فصول البدائع في أصول الشرائع القسم الثاني في الحكم تعريفًا وتقسيم
وأحكامًا
الأول في تعريفه:
قال الغزالي رحمه الله هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال
المكلفين (1) والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام إذا ظهر
ويطلق على نفس الكلام كما أن الكلام في الأزل يسمى خطابًا
والمعنيان محتملان ها هنا والأول أولى لأنه الأصل وقيد إذا ظهر
لادخال خطاب المعدوم على قول الشيخ والتعريف في أفعال المكلفين
للجنس مجازًا فيتناول حكم كل مكلف بخصوصه كخواص النبي عليه
السلام ولو لم يكن مجازًا لتناوله أيضًا لأن المتعلق بالجميع
لا يجب تعلقه بكل فرد كما لا يجب بكل جزء لكن لا بانفراده ولو
قال بفعل المكلف لتناوله بانفراده وظهوره لعدم التجوز فهو أولى
وإما دفعه بان مقابلة الجمعين يقتض توزيع الآحاد فذلك لأن ذلك
بين الأفعال والمكلفين
__________
(1) انظر/ المستصفى للغزالي (1/ 55)، إحكام الأحكام للامدي (1/
136)، المحصول للرازي (1/ 15)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
(1/ 54)، حاشية التلويح على التوضيع (1/ 13 - 16)، نهاية السول
للإسنوي (1/ 47).
(1/200)
لا بينهما وبين الخطاب والكلام فيه إلا أن
يفسر الخطاب بالخطابات لأن الإضافة قد تفيد العموم وليس مقتضاه
تعلق كل خطاب بجمع من الأفعال كما ظن لما قلنا أن التعريف
للجنس مجازًا لا للاستغراق وبذلك يندفع أيضًا ما قيل لا يندرج
تحته حكم إذ لا حكم يتعلق بكل فعل لكل مكلف فالخطاب جنس وخرج
باضافته خطاب غير الله تعالى وبوصفه خطابه المتعلق بذاته
وصفاته وأفعاله قيل لكن بقي تحته مثل {وَاللهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات: 96)، والقصص فلا يطرد فزيد
بالاقتضاء أو التخيير والمعنى توجيه الكلام النفسي نحو المكلف
باقتضاء الفعل أو تركه أو تخييره بينهما ليخرج ذلك ثم أورد
الأحكام الوضعية على إنكاسه والوضع حكم الشارع يتعلق شىء
بالحكم التكليفي وحصول صفة له باعتباره ككونه دليلًا أو سببًا
وقتيًا أو معنويًا أو مانعًا للحكم أو السبب أو شرطًا لأحدهما
أو غيرها فريد أو الوضع لتعميمه وربما يجاب عن الأول بأن قيد
حيثية التكليف مرادًا أما إن تناول غير الوجوب والحرمة فظاهر
وأما إن لم يتناوله فلان حيثية التكليف أعم من ثبوته كما فيهما
أو سلبه كما في غيرهما وعن الثاني تارة يمنع خروج الأحكام
الوضعية لأن المقصود منها الأحكام التكليفية وأخرى يمنع كونها
من المحدود وأقول لو قيل بكفاية التكليف الضمني صح التعريف بلا
احتياج إلى زيادة وإضمار فإن جميع خطابات الله تعالى يطلب بها
شىء وأقله الاعتبار كما في القصص وفي {وَاللهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات:96)، يراد فاعبدوني بدليل ما قبله
على أن قيد الحيثية إنما يزاد عرفا في تعريفات الإضافيات لا
مطلقًا وقد مر سائر أبحاثه في صدر الكتاب وقال الآمدي خطاب
الشارع بفائدة شرعية فخرج الأخبار بالمحسوسات والمعقولات ولا
يفسر الفائدة الشرعية بمتعلق الحكم فإنه دور ولا يعمم وإلا
لاندراج الأخبار بما لا يحصى من المغيبات بل بما حصوله بالشرع
فخرج الإخبارات لأن مفهومها حاصل ورد الشرع له أم لا لكنه يعلم
بالشرع وتوقف حصوله على حكم الشرع لا يقتضى توقف فهمه على فهمه
حتى يدور والتحقيقان تصور الحكم يتوقف على تصورها وتصورها على
تصور الخطاب لا الحكم بل حصول ذات الفائدة على حصول ذات الحكم
وهكذا حكم كل كلام إنشائي فإن الخبر كما أن له نسبة ذهنية فله
نسبة خارجية يراد به إعلامها تطابقًا أولا ويمكن العلم بتلك
الخارجية من غير الخبر والإنشاء لا يراد به الإعلام الذهنية
كالطلب وذلك لا يحصل إلا منه فمثل كتب عليكم الصيام مما يصلح
خيرًا وإنشاء تارة يكون حكمًا وأخرى لا قيل فيندرج في التعريف
من الانشاء آت ما ليس حكمًا نحو فنعم
(1/201)
الماهدون وأجيب بان قيد الحيثية أمر إداري
من حيث كونه شارعًا له فيخرج والأولى أن الإضافة في خطاب
الشارع للعهد أي المتعلق بفعل المكلف، واعلم أن الآمدي فسّر
الخطاب باللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيء
لفهمه فتفسير الحكم باللفظ لكونه طريقًا إلى حصوله وإلا
فحقيقته هي الفائدة المستفادة من اللفظ.
الثاني تقسيمه: وهو إما
يحسب ذاته أو متعلقه وهو الفعل لكن من حيث هو متعلق لا من حيث
ذاته وإلا لا.
ورد في قسم المحكوم فيه، والثاني إما يحسب زمانه أو غايته أو
تعلق الحكم به أو نسبة بعضه إلى بعض أو عروض العذر عن أصله
فهذه ستة وسابعها التقسيم الجامع الذي سلكه أصحابنا جزاهم الله
عنا أحسن الجزاء مع ما يتعلق به رأينا أن توخره عن أحكام
الأحكام.
التقسيم الأول
له مقدمات:
1 - أن الخطاب قوله والقول ليس لمتعلقه منه صفة حقيقية ولذا
جاز تعلقه بالمعدوم فهو تعلق واحد بين الحاكم والمحكوم به يسمى
بنسبته إلى الحاكم إيجابا وتحريما وبنسبته إلى المحكوم به
وجوبًا وحرمة فلذا جاز تقسميمه إلى الأولين والأخيرين
والمختلفين وسقط الاعتراض بان الوجوب ما ثبت بالخطاب لا عينه
أو بان تقسيم الخطاب إليه فاسد.
2 - أن الترك بمعنى عدم الفعل لا يصح طلبه في الصحيح إما لأنه
غير مقدور وإما لأنه لو كان مطلوبًا لترتب عليه الثواب فكون كل
مكلف مثابًا باعتبار عدم فعل المنهبات التي لا تحصى ولا قائل
به والمطلوب هو الفعل كفا كان أو غيره.
3 - أن يكون ترك الواجب سببا للعقاب على وجوه تركه في جزء كما
في الواجب المضيق وتركه في جميع وقته كما في الموسع وتركه مع
قطع النظر عن الغير كما في العين وتركه إذا تركه غيره أيضًا
كما في الكفاية وتركه مطلقًا كالتصديق وتركه بلا عذر كالإقرار
بلا إكراه ومنه ترك الصلاة نائمًا وساهيًا أو مسافرًا للركعتين
الساقطين.
4 - أن معنى سببية الفعل للثواب والعقاب ليس الإيجاب على تقدير
عدم التوبة كما عند المعتزلة بل الإفضاء إليه بمقتضى الوعد أو
الوعيد لولا العفو وقيل: الترتيب الملايم للعقل والعادة
فالأسباب إمارات في الحقيقة وعلل تمثيلية.
5 - أن الخطاب أن كان ما من شأنه الإفهام فالكلام في الأزل
خطاب وإن كان ما فيه الإفهام فليس خطابا وإذا تقررت فالحكم أن
كان طلبا فلا بد أن يتسبب الإتيان به للثواب
(1/202)
فأما لفعل غير كف فإن تسبب تركه للعقاب
أيضًا فواجب، وإلا فندوب وإما لفعل هو كف فإن تسبب المكفوف عنه
للعقاب أيضًا فحرام وإلا فمكروه وإن لم يكن طلبًا فإن كان
تخييرًا بين الفعل والكف فإباحة وإلا فوضعي وقد علم به حد كل
واحد منها كما أن الوجوب خطاب هو طلب فعل غير كف يتسبب تركه
للعقاب والواجب هو ذلك الفعل وتقييد الترك بجميع الوقت غير
لازم لأن تسبب الترك في الجملة للعقاب متحقق في الموسع بل مفسد
لأن ترك المضيق في جزء سبب للعقاب إلا أن يقال المترك في الجزء
عين المتروك في الكل وهو تأويل وكون المراد بالفعل مأخذ صيغة
الطلب أو بالكف مدلول صيغته قرينة الشهرة لا يرد ورود كف نفسك
عن الزنا طردًا على الحرمة وعكسًا على الوجوب وعكسه لا تكفف عن
الصلاة إذ ليس لهما صيغة مخصوصة فحدهما حينئذ لا يتناولان نحو
كتب عليكم الصيام وحرم عليكم الميتة اللهم إلا بعد تأويلهم
بالأمر والنهي إما كونه وجوبًا وحرمه بالاعتبارين فيقتضى إرادة
قيد الحيثية في تعريفهما وتداخل هذه الأقسام وإن يكون غير كف
في تعريف الوجوب زائد بل نحلا إذ لا يكون كف نفسك عن الزنا
حينئذ وجوبًا بالنسبة إلى الكف وإن يكون لا تكفف عن الصلاة
وجوبًا وحرمة بالاعتبارين ولم يقل بواحد أحد وقيل: الواجب ما
يعاقب تاركه أي بحسب إمارته ويجوز التخلف عن الإمارة بالعفو
فلا طعن بجواز العفو، وقيل: ما أوعد بالعقاب على تركه أي ذكر
أمارة عقابه فلا طعن بأن الإيعاد صدق فيرد ما مر مع أن معارضة
صدق الوعد بالعفو لمن يشاء بصدق الإيعاد يقدح في الاستلزام،
وقيل: ما فيه خوف العقاب على تركه وأورد على طرده بغير الواجب
في نفس الأمر الذي يشك وجوبه وعلى عكسه بالواجب في نفس الأمر
الذي يشك في وجوبه وأجيب بأنا في صدد تعريف الأحكام التي يجب
على المكلف العمل بها وهو تابع لظن المجتهد فكما إذا اعتقده
يكون بالنسبة إليه واجبًا وإن لم يكنه في نفس الأمر كذلك عكسمه
فكذا إذا شك لم يتعلق به الحكم وقال القاضي ما يذم تاركه شرعًا
بوجه ما أي بنص الشارع على ذمة نحو {فويل للمشركين} الآية أو
على دليل ذمه نحو من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر ومنه التسوية
بينه وبين ما علم وجوبه ومواظبة الرسول بدون الترك أحيانا
عندنا ولا يرد عليه النفل المتروك مع واجب لأن المفهوم من
ترتيب الذم على المشتق عليه الترك وترك النفل ليس بعلة للذم في
تلك الصورة ولا ما أوجبه الله ولم ينص بالذم ودليله لأن ما
استوى عندنا لا يوصف بالوجوب كما ذكره الغزالي وإنما قال بوجه
ما لئلا يبطل عكسه بالموسع فإن
(1/203)
المكلف إنما يذم بتركه في جميع الوقت لا
بتركه في جزء منه مع صدق التارك عليه لأن المطلقة الوقتية
تستلزم المطلقة وبغرض الكفاية فإن المكلف إنما يذم بتركه إذا
ظن أنه لم يأت به غيره سواء وجب على الجميع أو على واحد إما
إذا ظن إتيان غيره به فلا وكذابًا لمخير على القول بأن كلًا
واجب ويسقط بفعل أحدها البواقي وإما على القول بأن الواجب واحد
منهم فتركه بترك الكل، ولذا عمت النكرة في سياق النفي فيذم
تاركه بأي وجه كان قيل لكنه أبطل طرده فإن صلاة النائم والناسي
وركعتي المسافر لا صومه فإنه واجب مخيرًا وموسع غير واجبه ويذم
المكلف بتركها على تقدير انتفاع الأعذار وأجيب بأن سقوط الوجوب
بالعذر لا ينافيه مع أن نفس الوجوب عندنا باق والمتراخي وجوب
الأداء لكنه لا يتمشى في ركعتي المسافر ورد بأن سقوط وجوب
الفعل في الكفاية بفعل البعض الآخر وفي الموسع بالفعل في وقت
آخر كسقوط وجوب الفعل بالعذر فلو اعتبر السقوط بالعارض ولم يعد
واجبًا لم يعد الكفاية والموسع أيضًا واجبين في هاتين الحالتين
فلا يحتاج إلى إدراجهما بل يختل طرده بهما أيضًا وإن عد الساقط
وجوبه لعارض واجبًا فليعد الساقط ذم تاركه مذمومًا تاركه فيذم
تارك الكل مطلقًا فلا حاجة إلى ذلك القيد أصلًا وأجيب بأن ترك
الكفاية والموسع لا يتغير بفعل الغير وفي وقت آخر وترك النائم
ليس ترك النائم حين لا نوم فالمتغير ها هنا نفس الترك وثمه
خارجي وبينهما بنون ورد بأنه لا يتمشى لو اعتبر السبب ترك
المكلف لا ترك النائم وجوابه أن اعتبار المكلف مطلقًا يدخلها
في الواجب فلا محذور في صدق حده عليها.
التقسيم الثاني الحكم بحسب زمانه
وهو إما أداء أو إعادة أو قضاء لأن الفعل قبل وقته لا وجوب له
وفيما جاز فيه يسمى تعجيلًا كالزكاة قبل الحول وفي وقته أن فعل
أولًا فأداء أو ثانيًا لخلل فيه كنقص الواجب أوله ولعذر في
الثاني كإحراز فضيلة الجماعة فأعاده وقيل: في وقته أداء مطلقًا
فالاعادة قسمه لا قسيمة والحج المأتي به بعد فاسد إعادة
وتسميته قضاء مجاز لأن وقته العمر وربما يذهب إلى العكس لنعين
السنة بعد حضور الميقات وبعد وقته قضاء أن كان لاستدراك ما
يسبق له وجوب كالظهر المتروكة عمدًا أو سبب وجوب لكن مع إمكانه
كصوم المسافر والمريض أو امتناعه عقلا كصلاة النائم والناسي أو
شرعًا كصوم الحائض والنفساء لا كالصبي لأنه يمنع التكليف،
وقيل: حقيقة القضاء في الأول ولا نزاع في التسمية المجازية
ونية القضاء في البواقي والصحيح ما ذهب إليه مشايخنا من تحقق
نفس
(1/204)
الوجوب في الجميع المنوط بإمكان الأداء كما
في فاقد الطهورين والمحدث حال ضيق الوقت والسكران والمتراخي في
البواقي وجوب الأداء وسنفسرهما إذ لا قضاء بل ولا الوقت لما لم
يجب ولولا اعتبار الإمكان لكان النوم كالصبي مانعًا لعدم الفهم
ولا فرق بالتقصير لأنه ضروري وتمسكهم بأن نفس الوجوب يمنع جواز
الترك وهو مجمع عليه مبني على عدم الفرق بين جواز الترك
والتأخير فالاستدراك في الكل لنفس الوجوب. فالأداء ما فعل
أولًا في وقته المقدر له شرعًا (1).
فأوّلًا: أن قيد به احتراز عن الإعادة وفي وقته عما قبله وبعده
والمقدر عن النوافل
المطلقة إذ لا أداء لها ولا قضاء إما الموقتة ففى وقتها أداء
وبعده ليست قضاء فالأداء أعم
من الواجب من وجه لا القضاء، وقيل: وهذا القضاء لأن الرواتب
وصلاة العبد بعد
وقتهما قضاء حقيقة لا مجازًا أو الأصح هو الأول لأن القضاء
يعتمد وجوب الأداء
وقضاؤها بعد الإفساد عندنا للوجوب بالشروع وشرعًا عن المقدر لا
شرعًا كالشهر الذي
عينه الإِمام للزكاة والجزء من الوقت الذي عينه المكلف للصلاة
فليستا أداء من حيث هما
فيهما ولا قضاء من حيث هما بعدهما وقيل أولًا قيد للتقدير
ليتناول قسيمة الإعادة
واحتراز عن الوقت المقدر شرعًا ثانيًا كوقت الذكر بعد الوقت
وفيه بحث من وجوه:
1 - وقت الذكر ليس مقدرًا فإنه تعيين الأول والآخر يؤيده قولهم
القضاء فرض العمر
ونسبة الشارع إلى وقت الذكر لأنه الصالح لقضائه لا وقت
النسيان.
2 - أن تقييد التقدير بأولًا يخرج شهر الإِمام ووقت المكلف
لأنهما مقدران ثانيًا فلا يبقي إلي شرعًا حاجة.
3 - أن أولًا ها هنا مقابل ثانيًا في الإعادة وذلك قيد الفعل
باعترافه فلهذه قرار بفعل، والإعادة ما فعل في وقته ثانيًا
لخلل أو لأحد الأمرين على المذهبين (2)، والقضاء ما فعل بعد
وقته المقدر شرعًا استدراكًا لما سبق (3) نفس وجوبه سواء سبق
وجوب أدائه أولًا وكأنه المراد بما سبق له وجوب مطلقًا وإلا
فالوجوب على غير المستدرك لا يفيد في حقه وقيل: لسبق وجوب
أدائه وكأنه المراد بما سبق وجوبه على المستدرك والثمرة في
الأمثلة البواقي المذكورة وقيد الاستدراك لإخراج إعادة المؤداة
خارج الوقت وإعادة القضاء،
__________
(1) انظر/ المحصول للرازي (1/ 27)، نهاية السول للإسنوي (1/
109).
(2) انظرلم المحصول للرازي (1/ 27)، نهاية السول للإسنوي (1/
109).
(3) بأن آخره عمدًا، انظر/ المحصول للرازي (1/ 271)، نهاية
السول للإسنوي (1/ 109).
(1/205)
وقال أصحابنا رحمهم الله الإعادة لبطلان
الأول أداء ولفساده ليست واجبة والأول هو الموقع عن الواجب
والثاني جائز لأن الإتيان بالمأمور به على الكراهة يخرج عن
العهدة كالطواف محدثًا خلافًا لهم والواجبات المطلقة كالزكاة
والكفارات والنذور المطلقة أداء بالنص ولا توقيت فيها شرعًا
فالأداء تسليم نفس الواجب بالأمر صريحة نحو أقيموا أو معناه
نحو {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (آل عمران: من
الآية 97) إلى من يستحقه كأداء الأمانات فإن أريد به وجوب
الأداء وهو طلب إيجاد الواجب بالسبب بالخطاب وذلك بالأمر صح في
الكل لأن للواجب به فعل خارجي وإن أريد نفس الوجوب وهو أن
يتعلق بالمكلف الواجب بالسبب كالوقت وكانت إضافته إلى الأمر
وسعًا لأنه سبب تعيين السبب فتصحيحه في العبادات والديون
المطلقة بان أقرب طرق تفريغ الذمة أخذ حكم عينه وربما يفسر
بتسليم عين المطلوب فيتناول المندوب وربما بتسليم عين الثابت
بالأمر فيتناول المباح أيضًا وذلك مبني على جعل الأمر أي لفظ
(أم ر) لا صيغته حقيقة في الندب أو الإباحة ولا بينهما ولهما
القضاء كما مر والقضاء تسليم مثل الواجب من عنده بخلاف صرف
دراهم الغير إلى قضاء دينه أو ظهر الأمس وإن كانت المماثلة
أقوى فيه من النقل والمراد المماثلة في رفع لا نعلم لا في
إحراز الفضيلة كما بين أداء المعذورين وغيرهم وهو في الموقتة
بعد أوقاتها ولق غيرها مطلقًا كالأداء فيها أو مطلقًا ويستعمل
أحدهما في الآخر لكن لأن القضاء لغة الإسقاط والإتمام صار
استعماله في الأداء نحو {فَإذَا قَضيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}
(البقرة: من الآية. 200) حقيقة لغوية وإن كان مجازًا شرعيًا
والأَداء ينبئ عن الاستقصاء وشدة الرعاية نحو الذئب يأدو
للغزال يأكله لم يكن في القضاء ولا مجازًا محتاجًا إلى قرينه
لغة أيضًا لا يقال فلا يصح القضاء بنية الأداء بعد الوقت على
ظن بقائه ومنه نية الأسير صوم رمضان بالتحري وقد وقع بعده وإن
صح عكسه كالأداء في الوقت بنية القضاء على ظن خروجه لأنا نقول
ليست هذه مما نحن فيه لأن الجميع حقائق بل صحتها مبنية على
وجود أصل النية والخطأ في الظن ومثله معفو.
تقسيمها: الأداء المحض بجميع الأوصاف المشروعة كامل وبعضها
قاصر زائد قصوره أو ناقص وغير المحض شبيه بالقضاء وكذا القضاء
المحض مع إدراك المماثلة فبمثل معقول كامل أو قاصر ومع عدمه
فبمثل غير معقول وغير المحض قضاء يشبه الأداء وعدم اعتبار قسمي
المعقول وغيره فيه ليس اعتبارا لعدمهما وكل من الستة يدخل في
حقوق الله وحقوق العباد فالأقسام اثنا عشر ففي حقوق الله تعالى
الأداء الكامل الصلاة بجماعة أن
(1/206)
سنت فيها كالتراويح والوتر في رمضان وإلا
فصفة قصور كالإصبع الزائدة والقاصر الزائد قصوره كصلاة المنفرد
لقصورها بسبع وعشرين درجة عنها بالجماعة ومن إمارته سقوط وجوب
الجهر فإنه في الجهر به صفة كمال لوجوب السجدة بتركه سهوا ولئن
جهر لا يحرز به ثواب الواجب لعدم وجوبه والناقص قصوره كصلاة
المسبوق منفردًا فإنها أداء ولذا يقرأ ويسجد للسهو ويتغير
قصرها إلى إلاكمال بالمغير كنية الإقامة أو دخول العصر للتوضيء
قبل فراغ أمامه أو بعده وفائقة على صلاة المنفرد لأداء بعضها
بالجماعة وبناء كلها على تحريمة الإمام ولذا لا يقتدي به بخلاف
المنفرد وقوله عليه السلام "وما فاتكم فاقضوا (1) " مجاز ويروي
فأتموه والشبيه بالقضاء صلاة اللاحق وهو الشارع مع الإِمام
المتمم لا معه لعذر كالنوم أو الحدث والبناء وقتًا وهو الأصل
بل وتحريمة وقضاء لما أنعقده له إحرام الإِمام لا يعنيه لفوت
ملتزمة معه بل بمثله لعارض وهو التبع ويجوز إنصاف مجموع
بمتضادين بل وواحد باعتبارين فالمسافر الذي اقتدى يمثله في
الوقت فسبقه الحدث أو نام فانتبه فأقام أو دخل مصر لوضوء قبل
فراغ الإمام يتم أربعًا باعتبار الأداء كما لو تكلم قبله أو
بعده فإنه لابطاله يوجب الاستيناف موديًا وإن أقام بعد فراغه
فركعتين يشبه القضاء الحاكي للأداء وعمل به بعده لفوت ملتزمه
بآخره بخلاف المسبوق، وقد تأيد بالأصل وهو عدم التغير على أن
التغير لم يثبت بالشك يؤيده مسألة الجامع من حلف أن صليت
الجمعة مع الإِمام يحنث أن صلى لاحقًا إنما بعد سلامة لا
مسبوقًا تركعه وعند زفر أربعًا لأنه كالمسبوق في انفراده حقيقة
أو كالمعتدي حكمًا قلنا بل كالمقتدي والقاضي فيوفر خط الشبهين
والقضاء يمثل معقول كامل كقضاء الفائتة بالجماعة والصوم بالصوم
أو قاصركقضائها منفردًا، وفيه بحث لأن وصف الجماعة لا يثبت في
الذمة لأنه سنة مؤكدة لها شبه الوجوب فلذا يثبت القصور في
الأداء لفوته لأنبائه عن شدة الرعاية ولا يثبت في الذمة لسنته
ولذاكره قضاء الصلوات علانية وحمل قضاؤه عليه السلام غداة ليلة
التعريس بجماعة على أنه أداء من وجه ثان قبل الزوال حكم الصبح
كما في قضاء سنة الفجر وتدارك ورد الليل فكان أن يكره الجماعة
على القضاء لولا بناؤه على الفائت فالحق أنهما كاملان
وبالجماعة أكمل ويمثل غير معقول ونعني به عدم تعقل المماثلة لا
تفعل
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتفى (1/ 84) ح (305)، وابن خزيمة
في صحيحه (3/ 3) ح (1505)، وابن حبان في صحيحه (5/ 517) ح
(2145)، والبيهقي في الكبرى (2/ 297) ح (321)، والنسائي كما
الكبرى (1/ 30) ح (934)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 238) ح
(7249).
(1/207)
عدمها وإلا لتناقض حجج الله تعالى فإن
العقل منها وذا أمارة العجز كالفدية للصوم إذ لا نعقلها بينهما
لا صورة لأنهما إمساك وإعطاء ولا معنى فإنهما إتعاب النفس
بالكف عن الشهوة ودفع حاجة الفقير لا لأن أحدهما مفض إلى
الإيجاع والآخر إلى الاشباع فيضادان إذ لا تضاد لاختلاف
المتعلق بل رما قيل يتناسبهما من حيث أن إعطاء الشيء منع للنفس
عن الارتفاق به وإذ اللازم منه تعقل عدم المماثلة وهو غير مراد
فجوازها بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذينَ يُطقُونَهُ} (البقرة:
من الآية 184) على أنه مختصر بحذف لا بإجماع القائلين بأنه
ثابت وإن جواز احتمال يصومونه جهدهم ومبلغ وسعتهم وهم الشيخ
الفاني ومن بمعناه في العجز المستدام فلا ينافيه الحمل على
التخيير الثابت في بدء الإِسلام أن قيل بنسخه وكالإنفاق للحج
لا صورة لأنهما تنقيص وقصد ولا معنى لأنهما إشباع الغير وتعظيم
المكان فجوازه بحديث الخثعمية ولوروده في عجز الشيخوخة وإنها
دائمة اشترط في فرضه العجز الدائم كما عن الميت وعن المريض مرض
الموت لا في تطوعه لأن مبناه على التوسع ثم عن محمَّد رحمه
الله تعالى وقوعه عن المأمور لأن النيابة لا يجرى في العبادة
البدنية وللآمر ثواب النفقة ويسقط حجة لإقامة السبب وهو
الإنفاق مقامه للعجز أو لأن الواجب حينئذ ما قدر عليه لا ما
عجز عنه ولذا اشترط أهلية النائب فنجز إنابة الذمي له وأتما لم
يسقط به فرض المأمور لأن شرطه الشبه لنفسه أو مطلقًا ولم يوجد
قلنا بل للآمر بالنص المذكور وغيره ولذلك يضمن النفقة بالنبة
لنفسه ويسقط لو حج عنه بلا إنفاق ما له لا يعكسه وليست بذنبه
مخضة لعد الاستطاعة المالية من الممكنة فالتمثيل بالانفاق على
الأول إذ على الثاني قام فعل غيره مقام فمثل نفسه فيقال لا
مماثلة بين الفعلين أيضًا لأن معنى المباشرة أتعاب النفس وهو
لا يحصل بفعل الغير.
وهاهنا أصل كلي: كل ما لا يعقل له مثل في معناه لا يقض إلا بنص
فعند فواته يسقط كتعديل الأركان إذ لا مثل له منفردًا عنها
لعرضته وأطالها لفواته قلب المعقول فلم يبق إلا الإثم ولرمي
الجمار ووجوب السجود والذم بتركهما لجبر نقصان العبادة لا
للبدلية وكجودة الدراهم إذ أديت الزكاة بزيوف تسقط إذ لا مثل
لها صورة لعرضيتها ولا قيمة لأنها غير متقومة ع المقابلة
بجنسها ولذا لا يصح أداء أربعة جياد عن خمسة زيوف لا عند زفر
ولا يجب الزكاة بالحولان على ما قيمته مائتان ووزنه أقل
واحتياط محمَّد لفي إيجاب قيمة الجودة لتقومها في الجملة كما
إذا غصب جيادًا أو حابى قلبًا ووزنه عشرة
(1/208)
وقيمته عشرون بعشرة لا تسلم الزيادة أو باع
لوصى درهما جيدًا بردى لا يجوز ولأن عدم اعتبارها للربا ولا
ربا بين المولى وعبده ولأن فيه ربا نظرا إلى أن الواجب حق
الفقير ولذا يضمن بالاستهلاك والحق كالحقيقة ولا الربا فيه
نظرًا إلى أنه ليس ملكًا له حتى يصير مملكا إياه بما أخذ في
اعتبارنا جهة الربا أن نفع للفقير إلا فلا كما في مسألتنا قلنا
لما استفرضنا الله وملكنا جعلنا بمنزلة المكاتب أو الحر فيجري
الربا والتفصيل منقوض بمسألة الحولان وكوقوف عرفة والأضحية
وتكبيرًا التشريق بصفة الجهر لم يعرف شىء منها قربة إلا في
زمانه وبفوته يتقرر حكم السقوط فلا يعود بعود مثل زمانه ولا
يفتقض بإيجاب الفدية لصلاة الشيخ الفاني بلا نص حيث جعل كل
صلاة يمنزلة صوم يوم في الصحيح قياسًا عليه والتصدق بعد أيام
النحر بعين الشاة المعينة للتضحية بالنذر أو بشراء الفقير لها
أو القيمة فيما إذا استهلكت تلك الشاة أو لم يضح الغني لأن
وجوب الفدية عمل بأحوط الاحتمالين وهو تعليلها بالعجز في الصوم
والصلاة مثله بل أهم بحسنها الذاتي فإن وجب به فيها وإلا
فقداني بالمندوب ولذا لم يجزم محمَّد رحمه الله تعالى ورجي
القبول كما إذا تطوع بها الوارث عمن لم يوص وأهمية الصلاة لم
توجب الجزم بالوجوب فيها بدلالة النص وإن لم يعقل كوجوب
الكفارة بالأكل والشرب لأن شرط الدلالة علم المعنى الموثر عقل
تأثيره كالإبداء بالتأفيف أولًا كالجناية على الصوم في إيجاب
الكفارة المكيفة ولا علم به هنا، قيل وفيها يجب إذ لا نعلم أن
الجناية على الصوم هي المؤثرة بإطلاقها في إيجاب الكفارة
وسيظهر جوابه إن شاء الله تعالى، وكذا التصدق بعد أيام النحر
لأنها عبادة مالية ولذا شرط الغنى فيها فكما أن التضحية أصل
بظاهر النص يحتمل أن يكون التصدق أصلًا كما في سائرها لكن
لتطيب طعام الضيافة بنقل الخبث الثابت في مال الصدقة لإزالته
الآثام ولذا حرم على النبي وانسابه والغنى إلى الدماء نقله
الشارع إلى التضحية وهي بمجرد الإراقة عند محمَّد لأن المذبوح
باق على ملكه يأكله ويضمن له مستهلكه ويورث عنه ويجوز بيعه
والتصدق بثمنه لأنه سبيل الملك الخبث وبها وبإزالة حق التمول
عند أبي يوسف، قيل: وعند الإِمام لأن القربة كما يتأدى بالدم
يتأدى بأجزائها ولذا يشترط سلامتها ويجب التصدق بثمن ما باع
منها وإبطال حق التمول لا يوجب بطلان أصل الملك؛ لأن القربة
كما تتأدى بالدم تتأدى بأجزائها ولذا يشترط سلامتها ويجب
التصدق بثمن ما باع منها وإبطال حق التمول لا يوجب بطلان أصل
الملك فالتوفيق بين الأحكام فيما قالا والثمرة جواز الرجوع في
هبة الشاة المضحاة عنده لا عندهما وإلا بطل القربة
(1/209)
بالعين غير أنا لم نعلم بالاحتمال المطون
في معرضة المنصوص لمتيقن ما بقي الوقت وعملنا بعده احتياطًا لا
على أنه مثل لها ولذا لم ينتقل الحكم إلى الأضحية في العام
القابل خلاف الفدية لأن الحكم بالشيء إذا وقع بجهة الأصالة ولو
من وجه لا يبطل بالشك فلا يرد الإيراد بأنه كما لا يصح اعتبار
خلفية التصدق وإلا لوجب التضحية في العام القابل لا يصح اعتبار
الأصالة وإلا لجاز التصدق في أيامها كصلاة الظهر في منزله وقت
الجمعة لأن المعمول به احتمال اعتبار الاصالة لا نفسه والذي
يشبه الأداء كان يأتي من أدرك الإمام في ركوع العيد بتكبيراته
فيه إذا خاف فوته لو أتي بها قائمًا فيكبر فرضًا للافتتاح
قائمًا وواجبًا للركوع هاويًا وللعيدية فيه بلا رفع يد إذ لا
يترك سنة لسنة فهذا قضاء بأصله لفوت وقتها ولا مثل لها قربة
فيه ليصرفه إلى ما عليه فينبغي أن تسقط كما روي عن أبي يوسف
رحمه الله كما إذا ترك لقنوت من أدرك الإِمام في الركوع من وتر
رمضان أو تركها الإمام أولًا يجوز قضاؤها فيه كما إذا ترك
القراءة أو تكبير الافتتاح فجوز لشبه الأداء إذا لعبادة مما
يثبت لشبهة الوجوب احتياطيًا لأن الركوع يشبه القيام لبقاء
الانتصاف في النصف الأسفل وهو الفارق إذ قيام البعض به وحكمًا
لأن إدراكه إدراك الركعة بل ولأن تكبير الركوع هنا واجب مثلها
ولذا يجب بسهوه سجوده وهو عند الهوى فكان لها مثلًا فالحقت به
بخلاف القنوت والقراءة والتحريمة وبخلاف الإِمام لقدرته على
العود إلى القيام وكقضاء السورة الفائتة عن الأولين في الآخرين
لشبه الأداء من حيث أن موضع القراءة جملة الصلاة ولذا يفسدها
استخلاف الأمي في الآخرين إلا عند أبي يوسف رحمه الله وتعين
الشفع الأول بخبر الواحد لا يرفع شبهة المحلية عن الثاني فوجب
لشبه الأداء احتياطيًا إما الفاتحة الفائتة فتسقط لتعذر
الاتيان بها في الثاني قضاء لعدم مشروعيتها فيه نفلًا مطلقًا
بل مع جهة وجوب احتياطي لقوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب ومثله لا يصرف إلى ما عليه ولا شبه أداء إذ لو لم تتكرر
وقعت عن مستوى فيه جهة الوجوب ولو تكررت في ركعة خرجت عن
المشروع ولا يدفعه اعتبار النقل لأنه من جهة القضاء على أن
صورة التكرار فيها كافية بدعة وعكس عيسى ابن أبان الوجوب
الفاتحة وإنها مشروعة في الجملة وسببه السورة السنة في غير
موضعها بدعة وبهذا طعن يحيى في الجامع وظهر جوابه وروي الحسن
قضائهما وعن أبي يوسف سقوطهما تركيبا فيهما من النكتتين.
