء إلا الأعداد الثابتة والتقريب في الثاني.
فروع شتى مصيرية: قال رأس الحصين آمنونى على عشرة ففعلنا وقع عليه قطعًا حيث ذكره بعينه نصًا وعلى عشرة غيره حيث جعلها شرطًا والشرط غير المشروط أي عشرة كانت حيث نكرها والخيار في تعيينها إليه حيث استعلى نفسه عليهم وجعله ذا حظَّ منهم وليس بدخوله في أمانهم للتنصيص به (1) ولا يصح مباشرًا فتعين بالتعيين لأن تعيين المجهول كالإيجاب المبتدأ بوجه ولو قال وعشرة فكذا لاقتضاء العطف المغايرة إلا أن الخيار إلى الإِمام أو من مقامه إذ لم يجعل نفسه مستعلمًا وذا حظ بل عطفهم فشأن الإِمام معهم كشأنه معه فلو عينهم نساء أو صبيانًا أو من شاء جاز ولو قال بعشرة فهو مثل وعشرة سواء لأن الإلصاق كالجمع وغلطه شمس الأئمة وصحح بعشرة لأن الباء تصحب الأعواض فمعناه بعشرة أعطكم عوضًا عن أماني وليس بمقصود مثله هنا وأجيب بالمنع بل معناه آمنوني بأمان عشرة على حذف المضاف اكتفاء بذكر الأول والباء للملابسة وليس التغليظ لتخيل الباء بين حروف العطف لأن المذكور بعدة حروف الجر ولو قال في عشرة دخل فيهم حيث أدخل نفسه وغير به الظرف إذا تحقق بذاته لا في العدد إذ يكون فيه بمعنى أحدهم لا يقال فإذا انتفى حقيقة الظرفية فليجعل بعني مع نحو ادخلي في عبادي واهدني فيمن هديت أو بمعني على نحو في جذوع النخل وعلى التقديرين يثبت الأمان لعشرة سواء لأنا نقول كونه أحدهم لكونه طرفية اعتبارية حقيقة من وجه فهو أولى ولذا صار متعارفًا في العدد ثم الخيار في التسعة إلى الإِمام حيث جعل نفسه كأحدهم فبعينهم من آمنه ولو قال آمنوا في عشرة فقد استأمن عشرة منكرة ما شرط معايرتهم له وجعل نفسه ذا حظ من أمانهم وذلك بالتعين وما استأمن نفسه نصًا فيقع على عشرة بعينهم رأس الحصين فله أن يدخل نفسه فيهم ولو لم يدخل صارفيًا.
__________
(1) انظر/ أصول السرخسي (1/ 222)، أصول الشاشى (1/ 229).

(1/170)


