فصول البدائع في أصول الشرائع الفصل الثاني في
العام
وفيه مقامات:
الأول: في حكمه وفيه بحثان:
أحدهما فيما قبل التخصيص:
هو: أن يوجب الحكم وضعا فيما تناوله يقينا وقطعا الخاص هو
المذهب عند العراقين من مشايخنا بدليل قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى الخاص رضي الله عنه لا يقضي عليه بل ردما ينسخ الخاص به
كحديث العرنيين في بول ما يؤكل لحمه بحديث استنزاه البول محلي
باللام وقوله ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة أي عشر لأن الزكاة
تجب فيه إن بلغ قيمته نصابا بقوله ما سقته السماء ففيه العشر
فلا يشترط بلوغ الخمسة كما عندهما فإن علم تراخي العام فيهما
فذاك وإلا حمل على المقارنة وثبت حكم التعارض فرجح المحرم أو
لم ينسخ منه شيء والمتفق
(2/49)
على العمل به إذا وجب العشر فيما وراء
الخمسة بالعام كما نصفه عند كرة المؤنه بالدالية أو يرجح العام
مطلقا احتياطا وذكر محمَّد شبيهه في الوصفية بخاتم ثم بالفص
لأخر أن الحلقية للأول والفص يستهمانه مفصولا.
وإن كان للثاني موصولا والأشهر أنه قوله خلافًا لأبي يوسف وقيل
قولهم، وقالوا القول لمدعي العموم في المضاربة للترجيح بدلالة
عقد الاسترباح بعد قيام المعارضة، ولذا عم بالإطلاق ولم يفسد
بعدم التنصيص على التخصيص كالوكالة وعند بعضهم صيغ العموم
حقيقة في أخص الخصوص ومجاز في العموم، وقال الأشعري تارة
بالاشتراك وأخري بالوقف حتى يقوم الدليل على المراد وقيل
بالوقف في الأخبار دون الأمر والنهي وقال القاضي بالوقف بمعنى
لا أدري لوضعت لشىء منهما أو بعد العلم بالوضع في الجملة أوضعت
للعموم منفردا فيكون حقيقة فيه فقط أو وللخصوص فتكون مشتركة،
أو للخصوص فقط فيكون مجازا وقال الشافعي يوجب العموم لا على
اليقين وهو مذهب مشايخ سمرقند منهم علم الهدي والثمرة مع
الأولين في نحو لفلان علي دراهم فيجب الاستفسار عند الواقفية
كعلي شىء وثلاثة عند المخصصين لأنها الموجب وعندنا لأنها الأقل
بعد استحالة إرادة الجميع ومع الشافعي رضي الله عنه وغيره أن
غير المخصص من الكتاب والسنية المتواترة لا تخصص بغير الواحد
كما بالقياس لأنهما ظنيان فلا يعارضانه والتخصيص بطريق التعارض
فلا تخصص متروك التسمية عامدا بمثل حديث عائشة رضي الله عنها
والبراء وأبي هريرة كما بالقياس على الناسي إذ الناسي لم يخص
منه بل أقيم ملته مقام الذكر كالتيمم مقام الوضوء والعامد
لكونه معرضا قصدا لا يستحق التخفيف فلا يصح قياسه ولأن النسيان
لكونه من قبل صاحب الحق مرفوع حكمه بالحديث كما في الإفطار
ناسيا فكأن الترك لم يوجد، وحديث عائشة لنا لأن سوألها عند
الشك في التسمية دليل أنها من شرائط الحل عندهم وفتواه عليه
السلام بالإباحة بناء على ظاهر أن المسلم لا يدعها كالمشتري في
سوق المسلمين.
وإن احتمل ذبح المجوسي وحديث البراء وأبي هريرة محمول على
النهييان بدليل ما قد يروي وإن تعمد لم يحل وكون المراد بالآية
ما ذبح لغير الله مطلقا اختيار الكلي أو للأوثان اختيار العطاء
أو الميتة والمنخنقه اختيار ابن عباس رضي الله عنه بدليل
{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وأنه يقبل شهادة آكل
متروك التسمية محمدًا وليجادلوكم فإن مخاصمتهم كانت في أكل
الميتة قائلين: تأكون مقتول ربكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
فإن الكفر باستحلال الميتة لا متروك التسمية غير قادح لما
سيتحقق أن العبرة
(2/50)
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لا سيما عند
ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلبة وأكل من اعتقد الحرمة
متروك التسمية كالحنفي فسق يرد شهادته وإنما لا يرد شهادة غير
معتقدها التأويله كما لا يحرم الباغي عن الميراث بقتل العادل
لتأويله، ولا المرضعات في {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] بحديث
ابن الزبير رضي الله عنه، مع أنه لا يثبت خمس رضعات إلا يعدم
القائل بالفصل إذ العطف بولا لتأكيد النفى السابق ولا بما روته
عائشة مع أنه لا يجوز العمل بالقراءة الشاذة ولا يجعلها خبرًا
كما مر إلا على وجه الإلزام ولا المسافر للعصيان في الترخيص
بالقياس بجامع أن النعمة لا تنال بالمعصية.
ولا الأصواف والأوبار في الميتة بشيء مع أنا نمنع كونها أجزاء
للميتة إذ لا موت فيها لعدم الحياة ولا الأيامى والصالحون من
العباد، في الجبر فيجبر العبد كالجارية بقياسه على المكاتب مع
أنه حر يدا وجبر الطالحين بالدلالة أو بعدم القائل بالفصل ولا
مالك ذي الرجم المحرم في العتق بقياس غير الولاد على بني العم
بجامع جواز الشهادة ووضع الزكاة. ولا داخل الحرم بنحو حديث أنس
كما بالقياس على منشئ القتل فيه إذ لم يخص منه لأن كان بمعنى
صار بدليل التعليق بالدخول فلو التجأ مباح الدم بردة أو زنا أو
قصاص أو قطع لا يقتل ولا يؤدي بضرب بل لا يطعم ولا يسقي ليخرج
ولا على الأطراف لأنها كالأموال إذ يجري فيها الإباحة دون
النفس والضمير في كان لنفسه دون ماله وطرفه وقتل ابن خطل حين
أحلت مكة للنبي عليه السلام كما ورد به الأثر ولئن ثبت زيادة
ولا فارا بدم فمعناه لا تسقط عقوبته وتقييده بالأمن من الذنوب
أولى منه العمل بالعموم ما أمكن وضمير من دخله أما للبيت فإذا
حصل الأمن بدخوله حصل بدخول حرمه لعدم القائل بالفصل هذا إن لم
يصر آمنا بدخوله كما عند بعض الشافعية بل يخرج لئلا يتلوث ثم
يقتل وأن صار آمنا كما عن بعضهم فبطريق إلحاق حرمه به لا
تصادفه بالأمن في حر ما آمنا والبلد آمنا والإجماع على أمن
الصيد وإن لم يلزم كون التبع كالمتبوع كما في القبلية وأما
لأنه للحرم وأن لم يذكر لذكر متبوعة لقول المفسرين واستدلالهم
بقوله {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل
عمران: 97]، وهو في الحرم وكون المراد متعبدة مع أنه ليس قول
من يعتد به ينافيه ظاهر كونه بيان الآيات لأن الظاهر أنها ظهور
أثر قدمه في الصماء وغوصه إلى الكتب وبقاؤه إلى الآن.
ولا الإهاب فيطهر جلد الميتة به خلافا لمالك مطلقًا والشافعي
في جلد غير مأكول
(2/51)
اللحم بقوله "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب"
(1)، أما لأن الأول نص في الطهارة وهذا يحتمل عدم الانتفاع
ببيعه وأكله يؤيده حديث ميمونة إنما حرم من الميتة أكلها بعد
ما قال عليه السلام هلا انتفعتم بإهابها فقيل أنها ميته، فليس
نصا في النجاسة بعد الدباغ أو تعارض مع حديث ميمونة فعلمنا
بحديثنا وأما لأن الإهاب اسم لغير المدبوغ، قاله الأصمعي
والمدبوغ إذ تم فلا تعارض لعدم إيجاد المحل، نقضان وجوابان:
1 - خص عن قوله عليه السلام "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"
(2) مثل أم أخته بالرأي قلنا المراد ما سبب حرمته النسب بخصوصه
وليس تحريم أم الأخت مثلا له بل لكونها أمة موطوءة أبيه ولذا
يحرم موطوئته ولو لم يكن منها أخت.
2 - خص عن قوله كل طلاق واقع، إلا طلاق الصبي والمجنون طلاق
النائم بالرأي. قك بل أما برواية زيادة النائم أو بدلالته إذ
يفهم كل عارف باللغة أن منع طلاقهما لعدم تميزهما فكذا من تمثل
بحالهما من النائم وكذا زائل العقل بشرب الدواء المباح أو
الصداع أما بالسكر عن المحرم فلا زجرا له، لنا أولًا مبادرة
الذهن إلى العموم في نحو قول المولى عبيدي أحرار ولا تضرب أحدا
وغيره من العمومات.
وثانيا: احتجاج أهل اللسان بالعمومات كالسارق والزانية واحتجاج
عمر عند قتال أبي بكر مانعي الزكاة بقوله "أمرت أن أقاتل
الناس" (3) الحديث عليه لمنعه فقرره أبو بكر رضي الله عنه
واحتج عليه بقوله "إلا بحقه" فإن الزكاة من حقه وابن مسعود على
عليّ رضي الله عنه في أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع
الحمل لأبعد الأجلين بأن القصرى نزلت بعد الطولى فنسخت بعمومها
خصوص الأولى وإن كان من وجه وعليّ رضي الله عنه عمل بالاحتياط
لعدم عمله بالتاريخ وعلي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه
في تحريم الأختين وطئا بملك اليمين بقوله أحلهما أو ما ملكت
إيمانهم وحرمهما وأن تجمعوا بين الأختين لأن معناه حرم الجمع
محلي باللام فتناوله نكاحا ووطئا وإلا وجه أن معناه لا تفعلوا
جمعا والمحرم مغلب وعثمان رضي الله عنه رجح المحلل باعتبار
الأصل
__________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (4/ 93) ح (1271)، والترمذي (4/
222) ح (1729)، والبيهقي في الكبرى (1/ 14) ح (42)، وأبو داود
(4/ 67) ح (4127)، والنسائي في الكبرى (3/ 85) ح (4575)،
والإمام أحمد في مسنده (4/ 310).
(2) أخرجه البخاري (2/ 935) ح (2502).
(3) أخرجه البخاري (1/ 17) ح (25)، ومسلم (1/ 51) ح (20).
(2/52)
وأبي بكر رضي الله عنه بقوله عليه السلام
"الأئمة من قريش" (1)، "ونحن معاشر الأنبياء لا نورث" (2) قيل
فهم العموم فيها من ترتب الحكم على ما يصلح عليه أو من ذكره
لتمهيد قاعدة شرعية أو من قوله عليه السلام "حكمي على الواحد
حكمي على الجماعة" أو من تنقيح المناط وهو إلغاء الخصوصية.
قلنا هذه الجهات لا تفرق بين الألفاظ التي ادعي فيها العموم
وبين غيرها ومن عادتهم عند التمسك بغيرها التصريح بهذه الجهات
فحين لم يتعرضوا الشيء منها في نحو هذه الاستدلالات أصلا مع
التصريح بالعموم مطلقا علم عادة ظهورها في العموم.
وثالثا: إن هذا شاع بينهما ولم ينكر فكان إجماعا ويقتضى عادة
القطع بتحقق الإجماع أو يكفي الظن والحق لأن تجوز القرائن لا
يمنع الظهور وإلا لم يظهر للفظ مفهوم ظاهر إذ مستند النقل تتبع
الاستعمال لا نص الواضع.
ورابعا: فهم العموم في وقايع لا تحصتي لمن تتيعها حتى كذب
عثمان رض الله عنه قوله، وكل نعيم لا محالة زائل بدوام نعيم
الجنة وفهم التوحيد من لا إله إلا الله عند الكل واعترض ابن
الزبعرى جاهلا بلسان قومه على قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:
98]، بقوله أليس قد عبدت الملائكة والمسيح ورد قول اليهود ما
أنزل الله من شيء بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ
الَّذِي} [الأنعام: 91]، الآية والإيجاب الجزئي لا يناقض إلا
السلب الكلي.
وخامسا: أن العموم معنى مقصود تفهيمه على التعين عرفًا وشرعًا
كما يقول من يريد عتق كافة عبيده عبيدي أحرار وطلاق جملة
نسوانه كل امرأة في طالق غيبا كان الفاهم أو ذكيا فلابد من لفظ
يوضع له والتعبير بالمجاز أو المشترك لا يفي بذلك مع أن الأصل
عدمه.
ثم قال الشافعي لكن إرادة الخصوص محتملة في كل عام إلا لدليل،
على عدمها كما في قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} [البقرة: 231]، و {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 85) ح (6962)، الضياء في
المختارة (2/ 72) ح (449)، والبيهقي في الكبرى (8/ 143)،
النسائي في الكبرى (3/ 467) ح (5942)، والطبراني في الأوسط
(2614) ح (3521)، الإِمام أحمد في مسنده (3/ 129) ح (12329)،
والروياني في مسنده (2/ 25) ح (764)، والطبراني في الصغير (1/
260) ح (425)، والطيالسي في مسنده (1/ 284) ح (2133)، وأبو
يعلى في مسنده (6/ 321) ح (3644)، الطبراني في الكبير (1/ 252)
ح (725).
(2) أخرجه البخاري (3/ 1126) ح (2926)، ومسلم (3/ 1379) ح
(1758).
(2/53)
وَالْأَرْضِ} [النساء: 170]، ومع الاحتمال
لا يثبت اليقين فصار دليلا ظنيا كخبر الواحد والقياس وهذا
احتمال زائد على ما في الخاص من احتمال المجاز والنسخ ولذا
افترقا لا سيما إذا لم يكن العام المخصص مجازا فلم يخرج بذلك
عن حقيقته واحتمال النسخ بعدم الوقوف على الناسخ بعد التفحص.
قلنا الاحتمال الغير الناشئ عن دليل لا يقدح في القطع المراد
ها هنا فلم يدل القرينة على خلاف الموضوع له كان ذلك لازمًا
قطعًا عاديًا وإلا لارتفع الأمان عن اللغة والشرع وكلفنا درك
الغيب وإرادة الخاص بخصوصه من العام أما بطريق المجاز أو خلاف
الظاهر فزيادة هذا الاحتمال أما من كثرة احتمال المجازات
ومثلها وهي مع القلة سيان عند عدم القرينة على أنا لا نعلم أن
كل إخراج لبعض المحتملات يورث شبهة فإن التخصيص بالعقل
والإخراج المتراخي نسخا لا يورثانها كما سيجىء والموصول قليل
ما هو، للقائلين بأنها حقيقة في الخصوص أولا أنه متيقن لأنه
مراد أو داخل فيه فيكون أحوط.
قلنا: اللغة تثبت بالنقل لا الترجيح العقلي من أنه معارض بأن
العموم أحوط في كثير من الواجب وقليل من المباح.
وثانيا: أن قولهم المشتهر حتى صار مثلا ما من عام إلا وقد خص
عنه البعض غالبي مبالغة كنفسه لا كلي لما مر من نحو قوله
تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]،
فيكون في الأغلب حقيقة في الأغلب أيضًا يكون ظاهرا إذا لم يدل
دَليل على أنه للأقل وقد مر دلائله للقائلين بالاشتراك إطلاقه
فيهما مشتهرا والأصل الحقيقة.
قلنا المجاز أولى منه فيحمل عليه وإلا فلا مجاز مشتهرا
للواقفية مطلقا أنه مجمل فيما يصلح له كالجمع في إعداده ولذا
يؤكد بما يفيد الاستغراق وقد يذكر ويراد الواحد نحو {الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، أي نعيم ابن مسعود
قلنا مجرد الاحتمال لا يقتضي الإجمال والتأكيد ليصير محكما كما
في الخاص للواقف في الأخبار فقط انعقاد الإجماع على عموم
التكليف وهو بالأمر والنهى ولا دليل عليه في غيرهما.
قلنا معارض بالأخبار العامة من عمومات العقيدة والعمل والوعد
والوعيد فجميع المكلفين مكلفون بمعرفتها (تحصيل) فالعام والخاص
إذا تعارضنا أن علم التاريخ نضار الخاص المتأخر مع الوصل مخصصا
ومع الفصل ناسخا في مقدار ما تناوله اتفاقا والعام المتأخر
ناسخا وجهول التاريخ يحمل على المقارنة وترتب حكم المعارضة في
متناولهما عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه يخصصه الخاص تقدم
أو تأخر أو جهل لقطعيته دونه والعرف يكذبه كمن قال لعبده اضرب
زيدا ثم قال لا تضرب أحدا.