وفي حقوق العباد الأداء الكامل كرد المغصوب كما غصب وتسليم
المبيع كما بيع
(1/210)
وأداء الدين والمسلم فيه ورأس ماله وبدل
الصرف كما ثبت وليس قضاء لأنه أقرب طرقه فجعل عينه حكمًا
لتعذره حقيقة ولذا لم يكن قبضه في الصرف والسلم استبدالًا
ويجبر على قبوله في غيرهما أيضًا ولا قاصرًا لأنه أداء أصلًا
ووصفًا ومنه إطعام المغصوب مالكه بلا تغيير قاطع حقه ولا علم
منه خلافًا للشافعي -رحمه الله- في القديم لوصول ملكه إليه
صورة ومعنى لنفوذ كل تصرف له فيه غاية الأمر جهله يملكه أو
بنفوذ تصرفه وذلك لا يبطل الأداء كأكله بنفسه وكذا إعتاقه بأمر
الغاصب كإعتاقه بنفسه ظنًا أنه ملك الغير ونحوه قبول البايع
للمشترى أعتق عبدي هذا فأعتقه من غير علم له الأداء بالرد
المأمور به وهذا غرور إذ لا تحامي عن إتلاف ما يباح من مال
الغير عادة ولئن كان أداء فقاصر لأنه ما أعاد إلا يد الإباحة
قلنا المضمن غرر العقد كولد المغرور لا غيره كما مر والعادة لا
على الديانة الصحيحة المفهومة من الحديث لغو وجهة الإباحة في
هذه اليد ساقطة بالإجماع إذ لا يتصور مع الملك ولئن قصر الأداء
فقد تم بالأكل وغيره. والقاصر كرد المغصوب مشغولا بالجناية على
النفس أو الطرف أو بالدين للإذن أو لاستهلاك المال فلو هلك قبل
الدفع أو البيع فيه بريء الغاصب لكونه أداء وإذا دفع أو قتل أو
بيع فيه رجع المالك عليه بالقيمة وفاقًا قاصرًا وكتسليم
مشغولًا بالدين والمبيعة حاملًا فلو بيع يرجع بكل الثمن أو
هلكت بالولادة فينقصان العيب وفاقًا فيهما أو المبيع مشغولًا
بالجناية وكذا رد المغصوبة حاملًا فلو هلك هو يرجع لكل ثمنه أو
هي فقيمتها يوم علقت عند الإمام وعندهما تسليمه وردها أداء
كامل أي تام فيرجع بنقصان العيب لهما في مباح الدم إنها كالعيب
لا يمتنع تمام التسليم وإن مكن كمال الأداء لتعلق جزاء الجنابة
بالآدمية ولذا صح شراؤه وإن أبى ولي القتيل، ولو تعلق بالمالية
لقدر على منعه كالرهن فمورد البيع المالية وتلفها بالاستيفاء
الاختياري وقع بعد ما دخل في ضمان المشتري فلا يستند إلى
الجناية السابقة فلا ينتقض التسليم كما لو سلم للمبيع الزاني
فمات بالجلد عند المشتري بخلاف الاستحقاق بملك أو دين أو رهن
حيث لقي المالية وبخلاف الغصب فإن فسخ فعله ورده كما غريب
وأجيب وفي الحامل أن الأصل في الحمل السلامة والهلاك مضاف إلى
الطلق لا إلى الانفلاق كما لو حملت عند الغاضب فهلكت بها بعد
الرد ضمن النقصان لأن هلاكها لضعف الطبعة عن دفعها لا بأول
الحمى فإنه غير موجب لما بعده وقلنا بل كالاستحقاق لمنع لقامه
لأنه لما زال يده بسبب عند البايع أضيف زواله المتلف لماليته
اليد لأنه في معنى علة العلة والجلد ليس بمتلف بل التلف به
لحرق الجلاد أو
(1/211)
لضعف المجلود غاية ما ذكراه صحة الشراء وهي
لايمنع رجوع الثمن كما إذا اشترى عالمًا بحل دمه يرجع بالثمن
في أصح الروايتين كالاستحقاق ولئن سلم فعلمه جعل مانعًا عملًا
بشبهتي الاستحقاق والعيب حال الجهل والعلم إذ مع العلم التزام
الضرر إما في الحامل فلئن سلم عدم رجوع الثمن في بيعها فلأن
الأصل السلامة كما سلف وفي غصبها لا بد من فسخه وردها كما غصبت
ومنه أداء الزيوف عن الجياد في الدين أداء للجنسية حتى لو تجوز
بها في الصرف والسلم لا يكون استبدالا قبل القبض وقاصر لعدم
الوصف فيردها قائمة إذا لم يعلم به حين الأخذ وإذا لم يتبدل
المجلس في الصرف والسلم وإذا هلكت عند القابض يبطل حقه في
الجودة عند الإِمام ومحمد قياسًا إذ لم يجز إبطال الأصل لوصفه
كما مر كيف وإبطاله بتضمين القابض حقًا لنفسه إذ لا طالب
والإنسان لا يضمن لنفسه واستحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى رد
مثل المقبوض لأن مثل الشىء كنفسه لا قيمة للربا إحياء لحقه في
الوصف كالقدر ولو اعتبر جنسية المقبوض أسقط الرد حالة القيام
أيضًا ولا نعلم بطلان التضمين لنفسه عند الفائدة كشري مال
المضاربة أو كسب ما دونه المديون أو ماله مع مال غيره قلنا
قياس عليهما مع الفارق وهو معنى التضمين فوجب على كل من
الصاحبين الفرق بينه وبين مسألة الزكاة على التعاكس ففرق أبو
يوسف رحمه الله تعالى بعدم إمكان تضمين الفقير ثمة لما قبضه إذ
هي له كفاية من الله لا من المعطي ولذا لا يتمكن من ردها قائمة
وطلب الجياد ولا من مطالبتها من الغني وبدون التضمين يتعذر
اعتبارا الجودة ورب الدين يتمكن من مطالبته جبرًا أصلا ووصفًا
ومحمد بأن تضمين القيمة ثمه لعدم مانع الربا بين المولى وعبده
وهنا بين العباد.
والشبيه بانقضاءكالتسليم فيما تزوج امرأة على أبيها عبده فعتق
إذ نفس العقد بقيد ملك العوضين فاستحق الأب بقضاء فوجب قيمته
للعجز عن تسليمه وبطل ملكها وعتقه كما على عبد الغير ابتداء ثم
أن ملكه المتزوج قبل القضاء بالقيمة وجب تسليمه إليها لأنه
أداء لعين الملتزم حتى لو امتنع عنه بعد طلبها أو أبت عن
القبول بعد دفعة يجبر بخلاف ما إذا استحق المبيع قبل التسليم
فاشتري من المستحق لا يجبر عليه لانفساخ البيع الموقوف عنا
وقيام النكاح ثمه لكنه يشبه القضاء لما علم من حديث بريرة رضي
الله عنها أن تبدل الملك بمنزلة تبدل العين ولأن تعلق الحكم
الشرعي بالشىء المملوك لا من حيث هو والألم يتغير كلحم الخنزير
بل باعتبار مملوكيته فيتبدل مجموع بتبدله وهو المراد بالعين
سواءٌ اعتبر مجرد الذات جزءًا أو مقيدًا فلذا لا يعنق عليها
قبل تسليمه إليها لو القضاء لها
(1/212)
وينفذ فيه تصرفاته قبلهما قبلت الفسخ
كالبيع والهبة أولًا كالكتابة والإعتاق ولم ينقض قابله كما
ينقض تصرف المشتري في الدار المشفوعة لئلا يفوت حقه في التصرف
بلا خلف كما فيها بالثمن إما إذا قضي بالقيمة وتعين حقها فيها
فلا يعود كما في مثلي غصب فقضي بقيمته لانقطاع المثل ثم جاء
ألوانه بخلاف القيمي الظاهر بعد القضاء بالقيمة بقول الغاصب مع
يمينه والقضاء بمثل معقول ينقسم صحيحًا ها هنا إلى كامل
المغصوب بمثله صورة ومعنى في المثليات قبل انقطاعها ومنه مثل
القرض لا من الأداء كالدين لامكان أدائه باقرب وهو رد عين
المقبوض وشبهه بالأداء لأن لبدل المقبوض حكم عينه كيلا يكون
مبادلة الأجناس نسيئة ولذا لم يلزم فيه التأجيل كالإعارة عندنا
خلاف الديون لا يقتضي عده أداء لأن ذلك لضرورة الاحتراز عن
الربا فلا يتعداه نعم يقتضي عده شبيها به وكأنه فائدة الفصل
فتذكر ما سلف أن عدم الاعتبار ليس اعتبارا للعدم وإلى قاصر وهو
القضاء بالمثل معنى وهو القيمة فيما لا مثل له كالحيوان
والنبات والعدديات المتفاوتة أوله مثل كالمقدر والمعدود
المتقارب لكن انقطع فلم يوجد في الأسواق والأصل هو الأول ولا
يصار إلى الثاني إلا عند تعذره لأنه المثل المطلق الثابت بنحو
قوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: من
الآية 194) وفقهه تحقيق الجبر بكلا الوجهين، وعند العجز عن
أحدهما يبقي الآخر المقدور ويؤيده الخبر المشهور وهو قوله عليه
السلام: "من اعتق شقصًا له في عبد قوم عليه نصيب شريكه (1) "
أن كان موشرًا وذهب المدنيون إلى تضمين القسم الثاني بمثله من
جنسه معدلًا بالقيمة لأنه المثل صورة ومعنى ولضمان عائشة - رضي
الله عنه - القصعة التي كسرتها لصفية واستحسنه النبي عليه
السلام وعثمان أبال الأعرابي وفصلانه بمثلها لتعدي بني عنه
بمشورة ابن مسعود - رضي الله عنه - قلنا الأول على سبيل المروة
وإلا فالقصعتان للرسول عليه السلام أو لعلهما من العنديات
المتقاربة والثاني علي سبيل الصلح شرعًا إذن مؤاخذة بجناية بني
العم.
فرعان:
1 - قال الإِمام لولي الرجل أن يقطع فيقتل من قطع يده قبل
البرء عمدًا لأنه مثل كامل فيه المساواة في الفعل ومقصوده إلا
أن يكتفي بالمقصود وقالا بقتله فقط لأن القتل بعد القطع قبل
البرء من واحد على اتفاق صفتهما عمدًا وخطًا تحقيق لموجبه عند
السراية فكانا جناية واحدة بخلاف لخلل البرء لأنه ينهى حكم
أحدهما ومن اثنين لامتناع إضافة
__________
(1) أخرجه البخاري (2/ 882) ح (2359)، ومسلم (2/ 1140) ح
(1503).
(1/213)
فعل أحد إلى غيره وعند اختلاف الصفة إذ به
يختلف الأثر كما يتعدد المحل فالصور اثنا عشر، عشر منها
جنايتان والخطآن بشروط الاتحاد واحدة وفاقا فيهما قلنا القصاص
جزء الفعل ولذا يقتل نفوس بواحدة لا كضمان المحل إذ يجب في
مثله خطأ دية وفي قطع قوائم دابة ثم إئلافها قيمة فيجوز فيه
اعتبار صورة الفعل لا سيما ولمعنى القتل شبهان لأنه كما يصلح
محققًا لأثر القطح يصلح ما حياله بتفويت محله لتفوقه باستقلاله
علة ويعضده جعل الذكاة قاطعة للسراية في قوله تعالى: {وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (المائدة: من الآية
3) وفيما رمي صيدًا تاركًا للتسمية عمدًا وجرحه ثم ذكاء حل
فموجبهما التخيير إذ اعتبار كونه ما حيا يقتضي التعدد كتخلل
البرء.
2 - قال الواجب عند ضمان المثلي المنقطع قيمته يوم القضاء بها
لعدم تعذر المثل الكامل يقينًا إلا حينئذ لاحتمال أن يوجد أو
يصبر عن المطالبة إلى أوانه بخلاف غير المثلي لأن المطالب بأصل
السبب ثمة هو القيمة فيعتبر وقته. وقال أبو يوسف: رحمه الله
تعالى الخلف يجب بموجب الأصل فالمثلي عند الانقطاع كغيره
فيعتبر وقت السبب وقال محمَّد رحمه الله تعالى السبب أوجب
المثل بدلًا عن رد العين لا القيمة وإلا لوجب بالسبب الواحد
بدل وبدل فالمصير إليها للعجز عن المثل وذلك بالانقطاع فيعتبر
آخر يوم له قلنا تعين الخلف بحسب وقت الانتقال كالتيمم أو
المسح ولا ينافي كون وجوبه بسبب الأصل ثم لا بد لوجوب القيمة
من سبب وليس نفس العجز لأن سبب القضاء سبب الأداء ولئن سلم
فتعين العجز عند القضاء.
تذنيب: موضعه هنا لا يعد كما ظن المنافع ليست مثلًا معنى
للأعيان خلافًا للشافعيٍ - رضي الله عنه - والثمرة إنها لا
تضمن بالاتلاف ظلمًا وهو تصرفها وإتلاف الزوائد مضمن اتفاقًا
والخلاف في غصبها كإمساك العين بلا استعمال ليس مبنيًا على هذا
بل على أن زوائد الغصب لا تضمن عندنا لعدم إزالة اليد المحققة
وتضمن عنده لاثبات اليد المبطلة فبالإتلاف احتراز عنه وظلمًا
عن الإتلاف بالعقد كالإجارة فإنه مضمن له إنها أموال مثقومة
إما حقيقة فلحقها لمصالح الأدمي بل قيام كل مصلحة بها ى
بالذوات ولذا ما لا منفعة له ليس بمال وإما عرفا فلان الأسواق
تقوم بها كما بالأعيان فيجري المؤجرات كالمبايعات وإما شرعا
فلصلوحها مهرًا كما لو تزوج امرأة على رعي غنمها سنة لقوله
تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} والأغنام
كانت للبنت وأريد بأحدى ابنتي معينة منهما أو من اختلاف
الشرائع وتضمينها بالعقود الصحيحة والفاسدة وليس ذلك بورود
(1/214)
العقد عليها إذ لا يصير به مالا متقومًا
ليس به كالعقد على الميتة ولا لاحتياج العقد إلى تقومها والألم
تقابل المال في عقد لم يتقوم فيه كالخلع فإن منافع البضع غير
منقومة حال الخروج فدل إنها في نفسها أموال منقومة قلنا:
أولًا: ليست مالًا لأن المال ما ينتفع به لا بالإتلاف فإن
الأكل ليس تمولا ولا شيء من المنافع كذلك لأنها أعراض لا تبقي
زمانين ولا ينفع منع عدم البقاء في الأعراض بانها سفسطة لأنها
ها هنا غير قارة فلا تبقي فلا يتصور فيها الإتلاف أيضًا.
وثانيًا: ليست متقومة والتقوم شرط الضمان لأن كل متقوم محرزًا
إذ ما لا احراز له لا تقوم له كالصيد والحشيش والماء وكل محرز
باق والمنفعة ليست كذلك أما إحرازها بإحراز ما قامت هي به
فللمتلف لا للمالك فلا تضمن كزوائد الغصب عندنا على أنه ضمني
لا يضمن كالحشيش النابت في الملك.
وثالثًا: إنها وان كانت أموالًا متقومة كما زعم بعض أصحابه أن
التقوم عنده بالملكية لا بالإحراز فليست مثلًا للأعيان لأن
التفاوت بين العرض والمعروض فاحش كما بين الدين والعين لأنه
بالبقاء وعدمه لا بكثرة البقاء وقلته كما بين الحمد والبطيخ
والدراهم ثم لا نعلم مالية كل ما يقوم به المصلحة والأسواق
وتقومه لجواز أن يكون مما ينتفع به بالإتلاف أو مما يعتني
ويدخر ولو زمانين إما قياس مقابلتها بالمال المنقوم ها هنا على
مقابلتها في العقود صحت بدون التقوم بل بمجرد الاستبدال كالخلع
والصلح عن دم العمد أولًا كالنكاح والإجارة لإثبات أصل المدعي
أو قياس تقومها ها هنا على تقومها في العقد لإثبات مقدمة
الدليل ففاسدان إما لأن لزوم المال في مقابلة غير المال وكذا
تقومها ثمة بالنص لضرورة حاجة الناس على خلاف القياس فغيرها
عليها لا يقاس مع أن العين في نحو الإجارة أقيمت مقام المنفعة
إقامة السفر مقام المشقة قضاء لحوايج الناس فيما يكثر وجوده
بخلاف العدوان فإن سبيله أن لا يوجد وهذا أصح من جعل المنفعة
معقودًا عليها إذ لا يصح آجرتك منافع هذه الدار شهرًا على أن
جعل المعدوم موجودا قلب الحقيقة ليس له في الشرع استمرار واما
لأن فيها صحيحة كانت أو فاسدة إذ في التمييز خرج للعوام رضا
يوثر في إيجاب الأصول كإيجاب المال في مقابلة غير المالك في
نحو الخلع والفضول كبيع عبد قيمته ألف بألوف ولا رضا في
العدوان وكل قياس لا يقوم إلا بوصف يقع به المفارقة باطل
والذرق بين النكتتين أن الثانية أعم لدفعها القياس على العقود
الفاسدة والتي أحد عوضيها غير مال متقوم شرعًا أيضًا كالخلع إذ
لا ينظمهما التجويز
(1/215)
والتقويم الشرعيان وقيل: كل منهما لإبطال
أحد القياسين إذ خلاف القياس لا يوجد في لزوم المال لما ليس
بمال بعد تحقق الانتفاع فيهما والرضاء لا يؤثر إلى تقويم ما
ليس لمتقوم والذي يساعده عبارة المشايخ هو الأول وكل من وجهي
الخصوصية ممنوع قالوا التقوم يثبت في غير العقد أيضًا كما يجب
على واطيء الجارية المشتركة نصف العقر لصاحبه وأيضًا إبطال حق
المتعدى وصفًا وهو ظالم أولى من إبطال حق المالك أصلًا وهو
مظلوم قلنا منافع البضع ملحقة بالأعيان عند الدخول في الملك
كما سيجيء أو شبهة ملك اليمين أقوى من شبهة العقد والضمان عند
الشبهة وإلا لوجب الحد لا العقر وحق الظالم فيما وراء ظلمه
معصوم وإهداره يوجب ضرر لا وما له في الدنيا والآخرة للحوق حكم
الشرع بيع إما حق المالك فما هدرناه بل أخرناه إلى دار الجزاء
لعجزنا عن إقامته كحق الشتم والتأخير أهون من الأبطال ثم
أوجبنا الحبس والتعزيز للزجر فلا يلزم فتح باب العدوان وبمثل
غير معقول ضمان غير المال المتقوم به كضمان الآدمي به فلا
مماثلة بين المالك المتبدل والمملوك المتبدل صورة ومعنى ولذا
لم يشرع المال مثلًا وإن شرع صلحًا مع احتمال القود كما خير
الشافعى الولي بينهما في الأخير لأن القود مصل صورة بحز الرقبة
ومعنى بإفاتة الحإة واقرب إلى مقصود شرعية القصاص وهو "الإحياء
فلا يزاحمه المال ويشرعه في الخطأ صيانة للدم عن الهدر لكونه
عظيم الخطر منة على القاتل بسلامة نفسه له وقد قتل نفسًا
مغصومة وعلى القتيل بأن لم يهدر ذمة وقاتله معذور لا للبدلية
مخالفًا للقياس كالفدية لا يقال فينبغي أن لا يلحق به غيره وقد
ألحق به كل عمد تعذر فيه القصاص لمعنى في المحل مع بقائه كما
إذا قتل الأب ابنه أو عفي أحد ولييه أو صولح على شىء فالصلح
نوع عفو بخلاف موت من عليه القصاص لفوت محله فليس في معنى
الخطأ لأنا نقول المخصوص من القياس النص يلحق به ما في معناه
من كل وجه وها هنا كذلك بل أولى لأن العمد بعد سقوط القصاص
بالشبهة أحق بعدم الإهدار وإنما جاز الاقتصار على القتل المجرد
فيما مر إجماعا مع القدرة على الأصل وهو القطع مع القتل
لكونهما جنابة واحدة من جهة ومتعددة من أخرى خير بينهما ابتداء
أو يقال كان لولي القتل إسقاطهما فإسقاط أحدهما أولى بالجواز
أو خبر التنجيز الذي تمسك به يعارضه القطع وهو أن النفس بالنفس
أصل سلف وفرعان له:
1 - لا يضمن القود شاهد الزور بالعفو إذا رجع بعد القضاء ولا
قاتل من عليه الفرد وأوجب الشافعى الدية فيهما لأن القصاص ملك
متقوم وإن لم يكن مالا وإذا اعتبر صلح
(1/216)
القاتل عنه في المرض من جميع المال كما
تضمن النفس في الخطأ بالدية قلنا ليس بمتقوم لأنه ملك استبقاء
الحياة للأحياء فليس مالا ولا مما ثلاله وكون صلحه في المرض من
الجميع لأن ما يحتاج إليه في بقائه لا يتعلق به حق وارثه لا
لكونه متقومًا للولي والدية للصيانة عن الهدر وليس العفو
إهدارًا بل حسنًا شرعًا نصًا.
2 - لا يضمن للزوج من قتل زوجته الممسوسة ولا هي إذا ارتدت ولا
من شهد بطلاقها بعد المس ثلاثًا وبيانيا ويضمن عنده مهر المثل
لأن ملك النكاح متقوم ثبوتًا فيتقوم زوالا لأنه ينه كملك
اليمين بل أولى لعدم حصوله مجانًا قلنا ليس يقال فضلًا عن
التقوم والتقوم عند الثبوت لنفس البضع ضرورة بقاء العالم
وجلالة لخطره لا الملك الوارد عليه ولذا يبطل بلا شهود وولي
وعوض ويبطل خلع الصغيرة بمالها لا تزويج الصغير بماله فإن أثر
الخطر ظهر عند الاستيلاء لا عند زواله وهذه أدلة أن التقوم عند
الثبوت للخطر لا للذات وإلا لتقوم عند الزوال أيضًا كالمتقوم
بالذات فعدم إمارات الخطر دليل عدم التقوم للخطر لا مطلقًا فلا
يرد عدمها عند بطلان المتقوم بالذات وإنما يضمن شهود طلاق غير
الممسوسة نصف المهر إذا رجع لا لأنه قيمته بل في طريق متقدمي
أصحابنا لكون مهرها على شرف السقوط بارتدادها أو مطاوعة أهل
الزوج فأكده وكأنه الزمه وهو غير مرضي لأنه مؤكد قبل الوطئ إذ
النكاح لا يتعلق تمامه بالقبض ولا نعلم أن التأكيد مضمن ولذا
لا يضمن من شهد بأخذ العوض على الواهب ثم رجع فالطريق
لمتأخريهم أن عود البضع إليها بالفرقة لا من جهته ولا بانتهاء
النكاح يسقط جميع المهر فالشهود بإضافة الفرقة إليه الزموا
الزوج ذلك النصف أو قصروا يده عنه فأشبه الغصب كمن زنى بامرأة
أبيه مكرها قبل المسيس فعزم الأب نصفه يرجع به على الابن كأنه
ألزمه إياه لو قصر يده عنه والإكراه منع صيرورة الفرقة مضافة
إليها والذي يشبه الأداء قضاؤه قيمة عبد بغير عينه تزوج عليه
امراة لوجب الوسط عندنا وعنده مهر المثل لفساده بالجهالة كما
في البيع قلنا قد يثبت الحيوان دينًا في الذمة كمائة من الإبل
في الدية وكعبد أو أمة في غرقًا لجنين فينبت هنا لأن مبناه على
المسامحة بخلاف البيع والجهالة يسير يتحمل في مثله للعلم بجنسه
بخلاف الدابة والثوب غير أن الوسط لجهالة وصفه يعجز عن تسليمه
إلا بتعينه وذلك بالتقوم فصار القيمة من وجه أصلًا ومزاحمة
للمسمي فتسليمها لخلفيته بتسمية قضاء ولأصالته تعيينًا يشبه
الأداء فيجبر على قبول أيهما أتى به بخلاف العبد المعين أو
المكيل أي الموزون فإن القيمة فيها قضاء محض لا يجيز على
قبولها إلا عند تعذر الأصل
(1/217)
كالغصب ثم هذه المزاحمة لكونها انتهائية
مترتبة على العجز عن المسمي بنوع من الجهالة تضرب بعرق إلى
الخلفية كما على عبد معين فاستحق أو هلك أو أبق ولزم قيمته ولم
تفسد كما على عبد معين أو قيمته لجهالة المسمي ابتداء بجهالة
القيمة لأنها دراهم مبهمة والتردد في نفس المسمي.
التقسيم المختص بالأداء:
هو بحسب وقته إما مطلق كالزكاة والعشر وغيرهما من فرض العمر،
وإما موقت والمراد به ماله وقت محدود الأول والآخر وهوإن فضل
وقته من كل وجه فظرف وإن ساواه فقدر به زيادة ونقصانًا فمعيار،
وإن فضل من وجه دون آخر فمشكل إما فضل المؤدي عن الوقت فغير
واقع لأنه تكليف بما لا يطاق إلا لغرض القضاء وكل من الظرف
والمعيار إما سبب للوجوب أو ليس بسبب على زعم القوم وقسم من
المعيار الذي ليس بسبب ليس بشرط للأداء والباقية شروط له ولذا
عده الجمهور من المطلق كالنذر المطلق بالصوم ومنه يعلم أن
المعيارية والظرفية لا يقتضي الشرطية للأداء وكون المحال
شروطًا مسلم لكن للوجود ومن حيث هو محل مالًا للأداء ومن حيث
هو معين فالمجموع ستة أقسام:
الأول: أداء الصلاة المكتوبة ويسمى الموسع وقته ظرف للمؤدي
لفضله من أقل القدر المفروض منه وشرط للأداء لفوته بفوته وسبب
للوجوب لأمور:
1 - اختلاف الواجب الموجب لاختلاف الأداء باختلاف صفة الوقت
صحة وفسادا فإن الأصل أن يختلف الحكم باختلاف سببه كالملك
بالبيع صحة وفسادًا ليظهر في حل الوطئ وثبوت الشفعة وغيرهما.
2 - دخول لام التعليل في قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} فإنه الأصل فيها دون الوقتية.
3 - إضافتها إليه كصلاة الظهر إذ هي للاختصاص فمطلقها ينصرف
إلى كماله وذا بالسببية للوجود ولئلا يلزم الجبر نقلت إلى
سببية الوجوب.
4 - تجدد الوجوب بتجدده فإن الدوران أمارة السببية.
5 - بطلان التقديم عليه وأورد بالشرط ورد بجواز التقديم عليه
كالزكاة قبل الحول ونظر بأن امتناع تقديم المشروط على الشرط
ضروري والجواب لأن شرط وجوب الأداء فتقدم الجواز لا ينافيه
وجوابه أن المراد أن الوقت لو كان شرط الوجوب لما نافى جواز
(1/218)
الأداء قبله كالحول ولما لم يجزأ إجماعًا
علم أنه سببي.
وها هنا تحصيلات:
أ - أن معنى سببته أن الموجب وهو الله تعالى رتب الحكم
الاصطلاحي وهو تعلق الإيجاب لا الحقيقي وهو نفسه فإنه قد تم
عليه لظهور تيسيرا كما رتب الملك على الشراء والاحراق على
النار عندنا ونسبته أن حضور الوقت الشريف والبقاء إليه يصلح
داعيًا إلي تعطم الله بهيئة وضعت له أو دافعه لطغيان النفس
بمنع سؤلها أو بذل شقيقها أو بالجمع بينهما.
ب - أنه سبب لنفس الوجوب لأن سببه الحقيقي الإيجاب القديم الذي
رتبه على الوقت والأمر لطلب إيقاع ذلك المرتب الذي هو وجوب
الأداء فهو به والفرق بين اشتغال الذمة بشيء ولزوم تفريغها عنه
أو بين لزوم وجود الهيئة ولزوم إيقاعها أو بين لزوم الفعل
ولزوم إيقاعه ظاهر إما مفهومًا فلأن الفعل سواء أريد به نفس
المصدر أو الحاصل به نسبة إلى الفاعل هي باعتبار تعلقها بالفعل
يسمى وقوعًا وبالفاعل إيقاعًا وأداء فالوجوب معتبرًا في الأول
يسمى نفس الوجوب واشتغال الذمة وفي الثاني وجوب الأداء ولزوم
تفريغها وأما وجودًا فلأن الشرع على الأول بالسبب ضبطًا
للتكليف على العباد بدليل تمييز الأداء عن القضاء ووجوب القضاء
والإثم بفوتهما في نحو من أغمي عليه من قبل الفجر إلى طلوع أول
الشمس ومات قبل آخره والثاني بالمطالبة فالبدنية فيهما
كالمالية فالمراد بنفس الوجوب لزوم الوقوع عن ذلك الشخص وهو
لازم الايقاع في ذلك الوقت لكن وجوب اللازم لا يقتضي وجوب
الملزوم كما في آخر جزء من الوقت ومبناه أن شرط التكليف ليس
الاستطاعة بل القدرة بمعنى سلامة الأسباب والألات بل توهمها
ففي المغمى عليه والنائم في جميع الوقت نفس الوجوب متحقق
والألم يلزمهما القضاء ولا الاثم بفوتهما والوجوب في الجملة لا
على هذا الشخص لا يقتضي تأثيمه بالترك فكيف بالفوت وليس ذا
بالخطاب لأنه لمن لم يفهم لغو فبالوقت إذ غيرهما مع أنه لا
يصلح سببًا بالإجماع وحصول العلم بسببية الوقت من الخطاب لا
يقتضي كون نفس الوجوب بالخطاب ولا ينافي تقرر السببية في حق من
لا يفهمه كما أن حصول العلم بأن الإتلاف سبب الضمان والنكاح
سبب الحل لا يقتضي كون سببهما الخطاب ولا ينافي تقرر سببيتهما
في حق الصبيان والمجانين أما وجوب الأداء فذكر فخر الإِسلام
هنا أنه متراخ إلى زوال الغفلة وفي شرح مبسوطه أنه متحقق على
وجه يكون وسيلة إلى وجوب القضاء
(1/219)
بتوهم حدوث الانتباه على نحو توهم القدرة
في الجزء الأخير في نفس الوجوب لإيجاب القضاء ومبني الطريقين
أن القضاء مبني على نفس الوجوب أو وجوب الأداء وجه الأولى أن
وجوب الأداء بالخطاب وخطاب من لا يفهم لغو ولو يفعل بعد زوال
الغفلة إن أريد الإقدام الآن على الفعل بعد وإن أريد الإلزام
الجبري بعده فذا نفس الوجوب أو الإلزام الآن وطلب الفعل فذا
تعجيل نفس الوجوب وتأخير وجوب الأداء الذي هو المدعى، وخطاب
المعدوم أيضًا على هذه الاعتبارات وبذا صح بعث النبي عليه
السلام إلى قيام القيامة وجه الثانية إن وجوب الأداء عليهما
بعد فوت وقت الأداء غير معقول وإن القدرة الممكنة تشرط له لا
لنفس الوجوب ولا للقضاء كما ستعلم فيلزم أن لا يشترط فيهما وإن
القضاء وإن سلم ترتبه على نفس الوجوب فيتوسط وجوب الأداء أو
فوت الأداء الواجب فيتحقق فيهما متراخيًا عن نفس الوجوب إلى أن
يتضيق بحيث يسع للأداء بتوهم الانتباه ليجب القضاء وكذا في
المريض والمسافر لأن الخطاب لهما بالتاخير إلى العدة لكن على
وجه الجواز بدونه بالحديث ووجوب الأداء فيها لا ينافي جوازه
قبلها به وبدلالة الترخص ولا نفس الوجوب قبلها لما مر أن وجوب
الوقوع لا يستلزم وجوب الإيقاع كما في النائم ويكون إتيانًا
بالمأمورية لكفاية الجواز في ذلك كما في الموسع والمخير وكذا
في البيع بثمن غير معين فنفس وجوب الثمن في الحال وإلا اجتمع
البدلان في ملك المشتري ووجوب الأداء عند المطالبة لا سيما مع
الأجل وكما إذا أتلف الصبي المال فنفس الوجوب عليه ووجوب
الأداء على وليه لأنه المطالب ومثله وجوب المهر في النكاح
ووجوب التسليم في ثوب ألقته الريح في حجر إنسان وهذا أوفق لأن
الوجوب جبري ووجوب الأداء متراخ إلى الطلب.
ج- أن السبب ليس كل الوقت وإلا فلو وقع الأداء فيه لتقدم على
سببه أو بعده فتأخر عن وقته وكلاهما لا يجوز ولا مطلق الوقت
يمعنى صحة سببية، أي وقت كان وإلا لصح سببية كل الوقت وقد بين
امتناعه ولما فسد المؤدي بفساده إذ لا فساد في المطلق من حيث
هو فبعد الكل لا يتخطى عن القليل وهو الجزء الذي لا يتجزى بلا
دليل إذ لم يرد شرع بمقدار مخصوص ولا يقتضيه عقل فيكون أول جزء
منه إذ لا يزاحمه ما بعده المعدوم لكن لا على وجه تقرر السببية
إذا لم يتصل به الأداء وفيه خلاف الشافعي في قول وإلا لا نعلم
بتأخيره ولم يجب على من صار أهلًا بعده ولم يتغير أحكامه بعده
بنحو السفر والحيض وضدهما فأفاد نفس الوجوب وصحة الأداء خلافًا
لأكثر العراقين من
(1/220)
أصحابنا فإن الوجوب عندهم بآخر الوقت لكونه
المعتبر في تغير الأحكام قلنا ذلك لتقرر المسببة لا لأصلها ثم
قال بعضهم المؤدى في أوله نقل يمنع لزوم الفرض كالتوضؤ قبل
الوقت.
قلنا: قياس المقصود على الوسيلة وبعضهم موقوف إن بقي إلى الآخر
مكلفًا كان فرضًا وإلا فنفلا كالزكاة العجلة حيث يستردها
المالك قائمة من الساعي لو لم يحصل عند الحول ما بها بلغ قضايا
وإن تصدق بها كانت نفلًا ولو بقي كانت فرضًا قلنا بنافيه
الأحكام كالنية وغيرها وإنما لم يفد وجوب الأداء فلو مات في
أوله لا شىء عليه لأنه متراخ إلى وقت الطلب وهو أن يتضيق بحيث
لا يسع فيه إلا فرض الوقت فحينئذ ينتهي التخير ويتحقق المطالبة
ويأثم بالتأخير إجماعًا وإن لم يتقرر السببية فاستحقاق الأداء
قبل الجزء الأخير لاحتمال تقرر السببية على اعتبار الأداء
فالتأثيم بتركه للزوم التفويت بخلاف ما قبل التضيق إلا عند زفر
ونظيره الزكاة بعد الحول لا يطالب على الفور ولكن بشرط أن لا
يفوته عن العمر وفي آخره يتعين ويأثم حاصل وقال الشافعي رحمه
الله في رواية وجوب الأداء أيضًا فيه إذ هما معنى واحد في
العبادات البدنية وقد مر فساده والثمرة في تغير الأحكام فمن
حاضت بعد قدر يسع فيه فرضه لا يسقط قضاؤه عنده ثم أن اتصل
الأداء به تقررت السببية عليه وإلا انتقلت جزعًا فجزعًا إلى ما
يلي الأداء لكونه أولى بدلًا عما فات ولا يزاحمه ما هو آت لا
على جميع ما سبق لأنه عن القليل بلا دليل والمنتفى عن الأول
تقرر السببية والمنتقل أصلها فلا منافاة وهذا الموقوف على
الأداء تقرر السببية لا أصلها فلا دور يتوقف الأداء على الوجوب
الموقوف على السببية ثم إذ انتهت السببية إلى الجزء الأخير
استقرت فيه إن وليه قدر الشروع وإن كان تأخير التخيير إلى أن
يتضيق الوقت بالإجماع وهذا السببية عند زفر رحمه الله، وإلا
كان تكليفًا بما لا يطاق وسيجيء جوابه إن شاء الله تعالى،
فيعتبر حال المكلف عنده في الحيض والطهر والصبا والبلوغ والكفر
والإِسلام وغيرها ويعتبر صفته في حق الصلاة كمالًا كما في
الفجر فبطلوعها يبطل فرضيته عندهما، وأصله عند محمَّد رحمه
الله ونقصانًا كما في العصر فبغروبها لا تبطل وقاس الشافعي
رحمه الله تعالى الفجر على العصر ولحديث أبي هريرة - رضي الله
عنه - وفرقنا من وجوه:
1 - أن نقصان الأوقات الثلاثة لوقوع عبادة الشيطان فيها بعبادة
الشمس وكانوا يعبدونها بعد الطلوع وقبل الغروب فقيل الطلوع
كامل فيفسد ما التزم فيه باعتراض الفساد عليه وقبيل الغروب
ناقص لا يفسد ما استؤنف فيه بذلك.