وصنف من كلمات الجر كلمات القسم
وهو جملة إنشائية يؤكده بها جملة خبرية هي المقسم عليه وقوام اليمين بها وتعدد الثانية فقط لا يوجب تعددها اتفاقًا وكذا تعدد الأولى عند أبي يوسف وزفر فاللازم في وإله والرحمن كفارة واحدة قلنا الكفارة جزاء آلهتك فتعددها بتعدده وهو بتعدد الاستشهاد الذي يقتضيه العطف إلا أن ينوي بالواو الثاني أيضًا القسم فيصير قطعا واستيفانًا فيكون يمينا واحدة ولا يحمل عليه بلا نية عند مغايرة الاسمين لظهور العطف بخلاف والله والله حيث يحمل على واو القسم بلا نية فيلزمه كفارة واحدة في ظاهر الرواية لقبح عطف الشيء على نفسه وحروفه مستعمل له لا موضوعة:
فالباء: هي الإلصاقية لإلصاق فعل القسم بالمقسم به محققًا كاحلف بالله ومقدرًا كبالله ويدخل على سائر الأسماء كبالرحمن والصفات كبعزة الله والضمائر كتبه.
والواو: هي الجمعية استعيرت لهذه الباء لمناسبتها صورة بالشفوية ومعنى بالجامعية لكن لا بمجردها بل قائمة مقام فعل القسم فلذا لم يحسن أي لم يجز أظهر الفعل معها فامتنع أقسمت والله لأن الغرض من استعارتها توسعة القسم التي دعت الحاجة فيه لكثرة دوره على الألسنة إليها لا الاستعارة المطلقة للإلصاق وإلا لسمعت في غيره ولذا يشبه قسمين لو ذكرت معه ولبديلها عن الباء انحطت عنه استعمالا فلم يدخل الضمائر.
والتاء: أبدلت عن الواو كما في تراث وتوراة وتجاه وتخمة وتهمة فانحطت عنها أيضًا فلم يدخل إلا على لفظ الله خبرًا لضيق تصرفه بما القسم به أكثر وإذ له من الخواص ما ليس لغيره كدخول يا ومنها ما سمع الله لا فعلن بالجر بعد حذف الجار مع أن البصر به لا يجوزون بعده إلا بعوض كهمزة الاستفهام في الله وهاء التنبيه في لاها الله وهو المذهب رواية عن الثقة فلا يصبح قياس الكوفية عليه كشهادة خزيمة ولا تمسكهم بما حكى يونس مررت برجل صاع إلا صالح فطالح وما روي عن رؤية في جواب كيف أصبحت خير عافاك الله فذلك ونظائره من الشواذ فقوله والله الله نصبًا وجرًا أن جعل الثاني مشتقًا فصفة كونية الرحمن الرحيم أو علمًا فبدل والمبدل كالمسكوت عنه وأبا كان فيمين واحدة والموضوع له إيم الله أصله أكون وهو جمع يمين عند الكوفية لأن الصيغة مطلقة ومختصة باليمين عهدت جمعا ووصل همزتها لكثرة الاستعمال ولذا لم يكسر وعند البصرية اسم مفرد ولذا وصلت همزته بدليل لعمر الله فمثله من الحذف لم يعهد في الجمع والصيغة مشتركة مثل آتك وأشد وإما لعمر الله يمعنى لبقاء الله ما أقسم به فتصريح يمعنى القسم أن يؤدي معناه

(1/171)


من غير وضعه له كجعلت ملكا لك بألف لمعنى البيع وهو بالضم والقبح مصدر في الأصل يمعنى البقاء من خدعا فلا يستعمل في القسم إلا بالفتح واللام للابتداء فإن حذف نصب قسما نحو عمرك أو عمرك الله ما فعلت كذا أي بتعميرك الله وإقرارك له بالبقاء.

القسم الثالث أسهاء الظروف فمع
للمقارنة وصف به ما قبله أو ما بعده فيقع ثنتان في طالق واحدة مع واحدة أو معها دخل بها أولًا ويلزم درهمان في مثله وعشرون في لفلان عشرة مع كل درهم درهم و (قبل) للتقديم و (بعد) للتأخير فيهما أصول:
1 - أن وصف الطلاق بمطلقهما يقع حالًا لأن الوقوع بعد به وقبل ملزوم له ولا يملك الإسناد فلذا كان الإيقاع في الماضي إيقاعا في الحال.
2 - أن القبل لا يقتضي وجود البعد فصحة التفكير في قوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (القصص: من الآية 3) لا يتوقف على المسيس ولا صحة الإيمان فيَ قوله {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا فصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ} (النساء: من الآية 47) آمنوا بما نزلنا مصدقًا لما معهم من قبل أن نطمس على الطمس ففي طالق قبل دخولك أو قبل قدوم فلان يقع في الحال وجد البعد أولًا بخلاف البعد المقيد.
3 - أنهما كسائر الظروف عند التقييد بالكناية صفتان لما بعدهما لكونه فاعلًا لهما وعند عدمه لما قبلهما لنضمنها ضميره عكس لولاه في أنه فرض نفي لما قبله مع الضمير ولما بعده مع غيره ففي طالق لغير المدخول بها واحدة بعد واحدة أو قبلها واحدة ثنتان للأصلين الأول والثالث، وفي بعدها واحدة وقيل: واحدة واحدة لهذين الأصلين ولها ثنتان للمحلية ولهذه لزم في له على درهم قبله درهم أو بعد درهم أو بعده درهم درهمان لا في قبل درهم كما ظن لأنه لا يقتضى وجود البعد والمراد مما قبلهما وما بعدهما الأول والثاني بحسب المعنى لئلا ينتقض بقوله طالق واحدة وأخرى بعدها أو بعد أخرى وقوعها. وعند: للحضرة الحقيقية وموجبها الحفظ دون اللزوم فلفلان عندي كذا وديعة كوضعته عندك إلا أن يصل دينا لأنه محتملة أو الحكمية نحو {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: من الآية 19) أي في حكم الله.