(2/54)
البحث الثاني: فيما
بعده
وفيه مسائل:
الأولى: في تعريف التخصيص
هو لغة: تمييز بعض الجملة بحكم واصطلاحا قصر العام على بعض
جزيئاته مطلقا عند الشافعية وبدليل مستقل متصل عندنا لأنه إن
كان بغير مستقل أي بكلام يتعلق بصدره وهو خمسة: الاستثناء
والشرط والصفة والغاية والبدل فليس تخصيصا بل بيان تغيير أو
تفسير أو تقرير لأن الحكم لا يتم إلا بآخر الكلام وما لم يتم
لا يحكم باستيفاء مقتضياته عمومًا وخصوصا في حقه إن كان
بالمستقبل فإن لم يتصل فهو نسخ وبيان تبديل لأن حكمه قد تقرر
والرفع بعد التقرر نسخ قالوا لا قصر ثمة لإدارة المجموع قلنا
لا يلزم من انتفاء القصر من حيث الذات وهو أن لا يراد بعض
جزيئاته ابتداء انتفاؤه مطلقا لجواز تحققه من حيث الحكم وهو
إخراج البعض بعد إرادة الكل فإن جزيئاته بعد النسخ جزيئاته ولا
يتناولها الحكم فإن كان النسخ رفعا فكما في الاستثناء وإن كان
بيانا لأمد الحكم فكما في الغاية غير أنه مستقل وإن اتصل فهو
تخصيص ومخصصه أما العقل نحو {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:
102]، خص منه ذاته تعالى ومنه تخصيص الصبي والمجنون من خطابات
الشرع وأما الحس نحو {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} [الذاريات: 42]،
الآية خص منه الجبال ومنه {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
[النمل: 23]، بيانًا كان أو تبعيضًا إذ لم يعط كل شيء وأما
العادة كمن حلف لا يأكل رأسا وأما نقصان بعض الأفراد كالمكاتب
في كل مملوك في حر وإما زيادته كنحو العنب من الفاكهة ولا
يتصور أن إلا في المشكك وعلى تعريف الشافعية نقوض نحو على عشرة
إلا ثلاثة وضربت زيدا رأسه وأكرم الرجال إلا الجهال والعالم
واحد فإن التخصيص فيها على الأجزاء.
وأجيب بأن لا تخصيص في الأوليين إذ لا عام وكذا في الثالث لأن
الجمع معهود أو مجاز عن الجنس فالمراد جزيئات المفرد على أن في
جوازه ترددا كما سيجيء وعرفه أبو الحسين بإخراج بعض ما تناوله
الخطاب عنه وفيه شبه:
1 - أنه يتناول النسخ إلا أن يريد تخصيصا يطلق على ما يتناوله.
2 - أن الإخراج وتناول الخطاب متنافيان المخرج غير متناول فكيف
يجتمعان وفي الجواب عنه بأن المراد ما تناوله على تقدير عدم
المخصص كقولهم عام مخصص أي لولا تخصيصه تعريف الشيء بنفسه
والإضمار في الحدود ولا نعلم أن المخصص ليس بعام حيث جاز
التمسك بعمومه في الأصح ووجه بأن المراد ما يتناوله في الجملة
لا إضمار القيد وهو فاسد لأن المراد بالخطاب هو المشخص وإلا
لفسد من وجوه شتى
(2/55)
وللمخصص أثر في تعينه فلا يتناول المخرج
أصلًا فجوابه الصحيح أمن المراد التناول وضعا والإخراج إرادة،
أما ذاتا وحكما وهو المعنى بالعام المخصص ولو كان الباقي واحدا
وذلك لجريان العرف على أن يراد بالدلالة في تفسير الألفاظ
الوضعية وهي المرادة لتناول.
3 - انتفاضة بالنقوض المذكورة إلا إذا أريد تناول الجزئيات
وفيه الإضمار وعرفه الآمدي بأنه تعريف أن العموم للخصوص وفيه
تعريف بما يساويه إلا أن يريد بما في الحد اللغوي فلا دور فإن
دون التأثير عين الأثر في الخارج والمعتبر في التعريف المفهوم
العقلي.
(تنبيه) قيل قد يطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض المسمى كما
قد يطلق العام على ما يتناول الأجزاء وأن لم يكن عاما لعدم
دلالته باعتبار أمر مشترك بين المتناولات كالعدد والمسلمين
عهدا والعبد في على عشرة إلا ثلاثة وجاءني مسلمون فأكرمت
المسلمين إلا زيدا واشتريت العبد إلا ثمة فيباينان الأولين
مفهوما ويعمانهما من وجه وجودا وربما يحمل على بعض المسميات
فيحكم بعمومهما مطلقا وفي إطلاق المسميات على الأجزاء بعد ولو
قيل أريد بالكل في هذه الأمثلة كل واحد من أجزائه لكان العام
وتخصيصه بالمعنيين الأولين وفيه ضبطٌ للأقسام وتقليل لانتشار
الأحكام واحتراز عن القول بالاشتراك اللفظي الاصطلاحي مع إمكان
دفعه كما هو الأسهل محذورا هو الإضمار.
(تتمة) قيل: التخصيص بكل من التفسيرين لا يستقيم إلا فيما يؤكد
بكل، وهو ذو أجزاء أو جزئيات يصح افتراقها حسا أو حكمًا ونقض
بالنكرة في سياق النفي وأجيب بأن المراد بالتأكيد أعم من
الاصطلاحي والملحق به من نحو كل رجل ولم يدفع النقض بالفعل
المنفى إلا بتأويل بعيد ينخرم فيه الضيفة.
الثانية: في جوازه في جميع
العمومات وقيل يمتنع مطلقا وقال شذوذ لا يؤبه به يمتنع
في الخير لنا عدم لزوم المحال لا لذاته ولا لغيره، ووقوعه كما
في الأمر والنهي كما أمر في آيتي: {وَأُوتِيَتْ} [النمل: 23]،
{مَا تَذَرُ} [الذاريات: 42]، ولهم أنه كذب في الخبر إذ ينفى،
فيصدق، وبداء في الإنشاء وللمفصل القياس على النسخ.
قلنا قيام الدلالة على التخصيص دافع للكذب والبداء وبين
التخصيص والنسخ فروق ستعلم.
الثالثة: في أنه في الباقي يعد
التخصيص حقيقة أم مجاز والثمرة صحة الاستدلال بعمومه
فقيل مبني على اشتراط الاستيعاب أيضًا على أنه حقيقة وهو
المختار عندنا أما في
(2/56)
غير المستقل والمستقل المتراخي فمطلقا إذ
لا تخصيص فيهما وإما في المقارن فمن حيث التناول ولذا أوجب
العمل وأن كان من حيث قصوره عن سائر الأفراد مجازًا بطريق
إطلاق اسم الكل على الجزء لأن كلا من الأفراد جزء للعام من حيث
العموم وإن كان جزئيا من حيث ماهيته وهو كمذهب إمام الحرمين
لولا شموله غير المستقل والمستقل المتراخي عنده، والحق أن غير
المستقل دافع لأن تمام الحكم بقيوده والمستقل المتراخي دافع
لتمام الحكم قبله لاستقلاله وتقرر تماميته للفصل والمستقل
المتصل أعني التخصيص له شبههما، وفيه ثمانية مذاهب أخر:
1 - للحنابلة حقيقة في الكل مطلقًا.
2 - لأبي الحاجب وغيره مجاز مطلقًا.
3 - لأبي بكر الرازي حقيقة إن لم ينحصر الباقي بل له كثرة يعسر
معرفة قدرها والإعجاز.
4 - لأبي الحسين حقيقة إن خصص بغير مستقل مطلقا كالأشياء
الخمسة ومجاز بمستقل من سمع أو حس أو عقل هو الذي نقله البعض
والحق أن المخصص بغير المستقل ليس حقيقة ولا مجازا عنده قاله
في المعتمد.
5 - للقاضي حقيقة إن خص بشرط أو استثناء لا غيرهما.
6 - لعبد الجبار حقيقة إن خص بشرط أو صفة لا استثناء وغيره.
7 - أن خص بلفظي متصل أو منفصل.
8 - للإمام حقيقة في تناوله مجاز في الاقتصار عليه لنافي أنه
حقيقة في التناول أو لا لو لم يكن حقيقة لما صح الاحتجاج
بعمومه غذ لم يبق عاما ولا ظاهرا في العموم، وقد احتج الصحابة
وغيرهم كما سيجيء.
وثانيا التخصيص: لا يغير التناول للباقي على ما كان عليه وقد
كان حقيقة بل الطارى عدم تناول الغير، قيل التناول وحده غير
التناول مع الغير والموضوع له هو الثاني. قلنا إن أريد أنه
الموضوع له من حيث مفهوم العام فممنوع، وإلا كان كلا مجموعيا
لا إفراديا وكأن متناولته أجزاء لا جزئياته وليس ذلك محل
النزاع وأن أريد من حيث عمومة فسلم لكنه يقتضي مجازيته من حيث
الاقتصار لا من حيث التناول وقيل تحقيقه أن من صيغ العموم ما
وضع لنفس الشمول ككل وما وضع للماهية مع الشمول كأسماء الشرط
والاستفهام وما وضع للماهية التي يعرضها الشمول كاسم الجنس
الجمع المعرفين تعريف الجنس، على ثلاثة تعريفات:
(2/57)
فالأول: كالكلي المنطقي.
والثاني: كالعقلي.
والثالث: كالطبيعي.
وهذا الدليل منزل في الثالث والغرض إبطال المجازية في الكل
والاعتراض ناظر إلى الأولين دون الثالث لأن تعريف الجنس
للإشارة إلى الماهية من حيث هي ففي كل من جزئياتها حقيقة كما
قبل التعريف والعموم من المقام كالخطابة وإنما أفاد التعريف
الإشارة إلى الجنسية ليضح إطلاقها على القليل والكثير حقيقة.
وفيه بحث:
فأولا: لأن المقام آية كون اللام للعموم وإلا لما أسنده أهل
العربية إلى اللام فالتخصيص يعتبر في مفهوم اللام.
وثانيًا: لأن الجنسية إن أريد بها غير العموم والإشارة إلى
المفهوم فلا قائل بأن اللام فيما لا عهد لها وإن أريد بها
العموم فالجنسية غيركافية في العموم لا سيما عند مشترطي
الاستغراق وإلا لكان مثل ماء وزيت منكرًا عاما ولا قائل به
وتناول الجمع المحلي بلام الاستغراق المفرد لكون استغراق الجمع
مجازا عن استغراق المفرد كما سيجىء.
وثالثا: لأن العموم بعد ما حصل ولو من المقام، فالتخصيص قادح
فيه ومغير لموضوعه غايته أن لا يعتبر التجوز في المنطوق من
الكلام بل في المقدر المفهوم من المقام.
ورابعًا: أن عند نفس العام من حيث هو حقيقة، ومن حيث عمومة
مجازا ليس أمرا يختص بفهم العموم من الوضع الشخصي أو النوعي،
أو الوضع المستقل أو الضمني إذ لا حجر في الاعتبار وسببه
اعتبار الواضع ملاحظ تصدق المفهوم الكلي على الأفراد ففيه
اعتبار كلية المفهوم وهو الأصل واعتبار تعدد الأفراد وهو التبع
على أنه لو ورد فإنما يرد على الإمام أما علينا، حيث قك لا
مخصص إلا المستقل المقارن فلا إذ لاستقلاله جعلنا العام حقيقة
كالمنسوخ ولمقارنته جعلناه كلا مطلقا على البعض كالمستثنى منه
فعبر عنهما بجهتي التناول والاقتصار لله در الحنفية في الفرق
بين المستقل المقارن وغيره، وثالثا لا يتوقف سبقه إلى الفهم
على القرينة إذ الموقوف عليها عدم إرادة المخرج وذلك إمارة
الحقيقة.
وفي أنه مجاز من حيث الاقتصار تغير الشمول الذي وضع له صيغ
العموم منطوقة أو مفهومة، لابن الحاجب لو كان حقيقة في الباقي
لكان مشتركا ولكان كل مجاز حقيقة لأن
(2/58)
ظهوره في الباقي بالنظر إلى القرينة وكل
مجاز كذلك، قلنا: لا نعلم الملازمة إما لأن إرادة الاستغراق
باقية والمخصص بمنزلة بدل البعض وإرادة الباقي من مجموعهما كما
في الاستثناء كأنه يقول لا تقتلوا من جميع المشركين أهل الذمة
فلا يلزم الاشتراك وأما لأن الاشتراك أو المجاز أنما يلزم لو
لم يكن إطلاقه على الباقي بالوضع الأول وهو ممنوع أما شخصيا
فظاهر وأما نوعيا فلان الباقي ليس جزءًا ولا جزئيا معتبرًا
خصوصه من حيث تناول مفهوم العام وأما من حيث عمومة فسلم وملتزم
ومنه يعلم عدم لزوم كون كل مجاز حقيقة بالنظر إلى مفهوم اللفظ
وإن وجد الوضع النوعي العلاقي، للرازى أن معنى العموم فيما لم
ينحصر قلنا لا نعلم إذ المعتبر فيه عدم التعرض للانحصار لا
التعرض لعدمه وذلك صادق ولوكان الباقي واحدًا وهذا جار في
الصيغ منشؤه توهم أن النزاع في لفظ العام كما توهم لأبي الحسين
لوكان المقيد بما لا يستقل مجازًا لكان الدال المركب مع شىء
الموضوع بمعنى آخر مجازًا فيه كمسلمين والمسلم ولفظ الاستثناء
في نصوص الأعداد فإن مجموع المستثنى والمستثنى منه والأداة
موضوع لمعناه عندهم بيان اللزوم أن كلا صار يقيده الذي كالجزء
لمعنى آخر بخلاف المستقل وحين صار العام مع المخصص شيئًا
واحدًا عنده لم يكن العام بانفراده حقيقة ولا مجازا قلنا لا
نعلم اللزوم فإن الدال في هذه الأمثلة مجموع المركب وليس فيها
مقيد وقيد ولا ريب أن الاستثناء أيضًا كذلك إذا كان مجموع
الثلاثة موضوعا لمعناه وليس العام المخصص مثلها، للقاضي - رحمه
الله - مثله إلا أن التخصيص في الصفة ليس بها لجواز شمولها
لأفراد الموصوف نحو الجسم الحادث والصانع القديم بل من قرينة
خارجية عقلية أو حسية أو لفظية ليست جزءًا من الدال وهذا شأن
المجاز والغاية والبدل كالصفة قد يشملان المغيا والمبدل.
ولعبد الجبار مثل ما اتفقا عليه لكنه يفرق بين الشرط
والاستثناء بأن الاستثناء يخرج من آحاد العموم والغاية في
معناه فمعنى أكرم القوم إلا أن خرجوا أكرمهم في جميع الأوقات
غلا وقت خروجهم، أما الشرط فيخرج من الحالات والوصف مع الموصوف
كشيء واحد لأن الاستثناء عنده ليس بتخصيص لبقاء المستثنى منه
على عمومه كما توهم لتصريحه في عمد الأدلة بأنه تخصيص ولأنه
إذا لم يكن تخصيصا كان المستثنى منه حقيقة عنده مع أنه مجاز،
قلنا: إخراج الحالات يستلزم إخراج الآحاد كما في الأوقات على
أنه قد يجيء لصريح إخراج الآحاد نحو أكرم بني تميم إن كانوا من
بني سعد وتمسك القائل بأن المخصص باللفظية حقيقة بمثل ما قالوا
ضعيف إذ لا يعم المنفصل لعدم كونه كالجزء.
(2/59)
للإمام في أنه مجاز في الاقتصار كما ذكر
وحقيقة في التناول ما لنا وزاد أن العام كتعداد إفراده
بألفاظها الخاصة لقول أهل العربية إن وضعه للاختصار عنه فيكون
المخصص كتعداد بعضها، قلنا: لا كونه كذلك في كل حكم وغرضهم
بيان حكمة وضعه إذ المعدد استعمل كل منه في واحد نصا ولا نتغير
ذلك بطرح البعض.
وفيه بحث لأن ما تقرر عندهم من أن الجمع بحرف الجمع كالجمع
بلفظ الجمع تشبيه من الطرف الآخر والتشابه بين الشيئين يقتضي
المساواة والظاهر من مطلقها المساواة في أداء المقصود وذلك هو
الباقي فيما نحن فيه ولا تغير في أدائه بطرح البعض إلا من حيث
الاقتصار.
الرابعة: في أن العام المخصص حجة ظنية فيما بقي كغير المخصص
عند الشافعي سواء كان المخصوص معلوما كالمستأمن من المشركين أو
مجهولا كأن يقال هذا العام مخصوص وكالربا من البيع إذا لم
ينحصر في الأشياء الستة اتفاقا وكسارق ما دون ثمن المجن من آية
السرقة، ولذا اختلف فيه وكمواضع الشبهة من نصوص الحدود، وقد
اختلف في الشبه المعتبرة وهو المذهب عندنا ولذا استدل أبو
حنيفة - رحمه الله - على فساد البيع بالشرط بنهيه عليه السلام
عن بيع وشرط، وقد خص منه شرط الخيار وعلى الشفعة بالجوار بقوله
عليه السلام: "الجار أحق بصقبه"، وقد خص منه وجود الشريك ومحمد
على عدم جواز بيع العقار قبل القبض بنهيه عليه السلام عن بيع
ما لم يقبض (1) وقد خص منه بيع المهر والميراث وبذل الصلح قبله
وخصصه أبو حنيفة - رحمه الله - بالقياس وفيه سبعة مذاهب أخر:
1 - للكرخي وأبي ثور ليس حجة مطلقا.
2 - ليس حجة إن كان المخصوص مجهولا وإلا فكما قبل التخصيص.
3 - كما قبله مطلقا؛ لأن المجهول يسقط نفسه.
4 - للبلخي حجة إن خص بمعلوم متصل وإلا فلا.
5 - لأبي عبد الله البصري أن أنباء لفظ العام قبله عن الباقي
بعده بأن كان الباقي في غير مقيد إنباء المشرك عن الحربي بخلاف
السارق عن سارق النصاب عن الحرز فجمعه وإلا فلا.
