قواطع الأدلة في الأصول

ج / 2 ص -272-       اعلم أن مما يكثر ذكره1 في أقوال الفقهاء ويرد في المسائل هو السبب والعلة والشرط ولابد من معرفة ذلك والفرق بين معانيها ومواجبها.
أما السبب:
فاعلم أن السبب في اللغة: اسم للحبل الموصل إلى ما لا يوصل إليه إلا بتعلقه به2. ثم يسمى كل مبنى يتوصل به إلى مطلوب مرام باسم السبب بسببها بالحبل الذى يتدلى به من يوصل به إلى مرامه ومطلوبه مع أنه لا أثر للحبل في إيجاد ذلك المطلوب وتحصيله وإذا كان السبب في اللغة اسما. فنقول: حده ما يوصل إلى المسبب مع جواز المفارقة بينهما.
وقيل: إن السبب مقدمة يعقبها مقصود لا يوجد إلا بتقديمها فلا أثر لها فيه ولا في تحصيله3 وهذا كالجبل سبب للوصول إلى الماء ثم الوصول بقوة النازح لا بالحبل


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثبت في الأصل "ذكر".
2 قال صاحب القاموس المحيط: السبب: الحبل ونا يتوصل به إلى غيره انظر القاموس المحيط "4/80".
3 عرفه السبكي: بأنه مايضاف الحكم إليه للتعلق به من حيث إنه للحكم أو غيره انظر جمع الجوامع ومعه شرح الجلال "1/94".
وعرفه صاحب حاشية التلويح بأنه: مايكون طريقا إلى الحكم من غير تأثير وقال: وأما من جهة المعنى فقد قيل: هو دليل ينقدح في نفس المجتهد يعسر عليه التعبير عنه فإن أريد بالانقداح الثبوت فلا نزاع في أنه يجب عليه العمل ولا أثر لعجزه عن التعبير عنه وإن أريد أنه وقع له شك فلا نزاع في بطلان العمل به وقيل: هو العدول عن فياس إلى قياس من أقوى وقيل: تخصيص لقياس بدليل أقوى عنه فيرجع إلى تخصيص العلة. وقال الكرخى رحمه الله: هو العدول في مسألة عن مثل ماحكم به في نظائرها وإلى خلافه بوجه هو أقوى ويدخل في التخصيص والنسخ.
وقال أبو الحسن البصري: هو ترك وجه من وجوه الاعتماد غير شامل شمول الألفاظ بوجه أقوى منه وهو في حكم الطارئ على الأول واحترز بقوله: غير شامل عن ترك العموم إلى الخصوص وبقوله: وهو في حكم الطارئ عن القياس فيما إذل قالوا: تركنا الاستحسان بالقياس وأورد هذه التفاسير إن ترك الاستحسان بالقياس يكون عدولا عن الأقوى إلى الأضعف وأجيب بأنه إنما يكون بانضمام معنى آخر إلى القياس يصير به أقوى ولما اختلفت العبارات في تفسير الاستحسان مع أنه قد يطلق لغة على مايهواه الإنسان ويميل إليه وإن كان مستقبحا عند الغير وكثر استعماله في مقابلة القياس على الإطلاق كان إنكار العمل به عند الجهل بمعناه مستحسنا حتى يتيبن المارد منه إذا لاوجه لقبول العمل بما لا يعرف معناه وبعد ما استقرت الآراء على =

 

