فصول البدائع في أصول الشرائع الفصل الثالث في حكم
المشترك
الذي وضع أولا لما زاد على حقيقته من حيث اختلافها فقد خرج
المجاز والمنقول والمنفرد خاصا وعاما وهو الوقف متأملا ليدرك
معناه برجحان بعض وجوهه فإنه يحتمله بخلاف المجمل إلا ببيان من
المجمل فما انسد باب ترجيحه يكون منه ولا عموم له خلافا
للشافعي رضي الله عنه والقاضي وأبي علي الجبائي وعبد الجبار،
وتحريره أن يراد كل واحد من معنى به معا إذا أمكن اجتماعهما
كأنعم على مولاك شكرا للإنعام أو إتماما للإكرام وإن كانا
متضادين نحو رأيت الجون صحلاف: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:
228].
وافعل في الأمر والتهديد أو الندب والإباحة لا أن يراد بدلا أي
كل في حال سواء كان مع عدم اعتبار الاجتماع أو مع اعتبار عدم
الاجتماع ولا أن يراد المجموع لعلاقة مجاز أو لا أن يراد معنى
ثالث يعمهما مجازًا كأحدهما لا بعينه لا حقيقة إلا عند السكاكي
ومن أن يراد ما يسمى به إذ لا نزاع في جواز هذه الثلاثة أما
الأول فعندهم يجوز مطلقا حقيقة وقيل في النفي دون الإثبات وهو
ضعيف لأن النفي يرفع مقتضى الإثبات.
فالعام قسمان متفق الحقيقة ومختلفها وعند ابن الحاجب مجازا
والحق عدم جوازه وهو مذهب بعض الشافعية وجميع أهل اللغة وجمهور
أصحابنا والخلاف في جوازه في جمعه مبني عليه في مفرده في الأصح
بل مبني على اعتبار قيد من جنسه في مفهوم المع ثم متى تجرد عن
القرينة المعينة وجب حمله على ذلك عند الشافعي وأبي بكر وهذا
غير مذهب السكاكي لا عند باقيهم وقال أبو الحسين والغزالي يصح
أن يراد عقلًا لكن اللغة منعت.
(2/94)
لنا في أنه لا يجوز، لا حقيقة لأن تعينها
لتعيين الوضع فإن تحقق وضع واحد لكل منهما معا فلا نزاع فيه،
وإن لم يتحقق إلا لأحدهما فإن لم يعتبر الواضع حين الوضع انفرد
ذلك المعنى وعدم اجتماعهن حتى جاز اجتماعه لم يكن ذلك المعنى
تمام الموضوع له من كل وجه وذا خلاف المفروض وإن اعتبره
فالاجتماع مناف له فلزم لو جاز إرادتهما وضعا أن يكون كل منهما
مرادًا وإن لا يكون لأن وضع الآخر مناف له.
وهو مع ومنه يعلم أن الانفراد معتبر في المستعمل فيه وأن
الملاحظ في الوضع اعتبار عدم الاجتماع لا عدم اعنبار الاجتماع
كما ظن كثبوت يشترك بين شخصين ممكن بانتفاعهما المنفعة الخاصة
لغوية لا عقلية كما ظن فمنع ومنه يعلم غلط السكاكي أيضًا في أن
معنى المشترك الدائر بين الوضعين أحدهما لا بعينه غير مجموع
بينهما إذ لا وضع يساعده ولا مجازا إذ لا علاقة تجوزه بين أحد
المعنيين وكل منهما معا على ما هو المفروض وإلا فلا نزاع في
مجازيته ولا حقيقة ومجازًا إذ فيه الجمع وهو مراد التنقيح
بالشق الثاني.
قالوا أولا: يتبادر ذلك عند عدم القرينة المعينة وذلك أمارة
الحقيقة قلنا لا نعلم ولئن سلم فالمعتبر التبادر على أنه
الموضوع له والمراد كما مر ومنه أيضًا يفهم فساد مذهب السكاكي.
وثانيا: مستعمل فيهما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] حيث
أريد به وضع الجبهة في الناس وغيره في غيره وقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}
[الأحزاب: 56] حيث أريد بالصلاة الرحمة والاستغفار.
قلنا في الأولى: أريد بالسجود الانقياد قيل التسخيري عام وقد
قال وكثير من الناس ولا يناسبه عطف وكثير حق عليه العذاب
والتكليفي لا يتأتى في غير الناس وجوابه أن المراد الانقياد
المعتبر في كل نوع والمعتبر في المكلف التكليفى وفي غيره
التسخيري أو أضمر الفعل في وكثير بمعنى آخر فإذا جاز إضمار
المغاير لفظا ومعنى في علفتها تبنا وماء باردا فلأن يجوز هذا
أولى.
وقد دل الدليل على حذفه وتعيينه وقيل المراد بالسجود وضع
الجبهة فقدرة الله شاملة لإيجاده في الكل بإيجاد ما يتوقف عليه
كما ذهب إليه في: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] فإن ما يناسبه ظاهر قوله تعالى:
{وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] إرادة
حقيقته لا معنى لا تفهمون دلالته على قدسه كما ظن لأن
المخاطبين كانوا عارفين بذلك لا يقال قوله ألم تر لا يناسب هذا
المعنى الخفي لانا تقول
(2/95)
هذا خطاب عارف باقي من أمثاله وإلا فالإلزام مشترك إذ المراد
بالانقياد في الجمادات والحيوانات بل وفي السماويات أخفى وفي
الثانية أريد بصلاة الكل معنى واحد إذ إيجاب الاقتداء يقتضي
الوحدة في كل المراد أو في جزئه.
والأول هو الظاهر حقيقي أو مجازي كالعناية بأمر الرسول إظهارا
لشرفه ولأن تحقق ذلك بأسباب محتلفة بحسمب موصوفاتها فسرت
بالمعاني المختلفة كما يقال في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] المحبة من الله تعالى إيصال
الثواب ومنهم الطاعة ليس المراد الاشتراك اللفظي بل بيان
لوازمها في كل موصوف أو العناية لازمة للمعاني الثلاثة.
وقيل: أريد بها الدعاء ففط الله تعالى أنه يدعو ذاته إلى إيصال
الخير فلكون لازمه الرحمة فسروه بها وقال الزمخشري عفى الله
عنه حقيقتها الرحمة، واستغفار الملائكة ودعاء المؤمنين سينها
فإسنادها إلى الطائفتين مجازي ومن الجائز إسناد الشيء إلى
مجموع في بعضه حقيقي نحو بنو تميم يقري الضيف ويحمي الحريم. |