6 - لعبد الجبار إن لم يحتج قبله إلى بيان بأن كان ظاهرا
كالمشرك في الذمي لا مجملا
__________
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (5/ 312) ح (10461)، والطحاوي في
شرح معاني الآثار (38/ 4)، الطبراني في الأوسط (2/ 154) ح
(1554).
(2/60)
كالصلاة في الحائض ولذلك بينه بقوله عليه
السلام: "صلوا" الحديث فحجة وإلا فلا.
7 - حجة في أقل الجمع من اثنين أو ثلاثة على الرأيين وهذه
الأربعة كالباقي متفقة في أن جهالة المخصوص قادحة في الحجية.
لنا في حجيته أولا احتجاج الصحابة وغيرهم به حتى شاع ولم ينكر
فكان إجماعا احتجاج فاطمة رضي الله عنها في ميراثها من أبيها
على أبي بكر بعموم آية الميراث وقد خص مد صور الموانع فقرره
وعدل إلى قوله عليه السلام "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"
واحتجاجهم في الربا ولا حدود وغيرها مما مر.
وثانيا: أنه كان متناولًا للباقي والأصل بقاء تناوله وهذان
ينتهضان على الكل. وثالثا: على غير البصري وعبد الجبار أنه إذا
قال أكرم بني تميم وأما بني سعد منهم فلا تكرم فترك إكرام
غيرهم عد عاصيا فدل على ظهوره فيه، أما الاستدلال بأنه لو كانت
إفادته للباقي موقوفة على إفادته للآخر لزم أما الدور أو
التحكم فوقوع بأنه دور معية كما بين أبوة زيد وبنوة ابنه وقيام
اللبنتين المتساندتين وليس ذا بمحال وفي ظنيته الإجماع على
جواز تخصيصه بالقياس والآحاد والتخصيص بطريق المعارضة فهو أدنى
من الآحاد وسره كونه غير محمول على ظاهره الذي كان وسببه أن
جهالة المخصوص أو احتمال تعليله إلا عند الجبائي قدح فيه
وتحقيقه كما مر أنه يشبه الاستثناء بحكمه من حيث بيانه عدم
الدخول تحت الجملة أي من حيث أنه دافع لا رافع لاتصاله والناسخ
بصيغته من حيث استقلالها المقتضي لكونه رافعًا لا دافعًا فلابد
من العمل بالشبهين في المخصص المعلوم والمجهول.
فالمجهول يوجب جهالة العام كهى في المستثنى أو سقوط نفسه كهى
في الناسخ فلا يسقط العام الثابت بالشك ويدخله الشبهة الأول
والمعلوم يوجب قطعية العام كهو في المستثنى الغير المحتمل
للتعليل لكونه عدما أو جهالة فيما بقى لاحتمال تعليله من حيث
استقلاله الناسخ فلا يسقط حجيته بالشك لكن يدخله شبهه للأمر
الثاني وليس المراد تشبيهه بالناسخ في احتمال التعليل فإنه لا
يحتمل التعليل لإخراج شيء من الأفراد الباقية بالقياس لأن
الناسخ رافع فلو علل لكانت علته أيضًا رافعة ولن يصح رفع حكم
النص بالقياس بخلاف التخصيص فإنه دافع والدفع بيان أنه لم يثبت
والقياس يصلح له وهذا معنى أن النسخ بطريق المعارضة لا التخصص
وعن ذا لزم فرق آخر أن العام فيما بقى من التخصيص ظني ومن
النسخ قطعي واندفع الطعن في تعليل دليل الخصوص بأنه يشبه
الناسخ أو الاستثناء وكلاهما لا يعلل إذ المخصص ليس رافعا ولا
عدما.
(2/61)
نظائر الثلاثة من
الفروع
للاستئناء بيع الحر والعبد أو الحي والميت أو النحل والخمر أو
الذكية والميتة ونحوها بثمن فإنه كبيع عبدين بألف إلا هذا
بحصته منه حيث لم يدخل الحر في البيع سببه وحكمه ابتداء وبقاء
ففسد لأمرين:
1 - كون البيع بالحصة ابتداء كبيع عبد بحصته من ألف موزع عليه
وعلى آخر وذلك لايجوز بخلافه بقاء كما في نظير النسخ.
2 - الشرط المخالف لمقتضى العقد وهو صيرورة ما ليس بمبيع شرطا
لقبول المبيع كبيع الحر والعبد صفقة بثمنين فاسد عنده خلافا
لهما وللنسخ بيع عبدين وبألف وموت أحدهما قبل التسليم حيث دخل
البيت تحت البيع ثم ارتفع فلم يفسد بيع الآخر؛ لأن كونه بيعا
بالحصة بقائي والجهالة الطارية لا تفسد وكذا لوكان أحدهما
مدبرًا أو مكاتبًا أو أم ولد فإن الدخول في العقد باعتبار الرق
والتقوم الموجودين فيهم.
ولذا جاز بيعهم من أنفسهم ونفذ القضاء ببيع المدبر مطلقا وأم
الولد إلا عند محمَّد - رحمه الله - وجاز بيع المكاتب من غيره
أيضًا برضاه في أصح الروايتين فامتناع الحكم بقائي لاستحقاقهم
أنفسهم كاستحقاق الغير وللتخصيص بيع عبدين بثمن مع الخيار في
أحدهما فإنه لكون الخيار مؤثرا في الحكم دون السبب تيسيرًا
لأمر الخطر يشبه النسخ من حيث دخوله في السبب وتصح الصور
الأربع من هذه الجهة لأن البيع بالحصة بقائي ويشبه الاستثناء
من حيث دخوله في الحكم ولا يصح شيء منها من تلك الجهة لكون غير
المبيع شرطا لقبوله فيما علم محل الخيار وثمنه وله وللجهالة في
الثلاثة الباقية ولابد من العمل بالشبهين فصح إن علمًا بشبه
النسخ لعدم إفضائه إلى المنازعة ولم يعتبر اشتراط الفاسد بخلاف
بيع الحر والعبد في صفقة بثمنين عنده؛ لأنه مبيع يشبه النسخ
وهو اعتبار السبب وفسد إن جهل أحدهما أو كلاهما يشبه الاستثناء
لإفضائه إليها.
للكرخي أن دليل الخصوص مجهولًا يوجب الجهالة كالاستثناء
ومعلوما يحتمل التعليل لاستقلاله فلا يدرى قدر الباقي بخلاف
الاستثناء وفيه ترك لأحد الشبهين في كل من الشقين وإبطال
لليقين بالشك فيهما ولا أن التعليل يوجب الجهالة إذ ما وجد فيه
العلة يخص وما لا فلا وللثاني أنه كالاستثناء، وللثالث أنه
كالنسخ في كل منهما ترك لأحد الشبهين على التكافؤ ولا يخفى
وجوه الأقوال الآخر وأجوبتها مما مر، نعم لمنكري حجيته وجه كلي
هو أن ليس بعد الحقيقة دليل على تعين أحد المجازات والمجمل ليس
حجة بدون البيان ولمعين أقل الجمع أنه المتيقن.
(2/62)
قلنا: لعدم التعين الشك في الباقي لما مر
من أدلة الظهور.
المقام الثاني في ألفاظ العموم
وفيه مباحث:
الأول: في تقسيمها هي قسمان عام بصيغة ومعناه وهو مجموع اللفظ
متناول المعنى تناول دلالة لا احتمال أو مستغرقه كان له واحد
من لفظ كالرجال أو لا كالنساء وعام بمعناه فقط وهو مفرد اللفظ
ومتناول المعنى أو مستغرقه، إما للمجموع من حيث هو بمنزلة
الجمع كالرهط والقوم والجن الإنس والجميع أو لكل واحد على
الشمول أو على البدل فقوله الرهط الذي يدخل الحصن كالرجال يوجب
للجميع نفلا واحدا لا لواحد المنفرد ومن دخل لكل داخل منفرد
ومجتمع ومن دخل أولا لكل منفرد سابق لا للآخرين ولا وجود للعام
بصيغته فقط إذ لا عموم حين إذ.
الثاني: أن الأوليين أعنى الجمع وما في معناه اسم للثلاثة
فصاعدا للاعتبار الاجتماع أو الاستغراق ولا يطلق على ما دونهما
إلا مجازا لأن أقل الجمع ثلاثة فلو حلف لا يتزوج نساء لا يحنث
بامرأتين وعند البعض يصح لاثنين حقيقة وقال الإِمام يصح لاثنين
وواحد بأن أراد مجازا فذلك وإلا ففاسد النزاع في نحو رجال
ومسلمين وضربوا وأضربوا لا لفظ (ج م ع) ولا في نحو نحن فعلنا
{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، لنا: في أنه ليس
حقيقة فيما دون الثلاثة أو لا مبادرة الذهن عند سماعها إلى
الزائد على الاثنين.
وثانيا: إجماع أهل اللغة في اختلاف صيغِ الواحد والثلاثة
والجمع وفي أنه يصح مجازا إطلاقه على الاثنين في قوله تعالى:
{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، وعلى الواحد في
قوله تعالى {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، وفيه بحث
سيجيء، وفيهما قول ابن عباس لعثمان رض الله عنهما ليس الإخوان
إخوة في لسان قومك فقال: لا انقض أمرا قبلى وتوارثه الناس
فقرره وعدل إلى الإجماع على خلاف الظاهر، أما أن للاثنين حكم
الجمع في الإرث استحقاقا وحجيا والوصية إجماعا في الكل
واستدلالا بالآية في استحقاق الإرث وإلحاقا للآخرين به فليس من
إطلاق اللفظ في شيء.
لمدعي الحقيقة في الاثنين أو فيه وفي واحد:
أولًا: الإخوة والناس والأصل الحقيقة.
وثانيا: مستمعون في {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:
15]، والمراد موسى وهارون.
وثالثا: قوله عليه السلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" فيطلق
ما وضع للجماعة عليهما ولا ينافيه أن ليس النزاع في (ج م ع)
كما توهم.
(2/63)
ورابعا: أن في المثنى اجتماعا قلنا الأدلة
السالفة اقتضت ارتكاب الحمل على الجماعة الشرعية المعتبرة في
سنة تقدم الإمام أو حصول فضيلتها وتكمل بالإمام في غير الجمعة
وبثلاثة سواء فيها والفرق أن كلا من الإِمام والجماعة شرط في
أدائها فلم يعتبر مع الآخر بخلاف سائر الصلوات لا على اللغوية
التي فيها النزاع؛ لأنه عليه السلام بعث لتعليم الشرع أو على
اجتماع الرفقة بعد قوة الإِسلام كما في قوله عليه السلام:
"الواحد شيطان والاثنان شيطانان والجماعة ركب" (1) وسره تحقق
الاتفاق في اجتماع الثلاثة لاندفاع تعارض الفردين بالثالث،
ولذا جعل الثلاثة في الشرع حدا في إبلاء الأعذار كما في
الأسئلة الثلاثة لموسى علية السلام ومدة السفر ومسح المسافر
وخيار الشر وغيرها وتسمية الدال على ما فوق الاثنين جمعا
للاجتماع لا يقتضي تسمية كل ما فيه اجتماع به كالقارورة.
لنا: في المجازية أيضًا قول ابن عباس - رضي الله عنه - ليس
الأخوان إخوة وأنه لا يجوز رجلان عالمون ورجال عالمان.
قلنا: الأول معارض بقول زيد الأخوان إخوة فالتحقيق نفي الحقيقة
واثبات المجاز. والثاني: ممنوع لزومه إذْ ربما أوجبوا مراعاة
صورة اللفظ والمعنى به أن يكون في كلا الصفة والموصوف أشعار
بالاثنينية، أو ما فوقها فلا يعد فيه بناء على جواز زيد وبكر
وعمر والعالمون كما توهم، ويؤيده ما يقرر أن الجمع بحرف الجمع
كالجمع بلفظ الجمع أو ممنوع بطلان لازمه أن لم يجب تلك
المراعاة.
الثالث: أن الأولين إذا دخلهما لام الجنس وإضافته يطلق على
الواحد مجازًا حيث يحنث في لا يتزوج النهياء ولا يكلم بني آدم
بالواحد ولو أوصي بشيء لزيد وللفقراء نصف إذا لم يرد العهد أو
الاستغراق المجموعي كالمفرد العرف بلام الجنس فيقع على الأدنى
ويحتمل الكل مع النية وحينئذ يعم عموم المفرد كما في قوله
تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]،
{لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76]، ويخص خصوصه وهذا لا
ينافي ما قال أهل العربية أن متناول الجمع الغير المعهود
مستغرقا جميع جمل الجنس لا وحدانة ولا مستغرقا جملة واحدة إذ
أفراد الجمع الجمل وإذ فيه رعاية صيغة الجمع ومعناه فإن وضعها
للحقيقة المتعددة لا لمطلق الحقيقة وفرعوا عليه أن استغراق
المفرد أشمل في الإيجاب والسلب فالكتاب والملك أعم من الكتب
والملائكة وأنه في المقام
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 112) ح (2496)، وابن أبي شيبة
في مصنفه (6/ 536) ح (33643).
(2/64)
الخطابي يحمل على جميع الأفراد بجعل كل فرد
درجا في جملة وفي الاستدلالي على الثلاثة وذلك لأن كلامهم بناء
على حقيقة فيجوز العدول عنه عند التجوز، ويدل على صحته ووقوعه
النص والعرف والدليل، أما النص والعرف فنحو {لَا يَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]، والخيل والبغال
والحمير ونحو فلان يحب النساء ويخالط النساء وقوله لمريده
البروزا تتبرجين للرجال وأما الدليل فلأنا لو بقيناه جمعًا لغي
تعريف الجنس أصلًا للمنافاة بين إرادة الحقيقة من حيث هي
وإرادة أفراد المفرد الواجبة في الجمع ولو جعلناه لجنس الفرد
مجازا عملنا بالجمعية من وجه لأن إرادة أفراد المفرد محتمله
فيه وإن لم يكن واجبه وأعمال الدليلين ولو من وجه أولى من
إهمال أحدهما أو لأن الجمعية تقتضي التعدد ورفع الإبهام
فبينهما منافاة أما الجنس فهو لمعرف من بين الأجناس الجامع
لأفراده كما سيجيء، لا يقال في تبقية الجمع أعمال للحقيقتين
معا من كل وجه، لأن جنسية الجمع في تناول الجمل تناول احتمال
كما أن عهديته في اختصاصه بجملة واستغراقه في تناولها تناول
دلالة، وأيضًا لو تم هذا لم يكن جمع ما عرف بلام الجنس مستعملا
في حقيقته وهو باطل لغة لتنصيص أئمتها وشرعا بحمله على الثلاثة
في خالعنى على ما في يدي من الدراهم والعشرة في لا أكلمه
الأيام والشهور عند أبي حنيفة رضي الله عنه والجمعة والسنة
عندهما لأنا نقول وضع الجمع للمتعدد من حيث أنه أفراد جنس
المفرد لا من حيث هو إفراد الجمع ولذا لو أريد بمنكره المجموع
أو الثلاثة فقط صح ولا من حيث هو متعدد مطلقا بخلاف ألفاظ
العدد ولذا صح إرادة الواحد في إن تزوجت النهياء لا في ثلاث
نسوة أو الثلاث منها، وإذا وجب بحسب وضعه ملاحظة الجنسية في
مفهوم مرده والفردية في مفهوم نفسه لم يناسب اعتبار جنسية أخرى
في تناول الجمل كيفا وصدقه على جميع الجمل إن علم هو من حيث هي
جملة واحدة أما العهد والاستغراق فيلائمان وضعه لأن الملاحظ
فيهما الفردية لا الجنسية فالله در علمائنا في تدقيق الأنظار
وتحقيق الأسرار وهذا يقتضى أولوية الحمل على المجاز مع لام
الجنس لا مطلقا كما يؤيد أشهرية استعماله في الكتاب والسنة
وغيرهما ولا يقتضى نفي الحقيقة لجوازيتها فإنها شأن الحقيقة
المكثورة واللام في المسائل المذكورة ليست للجنس بل للعهد
الخارجي الحقيقى لما تقدمه من قال في مسألة الخلع والتقديري في
الأخرين، وذلك أيام الجمعة وشهور السنة عندهما لثلاثة فصاعدا
إلى العشرة عنده لأن مميز ما فوقها مفرد وقالت الشافعية قوله
تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]،
يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع أموالهم ولا يكفي أخذ
واحدة من جملتها وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، الآية
(2/65)
يقتضي صرفها إلى ثلاثة من كل نوع ولا يكفي
الصرف إلى واحد من الجملة.
أما الأول: فلأن المال من اسم الجنس الذي يطلق على القليل
والكثير كالماء والعلم وقد يسمى جنسا ومثله إذا جمع يراد به
الأنواع لا الأفراد ولذا، قال في الكشاف في جمع العالمين
ليتناول كل جنس ما سمي به ومعنى العموم تناول كل واحد من
الجزئيات المرادة فعموم مثله تناول كل نوع.
وأما الثاني: فلأن الفقير مما لا يطلق على الكثير كالرجل
وجزئيات جمعه الجمل لا آحاد الفقير وحين لم يصح الاستغراق
مرادا حمل على الجنس وإرادة جزئي من جزئيات الجنس هو أقل ما
يطلق عليه لأن الأصل براءة الذمة وهو ثلاثة من كل صنف كما لو
أوصي لهم.