(1/221)
2 - أن في الطلوع دخولًا في الكراهة وفي
الغروب خروجًا عنها إذا الطلوع بظهورها حاجبها والغروب بخفاء
آخرها.
3 - إن العصر يخرج إلى وقت الصلاة لا الفجر والحديث مؤول بأنه
لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت وإن قل وباؤه رواية فيتم
صلوته فالصحيح تأويل الطحاوي أنه كان قبل نهيه عن الصلاة في
الأوقات الثلاثة وليس ذلك نهيًا عن التطوع كما بعد الفجر
والعصر إذ قضاء الفوائت فيها لا يجوز ولذا انتظر عليه السلام
غداة ليلة التعريس إلى ارتفاع الشمس ولا يرد مد العصر من أول
وقته إلى أن تغرب قبل الفراغ حيث لا يفسد لأن شغل كل الوقت
بالعبادة عزيمة فاتصال الفساد بالبناء جعل عفوًا للمقبل عليها
لحصوله حكمًا قصدًا كمن قام إلى الخامسة في العصر يستحب له
الالقام بخلاف الابتداء وعدم مقصوديته هو معنى تعذر الاحتراز
عنه إذ لو أريد تعذر ترصد الموافقة بين آخر الصلاة والوقت كما
ظن لم يكن إلى حديث البناء والاستشهاد بالقيام إلى الخامسة
حاجة فالمراد اتصال الفساد البنائي بمجموع وقتى الاحمرار
والغروب لا بالثاني فقط وبه تحقق أن بناء الفساد لازم الأخذ
بالعزيمة لأن ابتداء الفساد من الوقت والباقط مبني على مثله
فلا يشكل بالفجر إذ لا فساد في شيء من وقته، وقيل: كل جزء من
الوقت سبب لكل جزء من الصلاة يلاقيه وهذا يشكل بالفجر ثم لو لم
يؤد في آخره أيضًا انتقلت إلى كل الوقت في حق تكامل اللازم
وعدمه لا في حق لزوم أصله أو وسفه لأن الضرورة الصارفة اندفعت
ولا فساد فيه فوجب القضاء كاملًا فلا يقضي عصر الأمس لا في محض
الوقت الناقص ولا بالشروع في الكامل وختمه فيه لأن ذات الوقت
لا نقصان فيه وإنما يعتبر ناقصًا بوقوع الأداء فيه تشبيهًا
بعبادة عبدة الشمس فإذا مضى خاليًا عنه كان كسائر الأوقات وبه
يندفع الإشكال بأن الكل ينقص بنقصان البعض وبنحو إسلام الكافر
وقت الإحمرار تم قضاء العصر في اليوم الثاني فيه لو ثبت أنه لا
يجوز ويقرب منه الجواب بأن الفوات عن الوقت وصيرورته دينًا في
الذمة توجب القضاء مطلقًا عن الوقت ولذا لا يجوز قضاء الاعتكاف
في الرمضان الثاني وإنما ورد المنع فيها عما هو قربة مقصودة من
شأنها شدة الرعاية واللزوم المطلق فلا يرد جواز سجدة التلاوة
والنفل في أحدها بعد وجوبها في الآخر لأنها ليست قربة مقصودة
وإن وصفوها بها بمعنى آخر ولذا لا يجب بالنذر والركوع ينوب
عنها إنما المقصود منها ما يصلح تواضعًا وباب النفل واسع ولذا
تجوز قاعدًا وراكبًا موميا مع القدرة وسره ما سيجيء أن منعته
جبرت خرج عمومه لزومه
(1/222)
بالشروع لضرره صون المؤدي عن البطلان فلا
يظهر في تكامل اللازم لا حالًا ولا مالًا.
ثم لا مدخل السببية كل الوقت في القصر ونحوه ولذا لو سافر في
آخره وفاتت يقصر مع أن السبب كل الوقت، وله أحكام:
أ - أن جزأ من الوقت إما يتعين للسببية ضمنًا بالأداء لا تصدا
بالقلب ولا تصدا بالفعل كخصال الكفارة لأن تعيين شرط أو سبب لم
يعينه الشارع بنزع إلى الشركة في وضع المشروعات ولأن الإبهام
لارتفاق العبد وتعيينه ينافيه إذ ربما لم يقدر على ما يعنيه.
ب - أن تأخير الواجب عنه بفوته لأنه شرط الأداء.
ج - جواز غير ذلك الواجب فيه لظرفيته معلومة في ذمة من عليه
ومنافعه ملكه فيجوز صرفها إلى غيره كالمديون لا ينفى وجوب دين
آخر أو قضاء وكان هو المشترك.
د - اشترط النية لأن الأداء به بصرف ماله إلى ما عليه في الوقت
كما أن القضاء ذلك بعددها.
هـ - تعيين النية بفرض الوقت ليمتاز من سائر المحتملات وذلك
بالقصد القلبي
وندب الذكر والاعتبار للقلب والأصح أن ذكر فرض الوقت شرط.
و- عدم سقوط التعيين بضيق الوقت لثبوته أصلًا سابقًا حين توسعه
فلا يزول بعرض كالاغماء والجنون أن لم يوخذ قصدًا لأن العوارض
لا تعارض الأصول كما لا تعارض الدخول في دار الحرب إذ قتل أحد
المسلمين الآخر فيها العصمة الثابتة بدار الإِسلام ولا
بالتقصير أن آخر قصد الآن سقوطه ترفيه لا يستحق بالتقصير ولأن
سبب وجوب التعين باق عند ضيفه إذ لو قضى فرضًا أو أدى نقلًا
عنده جاز.
الثاني: أداء صوم رمضان ويسمى المضيق وقته معيار لأنه مقدر به
فلا يزيد ولا ينقص ومعرف به إذ النهار جزء مفهومه فلا ينقص عنه
أو معروف مقداره به كالكيل أي مقدر به عندنا كما في نفس الأمر
بخلاف الظرف وسبب لوجوبه لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: من الآية 185) والترتيب على
المشتق آية عليه المأخذ ولصحة الأداء للمسافر ولا خطاب في حقه
فبالوقت إذ لا ثالث بالإجماع، ولسائر الطرق الأربعة السالفة
فعند الأكثر الجزء الأول من كل يوم سبب لصومه لأن كل عبادة
منفردة يتحلل بينها المنافي وذهب السرخسي إلى أن السبب مطلق
شهود الشهر لظاهر النص والإضافة فأول جزء منه لئلا يتأخر ولذا
يجب على أهل جن في أول ليلة قبل الصبح وأفاق بعد الشهر القضاء
وسببية الليل لا يقتضي جواز الأداء فيه كمن أسلم في آخر
(1/223)
الوقت ولظاهر قوله عليه السلام «صوموا
لرؤيته» (1) فإن المرد شهود الشهر لا حقيقتها إجماعا وشرط
لأدائه لما مر.
وله أحكام:
أ - أن لا يشرع غيره فيه لأن الشرع لما وجب شغله به ومعايرته
ينفي التعدد انتفى غيره فقالا لو نوى المسافر واجبًا آخرًا
والنقل أو أطلق وقع عنه لأن نفس وجوبه ثابت عليه لعموم سببه
بعموم نصه ولذا صح بلا توقف كالحج من الفقير لكمال سببه وهو
البيت بخلاف الظهر المقيم يوم الجمعة في منزله والصلاة في أول
الوقت على قول والزكاة قبل الحول لوجود سببها ذاتًا وهو النصاب
لا وصفًا وهو النماء وفيه خلاف الظاهرية وحديثهم معارض بحديث
أنس - رضي الله عنه - فيؤول بأنه عند خوف الهلاك كما هو مورده
غير أن الشرع خص الترخص له بالفطر فالصوم الآخر نصب المشروع
لانقياد الشرع فانعدم تعيينه كتبة الوصال وكذا المريض وقال بل
عما نوى من واجب آخر إذ لا نعلم التخصيص فإنه إذا رخص تخفيف
لإصلاح بدنه فلا صلاح دينه وهو قضاء دينه أولى ومشروعيته في
حقه لا مطلقًا بل أن أتى بالعزيمة ولأن وجوب الأداء ساقط عنه
فصار في حقه كشعبان ففى النفل روايتان بالنظر إليهما والأصح
رواية بن سماعة وقوعه عن الفرض لا رواية الحسن قيل وكذا إطلاق
النية والأصح فيه وقوعه عن رمضان رواية واحدة لأن الترخيص
بتركه أو صيرورته كشعبان لا يتحقق بلا تصريح بغيره إما المريض
فروى الكرخي أنه كالمسافر وهو المختار في الهداية، وأوله
السرخسي بأنه فيما يضره الصوم كالحميات المطبقة ووجع العين
والرأس وغيرها فتعلق ترخصه بخوف ازدياده إما فيما لم يضره
كفساد الهضم والمبطلون فيتعلق ترخصه بحقيقة العجز لدفع الهلاك
فإذا صام ظهر عدم عجزه وفات شرط الرخصة فيما لم يضره أصلًا
وفيما يضره فبازدياد المرض كالمسافر وبخوف الهلاك كالصحيح وهذا
أوضح من تأويل السرخسي وأقرب إلى التحقيق من قول شمس الأئمة أن
الصحيح عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن المريض مطلقا
كالصحيح.
ب- أن تعيينه لا يغني عن تعيين العبد باختياره لكونه قربه وقال
زفر رحمه الله تعالى التعين أوجب كون منافع العبد مستحقة لله
تعالى لأن الأمر بالفعل متى تعلق بمحله بعينه فعلى أي وجه وجد
الفعل وقع عن الجهة المستحقة كالأمر برد المغصوب والودايع
وكهبة النصاب من الفقير المديون أو متفرقًا أو متعددًا أو على
قوة مذهبهم وعمل أجير الموحد
__________
(1) أخرجه البخاري (67412) ح (1810)، ومسلم (76212) ح (1081).
(1/224)
مطلقا والأجير المشترك في عين تعلق العقد
به قلنا المراعي في العبادة ليس صورتها فقط بل ومعنى القربة
ولا يحصل ذا بالجبر بل بصرف ماله على ما عليه وليس إلا بالنية
فاندفع الكل إلا هبة النصاب وهي بجعل مجازًا عن الصدفة
استحسانا لأنها عبادة تصلح له ولذا لا يتمكن من رجوعها أو نقول
معنى تعيين الشرع نفي مشروعية المصرف إلى غيره أو عدم الصرف
إلى شيء لاستحقاق منافعه وإلا كان جبرًا بخلاف غير العبادة
والاختيار في نفس الفعل غير كاف بل في الصرف على الجهة
المطلوبة وموضع الخلاف المقيم الصحيح إذا لم يحضره النية بشيء
إما في المسافر والمريض وعند نية التهتك لا صوم بالاتفاق
والكرخي ينكر أن هذا مذهبه ويحمله على كفاية النية الواحدة
للشهر كقول مالك رحمه الله تعالى.
ج- أن تعيين أصله بالنية كاف والخطأ في وصفته كنية النفل أو
واجب آخر غير مضر وقال الشافعي وصفه متنوع فرضا ونفلا وعبادة
توثر في زيادة الثواب والعقاب كأصله فيشترط النية له نفيا
كالتحيز كما فيه كالصلاة ولا يرد حج الفرض حيث يتأدى بمطلقها
إجماعًا وبنية النفل عندي لأنه ثبت بدلالة حديث شبرمة مخالفا
للقياس وأمر الحج عظيم الخطر لا يمكن إلحاق الصوم به قلنا
بموجب العلة مسلم لكن التعيين الشرعي جعل الإطلاق تعيينا لا أن
التعيين موضوع كالمتعين في مكانه ينال باسم جنسه والشرع اعتبر
الصوم موجودًا وإلا يصب باسم نوعه أو معقوليته كافية ولذلك جعل
نية الوصف المخالف لغوا مع ما يتضمنه من الأعراض إذ إبطال
الأصل لبطلانه قلب المعقول فيبقى الإطلاق المعتبر موافقًا كما
في الحج والمسألة مصورة فيما شك في اليوم الأول من رمضان فنوى
نفلا أو واجبا آخر ثم تبين أنه منه وإلا فالإعراض لتضمنه أن لا
أمر من الله تعالى بالصوم يخشى عليه الكفر كذا الرواية.
أن تثبيت النية ليس بشرط بل اقترنها بأكثر النهار كاف وقال
الشافعى رحمه الله تعالى وجب شمولها كصوم القضاء بل أولى
لإيجابه الكفارة دونه لأن أجزائه أيضًا قربة فيفسد لخلوه عن
النية وسرى إلى الباقي لعدم التجزي لدخول إمساكات الأجزاء تحت
خطاب واحد وإن تعدد وهو {أَتِمُّوا الصِّيَامَ} (البقرة: من
الآية 187) ومثله يأخذ حكم الوحدة نحو فاطهروا في جواز نقل
البله بخلاف أعضاء الوضوء ووجب ترجيح الفساد احتياطيا والنية
المتقدمة تتعلق بالكل والمعترضة لا تتقدم كما في الصلاة وفيما
بعد نصف النهار إلا في النفل لأنه منجز عندي قلنا لما ينجز صحة
وفساد أو سقط قرن النية أوله وكله للعجز
(1/225)
إجماعًا صار ابتداؤه كبقاء الصلاة في
التعذر وبقاؤه كابتدائها في عدمه فالعجز إذا جوز فصل النية عن
الركن بالتقديم ولهما فضل الاستيعاب تقديرا ونقصان موجب
الإخلاص حقيقة وهو الاقتران بالأداء فلان يجوز العجز الموجود
في حق البعض بالإقامة بعد الصبح وفي حق الكل بعدم النية من
الليل لا سيما ناسيا وفي يوم الشك لأن النية الفرض حزام والنفل
لغو عنده فضل النية مع وصله بالركن أولى إما لأن نقصانه نية
بقليل ورجحانه حقيقة في الإخلاص بكثير قائم مقام الكل فبذا يجب
الكفارة للفطر كما روى عنهما ولا ضرورة داعية على ترك هذا الكل
التقديري ولئن وجدي فليس له خلف فلم يجوزه بعد الزوال وترجيحنا
بالكثرة في الوجود فهو أولى من ترجيحه بحال الفساد كما سيجيء
وفضل تقديمها للمسارعة وإما لأن صيانة فضيلة لا درك لها ولا
خلف ولا تفض إلى ترك أخرى أخرى واجبة وإن كان بنوع من الخلل
كفضيلة الوقت ولذا قالوا التجويز مع الخلل أولى من التفويت
كالعصر وقت الاحمرار والأداء مع النقصان أفضل من القضاء
كالاعتكاف المنذور في رمضان وإن لم يكن مع الصوم القصدي ويدل
عليه قوله عليه السلام "من فاته صوم يوم من رمضان لم يقضه صيام
الدهر كله (1) " وليس هذا قولًا بإسقاط الشرط لإدراك الفضيلة
بل بمشروعية النية على وجه لا يفضى إلى تركها كما كان بالتقديم
على وجه لا يودي إلى فساد الصوم وقلنا لإدراك لهما ليخرج صوم
القضاء ويفسد القياس عليه إذ لا ضرورة إلى صيانة وقته
لاستوائها في حقه قلنا شرط التثبيت فيه ولا خلف لها ليخرج
فضيلة غسل الرجل لأن المسح خلفه بدون شرط التعذر وتعجيل الصلاة
أول الوقت ونحوهما ولا تفض على ترك أخرى ليخرج فضيلة الوقت أو
الجمعة أو الجماعة في عدم جواز التيمم لخوف فوتها إذ يقضى إلى
ترك الأداء بالتوضي ورعايته أخرى لما علم أن الطهارة أهم
الشروط ولذا لا تترك بلا خلف بخلاف فضيلة الوقت ولا مع خلف إلا
عند تعذرها بخلاف الجمعة أو الجماعة لا يقال فلها خلف وفضيلة
الوقت لا خلف لها فهي بالرعاية أخرى والقضاء خلف للأداء لا
لفضيلة الوقت لأنا نقول عند وجدان الماء لا خلف لها أيضًا فلا
يعتبر الماء الموجود معدوما بفوت فضيلة العبادة وإن
__________
(1) أخرجه البخاري معلقًا (2/ 683)، والترمذي (3/ 101) ح
(723)، والدارمي (2/ 19) ح (1715)، والبيهقي في الكبرى (22814)
ح (7854)، وأبو داود (2/ 314) ح (2396)، والنسائي في الكبرى
(2/ 244) ح (3278)، وابن ماجه (1/ 535) ح (1672)، وابن أبي
شيبة في مصنفه (3/ 110) ح (12569)، والإمام أحمد في مسنده (2/
386) ح (9002).
(1/226)
اعتبر لفوت أصلها كما في صلاة الجنازة
والعبد وإنما قيدنا الأخري بالأخرى ليخرج جواز ترك الترتيب عند
تضيق الوقت؛ لأن فضيلة الوقت لثبوتها بالقطعي أخري بالرعاية من
فضيلة الترتيب الثابتة بالظني ولذا اتفق ثمة واختلف هنا ولذا
لا نعمل بالواجب على وجه يقضي إلى ترك الفرض وإنما لا نترك
فضيلة الترتيب للجمعة أو الجماعة لأنها أقوى إذ مجرد تركها
يبطل الصلاة دون مجرد تركهما أو لأن وقتهما بعد قضاء الفائتة
إلا مع الضيق ونحوه، ثم هذا الترجيح كترجيح الخصم بالحال فيضعف
تعارضنا به ويوجب عدم الكفارة كما روى عن أبي حنيفة - رضي الله
عنه - بخلاف الترجيح الأول بالذات والأصح أن يقال التمسك في
صحة نية صوم رمضان في النهار بضرورة صيانة فضيلة الوقت يوجب
عدم لزوم الكفارة لئلا يتعدى عن موضع الضرورة وما قلنا بتقديم
النية المتأخرة بل يتوقف الامساك على وجود النية في الأكثر وذا
طريق مسلوك كتصرفات الفضولي ولتعليقات والوقتية المؤداه مع
تذكر الفائتة عند الإِمام ولا بالإسناد وإن قيل به اعتبارا
بالخيار في البيع لأن أثره إنما يظهر في الموجود لا المعدوم
حتى لو هلك ما زاد بعد خيار المشتري في يد البايع ثم أجاز لا
يسقط بمقابلته شيء من الثمن بل لإقامة الأكثر مقام الكل فإن
النية يجب فيما قبل نصف النهار الصومي المعتبر من طلوع الفجر
وهو الضحوة الكبرى فالأصح أن لا تصح أو نوى بعدها وقبيل الزوال
ولا بفساد الجزء الأول لاحتمال صحته بالنية التقديرية لكون
الامساك فيه أيضًا قربة تقديرية ولحقيقه أن الصوم قهر النفس
بترك غذائه وتأخير عشائه إلى الغروب فكان ابتداء الركن من
الضحوة معنى وما قبلها إمساك معتاد لا مشقة فيه لكن لا بد منه
لتحقق الركن فكان تبعًا لا مشقة فيه لكن لا بد منه لتحقق الركن
فكان تبعًا فيستتبعه نية تقديرًا كما يستتبع الأمير العكر
والمولى العبيد في نبذ الإقامة.
هـ - أن يقدر الصوم بكل اليوم لمعياريته ولذا لا يقدر النفل
ببعضه حتى لو أسلم أو ظهرت بعد الفجر لا ينتقل بصوم ذلك اليوم
فلا يتأدى بالنية بعد الزوال بل قبله وقال الشافعى - رضي الله
عنه - يصير صائمًا من حين نوى فيجوز بنية بعده في قول ومع
المناني في أوله في قول لكن بشرط عدم الأكل ليحصل مخالفة بنية
بعده في قول ومع المنافي في أوله في قول لكن بشرط عدم الأكل
ليحصل مخالفة هوى النفس إلا عند القاشاني وذلك لأن مبنى النفل
على النشاط ولذا لم يقدر الصدفة النافلة بخلاف الواجبة وقد وجد
في الشرع إمساك بعض اليوم كما في الأضحى قلنا لتعظيم الضيافة
بأن يقع أول المتناول من طعامها
(1/227)
ولذا لم يثبت في القرى لجواز التضحية بعد
الصبح.
الثالث: كأداء الصلاة والصدقة المنذورتين في يوم بعينه وقته
ظرف للمؤدي وشرط للأداء بمعنى فوته بفوته وسبب لوجوب الأداء
وليس سببا للوجوب فإن سببه النذر وقيل: سبب لأن البقاء على كل
وقت نعمة يستدعي الخدمة شكرًا غير أن الشرع رخص بتخصيص الإيجاب
ببعض الأزمنة فإذا نذر أو شرع فقد أخذ بالعزيمة فإن النذر
كالخطاب والوقت كالوقت وهذا يناسب قول محمَّد في العبادات
البدنية حيث لا يجوز تقديمها على أوقاتها المعينة لا في
المالية خلافا لزفر وكذا الخلاف في تعيين المكان والفقير
والدرهم له أن أفعال العباد قد تخلو عن الحكم لعدم علمهم فلا
يعتبر معانيها بل ألفاظها فيعتبر كل تعيين في النذر ببدنية أو
مالية كما في النذر المعلق والمشروط والوصية التصدق على معنين
إلا في رواية المحيط والأمر بتطليق امرأته هذه السنة بخلاف
أوامر الله تعالى لاستحالة خلوها عن الحكم فيعتبر معاينها
والأصل لنا أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فله أن
إيجاب الله تعالى يوجب امتناع تقديم النية على أوقاتها المعينة
بخلاف المالية كالزكاة وصدقة الفطر فكذا هذا يؤيد أن النذر جعل
ما هو مشروع الوقت نفلا واجبًا والتعين بغير الوقت لم يشرع
نفلًا إما يتبدل الوقت فيتبدل المشروع قلنا كون النذر معتبرا
بإيجاب الله تعالى من جهة ما هو قربة فإيجاب الله يستلزمها
مطلقا وإن عجزنا عن درك كيفيته لأن الامتثال يستلزم التعطم
إيجاب العبد يعمل فيما اشتمل عليها ولذا لا يجب به ما ليس من
جنس القربة المقصودة فضلًا عما ليس من جنس القربة كالنذر
بالمعصية وبما ليس شيئًا منهما كصوم الوصال ولا جهة لها في
تعيين الوقت والمكان والفقير والدرهم حتى فرق أبو حنيفة - رضي
الله عنه - في أن من نذر صوم رجب فاستوعبه الجنون قضى بخلاف
ومضان بأن لا قربة في تعيين العبد بخلاف تعيين الله تعالى فلا
يكون للوقت المعين مدخل في سببية نفس الوجوب بل في سببية وجوب
الأداء كما في الزكاة تيسيرا على العباد ولذا لو قال في الصحة
ما ذاب لك على فلان فعلى فوجد الشرط في مرضه يلزمه من جميع
المال فإذا عجله كان بعد نفس الوجوب فجاز وأيضًا لا يعتبر
تعيين ما إلا من حيث يتعلق به ما هو المقصود وهو التيسير فلو
هلك لدرهم المعين سقط ولو مات قبل الوقت المعين لا يلزمه أن
يوصى إلا فيما يروي في الخلاصة وعلى ذلك جوازًا لصوم بمطلق
النية وبها قبل الزوال وإن جاز لمن نذر صوم يوم النحر أداؤه
فيه إما إذا تعلق التيسير بعدم اعتباره فلا كما في جواز
التعجيل لاحتمال العجز في الوقت أو الموت قبله وجواز التصدق
بمثله
(1/228)
أو الاعتكاف في مسجد آخر، ولو كان الوقت
سببا لما صح نذر صوم يوم العيد لأنه التزام الحرام كما لا يصح
نذر صوم يوم الحيض أو يوم الأكل إجماعًا وصوم يوم الخميس أو
غدًا فوافق حيضها إلا عند زفر رحمه الله تعالى بخلاف صوم يوم
يقدم فلان فأكل أو حاضت فيه فقدم فعندهما يقضي لأنه التزام
منكر ذاتا لا عند محمَّد وزفر رحمه الله تعالى لأنه معروف وصفا
كما قبله وإنما لا يقدم في المعلق والمشروط لوقوعه قبل الشرط
والسبب والمضاف سبب في الحال ولا في الوصية والتوكيل لأن
صحتهما لا بمعنى القربة بل بمعنى التمليك فعلم أن هذه المباحث
آتية في الرابع أيضًا بل إلا ظهر في الصوم قول محمَّد إذا
الوقت جزء مفهومه فلو لم يعتبر ذلك الوقت لم يكن الصوم عين
الملتزم ولذا لم يلزم الصوم في الوقت المكروه بالشروع لفساد
ذاته ولزمت الصلاة به فيه لأن الفساد في وصفها الخارج وهو يكون
وقتها منسوبًا إلى الشيطان أيضًا إذا نذر به فيه وإن خرج عن
العهدة بالأداء يحكم عليه بلزوم الإفطار وقضائه بل بعده اللزوم
في روايه ابن المبارك عنه كمذهب زفر والشافعى أما إذا نذر بها
فيه حكم بأدائها لأنه كما التزم لكن لم يفضل على القضاء لأن
الفساد وإن لم يكن في المقوم ففط السبب فينقص بخلاف الصلاة في
الأرض المغصوبة فإنها كاملة يؤدي بها ما وجب كاملا لأن الفساد
لا في المقوم ولا في السبب.
فرع: عين درهما لفقير غدا فصرف اليوم غيره لأخر حتى لفقراء مكة
فصرف إلى فقراء بلخ أو أن يتصدق به خبزًا فتصدق به لحما صار
أداء خلافا لزفر رحمه الله تعالى وكذا لو نذر صلاة أو صدقة أو
غيرهما في مكان فادة، في أفل من شرفه أو أن يعتق نسمة فاعتق
خيرًا منها إلا فيما روى هشام في النسمة أو نذر أن يصلى بغير
قراءة أو ركعة أو نصفها أو ثلاثًا يلزمه بها وثنتان وأربع إذا
لتعيين لغو لعروضه والتزام بعض ما لا يتجزى التزام لكله وعنده
ليس بلغو فلا يصح نذر غير المشروع فالأول هدر وفي الرابع يلزم
شفع وإنما أهدر محمَّد رحمه الله تعالى نذر ركعتين بغير ظهر
بخلافهما لأن الصلاة بغير طهارة لم يشرع أصلًا بخلافها بغير
قراءة وذكر في القنية نذران يصلي سنة الفجر أربعًا لا يلزمه
ولزمه أن يصلى أربعًا في وقت آخر كصوم يوم النحر.
وأقول: كان فساده أقوى مما في الأوقات الثلاثة ولذا شبهها
بالصوم لأن الشرع اعتبر التنفل فيه إعراضا عن تكميل التوجه إلى
الفرض كما اعتبر الصوم فيه إعراضًا عن الضيافة التي له بل أقوى
ولذا حكم بعدم اللزوم فما فعله في وقت آخر أداء لا قضاء كأداء
الصدقة المنذروة قبل ما عين من وقتها.
(1/229)
الرابع: أداء الصوم أو الاعتكاف المنذورين
في وقت بعينه ويلحق به الحج المنذور في سنة بعينها وقته معيار
لا سبب إذ سببه النذر واستوصوب إلحاقه بالخامس وفيه ما عرفته
أن المناسب لمذهب محمَّد رحمه الله تعالى كون النذر سبب وجوب
الأداء والوقت سبب نفس الوجوب معتبرًا بإيجاب الله تعالى كيف
وبين القسمين فروق في الأحكام إذ هو شرط للأداء بمعنى فوته واذ
من حكمه أن لا يبقى صوم الوقت نفلا لمعياريته فيصاب بمطلق
الاسم ومع الخطأ في الوصف ويصح نيته قبل الزوال لكن إذا نوى عن
واجب آخر نوى عن واجب آخر وقع عما نوى لأن التعيين بولاية
الناذر يؤثر في حقه ولا يعدوا إلى حق صاحب الشرع كمن سلم مريدا
لقطع الصلاة وعليه سجدة السهو لا يعمل إرادته.
الخامس: أداء صوم الكفارة والنذر المطلق ونحوه من القضاء قضاء
الصوم عد من الموقت باعتبار تحد ذوقته بطرفي النهار بخلاف
المطلق وقت معيار فقط لا شرط للأداء إذ لا قضاء له ولا سبب بل
اعتبر السبب وقت النذر لم يبعد ومن حكمه وجوب النية لكونه قربة
وتبيينها لأن الموضوع الأصلي في غير المعين النفل فماذا لم
يبينها وقع المساك منه فلا ينتقل وبه أيضًا يعلم فساد قياس
الخصم صوم رمضان عليه وان لا يفوت حتى بموت إذ ليس وقته معينا
بل محددا فقط وإن لا ينطبق عليه الوقت ذكره فخر الإِسلام في
شرح التقويم وهو الصحيح لا ما روى عن الكرخي أنه يتضيق عند أبي
يوسف كالحج.
السادس: أداء وقته مشكل لاشتباهه بوجوه:
1 - إذا فات عن العام الأول أشكل أداؤه لأن إدراك العام الثاني
من عدمه غيره معلوم فلو مات فات فهو ظرف في نفسه وهو المذكور
في التقويم.
2 - أنه مع ظرفيته لأنها أفعال عرفت بأسمائها وصفاتها وهيئاتها
وترتيبها وكل عبادة كذلك فوقتها ظرف يشبه المعيار إذ لم يشرع
في سنة إلا فرد منه.
3 - أنه مع ظرفيته عندهم كما سيجيء انه متردد بينها لتوسيع
محمَّد وبين المعيارية لتضييق أبي يوسف ذاك مع التاثيم بالموت
بعد التأخير لا كالصلاة ولتضييق هذا مع القول بالأداء متى فعل
لا كالصوم فالثالث ثلاثة قال أبو يوسف وهو رواية بشر والمعلى
وابن شجاع عن الإمام - رضي الله عنه - يتعين العام الأول كوقت
الصلاة في تعين أوله وعدم مزاحمة الثاني المعدوم له مع قيامه
مقام الأول حين وجوده وكونه أداء فيه غير أنه يأثم التأخير عنه
بخلاف للفرق إلآتي وإن ارتفع بأدائه بعد وقال محمَّد بسعة
التأخير بشرط أو لا يفوته عن
(1/230)
العمر كقضاء رمضان فإذا فوته أثم فالثمرة
التأثيم بالتأخير وفرق بين ارتفاع الإثم بعد حصوله وبين عدم
حصوله وإلا فالوجوب ثابت حتى وجب الإيصاء بالاحجاج كما وجب
بالفدية لصوم القضاء والكفارة وقال الشافعى لا يأثم بالتأخير
وإن مات.
وفي مستصفي الغزالي أن جواز التأخير عنده في الشاب الصحيح دون
الشيخ والمريض ثم تعيين أبي يوسف احتياطي من بعد وجود ما يصلح
مزاحمًا فلا ينافيه كونه في العام الثاني أداء لوجود المزاحم
واجتهادي يظهر في المأثم الأصلي من الشارع كالصوم ليظهر في
ابطال جهة التقصير أو اختيار النفل بنبته وتوسيع محمَّد ظاهري
من استصحاب الحياة فلا ينافيه تأثيمه إذا مات قبل الأداء وليس
كتأخير الصلاة من أول الوقت كما ظنه الخصم للبون البين فإن
الكرخي هذا مبني على الخلاف في أن الأمر المطلق يقتض الفور أم
عدمه المعبر عنه بالتراخي وأكثر المشايخ على وفاقهما في
التراخي فهذه مبتدأة بحمد أنه فرض العمر وفاقًا ويتكرر وقته
فيه وهو في كله أداء ويرتفع الإثم بكل أداء فإليه تعيينه في
ضمنه كصوم القضاء ووقته النهار المتكررة وإلى العبد تعيينه
بالفعل ولذا اصح نية النفل بخلاف صوم رمضان وحرفه اعتبار
الحياة المحققة مستصحبة لإبقاء القدرة وعدم إبطالها بالموت
الموهوم يؤيده أنه عليه السلام حج سنة عشر من الهجرة ونزلت
فرضيته في ست منها قلنا لعام الأول وقت لحوق الخطاب فيتعين إذ
الثاني لا يزاحمه للشك في إدراكه بتعارض الحياة والممات
لاستوائهما في تلك المدة المديدة والساقط تعارضًا كالساقط
حقيقة بخلاف تأخير صوم القضاء إلى اليوم الثاني قال الحياة
إليه غالبة والفجأة نادرة لا يقال الظاهر بقاء الحياة كأصلها
بالاستصحاب لأنا نقول وكذا الظاهر بعد ذوات العام الأول بقاء
فواته وربما يقال أيضًا الظاهر بقاء الانفصال عن الثاني والأول
أولى ومبناهما امتداد مدة العود فحرفه اعتبار الموهوم الحصول
معدومًا في أن لا يرتفع الثابت به كما في المقصود. وإما أن كله
أداء فلأن الاحتياط الداعي إلى تعيينه يرتفع بإدراك الثاني
فيقوم مقامه ولذا يرتفع الاثم أيضًا لحصول المقصود وإما تأخيره
عليه السلام فلاشتغاله بأمر الحروب وتقوية الإِسلام وربما يعلم
بإعلام الله تعالى أنه يعيش إلى أن يعلم الناس مناسكه وإما
شرعية نية النفل ممن عليه حجة الإِسلام لأن وقته ظرف في ذاته
وشبه المعيار عارض للاحتياط والعوارض لا نعارض الأصول كما صح
عند آخر وقت الصلاة نية نفل بفوتها واستحسن الشافعى الحجر عن
التطوع اشفاقًا عليه وجريا على دأبه في حجر السفيه فجوزه بنية
النفل كما جاز بإطلاقها وقابل وجاز أصله بلا نية في إحرام
الرفقاء عن المغمي عليه والابن عن
(1/231)
أبويه قلنا الحجر يفوت الاختيار اللازم
للعبادة وتصحيحها بحيث يفض إلى إبطالها عود إلى الموضوع بالنقض
غير أن الاختيار في كل باب بما يناسبه فلا طلاق ها هنا ظاهرًا
بدلالة معنى في المؤدي وهو أن المسلم لا يتحمل أعباء تلك
المشقة للنفل وعليه حجة الإِسلام فلا يعدل إلا عند التصريح
بخلافه كتعين نقد للبلد عن الإطلاق بدلالة تيسر إصابته لا عند
التصريح بخلافه وكتعيين صوم رمضان لمعنى في المؤدي كما مر وكذا
صحة إحرام الرفقة بدلالة عقدها على الأمر بالمعاونة إما فيه
فلجريان النيابة في الشروط كغسل عنده أعضاء وضوءه وإما في
أفعاله ففط رواية لا يجوز النيابة وفي أخرى يجوز إن شاء الله
تعالى فاستثني لكونه ظنيًا ثانيًا بخير الواحد والأصح الحكم
بالجواز لأن المتقول ثوابه كما عن الأبوين ولا يشترط لنقله نية
المنقول إليه ولذا كان له أن يجعله عن أحدهما بعد ما أحرم
عنهما لأن نقل الثواب بعد الأداء وحديث شبرمة مؤول لأنه كان
للتأديب ولذا أمره أن تستأنفه عن نفسه ولم تقل أنت حاج وكان
ذلك حين جازا الجروح عن الإحرام بالعمرة وقد انتسج.