(1/172)


من فروع الظروف
يقع في أنت طالق كل يوم بلا نية واحدة (1) وعند زفر في ثلاثة أيام كما في عند كل يوم ومع كل يوم وفي كل يوم (2)، وكذا أنت على كظهر أمي كل يوم ظهار واحد ويدخل فيه الليل (3) وينبغي أن يكون ثلاثة متجددا في ثلاثة أيام كما في عند ومع وفي ولا تدخل الليالي فله أن يفرقها فيها فعندنا بناء على ما مر في مسألة الغد إن حذف في يقتضي كون الكل ظرفًا واحدًا على أن المراد بنحوه وصفه بالمطلقية وذا يحصل بالواحدة وإن جعل كلامه إيقاعًا بضرورة تحقيق الوصف فيندفع بالواحدة كما في أبدا أما إثباته فيقتضي كون كل فرد ظرفًا على أن المزاد عند ذكر في الظرفية من حيث الوقوع وذلك بتجدده في كل يوم والفرق بين مسألة الغد عندهما حيث فرقا ها هنا أن الغد ظرف واحد لا تعدد فيه بخلاف كل يوم ففيه جهة الوحدة للكل وجهة الكثرة لليوم فإذا وقع الفعل على نفس الكل اعتبر الأولى لظهور الاستيعاب عند عدو الواسطة فعند وجودها اعتبر الثانية عملًا بالشبيهين،

القسم الرابع كلمات الاستثناء
وهي مشهورة وربما يعد منها لا سيما وبيد وبعضهم بله وأصلها إلا وسيجيء بيانها في البيان إن شاء الله تعالى وقد يستعمل غير فيه ووضعه على الصفة في نحو قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} (الأنبياء: من الآية 22) لعدم خاصية الاستثناء وهو كونه بحيث لولاه لوجب دخوله ولأن نفي الألهة المستثنى عنهم الله لا يقتضي نفي مطلقها بخلاف غير إذ كل متعدد غير الواحد ولا يجب التبعية لجمع منكور غير محصور عندنا ففي له على مائة إلا درهمان يلزم مائة لأنه مثل إلا الفرقدان إلا عند العوام الغير المميزة بينها وبين الاستثناء وحمل غير على إلا كما في لفلان عليّ درهم غير دانق بالرفع أي لا درهم هو قيراطان بل درهم تام من وزن سبعة وبالنصب لزمه درهم إلا دانقًا وفي لفلان على دينار غير عشرة بالرفع دينار وكذا بالنصب عند محمَّد لأنه استثناء منقطع لعدم الجنسية وهو بطريق المعارضة كاستثناء الثوب وعندهما متصل بطريق البيان فيلزم دينار إلا قدر قيمة عشرة دراهم منه فالفرق بين المعنيين معنى يتوجه نقيض الحكم السابق إلى ما
__________
(1) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 142).
(2) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 142).
(3) انظرا البحر الرائق (3/ 289).

(1/173)


بعدهما في الاستثناء دون الصفة وصورة اختصاص الوصف بالنكرة كذا الرواية وسوى وسواء مثل غير إلا في الظرفية ومسائله مرت في من.