قلنا فيهما بحث من وجوه:
1 - أن عموم الجمع استغراق عندهم استغراق مراتب المجموع فإذا
أريد بالأموال أنواعه يكون المراد حمل الأنواع التي أقلها
ثلاثة فلا يجب الأخذ من كل نوع ولا من جميع الأنواع بل من كلا
ثلاثة أنواع مثلا ولا قائل به وهو المراد بأن استغراق كل واحد
أي نوعي أمر زائد على عموم الجمع، قيل: لما اشتمل كل نوع على
الآحاد وجد استغراق الجمل قلنا لا بد من استغراق جمل وفرد
الجمع وهو النوع حينئذ والحق أن مرادهم بقصد الأنواع المختلفة
قصد أفراد تلك احترزا عن قصد أفراد نوع واحد فالاستغراق إن علم
هو لجمل الأفراد وإن كان باعتبار الأنواع لا لجمل الأنواع فضلا
عن كل نوع.
2 - أن تناول الجمع المعرف بلام الجنس للجمل حقيقة مكثورة
علمًا وشرعًا كما مر، فيحمل على جني المفرد لأن بين الجمعية
وجنسيتها تنافيًا لا على الجميع إذْ من الأموال ما لم تجب فيه
الصدقة إجماعا غير أنه مجمل في مقدار الصدقة ومقدار ما فيه
الصدقة فبينتها السنة وكذا في المصارف لامتناع الصرف إلى
الجميع فيحمل على جنس المفرد فلا يجب أكثر من أقل ما ينطلق
عليه الجنس وهو الواحد، ثم الزكاة حق الله تعالى والآية لبيان
علة الصرف وهي الفقر وإن اختلف جهاته فعند تحققها يحصل المقصود
ولو في صنف واحد لا للاستحقاق بخلاف الوصية.
3 - ما مر أن عموم الجمع استغراق الجميع ولذا فرق بين للرجال
عندي درهم ولكل رجل فألزم في الأول واحد وفي الثاني دراهم بعدة
الرجال، وكذا بين للرجال الداخلين الحصين ولكل رجل فلئن سلم
أنه للاستغراق لا يقتضي الأخذ من كل نوع ولا من كل
(2/66)
فرد فيحتاج إلى تخصيص القليل أو بعض
الأنواع بالإجماع.
فروع مرتبة على أصول ممهدة:
فالأصول أن حقيقة اللفظ لغوية كانت كالواحد في لا أشرب الماء،
أو عرفيه وشرعية كهو في الجمع المعرف لما مر من أولويته عند
عدم العهد والاستغراق أن ثبتت بلا نية فنيتها تصدق ديانة
وفضاء، وأن كان حقيقة لا تثبت بلا نية فكذا خلافا لأبي قاسم
الصفار فإنها عنده كالمجاز أي إن كان فيه تغليظ يصدق فيهما
وإلا فديانة فقط أمانيه ما لا يحتمله ومجازا فلا تصدق أصلًا.
والفروع أنه ينحث هذه المسائل عند تعريف الجنس بالواحد بلا نية
إذ لا عهد ولا دليل على الاستغراق المجموعي بل على عدمه وهو أن
هذا اليمين للمنع والظاهر أن لا يمنع إلا ما يكمن، وتزوج جميع
النساء غير ممكن كما في {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}
[التوبة: 60]، بخلاف {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:
103]، فإنه عندنا لسلب العموم لا لعموم السلب كما ظنت المعتزلة
لامتناعه عندهم إذ لا تمدح به بل بتخصيصه بعد الإمكان بالخواص
أو بنفي الإحاطة حملا للإدراك على الرؤية الخاصة فإن نوى الكل
يصدق قضاء وديانة ذكره شمس الأئمة ولا قضاء عند أبي القاسم
وقيل لا ينعقد عند إرادة الكل لعدم التصور كما في لا شربن
الماء في الكوز ولا ماء فيه وهو فاسد لأن البر ها هنا عدم
التزوج مثلا وهو متصور فينعقد في لا أتزوج وفي أن تزوجت بخلاف
لأتزوجن وإن لم أتزوج والمنكر نحو لا يتزوج نساء على الثلاثة
عند تعذر الكل لعدم الجنسية فإن نوي الزيادة ينوي فيهما لأنها
موجبة وكذا إن نوي الواحدة يصدق فيهما اتفاقا لأنها محتمل فيه
تغليظ، إلا عندنا في المجازية أيضًا إذ لا يحتملها عنده كما في
ثلاث نسوة ولا يصدق نية المثني أصلًا لا في المعرف ولا في
المنكر إذ شأن العام أن لا يتعرض للعد المحض بل للذات مع صفة
العموم أو الخصوص فلا يحتملانه كما إذا حلف لا يشرب ماء البحر
حنث بشرب قطرة وله نية الكل لا نية الرطل منه.
الرابع: أن الجمع المنكر عام يصح التمسك بعمومه عند المتأخرين
من مشايخنا المكتفين بالاجتماع وعند المشترطين للاستغراق ليس
من صيغ العموم إلا عند الجبائي، لنا أنه مع جواز صدقه على جميع
الأفراد ضر به حقيقة بخلاف المفرد المنكر لو حمل على بعض مراتب
المجموع لكان تحكما كما قال أئمة العربية في الجمع العرف في
المقام الخطابي وكلا منافيه إذ المقصود تحصيل الظن، قيل التحكم
في الحمل على عدم الجميع لا في عدم الحمل على الجميع، فإن حكم
بعدم صلوحه له جاء التخصيص وإن حكم
(2/67)
بصلوحه له حقيقة كان حمله عليه أولى
لاندراج سائر الحقائق التي نسبة الحقيقة إليها على السوية تحته
ولا يعارض ذلك بأن أقل ما ينطلق عليه متيقن لأن طلب التيقن في
المقام الاستدلالي كالإقرار، وكلامنا في الخطابي مع أن تيقن
الأقل يعارضه الاحتياط في الكل بل التحقيق إن وجب حمله على
الكل ما لم يصرف صارف لأن كون نسبة مفهوم الجمع إلى جميع
أفراده على السوية يقتضي أن يتعلق حكمه بجميع أفراده وليس ذلك
إلا بالحمل على فرد يندرج سائر أفراده تحته وليس للمفرد ذلك
لفرد إلا في الجنس، وسيجيء مثله فيه ومجرد كون الأصل براءة
الذمة لا يعارض الظاهر إجماعا وإلا لم يثبت بالظاهر شيء، أما
وقوعه على الثلاثة في نحو أن اشتريت عبيدا فلأن عدم الإمكان
صارف عن الكل وبعد الكل لا يتخطى عن القليل بلا دليل والفرق
بين جمع القلة والكثرة للنحاة فإن مرمى غرضنا المراد العرفي لا
اللغوي يدل عليه مسائل الوصية والإقرار كاعتقوا عبيدًا ولفلان
دراهم يحمل على ثلاثة مع أنهما جمع كثرة وما يقال من أن جميع
الأفراد ليس عاما بالمعنى المتنازع فيه ممنوع لما مر أن
المعتبر مسميات معروض العموم وهو مفهوم المفرد لا مسميات نفس
العموم ولا المجموع وإلا لم يكن كل إنسان ونحو من ما عاما إذ
لا يصدق باعتبار عمومها على فرد واحد قالوا رجال في صلوحه لكل
عدد فوق الاثنين كرجل بين الوحدان وإذ لو فسر بالثلاثة صح
اتفاقا قلنا قد وضح الفرق والتفسير قرينة العدول عن الظاهر.
الخامس: في صيغ نفس العموم منها تعريفا اللام والإضافة في
المفرد والجمع والأصل فيهما عند الأصوليين العهد إما خارجيا
حقيقيا نحو جاءني رجل إن كلمت الرجل أو تقديريا نحو إن كلمت
الأمير إذا لم يكن في البلد إلا أمير واحد وإما ذهنيا نحو إن
كلمت اللئيم يسبني ثم الاستغراق عند جمهورهم حقيقيا كان نحو
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر: 2]، أو عرفيًّا
نحو لئن جمع الأمير الصاغة، ثم تعريف الجنس لأن الإقدام في هذا
الترتيب أفيد والإفادة أولى من الإعادة وعند أئمة العربية
الأصل تعريف الجنس لأن وضعهما للإشارة إلى مفهوم ما دخلا عليه
والعهد والاستغراق مجموعيا في الجمع وأفراديا في لمفرد إلا إذا
تعذر الحمل وهو مذهب جمهورهم فيقع على الكل ويحتمل الأقل مجازا
أو حقيقة على الخلاف وإذا تعذر يحمل على الجنس وعند أئمة اللغة
وبعضهم على الجنس مطلقا إلا أن حكم الجنس أيضًا عند الأوليين
أن يقع على الكل غلا عند تعذره فيقع على الأقل ويحمل الكل مع
النية.
وعلى المذهب الأخير حكم الجنس أن يقع على الأقل ويحتمل الكل
وإن كان حقيقة
(2/68)
فيهما وهو مذهب فخر الإسلام وأبي زيد
الدبوسي مع اتفاق الأصوليين في صحة العموم ولذا اتفقوا على أن
شيئًا من أصناف الجنس نحو لا أشرب ماء أو الماء أو ماء البحر
أو مياه البحر أو المياه، لا يحتمل ما بين القطرة والكل أصلا
كالقطرتين الرطل لما مر أن شأن العام أن لا يتعرض للعدد المحض
بل للذات والصفة والتحقيق أن لا خلاف في أن للمعرف لا للعهد
صحة العموم كان مفردا أو جمعا مجازا عنه ولا في أن للمقام
مدخلا في كونه للعموم أما الأول فلصحة الاستثناء نحو أن
الإنسان الآية وضربي زيدا إلا في وقت قيامه، {وَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ} [النور: 4، 5]، {إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ} [الحجر: 42]، الآية وقد استدل على عموم
الجمع المعرف بأن تعريفه حين لا عهد لا يكون للماهية لأنه جمع
ولا أولوية لبعض الأفراد وعليه نقض إجمالي بالجمع المنكر مع
أنه قائل بعدم عمومه وتفصيلي في أنه لا يكون للماهية في نحو
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8]، ولئن كان
مجازا فالمجاز المشتهر أفيد للظهور الذي له نجهد كل الجهد.
وأما الثاني فلوجوب عدم قرنية العهد وصلاحيته للعموم بل الخلاف
في أن الجمهور تجعل العموم أصلًا في الجنس الحقيقى والمجازي
وعند تعذره يصرفه إلى الأدنى بلانية اتفاقا لا إلى الكل إلا
بها أما عند فخر الإِسلام ومن تبعه فلأن الجنس أوالى ومن الجنس
الواحد الحقيقي أعلى وأما عند الجمهور فلظاهر الصارف عن الكل
وهو كون المنع باليمين عما هو ممكن وها هنا لا إمكان في الكل
اللغوي، ولو في الطلاق ومن أمثلته المرأة التي أتزوجها طالق
لأن تعليق الحكم بالمبهم المعين بالوصف العام يفيد تعليقه بذلك
الوصف وذلك يصح عندنا بخلاف هذه المرأة فإن تعريفها بأبلغ جهته
لا بالوصف فيتنجز إن كانت مملوكة وكذا نظائره.
ومنها: كل وكلما والجميع وما في معناه فكل لإحاطة الأفراد على
الأفراد فيما أضيف إليه المحقق أو المعذور بأن يعتبر كل فرد
كان ليس معه غيره فالمحقق نحو {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، والمقدر نحو {وَكُلًّا آتَيْنَا
حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، لكن بحسب المفهوم سواء لم
يوجد في الوجود ما يصدق عليه نحو كل عنقاء طائر أو يوجد فرد
واحد نحو كل من دخل هذا الحصن أولا وقد دخلوا فرادى أو متعدد
كهو وقد دخلوا معًا حيث يستحق كل نفلًا موصولًا كان من أو
موصوفًا كما سيظهر لأن الأول الحقيقي وهو الفرد السابق على
غيره لما لم يوجد بخلاف المسألة السابقة حمل على الاعتباري وهو
المعتبر كأن ليس معه غيره السابق على المتخلف الداخل بعد ولو
قال ها هنا من دخل أو لا بطل النفل والفرق أمران:
(2/69)
1 - اقتضاء الكل أفراد الأفراد على المعنى
المذكور وعدم اقتضاء من فلم يوجد الأول وبه يفارق جميع من دخل
لولا فإن النفل للجميع لاقتضائه اجتماع الأفراد.
2 - اقتضاء لفظه الكل تعدد من دخل أولا وقد أمكن فلابد من حمل
الأول على ذلك لو الجميع لإحاطة الأفراد على الاجتماع لكونه
مثبتًا عنه فلذا قالوا أجمعون في قوله تعالى {فَسَجَدَ
الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)} [الحجر: 30]، لمنع
التفرق هذا حقيقتها وإن استعمل كل منهما لمعنَى الآخر مجازا
فالكل له في المجموعى نحو كل الناس يحمل ألف من وليس الكل
الواقع في حيز النفي المراد به نفى الشمول من هذا بل مستعمل في
حقيقته غير أن صدق سلب الإيجاب على الكل تارة بالسلب الكلي
وأخري بالسلب عن البعض مع الإيجاب للبعض الآخر وأيا كان فالسلب
الجزئي لازم ولذا جعل سورة قالوا إذا دخل على النكرة أوجب عموم
الأفراد وعلى المعرفة عموم الإجزاء فكل رمان مأكولٌ صادقٌ وكل
الرمان كاذب فحمل الثاني على الكل المجموعي، وفيه بحث لانتفاضة
بحديث ذي اليدين حيث رد كل مالك لم يكن بقوله بعض ذلك قد كان
وبقوله عيه السلام "الناس كلهم هلكى إلا العالمون" وكذا كل ما
يقع تأكيدا وبقوله نبا كله لم أصنع.
ولأن المراد في كل الرمان مأكول لو كان الكل المجموعى لم يكن
كاذبا كما يصدق بنو تيمم يقري الضيف ويحمي الحريم فإن الثابت
للبعض ثابت للمجموع من حيث هو حقيقته كما في فرض الكفاية بخلاف
كل إنسان يشبعه رغيف والتحقيق أن بين معنيي الكل عمومًا من وجه
فيصدق الإفرادي فيما يحكم به من حيث الانفراد المجموعى فيما
يحكم به بالاعتبارين فرادهم والله تعالى أعلم وهو استحقاق
السابق النفل واحدا كان أو جمعا فبعمومه يتناول استحقاق الكل
مجتمعين واستحقاق الأول متعقبين وذلك بدلالة التشجيع فإنه إذا
تعلق بأولية الجمع فبأولية الواحد بالأولى ولا يلزم الجمع بين
الحقيقة والمجاز لا في الوجود ولا في الإدارة أما عدم استحقاق
كل واحد تمام النفل فلعدم دليله وليس يكفى فيه التمسك بدلالة
النص كما ظن لأن المفهوم بها لا يبطن حقيقة المنطوق أبطال
الانفراد بحقيقة الجميع وأما كلما فلعموم الأفعال نحو
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56]، فكل امرأة
أتزوجها طالق يعم الأعيان فلا يحنث لو تزوجها بعينها ثانية
وكلما تزوجت الأفعال فيحنث وإن تزوجها بعد الزوج الآخر بخلاف
كلما دخلت الدار لأن التعليق بغير التزوج يقتض وجود الملك عند
اليمين فلا يتجاوز طلقاته وكذا نظائره من كل عبد اشتريته،
وكلما اشتريت عبدا والحكم على كل وجميع بأنهما محكمان في
العموم ينافيه جواز تخصيصهما واستعارتهما مطلقا واستعمالهما
للواحد مجازا كما مر
(2/70)
مثالهما ومنه ما في القضايا المنحرفة،
ومنها وقوع النكرة في سياق النفي وما بمعناه من
النهي والاستفهام والشرط المثبت من حيث هو ممنوع باليمين
والمنفط بالعكس أما
عمومها في سياق النفط فلانها لفرد مبهم وفي نفيه نفي جميع
الأفراد ضرورة ولذا صار لا
إله إلا الله كلمة توحيد بالإجماع لنفيه وجود كل معبود بحق غير
الذات المعين المسمى بالله وصار قل من أنزل الكتاب الذي جاء به
موسى وإنه إيجاب جزئي ردا لقولهم ما أنزل الله على بشر من شيء
فلولا أنه سلب كلي لما رده لكن فيه تفصيل وهو أن عمومها إذا
أريد نفي الجنس أما صيغة نحو لا رجل بالفتح أو دلالة نحو ما من
رجل أو استعمالا نحو ما فيها أحد أو ديار أو إرادة نحو ما
جاءني رجل إذْ لو أريد ما جاءني رجل واحدًا نصب النفي على قيد
الوحدة كما في ما جاءني رجل كوفي فلا ينافيه مجيء رجلين أو
أكثر ومبناه أن اسم الجنس حامل لمعنى الجنسية والوحدة أو العدد
فربما يقصد بذكره الأول نحو {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام:
38]، وربما الثاني نحو {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ
إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51]، فالأوصاف مبنية
للقصد فيعم فيَ الأول لأن انتفاء الجنس يستلزم انتفاء كل فرد
ويخص في الثاني فالثلاثة الأول نصوص في العموم والرابع محتمل
كما علم في الفرق بين قراءتي {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]،
بالفتح والرفع أن الأولى توجب الاستغراق والثانية تجوزه
والمساوي للجنس الفرد المنتشر المطلق لا المقيد بالوحدة، ومثله
النهى بعينه وأما في الاستفهام فإذا كان للإنكار نحو {هَلْ
مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، وأما في الشرط المثبت
فخاص بصورته مطلقا وعام بمعناه أن قصد المنع عنه نحو أن ضربت
رجلا فعبدي حر إذْ معناه لا أضرب رجلا أما أن قصد الحمل عليه
نحو إن قتلت حريصا ذلك من النفل كذا فخاص والمنفي بالعكس نحو
إن لم أضرب فاسقا وإن لم تقتل مسلما فقد نجوت من القصاص.