التقسيم الثالث متعلق الحكم بحسب
غايته
وهو أنه أن كان مستتبعا للمقصود منه فصحيح وإلا ففاسد وباطل
والمقصود في العبادات موافقة الأمر عند المتكلمين وسقوط القضاء
عند الفقهاء فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا الثاني
لا يقال لا موافقة فيها وإلا لم يجب القضاء إما لأن وجوبه بسبب
جديدًا ولأن المراد الموافقة حين الفعل وعدم وجوب القضاء
يستدعي دوامها هذا عند الشافعية وعندنا المستتبع للمقصود من كل
وجه ويسمى المشروع بأصله ووصفه صحيح كبيع المكيل بالموزون وغير
المستتبع أصلًا ويسمى غير المشروع بهما باطل كبيع الملاقيح
والتضامين لعدم اليقين بوجود المبيع وعدم القدرة على تسليمه
والمستتبع من وجه دون آخر ويسمى المشروع بأصله دون وصفه فاسد
كالربا مشروع من حيث مقابلة المال بالمال لا من حيث المفاضلة
في النقدين وما يجري مجراها ضبطًا، وسره أن العدل في مثله ينفى
الفضل والمراد بالأصل ماهية الفعل حقيقة كانت كالفعل الحسن أو
اعتبارية كالمجموع من الأركان والشرائط الذي اعتبره الشرع
فعلًا كالعقود فعدم شيء كبيع الملاقيح والنكاح بلا شرط يبطل
والوصف هو الخارج عن ذلك وعدمه يفسد وقريب من الصحة الأجزاء
قيل هو سقوط القضاء ورد بأنه يستدعي سبق وجوبه فلا يوصف
الموداة في وقتها به وبأن سقوط القضاء معلل به فالأولى أنه
الأداء الكافي لسقوط
(1/232)
التعبد به. ويمكن أن يجاب بأن المراد
بسقوطه عدم وجوبه وإلا لود على تفسير الصحة أيضًا ولما صح
تعليلها بالأجزاء وبهذا يندفع أيضًا أن الأجزاء كان ثابتًا قبل
حديث القضاء لأن العدم لا يقتضي الثبوت وبأن السقوط المعلل عدم
فعل القضاء لا عدم وجوبه ولئن سلم فتفسير باللازم لا ينافي
التعليل كما في الصحة وقيد الأداء في المستصوب يقتضي أن لا
يوصف الإعادة والقضاء به وهو خلاف ما هم عليه إلا أن يحمل على
اللغوي قالوا إنما يوصف به ما يحتمل ترتب المقصود وعدم ترتبه
عليه لا كمعرفة الله تعالى فإنها إذا لم يطابق الواقع لا تسمي
معرفة ولا كرد الوديعة والصحيح أن الموصوف به هو العبادات
وقوعًا هذا وستسمع منا أنه قد يطلق على حصول الأمثال مطلقًا.
التقسيم الرابع بحسب تعلق الحكم به
وهو إما حسن أو قبيح وقد مر التحقيق في تفسيرهما عندنا وعند
المعتزلة تفسير أن:
1 - ما ليس للقادر العالم بحاله أن بفعله قبيح كالحرام وماله
أن يفعل حسن كالباقية.
2 - ما يوجب الذم كالحمام والمدح كالواجب والمندوب فقبيحا هما
متساويان والحسن بثانيهم أخص إذ لا يتناول المباح والمكروه شيء
منهما وقبل القبيح الثاني أخص لأن الأول يتناول المكروه دونه
وإنما ينم لو لم يكن معناه يجب أن لا يفعله.
تقسيم الحسن والقبيح ويستدعي
تصويرا
لما أسلفنا أن الحق مذهبنا في أن العقل يعرف الحسن والقبيح في
بعض الأفعال بنفسه وإن لم يرد الشرع أي كونه كذلك في نظر الشرع
أن ورد مع أن الموجب هو الله تعالى وإن لا بد من القول به في
نحو وجوب النظر والإيمان وتصديق النبي في دعوى النبوة إذ لو لم
تعرف إلا بالشرع لم يمكن إلزام الشرع حينئذ ولا أعلم بثبوته
حتى انظر وهو دورًا وقال لا أصدق النبي في دعوى النبوة حتى
أعلم بوجوبه ولا أعلم به حتى اصدقه في قول آخر ولا أصدقه في
ذلك أيضًا حتى أعلم بوجوبه ولا أعلم به إلا بنص إما هو الأول
فدار والثالث فسار مسلسلًا، ولو أقام حرمة عدم النظر في الأول
وحرمة التكذيب في الثاني مقام الوجوب لثبت القبح العقلي أيضًا
ولا سيما إذا فسدت المعارضة المشهورة الموردة على تقدير عقليته
إما يمنع قوله لا انظر حتى أعلم بوجوبه لأنه على تقدير الشرعية
لدفع إلزام الشرع من ملزمه وهو معنى الإفحام فلا يتجه على
تقدير العقلية لأن الحكم العقلي كثيرًا ما لا يتوقف على التوجه
الاختياري فضلًا عن المدافعة وإما يمنع قوله لا اعلم بالوجوب
العقلي حتى أعلم بثبوت تلك المقدمات النظرية إذ لا يلزم من
انتفاء العلم
(1/233)
بالطريق المخصوص انتفاء العلم بالمدلول كيف
ومن المحتمل أن يثبت بطريق لا يحتاج إلى النظر كخلق الله تعالى
العلم الضروري به دفعة لو بعد توجه اختياري أو عادي ثم تعرفهما
في الكل بواسطة ورود الشرع لأن الشارع حكيم فلا يأمر بالفحشاء
ولا ينهى عن العدل والإحسان كما نص عليهما ولأن كلا من امتثال
المأمور واجتناب المنهي طاعة وكل طاعة حسنة وكل معصية قبيحة
ظهر أن الأمر والنهى دليل وجوديهما بإيجاد الشرع وهما متقاضهما
لا أن الأمر والنهى بوجباتهما وهما أثرهما كالأشاعرة ولا أن
العقل يقتضيهما في الكل ضرورة أو توليدًا كالمعتزلة لكن قد
يظهر الأمر والنهى اقتضاء ولا شك أن معرفة العقل إياهما في
الأفعال يستدعى ما به المعرفة فيها ولا أقل من كونه طاعة أو
معصية فباعتباره قسم مشايخنا الحسن إلى ستة والقبيح إلى أربعة
وقد أجيب عن تلك الأدله بأنه إن أريد بوجوب التصديق وحرمة
التصديق وحرمة التكذيب ضرورة جزم العقل بثبوت الصدق وانتفاء
الكذب بالدليل العقلي فذلك مسلم لكنه غير المبحث وإن أريد
استحقاق الثواب والعقاب بهما في الأجل فيجوز ثبوت ذلك بثبوت
النبوة وصدق دعواها وبحكم الله تعالى بوجوب إطاعته لا ينص آخر
ناطق به حتى يتسلسل وكون العقل آلة لهذه الأشياء لا خلاف لأحد
فيه وجوابه أن ثبوت النبوة وصدق دعواها عند المكلف يتوقف على
العلم به والنظر فيه والمفروض توقف تصديق النبوة والنظر فيه
على استحقاق الثواب به والعقاب بعدمه في زعم المكلف المعاند
وهما حين شرعيتهما يتوقفان على ثبوتها فالمحذور عائد ولو في نص
وجوب لا طاعة ثم المتفق عليه كون العقل آلة لفهم الخطاب ومعرفة
صدق الناقل لا لوجوب التصديق والنظر فيه ثم الحسن إما حسن
لمعنى في نفسه حقيقة وهو إما أن لا يقبل سقوط التكليف به
التصديق أو يقبل كالاقرار والصلاة أو حكمًا كالصوم والزكاة
والحج والمعنى في غيره وعلامته سقوطه بسقوط الغير بخلاف الحسن
لنفسه بأقسامه فإنه لا يسقط إلا بالإتيان أو باعتراض ما يسقط
ما يحتمله منها فأما أن لا يتأدى المقصود به كالسعي للجمعة
والوضوء للصلاة أو يتأدى فيشبه الحسن لنفسه كالجهاد وصلاة
الميت أو لحسن في شرطه وهو القدرة ويشمل الكل لكنه يختص
بالأداء فهذه ستة أقسام:
الأول: مالا يقبل سقوط التكليف مما حسن لنفسه حقيقة كالتصديق
في الأيمان وهو أحد قسمي العلم المعبر عنه بالإذعان لقبول
النسبة وتسميته تسليما للتوضيح وحصوله للكافر وهم ولو سلم
فكفره لجحوده باللسان أو استكباره عن الإذعان ولذا يكفر بصدور
(1/234)
أمارة الإنكار والاستكبار فالأمر به وزنان
كان كيفا لا فعلًا لاشتماله على الإقرار أو لتحصيل مقدماته من
صرف القوة واستعمال الفكر وغيرهما كالأمر بالعلم وعلى ذا ورد
وصفه بالاختياري فتبدله وإن كان بالإكراه كفر إذ وجوده كعدمه
في الخفى القلبي فإقرار المنافق ليس إيمانًا، أي: في نفس الأمر
وعندنا إذا علمناه وإجراء أحكام الإِسلام دار على الإقرار
لخفائه.
الثاني: ما يقبله منه كالإقرار تبدله عند الإكراه لم يعد كفرًا
لأن الأصل التصديق وهو قلبي ليس اللسان معدته وقيام السيف دليل
على عدم تبدله ولكن ترك متمكنه من غير عذر دليل فواته فلا يكون
مؤمنًا ولو عند الله تعالى لا المصدق الغير المتمكن منه وإن
ندر ولا للتمكن عند الإجبار على الإقرار والإنكار بخلاف
التصديق عند ظهور ملائكة العذاب وعند المتكلم وبعض أئمة الحديث
مجرد التصديق إيمان لا في إجراء أحكام الدنيا لأن شرطه الإقرار
وعكسه المنافق إذ لا عثور للعباد على ما في الفواد والحق مذهب
الفقهاء لظواهر النصوص الشارطة في الإِسلام الشهادة وهي لا
تكون إلا باللسان وكذا الصلاة لأنها أجمع عبادة للتعظيم القولي
والقتلي والوقتي والحالي ولذا كانت رأس العبادة وعماد الدين
وقرة عين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوسط استحقاق المعبود
لا ينافي حسنها العين ككفرنا بالجبت والطاغوت لأن ذلك يكون
المقصود الأصلي نفس الفعل وإن اعتبر الإضافة لا الواسطة كما في
الوضوء والجهاد ويسقط بعذر الجنون والإغماء والحيض والنفاس
لكنها دون الإقرار إذ ليست ركنًا مثله لا حقيقة ولا إلحاقًا إذ
لا يدل عليه عدمًا ولا وجودًا الأعلى هيئة مخصوصة وسره أن كمال
الأيمان في الإنسان بالجمع بين باطنه وظهره كما هو مجموع من
روحه وجده فعين لذلك فعل اللسان لأنه الموضوع للبيان ولذا جعل
رأس الشكر الحمد لا عمل سائر الأركان. الثالث: ما حسن لعينه
حكمًا كالصوم لقهر النفس الأمارة للفرار عن بوار دار القرار
وهو في نفسه تجويع ومنع عن النعم المباحة والزكاة لدفع حاجة
الفقير وفي نفسها تنقيص المال وإضاعته وهي حرام شرعًا وممنوع
عقلًا والحج لقضاء شرف البيت وفي نفسه قطع المسافة غير أن
الوسائط وهي النفس والفقير والبيت لا تستحق العبادة بنفسها بل
يجعل الله تعالى فكانت في الحقيقة تعبدًا محضًا لله تعالى حتى
شرط لها أهلية كاملة فلم يجب على المجنون والصبي بخلاف حقوق
العباد إلا عند الشافعى رحمه الله. في الزكاة، ولو جعلت
الوسائط قهرها ودفع حاجته وزيارته فليقل سقطت حسنها لعدم
الاستحقاق المذكور
(1/235)
فصارت حسنة لذاتها وسيجيء ما بينهما وتفارق
الصلاة الحج بأن المنوط بالبيت ليس حسنها ولذا كانت حسنة حين
كانت القبلة بيت المقدس وجهة المشرق وجهة التحري.
الرابع: ما حسن لغيره ويتأدى الغير به فإن السعى والوضوء حسنان
للتمكن بهما من الجمعة والصلاة ولذا يتبعاتهما وجوبًا وسقوطًا
ولا يتأدى إقامتهما بل ويستغنى عن صفة قربتهما لحصول التمكن
بدونها ولذا يسقط عن المعتكف في الجامع والمحمول مكرهًا إليه
لحصول المقصود لا عن المحمول مكرهًا منه بعد سعيه إليه لعدمه
وليس حسن السعى لكونه مشيًا بسرعة للخبر وهو فلا تأتوها تسعون
والأثر وهو تفسير فاسعوا بأقبلوا على العمل والاجماع على أنه
يمشي على هيئته ولا حسن الوضوء لكونه تبردًا وتطهرًا.
الخامس: ما حسن لغيره ويشبه ما لعبته للتأدي به كالجهاد وصلاة
الجنازة لكفر المحارب إعلاء للإسلام وإسلام الميت قضاء لحق
المسلم ولذا لو لم يبق الكفر لم يبق لكنه خلاف الخبر وإن سقط
حق الميت بعارض كالبغي وقطع الطريق والكفر سقط أصلًا وإن قضى
حقهما بالبعض سقط عن الباقين وليس حسنهما لتعذيب العباد وغريب
البلاد ولا لذات الصلاة ولذا نهيت عن الكافر والمنافق فصارت
عبثًا بدون الميت، ولبعض الأفاضل في تحقيقها فوائد زيد ترتيبها
وتهذيبها وهي أن جهة الحسن والقبح إما عين الفعل أو غيره
المنتهي بالآخرة إلى العين دفعًا للتسلسل وذلك الغير إما جزاؤه
أو خارج عنه وكل منهما إما محمول متحد معه في الخارج أو لا
فالحسن لعينه كالتصديق وأدرج في الحسن لمعنى في عينه مع أنه
لعينه اصطلاحًا ولا تشاح فيه أو لأن الموصوف بالحسن جزء ثباته
المشتملة عليه ولجزئه المحمول كالصلاة لكونها عبادة وهي مركبة
عنها وعن الخصوصية وغير المحمول فهي لأركانها المشتملة على
التعطم وللخارج المحمول كالصوم لكونه قهرًا للنفس ومثله الزكاة
والحج لكونها دفع الحاجة وزيارة البيت وأدرج هذه في الحسن
لعينه إما لأن ورود الأمر المطلق فيها يقتضي حسنها العيني كما
سيجيء لكنا لا نعلم المعنى الداعي إليه وإما لأن الحسن العيني
ما يؤدي به لكونه مأمورًا فإن طاعة الله تعالى مما يحكم العقل
بحسنه عندنا فحصل للحسن بمعنى في نفسه مفهومان أن يكون حسنًا
لعينه كالتصديق أو لجزئه كالإيمان والصلاة وإن يكون حسنًا
لكونه إتيانًا بالمأمور به ويجوز اجتماعهما كالإيمان
وافتراقهما في غير المأمور به والصوم وأخويه والفارق في أن
العبادة جزء الصلاة دونها مفهومتها ويجوز أن يوصف بالحسن
المأمور به الذي هو الحاصل بالمصدر وإيقاعه وكذا بالمأمور به
لأن كلا منهما أثر الأمر ولا يلزم أن كل المأمورات حسنة بمعنى
في
(1/236)
نفسها بهذا المعنى لأن ذلك إذا أتى بها
لكونها مأمور بها كالوضوء المنوي حسن لعينه ولغيره وغير المنوي
لغيره فقط ومما للخارج المحمول الجهاد لكونه إعلاء وكذا صلاة
الجنازة وللخارج الغير المحمول كالسعي للجمعة والوضوء للصلاة
وأفاد أيضًا قاعدتين:
1 - أن المركب إنما يكون حسنًا لمعنى في نفسه إذا لم يكن جزء
منه قبيحا وإلا فيكون قبيحًا وسره أن القبح لعدم الجواز وعدم
الجزء كاف في عدم المجموع وحاصله أن المركب إما حسن بجميع
أجزائه أو ببعضها فالبعض الآخر إما واسطة أو قبيح بجميع أجزائه
أو ببعضها والبعض الآخر واسطة أو واسطة بجميع أجزائه فالأولان
حسنان والسادس واسطة والثلاثة قبيحة.
2 - أن الفعل من الأعراض النسبية فالنسب مقومات له فاتصافه
الحسن أو القبيح من حيث هو ومع النسبة لا من حيث هو فلا يرد لو
كانا ذاتيين لما اتصف فعل واحد بهما بالاعتبارين، وأقول من هذه
الفائدة إن صحت يظهر وجه منع لأول دليل الأشاعرة في نفى
العقلين ووجه تحقيق لمذهب الجبائين لكن فيما يذكره بحث من وجه:
1 - أن الحسن لمعنى في نفسه بمعنى أن يكون لعينه أو لجزئه لما
لم يشمل القسم الثالث مع أنه من أقسامه باعترافه فلا وجه لذكره
وتمسكه باقتضاء الأمر المطلق فاسد لأن مقتضاه أول الأقسام وهذا
ثالثها.
2 - أن نحو الجهاد لما تأدى المقصود في ضمنه فكيفما يؤدي به
يؤدي لكونه مأمورا به وإلا لم يتأد المقصود أو يتأدى ولم يكن
عبادة وهما منتفيان فيتناولهما الحسن لمعنى في نفسه بالمعنى
الثاني.
3 - أن عد واسطة نحو الصوم خارجًا محمولا كقهر النفس لا النفس
ونحو الوضوء خارجا غير محمول كالصلاة لا كونه ممكنا منها ونحو
الجهاد خارجا محمولا أيضًا كإعلاء الدين لا كفر الكافر مع
مخالفته لكلمات المشايخ تحكم ظاهر.
4 - أن المقوم للفعل نسبة ما لا المعينة وليس أنصافه بأحدهما
باعتبار نسبة ما بل لتعينها نعم لو لم يتمسك بكونه عرضًا
نسبيًا بل أدعي كون ماهيته اعتبارية في الشرع هي المجموع لكأن
شيئًا.
5 - أن تقسيمه مشعر بأن قبح المركب لعينه قد يكون لقبح جميع
أجزائه وفيه منع إذ لا موجود كذلك كيف وكل قبح فالشىء من العدم
كسلب الأمور الخمسة في أسباب المزاجر الخمس وترك الامتثال ولو
بنوع في العبادات والمعاملات والحق في تحقيق اعتبار
(1/237)
المشايخ لإفراز الأقسام الثلاثة الأخيرة
إنها مشتملة على المفاسد والدواعي فالمقاصد معاني العبادة التي
هي محمولات عليها والدواعي متعلقاتها التي هي غير محمولات وهي
المسمى عندهم بالوسطاء ثم أن كان كونها دواعي إلى الأفعال من
حيث كونها عبادة لا بذواتها بل لمجرد جعل الله تعالى عدت مما
حسن لعينه لسقوط الوسائل عن الاعتبار وبقائها تعبدًا محضًا لله
تعالى وجعلت من لواحقه لوجود الوسائط في الجملة وإن كان كونها
دواعي لا من حيث أن تلك الأفعال عبادة بالنظر إلى نفسها أصلًا
جعلت مما حسن لغيره فإن لم يحصل المقصود في ضمنه فقسم أول منه
ومحض لأنه أبعد عن العينية وإن حصل فقسم ثان وسببه فإن الواسطة
فيه وهي كفر الكافر وإسلام الميت داعيان إلى الجماد والصلاة لا
من حيث هما عبادتان إذ هما لا يستحقان عبادة أصلًا فإن الدعاء
إليهم إليس من حيث هما عبادتان وإلا لكانا مقصودتين أصليين بل
من حيث هما قمع ورعاية لحق الشركة في الدين مع أنهما أمران
اختياريان للعباد أي ليس توسطهما بمجرد جعل الله تعالى حتى
يجعل كالعدم بخلاف النفس والفقير والبيت ومقصودهما وهو إعلاء
الدين وقضاء حق الميت يحصل بهما ومن هنا يعلم أن المراد
بالنفسية والذاتية عدم توسط المباين في جهة الحسن أعني كونه
مناطا للمدح ولثواب حقيقة كما في الأولين أو حكمًا كما في
الثالث.
القسم السادس: ما حسن لحسن في شرطه الذي هو القدرة التي يمكن
بها العبد من أداء ما لزمه بدنيًا كان أو ماليا وحسنًا لعينه
كان أو لغيره وهي المفسرة بصحة الأسباب وسلامة الألات لأنها
التي تصح شرطًا سابقًا للتكليف إذ الاستطاعة مقارنة ويسمى
جامعًا لذلك الشمول ولا يمتنع اجتماع الحسنين بل أكثر في واحد
كالجملة المتزينة حسنًا والظهر المخلوف عليها شرعًا ففيها
ثلاثة بل أربعة وفي نوع الوضوء المنوي حسنان عندنا وعلى ما
نقلناه أربعة وسيجيء أقسامها وأحكامها إن شاء الله تعالى.
وأقسام القبيح على ما ذكروه أربعة: لأنه إما العينة وضعًا لأنه
إما لعينه وضعًا أي عقلًا كالكفر والكذب والعبث والمراد به كون
اللفظ موضوعًا لما هو قبيح عقلًا أو ملحقًا به شرعًا كبيع الحر
والمائن لأن المقصود من البيع المنفعة فلعدمها فيه التحق شرعًا
بالقبيح وضعًا وفي اللوط قولان أن قبحه وضعي أو شرعي أو لغيره
وصفًا كصوم يوم العيد والتشريق والبيع الفاسد أو مجاورًا
كالبيع وقت النداء والصلاة في المكان المغصوب وربما يقسم إلى
الخمسة كالحسن تحقيقًا للمقابلة فالقبيح لعينه إما وضعا فمنه
ما لا يسقط بحال كالكفر ومنه ما يتحمله كالكذب يسقط قبحه في
إصلاح ذات البين والحرب
(1/238)
وإرضاء المتناكحين به ورد الأثر وإما ملحق
به كما الحق البيوع الباطلة إذ لم يتعلق مصالح البيع بما ليس
مال فصار عينًا كضرب الميت وأكل ما لا يتغذى به ومنه الصلاة
بلا طهارة لأن الفعل من غير أهله عبث ككلام الطير والمجنون
فلذا اعتبر الأهلية والمحلية ركنًا للتصرفات شرعًا كذا في
التقويم والقبيح لغيره إما مجاور يقبل الانفكاك أو ملحق به
وصفًا وتمام ضبطها أن جهة القبح لا يكون تمام الماهية لما مر
فهي إما جزء أو خارج والخارج إما وصف أو مجاور وكل إما محمول
أو غير محمول وكل من الستة إما وضعي عقلي أو شرعي اعتباري فهي
اثنا عشر. والفرق بين الجزء وغيره بالقومية الحقيقية في الوضعى
والاعتبارية في الشرعي أعني بذلك أن عشر الجزء المعتبر للصحة
شرعًا سبب للبطلان لا أن تحقق الجزء سبب للقبح كما في الوضعى
ومن الواجب ها هنا أن يعلم أن عدم الشرط والمحل لاستلزامها عدم
اعتبار الجزء بمنزلة عدم الجزء أو أن المجموع هو الماهية
المعتبرة وإن سمي البعض شرطًا والبعض ركنًا بالتناسب الذي بين
الأبعاض وبين الوصف والمجاور باللزوم العقلي في الوضعي والشرطي
أو الشرعي في الشرعي للوصف دون المجاور وبين المحمول وغيره
بصدق جهة القبح في غير الجزء الشرعي وصدق ما لعدمه حصل القبح
فيه.
الأمثلة: الجزء الوضعي المحمول كقبح الكفر لإنكار الحق وغير
المحمول كالكذب لعدم مطابقة الواقع والشرعي المحمول كعدم أحد
الركنين المحمولين وغير المحمول كعدم المحل في ْبيع المائن
والحر وبيع الخمر بالدراهم ونكاح المحارم وصوم الوصال وعدم
الشرط في النكاح بلا شهود ثم الوصف الوضعي المحمول كقبح العبث
لنصح العمر وغير المحمول كالسفه لتضرر صاحبه والظلم لتضرر غيره
والشرعي المحمول كصوم الأيام الخمسة لكونه أعراضا عن ضيافة
الله تعالى والصلاة في الأوقات المكروهة لكونها تشبها بعبدة
الشيطان وغير المحمول كالبيع بالخمر فإن الثمن اعتبر وصفا لأنه
وسيلة ولذا يجوز البيع بدون وجوده بخلاف المبيع ولا ينافيه كون
الفساد فيه في صلب العقد لكونه في أحد البدلين كالربا لأن
وصفيته اعتبارية والكل لازم وضعًا أو شرعًا أو شرطًا في العقد
كالخمر ومثله كل الربا لأن الفضل تبع زائد عند مقابلة الأجناس
وقادح في العدل ولازم لكونه مشروطا وكذا كل بيع بشرط ثم
المجاور الوضعى المحمول كقبح البخل لدفع المستحق وغير المحمول
كالظلم لفساد العالم والشرعي المحمول كالبيع وقت النداء لكونه
اشغالا عن السعي الواجب والسفر لكونه إباقًا والصلاة في الأرض
المغصوبة لكونها تصرفا في ملك الغير بغير إذنه وغير المحمول
كالسفر لقطع الطريق والكل مما يمكن الإنفكاك عما قارنه من حيث
(1/239)
هما وذا كاف لتحقق الفرق بين الآخرين به.
التقسيم الخامس لمتعلق الحكم بنسبة
بعضه إلى بعض
وهو أن الفعل سواء كان وجوده حسبا ونعنى به ما ليس لاعتبار
الشرع مدخل في وجود ذاته وقد يسمى وضعيًا فيتناول العقلي
كالتصديق والنية والحسي الذي في نسبة الحكم إليه اعتبار زائد
شرعي كالزنا فإن الحسنى منه الوطيء وكشرب الخمر وقتل المعصوم
أو لم يكن حسيًا بل يكون الشرع اعتبر له وجودا من عدة أمور
اعتبرها مقومات أركانا وشروطا عدم شيء منها يبطل وأمور أعتبرها
أوصافا عدم شيء منها يفسدو بوجود الجميع يكون صحيحا مطلقا
كالتصرفات الشرعية والعبادات قد يكون مع كونه متعلق حكم شرعى
سببًا من حيث هو لحكم آخر كالزنا الحرام لوجوب الحد والبيع
المباح للملك أو لإباحة التصرف وقد لا يكون كالكل ليس سببيته
لبطلان الصوم من حيث هو بل لاستلزامه فوت الإمساك والصلاة
واعترض بأن المراد بالسببية إما كونه علامة فذلك حق لكن في
تسمية العلامة به بحيث للفرق بينهما بالإفضاء وعدمه أو تأثيره
وذا باطل إما لأن الفعل الحادث لا يؤثر في الحكم القديم وجوابه
أن التأثير في تعلق الحكم به وهو حادث لا يقال التعلق نسبة فلا
يكون مقولا لغير المنتسبين لأن النسبة قد يكون أثر الغير هما
كالأبوة والبنوة للتولد، وإما لأن تأثيره لكونه فعلا ما ترجيح
بلا مرجح ولخصوصيته قول بالحسن والقبح العقليين. لا يقال بل
بجعل الشرع لأن الترديد عائد في أن جعله لماذا وجوابه أن جعله
بلا داع فقد مر جوازه، والحق أن السبب الموجب هو الله تعالى
وإيجابه بأن عينه الشارع أمارة للوجوب تيسيرات لكون إيجابا
غيبا عنه وسببيته كون تلك الإمارة بحيث أو علل الحكم به للاءم
العقل وإن لم يعلم اقتضاؤه لولا ورود الشرع فبعد وروده حصل
الاقتضاء الشرعي وهذا هو المعنى في أسباب الشرائع مطلقا.
التقسيم السادس لمتعلق الحكم
باعتبار العذر المخرج عن أصله
فإن الفعل الجائز ان ثبت على وفق الدليل فعزيمة وإن ثبت على
خلاف العذر فرخصة سواء وجب كأكل المتية للمضطر والقصر عندنا،
أو ندب كالإفطار عند الشافعية في قول
(1/240)
أو أبيح كالإفطار في السفر عند من لم يفصل
منهم ومن فصل قال أن تضرر المسافر ندب الإفطار وإن لم يتضرر
ندب الصوم فلإباحته ويفسر المباح ما يتناول المندوب نحو ما أذن
في فعله وتركه له ما لا مدح ولا ذم في طرفية قال أصحابنا
العزيمة ما هو أصل أي غير متعلق بالعوارض من العزم وهو القصد
المؤكد حتى قوله أعزم بينة يمين كاقسم خلافًا للشافعي رحمه
الله لعدم اسم الله وصفته، ومنه أولو العزم أي الجد والصبر على
شدائد الرسالة وقيل: من بيانه وأصول الشريعة في نهاية الأقسام
السبعة أو التسعة والرخصة: ما ليس بأصل أي متعلق بها فلا واسطة
بينهما وهي اليسر من رخص السعر عند تيسر الإصابة وحقيقة ما
أطلق بعذر طرئ على دليل ثابت لولاه لثبت الأصل فبعذر خرج
المباح عزيمته كما إذا تملك ملك ليغير وطرئ نحو التيمم عند فقد
الماء والصيام عند فقد الرقية وعلى دليل ثابت أخرج المنسوخ
ولولاه لثبت الأجمل المخصوص وعموم الأصل ليتناول العزائم
الأربع، وقيل: بعد قيام المحرم وأورد بأنه تخصيص العلة وأجيب
بأن المراد بالطلاق أن يعامل معاملة المباح لا الإباحة بالفعل
ولذا وجبت عليه المغفرة وعدم المواخذة لا يقتضى الإباحة كما
عند العفو، وقيل: المباح بعد قيام المحرم في حق من لا عذر له
أو من حيث المعنى وهو الصحيح لأن كمال اليسر في صورة سقوط
الخطر والعقوبة معا فالعزدمة سبعة إقسام إن كان التسمية بها
باعتبار أصالتها فقط وح لا واسطة وأربعة إن كانت مع اعتبار
نوعها في مقابلة الرخصة أما السبعة فلأن الفعل إما أولى من
الترك أو لا والأول إن كان مع منع الترك فبدليل قطعي فرض وظني
واجب وإلا فإن كان طريقة سلوكه في الدين فسنة وإلا فمندوب ونفل
والثاني إما الترك أولى من الفعل فمع منع الفعل حرام وبدونه
مكروه، وإما مستويان أي ثوابًا وعقابًا كما أريد الأولوية
نوابا فلا يرد فعل البهائم والمجانين ونحوهما فمباح وإما
الأربعة منها ففرض وواجب وسنة ونفل بأن الحرام والمكروه وكذا
المباح على الأصح لا ينقلب رخصة حتى يسمى بالعزيمة في مقابلتها
ويعنى به أن الرخصة أن كانت فعلا يجب كون تركه أحد هذه الأربعة
وبالعكس لأن العزيمة في الأصل راجحة والرجحان فيها، فالمراد
قبل ورود الرخصة إما بعده فقد يكون حراما كصوم المريض عند خوف
الهلاك ولذا يأثم به فالفرض ما ثبت بدليل قطعي متنه وسنده
يستحق العقاب تاركه بلا عذر الإكراه مطلقًا استخف فكفر أولًا
فعصى كالإيمان والأركان الأربعة ومعناه لغة القطع والتقدير
لانقطاعه عن الشبهة وعدم احتماله الزيادة والنقصان حتى من قال
ومن جاء من عند الله وما جاء من عند غيره لا نومن وفي
(1/241)
التقدير نوع تيسير ذا التناهي يسر ونوع شدة
محافظة ولذا سمى مكتوبة وحكمه اللزوم علمًا وعملًا فيكفر جاحده
ويفسق تاركه عمدا بلا عذر ولا يكفر إلا إذا استخف والفاسق ربما
يشمل الكافر، والواجب ما ثبت بدليل فيه متنا أو سندا كالفطرة
والأضحية وتعديل الأركان وتعين الفاتحة والطهارة في الطواف
والوتر من الوجوب وهو السقوط عملا أو لعدم العلم أو من الوجبة
وهي الاضطراب إذ فيه شبهة وحكمه اللزوم عملا لا علمًا فلا يكفر
جاحده ويضلل تاركه مستخفا غير راء للعمل به لا متأولا ويفسق
بدونها فالفرق بينهما بين اسما وحكما بلا تحكم فالواجب إذا
تفاوت الدليلان رعاية التفاوت بين مدلوليهما فيعمل فيما ثبت
بالقطعى كقراءة ما تيسر من القرآن والركوع والسجود والطواف
بالخبر الوارد فيها بوجه لا يتغير حكم القطعي وذلك بوجوب مدلول
الخبر فمشونها كالشافعي رحمه الله ساه في حط رتبة ورفع درجته
وهذا السعى والعمرة وعنده ركن وفريضة لقوله عليه السلام أن
الله كتب عليكم السعى فاسعوا وقوله عليه السلام العمرة فريضة
كفريضة الحج قلنا خبر الواحد فلا يثبت إلا الوجوب ولا يلزم
القعدة إلا خبرة لأن خبرها مبين لمجمل الكلام ويعمل بالخبر
الوارد في تأخير المغرب إلى العشاء بالمزدلفة وفي ترتيب
الفوائت وفي الحطيم يوجه لا يعارض الكتاب فمصلي المغرب في
الطريق بعيدها بالمزدلفة عند الإِمام ومحمد عملا به، فإذا لم
يعد حتى طلع الفجر سقطت الإعادة وإلا لعارض الكتاب المقتضي
جواز المغرب الموداة في وقتها وهذا يسقط الترتيب عند ضيق الوقت
أو كثرة الفوائت والعارض الكتاب بتأخير الوقتية عن وقتها
الثابت به وهذا يوجب الطواف من وراء الحطيم ليعمل بهما حتى لو
تركه يؤمر بالإعادة مطلقا أو على الحطيم ما دام بمكة ولو رجع
بجبر بالدم إما لو توجه في الصلاة على الحطيم لم يجز إذ لا
يتأدى به ما ثبت فرضا بالكتاب وقد يطلق الواجب على الفرض كما
يقال الزكاة واجبة وبالعكس نحو الوتر فرض أي عملا وهو ما يفوت
بفوته الصحة كفساد الفجر بتذكر فائتة وقراءة الفاتحة فرض أي
قريب منه ومسح ربع الرأس فرض أي أصله.
والسنة: الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب
سواء سلكه الرسول أو غيره ممن هو علم في الدين من السنن وهو
الطريق وحكمها أن يطالب بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب
فيستحق الأئمة بتركها وفيما صار من أعلام الدين كصلاة العيد
والأذان والإقامة والصلاة بالجماعة شبه الوجوب ويشمل مطلقها
سنة النبي عليه السلام
(1/242)
وغيره عندنا وعنده تختص بها ولذا حكم
متمسكًا بقول سعيد كذا السنة بأن أرش ما دون النفس من النساء
لا ينصف إلى الثلث بل فيما فوقه فارش ثلاث أصابع ثلاثون وأربع
عشرون عنده وكذا في أنه لا يقتل الحر بالعبد لقول ابن عمر وابن
الزبير - رضي الله عنهم - كذا السنة قلنا: مع الاحتمال لا يتم
الاستدلال إذ يقال سنة العمرين، وقال عليه السلام: "عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (1) " والأصل في الإطلاق
الحقيقة فلا يرد إنها مقيدة والنزاع في المطلقة وكذا في قوله
عليه السلام من سن سنة حسنة الحديث والتعميم ليس قرينه صارفه
إذ هو فرع الاختصاص وهي ضربان:
1 - سنة الهدى أي مكمل للدين تاركها يستوجب إساءه كالأربعة
المذكورة والسنن الرواتب (2) ولذا لو تركها قوم عوتبوا أو أهل
بلدة قوتلوا.
2 - سنة الزوائد تاركها لا يستوجبها كتطويل أركان الصلاة وسيره
عليه السلام في لباسه كالبيض وقيامه وقعوده كالاحتباء بيديه في
المجلس وعلى ذا، قال محمَّد في كتاب الأذان تارة يكره ومرة
أساء وهما لسنة الهدي وطورًا لا بأس وهو حكم سنة الزوائد ودفعة
يعيد وهو حكم الوجوب.