ج / 2 ص -273-       وكذلك الطريق سبب للوصول إلى المكان الذى يقصده ثم الوصول لا يكون بالطريق بل بقوة الماشى وكذلك الدلالة بحل الشىء سبب لأخذه وليس الأخذ بدلالة بل هو بقوة الأخذ وكذلك حل قيد المقيد سبب لفراره ثم ليس الفرار بحل القيد. بل هو بقوة الفار ويمكن الاستدلال على ما ذكرناه بقوله سبحانه وتعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73].
فجعل الله تعالى ضرب القتيل ببعض لحم البقرة سبب الحياة فلا أثر لذلك في الحياة وكذلك ضرب موسى البحر بالعصا صار سببا لصيرورته يبسا وضربه الحجر صار سببا لانفجار العيون من غير أن يكون ضرب العصا مؤثرا في تجفيف البحر أو انفجار الماء من صخرة صماء وتبين بهذه الأمثلة صحة قولنا في الحد الأول أنه وصل إلى المسبب مع جواز المفارقة بينهما.
ببينة: أن العصا بالضرب في البحر والحجر لم ينقلب طبعه عما كان إلى شئ آخر ليؤثر في يبس البحر أو انفجار الحجر بالضرب ولكنه صار سببا بجعل الله تعالى ذلك سببا فدل أن السبب للشئ سبب وإن لم يكن له تأثير في إيجاده بوجه ما ولأهل الكلام في هذا خوض كثير وقد جعلوا الطعام سببا للشبع والماء سببا للإرواء وليس هو بنفسه مشبعا ولا مرويا لكم المشبع والمروى هو الله تعالى على الحقيقة وهذا من حيث الاعتقاد صحيح لكنه لا يسببه النظر الأول فإن في الطعام طبع الإشباع وفى الماء طبع الإرواء والأولى هو الاقتصار على القدر الذى قلناه.
وذكر أبو سليمان الخطابى وقد كان من العلم بمكان عظيم وهو إمام من أئمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أنه اسم لدليل متفق عليه نصا كان أو إجماعا أو قياسا خفيا إذا وقع في مقابلةتسبق إليه الأفهام حتى لا يطلق على نفس الدليل من غير مقابلة فهو حجة عند الجميع من غير تصور خلاف ثم إنه غلب في اصطلاح الأصول على القياس الخفى خاصة كما غلب اسم القياس على القياس الجلى تمييزا بين القياسين أما في الفروع فإطلاق الاستحسان على النص والإجماع عند وقوعهما في مقابلة القياس الجلي الشائع ويرد عليه أنه لاعبرة بالقياس في مقابلة النص أ, الإجماع بالاتفاق فكيف يصح التمسك به والجواب أنه لا يصح التمسك به إلا عند عدم ظهور النص أو الإجماع.
انظر حاشيةالتلويح على التوضيح "2/81, 82" نهاية السول "4/399, 400, 401" سلم الوصول "4/399, 400, 401, 402" المعتمد "2/295" إحكام الأحكام "4/209, 210, 211" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "4/189, 190, 191".

ج / 2 ص -274-       السنة صاح للاقتداء به والإصدار عنه. قال: السبب هو الوصلة التي يتوصل بها إلى الشئ ومن هذا قيل للحبل سبب وللطريق سبب لأنه بسلوكه تصل إلى الموضع الذى تريده قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف: 85] أى طريقا وقد يسمى السبب علة لأنه يتوصل به إلى معرفة الحكم كما بنيته بالعلة على الحكم إلا أنه ليس كل سبب بعلة ولكن كل علة سبب كما أن كل علة دليل وليس كل دليل علة وفرقوا بين العلة والسبب من وجوه. فقيل: العلة لا توجد إلا ومعلولها موجود كالنار لا توجد ولا إحراق وقد يوجد السبب ومسببه غير موجود كالسحابة توجد ولا مطر وقد قيل: إن السبب هو الحال الذى يتفق بكونها نزول الحكم كالوقت الذى يتفق فيه نزول الحكم والعين التي يتفق نزوله فيها وقد يوجد السبب والحكم غير مقصور عليه بل يكون عاما لأهل ذلك السبب وغيرهم فيمن لا يشاركهم فيه.