ومنها وصفها بصفة عامة معممة نحوية كانت أو معنوية فالعامة أي
بالعموم المنطقي احتراز عن نحو دخول هذه الدار اليوم متوحدا
قبل كل أحد والمعممة احتراز عما لم يصلح أن يقصد عليتها لترتب
الحكم على موصوفها أو صلح لكن وجد دليل الأعراض عن قصد الوصف
بها وإن لزم فإن تعميم الوصف بقصد العلية والترتيب على الموصوف
بالمشتق كالترتيب عليه وإلا فالنكرة الموصوفة مقيد، وهو من
أقسام الخاص والمراد عمومها بالنسبة إليها قبل الوصف في ذلك
المحل ولها أمثلة:
1 - ما يصلح وقوعها مبتدأً أو شيئًا في حكمه بسبب تعميم الصفة
حيث جعلها في تأويل هذا الجنس نحو {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221]، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ
(2/71)
وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ}
[البقرة: 263]، بخلاف رجل مجهول النسب مات فإنه لا يصلح بذلك
للمبتدأ إليه ذكره محققوا النحاة لأن تلك الصفة لا تصلح علة
للموت بخلاف الإيمان والمعروفية للخيرية وقد يكفي صلوح عليه
الأخبار كالعلم في رجل عالم جاعني والنكارة في رجل بالباب.
2 - ما وقع في محل الإباحة لذلك الوصف نحو لا أكلم إلا رجلا
كوفيا ولا أتزوج إلا امرأة حجازية ولا أقربكما إلا يومًا
أقربكما فيه فلا إيلاء لعدم علامته وهو عدم إمكان القربان بدون
لزوم شيء نعم لو قربهما في يومين متفرقين حنث ولو قال إلا يوما
لم يصر موليا إلا بعد غروب الشمس من يوم قربهما فيه. 3 - أي
إذا قصد وصفة بتلك الصفة فإنها الفرد منهم مما يضاف إليه يعينه
الوصف المقصود عليته للحكم المترتب عليه فيتعمم بعمومه واحدا
كان نحو أي عبدي ضربك أو متعددا نحو أي عبيدي ضربك وشتمك قصد
انفراد كل بالاتصاف نحو ايتهم حمل هذه الخشية وهي يحملها واحد
بدلالة إظهار الجلادة فلو اجتمعوا لم يعتقوا أو أطلق كما إذا
لم يحملها واحد فيعتقون بالحمل جميعا وفرادى لأن المقصود
محمولية هذه الخشبة هنا والوصف في الكل علة العتق وهذا معنى
التعليل بوقوعه في موضع الشرط بخلاف أي عبيدي ضربته أو وطئته
دابتك أو دابة زيد فهو حر حيث لا يعتق إلا واحد إذ صار قطع
الإسناد عنه مع إمكانه إليه بلا واسطة بخلاف مسألة الايلاء
دليل الأعراض عن قصد الوصف بذلك إذ الوصف للفاعل لأنه العلة لا
المحل لأنه الشرط وأن لزم وصفه بالمضروبية مثلا فإنها يثبت
ضرورة تعدي الفعل لا قصدا فيتقدر بقدرها ولا يظهر أثره في
التعميم لا سيما عند قطعه إلى المخاطب إذ يقصد فيه لخير
المخاطب عرفا كما في كل أي خبر تريد حيث لا يتمكن إلا من أكل
خبز واحد بخلاف أيما أهاب دبغ فقد طهر فإن ضربهم المخاطب مرتبا
عتق الأول لعد المزاحم وإلا فواجد منهم، وتعينه إلى المولي لأن
العتق ملتقى من جهته وكذا نظائرها من نحو أي نسائي كلمتك أو
كلمتها أو شاءت أو شئت طلاقها أو أي عبيدي.
تذنيبان:
الأول: النكرة عند عدم الدلائل المذكورة لا لفظا ولا تقديرا
كما لني قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]،
مطلقة خاصة لأنها فرد صيغة ومعنى لا عامة خلافا للشافعى -رحمه
الله- له أولا تناولها للمقيدات كالصحيحة والزمنة وغيرهما.
وثانيا: تخصيص الزمنة والعمياء والمجنونة والمدبرة وغير
المملوكة بالإجماع.
(2/72)
وثالثا: بالإجماع الاستثناء نحو اعتق رقبة
إلا كافرة وإذا كانت عامة صح تخصيص الكافرة منها بالقياس على
كفارة القتل قلنا تناولها تناول احتمال لا دلالة إذ تعرضه
للذات لا لصفات، لا بالنفى ولا بالإثبات وإخراج لمذكورات ليس
تخصيصا بل لأن اللفظ لا يتناولها لأن التحرير يقتض الملك لقوله
عليه السلام لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وأطلاقه كما له
البينة إذا الكامل هو الموجود مطلقا والناقص هالك من وجه فلا
يتناول الزمنة وغيرها والاستثناء منقطع فلا يدل على العموم أو
مفرغ فالعام مقدر، الثاني أن الإعادة بالمعرفة تقتضي الاتحاد
سواء كانت لنكره أو معرفة لأن ظاهرها العهد حينئذ وبالنكرة
التغاير وإلا لعهدت فلا يعدل عن الأصول الأربعة إلا لمانع كما
تغايرتا في قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ}
[الأنعام: 92]، إلى قوله {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ}
[الأنعام: 156]، وفي {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ}
[المائدة: 48]، للتقدم والتأخر واتحدتا في قوله تعالى: {وَهُوَ
الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}
[الزخرف: 84]، وفي {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}
[الكهف: 110]، لدليل الوحدانية قيل وذلك معنى قول ابن عباس وهو
رواية ابن مسعود عن النبي عليه السلام "لن يغلب عسر يسرين"
ونظم في قوله.
إذا أصبحت مغموما ففكر في {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}
[الشرح: 1]، فعسر بين يسرين إذا فكرته فافرح.
ونظر فخر الإِسلام - رحمه الله - في القاعدة فإنه مذهب أهل
البصرة والكوفة بل في المثال لأن الثانية تأكيد لا تأسيس
والقاعدة فإنه مذهب أهل البصرة والكوفة بل في المثال لأن
الثانية تأكيد لا تأسيس والقاعدة ممهدة فيه ومثله {وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15]، {أَوْلَى لَكَ
فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34، 35].
ومن فروعها أن الإقرار بألف مقيد بصك حين أدار الصك على الشهود
مرتين يوجب ألفا وكذا منكر في مجلس واحد على تخريج الكرخي
لكونه جامعا للمتفرقات أما في مجلسين فالفين عند أبي حنيفة
بشرط مغايرة الشاهدين الآخرين في رواية وبشرط عدم مغايرتهما في
أخرى إذ هو كما كتب بكل ألف صكا وأشهد على كل صك شاهدين وألفا
عندهما لدلالة العرف على أن يكون إلا قرار لتأكيد الحق بتكثير
الشهود وأما إقراره مقيدا أو لا ومنكرا ثانيًا أو بالعكس وقد
اختلف المجلس فلا رواية فيهما وينبغي أن يجب في الأول ألفان
عنده وفي الثاني ألف اتفاقًا فالصور لفان ستة اتفاقية واثنتان
خلافيتان.
السادس: في صيغ العموم مع الماهية منها ما وهو شرطية
واستفهامية عام قطعا
(2/73)
وموصولة وموصوفة يحتمل العموم والخصوص
لاشتراكهما بين الواحد والتثنية والجمع نحو من يستمعون ومن
ينظر وليس افرد الضمير مقتضيا للخصوص لجواز أن يكون للفظه ولا
جمعه دليل العموم إلا عند من يكتفي بانتظام جمع من المسميات
فعمومه من المسائل فيما قال من شاء من عبيدي عتقه فهو حر فشاؤا
عتقوا فقالا وكذا من شئت من عبيدي عتقه فشاء الكل لأن من بعد
المهم لبيانه كما في خالعني على ما في يدي من الدراهم وقوله
تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج:
30]، والإسناد إلى الخاطب غير مانع من عمومه كما في فأذن لمن
منهم وترجي من تشاء منهن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه أصل من
التبعيض لأن استعمالها فيه أكثر وكثرة الاستعمال تقتض مبادرة
الفهم وهي أمارة الحقيقة فلا يكون غيره حقيقة دفعا للاشتراك
وهذا لا ينافي قول أئمة العربية أن أصلها ابتداء الغاية أي
دخولها على مبدأ المسافة لأن المبدأ في الحقيقة بعض المذكور
فلا يخلو عن التبعيض أو معناه أصله التبعيض بعد ابتداء الغاية
فلا يعدل عنه إلى البيان إلا لدليل كإسناد الوصف العام المقصود
عليته المؤكد لعموم من في المسألة الأولى مع إمكان لأن يقال لم
يعدل لكن المفهوم بعض منكر فعم بعموم تلك الصفة وكون كل وثن
رجسا والرجس واجب الاجتناب وكقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمُ اللَّهَ} [النور: 62]، في {لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}
[النور: 62]، وذلك أدني أن تقر أعينهن في ترجي من تشاء وعدم
دلَيل لا يَنافي وجود آخر كاللام العاهدة لما في مسألة الخلع
بخلاف مسألتنا قيل ولأن البعض متيقن لتحققه على تقدير البيان
والتبعيض ورد بأن البعض المراد ها هنا قسيم الكل فلا يتحقق على
تقدير البيان وجوابه منعه وإلا لما عم الكل بعموم الصفة فإذا
كان للتبعيض يقصر عن الكل بواحد وهو الآخر إن أعتق مرتبا وإلا
فالخيار إلى المولي وخصوصه فيما قال من دخل هذا الحصن أولا
ودخلوا متعاقبين فالنفل للأول بخلافهم مجتمعين حيث يبطل كما مر
وعده خاصا بعارض القيد لا ينافي عده عاما بأصله كما في كل من
دخل هذا الحصين اليوم وحده قبل كل أحد، ومنها ما في ذوات ما لا
يعقل وصفا من يعقل كما في الدار وما زيد وهو كمن في أنهما
شرطية واستفهامية عام مطلقا وموصولة وموصوفة يحتمل العموم
والخصوص والأصل هو العموم لكثرته نحو {لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284]، فلو قال
لامرأته طلقي نفسك من الثلاث ما شئت تطلَقها ثلاثا عندهما وما
دونها عنده إذ لا صارف عن التبعيض بخلاف قوله كل من مالي ما
شئت فإن وقوعه في موضوع إظهار السماحة صارف عنه، وإنما لم يرد
في قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:
20]، جميع ما تيسر لئلا يتعسر ما أطلق أن
(2/74)
يتيسر وعند بعض أئمة اللغة يعم العاقل
وغيره كالذي معنى وعموما فإن قال إن كان ما في بطنك أو الذي
فيه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية لم تعتق لأن الجميع لم
يكنه وعند الأصولين مستعار لمن كما في قوله {وَالسَّمَاءِ
وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، على أحد الوجهين أو إرادة لصغته
بمعنى والقادر الباني كقولَه: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ}
[الزخرف: 13]، كن لنا كما يستعار لما في قوله {أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17]، إخراجا لهم مخرج
اعتقادهم الفاسد بإلهية الأصنام أو مشاكلة في قوله {مَنْ
يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45]، ثم ما ذكر في السادس مع
ما في معنى الجمع عمومه وضعط وما ذكر في الخامس عارض وكلاهما
معنوي والصيغى هو الجمع.
(تذنيب) في ما ينتهي إليه خصوصها هو أمران واحد فيما هو فرد
بصيغته أو ملحق به من الجمع أو ما في معناه المعرفين وكذا
الطائفة معرفا ومنكر لقول ابن عباس رضي الله عنه يقع على
الواحد فصاعدا وعملا بصيغة الفردية وتاء الجمعية كالمعتزلة
وثلاثة في الجمع المنكر عندهم والمعرف عند أئمة العربية نظرا
إلى حقيقته.
وقال أكثر الشافعية: لا بد من بقاء ما فوق النصف فيقرب من
مفهوم العام وقيل إلى ثلاثة، وقيل: إلى اثنين، وقيل: إلى واحد،
وقيل: التخصيص بالاستثناء والبدل إلى واحد وبمتصل غيرهما
ومنفصل في محصور قليل إلى الاثنين وفي غير محصور وعد كثير إلى
ما فوق النصف.
لنا: أن دليل جوازه لا يفصل وكذا وقوعه أما إلى واحد فقيل
كالناس في قوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل
عمران: 173] والمراد نعيم بن مسعود باتفاق المفسرين ولا معتبر
للقول بأنه هو مع من أذاع كلامه في المدينة قيل اللام فيه
للعهد فليس عاما قلنا الناس جمع فلا يصح عهد الواحد به.
وفيه بحث فإنه معرف بلام الجنس، فجاز إرادة الواحد به لأنه
أدنى ما يصلح له على ما مر نحو (شربت الماء- وأكلت الخبز) لا
للتخصيص إذ لا عموم نعم كل من دخل الحصين وحده أولا لا يتحقق
إلا في واحد مع عمومه وكذا مثل {حَافِظُونَ} في {وإنا له
لَحَافِظُونَ}.
والمراد هو الله تعالى وحده وكونه من باب تنزيل الذات منزلته
مع اتباعه تعظيمًا استعارة لا ينافيه لأن التخصيص تجوز وذا
بيان لمجوزه وإذا صح مطلقا فيصح إلى أدنى ما ينطلق عليه في كل
قسم لا إلى الواحد مطلقا أو الثلاثة أو الاثنين كذلك إلا في
الجمع وعند من يجعله أقله.
(2/75)
قالوا: لو قال قتلت كل من في المدينة أو
أكلت كل رمانة في البستان أو كل من دخل داري فهو حر وفسرها
بثلاثة عد القائل مخطئا ولاغية وقوله خطأ ولاغية.
قلنا: لا نعلم كما لو قال كل من في المدينة من الأعداء وهم
ثلاثة أو كل رمانة متشققة وهي ثلاثة أو كل من دخل قبل الطلوع
وقد دخل ثلاثة ولئن سلم فذلك لإشعار إظهار جلادته أو سماحته
بتتميم التعميم ومحل النزاع ما فيه قرينة عدم التعميم فأين هذا
من ذا ومما يؤيده أن المفصل جوز تخصيص البدل والاستثناء لو عد
المخصصين إلى واحد فأي فرق بين الأمثلة المذكورة وبين أكرم كلا
من الناس اهدها أو إلا الجهال والعالم واحد حتى لا يعد لاغية
دونهما.
المقام الثالث: في شتائت مباحث
العموم
الأول: أن العموم للفظ حقيقة وللمعنى إذا شمل أشياء من غير أن
يدل على شموله لفظ قيل لا يصح وقيل يصح حقيقة والجمهور على
صحته مجازا وهو المختار، لنا أن حقيقته أن يصدق موجود واحد على
متعدد دفعه ولا يتصور في المعاني؛ لأن الموجود في كل محل معنى
غير الموجود في غيره وردما يطلق عموم المعنى على أن يكون للفظ
معان متعددة فيقال تعددها باختلافها فالنظام لا يكون إلا
للمشترك فلا يتحقق إلا عند من يقول بعمومه نعم يقال المطر
أوحصب البلاد تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها
في الماهية من حيث هي.
ومن نفى التجوز يقول بعمومه نعم يقال عم المطر أو حصب البلاد
تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من
حيث هي ومن نفى التجوز أيضًا جعل التجوز في الفاعل قولًا بأن
المراد بالمطر الأمطار والحق للتجوز توسعا.
قالوا الماهية الكلية واحدة صادقة على جزيئاتها والمرئي الواحد
يتعلق به إبصارات متعددة والصوت أو المشموم الواحد يسمعه أو
يشمه طائفة والأمر والنهي النفسيان يعمان خلقا كثيرا قلنا
الماهية الكلية ماهية واحدة لا موجود واحد إذ الموجود في كل
فرد غير الآخر.
ولا وجود في الذهن عندنا ولئن سلم فصدقها على جزيئاتها تناول
احتمال لا دلالة والمرئي لا يصدق على الإبصارات ولا الأمر
والنهي على الخلق الكثير ومدرك سامعة كل أحد وشامتة هو الهواء
التكيف المجاور لها.
الثاني: أن العبرة لعموم اللفظ في جواب السؤال وحكم الحادثة
إذا كان مستقلا زائدا على القدر الكافي لا لخصوص سبب الورود،
وقال مالك والشافعي ومن تبعهما يختص
(2/76)
بسببه وقال أبو الفرج يختص جواب السؤال لا
حكم الحادثة وأقسامها أربعة؛ لأن كلا إما مستقل أو غيره أما
غير المستقل بقسميه فيتبع ما قبله في العموم والخصوص ولا يعرف
فيهما خلاف.
فالقسم الأول: ما يكون جزاء لما قبله ففي العموم كأن يقال ما
بال من واقع في نهار رمضان عامدًا فقال فليكفر وفي الخصوص
كقوله واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا فقال فكفر إذن ومنه زنا
ماعز فرجم وسهى فسجد وتعميمه بعد فهم علية الوصف بالدلالة لا
بعموم القضاء مع أن المثال للتوضيح وإن ظن أن للشافعي خلافا في
هذا فهما مما ذكر في البرهان من قوله ترك الاستقصاء في حكايته
الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال والحق أنه
محمول على صورة الاستقلال.