والنفل: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه وهو الزيادة ومنه
النفل للغنيمة والنافلة لولد الولد لزيادتهما على مقصود الجهاد
والنكاح وهو دون سنن الزوائد فالزائد على الركعتين للمسافر نفل
فلا يصح خلطها بالفرض كما في الفجر ولا ينتقض بصومه لأن المراد
الترك دائما ولا بالزيادة على الآية أو الثلاث في القراءة مع
أنها يقع فرضا لأنها كانت نفلا اتفلت بعد وجودها فرضا لدخولها
تحت فاقرؤا ما تيسر كانقلاب اليمين سببًا للكفارة بعد ذوات
البر وكما ينقلب بالشروع فرضا ولكونه مشروعا دائما لازم العجز
فلازمه اليسر وصح راكبًا وقاعدًا فلم ينفل عن نوع رخصة، قال
الشافعي رحمه الله تعالى فيجب أن يصدق حد النفل على بقائه بعد
ابتدائه ويبطل المؤدى حكمًا لحقيقة فلا يكون أبطالا لعدم القصد
كمن سقى زرعه ففسد زرع جاره بالترشيح ليس إتلافا فلا يجب قضاؤه
كالمظنون ولا يعاقب على تركه قلنا يلزم بالشروع لقوله {وَلَا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمَّد: من الآية 33) وذا إبطالٌ،
وإن حصل بمباح كشق زق مملوك فيه دهن لغيره إما الترشيح فيضاف
إلى رخاوة الأرض لا إلى فعله ولأن المودي صار مسلماُّ حقا
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 80)، والمروزي في
السنة (1/ 257) ح (72).
(2) انظر / التقرير والتحبير (2/ 199).
(1/243)
لله تعالى فوجب صونه ولا يمكن إلا بلزوم
الباقي إذ لا صحة له بدون صحته ولا دور لأن الموقوف على صحة
الباقي بقاء صحته، وهي على نفس صحة الأصل أو دور معية وإما أن
الموت في أثناء العبادة لا يبطل بل يثاب بها لأنه منه فعارض
غير المؤدي ورجح للإحتياط لأنه أصل الباب وإلا يرى أن النذر
لما صار لله قولًا وجب لصيانته ابتداء الفعل فبالأولى أن يجب
لصيانة ما صار له بابتداء الفعل بانتمائه للوجهين، والحرام ما
يعاقب على فعله من الحرم والحريم لكونه ممنوعا وهو حرام لعينه
أن كان منشأ الحرمة عينه كشرب الخمر وأكل الميتة وإلا فلغيره
كأكل مال الغير والفرق أن النص تعلق في الأول بعينه فأخرج
المحل عن قبول الفعل فعدمه لعدم محله كصب الماء لا من إطلاق
المحل على الحال أو حذف المضاف وفي الثاني يلاقي الحرمة نفس
الفعل والمحل قابل له كالمنع عن الشرب ففيه فرق بين الحكمين
لفرق بين العبارتين والمكروه نوعان كراهة تنزيه وهو إلى الحل
أقرب وكراهة تحريم وهو إلى الحرمة أقرب والفرق بينهما بوجهين:
1 - أنهما بعد أن لا يعاقب فاعلهما يعاقب بالثاني أكثر.
2 - أن يتعلق بالثاني محذور دون العقوبة بالنار كحرمان الشفاعة
لقوله عليه السلام "من ترك سنتي لم تنله شفاعتي" (1)، وعند
محمَّد رحمه الله تعالى الثاني حرام لكن بدليل ظني فيقابل
الواجب، والمباح ما لا يثاب ولا يعاقب به فعلًا وتركًا وليس
فيه لف ونشر كما ظن فالأقسام في الحقيقة تسعة وإما الرخصة فإن
كانت مع قيام سبب العزيمة فحقيقة وإلا فجاز والحقيقة إن كانت
مع عدم تراخي حكمه فأحق أي أثبت في حقيقة الرخصة أو أخلق إذ
إنما يكتمل الرخصة بكمال العزيمة وإلا فعبرة والمجاز إن لم يكن
له شبه حقيقة الرخصة بالنظر إلى غير محلها بل كان نسخًا فأتم
في المجازية وإلا فغيره فهي أربعة أقسام: الأول: ما لقطعت
المؤاخذة به مع قيام المحرم والحرمة إذ لمؤاخذة غير لازمة
للحرمة كما مع العفو والأولى أن يقال المراد قيامها معنى وعدم
المؤاخذة لذهابها صورة تيسيرًا وليذكر أن ما أعم من الفعل
والترك وإن الرخصة في الفعل يستدعى العزيمة في الترك كما في
نحو الإجراء وبالعكس كما في ترك الأمر بالمعروف فالمراد
بالحرمة ترك العزيمة وذلك بالوجوب وتأويلها بالراجح ليتناول
نحو ترك السنة حالة الخوف فإنها غير مندوبة سهوًا هنا لأن حكم
هذا القسم لا يتناوله كما في المكره على إجراء كلمة الكفر على
اللسان وإفطاره في رمضان وجنايته على إحرامه وعلى إتلاف مال
الغير وسائر الحقوق المحترمة
__________
(1) لم أجده.
(1/244)
كالدلالة على ماله ومال غيره وكما في ترك
الخائف على نفسه الأمر بالمعروف وكما في تناول مال الغير
مضطرًا فإن محمدا رحمه الله ألحقه بالعبادات المنصوصة وقال أن
مات بالصبر كان مأجورًا إن شاء الله تعالى وحكمه أن يؤجر أن
قتل بأخذ العزيمة إما الترخيص فلأن حق الغير لا يفوت إلا صورة
لبقاء التصديق والقضاء والجزاء والضمان والإنكار بالقلب وحق لا
نفسه يفوت صورة بخراب البنية ومعنى بزهوق الروح فله أن يقدم
حقه وإما الأجران قتل فلأنة بذل نفسه حسبة في دينه لإقامة حقه
وهذا مشروع كالجهاد على طمع الظفر أو النكاية أو إغراء
المسلمين عليهم وقد فعله غير واحد من الصحابة ولم ينكره الرسول
بل بشر بعضهم بالشهادة إما إذا علم بقتله من غير شيء من ذلك لا
يسعه الإقدام ولو قتل لا يكون مثابًا لأنه ألقى نفسه في
المهلكة من غير إعزاز للدين وفي بذل النفس إقامة للمعروف تفريق
جمع الفسقة ظاهرًا فإن إسلامهم يدعو إلى أن ينكأ في قلوبهم وإن
لم يظهروه.
الثاني: ما استبيح مع قيام سبب تراخي حكمه وليتذكر أن
الاستباحة بمعنى مطلق الأذن لا بمعنى تساوي الطرفين لتنافي
حكمه ولقربه من التساوي ما غيرت فيه لفظة الاستباحة وهذا إحدى
فوائد تغيرها إلى سقوط المؤاخذة في الأول كفطر المسافر إذ سببه
وهو شهود الشهر وتوجه الخطاب العام واثم لعموم قوله فمن شهد
منكم الشهر فليصمه أي حضر ولذا الوادي كان فرضًا خلافًا
للظاهرية فعندهم وجوبه متعلق بإدراك العدة فيلزمه عند إدراكها
صام في السفر أو لا وهو منقول عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة
- رضي الله عنهم - لأن العدة للمسافر كرمضان المقيم ما كبر
لصحابة - رضي الله عنهم - على الأول لعموم الآية فقوله {وَمَنْ
كَانَ مَرِيضًا} لبيان الترخيص لا التخصيص والترخيص بتأخير
وجوب الأداء الثابت بالخطاب يقتض تأخير حرمة الفطر وقيل: شهد
بمعنى أقام والشهر ظرف لا مفعول به فلم يخصص منه إلا المريض
والأصل في التخصيص الذي هو خلاف الأصل التقليل والأول أولى
لوجوه الشهود بمعنى الحضور أكثر فإلى الحقيقة أقرب وإن حمل
المنصوب المتردد على المفعول به أولى وإن في الثاني إضمار في
والأصل عدمه وإن ما بعده للتخصيص حاصل بدلالة ذكر المريض
والتخصيص يستدعي سبق التعميم وإلا فلا يناسب ذكر المسافر معه
وحكم أن الأحد بالعزيمة أولى لكمال سببه وتردد في الرخصة
لتأدية العزيمة معناها وهو اليسر من جهة موفقة المسلمين فإن
البلية إذا عمت طابت فكيف إقامة العبادة بخلاف قصر الصلاة إلا
أن يضعفه الصوم فيفضل الفطر حتى لو صبر
(1/245)
فمات كان آثمًا إما لفوت نفسه بمباشرته من
غير حصول المقصود وهو إقامة حق الله بخلاف المقيم المكره على
الفطر حتى قتل فإن فوته ثمه بمباشرة الظالم وهو مستديم للطاعة
كالمجاهد أو لأن فيه تغير المشروع وهو إما التأخير أو جواز
التعجيل على وجه يضمن يسرًا أو معناه أن مشروعية الصوم
للارتياض ولم يحصل إما المسافر والمريض المكره على الإفطار
فيجب عليهما ويأثمان بالصبر حتى الموت كالمضطر على أكل الميتة.
الثالث: المجاز الأتم كما وضع عنا بأصله من الأبصر والأغلال
فالإصر وهو الثقل مثل لثقل تكليفهم والأغلال لأعمالهم الشاقة
كالنوبة بقتل النفس وبت القضاء بالقصاص وغيرهما النسخ تخفيفًا
بالرخصة مجازًا.
الرابع: ما سقط عنا مع مشروعيته لنا في محل آخر لأنه تأخر ومنه
الصوم على التمريض الخائف للتلف لأنه صار غير مشروع في حقه
كالسلم فأصل البيع في الأعيان لنهيه عليه السلام عن بيع مال
ليس عند الإنسان وعن بيع الكالي بالكالي لكن سقط التعيين فيه
تخفيفًا بحيث لم يبق مشروعًا بل العينية تفسده مع مشروعيته في
غيره وكسقوط حرمة الخمر والميتة في حق المكره والمضر إلا في
رواية عن أبي يوسف رحمه الله واحد قول الشافعي رحمه الله قاسا
على الإكراه على الكفر وأكل مال الغير قلنا قوله تعالى {إِلَّا
مَا اضْطُرِرْتُمْ} بعد قوله قد {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} استثناء من الحرمة فالمحرم غير قائم بخلاف
الثاني وقوله الأمر اكره وقلبه يطمئن بالإيمان مستثني من الغضب
لامتها وذكر المغفرة في آخر آية فمن اضطر باعتبار زيادة
التناول على قدر به إبقاء المهجة فإن رعايته واجبة ولأن حرمة
الخمر لصيانة عقله ودينه والميتة لصيانة بدنه عن سراية الخبث
ولا صيانة للبعض عند فوت الكل والثمرة في التأثيم إذا صبر فقتل
عندنا والحنث إذا حلف لا يأكل حرامًا عندهما وحرمتهما باقية في
غير حالة الضرورة وكسقوط غسل الرجلين في مدة المبيح لأنه غير
مشروع حالة التخفف بل حالة التعري لأن الخف مانع لسرابه الحدث
إلى القدم حكمًا فكيف يشرع غسله وليس معنى الرخصة تأدى الغسل
بالمسح ليكون رافعًا وإلا لما اختلف بالمسح على الطهارة وغيرها
كما في مسح الجبيرة وعلى الطهارة الكاملة عند الحدث وعدمها
وكقصر السفر عندنا رخصة إسقاط فإتمام المسافر بنية الظهر لا
يجوز كإتمام الفجر وبنية الظهر والنفل إساءة وترك القعدة
الأولى مفسد وقال الشافعي رحمه الله رخصة ترفيه حقيقة حتى لو
فأتت يقضي أربعًا في
(1/246)
قول مطلقًا وفي قول إذا قضي في الحضر لأن
النبي عليه السلام سماه صدقة في حديث عمر - رضي الله عنهما -
(1) والصدقة لا يتم إلا بالقبول ولذا قال فاقبلوا فقبل القبول
على ما كان.
لنا وجوه:
1 - أن التصدق بما لا يحتمل التمليك أصلًا وإن كان ممن لا يلزم
طاعته إسقاط محض لا يرتد بالرد كعفو القصاص أو هبته أو تصدقه
أو تمليكه من الولى وكهبة الزوج الطلاق أو النكاح أو تصدقهما
أو تمليكهما من المرأة وقد سمي الإسقاط تصدقًا في قوله تعالى
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة: من الآية 280)
فمن يفترض طاعته أولى بأن لا يتوقف على القبول لأن تمليك الله
في محل يقبله لا يرتد مطلقًا كالإرث بخلاف تمليكنا في الأعيان
ففى لا يقبله إذا لم يكن من العبد فمن الله تعالى أولى فمعنى
اقبلوا صدقته اعملوا بها وإما ما يحتمل التمليك من وجه دون آخر
كقوله لمديونه تصدقت بالدين عليك أو ملكتك إياه فإن قبل أو سكت
سقط وإن رد ارتد لأنه مال من وجه دون آخر فكذا تصدقه ابراء من
وجه وتمليك من آخر حتى لم يصح تعليقه بالخطر كتمليك العين فعمل
بالشبهين، وفي حديث عمر بحث شريف استرادي هو أن قوله أنقصر
الصلاة ونحن آمنون مبني على أن القصر معلق بالخوف في القرآن
فقال بعض أصحابنا كل من الحديث وسؤال عمر - رضي الله عنه - يدل
على أن عدم الشرط لا يقتض عدم المشروط لأن عمر - رضي الله عنه
- كان من أهل اللسان وأرباب البيان فلو دل على ذلك لفهم وما
سأل ورد بالمنع إما الحديث فلان القول بمفهوم الشرط إذا لم
يظهر فائدة أخرى كالخرم مخرج الغالب ها هنا إذا كان الخوف هو
الغالب حينئذ وإما السوال فلجواز أن يكون مبنيًا على وقوع
العمل على خلاف ما فهمه كما يدل عليه سياق القصة. والجواب عن
الأول: أن عدم القول بمفهوم الشرط مع أنه أصل عندهم لخروجه
مخرج الغالب كلام لا طعم له فإن تعليق رفع الجناح عن القصر
بأمر غالب لا سيما الخوف يويد عدم رفعه عند عدمه لأن النادر
كالمعدوم ولأن للضرورة المؤثرة في رفعه ربما يكون ناشئة من
الغلبة.
وعن الثاني: بأنه لم نرض رأسا برأس حتى جعل سياق القصة دليلًا
على فهمه خلاف ما عملوا به وهو ممنوع إذا لو كان سواله مبنيًا
على هذه الدلالة لما صح الجواب بأنه صدقة فاقبلوها لأن المستدل
بشيء لإيجاب يمنع مداوله من غير التحرض لدليله بل الجواب حاصل
أن التقييد بالخوف لغلبته لا لاقتضاء عدمه عدم القصر إما إذا
جعل ساكنًا
__________
(1) أخرجه مسلم (1/ 478) ح (686).
(1/247)
عن حالة الأمن فسأل المعرفة حكمها صح
الجواب بقبوله مطلقًا على أن عدم القول بمفهوم الشرط لخروجه
مخرج الغالب مع تجويز فهم عمر - رضي الله عنه - مفهومه
متنافيان أو اعتراف بأنه ليس من أهل اللسان والثاني ظاهر
البطلان فتعين عدم القول به وهو المذهب المشيد الأركان.
2 - أن معنى الرخصة وهو اليسر عين القصر إذ ليس الإكمال إلا
مؤنة محضة وثواب أداء الفرض واحد لأنه بتسليم ما عليه لا
بتكبير الأعداد كظهر العبد مع جمعة الحر وفجر المقيم قال عليه
السلام "أفضل الصدقة جهد المقل (1) " فتصدق درهم ممن لا يملك
غيره أفضل من آلاف ممن يملك أضعافها.
3 - أن التخيير إنما يثبت للعبد إذ تضمن رفقًا وإلا فربوبية
فإن اختيار العبد ضروري يثبت ضرورة الارتفاق والاختيار المطلق
آلهي ولا رفق في التخيير لتعين القصر له بخلاف التخيير في
أنواع الكفارة وجزاء الصيد والحلق لاختلافها وبخلاف رخصة الصوم
فإن اليسر متعارض إذ مشقة السفر معارضة بخفة الشركة مع
المسلمين ورفق الإقامة بمشقة الانفراد فصار الصوم أولى لأصالته
وتمسك الشافعي رحمه الله تعالى في أن الفطر أولى في قول بظاهر
الرخصة والعزيمة فيهما كما هو دأبه وإن قيل بأن الحق أن الصوم
أفضل عنده قولًا واحدًا عند عدم التضرر والإفطار أن تضرر فعلى
هذا الخلاف فقال لما تراخي وجوب الأداء إلى العدة ونفس الوجوب
لا ينفك عنه عنده تأخرت العزيمة فينبغي أن لا يجوز قبلها كقول
الظاهرية غير أنا تركناه في عدم الجواز للأحاديث الواردة فبقي
في أفضلية الفطر ولا تراض في الصلاة فعزيمتها أولى قلنا
الاعتبار للمعاني لا سيما في درك حدود القياس.
أصل مناسب: اختلاف الأجناس بحسب المعنى هو المعتبر لإفادة
التخيير لا بحسب الصورة فلذا خير العبد بين الظهر والجمعة إذا
أذن مولاه لها لأنهما مختلفان اسمًا وشرطًا ولذا لا يصح اقتداء
ناوي إحديهما بناوي الأخرى بخلاف ظهر المقيم والمسافر مع أن
لكل منهما رفقًا ليس للأخرى بل الجمعة هي الأصل له عند الأذن
يكره لخلفه عنها وكذا التخيير من دخل الدار به بقوله إن دخلتها
فعلي صيام سنة بين صيام سنة وتكفير بصوم
__________
(1) ابن خزيمة (4/ 99) ح (2444)، ابن حبان في صحيحه (2/ 77) ح
(361)، الحاكم في مستدركه (1/ 574) ح (1509)، البيهقي في
الكبرى (4/ 180) ح (7561)، أبو داود (2/ 69) ح (1449)، النسائي
في الكبرى (2/ 31) ح (8687) ح (2304)، أحمد في مسنده (2/ 358).
(1/248)
ثلاثة عند محمَّد رحمه الله ومروي في
النوادر أن الإِمام رجع إليه قبل موته بأيام لاختلافهما معنى
فإن أحدهما قربة مقصودة خالية معنى الزجر والعقوبة والآخر كافر
إما في ظاهر الرواية فيجب الوفاء بالمنذور كما هو الصحيح في
نحو أن شفي الله مريضى مما يراد وقوعه ولا يرد تخيير موسى عليه
السلام بين أن يرعى ثماني حجج أو عشرًا لأن الفضل كان برًا منه
بدليل من عندك ولا تخييرنا في نافلة العصر بين الأربع
والركعتين لأن في الكثير مزيد الثواب وفي القليل يسرًا ونظير
التخيير عند اختلاف الجنس ولزوم الأقل عند اتحاده تخيير المولى
عند جناية العبد بين الدفع والفداء كانت القيمة أقل أو أكثر
لاختلافهما ولزوم الأقل من الأرش والقيمة عند جناية المدير لأن
المقصود المالية.
المبحث الثالث في أحكام الحكم
فللوجوب أحكام:
أحدها: في الواجب على الكفاية وهو:
ما يحصل المقصود من شرعيته بمجرد حصوله فلذا يسقط بفعل البعض
كالجهاد المقصود منه إعلاء كلمة الله بإذلال أعدائه إما العين
فما لا يحصل المقصود من شرعيته لكل أحد لا بصدوره منه كتحصيل
ملكة الخضوع للخالق بقهر النفس الإمارة بتكرار الأعراض عما
عداه والتوجه إليه في الصلاة وحكمه الوجوب على الجميع أي على
كل واحد وسقوطه بفعل البعض وليس رفع الحكم نسخًا مطلقًا بدليل
شرعي متراخ وهذا ارتفاع بطريق عقلى لارتفاع شرطه وهو فقد
المقصود وقيل: يجب على البعض فافترقوا فقيل أي بعض كان وقيل:
بعض معين عند الله تعالى لنا: إثم الجميع بتركه ولهم أولا لو
وجب على الجميع لما سقط بفعل البعض قلنا لا ثم اللزوم كما يسقط
ما في ذمة الأصل بأداء الكفيل والاختلاف في طرق الاسقاط لا
ينافي وحدة الساقط في الحقيقة كما في الكفاله ونحو قتل من ارتد
فقتل نفسًا عمدًا عدوانًا إذ ليس متعددًا في الحقيقة بل في
الاعتبار ويسقط من حيث الرد تارة بالنوبة وأخرى باستيفائه، ومن
حيث القصاص تارة بالعفو مطلقًا أو على مال وأخرى باستيفائه.
وثانيًا: لو لم يجز الإيجاب على البعض لكان لاتهامه وهو ملغي
كما في المخير على المختار.
قلنا: تأثيم المعين بترك منهم من أمور تعينه أي يترك الكل
معقول وتأثيم المبهم بترك واجب معين غير معقول فلا يلزم من
إلغائه ثمة الغاؤه ها هنا وليس القصد إلى تأثيم كل
(1/249)
واحد ابتداء كما في العين.
وثاكً: قوله تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (التوبة: من الآية 122) ففيه إيجاب على
طائفة غير معينة قلنا مؤول بأن فعَل الطائفة مسقط للوجوب جمعًا
بين الدليلين.
وثانيها: في الواجب المخير وهو الواجب بالأمر بواحد منهم من
أمور معينة كخصال كفارة اليمين والخلق وجزاء الصد وسائر
الكفارات مرتبة فالواجب عنده أحدها منهما وتحقيقه أن الواحد من
تلك الأمور من حيث مفهومه الذي لا يتعداها معلوم ومن حيث تعدد
ما صدق عليه منهم ومخبر فيه فمعنى وجوبه وجوب تحصيله في ضمن
معين ما وإن كان نفسه واحدًا جنسيًا ومعنى تخييره التخير في
إيقاعه بين المعينات وكان الواجب معلومًا كلف بإيقاعه معينًا
والتوقف إيقاعه كذلك على خصوصيات خير بينها وقال بعض المعتزلة
الواجب الجمع ويسقط بالواحد وجوب الباقي فأبو هاشم واضرابه على
أن الثواب والعقاب لو أحد هو الأعلى الأول والأدنى في الآخر
فالنزاع لفظي وغيرهم على أنهما لكل واحد فمعنوي وبعضهم الواجب
معين عند الله تعالى وهو ما يفعله المكلف فيختلف وبعضم معين لا
يختلف لكنه يسقط به وبالأخر سقوط الواجب بالنفل.
لنا: إمكان الإيجاب على الوجه المذكور ودلالة النص عليه وفي
تمسك المعتزل بالنص قولًا بأن المعطوف على المأمور الواجب واجب
مصادرة إما أن التخيير لو اقتضى وجوب الجميع لوجب الترويج من
جميع الأكفاء الخاطبة عند أمرها به والإجماع على بطلانه وكذا
في وجوب اعتاق واحد من جنس الرقبة للكفارة فطعن فيه الإِمام
الرازي بأن وجوب الجميع جمعًا غير لازم وبدلًا غير مجمع على
بطلانه وليس بشيء لأن وجوب الجميع بدلًا عين وجوب الواحد
المبهم فالملازمة إنما هي على تقدير نقيض المدعي.
للمعتزلة الأولى: أولًا أن التكليف بغير المعين تكليف بالمجهول
وعلم المكلف والمكلف بالمكلف به ضروري وبالمحال لأن غير المعين
يستحيل وقوعه فكل واقع معين ولا قائل بأنه هو.
قلنا: مفهومه معلوم والإبهام في ذاته كما مر.
وثانيًا: بأن الواحد الدائر واجب ومخير فإن تعدد ألزم التخيير
بين الواجب وغيره فيرتفع الوجوب لجواز اختيار الغير وعدم فعله
وان اتحد ألزم اجتماع جواز الترك وعدم جوازه في شيء واحد قلنا
نختار التعدد لأن الأحد الدائر إذا تعلق به الوجوب والتخيير
(1/250)
يأبى كون متعلقيهما واحدًا كتعلق الوجوب
والحرمة في كافر أسلم على أختين تحته فتصرف الحرمة إلى معين
والوجوب إلى تعيين آخر بمعنى أيهما عين حرم الآخر وها هنا
الوجوب إلى الواحد الدائر والتخيير إلى المعينات وإنما يرتع
الوجوب لو أمكن إيقاع الواجب لا في ضمن أفراده الكائنة من حيث
التعين خيرًا له.
وثالثًا: بقياسه على الكفاية وإن وردت بلفظة التخيير نحو ليفعل
سالم أو غانم بجامع حصول المصلحة بمبهم من فاعلين أو فعلين
لاستوائها فيهما قلنا أولًا بأن بينهما فرقا ففى الكفاية إجماع
على تأثيم الجميع ولا إجماع هنا على التأثيم بترك الكل أو بأنا
لا نعلم صحة القياس وإنما يصح لو لم يكن فرق مؤثرًا ولا تم
وجود العلة في الفرع وكيف ولازمها وهو التأثيم بالجميع منتف
والسند لا يمنع.
وثانيًا: الفرق من جهة أخرى أن الجامع وإن اقتضى ظاهرًا جواز
التعلق بالمبهم فيهما لكن ضرورة انتفاء لازمه وهو تأثيم المبهم
لكونه غير معقول تضمنت إليه قصار المجموع علة مخالفة الظاهر
والوجوب على الجميع ولا ضرورة هنا وإن التأثيم يترك مبهم من
أمور معينة معقول وهذه الأدلة مختصة بالأولى لأن الأولى يقتضي
علم المأمور بالمكلف به.
والثاني: عدم جواز التخيير بين الواجب وغيره وليسا في المذهبين
الأخيرين والثالث ظاهر فللثانية وجوب علم الله بما يفعل لشموله
وما يفعله كل هو الواجب عليه اتفاقًا فيختلف.
وللثالثة: وجوب علم الأمر بالمأمور به قلنا عنهما العلم بأنه
أحد الأمور كاف بل لو لم يكن علم الأمر بالمبهم على أنه مبهم
كان جهلًا ولا تفاوت بين المكلفين بالتكليف بل بالاختيار.
وثالثًا: في الموسع أي وقته وهو الذي يزيد وقته على الفعل
فالجمهور على أن كل جزء منه وقت لأدائه وقال القاضي الواجب في
كل جزء الفعل فيه أو العزم عليه فيما بعده إلى أن يبقي قدر ما
يسعه فبتعيين الفعل وبعض الشافعية على أنه أول جزء فالتأخير
قضاء وبعض الحنفية آخر جزء فالتقديم نفل يسقط الفرض كالزكاة
المعجلة والكرخي على أنه نفل سقط أن لم يبق مكلفًا إلى آخر
الوقت بأن يجن أو يموت وإن بقى علم أنه كان واجبًا وهذا الخلاف
غير ما مر أن السبب عند الشافعية أول جزء في رواية وأخره في
أخرى وعند أوله أن اتصل به الأداء وإلا فما اتصل به متنقلًا
جزعًا فجزعًا إلى أن يتضيق فيتقرر عند زفر رحمه الله تعالى
لاعتباره القدرة بالفعل وإلى آخر جزء فيتقرر فيه عند
(1/251)
غيره لأن إمكان القدرة كاف فيعتبر العوارض
وبغير الفعل كمالًا ونقصانًا عنده وعند فواته ينتقل السببية
إلى الكل كما هو أصله وذلك لاتفاق أصحاب ذلك الخلاف على أن
الواقع في كل جزء أداء فهو في تقرر السبب لا أصله.
لنا: لولا تيقننا إيجاب الفعل معينًا بجميع الوقت من غير تخيير
وتخصيص فهما تحكم وثانيًا لزوم التقديم على الوقت أو القضاء
وكلاهما خلاف الإجماع.
للقاض أن للفعل أو العزم حكم خصال الكفارة.
قلنا: نقطع بالامتثال بخط وصية الفعل والإثم بترك العزم لكون
وجوب العزم على فعل كل واجب عند تذكره إجمالًا وتفصيلًا من
أحكام الأيمان لا لتخيير ولا تعلق له بالوقت إذ مجوز ترك واجب
بعد عشرين سنة آثم وللتعضين دليلان مقلوبان بعضًا مفهومان من
ثاني دليلي الجهور قلنا فيهما خلاف الإجماع إنما يلزم لو لم
يكن التأخير والتعجيل كخصال الكفارة وهذا إنما يناسب التخيير
بين الأداء والقضاء في الوقت وبين الأداء والتقديم في الوقت
وللكرخي أن يقرر الوجوب بآخر الوقت مع التكليف عنده واجب ومع
عدمه نفل وتنافيه الأحكام كوجوب نية الفرض وغيره.
تذنيبان:
1 - قيل: إن فرضنا تقارن أول الصلاة بأول الوقت صحت عند
الشافعية وعند الحنفية لا بد أن يتقدم جزء عليها لوجوب تقدم
السبب. ورد بأن تقدمه ذاتي كتقدمة حركة الإصبع على حركة الخاتم
ولا ينافيه التقارن، وأقول بعد تسليم الرواية وإمكان ألا يتقدم
جزء لا يتجزأ أن معنى سببية الوقت كون العبادة شكر النعمة
الوجود فيه ومن لوازم الشكر سبق النعمة ولأن المكنة بمعنى
سلامة الأسباب هى الشرط للفعل لا الاستطاعة الحقيقة كما سيظهر
وهي مقدمة والزمان المتوهم كاف للتقدم الزماني كما في خلق الله
الزمان.
2 - أن مؤخر الفعل عن جزء ظن الموت فيه عاص اتفاقًا ومؤد عند
الجمهور وقاض عند القاض فإن أراد القضاء اللغوي الشامل كالأداء
فلفظي وإلا فمعنوي فهو جعل الوقت المتعين بظنه ناسخًا والحق
أنه أداء كجلس في بيت مظلم اعتقد قبل الوقت أنه لم يبق منه إلا
قدر ما يسع الفرض فأخر عصى ثم خرج وعلم خطأ اعتقاده واوقعه في
الوقت كان أداء فالأصل أن العصيان لا ينافي الأداء والعوارض لا
تعارض الأصول وهذا بخلاف من أخر مع ظن السلامة ومات فجأة حيث
لا يأثم إذ لا تأثيم بالجائز وشرط سلامة
(1/252)
العاقبة تكليف بالمحال عكس ما وقته العمر
فإنه يأثم بالموت بعد تأخيره والألم يتحقق الوجوب ورابعها في
مقدمة الواجب، وقبل التحرير تمهيدات:
أ- أن مقدمة الواجب ما يتوقف عليها فإن كان التوقف وجوبه فهو
مقيد إما تحقيقًا بقيد وجوب السعي بنداء الصلاة والصلاة بدلوك
الشمس أو تقديرا كالزكاة بحصول النصاب النامي وككل واجب بحصول
محله والقدرة الممكنة وغيرها وإن كان صحته فهو المطلق أي
بالنسبة إلى ما ليس قيدًا لوجوبه كتوقف الصلاة على الوضوء
والزكاة على إفرازه والنكاح على الشهود وقيل: المطلق ما يجب في
كل وقت وعلى كل حال فنوقض بالصلاة حيث لا تَجِب قبل الوقت وحال
الحيض فزيد في كل وقت ما قدر الشارع إلا لمانع ولا يشمل غير
الوقتيات ولا مثل الحج والزكاة في إيجاب ما يتوقف عليه صحتها
من المقدمات.
ب- أن المقدورية قد تفسر بإمكان التحصيل فيخرج عنها تحصيل
البدو الرحل والقدرة ونحوها وقد تعرف بإمكان الإتيان بها
وتركها عند الإتيان بالواجب عقلًا وعرفًا كالوضوء للصلاة
والأول أعم لتناوله مالًا يتناوله الثاني من الشرط العقلي كترك
جميع الأضداد للواجب الغير الكف وفعل ضد واحد للكف والعرفي
كغسل شيء من الرأس لغسل الوجه وستر شيء من الركبة لستر الفخذ
والسبب العقلي كالذهاب إلى مكة للحج.
ج- أن التوقف إما عقلي أو عرفي كما مر أو شرعي بأن جعله الشارع
شرطًا ففسر المقدورية بالأعم يجعله متناولًا للثلاث ومفسرها
بالأخص يخصه بالثالث فنقول مقدمة الواجب المقيد لا يجب اتفاقًا
كالاستطاعة للحج والنداء للجمعة ومقدمة المطلق وأخذ إذا كانت
مغدورة بالتفسير الأعم فيها وفق التوقف عند الجمهور فيحترز بها
عن محو الوضوء لمن لا يجد الماء أو لم يقدر على استعماله بل
يجب بدله وهو التيمم وعلى فاقد الطهورين التشبه كالمربوط على
سارية وبالأخص فيهما عند ابن الحاجب فيحترز عنه وعن الشروط
العقلية والعرفية والأسباب فالثمرة في تناول حكم المسألة هذه
الثلاثة عندهم وعنده الشرط الشرعي فقط، ورجح الأخير بأن ما لا
يمكن تحصيله يخرج بقيد الإطلاق لكون الواجب بالنسبة إليه
مقيدًا فلا يحتاج إلى قيد المقدورية احترازًا عنه وذلك مسلم في
نحو تحصيل المحل والقدرة أم إلى نحو الوضوء والتيمم فلا لأن
الموقوف عليهما الصحة لا الوجوب وقال بعض الجمهور وهم الواقفية
إن كان سببًا يجب وشرطًا لا وقيل: لا مطلقًا فدعوى الاتفاق في
وجوب السبب باطلة للجمهور أن الشرط لو لم يجب لجاز تركه مع
وجوب المشروط وهو تكليف بالمحال، فكذا يجب السبب إذ لا قائل
بوجوب
(1/253)
الشرط دون السبب ورد بأن المحال وجود
المشروط مع عدم الشرط لا مع عدم إيجابه لجواز الإيجاب عند وجود
الشرط كإيجاب الزكاة عند وجود النصاب وجوابه بأنه خلاف الظاهر
لأن الواجب المطلق يقتض ظاهرًا وجوبه كل وقت فنفي عدم وجوبه
عند عدم الشرط بخلاف إيجاب المقدمة فإن الأمر لا ينفيه ليس
بشىء لما مر أن الواجب المطلق أعم من ذلك بوجوه نعم يمكن أن
يقال أن مثله شرط الوجوب والكلام في شرط الصحة فكل مقدمة أن
يقيد الوجوب بها فلا نزاع فيها وإلا ثبت الوجوب على كلا تقديري
وجودها وعدمها والتكليف بهذه الحيثية لتضمنه الوجوب على تقدر
عدم المقدمة مع توقف الوجود عليها تكليف بالمخ إما في المقدمة
العقلية فظاهر وإما في العادية فلأن التكليف بالمخ يتناول
المحال العادي في الامتناع بل هو في الحقيقة محل النزاع كما
سيظهر وقالوا أيضًا كل ما يتوقف عليه الصحة شيء لا يحصل
الامتثال وتفريغ الذمة بدونه وكل ما كان كذلك فهو واجب وقريب
منه قولهم لو لم يجب لصح الأصل دونه ولما كان التوصل إلى
الواجب واجبًا والجواب للصحيح عن الكل أن الثابت بها أن لا بد
منه لا أنه مأمور به شرعًا بل ذلك منتف قطعيًا وإلا كان الشرط
الفعلي أو العادي عبادة وليس كذلك اتفاقًا لا يقال الإجماع
منعقد على وجوب تحصيل أسباب الواجب شرعًا كحز الرقبة لأنا تمتع
بالإجماع وإن سلم ففي الأسباب فقط لا مطلقًا ولا لكونها وسيلة
بل بدليل خارجي وليس هو الإجماع لأنا في طلب الداعي إليه ولا
ضرورة الجبلة لأن ما لا بد منه كذلك ولا أن ليس في وسع لمكلف
إلا مباشرة الأسباب لأنه ممنوع بل لأن المسببات قد لا تكون
مقدورة فيصرف الأمر بها إلى أسبابها كجزء لرقبة ومنه إثبات
وجوب النظر يتوقف معرفة الله تعالى عليه فإنه سبب لا شرط وبه
علم دليل الواقفية ودليل ابن الحاجب إما على أن الشرط الشرعي
واجب فإذ لولاه لوجد بدونه إتيان المأمور به بهذا وهو الصحة
والصحة بدونه تنفي شرطيته هف ويرد منع أن الصحة موافقة هذا
الأمر فقد بل جميع الأوامر الواردة في شأنه فيجوز أن يكون وجوب
الشرط بأمر أخر بل لا بد منه للعلم بشرطيته إذا إيجابه بهذا
الأمر يتوقف عليها ولئن سلم فيجوز التقييد التقديري لهذا الأمر
بأمر آخر فلا يوجد بدونه موافقة هذا الأمر أيضًا، والثاني هو
السلف على دليل الجمهور في الحقيقة مع جوابه لكن يرد الأول إذ
ليس النزاع في وجوب الشرط عند المشروط في نفس الأمر كما مر بل
في أن إيجاب المشروط إيجاب له، وجوابه أن الأوامر الواردة في
شأن الواجب المطلق شروطًا وأسبابًا لبيان الشرطية والسببية لا
للإيجاب مطلقًا
(1/254)
فإيجابها بأمر الواجب وهي لبيان تفاصيل
الموجب يوضحه أن الأمر لو لم يرد بالمشروط وطالما يجب الإتيان
بالشرط أصلًا فتاركهما يعطى الأمر بالمشروط من وجهين وإما على
أن الشروط العقلية والعادية والأسباب لا تجب فلستة أوجه:
1 - لو وجبت للزم تعقلها لأن تعلق الخطاب ملزوم شعور المخاطب
ونحن نقطع بإيجاب الفعل مع عدم الالتفات إلى لوازمه عقلًا أو
عرفًا وعبارة الذهول غنما تصح في الشاهد دون الغائب بخلاف
الشرط الشرعي فإن الأمر طلب إيقاع الواجب مشروعًا وذلك بملاحظه
ماله من الأركان والشرائط الشرعية.