القسم الخامس كلمات الشرط
أصلها أن لأنه للشرط المحض أي لتعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى من غير طرفية ونحوها وتدخل على معدوم على خطر وتردد لا على متحقق إذ المنع أو الحمل لا يتحقق فيه ولا على قطعي العدم كالمستحيل وقطعي التحقق كمجيء الغد إلا عند تنزيلهما منزلة المشكوك لكنه ككل مستعمل منه في كلام الله تعالى مثالهما {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} (الزخرف: من الآية 81) {وإن كنْتُمْ فِي رَيْب} (البقرة: من الأَية 23) وسيجيء إن شاء الله تعالى أثره منع العلة عن الانعقاد إلى أن يوجد الشرط عندنا وعند الشافعي منع ترتيب الحكم على العلة المنعقدة.
فرع: في إن لم أطلقك فأنت طالق ثلاثًا تطلق قبيل موت الزوج للتيقن ثمة (1) كما في إن لم آت البصرة وليس له حد معين بل حين عجز عن الإيقاع فللمدخول بها الميراث للفرار ولغيرها لا وكون التعليق كالتنجيز عند وجود الشرط أمر حكمي فلا يشترط فيه ما يشترط لحقيقة التنجيز من القدرة كما إذا وجد حال الجنون بعد ما علق عاقلا وكذا قبيل موتها في أصح الروايتين للعجز بفوات المحل كما في أنت طالق مع موتك ولا ميراث له لأن الفرقة من قبله. وقيل: لا يقع لقدرته على الإيقاع ما لم لقت وبعده لا وقوع بخلاف موته فهان بين عجزه وموته زمانا للوقوع، وجوابه أن المعتبر قدر من آخر حياتها لا يسع لصيغة التطليق ويسع للوقوع، ومتى للوقت اللازم المبهم فللزومه لا يسقط حين المجازاة ولإبهامه لم يدخل الأعلى خطر وجزم بها كان نحو (متى تأته تعشو البيت).
فرع: في أنت طالق متى لم أطلقك لظرفيته يقع عقيبه لوجود شرطه وهو وقت خال عن الايقاع (2) ومتى شئت لم يقتصر على المجلس لإبهامه وكذا متيمًا بل لكونه أدخل في الإبهام لم يصلح للاستفهام، وإذا عند الكوفية بين الوقت والشرط على انفرادهما بحيث لا مجازاة ولا جزم حين الظرفية ومدخوله قطعى التحقق نحو، وإذا يكون كريهة، البيت، ومنه {وَالليْلِ إِذَا يَغشَى} (الليل: 1) أي وقت غشيانه بدل من الليل لا متعلق بالفعل ولا حال إذ لا يصلح مقيدًا للقسم ولا ظرفية حين المجازاة ويجزم ومدخوله خطر نحو ما احتج
__________
(1) انظرا الهداية للمرغيناني (1/ 235).
(2) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 111).

(1/174)