القسم الثاني: ما لا يكون جزاء فعمومه كقوله عليه السلام نعم
لمن قال أتتوضأ بماء البحر وخصوصه نحو قوله أليس في عليك ألف
درهم فيقول بلى يكون إقرار لا نعم أو كان في عليك كذا فنعم
إقرار لا بلى فعند أئمة اللغة نعم مقررة لما سبق مطلقا وبلى
موجبة فيلزمها سبق النفي استفهاما أو خبرًا أو (أجل) مخصوصة
بالخبر وقيل أولى فيه.
وعند الأصولين يعتبر المتعارف فلا يفرقون بين هذه الكلمات في
الجواب إلا بأن نعم وبلى لمحض الاستفهام مع سبق النفي أو بدونه
أن يدرج أداة الاستفهام أو يستعار له الخالي عنه وأجل يجمعهما
فقوله نعم أو بلى بعد أطلقت امرأتك تطليق وبعد أليس في عليك أو
أكان إقرار وكذا أجل والمدرج أو المستعار نحو نعم بعد قوله في
عليك كذا أي إلى نحو قوله تعالى {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشعراء:
22] على قول ويحتمل التقدير والاستعارة.
وذكر محمد - رحمه الله - نعم فيما لا يحتمل الاستفهام كما في
اقض الألف التي عليك أو أخبر فلانا أن له عليك كذا أو أبشر أو
قل فقال نعم يكون إقرارا والأمر لا يحتمله وأما قسما المستقل
فغير الزائد على القدر الكافي كقوله بعد ما قيل له تعالى تغدى
معي أن تغديت فكذا أو قيل تغتسل الليلة عن جنابة فقال إن
اغتسلت اختص به فلا يحنث بالتغدي الآخر والاغتسال لا فيها أو
فيها لا عنها إلا عند زفر - رحمه الله- فإنه عممه عملا بعموم
اللفظ.
قلنا: خصصه دلالة الحال عرفا كما ينصرف الشراء بالدراهم إلى
نقد البلد وأما الزائد سواء كان جواب سؤال كقوله عليه السلام
لما سئل عن بئر بضاعة خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير
طعمه أو لونه أو ريحه أو حكم حادثة كما روى أنه عليه السلام مر
(2/77)
بشاة ميمونة فقال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر"
(1)، قلنا في عمومه.
أولًا: تعميم الصحابة العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة
كآية الظهار في خولة امرأة أوس بن الصامت أو سلمة بن صخر وآية
اللعان في هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء أو في
عويمر العجلاني وآية السرقة في سرقة المجن أو رداء صفوان وآية
القذف في قذفة عائشة وغير ذلك وشاع ولم ينكر.
ثانيا: أن خصوص السبب لا يصلح معارضة لعموم النفى إذ لا
منافاة.
ثالثا: أن العام ساكت عن الاقتصار والسكوت ليس حجة، قالوا
أولًا لو عم لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد كغيره ولم يجز اتفاقا،
قلنا: لا نعلم الملازمة للقطع بدخوله في الإرادة إذ لا يجوز
الجواب عن غير المسئول عنه أو لا نسلمها إن أرى السبب الشخص
لذلك والاتفاق في بطلان اللازم إن أريد السبب النوعي أقصي
الأمر أن نحتاج إلى الفرق بين السبب الشخصي الذي ورد فيه وبين
الأسباب الشخصية الآخر إن كان المخصص اجتهاد إلا إن كان نصًا
فإن أبا حنيفة أخرج السبب النوعي في فرد آخر في موضعين حيث لم
ينف الحمل باللعان بعد نفيه بقوله زنيت وهذا الحمل منه مع
انتفائه في هلال ولم يرد غير قصته في باب اللعان.
واعتبر عموم الفراش في قوله عليه السلام: "الولد للفراش
وللعاهر الحجر" والحق الولد الآتي في النكاح وأن يتقنا استحالة
المعلوق من الزوج وأخرج ولد الأمة ولم يلحقه يمولاها وإن أقر
بالوطئ والافتراش وروده في ولد أمة زمعة حين نساوق سعد بن أبي
وقاص بعهد أخيه عتبة مع عبد بن زمعة إلى النبي عليه السلام
فقال ذلك قيل يعرف عند تتقيح المناط أن سبب الانتفاء اللعان
وإلحاق ولد الأمة بمولاها الاستفراش وليس الخصوصية وقال هلال
وربيعة أثر فيه مع أنه لا يجوز أن ينسب إلى عاقل تجويز إخراج
السبب فقول أبي حنيفة رضي الله عنه محمول على أن الحديثين لم
يلغياه بكمالهما قلنا فيه وجوه:
1 - ما في الروايات أن عبد بن زمعة قال ولد على فراش أبي أقر
به أبي ومن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الأمة تفسير فراشًا
بالوطئ إذ أقر به المولى ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه (2).
2 - أن وليدة زمعة كانت أم ولد له ذكره أبو يوسف رضي الله عنه
في الأمالي ويدل
__________
(1) تقدم تخريجه.
(2) انظر بدائع الصنائع (6/ 243).
(2/78)
عليه الوليدة لأنها اسم لأم الولد ونسب ولد
أم الولد يثبت من غير دعوة.
3 - أن في رواية البخاري هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش
وللعاهر الحجر قال شمس الأئمة -رحمه الله- فهذا قضاء بالملك
لعبد لكونه ولد أمة أبيه ثم اعتقه عليه بإقراره بنسبه والدليل
عليه قوله عليه السلام لبنت زمعة "أما أنت يا سودة فاحتجبي منه
لأنه ليس بأخ لك" (1) وقوله عليه السلام "الولد للفراش" لتحقيق
نفى النسب عن عتبة لا لإلحاقه بزمعة.
4 - أن من مذهب أبي حنيفة وقيل هو مذهب أبي يوسف أن إقرار
الورثة ببنوة ولد الأمة لمنزلة الدعوة من ألب فهذه الأربعة ما
يعزى إلى عبد العزيز البخاري -رحمه الله-.
وأقول: بل وراء ذلك جواز أن يكون كل من الانتفاء مع أن أحكام
الحمل لا يترتب عليه إلا بعد الوجود لقيام الاحتمال ومن إلحاق
ولد الأمة مع أن المقصود بوطئها قضاء الشهوة لا الولد لوجود
مانع إتلاف المالية عنده ونقصان القيمة عندهما ولذا جاز العزل
عنها بلا رضاها بخلاف المنكوحة بناء على علمه عليه السلام بذلك
بالوحي كما يؤيده آخر حديث هلال فلذا كان للخصوصية مدخل فبدأ
عرف أن الطعن بالغلط على إمام المسلمين كان من غير تحقيق
لمرامه.
والحكم بعدم بلوغ الحديثين إياه استقراء على النفي مع أنهما
مبحوث عنهما مستوفى في غير موضع من المبسوط وهو منقول عن
الإمام رضي الله عنه.
وثانيا: لو عم لم يكن لذكر السبب فائدة وقد بالغوا في بيانه
وتدوينه قلنا يجوز أن يكون فائدته معرفة الأسباب والسير والقصص
وفيها الثقة بصحتها ومنع تخصيصه بالاجتهاد واتساع الشرعية.
وثالثا: لو عم لم يطابق الجواب السؤال قلنا إن أريد بالمطابقة
المساواة فلا نعلم وجودها عادة إذ قد يزاد وشريعة كجواب موسى
عليه السلام عن وما تلك بيمينك وعيسى عن أنت قلت ومحمد عليه
السلام بقوله الطهور ماؤه والحل ميتته، وأن زيد بها الكشف عن
السؤال فلا نعلم عدمها فيما زاد قيل فلا أقل من أن الأولى ترك
الزيادة.
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 108) ح (7038)، وقال صحيح
الإسناد ولم يخرجاه والضياء في المختارة (9/ 354) ح (321)،
والبيهقي في الكبرى (6/ 87) ح (11246)، والدارقطنى في سننه (4/
240)، وعبد الرازق في مصنفه (7/ 443) ح (13820)، والطبراني ق
الأوسط (3/ 132) ح (2706)، والامام لحمد في مسنده (514)، وأبو
يعلى في مسنده (2/ 187) ح (6813).
(2/79)
قلنا أفاده الأحكام الشرعية أولى من رعاية
الأحكام اللفطة والأولى أولى ما لم يعارضة
أولى منها كيف وإذا جاز عدم التعرض للمقصود في الأسلوب الحكيم
وعد من كمال البلاغة فلأن يجوز الزيادة لمثل فوائده أولى.
ورابعا: أن السبب مثير للحكم كالعلة مع المعلول فيختص به إذ
لأصل عدم علة أخرى قلنا ليس الكلام في ذا فإن السبب المؤثر
يختص الحكم به ما لم يظهر آخر.
وخامسا: أن ورود العام في هذا السبب صارف له إلى هذا المجاز
ولا صارف إلى الخصوصيات الآخر فالحكم بتلك المجازات لخكم قلنا
لا مجاز لأن الخصوصية في التحقيق لا الإرادة.
للفارق أن الظاهر في بيان حكم للحادثة إرادة مقتضى اللفظ إذ لا
منافاة وفي جواب السوال قصد المطابقة والقصر عليه والتصريح
بخلافه لا يمنع الظهور.
قلنا ذلك الظهور مستفاد من دلالة الحال وظهور العموم من صريح
الزيادة في المقال كيلا يلزم إلغاؤها والعمل بالناطق مع
الصراحة أولى منه بالمبطن مع الدلالة فلو قال في المسألتين إن
تغذيت اليوم اغتسلت الليلة أو في هذه الدار صار مبتدئا فإن عنى
الجواب صدق ديانة لا قضاء لأن فيه مع كونه خلاف الظاهر تخفيفا
بخلاف نية الابتداء بدون الزيادة ففيها تغليظ فيصدق ديانة
وقضاء.
الثالث: نفي المساواة في نحو قوله تعالى {لا يَسْتَوِي
أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] لا
يقتض أن يعم الأحكام الدنيوية فلا ينافيه قتل المسلم بالذمي
بحديث ينطق صدره بالحكم وآخره بالتعليل وكون ديته كدية المسلم
وكون استيلائه على مال المسلم سبب الملك كعكسه.
وقالت الشافعية: يقتضيه فينافيه الأحكام؛ لأن الفعل نكرة في
سياق النفي فيعم في أقسامه ما أمكن كلا آكل العام فيها اتفاقا
والخلاف في عمومه بحسب المفعولات أو الأسباب أو الأوقات أو
غيرها مما هو مقتضى الوجود لا اللفظ فإذا العمل في بعض الأفراد
لم يسقط فيما بقي كالعام المخصوص وهذا استدلال بالاستقراء لا
قياس في اللغة لا يقال لو عم لما صدق إذْ بين كل شيئين مساواة
من بعض الوجوه كالوجود وغيره وأقلها في نفي ما عداهما عنهما
ولأن إثباته لو خص لما أفاد للعلم به فيعم فيخص نفيه؛ لأنه
نقيضه للتكاذب عرفا لأنهما معارضان بأن نفيه لو خص لما أفاد
للعلم بعدم مساواتهما من وجه ولو في التشخيص وإلا فلا اثنينية.
وبأن إثباته لو عم صدق إذ لا مساواة في التشخيص فيخص فيعم
النفي وهذه هي الشبه الأربع المتعارضة باعتبار عدم الصدق وعدم
الافادة في طرفي النفي والإثبات وحلها
(2/80)
مأن الفعل نكرة إذا وقع في الإثبات لا يعم
لكن ربما يفيد لتعينه بقرينة وإذا وقع في النفي يعم لكن ربما
يصدق أمر بنية مخصصة بعض المتناولات أو لإدارة الاستغراق
العرفي كنفي كل مساواة يصح انتفاؤها بتخصيص العقل كما في قوله
تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] أي كل شيء
يخلق.
ولنا في ذلك طرق: لما لم يدل إثباته على المساواة من كل وجه
أما لأنه نكرة في الإثبات، وإما لأنها بعض أفراد الاستواء ولا
دلالة للأعم على الأخص إلا بقرينة، ولا قرينة عليها لكذبها
وإلا فلا اثنينية تعين إرادة المساواة من الوجه المعين الذي
يدل عليه القرينة كالفوز هنا بقرينة قوله {هُمُ الْفَائِزُونَ}
[التوبة: 20] والإدراك في قوله {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] فرده أنه كان ينفي تلك المساواة كما
هو ظاهر مقام رد الزعم الحقيقي أو الاعتباري فقد خص وإن كان
ينفي الكل وذلك يحتاج إلى القرينة المعنية ليصدق فالظاهر أنها
تلك القرينة والعقل لا يصلح مخصصا ها هنا إلا إذا قلنا له حكم
في الحسن والقبح.
2 - ولئن سلمنا أن المراد نفي مساواة يصح انتفاؤها فليس
المساواة التي يعتمد عليها القصاص بين المسلم والذمي كذلك
فإنها المساواة في العصمة التي يعمل فيها الإتلاف وهي ثابتة
بكلا العهد والدار مؤبدة بخلاف المستأمن من المؤقتة عصمته وهذا
بالفروع أنسب.
3 - أن النكرة في سياق النفي لا تعم في كل محل بل عمومها في
البعض بورودها في محل العموم كما مر في ما جاءني رجل وليست
الآية في نحو ما نحن فيه واردة في محله بخلاف لا آكل والعام
المخصوص فيجب الاقتصار على ما تيقن أنه مراد كمعدم المساواة في
الفوز والادراك يويده أن المساواة غير منفية بين الأعمى
والبصير في الأحكام المذكورة.
4 - الطريقة المسلوكة في "رفع عن أمتي الخطأ" (1) إذْ لا يراد
نفي الاستواء في الذوات
__________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/ 202) ح (7219)، والحاكم في
مستدركه (2/ 216) ح (2801)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه، والبيهقي في الكبرى (6/ 84) ح (11236)، والدارقطني في
سننه (4/ 170)، وابن ماجه (1/ 659) ح (2043)، وابن أبي شيبة في
مصنفه (4/ 82)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (9513)،
والطبراني في الأوسط (8/ 161) ح (8273)، والصيداوي في معجم
الشيوخ (1/ 362361)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 152) ح
(1090)، والصغير (5212) ح (765)، والكبير (9712) ح (1430)،
وانظر التلخيص الحبير (1/ 281)، خلاصته البدر لمنير (1/ 54)،
نصب الراية للزيلعي (2/ 64).
(2/81)
فإنه في الحقيقة كاذب وفي مشخصاتها غير
مفيد فيراد بهما أحكامهما مجازا وحيث ارتدت الأخروية بالإجماع
أو بسياق قوله {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
[الحشر: 18] لا يراد الدنيوية وهما نوعان مختلفان لتعلق
الأخروية بصحة العزيمة وفسادها، والدنيوية بوجود الركن والشرط
وعدمهما كما يفترقان في الصلاة بالماء النجسة غير عالم وفيها
مرائيًا مراعيًا، ومثلها صلاة المحدث على ظن الطهارة وصلاة
المتطهر طى ظن الحدث تهتكًا فصار المجاز الموضوع وضعا نوعيا
للمختلفين مشتركًا أيضًا فلا يعم أما عندنا فلعدم عموم
المشترك.
وأما عند الشافعي - رحمه الله - فلعدم عموم المجاز هذا سياقة
المتأخرين وأما سياقة المتقدمين التي اختارها أبو زيد - رحمه
الله - فعدم الفرق بين المقتضى والمحذوف كما سيجيء فإنه مقتضى
ضرورة صدق النص فلا يضمر الجميع أوْ لا يراد لاندفاع الضرورة
بإرادة ما اتفق عليه من الأخروية وسيجيء تحقيق السياقتين
وسيأتي في موضعين آخرين إن شاء الله تعالى، وعن هذا قلنا كاف
التشبيه لا يوجب العموم كما في قول عائشة رضي الله عنها "سارق
أمواتنا كسارق أحيائنا" فحمل على الإثم في الآخرة لا القطع في
الدنيا إلا أن يقبل محل العموم لارتفاع المانع كقول على رضي
الله عنه إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم
كأموالنا حتى يقتل المسلم بالذس ويضمن إذا أتلف خمره أو
خنزيره؛ لأن التشبيه بين العامين ولأن فيه حقن الدم وفي حديث
عائشة رضي الله عنها إثبات الحد الذي يحتال لدرء.
الرابع: أن الفعل المثبت أعني الاصطلاحي الدال على مقابل القول
لا عموم له فحكايته لا يقتض العموم لا للأقسام كصلي داخل
الكعبة للفرض والنفل ولا للجهات أي جهات الوضع كصلي بعد غيبوبة
الشفق الأحمر والأبيض إلا عند من قال بعموم المشترك لوجهات
وقوع الفعل نحو كان يجمع بين الظهر والعصر لجمعهما في وقت
الأولى والثانية ولا للأزمان.
أما دلالة كان يجمع ككان حاتم يقري الضيف على الاستمرار فللفظ
الراوي وهو كان لا الفعل المضارع كما ظن فإن قصد الاستمرار فيه
يستفاد من تقدم ما يدل على المضي إعطاء الدليلين حقهما هو
المفهوم من كلام عبد القاهر ومثله لو يطيعكم كما يستفاد في
{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] من وقوعه جزء
الاسمية وللأمة إلا بدليل آخر للتأسي فيه خاصة كصلوَا وخذوا أو
كوقوعه بيانا فيتبع المبين عمومًا وخصوصا أو عامة نحو {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: 21] الآية وكقياس الأمة عليه بجامع
يعلم عليته
(2/82)
خلافا للبعض.