2 - لتعلق به طلب فعل ينتهض تركه سببًا للعقاب ولا يتعلق إذ لا
موأخذة بتركه من حيث هو كما لا ثواب بفعله اتفاقًا وكل ما لم
يتعلق به ليس بواجب لأن الحد والمحدود يتلازمان إما الشرع فقد
تعلق به ذلك.
3 - لامتنع التصريح بعدم إيجابه وليس هذا كأوجبت غسل الوجه لا
شيء من الرأس ولا يرد منع اللزوم أن قدر على الواجب بدونه ومنع
بطلان اللازم إن عجز إما الأول فلان الشرط العرفي كالعقلي
عندهم وإما الثاني فلأن التصريح بعدم إيجابه إنما يمتنع لو
قطعنا بملاحطه عند الإيجاب كما في الشرعي.
4 - لعصي بتركه كالشرعي ونحن نقطع أن العصيان بترك غسل الوجه
لا غسل شيء من الرأس وبرد الإيراد مع جوابه.
5 - لصح قول الكعبي أن لا مباح لأن فعل الواجب الذي هو ترك
الحرام لا يتم إلا بفعل المباح وفيه كلام سيجيء إن شاء الله
تعالى.
6 - لوجبت نية المقدمة إجمالًا كما في الشرعية ولا يجب لأن
النية لتمييز العادة من العبادة وغير الشرعية ليست بعبادة
اتفاقًا إما نفس النية فلتميزها بذاتها لم يحتج إلى النية كما
في الوجود ونحوه وهذا يختص بمذهب المشترطين للنية بالشروط لا
عند القائلين بأن الشروط يعتبر وجودها كيفما كان لا قصدًا قبل
يندفع الكل بأن تعلق الخطاب بالإيقاع على الوجه الممكن عقلًا
وعادة وشرعًا وأجيب بأنه إنما يسلم لو أثبت ملاحظة الأمر في كل
والثواب بفعله والعقاب بتركه ورد بأنه مشترك الإلزام للنزاع
فيها في الشرعية أيضًا ولفساد قياس الغائب على الشاهد في عدم
الملاحظة.
والحق: أن الفرق الإجماع على كون الشرعية عبادة عند النية دون
العقلية والعرفية وسائر الفروق تبتني عليه وللواقفية في إيجاب
الأسباب دون الشروط أوّلًا ما مر وثانيًا أن
(1/255)
الأسباب مقتضية أو مقضية فيشتد تعلقها
بخلاف الشروط.
قلنا: عن الأول انتفاء دليل من الشروط لا يقتضى انتفاء المدلول
وعن الثاني أن مقتض الواجبية توقف الأصل عليه لا شدة التعلق
ولا فرق في ذلك وللمانعين مطلقًا عدم ظهور التناول أو الانفهام
ويظهر خلله عند تعقل أن تعقل الطلب بالايقاع على الوجه المشروع
أو على الوجه الممكن.
تتمه: قيل كما أن من مقدمة الواجب ما يتوقف عليه وجوده بأحد
التوقفات الثلاثة فمنها ما يتوقف عليه العلم به إما للالتباس
كالإتيان بالصلوات الخمس عند ترك واحدة ونسيانها أو للتقارب
كستر شيء من الركبة لستر الفخذ، وفيه بحث لأن العلم به أن كان
واجبًا كان ما يتوقف عليه من سائر الصلوات واجبة وأنها نفل كيف
وقد قيل لو قضى واحدة وصادف المتروكة سقط وإن الإتيان بسائرها
وبستر المركبة مقدمة عادية لنفس القضاء وستر الفخذ كما مر
والمختار فيها عدم الجواب ومما يونسها أمور:
1 - اشتباه المنكوحة بغيرها يجب الكف عنهما إلى أوان رفعه.
2 - قوله لزوجيته إحديكما طالق يكف عنهما إلى أوان البيان
والطلاق يستدعى محلًا معينًا في الجملة لا معينًا شخصيًا ومحل
الحرمة متعين في الأول في نفس الأمر لا ها هنا وعلم الله تعالى
تابع للمعلوم.
3 - الواجب غير المقدر كالطمأنينة في الركوع إذا زيد على قدر
الواجب لا يوصف الزائد بالوجوب لجواز تركه ومنه الزائد على
مطلق المسح في الرأس والخف عند الشافعية والحق خلافه لأن المسح
إمرار اليد لغة فيستدعى لغة فيستدعي مقدارا فيكون محملا بينه
حديث المغيرة أو آلته ولذا ذهب مالك إلى استيعاب الرأس ومحل
الفرض في الخف واحد إلى أكثر الرأس والخف إما الحكم عليه بأنه
الإصابة فليندفع الامالة.
وللحرمة حكمان
الأول: في الحرام المخبر وهو جواز أن يحرم واحد مبهم من أشياء
معينة والتخيير في الترك كما كان في الواجب بالفعل فله أيها
شاء جمعًا وبدلًا لا أن يفعل الكل خلافًا للمعتزلة.
الثاني: في اجتماع الوجوب والحرمة في الفعل الواحد إما الواحد
بالجنس كالسجود لله تعالى وللشمس فمنعه المعتزلة فمن قال بأن
الحسن والقبح لذات الفعل تمسك بلزوم اقتضاء الحقيقة الواحدة
متنافيتين فإذا لورد قوله تعالى {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ
وَلَا لِلْقَمَرِ}
(1/256)
(فصلت: من الآية 37) الآية. أجابوا: بأن
الوجوب والحرمة لقصد التعطم لا للسجود وهذا تخصيص لدعواهم
بأفعال الجوارح وجوابه بعد تسليم حكم العقل بوجهين:
1 - منع اللزوم لجواز أن يكون الفعل مشككًا في أفراده
والاقتضاءات المختلفة يكون منها.
2 - أن الإجماع قبل ظهور المخالف منعقدٌ على أن الساجد للشمس
عاص بالسجود والقصد معًا ومن قال منهم بأنهما للأوصاف
والإضافات تثبث بلزوم اجتماع الضدين وليس بشيء لأن اختلافهما
بوجوب المغايرة بين المتعلقين وإما الواحد بالشخص فعند اتحاد
الجهة مستحيل قطعًا إلا عند بعض من جوز التكليف بالمخ وبعضهم
منعه قولًا بأنه تكليف محال لاجتماع تجويز الفعل الذي يتضمنه
الإيجاب وعدم التجويز وعند ما يكون له جهتان فإن كان بينهما
لزوم فكذا لتعذر الامتثال بهما وإن لم يكن بل جمعهما المكلف
باختياره كالصلاة في الدار المغصوبة فإن للأكوان التي يتضمنها
جهتين كونها من هيئات الصلاة المأمور بها وكونها استيلاء على
مال الغير ظلمًا ولا ملازمة بينهما وكذا رمي المكلف سهمًا إلى
حربي فطرق مسلمًا أو بالعكس فقال الجمهور لا تصح الصلاة
والقاضي على إنها لا تصح أي ليست طاعة لكن يسقط الطلب عندها لا
بها أي طريق إلى سقوطه من غير تأثير قال الإِمام هذا حيدٌ عن
التحصيل لأن الأعذار القاطعة للخطاب محصورة وسقوط التكليف عند
المعصية لا أصل له في الشريعة، ورد بأن الفرض قد يسقط عند
المعصية كشرب المجنون حتى جن وجوابه أن ذلك لرفع الأهلية لا
لفعل ما كلف به مع بقائها وأحمد الجبائي وأكثر المتكلمين على
إنها لا تصلح ولا تسقط.
لنا: أولًا: أن خياطة العبد المأمور بها في مكان نهي عن السكون
فيه طاعة ومعصية من جهتين. وثانيًا: أن المانع اتحاد المتعلقين
ولا اتحاد بين الصلاة والغصب ولا تلازم في الحقيقة وجمع المكلف
لا يخرجهما عن الحقيقة، وقد يستدل ثالثًا: بلزوم أن لا يثبت
بلزوم أن لا يثبت صلاة مكروهة وصوم مكروه وقد ثبتا كالصلاة في
المواطن السبعة والصوم يوم الجمعة مفردًا وإنها ضد على غير
أحمد لخلافه في صحتهما، وبيان للزوم أن الأحكام كلها متضادة
فلو لم يجتمع مع الحرمة لم يجتمع مع الكراهة ورد الكون في
الخير الذي هو شخص واحد في الخارج جزء للصلاة في الدار
المغصوبة وعين الغصب وبالجملة ذاتي للجهتين فيتحد متعلق الوجوب
والحرمة بحسب الوقوع وإن لم يكن بين الصلاة والغصب اتحاد في
المفهوم ولا بين الجهتين تلازم بحسب الاعتبار كما مر فإن كان
(1/257)
الصلاة والصوم المكروهان كذلك منعنا صحتهما
وإلا منعنا اللزوم والأولى الاكتفاء يمنع اللزوم وبيان أنهما
ليسا كذلك كما في الكون الشخصي الذي في صلاة الحمام فمرجع
الوجوب جزئيته ومرجع الكراهة وصف منفك عنه وهو خوف إصابة
الرشاش أو لوسوسة الشياطين لكونه مأوىً لهم من حيث أنه محل
انكشاف العورة وكما في الإمساك الشخصي يوم الجمعة فمرجع الوجوب
جزئيته ومرجع الكراهية كونه مظنة الضعف المخل بعبادات ذلك
اليوم وهذا لأن صحتهما متفق عليها عند غير أحمد فلا يتوجه
منعها. ورابعًا: إنها لو لم تكن صحيحة لم يسقط معها أي عندها
التكليف لأن سقوط القضاء عين الصحة أو ملزومها على المذهبين
ونص القاضي على الإجماع على سقوط القضاء قبل الملزومية ممنوعة
لأن سقوط القضاء عنده بجامع عدم الصحة في مذهب القاضي قلنا ذلك
فيما يرفع الأهلية كما مر أن المجامع سقوط التكليف لا سقوط
القضاء قال الإِمام كما نفل عنهم سقوط الطلب نقل إنها صلاة
مأمور بها فكيف نخرقه في عين ما ينقله، ورد هذا أيضا بمنع
الإجماع لمخالفة أحمد لا تعني أنها لقنع انعقاده حتى يرد قول
الغزالي إنها حجة على أحمد لجوازه قبله أو بعده بل لأنه أقعد
بمعرفة ما انعقد قبله من القاضي قال المقتول نسبة أمام
للمسلمين التي الميتة الجاهلية إفك وتبديع كمجرد وهم وتواتر
الإجماع في خراسان على قرب خمسمائة سنة إلى متوسط أو ضعيف في
التقلبات مع عدم وصوله على قرب المائتين إلى المخالط لحملة
الأنباء الأشد بحثًا فيها بعيد، وللقاضي والمتكلمين أعني
البهشمية في نفى صحتها أولًا: اتحاد متعلقى الأمر والنهي فإن
الكون لكونه جزأ الحركة والسكون الجزئين للصلاة مأمور به
ولكونه عين الغصب منتهي عنه والضاد وعن المكلف هو الكون لا
جهتاه فيلزم اجتماع المتقابلة في واحد بالشخص في زمان واحد،
قلنا: امتناعه عند اتحاد الجهة لجواز كون شخص أبكم وابنًا من
جهتين ولا اتحاد هنا كما في مثال الخياطة.
وثانيًا: إنها لو صحت لصح صوم يوم النحر المنذور لوجود المقتضي
وارتفاع المانع فيهما حينئذ إما الأول ففيها الأمر بها من حيث
إنها معلول لدلوك الشمس مثلًا وفيه اندراجه تحت قوله تعالى
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (الحج: من الآية 29) عند القائلين
بانعقاده كالحنفية لكون التزامه قربة واقترانه بيوم العيد
باختيار المكلف كنذر الصلاة في المساجد الثلاثة التي هي أفضل
تنعقد ولا تجب فيه.
وإما عند الشافعية فلا مقتضى لعدم انعقاده فإن النذر التزام
القربة وصوم يوم العيد
(1/258)
ليس قربة ولقوله عليه السلام لا نذر في
معصية الله تعالى وظهر جوابه وإما الثاني فلعدم الاتحاد ها هنا
كما ثمة كالصومية والوقوع يوم النحر.
قلنا أولًا لا نسلم الملازمة كيف وبينهما لزوم من أحد الطرفين
لأن صوم يوم النحر مضاف لا ينفك عن مطلقة ولا يلزم من دفع
الأقوى الملازم من جهة الصحة دفع الأضعف الجائز الانفكاك من
الطرفين إياها. وثانيًا: يمنع اللزوم على مذهب الشافعية
مستندًا بالفرق فإن نهى التحريم وإن اقتضى بطلان الذات فيهما
فقد وجد في الصلاة دليل مخالفة الظاهر وهو لزوم التكليف المح
فوجب صرف النهي إلى فساد الوصف كالنهي عن الطلاق في الحيض صرفه
أمره عليه السلام بالرجعة له إلى وصف تطويل العدة والحق به كل
طلاق يقضي إليه في الحرمة بخلاف الصوم المذكور المنذور فإنه لم
ينعقد فلم يتناوله قوله تعالى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}
(الحج: من الآية 29) ويمنع بطلان اللازم على مذهب الحنفية لأن
النهي في كراهة فيرجع إلى صفة الإعراض عن ضيافة الله تعالى
فيصح ذاته هذا كله فيما لا لزوم إما فيما هو فيه كمتوسط أرض
مغصوبة على علم ببذل مجهوده في الخروج منها فحظ الأصول فيه بأن
جواز تعلق الأمر والنهي معها بالخروج لو عدم جوازه فقال
البهشمية تعلقان مغابة إذ لم يسقط الطلب عنه يوم القيمة وإن
أتى بما وجب عليه كمن غصب مالًا غاب صاحبه ثم ندم وتاب لم يسقط
حق الأدمي قلنا فيه التجويز وعدمه وهو تكليف هو محال فلا معصية
إذا حرج بماهية شرطه من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضرًا
وقال الإِمام باستصحاب حكم المعصية لتسبب فعله الاختياري إلى
ما تورط فيه لا للنهي عنه حتى لو وقع بالإجبار سقط عنه المعصية
وبه ظهر جواب مسألة أبي هاشم تحير فيه الفقهاء وهي توسط فتخص
جمعًا من الجرحي جثم على واحد بحيث أن بقي هلك من تحبه وإن ذهب
فآخرًا أن حكمه سقوط التكليف مع استمرار حكم العصيان.
قلنا: بعيد إذ لا معصية إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور به
والحصر عنده ممنوع لجواز أن تكون بتسبب منهي عنه بالاختيار وهو
أقرب من التعصية بفعل الغير.
وللندب حكمان:
1 - أن الأمر فيه أيضًا حقيقة عند القاضي وجماعة فيكون بينهما
مشتركًا لفظيًا أو معنويًا ويكون حكمه التوقف خلافا للكرخي
والجصاص ولا خلاف في استعمال الصيغة مجازًا، ولا لزوم أن يكون
ترك المندوب معصية إذ لا معنى لها إلا مخالفة الأمر الظاهر أو
(1/259)
للازم. وثانيًا: أن السواك مندوب إليه وليس
بمأمور به لقوله عليه السلام "لولا أن أشق على أمتي" الحديث
ولأن المندوب لا مشقة له والمأمور به فيه مشقة بالحديث لا يقال
المعصية مخالفة أمر الإيجاب والمعنى أمرتهم أمر إيجاب لأن كلا
منهما خلاف الظاهر قالوا أولًا المندوب طاعة إجماعًا وكل طاعة
مأمور بها إذ ليست هي ما هو مرادًا لله فقد يريد العصيان بل ما
أمر به قلنا الحصر ممنوع بل هي فعل المطلوب الأعم من الجازم
والراجح وثانيًا ينقسم إلى أمر إيجاب وندب لغة اتفاقًا ومورد
القسمة مشترك، قلنا انقسامه مرادًا به (أم ر) لا نعلم الاتفاق
فيه ومرادًا به استعمال مدلوله وهو الصيغة لا يفيد فإن
الانقسام قد يكون إلى الأقسام المجازية كما إلى خمسة عشر أو
أكثر.
2 - أنه ليس تكليفًا إذ لا يوجب مشقة والتكليف إلزام ما فيه
كلفة خلافًا للأستاذ فإن التكليف طلب ما فيه كلفة وفعله لتحصيل
الثواب سياق لأنه ربما يخالف المشتهى فالنزاع لفظي إما وجوب
اعتقاد ندبيته فأمر آخر.
وللكراهة أحكام
الأول: أن النهي حقيقة فيها لأن ترك المكروه طاعة بناء على أن
النهى عن الشيء أمر بضده أو مستلزم له عندهم ولأنه ينقسم إلى
نهى تحريم ونهي كراهة والحق خلافه كما مر.
الثالث: إنها ليست تكليفًا إذ لا إلزام فيها أو تكليف لأن في
تركه لتحصيل الثواب كله كما مر.
الثالث: أن المكروه قد يطلق على الحرام نحو نكره في الأوقات
المكروهة صلاة أو كما قال الشافعي صلاة لا سبب لها وعلى ترك
الأولى نحو ترك صلاة الضحى مكروه.
وللإباحة أحكام
الأول: المباح يراد فيه الجائز ويطلق أيضًا على معان أربعة:
أ- مالًا يمتنع شرعًا أي لا يحرم فيتناول غير الحرام نحو يجوز
الصلاة في الدار المغصوبة فهو أعم من الأول.
ب- إلا يمتنع عقلًا وهو الممكن العام الموجب فيتناول غير
الممتنع فهو أعم من الأول مطلقًا ومن الثاني من وجه لافتراقهما
في جمع النقيضين وشرب قطرة من الخمر كقولهم المخلوف عليه أن
امتنع عادة نحو ليتصعدن السماء انعقدت وحنت في الحال وإن حاز
فإن وجب تجولًا بصعده لا ينعقد وإلا انعقدت وأمكن بره وحنثه.
(1/260)
ج- ما استوى الفعل والترك في عدم حرمته
سواء سؤاهما الشارع بتعلق خطاب التخيير كالمباح أو العقل أو لم
يتعلق به خطاب أصلًا كفعل الصبي وكل غير مكلف وهو أعم من الأول
وأخص من الثاني مطلقًا ومن الثالث من وجه.
د- المشكوك فيه لاستواء الطرفين شرعًا أو عقلًا في نفس المجتهد
لا في حكم الشارع ونفس الأمر أو لعدم الامتناع شرعًا أو عقلًا
كذلك ويشتمل على أربعة أوجه:
1 - ما تعارض فيه دليلان شرعيان ولا ترجيح فيخبر المفتي
والمنفي كما أن للشافعى في عبد غاب أثره وانقطع خبره أعتق عن
كفارة قولين الأجزاء باستصحاب وجود العبد وعدم الأجزاء
باستصحاب شغل الذمة والمباح ما دل دليل واحد على إباحته لا
دليلان متقابلان.
2 - ما تعارض فيه ذلك عقلًا عنده.
3 - ما دل عليه دليل شرعي ولم يظهر امتناع عدمه الذي في نفس
الأمر عند المجتهد كما فتى الإِمام بوقوع الطلاق إذا قال
لجماعة فيهم زوجته طلقتكم لمصادفة الصريح محله وقال الغزالي في
النفس منه شيء أي لا أجزم بوقوعه وعدمه لا يمتنع وبينه النووي
رحمه الله بأن ما يقع ما يقصد به رفع عقد النكاح.
4 - ما لم يظهر عقلًا امتناع عدمه عنده.
الثاني: أن الإباحة حكم شرعي كسائر الأحكام فلا إباحة قبل
البعثة وفيما لا دلالة شرعية عليها نعم عدم المدرك الشرعي مدرك
شرعي في مباح الأصل عند البعض كما مر وهذا يشتمل على مقامين:
أ- أن الاختياريات التي يدرك العقل عدم المصلحة والمفسدة فيها
ولم يتعلق خطاب فمباحة عند جميع المعتزلة لحكم العقل بعدم
الحرج في الطرفين.
ب- التي لم يدرك العقل اشتمالها عليهما وعدمه فمباحة عند بعضهم
لعدم الحرج في طرفيها لا عند معتزلة بغداد لعدم حكم العقل
وتوقف الصبر في منهم كما مر في ثانية مسألتى التنزل وعندنا ليس
شيء منها مباحًا والنزاع مبني على أن الإباحة ما عدم الحرج في
طرفيه مطلقًا كمذهب البصرية أو ما حكم بعدمه عقاد فقط
كالبغدادية أو شرعًا كمذهبنا.
(1/261)
الثالث: أن المباح ليس بمأمور به (1)
خلافًا للكعبي (2) وربما يعبر عنها بأن الواجب لا يجوز تركه
خلافًا له وفيه بعض تفضيل ربما يعقل عنه فلا يتحرر المبحث ولذا
يسند الخلاف إلى بعض الخلاف إلى بعض الفقهاء أيضًا لا يجوز ترك
مثل الحائض والمريض والمسافر الصوم مع وجوبه عليهم لتحقق السبب
ولذا يجب القضاء فيحتاج إلى الجواب بأن الشيء قد لا يترتب على
موجبه لمانع وبأن وجوب القضاء لتسند إلى سبب الوجوب لا وجوب
الأداء كمن نام في جميع الوقت والحق أن الواجب لا يجوز تركه
عندهم لكن على حسب الوجوب فبمعنى ماله نفس الوجوب أو سبب
الوجوب على المذهبين لا يجوز ترك قضائه فيأثم به وقد يجوز ترك
أدائه فلا يأثم به وبمعنى ما له وجوب الأداء لا يجوز ترك أدائه
وقضائه فيأثم بهما فلهذا اخترنا العبارة الأولى.
لنا أن الأمر طلب فيستلزم ترجيح متعلقة وله أن كل مباح ترك
حرام أو هو موقوف عليه فالسكوت ترك للقذف والسكون ترك للقتل
وكل ترك حرام فهو واجب أو مقدمة له.
وقيل: الدعوى والليل في مصادمة الإجماع على أن الفعل ينقسم إلى
الواجب والمباح فلا يسمعان.
وأجيب بأن الإجماع يؤول بذات الفعل جمعًا بينهما ولامتناع في
كونه مباحًا لذاته واجبًا لما يستلزمه ككونه واجبًا وحرامًا
باعتبارين ثم أورد على الدليل بوجهين:
1 - أنه منع مقدمة الواجب فالسكوت مثلًا غير متعين لترك القذف
لإمكان تركه بكلام آخر وأجيب بأن غايته أنه واجب غير فثبت أصل
الوجوب ورد بأن المخير يكون بين أمور معينة وهذا بظاهره كلام
على السند لكن لإمكان إلحاقه بأصل الدليل بالترديد، أجيب عنه
بأن التعين مرادًا به الشخصي خلاف الإجماع كما في خصال الكفارة
والنوعي حاصل لأنه اختياريًا إما واجب أو مندوب أو غيرهما
واضطراريًا إما حركة أو سكون.
ورد بأن المعتبر تعيين الشارع حقائقها وتمييز كل منها بما يخصه
كالصوم والإعتاق مثلًا لا بالأعراض العامة وأجيب بأنه حاصل لأن
الشارع عين كل نوع من الفعل والفقهاء دونهما والتعبير بالأعراض
العامة للاغناء عن التفصيل المعلوم لا للجهل.
__________
(1) ونقل الشيخ سيف الدين الآمدي اتفاق الفقهاء قاطبة على ذلك.
انظر / إحكام الأحكام للامدي (1/ 177).
(2) وأتباعه من المعتزلة. انظر / إحكام الأحكام للامدي (1/
177).
(1/262)
2 - أنه لو صح لكان كل واجب حرامًا إذا ترك
به واجب آخر وكل حرام واجبًا لاستلزامه ترك حرام آخر وكذا كل
حرام وواجب واحد واجبات متعددة تعدد الحرمات إلى غير ذلك،
وأجيب بالتزامها باعتبار الجهات ورد بلزوم أن يكون فاعل واجب
بل مباح بل مكروه بل حرام مثابًا من وجوه كثيرة لا تحصى وأنه
خلاف الإجماع وأجيب بأن الإثابة والعقاب بذات الفعل لا للوازمه
وليس يسيء لأن بعض المأمور به لإثبات به وبعض المنهي عند لا
يعاقب عليه حاصل ولم يقل به أحد ولئن قال هو فلا يظهر لمذهبه
فائدة لأن المبحث ما يتعلق به الثواب ولذا قبل الجواب الذي لا
مخلص إلا به منع كون المقدمات العقلية والعارية واجبة فإن مال
الجوابين واحد.
الرابع: أن الإباحة تكليف عند الأستاذ يعني إنها يتضمنه وهو
وجوب اعتقاد حقيته وإلا فبعيد.
الخامس: أن المباح ليس بنسب للواجب كما ظن وإلا فسيلزم الوجوب
التخيير لأنه الحقيقة جنسه والمأذون في الفعل ليس تمام حقيقة
المباح بالمعنى المتنازع بل مع الترك نعم تمام حقيقة بمعنى ما
لا يمتنع شرعا.
التقسيم السابع الجامع المحكم
الشرعي على سوق أصحابنا
الحكم الشرعي: وهو الموقوف على توقيف فهو بمعنى خطاب الله لا
بمعنى الاسناد كما ظن ولا خفاء في اشتراك المورد فلا حاجة إلى
جعله ما يطلق عليه لفظ الحكم أن كان المعتبر فيه تعلق الاقتضاء
بأحد طرفي فعل المكلف بوجه أو التخيير أي الزام ما فيه كلفة
ولو بوجه وفي مذهب أو عدمه فتكليفي ومقصوده المفاصد الأخروية
من الثواب أو العقاب أو عدمها وينحصر في خمسة أو سبعة أو تسعة
فاندراج الإباحة مثلًا تحت التكليفي وعدم صواب تحت المقصود
كإندراج المحجوب حجب الحرمان تحت الورثة وهو أولى من التخريب
بالحمل على الاصطلاح الغير الثابت أو التغليب وإلا كان المعتبر
تعلق شيء به بالوضع الشرعي من حيث التعلق الأول وإلا فلا نسبة
له إلى التكليف ولا بد أن يحصل من تعلقه صفة لذلك فوضعي فإن
دخل ذلك الشيء فيه فالمادة تسمى ركنًا والصورة في المعاملات
انعقادًا وهو ارتباط أجزاء التصرف وإن خرج فإن تقدم عليه فإن
كان موثرًا في العلم بثبوته فدليل وهو مدلوله وإن كان مؤثرًا
في نفس ثبوته بمعنى اعتبار الشارع إياه في مشروعيته لا بمعنى
الاقتضاء العقلي كما في العقلية فعلة ومعلولها باعتبار أنه
(1/263)
حكم أصلي بالمعنى السالف عزيمة وباعتباراته
مسبب عن عذر طارئٍ يناسب التخفيف مع قيام المحرم رخصة
وتقسيمهما إلى الأحكام التكليفية باعتبار ذاتها لا باعتبار
كونها عزيمة وكل منهما إذا اعتبر الشارع له وقتًا أن أوقع فيه
فأداء وإلا فقضاء والمراد الشرعيان وإلا فإن كان موصلًا إليه
في الجملة فسبب وقتيًا كان كزوال الشمس لوجوب الصلاة أو معنويا
كاسباب الملك والضمان والعقوبات ونفسها وإلا فإن توقف وجود
الفعل على وجوده فشرط أو على عدمه فمانع ولا فلا أقل من أن
يكون معرفا لوجوده فعلامة وإن تأخر عنه فأثرٌ له ويسمى حكمة،
سواء كان مقصودا منه كفك الرقبة من شراء الجارية ويعد معلولا
أو لم يكن كملك المتعة منه ويعد مسببًا ثم إذا كان الأثر
مقصودًا فكونه بحيث يوصل إلى المقصود الدنيوي صحة والمتصف بها
مشروع بأصله ووصفه وهو في العبادة موافقة أمر الشارع عند
المتكلم وسقوط القضاء عند الفقيه أي تفريجِ الذمة وإن كان
إسقاطا لها بالشروع فلا يستدعي سبق الثبوت وفي المعاملة
الاختصاص الشرعي أعني الغرض المترتب على العقود والفسوخ
وغيرهما ترتبًا لا يستنكره شرعًا ومنه البينونة على الطلاق
ولزوم القضاء على الشهادة وثبوت الحق على القضاء لا حصول
الانتفاع أو التوالد مثلًا حتى يرد أنه قد يترتب على الفاسد
وقد يتخلف عن الصحيح كما سمي ترتب الأثر فيها نفاذًا فبيع
الفضولي منعقد صحيح لكونه موصلًا ليس بنافذ للتوقف وكون
الترتيب بحيث لا يمكن رفعه لزوما وثباتا فالبيع بالخيار صحيح
نافذ ليس بلازم وكونه بحيث لا يوصل إليه أصلًا بطلان، والمتصف
به غير مشروع بأصله ووصفه وقد يسمى فأنت المعنى من كل وجد مع
وجود الصورة إما لعدم معنى التصرف كبيع الميتة أو لعدم أهلية
المتصرف كبيع الصبي والمجنون وبحيث يوصل إليه أركانه وشرائطه
لا أوصافه فساد والمتصف به مشروع بأصله دون وصفه فإن كان الوصف
المفسد في الركن ففى صلب العقد كالربا وإلا فمن خارج كما
بجهالة الأجل وبين البطلان والفساد وإن تناوبا مجازًا فرق في
المعاملات عندنا فالفاسد منعقد كالربا ولذا يفيد الملك وإن لم
نقلب بطرح الزيادة صحيحًا لأنه في الصلب بخلافه لجمالة الأجل
لكن ليس صحيحًا ولا نافذًا لعدم ترتب إباحة الانتفاع والباطل
ليس بمنعقد كبيع المائن لا في العبادات إذ ليس سقوط القضاء
بحيث يحصل من وجه وصوم يوم العيد لو نذره ليس واسطة بل صحيح
لأنه يسقط وإن القضاء وإن كان الأولى الإفطار والقضاء ولكن قد
يسمى فاسدًا باعتبار الإعراض عن ضيافة الله تعالى وتحقيقه إن
سقوط القضاء بما يسمى فاسدا صومًا كان أو
(1/264)
صلاة ليس بجهة فساده بل لانعقاد سببه فهو
بالنسبة إلى ذلك السبب ليس فاسدًا وإن كان بالنسبة إلى صحيح
السبب كذلك فمن حيث هو مسقط صحيح، وعند الشافعية لا فرق بينهما
أصلًا لأنهما اسم غير الصحيح وإن صح إن لا مناقشة في التسمية
لكن التفصيل لتمييز الأحكام فهذا مجزه والصحة وعدمها على
اصطلاح الفقيه موقوف على التوقيف لأن بعض الأفعال لا يسقط
القضاء كصلاة فاقد الطهورين والمربوط وكذا الأعمى الذي تحرى له
بصيران في إنائين فاختلفا والبصير المتغير تجريه فيهما عند
الشافعي فهما من أحكام الوضع وقس عليهما غيرهما من كون الملكين
وثبوت الدين في الذمة أثرًا أو معلولا ومسببا ونحوها فليس
أمثالها خارجة عن التكليفى والوضع كما ظنه بعض الأفاضل ثم كونه
مناطا للمقصود الأخروي من الثواب والعقاب حسن وقبح فلكونهما
شرعيين عند الأشاعرة من الوضعية هذا أو لا بد من الكلام فيما
يتضح له أحكام من هذه الأقسام وهو: سنة، الركن، والسبب،
والعلة، والشرط، والعلامة، والمانع: أما الركن: فهو ما يتقوم
به الشيء وهو جزؤه لا ما تقوم به لصدقة على المحل فإن لم يعتبر
الشارع حكمه باقيا عند إنتفائه لضعفه فركن أصيل كالتصديق
للإيمان وإن اعتبره باقيا لعذر فركن زائد كالإقرار له سمي به
لشبهة بالخارج إما الركن المكمل وهو ما يتقوم به كمال الشيء لا
نفسه فلم يذكر في القسمة لعدم اعتبار الدراجة تحت المورد لا
يقال تحقق الكل عند إنتفاء جزئه محال لأنا نقول الباقي حكم
الكل لا عينه وذلك غير محال كما يعطي للأكثر حكم الكل وجعل
التجوز في الركنية لقوة الزائد لا يوافق كلامهم.
وأما السبب: فهو لغة إما الطريق نحو فاتبع سببًا أو الحبل نحو
فليمدد بسبب أو الباب نحو أسباب السموات والكل مشترك في
الاتصال فاصطلح لمعنيين:
1 - ما يفضى إلى حكم مطلوب يدرك فيه لا به وهذا يتناول ما ليس
تعلق الفعل به بصنع المكلف كالوقت وما هو بصنعه لكن لا يكون
الغرض من وضعه ذلك كالشرعي لملك المتعة لأن المراد بالباء
السببية أعني العلية وضعًا شرعيًا ويخرج ما يدرك تأثيره فيما
هو الغرض من وضعه كالشاري لملك الرقبة فإنه علة. 2 - كل وصف
ظاهر منضبط دل السمع على كونه معرفا لحكم شرعي (1) وهذا أعم
لتناوله كل ما يدل على الحكم من الحلل وغيرها فما سنذكر من
أسباب الشرائع حقيقة
__________
(1) وقال شيخ الإِسلام السرخسي: ما يكون طريقًا للوصول إلى
الحكم المطلوب. انظر / أصول السرخسي (2/ 301).