به الفراء (وإذا تصبك خصاصة فتجمل) والحاصل حرف كان، والجواب عنه بأن المشكوك منزل منزلة المقطوع للتنبيه على أن شيمة الزمان رد المواهب وحط المراتب حتى كأنه لا يشك في إصابة المكاره ليوطن النفس عليها ليس بشيء لأن القول بالتنزيل عند عدم الحقيقة والأصل تحققها وطريقة النقل كذا والنقلة ثقات المقام والقول به لوجود النكتة من إبهام العكس، ولا تعجب في جعل إذا لاستعماله في بيت شاذ جازمًا، وفي خطر للشرطية المحضة دون متى مع دوام ذلك فيه لأن دوامه مع دوام إبهام الوقت المعتبر في متى مما يصحح الشرطية فلا يدل على تمحضها بخلاف استعمال إذا فيه مع دوام تعين الوقت المستعمل هو فيه فهان الشرطية لمنافاتها تعنيه اللازم تنافيه نعم لو ثبت استعماله في الوقت المبهم بدون الشرطية كمتى لورد لكن لا قائل به على أن دليل الشرطية المحضة ليس مجرد الاستعمال فيه بل نقل الثقات المؤيد به وإليه ميل الإِمام وعند البصرية للوقت اللازم وإن استعمل في الشرط كمعنى بل المجازاة مع غير الاستفهام لازمه لمتى دون إذا فإذا لم يسقط معنى الوقت عن ذلك لم يسقط عن هذا بالأولى غير أن إذ للوقت الواقع نحو إذا يغشى ومنه إذا المفاجاة أو متحقق الوقوع نحو {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (التكوير:1) فكان لكونه مفسرًا من هذا الوجه منافيًا للشرطية الكاملة ومع ذلك قد استعمل فيه مجازًا من غير سقوط الوقت ولذا لم يجزم به غالبًا وبسقوطه والجزم به نادرًا وفي ضرورة الشعر قيل أولًا جمع في ذلك بين الحقيقة والمجاز لأن الشرطية مضمنة لازمة كتضمن المبتدأ إياه في الأقسام الستة أو امتناع الجمع حين المنافاة ولا منافاة هنا أو مستعمل في مطلق الوقت لعموم المجاز هو في الكل بحث ففي الأول لأن جواز تضمنها عند الإبهام كما صرح به النجاة فعند انتفاء لازمه ينتفي لا يقال تعين الوقت في إذا غير مناف غايته أن يكون إذا أكرمتني أكرمتك بمنزلة إن أكرمتني وقت الصباح أكرمتك لأنا نقول ذاك تعيين للشرط وهذا لوقته وكم بينهما وفي الثاني لأن مختارهم أن الامتناع عام وفي الثالث لأن مطلق الوقت لايقتضي معنى الشرط والكل ليس خاصا للجزء لغير المحمول ها هنا وإليه ذهب الصاحبان ففي إذا لم أطلقك فأنت طالق لا يقع إلا قبيل موتهما عنده كان ويقع كما فرغ عندهما ولذا لم يقيد أنت طالق إذا شئت بالمجلس كمتى بخلاف إن قك إذا تعارض معنى الشرط الخالص والوقت وقع الشك في مسألتنا في وقوع الطلاق فلم يقع وهنًا في انقطاع المشيئة الثابتة بعد المجلس فلم يبطل إما في طلقي نفسك إذا شئت فإنما جعل يمعنى متى مع أن الشك في أن التفويضي المقتصر الثابت هل يبقى بعد المجلس فلأنه لو جعل يمعنى أن

(1/175)


لم يفد التقييد شيئًا فحمل على متى احترازا عن الإلغاء بخلاف المسألتين لا لأنهم اعتبروا أن الأصل أن لا يقتصر التفويض على المجلس ليقع الشك في الاقتصار كما ظن.
تتمة: وكذلك إذا ما إلا في تمحضه للمجازاة بالاتفاق وما يسمى مسلطة لإفادتها إلعمل لما لم يعمل، ولو للمضي لغة ففي لو دخلت الدار لعتقت ولم يدخل فيما مضى يخبغي أن لا يعتق غير أن الفقهاء استعاروها بمعنى أن كما في {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: من الآية 221) {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: من الآية 32) كعكسه في {إِنْ كنْتُ قُلْتُهُ فقَدْ عَلِمْتَهُ} (المائدة: من الآية 116) هو المروي في نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف ولا نص عن الآخرين ثم اللام قد تدخل في جوابه نحو لفسدنا وقد لا نحو جعلناه أجاجا لا الفاء فقالوا في لو دخلت الدار فأنت طالق يقع في الحال كما في أن دخلت الدار فأنت طالق وهو مذهب أبي الحسن الاهواري رحمه الله قال لو جزم بها الفعل لم يضر شوطًا إلا بالنية كما لو رفع بأن وعن أبي عاصم لا تطلق ما لم تدخل لأنه بمعنى أن ولأن وجوه لإعراب لا تعتبر لعدم ضبط العامة، ولذا لو قال لرجل زنيب بالكسر أو لامرأة بالفتح بحدا ما لولا فلما دل على امتناع الشيء لوجود غيره جعل مانعًا عن وقوع ما يترتب عليه كالاستثناء ولذا قال محمَّد لو قال أنت طالق لولا دخولك الدار لم يقع أصلًا.
تتمة: سيجيءكلما ومن وما إن شاء الله تعالى.
خاتمة: كيف للسؤال عن الحال بمعنى أي حال حاله دخل الاسم نحو كيف زيد أو الفعل نحو كيف تسير وربما تستعمل استفهامية للإنكار نحو {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكنْتُمْ أَمْوَاتًا} (البقرة: من الآية 28) أي على أي حال وقصتكم هذه بمعنى لا ينبغي وللتقرير نحو أنى شئتم حيث فسروه بكيف أي على أي حال شئتم بعد أن يكون المأتي موضع الحرف وحكى فطرب مجيئه بمعنى الحال مطلقًا نحو النظر إليه كيف يصنع أي إلى حال صنعه وكان حقيقة انظر إلى حاله التي هي جواب كيف يصنع كما يقال في علمت أزيد عندك أم عمرو أي جوابه فيوضع الجواب موضعه.
فرع: قال الإِمام أنت حر كيف شئت إيقاع لأنه تفويض لحالها بعد وقوع أصلها ولا مساغ لذلك فيلغو (1) وكذا أنت طالق كيف شئت في غير المدخول بها (2)، أما فيها فيقع الأصل وتفويض الوصف كالبينونة والغلظة والتعدد إلى مشيتها في المجلس إن لم ينو
__________
(1) انظر/ المبسوط للسرخسي (6/ 207).
(2) فهي طالق تطليقة. انظر/ المبسوط للسرخسى (6/ 206).