لنا أنه نكرة في سياق الإثبات قالوا قد عمم نحو سهى فسجد وفعلت
أنا ورسول الله فاغتسلنا وزنا ماعز فرجم ونحوها وشاع ولم ينكر
قلنا تعميمه كان بدليل آخر مما مر.
الخامس: الحكاية بلفظ ظاهره العموم نحو نهى عن بيع الغرر، وقضي
بالشفعة للجار يحمل على كل غرر وكل جار خلافا للأكثرين فلا يدل
على ثبوت الشفعة لجار لا يكون شريكا.
لنا أن العدل العارف بوضع اللفظ وجهة دلالته لا ينقله ظاهرا
إلا بعد ظهوره وقطعه قالوا يحتمل أنه كان خاصا وظن العمة
والاحتجاج بالمحكي والعموم في الحكاية.
قلنا الظاهر لا يترك باحتمال خلافه وإلا فلا استدلال به وهذه
المسألة ليست عين ما عبر عنها في كتبنا بقولهم حكايته الفعل لا
تعم كما ظن لأنها فيما ليس في ظاهر اللفظ دليل العموم كلام
الاستغراق في الجار والغرر ولذا قالوا في دليله أن المحكي عنه
واقع على صفة معينة وهو الدليل فيكون في معنى المشترك.
فإن ترجح بعض الوجوه فذاك وإن ثبت التساوي فالبعض بفعله
والباقي بالقياس عليه ونظيره صلى النبي عليه السلام في الكعبة،
فقال الشافعى -رحمه الله- لا يعم فيحمل على النفل لا الفرض
احتياطا إذ يلزم استدبار بعض الكعبة قلنا بينهما في أمر
الاستقبال حالة الاختيار تساوٍ فيثبت في الآخر قياسا قيل لا
يصح حمل لام الجار مثلا على الاستغراق لأن قضاءه عليه السلام
إنعلما وقع لجار معين قلنا لا نعلم لجواز أن يكون حكمه عليه
السلام بصيغة العموم نحو الشفعة ثابتة لكل جار قيل فيكون نقل
الحديث بالمعنى لا حكايته الفعل لا منافاة.
السادس: في عموم العلة المنصوصة بأن يتحقق الحكم إنعلما تحققت
وأنه لا باللغة صيغة بل بالشرع قياسا وقال القاض لا يعم وقيل
يعم بالصيغة مثاله قوله عليه السلام في قتلى أحد "زملوهم
بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دمًا" (1) حيث يعم
كل شهيد.
لنا في عمومه أدلة وجوب تتبع القياس والظاهر استقلال العلة
بالعلية وفي أنه ليس بالصيغة لزوم عتق كل عبد أسود إذا قال
أعتقت غلامًا لسواده، واللازم باطل ولا قائل به أي للإجماع
السكوتي.
__________
(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (5/ 431) ح (23708)، وانظر
نصب الراية (2/ 307)، الدارية في تخريج أحاديث الهداية (2/
307).
(2/83)
للقاضي احتمال أن يكون خصوصية المحل جزأ
العلة، قلنا الظاهر هو الاستقلال فلا يترك بمجرد الاحتمال وإلا
لم يصح قياس للمعمم بالصيغة أن حرمت الخمر لإسكاره كحرمت
المسكر لإسكاره عرفا قلنا المراد أن لا فرق أصلًا أو في الحكم
الأول ممنوع والثاني غير مفيد إذ لا يلزم كونه بالصيغة.
السابع: في عموم المفهوم عند الجمهور ونفاه الغزالي - رحمه
الله - قيل النزاع لفظي، فمن فسره بما يستغرق في محل النطق لم
يقل به ومن فسره بما يستغرق في الجملة قال به لا حقيقي لأنه إن
أريد ثبوت الحكم في جميع ما سوي المنطوق من صور وجود العلة في
الموافقة وعدمها في المخالفة.
فلا يتصور النفي من القائل به كالغزالي وإن أريد ثبوته فيها
بالمنطوق فلا يتصور إثباته والحق إنه حقيقي لما ثبت أن العموم
من عوارض الألفاظ لا المعاني ولا لأفعال فمن قال بأن المفهوم
ملحوظ يوجه إليه القصد عند التلفظ بالمنطوق قال به وبقبوله
للتخصيص كما ذهب إلى مثله، في لا آكل من جعله محذوف المفعول
المراد ومن قال بأنه سكوت وعدم تعرض وحصوله بتبعية ملزومة
المنطوق نفاهما كما نفي لا آكل من جعله منزلا منزلة اللازم.
واعلم أن الظاهر في الموافقة هو الأول فإن من قصد منع الأذى
بان قصده باكر منه ظاهرا وفي المخالفة هو الثاني فإن إيجاب
الزكاة في السائمة ليس قصدا إلى عدمه في المعلوفة ظاهرا فالقول
بالعموم في الموافقة دون المخالفة لعدم القول بها كما هو
مذهبنا هو الحق.
ولذا قيل القول بالمفهوم مع القول بأن سكوت وعدم تعرض
ليجتمعان، وإن أمكن توجيهه بأن القول للزومه وكونه سكوتا عن
القصد بالنطق لا تنافيه.
الثامن: قال أصحابنا عطف المخصص على العام يقتضي تخصيصه ظاهرا
كما يقتضي سياق عطف ولا ذو عهد في عهده علي إلا يقتل مسلم
بكافؤ تخصيص الحرق لآن المنذر مخصص بالحربي إجماعًا إذْ يقتل
الذمي هو المشهور في تعبير الآمدي بأن الأول ليس عمومه وإلا
لزم عموم الثاني فيفسد.
ونقل الشافعية عنا عبارتين أخريين أن العطف على العام يوجب
التعميم صيغة فالأول كعطف وبعولتهن على والمطلقات والثاني كعطف
ولا ذو عهد على ما قبله خلافا لهم فيهما.
فأولا: لأن المعطوف فيهما مخصص مع عموم المعطوف عليه حقيقة في
الأول واتفاقا
(2/84)
وصيغة في الثاني عندكم قلنا تخصيصه بمنفصل
كالإجماع فيهما.
وثانيا: أنه مبني على وجوب تقدير قيد الأول في الثاني وليس
كذلك وإلا لوجب في ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا تقدير الظرف في
عمرو.
قلنا: ملتزم من حيث الظهور أو قدر في الحديث ضرورة أن لا يمتنع
قتل ذي العهد مطلقا ولا ضرورة هنا قيل معناه ولا ذو عهد ما دام
في عهده فلا تقدير، قلنا فيكون عطف القتل لا قصاصًا عليه
قصاصًا والظاهر خلافه.
التاسع: في عموم خطاب الرسول عليه السلام نحو {يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ} [الزمر: 65] للامة إلا لدليل نحصص ولا خلاف في عمومه
بدليل شرعي مشترك مطلقا أو فيه خاصة كقياس لهم عليه أو نص أو
إجماع ولا في عدم الوضع لغة بل في اللهم عرفا وأحمد معنا خلافا
للشافعية.
لنا أولًا أن الأمر لمقتدى طائفة بأمر ما مفهم للأمر له
ولأتباعه عرفا ولو لم يكن المتخاطبان من المتشرعة.
وتحقيقه أن أمر مثله إما أن يشتمل على قرينة العموم كالأمر
بالأمور السرية ولا كلام في خصوصه وإما أن لا يشتمل عليهما
كالأمر بمجاملة الصديق ومعاملة الشقيق وغيرهما ولا شك في فهم
أمر الاتباع فيه.
أيضًا قيل الواقع فيه عدم العلم بالخصوص وهو أعم من العلم بعدم
الخصوص قلنا نقلة العرف ثقة لا يتهم في نقلهم ولئن سلم فالغالب
من القسمين الأوليين في أمر المقتدي هو العموم والغالب
كالمتحقق فيلحق به وإلحاق المشكوك بالغالب في الاستعمال ليس
قياسا في اللغة بل عملا بالاستقرار على أن لا نعلم أن لا قرينة
على العموم في خطاب الرسول مطلقا فإن كل خطاب توجه إليه تفصيل
للهداية إلى جناب الحق والصراط المستقيم وإنما يقصد بمثله الكل
لا هو وحده فالظاهر عمومه وبهذا علم أن منع فهم العموم مكابرة
وأن الدعاء دليل العموم والشياع لا يعم كل مثال مما يفهم فيه
أمر الاتباع.
وثانيا: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] نداء له وأمر للكل فكما
جاز تخصيصه بالنداء عند أمر الكل جاز تخصيصه بالأمر كذلك وكون
التخصيص بالنداء للتشريف لا ينافيه لجواز كون التخصيص بالأمر
كذلك وافعل وأتباعك ليس مثله إذْ لا كلام في صحته بل نظيره يا
فلان افعلوا فلولا أنهم أمروا دون النداء لكان في صحته ألف
نزاع، وثالثا قوله تعالى {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}
[الأحزاب: 37] حيث أخبر أن الإباحة له ليشمل الأمة إباحة تزوج
أزواج
(2/85)
الأدعياء لا تزوج زينب كما فهم فإما أن
يعلم ذلك بطريق القياس أو مطلقا أي بدلالة العرف.
والأول خلاف الظاهر لأن ظاهره جوازه مطلقا لا جوازه بالقياس
ولذا يفهمه نفاته، ورابعا قوله تعالى {خَالِصَةً لَكَ}
[الأحزاب: 50] قيل يجوز أن يكون لقطع احتمال العموم حتى لا
يقاس الأمة عليه لا لقطع العموم المفهوم قلنا خلاف الظاهر لأن
الظاهر التخصيص دفع العموم لا دفع احتماله لهم ولا أن مثله
موضوع الخطاب المفرد، قلنا غير محل النزاع إذ لا نزاع في عدم
وضعه لغة.
ورابعا: لو عم لجاز إخراج غير المذكور تخصيصا لعمومه ولا قائل
به قلنا قد يقع التخصيص في العام عرفا كإخراج غير الوطء من
النظر وغيره من الاستمتاعات المرادة عرفا في {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وهذا على أنه محذوف
لا مقتضى وأيا كان يصح سندا.
العاشر: في عدم عموم خطاب واحد من الأمة لغيره بصيغته خلافا
للحنابلة ولعلهم يدعون ذلك بالقياس أو بقوله عليه السلام "حكمي
على الواحد حكمي على الجماعة" (1)، لنا أولا عدم الوضع لغة
والفهم عرفا، وثانيا عدم فائدة قوله حكمي على الواحد الحديث
إذا لفهم التعميم من صيغة الخطاب، لهم أو لا النصوص الدالة على
أنه مبعوث إلى الكافة قلنا أي ليبين لكل من الحر والعبد
والمسافر والمقيم مثلا حكمه الخاص به لا أن الكل للكل.
وثانيا قوله عليه السلام "حكمي على الواحد، قلنا فالفهم بهذا
لا بالصيغة أو معناه عمومه بالقياس وإن كان خلاف الظاهر للجمع
بين الأدلة.
وثالثا حكم الصحابة بما حكم النبي به على الواحد من غير نكير
كضرب الجزية على كل مجوسى لضربه على مجوس هجر فكان إجماعا.
قلنا إن كان ذلك بالقياس فلا نزاع في جوازه وإلا فهو ليس بمحل
الإجماع فلا يسمع دعوى الإجماع.
ورابعا: قوله عليه السلام لأبي بردة في التضحية بالجذعة "ولا
تجزي عن أحد بعده" (2) بالتاء أي لا تقضي من قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}
[البقرة:
__________
(1) لا أصل له: قاله العراقى وغيرما انظر المصنوع (1/ 95)، كشف
الخفاء للعجلوني (1/ 436)، تحفة الطالب (1/ 286).
(2) أخرجه البخاري (1/ 325) ح (912)، ومسلم (3/ 1552) ح
(1961).
(2/86)
48] فلو عم الخطاب لم يكن له فائدة.
أما في قصة أعرابي واقع أهله في نهار رمضان فلم تثبت فيه لا
تجزي أحدا بعدك اللهم إلا أن يكون نقلا بالمعنى كما ذكر
القرنوي في شرح الحاوي وكذا تخصيصه خزيمة بقبول شهادته وحده
وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بجواز لبس الحرير لكلمة
كانت بهما أو شكوا القمل وقيل لا تخصيص فيه بل يجوز لكل أحد
لحاجة.
قلنا فائدته قطع احتمال الشركة للإلحاق بالقياس الحادي عشر في
أن الإناث المختلطة مع المذكور تندرج تحت نحو المسلمين وفعلوا
وافعلوا بطريق التبعية خلافا للكثير لا الإناث المنفردات ولا
المذكور تحت صيغة جمع المونث ولا النساء في نحو الرجال إجماعا.
كما يندرج إذا عرف التغليب وفي نحو الناس ومن وما إجماعا ولذا
قال في السير أمنوني على أبنائي وله بنون وبنات يشملهما أو
بنات فقط لا يندرج وعلى بناتي لا يندرج البنون بخلاف أولادي
مطلقا.
لنا أولًا: غلبة الاستعمال عند الاختلاط كما دخل في
{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161] نساء بني
إسرائيل وفي {اهْبِطُوا} [البقرة: 36] حواء مع آدم وإبليس قيل
صحة الإطلاق لا يستدعي الظهور قلنا بل الظهور عرف بالعرف ولأن
الأصل فيه الحقيقة لا يقال حقيقة للرجال وحدهم إجماعا والمجاز
أولى من الاشتراك لانا نقول إما لغة أو مطلقا لكن عند الانفراد
فسلم وأما عرفا عند الاختلاط فممنوع.
وثانيا: مشاركتهن في نحو أحكام الصوم والصلاة وغيرهما وإن وردت
بالصيغ المتنازع فيها قيل بدليل خارجي ولذا لم يدخلن في الجهاد
والجمعة وغيرهما.
قلنا الأصل عدمه بالاستئناء فيما لا يشاركنهم يحتاج إليه وذا
أدل دليل على التناول لولاه.
وثالثا: دخولهن في الثانية إجماعًا إذا قال أوصيت للرجال
والنساء ثم لهم بكذا قيل المتقدمة قرينة.
قلنا لا نعلم لجواز إرادة الخصوص في الثانية بل الإفراز ظاهر
فيها قالوا أو لا عطف المسلمات على المسلمين دليل عدم الدخول
إذ عطف الخاص على العام لا يحسن.
قلنا: غير محل النزاع فإنه صورة الاقتصار على جمع المذكور على
أن عدم حسنه ممنوع إذا قصد فائدة التأسيس أولى من فائدة
التأكيد.
قلنا لا تأكيد إذ هو ما فيه تقوية الأول وثانيا ما روي عن أم
سلمة من سبب نزول قوله أن المسلمين والمسلمات، حيث نفت ذكرهن
مطلقًا ولو كن داخلات في الجملة لما
(2/87)
منفيها التصريح بذكرهن وإلا كانت زاعمة أن
الأحكام السابقة ليست متناولة لهن وذلك ربما يفضي إلى الكفر
فضلا عن الكذب، وثالثا إجماع أهل العربية على أن حقيقتها جمع
المذكر، قلنا لغة أو عند الانفراد كما مر.
الثاني عشر: مثل من وما من العام المشترك بينهما لا يختص
بالمذكر وان عاد إليه ضميره عند الأكثرين للإجماع في من دخل
صيغة الخطاب المتناولة للعبد لغة مثل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
[البقرة: 21] متناولة شرعا مطلقا خلافا للبعض وعند أبي بكر
الرازي يتناولهم في حقوق الله دون حقوق الناس.
لنا: تحقق المقتضي هو التناول اللغوي وعدم المانع إذْ الرق لا
يصلح مانعا، ولهم أولا أن ذلك الظاهر يترك بالإجماع صرف منافع
العبد إلى سيده، إذْ التكليف صرف لها إلى غيره.
قلنا: وجوب الصرف عند الطلب فلا لناقض عدمه عند عدمه ولذا حاز
صرفها إلى نفسه ولئن سلم فقد استثنى وقت تضايق العبادات حتى
جاز عصيانه لو أدى طاعته إلى فواتها ولا مناقضة بين وجوب
العبادة ووجوب الصرف إلى السيد عند عدم التضايق.
وثانيًا: خروج العبد عن خطاب الجمعة والحج والعمرة والجهاد
والتبرعات والتقارير ونحوها فلو عم الخطاب لزم التخصيص والأصل
عدمه.
قلنا: ارتكب لدليله كخروج المريض عن الصوم والأربعة المتقدمة
والمسافر عن الصوم والجمعة والحائض عن الصلاة أيضًا.
الرابع عشر: العمومات الواردة على لسان الرسول عليه السلام
المتناولة له لغة نحو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
[البقرة: 104]، {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: 56] يشمله مطلقًا
(1) خلافا للبعض (2) بقرينة الورود على لسانه وعند الحليمي إن
لم يكن مصدرا بقل.
لنا أولا: تحقق المقتضى وعدم المانع.
وثانيا: فهم الصحابة دخوله ولو مصدرا بقل ولذا إذا لم يفعل
بمقتضاها سألوه عن موجب التخصيص ويذكره وهو تقرير لدخوله كما
علل في صوم الوصال بعد نهيه عنه
__________
(1) أو كان معه "قل" أم لا، وهو قول حجة الدين الغزالي، وسيف
الدين الآمدي، وأكثر أهل العلم، انظر المستصفى للغزالي، (2/ 80
- 81)، إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي
(2/ 371)، البرهان لإمام الحرمين (1/ 365 - 367).