(1/265)
بالثاني مجاز بالأول لأن كلها أو بعضها علة
كما للعقوبات ثم قسموه إلى أربعة أقسام لأن إفضاءه إما في
الحال فإن لم يضف العلة المتخللة إليه فسبب حقيقي وإن أضيفت
فأما ثبوتًا به ولكن لم يوضع له وإلا كان علة أو ثبوتًا عنده
بلا تراخ وهو السبب الذي في حكم العلة أو ثبوتًا عنده مع
التراخي أو به غير موضوع لمتخلل لم يوضع له وهو السبب الذي له
شبهة العلة وأمل في المأل فسبب مجازي فقيل مورد القسمة المعنى
الأول وليس إذ لا يتناول غير الأول وقيل: المعنى الثاني وليس
أيضًا لتناوله العلل والإمارات والصحيح أن المورد ما يطلق عليه
اسم السبب كتقسيم المشترك اللفظي فلا يلتزم معنى مشترك بينها
وكذا في العلة والشرط ولذا جاز عد المجازي منها واشتراك بعض
الأقسام بين الثلاثة أو الاثنين لاشتراك الإطلاق.
الأول: الحقيقي وهو طريق الحكم بلا انضياف وجوب ووجود إليه أي
وضعا وبلا تعقل التأثير فلا بد من تخلل علة لا نضاف إليه خرج
بالأول العلة لثبوت الحكم بها وضعًا وبالثاني الشرط لثبوته
عنده وضعا وقيد الوضع ليدخل فيه مثل إنضياف ملك المتعة إلى
الشري فيه ويخرج بالقيد الأخير كمطلق الأقسام الباقية من
المسبب لتعقل حقيقة التأثير أو شبهته فيها وحكمه أن لا يضاف
أثر الفعل إليه وله فروع.
1 - الدال على السرقة أو القتل أو قطع الطريق لا يضمن أو على
حصن حربي بوصف طريقة لا يشترك في الغنيمة إلا إِذا ذهب معهم
فصار صاحب علة لأن الدلالة طريق الموصول وقد لخلل بينها وبين
الحصول فعل مختار لم يضف إليها وإنما يضمن محرم دل على الصيد
لأن إزالة إلا من جناية في حقه لالتزامه إياه فدلالته مباشرة
لا تسبب كمودع دل سارقا على الوديعة لكن لأن الدلالة تعرض
الانتفاض لم يضمن بها حتى يستقر باتصال القتل وإلا يصير كما
أخذه فأرسله أو رماه فلم يصب نظيرها الجراحة نستأني لمعرفة
مآلها فإن اندملت بلا أثر فلا شيء والمضارب إذا جاوز البلد
المشروط فإن عاد إليه قبل التصرف فلا ضمان وإنما لا يضمن
الحلال الدال على صيد الحرم لأنه كالدال على الأموال المملوكة
ومتاع المسجد والأموال المحترمة لله تعالى كالموقوفة يوضحه أنه
ضمان المحل فلا يتعدد بتعدد الجاني بخلاف ضمان المحرم وإنما
أوجبوا الضمان على الساعي استحسانا على خلاف القياس لغلبة
السعاة.
2 - فإن النكح هذه فهما حرة فنكحها فولدت فظهرت أمه لم يرجع
بقيمة الولد عليه لأن الاستيلاد فعل مختار غير مبني على الأمر
بالنكاح بل على نفس النكاح لوضعه له ولذا
(1/266)
يرجع إذا زوجها على هذا الشرط فإنه علة
مشروطة بالحرية للإستيلاد ففى حكم العلة لحكمه.
3 - الموهوب له الجارية المستولدة المستحقة لا يرجع بقيمته على
الواهب والمستعير المتلف للعين باستعماله فاستحق فضمن لا يرجع
بقيمته على المعير لأن العلة الاستيلاد واستهلاك المستعار غير
مضافة إلى الهبة والإعارة ويرجع المشترى بقيمته على البايع
لالتزامه السلامة ولا عيب فوق الاستحقاق وفي عقد التبرع لا
إلتزام لها لا بالعقد لوصول عوضه وقيل: لتضمن عقد المعاوضة
الكفاله لشرطه البدل عليه بخلاف المتبرع واستضعفه شمس الأئمة
رحمه الله تعالى لأن من استأجر من المأذون دابة فتلفت فاستحقت
برجع بما ضمن من قيمتها على العبد في الحال مع أن العبد لا
يؤاخذ بضمان الكفاله مالم يعتق بخلاف ضمان العيب وأقول غاية
الكفاله الضمنية أن نكون كالمصرحة فلا يلزم من عدم اعتبارها في
العبد عدمه مطلقًا.
4 - من دفع لصبي سلاحًا ليمسكه له فوجأ به نفسه لم يضمن لأن
ضربه نفسه صادر باختياره غير مضاف إليه بخلاف سقوطه من يده إذ
هو غير مختار فيضاف إلى الدفع لكونه تعديًا وصار في حكم العلة
أما من حمل صبيًا حرًا أو مكاتبًا لا يعبر عن نفسه بلا ولاية
إلى حرًا أو برد أو شاهق جبل أو سبعة أو محياه أو نحوها فعطب
بذلك الوجه يضمن عاقلته استحسانًا حلا فالزفر والشافعي قياسًا
إذ لا يضمن الحر بالغصب لعدم كونه مالًا متقومًا كماذا نقلة
بإذن وليه أو حصل في يده بغير صنعه أو مات حتف أنفه أو بمرض أو
كان يعبر عن نفسه قلنا الصبي الغير المعبر محفوظ بيد وليه وغير
قادر على المعارضة بلسانه كما بيده وقد أزال يده فاستولى يده
حقيقة وحكمًا متعديًا فتسبب لإتلافه كحافر البئر ولذا يضاف
التلف إليه ويقال لولا تقربه إلى المهلكة لم يهلك فكان في معنى
العلة بخلاف الصور المذكورة لأنه إذا مات حتف أنفه أو بمرض لا
يضاف إليه بل إلى سبب حادث من نفسه ولذا إذا قتل الصبي رجلًا
لا يرجع عاقلته على عاقلة الغاصب إذ فعله غير مضاف إليه ومثله
من حَمَلَ صبيًا بلا ولاية على دابة فسقط منها وهي واقفة أو
سارت بنفسها تضمن إعاقته مستمسكا كان أي قادرًا على الجلوس
عليها بلا إمساك أولًا لأنه مسبب متعد يضاف التلف إليه وإن
ساقها الصبي وهو يقدر على صرفها انقطع التسبب.
5 - من قال لصبي أصعد الشجرة وانقض ثمرتها لتأكل أنت أو لنأكل
نحن ففعل
(1/267)
فعطب لا يضمن لأن صعوده حاصل باختياره
لمنفعة نفسه من كل وجه أو من وجه فلا ينقطع الحكم عن علته
بالشك لأن الأصل الإضافة إلى العلة دون السبب بخلاف ما إذا
لدغته حية وجرحه إنسان حيث يسقط نصف الضمان لأن كلا علة فتعذر
الترجيح ويضمن عاقلته في لأكل أنا لأنه صار مستعملًا له بمنزلة
الألة فتلفه يضاف إليه ومسائلة كثيرة كحل قيد العبد وفتح باب
القفص والاصطبل وغيرهما من الأسباب والشروط المعدودة من هذا.
الثاني: سبب في حكم العلة وهو سبب يضاف العلة المتخللة إليه
لكن لا يكون موضوعًا لحكمها فيكون كعلة العلة أو إيجاد شرط لا
يتراخي عنه العلة وحكمها وحكمه أن يضاف أثر الفعل وقد مر من
فروعه أكثر من خمسة ومنها سوق الدابة وقودها لأنها تمسّي على
طبعهما لكنهما لم يوضعا للتلف فيضاف ما تلف إليهما في بدل
المحل لا في جزاء المباشرة كالقصاص والكفارة وحرمان الميراث
وكذا قطع حبل القنديل وشق الزق وفيه مانع وإشراع الجناح إلى
الطريق ووضع الحجر فيه وترك الحائط المائل بعد المتقدم إليه
وإدخال الدابة في زرع الغير حتى أكلته ومنها الشهادة بالقود
فلإضافته إليها صارت في حكم العلة ولأنها لم توضع له لم يكن
علة فلم يلزم القصاص وغيره من أجزية الأفعال والشافعى رضي الله
عنه بما سببته لكنه جعل السبب المؤكد بالعمد المعين إذ الشهود
عينوه مباشرة فاوجب القصاص للزجر لأدائه إلى الهلاك غالبًا
قلنا القتل مع أن الشهادة لم توضع له ليس في يد الشاهد بل
يتخلل حكم القاضي ومباشرة الولي قتله باختياره الصحيح بخلاف
اختيار المكره حيث لا ينافي الاقتصاص وإذا لم يجب به كفارة
لعدم المباشرة مع قصورها جزاء فالقصاص أولى كيف والقصاص يقتضي
المماثلة وهي بين المباشرة والتسبب وإن أكد مفقودة.
الثالث: سبب له شبهة العلة وهو سبب إيجاد شرط العلة فيضاف
الحكم إليه ثبوتًا عنده على صحة التراخي أو يثبت به غيره موضوع
لمتخلل لم يوضع للحكم وحكمه أن يضاف أثر الفعل إليه بالتعدي لا
مطلقًا كحفر البئر إيجاد شرط الوقوع فيضمن بالتعدي وكذا إرضاع
الكبيرة ضرتها الصغيرة فتعزم نصف صداقها للزوج أن تعمدت إفساد
بخلاف محرم نصب قسطاطًا أو حفر بئر الإستقاء فتعلق به صيدًا
ووقع فيها لم يضمن لعدم التعدي كذا ذكره الإِمام الحصري، ورد
بأنه من أقسام الشروط التي في حكم العلة وليس بشيء لما مر أن
الامتناع في كون الواحد شرطًا وسببًا باعتبار رفع المانع
والإفضاء
(1/268)
كما في كونه سببًا وعلة بالاعتبارين أو
شرطًا وعلامة أو سببًا وعلة وشرطًا بالاعتبارات بل الغرض من
ذكر المثالين التنبيه على أنه قد يكون في نفسه شرطًا كالحفر
لكونه رفع المانع وقد لا كالإرضاع نعم الفرق بينه وبين الثاني
غير متضح فإنه وإن أمكن في الحفر أن لا يكون كشق الزق تخلل فية
سبب آخر اختياري مباح هو المشي دونه هنا وإن لم يضف الحكم إليه
لعدم التعدي فيه ولذا لو حفر في ملكه كان الحكم بالعكس وتراخي
الوقوع والتلف به لكن إرضاع الكبيرة كشهادة القتل في أن الحكم
مضاف إليه ولم يوضع له بل أولى لأن ارتضاع الصغيرة غير معتبر
فهو كالطبيعي ولذا إذ قتل مورثه لا يحرم عن الميراث اللهم إلا
أن يفرق باعتبار أن التسبب هنا في موضعين إذ لا الارضاع موضوع
للإفساد بل للتربية ولا إفساد النكاح لا لزوم المهر لما عرف أن
البضع حين خروجه غير متقوم ولزومه بطريق المتعة وضمانه لشبه
الغصب كما في الشهادة بالطلاق قبل الدخول ولذا لم يعينه فخر
الإِسلام رحمه الله تعالى بل المفهوم من عبارته وعبارة شراح
كتابه أنه عين المسبب المجازي سمي باسمين باعتبارين.
الرابع: السبب المجازي وهو ما ليس مقضيًا في الحال بل في الآل
وخص به وإن كان السبب مع التأثير مجازًا أيضًا لأن التجوز
ينقصان الحقيقة أولى منه بالزيادة المكلمة عليها وهو كاليمين
بالله للكفارة وكتعليق الطلاق والعتاق والنذر بشرط لا يراد أو
يراد للجزاء فإنه إليست أسبابًا حقيقة إذ لا أقضاء لليمين
إليها إلا على تقدير الحنث ولا للتعليقات إلى الأجزية إلا عند
وجود الشرط فعند الحنث ووجود الشرط يكون اليمين والتعلقات
أسبابًا مفضية بالفعل وإن نفس الحنث والمعلق يكون عللًا وكان
تجوزًا من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه مع أن قولهم يثبت
الكفارة أمر دائر بين الحظر والإباحة كاليمن المنعقدة بخلاف
الغموس ظاهر في أن السبب نفس اليمين لكن بشرط ذوات البر وعلى
هذا يحمل عبارة المشايخ فلا يرد إنها في المأل لا تصير أسبابًا
بل عللًا حقيقية للإضافة والتأثير والاتصال فإن العلل حاصل هي
المعلقات التي صارت منجزة ولا محتاج إلى ما هم برءاء عنه من
حمل السبب على اللغوي وكذا لا يردان سبب الكفارة الهتك بالخنث
لا اليمين وإنها يعقد للبر الذي هو ضده ولا يحتاج إلى الجواب
بأن الإفضاء نوعان وهاهنا انقلابي كافضاء الصوم على تقدير
الهتك إلى الكفارة ونظائره لورود منعهم فيه أيضًا بأن سببها
الجناية عليه فلا حاجة إلى مستصوبه في العلاقة إنها مشابهة
السبب في الإفضاء ولو بعد حين إذ لا مخلص فيه لورود أن الحاصل
بعد حين التأثير لا هو وقال الشافعي هى أسباب
(1/269)
بمعى العلل لأنها الموجبات على النفاد ولا
علل لتأخر الحكم إليها فاستدعت المحل قد يجز تعليق الطلاق
والعتاق بالملك لعدمه وجاز التكفير بالمال قبل الحنث عنده
لوجوده وسيجىء تمام البحث إن شاء الله تعالى ثم إن لهذا السبب
المجازي شبهة الحقيقة عندنا لوجهين:
1 - أن اليمين بالله وبغير شرعت لتأكيد البر وذلك بأن يكون
مضمونًا بلزوم الكفارة في الأول والجزاء في الثاني وكل ما كان
الثابت بسبب مضمونًا به عند فواته كان له شبهة الثبوت قبله
فكذا لسببه كما أن الغصب يوجب ردّ عين المغصوب مضمونًا بالقيمة
عند فوته ولها شبهة الثبوت قبله حتى يصح الأبراء عن القيمة
والعين والكفاله والرهن حال قيام العين ولم يجب على الغاصب
زكاة قدر قيمته ولذا يتملكه بالضمان من وقت الغصب.
2 - أن وجوب البر لخوف لزوم الكفارة أو الجزاء وكل واجب لغيره
يكون ثابتًا من وجه دون آخر وإذا كان له عرضية الفوات كان لهما
عرضية الثبوت فكذا لسببه يكون المسبب ثابتًا على قدر السبب
وشبهة السيء معتبرة بحقيقته فلا تستغني عن المحل كهى إذ كل حكم
عائد إلى المحل فشبهته كالحقيقة وبقاؤه كالابتداء في استدعائه
ولذا لا يثبت شبهة النكاح في المحارم وشبهة البيع في الحر لأن
معنى الشبهة قيام الدليل مع لخلف المدلول لمانع فيمتنع في غير
المحل فماذا فات المحل بزوال الحل بطل اليمين فتنجيز الثلاث
يبطل تعليقها وتعليق ما دونها ولمحمد رحمه الله تعالى. طريق
آخر: هو أن المعلق طلقات هذا الملك إذ صحة اليمين باعتبار
الملك القائم فتبطل بتنجيزها لبطلان اليمين بفوات الجزاء
بطلانه بالشرط فيما جعل الدار بستانًا أو حمامًا مثلًا بل أولى
لإنهاء يعرف به وقد فات باستيفائها بخلاف ما دون الثلاث إذ
يبقى به الملك وعدم القدرة على تنفيذ الملك لا يمنعه لعدم شرطه
كاستيفاء القصاص من الحامل ومنافع البضع حالة الحيض وكتصرفت
الضني الملك فتبقي اليمين بقائه وهو مردود بأنه لو صح فإذ
تجزئتين بعد تعليق للثلاث وعادت إليه بعد التحليل ووجد الشرط
فعند من هدم ما دون الثلاث ينبغي أن يطلق واحدة لأنها الباقية
عن طلقات الملك السابق وليس كذلك وسره أن التعليق ليس يتصرف في
الطلاق لنصبح باعتبار هذا الملك دون غيره ولا إيقاع ولا سببية
فلذا لم يختره وقال زفر رحمه الله تعالى جاز محض لا يستدعي
محلًا ولا حلا فلا يبطل ولذا أصبح تعليق طلاق المطلقة الثلاث
بتزوجها فيقع لو تزوجها بعد التحليل فلم يستدع ابتداؤه المحل
فبقاؤه وهو أسهل أولى واشتراط الملك عند ابتداء التعليق بغيره
ليكون الجزاء الموقوف على الملك
(1/270)
غالب الوجود بالاستصحاب فيحصل تأكيدًا البر
المقصود من اليمين ولا حاجة للتعليق
بالملك إلى ذلك لتيقن وجوده عند ذوات البر ومع هذا لا يشترط
عند بقائه فلا يبطل بزوال الملك اتفاقًا فكذا بزوال الحل قلنا
بعد ما مر من أن شبهة العلية تستدعي المحل كل من قياس التعليق
بغير التزوج على التعليق به ليلزم من عدم اقتضاء الثاني المحل
عدم اقتضاء الأول إياه وقياس الحل على الملك في أن لا يشترط
عند البقاء فاسدًا ما الأول فأولًا لما قال من الفرق بينهما
وثانيًا لأن شبهة الثبوت للمعلق بالنكاح ممتنعة لأن ملك النكاح
علة ملك الطلاق وصحته وليس للشيء قبل علة صحته حقيقة الثبوت
فكذا شبهته فلم يشترط له قيام المعلق بغيره وثالثًا لأن ملك
النكاح علة صحة إيقاع الطلاق وهي علة صحة وقوعه وعلة العلة علة
وتعليق الوقوع بما هو علة صحته لغو نحو أن أعتقتك فأنت حر فإذا
لم يكن تطليقًا لا يشترط له قيام المحل ولا يرد أن طلقتك فأنت
طالق حيث لا يلغو بل يقع طلقتان عنده لأن الطلاق متعدد بخلاف
العتق لو نوى بالشرط عين ما في الجزاء لفي وملك النكاح علة
لصحة جميع الطلقات وعارضت هذه الشبهة الشبهة السابقة المستدعية
لقيام المحل فتساقطا فلم يشترط المحل واكتفى بذمة الحالف محلًا
لعدم في ليله لا لدليل عدمه بخلاف التعليق بغيره إذ جواز
اليمين ثمة بحل حالي فلا بد من محله وهو المرأة وهنا لمآلى لأن
صحة اليمين للمحل فمع الاضافة إليه للمآل وبدونها للحالي
فاستدعي بقاؤ المحل استدعى ابتداؤه أيضًا وما لم يستدع ابتداؤه
لم يستدع بقاؤه أيضًا، وأما الثاني فاولًا: لأن ملك الطلاق
مستفاد من ملك النكاح ولما استدعى صحة ملك النكاح الحل لا
الملك فكذا صحة ملك الطلاق فالمافي لها زوال الحل لا الملك.
وثانيًا: لأن الدليل قام على أن الحل لا بد منه دائمًا لا
الملك إلا عند وجود الشرط وقد أمكن بالعود وتحقيق هذا للطرح
العطم بهذا الوجه القويم. وأثر الفضل الفخيم. من الله الكريم.
وهاهنا نقوض وأجوبة
ففي أن التنجيز يبطل تعليق ما يستدعى المحل أمران:
1 - تعليق الظهار بدخول الدار لا يبطل بتنجيز الثلاث مع أنه
كالطلاق في الاستدعاء قلنا: شرعية إظهار لتحريم الوطئ والمنع
عنه إلى وقت التكفير لا لإبطال حل المحلية دفعة وتدريجًا
كالطلاق فالحل باق ولذا يظهر بعد التكفير فانتفاء الحل بالثلاث
لأنها في تحريم لنفعل بل نؤيده ولا يلزم من اشتراط النكاح في
ابتدائه لتحقق تشبيه المحللة بالمحرمة اشترطه في نفائه كالشهود
في النكاح إما اليمين بالطلاق الذي هو لابطال الحل فيفوت بفوت
محله
(1/271)
بتنجيز الثلاث. لا يقال لو لم يشترط النكاح
لبقائه لما ارتفع الظهار بالرضاع لأن ذلك للمنافاة بين
موجبيهما وهو التحريم المويد والموقف لا لاشتراطه وليس تنجيز
الثلاث تحريمًا مؤبدًا لرجوع الحل بالتحليل.
2 - الإيلاء المعلق مثله لأنه يقتضي الملك ولا يبطل بتنجيزها.
قلنا لا نعلم اقتضاؤه فإنه يمين تنعقد معلقة في غير الملك
ومنجزة على الخلاف فبالأولى أن لا يبطل بعدمه.
وفي أن المعلق يبطل ببطلان المحل آخران:
1 - ارتداد المعلق طلاقها بالشرط لا يبطله وقد بطل حلها قلنا
الردة لا تبطل حل المحلية ولذا إذا بانت بها صم طلقها في العدة
وقع ولو ارتدا معًا لا يزول النكاح بل الفرقة لانقطاع العصمة.
2 - الأمة المستولدة معلق عتقها موت المولى فلو أعتقها منجزًا
فارتدت وسببت وعادت إليه عاد العتق المعلق بالموت قلنا قد بطل
التعليق الأول بالعتق المنجز والتعليق العائد ثانيًا غير ذلك
بسبب جديد هو قيام نسب الولد كالأمة المنكوحة اشتراها الزوج
صارت أم ولد لذلك.
وأما العلة: فهي لغة المغير كالمرض والمولود مريضًا متغير من
أصله النوعي أو من العلل وهو الشربة الثانية. وشرعًا: ما يضاف
إليه وجوب الحكم ابتداء أي بلا واسطة سمي بها لتغييره الحكم من
العدم إلى الثبوت أو من الخصوص إلى العموم بحيث لو تكررت لتكرر
الحكم خرج ما يضاف إليه وجوده كالشرط أو وجوبه لكن بواسطة
كالسبب وعلة العلة وغيرهما ويتناول العلل الوضعية شرعًا
والمستنبطة اجتهادًا وإيجابها كما مر مرارًا يجعل الشرع لا
بذواتها ففي نفسها أمارات وعلى ذلك إضافة الجزاء من الثواب
والعقاب إلى العمل بالنصوص والعقلية موجبة بذواتها بمعنى
استلزامها عقلًا لكن بإيجاد الله تعالى فإن المتولدات مستندة
إليه تعالى بلا واسطة قال فخر الإِسلام وكذا العقاب يضاف إلى
الكفر أي لا بذاته بل يجعل الشرع ونظر فيه بأنه ينزع إلى جواز
العفو عن الكفر عقلًا إلا أن السمع ورد أنه لا يعفي وهو مذهب
الأشعري - رحمه الله -، والحق أن الكفر يقتض العقوبة لذاته
عدلًا وحكمه وأول بأن مراد وأن سببيته للعقوبات المخصوصة
بالشرع ولذا جاز التغليظ لبعض والتخفيف لآخرين وهي سبعة أقسام
والمورد ما يطلق عليه اسمها اشتراكًا أو تجوزًا كما في السبب
لأنهم اعتبروا لها صفات ثلاثة:
(1/272)
1 - أن يكون وضعها له فلازمه أن يضاف إليها
وهي العلية الاسمية وقيل: هي الإضافة لا الوضع لاطرادها دونه
كما في هلك بالجرح وقتله بالرمي وفيه بحث فإن كل ما يضاف إليه
الحكم وضعًا أو شرعًا فهو موضوع له كذلك تحقق الواسطة وتراخي
كما فيهما أو بدونه كما في علة العلة أو لم يكن شيء منهما كما
في العلة الحقيقة.
2 - أن تؤثر فيه وسيجيء أن المعنى به اعتبار الشارع إياها بحسب
نوعها أو جنسها القريب فيه وهي المعنوية.
3 - أن لا يتراخى عنها وهي الحكمية ثم الجمهور يوجب المقارنة
أن كانا كما اتفقوا عليها في العلل العقلية كحركة الإصبع
والخانم وكالاستطاعة مع الفعل وإلا لوجد المعلول بلا علته
فالحقوا الشرعية بها لأنها معتبرة فالأصل توافقهما وإذا ولاها
لما صح الاستدلال بوجود العلة بعد وجودها وإل اكان المعدوم
ومنهم من فرق كأبي بكر محمَّد بن الفضل بأن إيجاب العلة بعد
وجودها وإلا كان المعدوم موثرًا فإذا جاز تقدمها بزمان جاز
بأكثر لأن الشرعية منزّلة منزلة الأعيان بدليل قبولها الفسخ
بعد أزمنة متطاولة فجاز بقاؤها بخلاف الاستطاعة مع الفعل فإنها
عرض لا يبقى قلنا أولًا بعدية الإيجاب رتبة مسلمة وليس محل
النزاع فإن كل علة كذلك اتفاقا وزمانا ممنوع ومع المقارنة كما
بين حركتي الإصبع والخاتم لا يكون المؤثر معدومًا. وثانيًا:
منقوض بالعلل العقلية إذا كانت أعيانا لا أعراضا وثالثًا قبول
الفسخ يستدعي وجود الحكم لأنه المورد دله لا وجود العلة حتى
تبقى كيف وهي حروف وأصوات ولئن سلم فكونها بمنزلة الأعيان
لضرورة جواز الفسخ فلا يثبت فيما وراءها فهذه الصفات الثلاث
مفردة ثلاثة ومثناة ثلاثة ومثلثة واحدة، غير أن فخر الإِسلام
لم يذكر العلة معنى فقط واقام مقامها العلة التي تشبه الأسباب
والوصف الذي يشبه العلل والحق تحققها الأول علة إسما ومعنى
وحكما وهي الحقيقة التي مر تفسيرها كالبيع المطلق للملك موضوع
ومؤثر وغير متراخ عنه. الثاني: اسما فقط كالتعليق واليمين فإن
الكفارة والجزاء يضاف إليها لكن لا تأثير قبل الشرط والخبث ولا
حكم قبل الشرط والخبث ولا حكم قبل ومنه بيع الحر. قال فخر
الإِسلام ومنه السفر الطاري على الصوم للرخصة ليس بعلة حكمًا
لوجوب أن لا يفطر ولا معنى لأن الموثر المشقة لكن لما صار
شبهةً في سقوط الكفارة صار علةً اسما. الثالث: اسما ومعنى
للوضع والتأثير لا حكمًا لتراخي المعلول أعنى أن لا يترتب
ابتداء بل واسطة أعم من أن يكون حقيقيًا زمانيًا أو رتيبًا
بالتوسيط وهذا جلس تحته أنواع أربعة لأن التراخي أن كان حقيقيا
فإن
(1/273)
يسند إلى أوله فأما أن بتراخي إلى ما ليس
بحادث به ويسمى باسم الجنس علة اسما ومعنى لا حكمًا أو إلى ما
يحدث به ويسمى علة في حيز السبب وبمنزلة علة العلة وإن اقتصر
على وقت الإضافة التحقيقة أو التقديرية يسمى علة تشبه السبب
وإن كان التراخي رتبا يسمى علة العلة ويعلم منه أن العلة التي
تشبه السبب ليست أحد الأقسام السبعة العقلية وان عدها فخر
الإِسلام أحد السبعة فالأول كالبيع المرقوق علة اسما ومعنى
للوضع والتأثير ولذا يعتق بإعتاقه موقوفًا لا كما قبل البيع
ويحنث به من خلف لا يبيع لا حكمًا لتراخيه لمانع حق المالك إلى
أجازته وعندها يثبت الملك من وقت البيع مستندا فيملك زوائده
المتصلة والمنفصلة لا مقتصرا فيظهر كونه علة لا سببًا وهذا ممن
قال بتخصيص العلة مستقيم ومن غيره مأول بأنه لا يكون علة
ممتنعة التخصيص الا إذا ارتفع المانع وقد يقال ذلك الخلاف في
العلل المستنبطة لا لوضعية شرعا وكالبيع بشرط الخيار لأنه يدخل
الحكم دون السبب لاستلزامه ودلالة العلية كما سبق غير أنه لا
ينفذ اعتاقه بإسقاطه لعدم الملك مع التعليق بخلاف الموقوف.
والثاني: العلة التي تشبه السبب كالإيجاب المضاف إلى وقت نحو
أنت طالق غدا موضوع وموثر ومتراخ ومقتصر وللأولين جوز أبو يوسف
رحمه الله تعالى في النذر بالصلاة والصوم في وقت بعينه التعجيل
قبله والمتراخي وجوب الأداء كصوم المسافر وللأخيرين لم يجوزه
محمَّد رحمه الله اعتبار الإيجاب العبد بإيجاب الله تعالى
وشبيه السبب للإضافة التحقيقية وكعقد الأجازة لوضعه وتأثيره في
ملك المنفعة ولذا صح تعجيل الأجرة وتراخي حكمه إذا المنفعة
معدومة ولذا لا يملك الأجرة إلا عند تسليم المنفعة حقيقة أو
تقديرا كالوصية المضافة إلى ما يثمر نخيله العام ولذا يقال
الإجارة عقود متفرقة وشبيه السبب للإضافة التقديرية وكالنصاب
للوضع له ولذا يضاف إليه وتاثيره فيه لأن الغنى يوجب المواساة
ومتراخ حكمه إلى وصف النماء بالحولان وشبيه السبب لاضافة حكمه
وهو الوجوب إلى حصول الوصف ولما اقتصر الوجوب على حصوله وإنه
مؤثر كأصله ومحصل لليسر أشبه العلة والنصاب السبب ولو كان
النماء علة حقيقة لكان النصاب سببًا حقيقيًا ففارق بذلك القسم
الأول ولما لم يكن الوصف مستقلا في الوجود أشبه النصاب العلة
أيضًا ولأصالته غلب شبهه بالعلة فرجح لها فكان الوجوب ثابت به
فصيح التعجيل ليصير زكاة بعد الحلول لكن مع اعتبار حال الأداء
في أهلية للتصرف فلو غنى أو ارتد قبل الحول وقع المؤدي عنها إذ
يعتبر شروط الأداء عند بخلاف شرط الوجوب ككمال
(1/274)
النصاب ولما تراخي إلى ما ليس بحادث فإن
النماء إما بالسوم والرعي أو بزيادة الرغبة فارق القسمين
الأخيرين.
والثالث: العلة التي في حيز السبب كمرض الموت موضوع لتغير
الأحكام عن تعلق حق الورثة بالمال وحجر المريض عن التبرع فيما
تعلق به حقهم كالهبة والصدقة والوصية والمحاباة ومؤثر فيه شرعا
ومتراخ إلى اتصال الموت به وإلا فيملكه الموهوب له وينفذ
تصرفاته أولًا بالموت ولما كان علة الترادف الآلام المفض إلى
الموت فارق القسمان الأولين وصار بمنزلة على العلة لأعينها
لكون التأثير تدريجيًا وكذا الجرح المفضي الهلاك بواسطة المضي
في الهواء والنفوذ في المرمي والسراية ولكونها يمنزلة علة
العلة لم يورث شبهة في وجوب القصاص وكذا التزكية عند الإِمام
لأنها موجبة لإيجاب الشهادة الحكم بالرجم فيضمن المزكي عند
الرجوع غير انها لكونها صفة للشهادة كانت متابعة لها من هذا
الوجه فيضمن الشهود أيضًا إذا رجعوا أو عدم لزوم القصاص لشبهة
تخلل قضاء القاضي كما مر وقالا التزكية ثناء ليس بتعد ولا ضمان
إلا بالتعدي ولذا لا ضمان إلا على الشهود عند رجوع الفريقين
كنا عند الرجوع ظهر أنه تعد معنى والاعتبار للمعافي.
والرابع: علة العلة كشرى القريب للعتق بواسطة الملك علم اسما
لأن المضاف إلى الشيء مضاف إليه كحكم المقتضى إلى المقتضي لكن
للوسطة لم يكن حقيقية لا يقال إضافته إليها غير كافية بل لا بد
من وضعها له كما ذكره الإِمام السرخسى رحمه الله تعالى وغيره
ولا وضع هنا لا بين الشري والعتق ولا بين الملك والعتق كما لا
يوضع بين الشري وملك المنعة لا، لأنا نقول مسلم أن يطلق الشراء
أو الملك لم يوضع للعتق لكن لا نعلم ان شري القريب أو ملكه لم
يوضع له شرعا والمقصود هو الثاني كما يقال القدح الأخير علة
الحد والمن الأخير علة الهلاك في إثقال السفينة أي عند اعتبار
الأمور السابقة لا من حيث هو فعلي هذا الإضافة والوضع في
الجملة متلازمان ومعنى لأن الموثر في المؤثر مؤثر لا حكم كما
ظن وإلا كانت علة حقيقية وليس إذا لتوسط ينفي الإضافة
الابتدائية، الرابع علة معنى لا اسما ولا حكمًا ويسمى وصفا له
شبهة العلة لأخذ وصفي العلة المركبة منهما تركب علة لرجوا من
المقدر والجنس عندنا والعقود من الإيجاب والقبول فكل علة معنى
لأن له مدخلا في عين التأثير لكونه مقوما للمؤثر السام ولاشك
أن الجزء عندهم حقيقة قاصرة فيتولهم لا تأثير لا جزاء العلة في
أجزاء المعلول لا ينافيه من وجهين وجعله السرخسى سببًا لكونه
طريقا على المقصود لا موجبا والحق مع فجر
(1/275)
الإِسلام إذ كل سبب يتخيل بينه وبين
المعلول علة ولا يتخيل هنا لأنه بعض العلة لا أسماء لعدم
الإضافة فإنها إلى المجموع ولا حكمًا لأن المراد غير الجزء
الأخير ولأن له شبهة العلة حرم شبهة الفضل في النسيئة فمجرد
الجنس كالقهوة بالقهوة أو أيقدر كالحنطة بالشعير أو الصغر
بالحديد حرمها.
الخامس: علة معنى وحكما لا اسما كآخر وصفيها وجودا فالقرابة
والملك للعتق فإنهما بأجر أضيف إليه لترجحه بوجود الحكم معه
وأثر فيه لأن ملك الرقبة يستفاد منه ملك العتق والقرابة موثرة
في الصلة وفي الرق قطعها ولهذا وإن الله تعالى هذه القرابة عن
القطع بأدنى الركبان وهو النكاح فبأعلاهما أولًا لكون قدرة
العتق من أحدهما ونفسه من الآخر صار العلة الكل لا كلا فلم يكن
علة اسما. ألا ترى أن الموضوع للعتق شرعًا ملك القريب لا مطلق
الملك عما عند تأخر الملك كشري الثابت قرابته فالمشتري معتق
حتى يصح نية الكفارة عند الشري إلا بعده إذ لم يتراخ الحكم عنه
ومثله من علة العلة بمنزلة نفس العلة فلا ينافيه تخلل الملك
ويضمن أحد المشتريين نصيب الأجنبي عندهما لا عند الإِمام إذا
شريا معا وإذا شرى بعد الأجنبي فبالاتفاق والفرق للإمام أن
الرضاء بالشركة في الأول رضاء بحكمهما ولا عبرة بجهله لأنه نقص
وكفا به عارا ولا رضاء في الثاني.
لا يقال وكذا في الأول للجهل لأن الرضاء مبطن فأدير الحكم مع
الظاهر وهو مباشرة الشراء والشركة، ولأن جهله كالمعدوم بما
يعتبر وإما تأخر القرابة فكدعوى أحد الشخصين بنوبة عبد مجهول
النسب ورثاه أو اشترياه فالمدعي معتق وغارم نصيب الآخر لأن
القرابة حصلت بصنعه بخلاف ما إذا كانت معلومة فلم يحصل بصنعه
فهي على الخلاف السابق وفيما ورثاه يضمن مدعيها إذا لم تكن
معاومة للصنع إذا كانت لا بالاتفاق لعدمه فإن الارث ضروري
بخلاف آخر الشاهدين شهادة لأن العمل بالقضاء وهو بالجملة بلا
اعتبار الترتيب.