(1/176)


الزوج وإن نوى فإن اتفقتا فذاك وإلا فرجعية وقالا لا يقع شيء فيهما ما لم يشأ فإذا شأت فكما قال لأن تفويض الوصف يوجب تفويض الأصل إما لأن ما لا يكون محسوسًا من التصرفات الشرعية فمعرفة أصله يتوقف على وجود أثره كالنكاح يعرف بملك المتعة والبيع يملك الرقبة كما أن وجود أثره يتوقف على وجود أثره يتوقف على وجود أصله فالأصل تبع من هذا الوجه وبناؤه على امتناع قيام العرض بالعرض بعيد إذ لا عرض فيما ليس بمحسوس وإما لأن الأصل لا يوجد بدون وصف فتفويض كل الأوصاف تفويض له وإلا لوجد بدونها يوضحه أن الرجعية وصف لا يوجد أصل الطلاق بدونه وإذا فوض أصله أيضًا لم يقع بدون مشعيتها في المجلس كما في إن شئت أو كم شئت أو حيث شئت قلنا ثبوت الرجعية كالوحدة لكونها لازمة الأصل والتفويض في الحقيقة لما وراءها وفي أن شئت لأصله وهذا في كم شئت لأن الواقع هو العدد مقتضى أو مذكورا ولذا يلغو بموتها قبل ذكره حين الذكر فتفويض العدد تفويض لأصله مطلقًا عند عدم نيته ومشروطا باتفاقهما عندها وهذا في حيث شئت وهذا أين شئت لأن ذكر المكان لغو فيه إذ لا تقيد له به فينفي أصله بمعنى إن شئت ولم يلغ حيث بالكلية ليقع في الحال كانت طالق إن دخلت الدار لأن الاستعارة لأن لإبهامها أولى منه ولم يستعر لمتى أو إذا وفيها رعاية الظرفية حتى لا يتقيد بالمجلس لأن أن أصل الباب.

وفي الوضع مباحث
1 - أن الدلالة الوضعية لمجرد الوضع أو لمناسبة ذاتية بين اللفظ والمعنى ذهب عباد بن سليمان وأهل التكسير الزاعمون أن للصيغ المجتمعة من الحروف البسيطة آثار أو خواص وبعض المعتزلة إلى الثاني والحق خلافه، فالصحة وضع كل لفظ لكل معنى حتى لنقيضه كالقرء فإن كلا من الحيض والطهر باعتبار ثبوتهما لازم سلب الآخر في المحل القابل ولازم النقيض يسمى نقيضًا أو لضده كالجون للأسود والأبيض لو وضع له الدال عليه وتخلف أولهما فعليهما واختلف ومقتضى الطبعة الواحدة لا يتخلف أو الألم يلزم ولا يختلف وإلا لزم الواحد من حيث هو واحد لا زمان فكيف النقيضان أو الضدان والدليل منزل في الحروف البسيطة فلا يرد أن مقتضى المركبة كالشجر يختلف تحريكه لينًا في أغصانه علوًا وعروقه سفلًا وكما في جذعه، وفيه بحث من وجهين:
1 - لم لا يجوز أن يستلزم المناسبة الدلالة بشرط العلم بها كالوضعية بشرط العلم بالوضع فيكون التخلف والاختلاف لعدم العلم بها.