(2) حيث قال الصيرفي والحليمى: يدخل إلا أن يكون معه "قل"،
انظر إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي (2/
372).
(2/88)
بأني أبيت عند ربي وفي عدم فسخ العمرة بعد
أمره به بأني قلدت هديا ولهم أولا أنه أمر أو مبلغ فلا يكون
مأمورا من جهة أخري.
قلنا الآمر هو الله والمبلغ جبريل وهو حال لتبليغ ما هو داخل
فيه وهو المراد ببلغ أو الحكاية تبليغ آخر، وثانيا خصوصه عليه
لسلام بأحكام من وجوب وتحريم وإباحة دليل عدم مشاركته فالوجوب
كركعتي الفجر ذكرها الآمدي وعند الحسن البصري رحمه الله على
الكل نقله النواوي وصلاة الأضحى والضحى والوتر والتهجد والسواك
وتخيير نسائه فيه والمشاورة وتغيير المنكر ومصابرة العدو
الكثير وقضاء دين الميت المعسر.
والتحريم كمصرفية الزكاة القرآنية وخائنة الأعين وهي الإيماء
إلى مباح على خلاف ما يظهر وصدقة التطوع ونزع لامته حتى تقاتل
والمن ليستكثر ونكاح الكتابية والأمة والإباحة كالنكاح بلا
شهود وولي ومهر والزيادة على أربع نسوة وصوم الوصال وصفى
المغنم وحمس الخمس وجعل إرثه صدقة وأن يشهد ويقبل ويحكم لنفسه
وولده.
قلنا خصوصه لدليل مانع خروج المريض وغيره من العمومات، للحليمي
أن الأمر بالأمر ليس أمرا قلنا لا نعلم عند عدم المانع ولئن
سلم فهذا الظاهر يترك بالدليل السابق أما الجواب بأن جميع
الخطابات في تقدير قل فممنوع ولئن سلم فليس المقدر كالملفوظ من
كل وجه.
الخامس عشر: خطاب المشافهة ليس أمرًا لمن بعد الموجودين في زمن
الرسول عليه السلام صيغة بل بدليل آخر من إجماع أو قياس أو نص
أو كون الأمر في معنى الخبر وما مر من أن الأمر يتعلق بالمعدوم
فمعناه تعلق الكلام النفسي كأن تقوم نفس الأب طلب العلم من ابن
مولد لا توجه الكلام اللفظي، وقالت الحنابلة عام لمن بعدهم.
لنا أولا: أنه لا يقال للمعدومين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
[البقرة: 21] ونحوه لا وحدهم ولا منضمين إلى الموجودين إلا
تغليبا وهو خلاف الظاهر فيحتاج إلى دليل مما ذكر ولذا يقال إذا
تعلق أمر الرسول بالمعدوم كان في معنى الخبر لأن خطاب المشافهة
موضوع للتفهيم وبهذا يعرف أن لا منافاة بين نداء الحاضر وتكليف
الكل.
وثانيًا: إذا لم يتوجه إلى الصبي والمجنون لعم فهمهما مع
وجودهما فإلى المعدوم أولى وهذا استدلال على عدم العموم بعدم
توجه الخطاب لا بعدم توجه التكليف حتى يقدح فيه احتمال الخصوص
ولهم أولا أن من بعد الرسول لو لم يكن مخاطبا لم يكن مرسلا
إليهم واللازم منتف بالإجماع، وإن منعوا تناول مثل {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً} [سبأ: 28] للمعدومين قلنا يحصل
التبليغ بنصب الدليل على المشاركة.
(2/89)
وثالثًا: احتجاج العلماء في كل عصر بها وهو
إجماع على العموم قلنا لعله لعلمهم بتناوله لهم بدليل آخر ككون
خطاب التكليف في معنى الإخبار جمعا بين الأدلة وإن دل ظاهر
سياق القصص على أن احتجاجهم بنفس العموم قيل على الجوابين أن
الأدلة الأُخر أيضًا من الخطابات أو مما ثبت حجيته بها من
الإجماع والقياس فلا يتناول المعدومين قلنا بإجماع أو تنصيص
على ثبوت الحكم أو حجية الأدلة في حق المعدومين أيضًا نحو
الجهاد ماض إلى يوم القيامة مثلا.
السادس عشر: دخول المتكلم في عموم متعلق الخطاب خبرا كان نحو
{بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] أو إنشاء نحو من أكرمك
فأكرمه ولا تهنه إذا أريد الخطَاب العام المَراد به كل أحد كما
في
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
البيت يقتضي دخوله فيه وقيل لا لقرينة أن الخطاب منه مثاله
قوله عليه السلام "بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور
التام يوم القيامة" (1).
لنا: تحقق المقتضي وعدم المانع ولهم لزوم خلق الله تعالى نفسه
في {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16]، قلنا خص عقلا.
السابع عشر: أن الوارد للمدح أو الذم يبقى على عمومه، ويثبت
الحكم به في جميع متناولاته خلافا للشافعي رحمه الله تعالى
فأحال التمسك بعموم الذهب والفضة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية في
وجوب الزكاة بالحلي المباح الاستعمال كما هو مذهبنا أما في
المحرم لعينه كما بينهما أو بالقصد كأن يقصد بحلي النساء أن
يلبسه الغلمان، أو بحلي الرجال كالسيف والمنطقة، أن يلبسه
الجواري فيوافقنا في وجوبهما.
لنا تحقيق المقتضى وانتفاء المانع إذ لا ينافيه المدح والذم،
له أن التوسع والعموم مبالغة وإغراقا معهود فيهما.
قلنا فسياقهما دليل إرادته فعدمها ولئن سلم فلا منافاة بينه
وبينهما حتى يدل ثبوت أحدهما على انتفاء الآخر، ومما يواجههما
المطلق والمقيد فالمطلق ما دل على الذات دون الصفات؛ لا بالنفي
ولا بالإثبات وقيل ما دل على شايع في جنسه أي حصة محتملة
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 377) ح (1499)، والحاكم في
مستدركه (1/ 331) ح (768)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه والترمذي (1/ 435) ح (223)، والبيهقي في الكبرى (3/ 63)
ح (4755)، وأبو داود (1/ 154) خ (561)، وابن ماجه (1/ 257) ح
(781).
(2/90)
لحصص كثيرة لم يطرأ عليها تعيين فخرج ما
فيه تعين إما شخصا في وضعه كالعلم، أو في استعماله كالمبهم
والمضمر وإما حقيقة في وضعه كأسامة أو استعماله كالأسد وإما
حصة فهذا نحو {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16]
وكل حصص كالرجال وخرج كل عام ولو نكرة كل رجل ولا رجل فيبطل
تعريف الآمدي بالنكرة في سياق الإثبات فالمقيد ما دل لا على
شايع في جنسه فيدخل المعارف والعمومات ورجح الثاني بأن الدال
على الذات هو الدال على الحقيقة كما في المنهاج وذلك موضوع
الطبيعة والمطلق موضوع المهملة لا ذلك وفيه بحث لأن حقيقة اسم
الجنس فرد لا بعينه أي لم يعتبر تعيينه فاستعماله في موضوع
المهملة حقيقة كما عرفت في الفرق بينه وبين علم الجنس ولئن سلم
فالدال على الذات أعم من الدال عليه من حيث هو أو من حيث تحققه
وأيضًا عدم إخراج المعهود الذهني تحكم وليس لأنه مطلق كما ظن
لكونه مقيدا باعتبار حضوره الذهني وإلا لم يكن معرفة كيف وبه
الفرق بين المصدر المعرف والمنكر وبن الرجال وكل رجل وأيضًا
مثل رقبة مؤمنة وهو المقيد تعارفا لشيوعه داخل في المطلق دون
المقيد مع تقييده والأصل بين القسمين التمايز الحقيقي لا
الإضافي فالأولى ما ذكره أصحابنا.
بحث شريف
حكم المطلق أن يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده فإذا وردا
فإما في سبب الحكم كنصي صدقة الفطر أو لا فإما في حكم أي محكوم
به واحد مع وحدة الحادثة نحو "إن ظاهرت فاعتق رقبة ورقبة
مسلمة" أو تعددها نحو "إن ظاهرت فرقبة وإن قتلت فرقبة مؤمنة"
وإما في حكمين كذلك نحو تقييد صوم الظهار بما قبل المسيس
وإطلاق إطعامه وكتقييد صيام القتل بالتتابع وإطلاق إطعام
الظهار فهذه خمسة، وذكر المنفي قسما آخر ليس بتحقيق لأن الحكم
في النفي عام لا مطلق والمعرفة ليست لمطلق فحمل المطلق على
المقيد أي إرادة معنى المقيد فيهما متفق على عدمه في القسمين
الأخيرين لاختلاف الحكم إلا إذا استلزم حكم المطلق بالاقئضاء
أمرا ينافيه حكم المقيد لا عند تقيده بضد قيده نحو: "أعتق عني
رقبة ولا تملكني رقبة كافرة" ومتفق على ثبوته في الثاني تقدم
أو تأخر نحو فصيام ثلاثة أيام مع قراءة ابن مسعود؛ لأنها
مشهورة بخلاف قراءة أبي في قضاء رمضان غير أنه إذا تأخر المقيد
كان نسخا عندنا دونه.
لنا في الحمل أنه بعد امتناع العمل بكل منهما عمل بهما وهو
أولى وفيه الخروج عن العهدة بيقين، وفي أن المقيد المتأخر
ناسخ:
أولا: أنه كتراخي المخصص بل أولى فإنه رافع لتمام ما به صحة
استعمل اللفظ وبإثبات حكم شرعي لم يكن وهو لبعض الثابت أما إذا
تأخر المطلق فإنه لا يدفع القيد
(2/91)
الثابت لسكوته بخلاف العام المتأخر.
وثانيا: أن المطلق في المقيد مجاز فيكون المقيد عند تقدمه
قرينة لا عند تأخره لتراخيه وجعل المتناول بدلا بوضعه عاما
خروج عن الاصطلاح الممهد والأصل المشيد.
قالوا أولا: لو كان التقييد المتأخر نسخا لكان التخصيص نسخا
لأنه مجاز مثله وقد، سلف الفرق مع أنه ملتزم على أن الكلام في
التقييد الموافق والتخصيص الموافق ليس تخصيصا فضلا عن النسخ
كما مر أنه مبني على القول بمفهوم اللقب.
وثانيا: لكان إطلاق المتأخر نسخا وقد سلف أنه ساكت بقي الأول
والثالث ولا حمل فيهما عندنا خلافا له فلا يجوز إعتاق الكافرة
عن الظهار لقيد المؤمنة في القتل ولا يجب صدقة الفطر إلا عن
مسلم لتقيدها به في حديث فقال أكثرهم مراده الحمل بجامع وشذوذ
منهم من غير جامع لأن بعض القرآن يفسر بعضا لأنه ككلمة واحدة
وكذا الحديث.
لنا أولا: الأصل المستفاد من قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ
أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] وهو وجوب العمل بالإطلاق ووجهه أن
التقييد يوجب التغليظ والمساءلة كما في بقرة بني إسرائيل فإن
السؤال عن القيود إذا أوجبهما فالتقييد بالأولى، وذلك لأن
النهي ليس عن السؤال عن المجمل والمشكل لأنه واجب ولا عن
المفسر والمحكم إذ ليس محلا له بل عن ممكن العمل من نوع إبهام
يؤيده قوله عليه السلام: "اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان
قبلكم بكثرة مسألتهم عن أنبيائهم" (1)، وقول ابن عباس رضي الله
عنه: "أبهموا ما أبهم الله واتبعوا ما بين الله" (2)، ولذا لم
يشترط عامة الصحابة في أمهات النساء الدخول حملا على الربائب
المقيدة واشترط علي رضي الله عنه ليس للحمل بل لشركة العطف
وقال أبو حنيفة ومحمد فيمن قرب التي ظاهر منها في خلال الاطعام
يصح وفي خلال الصيام أو الإعتاق لا لتقيدهما بقوله تعالى:
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] دونه.
وثانيا: أن الأصل العمل بكل دليل ما أمكن، قيل فأي فائدة في
قيد المقيد، قلنا استحباب القيد وفضله وأنه عزيمة فلا يحمل على
المقيد إلا إذا امتنع كما سلف ولا امتناع عند اختلاف الحادثة
في السبب إذ لا مزاحمة في الأسباب واتحادهما في خبري التخالف
بإشارة التراد فإنه لا يتصور إلا حال قيام السلعة لا للحمل
نظيره التعليق بالشرط لما لم يوجب النفي صار معلقا ومرسلًا كما
أن نكاح الأمة معلق بعدم طول الحرة
__________
(1) لم أجده.
(2) ذكره الشيخ الزرقاني في شرحه، انظر شرح الزرقاني (3/ 182).
(2/92)
ومرسل لأن تنافي الشيئين ما في كل حكم في
الموجود الشخصي لا فيما يحتمل الوجود بهما بدلا قالوا:
أولا: المطلق ساكت والمقيد ناطق فكان أولى؛ لأن السكوت عدم
ولأن المقيد كالمحكم، قلنا نعم لكن تعارضتا كما في اتحاد
الحادثة.
وثانيًا: أن القيد وصف يجري مجرى الشرط فينفي بمفهوم مخالفته
الجواز في المنصوص وفي غيره من جنسه كالكفارات فإنها جنس واحد
ولذا مطلق نص الشهادة وزكاة الإبل على المقيد بالعدالة في
حادثتين والسوم في السبب إجماعا كيف وأنتم قيدتم الرقبة
بالسلامة بالقياس بلا ورود تقييدها بها في موضع فمعه أولى
وإنما لم يثبت طعام اليمين في القتل وصومه فيها وطعام غيرهما
فيهما وزيادة بعض الصلوات والطهارات وأركانها ونحوها من الحدود
لأن تفاوتها بالاسم العلم فلا يوجب النفي ليعدي.
قلنا بعض النقض بأنه لم يشترط التتابع في صوم اليمين حملا على
الظهار والقتل ولا يصح اعتذاره بأن الحمل إذا لم يعارض أصله
أصل آخر مقيد كصوم التمتع المقيد بالتفريق ها هنا إذ ليس صوم
المتعة مقيدا بالتفريق.
ولذا لو صام بعد الرجوع جملة العشرة جاز وقبله بالتفريق لا بل
ذلك لأن صوم المتعة صومان مطلقان موقتان بوقتين لا نعلم أن كل
قيد بمعنى الشرط بل إذا كان المقيد منكرا لفظا أو معنى لتعرفه
نحو المرأة التي أتزوجها بخلاف هذه المرأة ومثله النبيون الذين
أسلموا {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ
نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ولئن كان فلا نعلم
نفي المشرط فإن الإثبات لا يوجب نفيا لا صيغة ولا دلالة ولا
اقتضاء فعدم إجزاء تحرير الكافرة في القتل عدم أصلي كعدم إجزاء
ما لا يكون تحريرا فلا يعدي ولا يقال يعدي القيد فيثبت العدم
ضمنا ومثله جائز لأنا نقول تعدية القيد للوجود عند وجوده
مستدرك وللعدم عند عدمه تعدية مقصودها إثبات ما ليس بحكم شرعي
مع أن فيه إبطالا لشرعي آخر وهو أجزاء الكافرة التي يدل عليها
المطلق أي يتناولها بإطلاقه ووجوب القيد ينافيه فلا يجوز وإلا
كان القياس دليلا على زوال المكنة الثانية بالنص وناسخا.
ومن ها هنا يعرف أن المراد باجتماع المطلق والمقيد في حكم
وحادثة اجتماعهما صريحا لا تعدية على أن شرط التعدية عدم نص في
المقيس قال على المعدي أو عدمه ولئن كان فلا نعلم المماثلة
سببا وحكما أما سببا فلا صورة وذلك ولا معنى لأن القتل أعظم
الكبائر أما العمد الذي يتعلق به الكفارة عنده فظ وأما الخطأ
فلكون العمد أعظم من الغموس كان الخطأ أعظم المنعقدة.
(2/93)
وأما حكما فلا صورة للفرق بين صور الكفارات ولا معنى إذ ليس في
كفارة القتل تيسير غيرها بإدخال الإطعام والتخير وبعد الأكل إن
صح القياس فهو لنا لا تحرير كفارة اليمين يجب أن يكون أخف من
تحرير القتل قياسًا على سائر خصالها وجواب ما ذكره من صور
النقض، أن نسخ إطلاق نصوص العدالة بآية التبين ونصوص الزكاة
بقوله عليه السلام ليس من العوامل والحوامل والعلوفة صدقة
وتقييد الرقبة بالسلامة لعدم تناول المطلق ما كان ناقصا في
كونه رقبةً وهو فائت جنس المنفعة لأنه ثابت من وجه وهذا هو أن
المطلق ينصرف إلى الكامل ومن البين أن الفهم يتبادر إليه.
وأما الحمل بلا جامع فأفسد لجواز إرادة كل من الإطلاق والتقييد
في موضعه من القرآن وكونه كلمة واحدة في أنه لا تناقض ولا
اختلاف في الأصول فإما في اعتبارات دلالاته فلا وأيضًا إن أريد
بالواحدة الكلام النفسي فليس الكلام فيه مع جواز توارد
التعلقات المختلفة عليه وإن أريد العبارة فهي مختلفة. |