السادس: علة اسما وحكما لا معنى كالسبب الداعي القائم مقام
المسبب المدعو من السفر المطلق والمرض المشق لا المطلق لرخصهما
والنوم الموجب لاسترخاء المفاصل للحديث ودواعي الوطئ لحرمة
المصاهرة وفساد الإحرام والاعتكاف والنكاح بثبوت النسب والتقاء
الختانين لوجوب الاغتسال والمباشرة الفاحشة مع الانتشار وعدم
الفاصل للحديث إلا عند محمَّد رحمه الله تعالى وكالدليل أي سبب
العلم القائم مقام المدلول من الخبر عن المحبة والبغض في إن
أحييتني أو أبغضتني فأنت كذا لوقوع الجزاء لإخبارها
(1/276)
ويقتصر على المجنس لأنه بمنزلة تخييرها
والطهر الخالي عن الوقاع لإباحة الطلاق، أما حدوث الملك في
مسائل الاستبراء من حرمة الوطئ ودواعيه إلى انقضاء حيضه أو
بدلها فعده فخر الإِسلام رحمه الله تعالى من الثاني لأن حدوثه
دليل سابق الملك الدال على شغل الرحمة أو دليل التمكن من الوطئ
الدال على سقط زرع الغير وصاحب التقويم من الأول لأنه سبب مؤد
إلى اختلاط المائن ثم كل منها علة اسمًا للوضع والإضافة
الشرعيين وحكمًا لعدم التراخي لا معنى لأن المؤثر هو المشقة
وخروج النجس الوطيء وخروج المنى والحدث وكله المحبة والبغض
والحاجة إلى الطلاق لمريده فيه وشغل الرحم أو اختلاط المائن،
والفقه المجوز للاقامتين أحد الأمور الثلاثة:
1 - دفع الضرورة لتعذر الوقوف على حقيقة العلة كما في النوم
والخبر عما في القلب وفي الاستبراء والنكاح والالتقاء والطهر
الخالي.
2 - دفع الحرج لتعسره مع إمكانه كما في السفر والمرض
والمباشرة.
3 - الاحتياط كما في دواعي الوطيء في الحرمات والعبادات.
وإما الباقي من السبعة العقلية فعله حكمًا فقط والإحكام أيضًا
تقتضى ثبوته كالجزء الأخير من السبب الداعي القائم مقام المدعو
فإن الحكم لا يضاف إليه بل إلى المجموع ولا يؤثر لأن المؤثر
المدعو إليه ولكنه لا يتراخى عنه وذلك كاسترخاء المفاصل
المستفاد من الهيئات المخصوصة ومنه الشرط الذي علق به فعند
وجوده لا يتراخى عنه الحكم مع أنه ليس علة اسمًا ولا معنى.
وفيه بحث فإن العلية الحكمية تستدعي الترتيب الشرعي ولا يكفي
الوجود الاتفاقي معه والشرط التعليقى لا يترتب الحكم عليه بل
على التعليق ولذا كان الضمان على شهوده الشرط إذا رجع الكل
وكذا إذا رجع شهود الشرط وحدهم عند الأكثر والحق أنه الشرط
الذي في حكم العلة كما سيجيء أمثلته لأن الحكم مترتب عليه من
غير وضع وتأثير.
وإما الشرط فلغة العلامة اللازمة ومنه أشراط الساعة والشروط
للصكوك وشرعًا ما بتعلق به الوجود دون الوجوب أي يتوقف الثبوت
عليه بلا تأثير ووضع (1).
وها هنا تحصيل وتقسيم
إما التحصيل فهو أن الشرط إما تعليقي ويسمى جعليًا وحصوله إما
بأداة الشرط أو دلالته وإما حقيقى يتوقف عليه وجود المشروط
وضعًا أو شرعًا.
__________
(1) انظر /الإبهاج لابن السبكي (1/ 205).
(1/277)
فالأول: عدمه مانع عن انعقاد العلة علة
فضلًا عن وجود الحكم عندنا وعن وجود الحكم عند الشافعي رحمه
الله تعالى وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى ولا خلاف في أن عدم
الثاني مانع عن وجود المشروط فتحقق أن الشرط مطلقًا رفع المانع
كما أن عدمه نفس المانع وبذلك ينفصل عن العلة والسبب والركن
فإن عدم الأولين ليس مانعًا وإن ثبوت الحكم بعلل وأسباب شتى.
تنويره أن عدم الطهارة والشهود مانع شرعي عن جواز الصلاة
والنكاح لا عدم المصلي والخطاب إما عدم الركن عين عدم الحكم
وكذا مثل عدم حفر البئر وشق الزق مانع من السقوط والسيلان
فعدمهما وهو عبثهما رفع له بخلاف النقل والميعان ووضع الحجر
وإشراع الجناح فليس شيء منه رفع المانع. وإما التقسيم فهو أنه
خمسة أقسام: لأن ما هو رفع المانع في الحقيقة سواء كان جعليًا
أو وضعيًا أن لم يلاحظ صحة إضافة الحكم إليه بل مجرد توقفه أو
توقف انعقاد علته عليه فشرط محض كطهارة الصلاة وشهود النكاح
والدخول المعلق به الطلاق وإن لو حظت فإن لم يعارضه علة تصلح
لإضافة الحكم إليها كحفر البئر فشرط في حكم العلة وإن عارضته
فإن كان التوقف عليه بتبعية التوقف على أمر بعده فشرط مجازي
ويسمى شرطًا اسمًا للتوقف لا حكمًا لعدم إضافة الحكم إليه
ثبوتًا كاحد المعلق بهما وإلا فيكون فعل المختار الغير المنسوب
إليه متخللًا بينهما إذ لو لم يكن مختارًا كما في شق الزق أو
كان منسوبًا إليه كفتح باب القفص بحيث أزعج الطير كان مما في
حكم العلة وحين تخلله إن كان السابق مستقلًا بحاله فشرط في حكم
السبب كفتح بابه لا بتلك الحيثية وإن كان رافعًا لخفاء العلة
فشرط هو علامة كالاحصان الأول الشرط المحض فجعليه ككل ما علق
به بأداته ويسمى الشرط صيغة أو بمعناه ويسمى الشرط دلالة
والفرق أن الأول يجرى في المعين وغيره.
والثالث: يختص بغير المعين نحو المرأة التي أتزوجها أو التي
تدخل منكن الدار طالق لنا فإن ترتيب الحكم على الوصف المعرف
تعليق بخلاف هذه المرأة فيلغو في الأجنبية ويتنجز في المنكوحة
لأن الوصف في المعين لغو إذ الإشارة أبلغ في التعريف وحقيقيه
كشروط العبادات والمعاملات فإنها تتعلق بأسبابها ثم بشروطها
كما يتوقف لزوم الشرائع على العلم بها أو ما يقوم مقامه من
شيوع الخطاب في دارنا وإلا فلا قدرة فلا تلزم على من أسلم في
دار الحرب فلا يجب قضاء ما مضي حين علم بها بخلاف من أسلم في
دارنا فمضى بلا
(1/278)
علم بها قضى، ثم معناه لازم لصيغته في
الأصح وقيل: إذا لم يكن الفائدة أخرى كإخراجه مخرج العادة
الغالية، في {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
(النور: من الآية 33) لأن الغالب أن الكتابة عند علم الخَير
وإلا فجائز بدونه إجماعا وفي {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ
إِنْ خِفْتُمْ} (النساء: من الآية 101) إذ كان الغالب هو الخوف
حينئذ وإلا فالقصر في السفر غير موقوف عليه قلنا هذا إلغاء
للشرط وكلام الله تعالى منزه عنه ويكفي بأنه خلاف الأصل الشائع
بل الأمر بالكتابة للاستحباب وذا لا يوجد الآية وقرينته عطف
على قوله وتوهم إما على القول بأن المراد إلا شاء من بدل
الكتابة فظنوا ما على أنه الإيتاء من مال الصدقة فلأن الصرف
إليه على التعين غير واجب عندنا، وهذا المراد بالقصر قصر
الأحوال كالإيماء على الدابة وتخفيف القراءة والتسبيح
والتعديل، وهو مقيد بالخوف لا قصر الذات بدليل قوله تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} (البقرة: من الآية 239) الآية،
وقوله تعالى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}
(النساء: من الآية 103) أي أدوها كما يليق بالحضر والقرآن يفسر
بعضه بعضًا لا أن القرآن يوجب الشركة وأبعد من هذا فهم دلالة
الشرط من قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
حُجُورِكُمْ} (النساء: من الآية 23) ثم الاعتذار بما مر فإنه
ليس بشرط ولا دلالة لأنه معرفة بالإضافة وإذا وكان شرط كالدخول
بالأم لوجب تعليق الطلاق بعدم أحدهما إلا بعدم الثاني فقط كما
وقع في قوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
(النساء: من الآية 23) بهن فاة الشرط اسما أي صيغة وحكما أي
معنى لأن المشروط بالأمرين يرتفع عند ارتفاع أحدهما. والثاني
الشرط الذي له حكم العلة فإن العلة أن صلحت لإضافة الحكم فيها
وإلا أضيف إليه تشبيها له بها في تعلق الحكم ولكون علية العلل
جعلية وفي الحقيقة إمارات وهذا أصل كبير له تفريع كثير: أ-
شهود الشرط واليمين إذا رجعوا فالضمان على الثاني لأن اليمين
علة أي في صدد ذلك أو لقضاء بوجود الشرط كما نترجح على السبب
أيضًا عند رجوع شهود التخيير والاختيار في الطلاق والعتاق
فيضمن شهود إلاختيار ولو رجع شهود الشرط وحدهم فإن قال فخر
الإِسلام يجب أن يضمنه الخلفية الشرط عن العلة ونفاه شمس
الأئمة وصدر الإِسلام مطلقًا إلا عند زفر ووجهه أن العلة وإن
لم تصلح لاضافة الحكم لعدم التعدي تصلح لقطعها عن الشرط لكونها
فعلا مختارًا كفتح باب القفص خلاف حفر البئر لعلة هناك طبع لا
اختيار فيه وعلى هذا إنما يضمن شهود الشرط في المسألة الآتية
على قول الإمام مع أن اليمين علة إختيارية لأنهم في المعنى
شهود التخيير إذا التعليق بالشرط
(1/279)
الموجود تنجيز لا شهود الشرط وإنما ضمن
المهر شهود الدخول بها وهو شرط لا شهود النكاح وهو علة عند
رجوعهم لأنهم بإدخال عوض المهر في ملك الزوج ابتدؤا شهودًا
لنكاح عن الضمان.
ب- حلف إن كان قيد عبده رطلًا أو إن حله أحد فهو حر فشهد رجلان
أنه رطل فقضى بعتقه فحل المولى فوجد أنقص ضمنًا فيمته عند
الإِمام لنفاذ القضاء ظاهرًا وباطانًا عنده لأنه واجب عليه
شرعًا بدليله فيجب تصحيحه بقدر الامكان وذلك بإثبات المشهود به
سابقًا اقتضاء بخلاف ما إذا بأنا عبيدًا أو كفارًا لبطلان
القضاء عند أبي حنيفة لا عندهما لعدم نفاذه باطنًا إذا لحجة
باطلة حقيقة وصادقة بظاهر العدالة فيعتبر في وجوب العمل دون
تنفيذ القضاء عملا بالشبهين فعتقه عند كما بحل القيد، فعنده
وجب الضمان على شهود الشرط لعدم صلوح إضافته إلى العلة وهي
اليمين إذ لا تعدي فيها لأنه تصرف المالك في ملكه.
ج- حفر البئر وشق الزق وقطع حبل القنديل كل منها شرط لأنه رفع
المانع وليست فيها علة صالحة لحكم لأن السقوط والسيلان والثقل
طبع لا اختيار فيها بخلاف إيقاعه نفسه والمشي سبب أقرب من
الشرط لكنه مباح لا يصح ترتب ضمان العدوان عليه مع أنه غير
واجب إما وضع الحجر وإشراع الجانح وترك هدم الحائط الماثل بعد
المتقدم إلى صاحبه وذلك كاف والإشهاد لاحتياط الإثبات إن أنكر
كما في الشفعة فمن الأسباب ألحقه بالعلل كما ذكرنا وإن كانت
مثلما في ضمان المحال من النفس والمال لا في أجزائه الأفعال
لأن شيئًا منه إليس برفع المانع بل أمور وجودية مقضية فإن عدم
الحجر ليس يمانع عن الهلاك بالسقوط في ذلك الموضع لجوازه بسبب
آخر بخلاف عدم البئر فإنه مانع عن السقوط في قعرها وكذا غيره.
بقية تفصيل حفر البئر من التهذيب: وإن حفر في ملكه فسقط غيره
بالمشى إليه لا يضمن إذن أولا وأعلم به أولًا لعدم التعدي أو
في دار غيره بغير إذنه فهلك الصاحب الدار شيء يضمن الحافر إلا
إذا كان بإذنه وإذا هلك ثالث فإن دخل بغير إذن المالك يضمنه
الحافر في قوله التعدية لا في قول لتعدي الساقط في دخوله وأنه
مسبب وإن دخل بإذنه فإن أعلمه فلا ضمان وإلا يضمن الحافر وكذا
وضع الحجر.
د- بذر بر غيره في أرض كان له لأن العلة طبع العناصر بتسخير
الله تعالى بدون اختيار فلا يصلح للإضاة والبذر شرط اختياري
يصلح لها. وقال الشافعى رحمه الله تعالى
(1/280)
لصاحب البذر لأنه نماء ملكه كولد الجارية
وثمر الشجر وكما إذا ألقت الريح به في أرض فثبت والزرع كإصلاح
الأشجار قلنا البر ليس علة لبقائه فكيف لهلاكه وانقلابه شيئا
آخر إذ عند هلاكه لا يبقى برا بخلاف الجارية والشجر ومهلكه
ضامن له ولضمانه يملكه ولذا كان له إذا زرع في أرض صاحب البذر
أيضًا بإطلاق المبسوط وفيما ألقت الريح لا اختيار يغالبه
فيغلبه.
الثالث: شرط له حكم السبب سابق اعترض بينه وبين الحكم فعل
المختار غير منسوب إليه فخرج بالسابق الشرط التعليقي وبفعل
المختار نحو سيلان المانع وبغير منسوب إليه نحو سير الدابة بعد
سوقها والطيران بعد فتح باب القفص عند محمَّد رحمه الله تعالى
وله فروع:
1 - حل قيد عبد فأبق لم يضمن لأن إباقه اختياري تخلل ولم يحدث
به فقطع الإضافة عن صاحب الشرط لا كما أمر عبد الغير فإنه
استعمال كالاستخدام انقطاعها عن صاحب السبب فيمن أرسل دابة
فجالت يمنه ويسره أو وقفت ثم سارت فاتلفت لم يضمن لانقطاع
الإضافة وصيرورته كالمنفلتة فإنها بالنهار جبار وكذا بالميل
عندنا إذ لا سبب كالإرسال ولا شرط كفتح باب الإصطبل ولا علة
كالإتلاف من صاحبها خلافًا الشافعي رحمه الله تعالى لحديث
البراء قلنا ذهاب الدابة اختياري لم يتولد من فعله كدلالة
السارق ويويده "العجماء جبار" وحديث البراء مؤول بأن ناقته
انفلتت بقصده إياها للأخذ ومسلم أن حفظ الدابة على أربابها
ليلًا لكن من حيث الإثم بتركه ولا يلزم منه الضمان.
2 - فتح باب القفص فطار على فوره أو باب الإصطبل فخرجت على
فوره إذ لو مكثا ساعة لا ضمان إجماعا لم يضمن إلا عند محمَّد
رحمه الله لتخلل فعل المختار (1) لا كالسقوط في مسألة حفر
البئر بل كاسقاطه نفسه كمن مشى على جسر واه وضع بلا ولاية أو
على موضع رش الماء فيه عالمًا بوهاء الجسر ووضعه بغير حق منه
وبالرش هنا لا يضمن لأن العطب مضاف إلى اختياره أما غير عالم
بهما فيضمن لأنه متعد وإذا وضع في ملكه لا ضمان مطلقا لعدم
التعدي. وقال محمَّد رحمه الله تعالى طيرانه وخروجها على فوره
هدر شرعا إذ النفار طبع فيجعل اختياره كعدمه لفساده كما إذا
صاح بها فصار كسيلان ما في الزق إما لأعلى الفور فدليل ترك
عادتهما وبذا بقطع الإضافة إلى الشرط
__________
(1) انظر / المبسوط للسرخسي (11/ 14).
(1/281)
وليس شرعية الإهدار وطبعية النفار علنين
صالحتين للاستدلال بالاستقلال كما ظن فأولا لأن الحكم وهو
تلفهما يصلح إضافته إلى فعلهما في الجملة كنفارهما لأعلى الفور
وثانيا أن الفرق بين الفور وعدمه بترك العادة لا يكفي حاصل
لعموم النكتة الأولى فالأولى أن الثانية علة الأولى وتتم
النكتة بهما فينطق الجواب بأنا قلنا هدر في الإيجاب على الغير
إما لقطع الحكم عند فلا كالكلب يميل عن سنن الإرسال فيأخذ ما
لا يحل، وكالدابة تجول بعد الإرسال كما وكصيد الحرم يخرج منه
فينقطع إضافته إليه فيحل.
أصل متفرع: شارط ادعى الإضافة إلى العلة فالقول استحسانًا
بخلاف صاحب العلة كالحافر إذا ادعى أن الهالك أسقط نفسه كان
القول له لا للولي في دعوى السقوط لتمسكه بالأصل وهو الإضافة
إلى العلة بخلاف الجارح إذا ادعى الموت بسبب آخر والقياس قول
أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول أنه للولي لتمسكه بظاهر أن
الإنسان لا يهلك نفسه. قلنا: الظاهر يصلح دافعا لا موجبا
لاستحقاق الدية على عاقلة الحافر.
3 - أشلى كلبا على صيد ومملوك أو إنسان فقتله أو مزق ثيابه ولم
يسق لا يضمن لاعتراض فعل المختار غير منسوب إليه لعدم السوق
بخلاف سوق الدابة فإنه كسوقه وإما الإشلاء على صيد غير مملوك
فجعل قتله كالذبح نقيا للحرج عن باب الصيد بقدر الإمكان إذا
لذبح بالوجه المسنون متعذر في باب الصيد وضمان العد وإن شرع
جبرا فيعتمد الفوات فلا يجب مع الشك ونظيره ألقى نارا في
الطريق فهبت به الريح واحرقت شيئًا أو هوام فانتقلت ولدغت
إنسانا فهلك لم يضمن لانقطاع نسبتها بالتحول كالدابة الجائلة
في رباطها.
وفروع الثالث: نظير إرسال الدابة من قبيل السبب الحقيقي كدلالة
السارق ذكرت تلفيقا بينه وبين الشرط في هذا التفصيل.
الرابع: شرط اسما أي صورة للتوقف عليه في الجملة لا حكمًا أي
لا معنى لعدم إضافة الحكم إليه ثبوتا عنده كأول شرطين تعلق
بهما ملاحظة ترتيبهما لا كأحد الشروط المتعددة مطلقا كما ظن
فآخرهما شرط اسما وحكما كشروط سائر الأقسام وإما حكمًا لا اسما
فلا وجود له إذ لا شرط بدون التوقف اللهم إلا أن يفسر الاسم
بصورة أداة الشرط كما مر فيوجد كما في أن خفتم إذا حمل على قصر
الذات.
قلنا الحاصل: أن نعتبر الاسم وهو الصيغة والمعنى وهو التوقف
والحكم وهو الثبوت عنده ونسبع الأقسام العقلية كما في العلة
فاسما فقط غلو لم يخف الله {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا
مَا فِي
(1/282)
الْأَرْضِ} الآية ومعنى فقط كالنية للعبادة
والقدرة للتكليف وحكما فقط نحو بتحر على صغر سنة ولا حكمًا فقط
كأول المعلق بهما بأن ولا معنى فقط نحو أن خفتم مرادًا به قصر
الذات ولا اسما فقط نحو المرأة التي أتزوجها طالق والجامع
للثلاثة كآخر المعلق بهما بأن.
(فرع) إذا قال لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه فأنت كذا فدخلت
إحديهما في غير ملكه فنكحها فالأخرى في ملكه تطلق خلافًا لزفر
قياسًا لأحد الشرطين على الآخر إذ صيرهما شيئًا وأحدا والشرط
يمنزلة العلة عنده ولذا لا يثبت الإحصان عنده إلا بشهادة رجلين
ولا يقطع بخصومه المودع لأنها شرط ظهور السرقة فلا يجري
النيابة كالشهادة فيها قلنا الملك شرط الإيجاب أو شرط الوقوع
وحان الشرط الأول خالية عنهما وإلا كان شرط نفس الشرط وليس إذ
لو دخلهما في غير ملكه انحلت اليمين أو لبقاء اليمين وليس وإلا
لبطل بالإبانة قبلهما أما عند تمام الثاني فحال الوقوع ولذا
يقال تعدد المقدم لا يقتضى تعدد الشرطية بخلاف تعدد التالي
فيشترط الملك حالتئذ.
الخامس: شرط هو علامة وتحقيقه أن علامة الشيء معرفة وإنما
يحتاج إلى المعرف ما فيه نوع خفاء كما جعل التكبير علامة لقصد
الانتقال في الأركان فشرط الحكم إذا كان مظهرا لتحقق نفس العلة
مع الخفاء في ذاكا أو لتحقق صفتها للخفاء فيها سمي شرطا هو
علامة أما كونه شرطا فلتوقف تحقق الحكم على تحقق العلة
الموصوفة الموقوف عليه والوقوف على الموقوف موقوف وإما كونه
علامة فلأنه في الحقيقة شرط تحقق العلة لا الحكم مع أنه مظهره
مثال ما كان مظهر النفس العلة الولادة المظهرة للعلوق الذي هو
علة النسب بعد قيام الفراش أي النكاح الثابت أو حبل طاهر في
العدة أو اقرار به من الزوج عند الإمام ومطلقا عندهما إذ لو
أمكن الإطلاع على العلوق بسبب آخر لما كان إلى ادعاء الولادة
والشهادة بها حاجة في إثبات النسب فلم تكن شرطه بل شرط طهور
عليه فكانت أمارة لإيضاف النسب إليها ثبوتا بها ولا عندها ولذا
قبلا شهادة القابلة عليها من غير الأمور الثلاثة إذ المقصود
تعيين الولد حاصل وشهادتها تكفى له كما مع أحدهما قلنا الأمر
كذا في حق صاحب الشرع لكونه علام الغيوب وفي حقنا لقامت
الولادة الظاهرة مقام العلوق الباطن وجعلت علة للنسب فاشترط
لها كمال الحجة كدعوى النسب ابتداء والأمر المبطن قبل ظهور
كالعدم بالنسبة إلي كالخطاب النازل في حق من أسلم في دار الحرب
إما مع أحدهما أسند إلى دليل ظاهر يثبت النسب شرعًا فالولادة
علامة للنسب الثابت حاصل فتثبت بشهادة القابلة لتعيين الولد ثم
لما جعلاها علامة مطلقة وأثناها بشهادة لقابلة
(1/283)
بشهادة القابلة ثبتا بها ما كان تبعًا لها
استحسانا كالطلاق والعتاق المعلقين بها وكاستهلال الصبى حتى
تثبت الإرث وإن لم يثبت شىء منها بشهادة امرأة ابتداء كما يثبت
بشهادة القابلة أمومية الولد بعد ما قال إن كان يجارينى حمل
فهو مني واللعان إذا نفى الزوج الولد والحد إذا كان النافي
عبدا أو محدودا في قذف فإذا ثبت بها مثل الحد واللعان للتبعية
فصل النزاع أولى قلنا قياسا الولادة المعلق بها شرط محضن فلا
يثبت إلا بحجة كاملة كالمعلق وثبوتها بشهادة القابلة ليس مطلقا
بل لضرورة عدم اطلاع الرجال عليها فلا يتعدى إلى ما تنفك
الولادة عنه كالنسب وأمومية الولد واللعان عند النفي مع أنهما
تتعلق بالفراش القائم والإقرار بحال الطلاق والعتاق والاستهلاك
كشهادة المرأة على ثيابة الأمة المشتراه على أنهما بكر لا ترد
بها بل يستحلف البائع بعد القبض رواية واحدة في الأصح وقالا
أيضًا الاستهلاك علامة الحياة الخفية التي هي علة الإرث لا
علتها ولا شرطها لتقدمها عليه فيقبل فيه شهادة القابلة كما في
حق الصلاة على الموؤدة ويؤيده قبول علي رضي الله عنه شهادتها
عليه قلنا نعم لو لاقامته مقام الحياة كما مر في الولادة
والخبر محمول على حق الصلاة لأنه من أمور الدين وخبر الواحد
فيها حجة بخلاف الميراث.
ومثال ما كان مظهرًا لصفة العلة الإحصان في الزنا وهو أمور
سبعة أو أمران: الإِسلام والدخول بنكاح صحيح لمن هي مثله،
والعقل والبلوغ لأهلية العقوبة والحرية شرط تكميلها فإنه مظهر
لصفة الزنا التي هو بها علة وهي كونه بين مسلمين مستوفين للذة
المتاع الحلال إذ هي الداعية إلى استحقاق مثل هذه العقوبة
الفخيمة بعد أهليتها والإحصان ملزومها فيستدل به على ثبوتا
فلأن العلم بوجوب الرجم يتوقف على العلم بالإحصان جعل شرطًا
ولأنه معرف طبقه العلة وسابق عليها وعلى الحكم بالوسائط فضلا
عن إضافة الحكم إليه ثبوتا عنده جعل علامة وهذا معنى قولهم إذا
وجد الزنا لم يتوقف حكمه على إحصان يحدث بعده لا أن شرط الغير
التعليقي يجب تأخيره عن صورة العلة وجهًا علم أن شروط الصلاة
والنكاح ليست علامة وهذا الحفز والشق وغيرهما إذ ليس في شيء
منها إزالة خفاء فهذا مطمح نظر الشيخين والقاضي أبي زيد فإن
كلام المشايخ رموز ولا طعن علي الرمز والحمل على تسمية الشرط
المتقدم علامة مطلقا في غاية البعد لو وجوب ظهور أثره إلي
الأحكام وكون الاحصان شرطا في معنى العلة لوجود علة معارضة
صالحة للإضافة كالزنا مع أنه عبارة عن خصال حميدة واجبة أو
مندوبة فكيف يوجب العقوبة المحصنة ولكونه علامة لم يضمن شهود
الإحصان إذا رجعوا بخلاف شهود
(1/284)
العلة والسرط الخالص فيما تقدم وعند زفر
كشهود الزنا سواء لأن أصله أن للشرط حكم العلة لتعلق الحكم
بهما نفع أن الأحضان بخصوصه ملحق بالزنا ولذا يقبل الشهادة
عليه بدون الدعوى هنا لأعلى النكاح في سائر المواضع وصح الرجوع
عن الإقرار به ووجب أن يسال القاضى الشهود عن ماهيته وكيفيته
كالزنا في جميع ذلك. قلنا: إضافة الحكم إلى شهود الشرط فضلا عن
العلامة مع صلاح العلة لها غير معقولة وشرط الحق وسببه من حقوق
صاحبه فكما أن الحد حق الله تعالى صار الإحصان كذلك لجهة
شرطيته فصح الرجوع عنه والسؤال للإجمال لوقوعه على معان ولذا
أيضًا لم يشترط الذكورة في شهوده مع اشتراطها في شهود الزنا.
وقال زفر: هو مكمل للعقوب فيعتبر موجب أصلها وقياسا على شهادة
ذميين علي عبد مسلم زنى أو قذف بالزنا بأن مولاه الكافر أعتقه
قبلهما وأنكره هو والمولى حيث لا يقبل في إقامة الحد مع أن
شهادة الكافر على مثله مقبولة ولا شهادة على العبد بل له العتق
والإحصان فحين لم يقبل هذه لا يقبل تلك فكان الإحصان في معنى
العلة والمسألة مصورة في الأمة مطلقا وفي العبد على قولهما
قلنا المكمل هو العلة أو صفتها لا أمارة صفتها وإلا أضيف الحكم
إليها وخصوصه شهادة الكفار غير خصوصية شهادة النساء لأن الأولى
في المشهود عليه فلا تقبل في المسلم والثانية في المشهود به
فلا تقبل العقوبة وعلنها وشرط له حكم العلة فلا يلزم من رد
الأولى فيما يتضرر المسلم تكثير محل الجناية لإثبات الحرية
وإيجاب نفله من الجلد إلى الرجم والكافر لا يصلح لذلك رد
الثانية فيما لا يضاف العقوبة إليه ثبوتا به أو عنده وإن لزم
ضرر المسلم ضمنا والنساء تصلح للأضرار في الجملة.
وأما العلامة فلغة الأمارة كالميل والمنارة وشرعا ما يعرف
الحكم به من غير تعلق وجوب ووجود به (1)، وهي إما محض أي خالص
شوب الباقية قال على وجود خفي سابق كالتكبير للانتقال وكرمضان
في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر وأما ما فيه معنى الشرط
كالاحصان كما مر، وإما بمعني العلة كالعلن الشرعية التي هي
امارات وإما علامة مجازا كالعلة الحقيقية والشرط الحقيقى ومن
فروع العلامة المحضنة لا هو علامة فموضعه هنا لاثمة كما ظن جعل
رحمه الله تعالى العجز عن إقامة البينة على زنا المقذوف علامة
معرفة لسقوط الشهادة سابقًا بالقذف فبطل شهادته من حين القذف
لأن سقوطها أمر حكمي خفي جاز أن يحكم بسبق وجوده عند العجز
بخلاف الجلد فإنه فعل حسى لا
__________
(1) انظر / أصول السرخسي (2/ 304).
(1/285)
يمكن الحكم بسبق وجوده على حين نفسه فضلا
عن حسن العجز فيكون شرطًا له لا أمارة وذلك بناء على أن علة
السقوط نفس القذف لأنه كبيرة وهتك العرض من الأصل عفته لمانع
الدين والعقل فكان كسائر الكبائر في كونه سمة الفسق وكفايته في
سقوط الشهادة بخلاف الجلد فدل هذا على أن العجز أمارة في حق
السقوط شرط في حق الجلد وإن قلنا بتعليقها بالرمي والعجز معا
قلنا الجزاء الثابت بالنص من الأمرين فعل كله مفوض إلى الإمام
وهما الجلد ورد الشهادة لا سقوطها وقد اعترف أن العجز لا يصلح
معرفا للفعل فيكون شرط له وبناؤه على أن القذف كبيرة فاسد
لاحتمال أن يكون حسبه لم يمكن إثباته بالبينة ولم يكن مسموعا
منهم لأنه إشاعة الفاحشة وبعد العجز يحتمل الحسبة وأصالة العفة
لا تصلح علة لإيجاب العفة حتى تصلح علة لاستحقاق رد الشهادة
كمجرد القذف وإلا لما قبلت بنية القاذف أصلًا لكن إطلاق
الإقدام على دعوى الزنا لما كان بشرط الحسبة وذا بشهود حضور في
البلد لا عن ضغينة وبشهود غيب وجب تأخيره إلى آخر المجلس أو ما
يراه الإِمام كالمجلس الثاني في رواية عرابي يوسف رحمه الله
تعالى ليتمكن من إحضارهم ثم لا يوخر الحكم الظاهر بالعجز لما
يحتمل الوجود والأصح أن رعاية جهة الحسبة تقتض أن تقبل بنية
القاذف بعد حده على الزنا فيحد له ويبطل رد شهادته قبل التقادم
ويقتصر على الثاني بعده كشهادة رجل وامرأتين بسرقة يقبل في
المال لا الحد وان قيل أيضًا بأنها لا يقبل بعد الإقامة لأنها
حكم بكذب الشهود وكل شهادة حكم بكذبها لا يقبل أصلًا كما إذا
رد شهادة الفاسق فأعاذها بعد التوبة. وأما المانع فلظهور معنى
المنع لغة وشرعا لم يحتج إلى تعريفه بل قسم إلى مانع للسبب
والمانع للحكم ومورد القسمة ما يوجب عدم الحكم أعني مانع الحكم
مطلقا لا ما يمنعه بعد تحقق السبب ليتناول الأولين من الخمسة
فالمانع للسبب ما يستلزم حكمه تخل تحكمه السبب كالدين في
الزكاة فإن حكمه سببه وهو الغني مواساة الفقراء من فضل المال
وحكمة الدين وهو وجوب تفريجِ الذمة عن المطالبتين تخل بها إذ
لم يدع فضلا يواسي به ثم هو قسمان:
1 - ما يمنع انعقاده سببًا أي علة كانقطاع وتر الرامي أو
انكسار فوق سهمه حسا وبيع الحر وبيع الحر شرعا فحكمه الحرية
وهي القدرة الحكمية تخل بحكمة البيع وهي إباحة الابتذال
بالتصرف.
2 - ما يمنع تمامه كالحائط الحائل بين الرامي والمرمي وكون
الملك للغير في البيع
(1/286)
الفضولي العقد أصله ولذا لزم بإجازته ولم
يتم في حق المالك ولذا بطل بموته ولم يتوقف على إجازة الورثة
وإن ثم في حق العاقد حتى لم يقدر على إبطاله فإن حكمه ملك
الغير وهي نفاذ تصرفه تخل بحكمة البيع وهي نفاذ تصرف المشتري
من غير رضاه والمانع للحكم ما يستلزم حكمة تقتضى نقيض الحكم
كالأبوة في القصاص يستلزم حكمه هي كون الأب سببًا لوجوده الآن
يقتض أن لا يصير الابن سببا لعدمه ثم هو على ثلاثة أقسام:
1 - ما يمنع ابتداء الحكم كالترس المانع للجرح وليس كالحائط
لاتصاله بالمرمي دونه وخيار الشرط حتى لا يخرج بدل من له
الخيار عن مليكه إذ حكمة الخيار وهي إمكان امتناعه تقتضي عدم
خروجه وإنما جعل مانعا عن ابتدائه لا عن السبب ولا عن تمام
الحكم أو لزومه لما عرف أن ضرورة الاحتزاز عن معنى القمار
أوجبت نقله إلى الحكم فاندفعت بابتدائه.
2 - ما يمنع تمامه كاندمال الجرح لأن تمامه بعدم المقاومة وقد
قاوم بالاندمال وخيار الرؤية حتى يمكن الفسخ بلا قضاء ورضاء
فحكمته وهي التيقن بالرضاء تقتضى تمكنه منه.
3 - ما يمنع لزومه كصيرورة الجرح طبعا خامسا لم لمنع ابتداؤه
وهو الجرح ولإتمامه لأنه بعدم المقاومة وذا بعدم الاندمال وقد
حصل ومنع لزومه لأنه بالسراية فإن الرمي علة للمضي وهو للإصابة
وهي للجراحة وهي لسيلان الدم وهو لزهوق الروح ولم يوجد وخيار
العيب إذ لا يمنع تمامه فله أن يتصرف فيه كيف ما شاء ولا يرد
وأو قبل القبض لا بقضاء أو رضاء ومنع لزومه لأن له أن يرد
بأحدهما ولو بعض المبيع وبعد القبض فحمكته وهي الامتناع عن
التضرر اقتضته والقاضى أبو زيد رحمه الله تعالى جعل أقسام
الموانع أربعة بجعل خيار الرؤية والعيب مما يمنع لزوم الحكم
لتمكن المشتري من الفسخ فيهما بعد ثبوت الملك في البدلين.
تنبيهات:
1 - أن الشرط لما عرف أن عدمه مانع فأما مانع للسبب كالقدرة
على التسلم عدمها ينافي حكمه البيع وهي إباحة الانتفاع أو مانع
للحكم كالطهارة للصلاة ينافي عدمها حكمه الصلاة وهي تعظيم
الباري تعالى.
2 - الحكم وحكمته متلازمان فكذا منافاته مع منافاتها لأن تفيض
الملزوم من الطرفين فلذا يعتبر المنافاة مرة بين الحكمين ونارة
بين الحكمتين وأخرى بين القسمين المختلفين.
(1/287)
3 - أن المانع للسبب بقسيمة ليس من تخصيص العلة في شيء فوجود
متفق عليه في العلل المنصوصة والمستنبطة إما المانع للحكم
فالمختار عدمه فيهما وفيه خمسة مذاهب أخرى سنفصلها إن شاء الله
تعالى. |