(1/177)


2 - ولئن سلم فلم لا يجوز أن يعرض على المناسبة الذاتية مناسبة أخرى بالوضع يكون التخلف والاختلاف بناء عليها فما بالذات لا يختلف وما يختلف ليس بالذات وجوابهما أن محل النزاع الدلالات المتعارفة ولما أمكن التخلف في كل منها بغرض الوضع خلافه لم يكن شىء منها بالذات وهو المطلوب قالوا تساوي النسبة يؤدي إلى الاختصاص بدون التخصيص إن لم يكن وضع إلى التخصيص بلا مخصص إن كان وكلاهما مح وجوابه منع استحالة الثاني فإرادة الواضع المختار مخصصه من غير لزوم داعية فمن الله كالحدوث بوقته ومن العبد كالإعلام بالأشخاص.
ب- في أن الواضع هو الله تعالى (1) أو الخلق (2) أو بالتوزيع (3) أو يتوقف بين الثلاثة (4) قال الشيخ ومتابعوه هو الله تعالى فعلم العباد بالوحي أو بخلق أصوات في جسم دالة المعنى بالطبع كانت معروضة للكيفية الحرفية أم لا وإسماعها للناس أو بخلق علم ضروري والبهشمية البشر والتعريف بالإشارة والقرينة كنغايم الأطفال والأستاذ القدر المحتاج إليه التعريف بالتوقيف والباقي يحتمل الأمرين والقاضي الجميع ممكن عقلًا فالوقف وهو الحق إن كان النزاع في القطع وإن كان في الظهور فيقول الشيخ لقوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلهَا} (البقرة: من الآية 31) مرادًا بها الألفاظ مجوزًا أو اللغوية والتخصيص اصطلاح طار وعلى أن لا قائل بالفصل والمخالف تارة بأول التعليم اما بإلهام مصلحة الوضع فبعضها نحو {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} (الأنبياء: من الآية 80) وإلا فالالهام يستعمل في كسبي يحصل لا بالفيض وتخصيص الألفاظ بالمعاني لا يحتاج إلى الكسب وإما بتعليم ما سبق وضعه من خلق آخر وأخرى الأسماء بالمسميات إما لأن الاسم عين المسمى أو تجوزا وعلى حذف المضاف بدليل غرضهم لأن الضميرية يقتضي بالمسميات بتغليب العقلاء ولأن وظايف الصبيان لا يليق بمطارحة الملكوت، وأجيب عن الأول بأنه خلاف الظاهر والأصل عدم وضع سابق وبهذا يندفع أيضًا أن المراد الأسماء الموجودة في ذهن آدم عليه السلام وبعد تسليم العموم يجوز أن ينساها آدم أو من بعده ثم اصطلح
__________
(1) وهو قول الأشعري، واتباعه، وابن فورك، وهو قول أهل الظاهر وجماعة من الفقهاء. انظر/ إحكام الأحكام للآمدي (1/ 105)، نهاية السول للإسنوي (1/ 23).
(2) أي أن اللغات كلها اصطلاحية. وإليه ذهب أبو هاشم ومن تابعه من المعتزلة. انظر/نهاية السول للإسنوي (1/ 6).
(3) ذكره الشيخ الشوكاني دون نسبة. انظر/ إرشاد الفحول (1/ 85) بتحقيقنا.
(4) وبه قال الجمهور كما حكاه فخر الدين الرازي. انظر/ إحكام الأحكام للامدي (1/ 106 - 107).

(1/178)


على اللغات المسموعة لأن كلا منهما خلاف الظاهر، وعن الثاني بأن التعميم لنفس الأسماء بدليل {انبئوني بأسماء هؤلاء} ونحوه وفيهما بحث إما في القول فلأن القرآن يفسر بعضه بعضًا فالحمل على المعنى الوارد فيه أولى وإما في الثاني فلأن الإضافة إلى الذوات المعينة لأنها في إرادة حقائقها من حيث أن لها خواص ومنافع دينية ودنيوية كما أشار إليه في الكشاف مع اختياره إرادة الأسماء جريًا على مذهبه أن الاسم غير المسمى إذ فيها إشارة إلى فائدة التعليم وتمايز الحقائق لازم التمايز الأسماء وتفص عن أن يقع المطارحة في بعض اللغات ثم الظاهر أن الحق تعليم الأسماء والتجوز في محل لا يقتضيه في غيره والإلزام بوظيفة الصبيان ادخل في القوة ولا خفاء أن تعليم الأسماء يستدعي تمايز المسميات بالخواص وإليه الإشارة في الكشاف فيشتمل على تعليم الحقائق ضمنًا تتميمًا للإلزام لا صريحًا تصريحًا بالإدخال في قوته وأما احتجاجه بقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} (الروم: من الآية 22) أي لغاتكم هي المرادة اتفاقا ولأن بدايع الصنع في نفس العضو في غيره أكثر فغير تام لجواز أن يراد قدرة السنة كل طائفة على نوع ألفاظهم التي وضعوها فإن رجح المجاز الأول عورض بأن هذا أقرب من المعنى الحقيقي وفي صلوحه للمعارضة منع احتج البهشمية بأن قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: من الآية 4) أي بلغتهم يقتضى تقدم اللغات على الإرسال لاستدعاء إضافة اللغة وقوفهم فلو كانت بالتوقيف ليقدم عليها ودار لأن طريقة الوحي لا خلق الأصوات وأسماعها واحدًا أو جماعة ولا خلق العلم الضروري لأن علم واحد من الأمة ما هو أساس الشرع غير مقتبس من مشكاة النبوة بعيد عادة، وأجيب أن التوقف لذلك القوم هو المقتضى لتقدم الإرسال وليس بلازم لجواز أن يكون لأدم حيث علمه الأسماء وهو لأبنائه وذلك إما بالوحي والمراد رسول له قوم قبله، وإما بخلق أصوات سمعها أو خلق علم ضروري فيه وذلك في آدم ليس ببعيد لا يقال علمه بالوضع لكونه نسبة يقتضي العلم بواضعه فلا يكون مكلفًا بمعرفة الله وكل عاقل مكلف لأنه يقتضي العلم بواضع ما ولو سلم فآدم حالتئذ في الجنة وليست دار التكليف وهذان الطريقان خلاف المعتاد في إثباته فيخالف الظاهر مخالفة قوية فلا بدفع الظهور. احتج الأستاذ بأن معرفة القدر الواجب في تعريف الوضع والاصطلاح لو لم يكن بالتوقيف لتوقفت على تعريفهما وهو موقوف عليها فيدور وتنزيله في أول الوضع والاصطلاح سواء كان بالنسبة إلى واضع واحدًا ومتعدد وإلا فتعريف كل من ذلك القدر يتوقف على تعريف

(1/179)


سابق فاللازم التسلسل إلى أن ينتهي إلى الوضع الأول فيدور. وأجيب: بمنع توقف المعرفة على تعريفهما أو التعريف عليها فربما يعرف بالترديد وقرينة الإشارة كما في الأطفال. (ج) في طريق معرفة الوضع قد مر أن النقل متواترًا فيما يفيد القطع وآحادًا فيما يطلب فيه الظن سواء كان في معاني المفردات المادية والصيغية أو المركبات من حيث أصل المعنى أو معنى المعنى أو الخصوصيات الزائدة عليهما العارضة للهيئات الشخصية لتشخص المقام فليس معناه النقل مستقل فيه من غير مدخل للعقل كيف وصدق المخبر عقلي ولا بد منه كما مر بل وقد يحتاج إلى ضميمة عقلية يستنبطها من النقل كمعرفة أن الجمع المحلا باللام موضوع للعموم بطريق أنه يدخله الاستثناء وكل ما يدخله عام فالكبرى ضميمة استفادها العقل من قولهم الاستثناء لإخراج ما لولاه لوجب دخوله.