وأما العلة:
فتطرد مع الحكم بكل حال وقيل: إن العلة هى المعنى الجالب للحكم ومنه علة المريض وهى السبب والجالب للمرض.
وقد قال بعض الشعراء:

ألم تر أن الشئ للشئ علة             يكون بها كالنار تقدح بالزندى

وقد قيل أيضا: إن اشتقاق العلة في اللغة راجع إلى معنى التكرار والدوام وذلك أن العرب تسمى السقى الثانى عللا وتسمى المرأة التي نكحت على الأخرى علة وذلك أنها تعل بعد صاحبتها فكانت العلة على هذا الاشتقاق هى الشئ التي يتكرر ويدوم بوجوده ما علق به.
واختلفوا في المعلول ما هو؟ فقال بعضهم: هو الحكم لأنه مجلوب العلة ويقال علة هذا الحكم كذا فتضيف العلة إلى الحكم.
وقال آخرون: هو الشيء الذى وقعت فيه العلة بمنزلة المضروب الذى وقع فيه الضرب.
ألا ترى أنا نقول: إن البر معلول بالأكل والخمر معلول بالشدة.

 

ج / 2 ص -275-       وأما الشرط:
فأصله العلامة1.
قال أبو عبيد: ومنه أشراط الساعة أى علاماتها.
وحد الشرط: ما يتغير به الحكم بوجوده2 ويفارق السبب لأن الشرط يقتضى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال صاحب القاموس المحيط: أشراط وبالتحريك العلامة انظر القاموس المحيط "2/368".
2 الشرط في الاصطلاح عرف بتعريفات كثيرة فعرفه صاحب جمع الجوامع بقوله: مايلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته وعرفه الغزالي بقوله -ملا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده وعفه البيضاوي بقوله. ما يتوقف عليه تأثير المؤثؤ لا وجود له. انظر نهاية السول "2/437" انظر المستصفى "2/180, 181" إحكام الأحكام "2/453" المحصول "1/422" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "2/292".
اعلم أن الشرط ينقسم إلى أربعة أقسام:
1- شرعي كالطهارة بالنسبة للصلاة أو الإحصان بالنسبة للرجم.
2- عقلي: كالحياة بالنسبة للعلم.
3- عادي: كنسب السلم بالنسبة لصعود السطح.
4- لغوي مثل إن دخل محمد الدر فأكرمه.
أما متى يوجد المشرط:
الشرط نوعان: أحدهما: شرط يتحقق في الوجود دفعة واحدة
وثانيهما: شرط يوجد على التدريج بمعنى أنه يحتاج في وجوده إلى أزمان متعددة.
فالنوع الأول يوجد المشروط عند أول الزمن وجوده إن علق عليه من حيث الوجود وينعدم المشروط عند انعدامه مثل: إن بتع عبدي فلك درهم وإن تزوجت فلك عندي هدية. فالدرهم يستحق عند البيع والهدية تستحق عند حصول العقد الصحيح ولا يوجدان عند عدم الشرط.
وأما النوع الثاني من المشروط فإن المشروط إن علق على وجود الشرط فلا يوجد إلا عند تكامل كل أجزائه وإن علق على عدمه فإن المشروط ينعدم بترك أي جزء من أجزائه فمن قال لغيره: إن قرأت سورة البقرة فلك عشرون قرشا. لم يستحق المبلغ المذكور إلا عند الفراغ من قراءتها كلها.
أما تعدد الشرط والتحاده:
فالشرط يكون واحدا وقد يكون متعددا والمتعدد قد يكون معطوفا بحرف يفيد الجمع كالواو وقد يكون معطوفا بحرف لا يفد الجمع كأو فتلك ثلاثة أقسام في الشرط والمشروط مثل الشرط في ذلك لأنه قد يكون واحدا وقد يكون متعددا والمتعدد قد يعطف الواو وقد يغطف بأو - فتلك ثلاثة أقسام أيضا- فإذا ضربت هذه الثلاثة في الثلاثة المتقدمة كانت الصور تسعة وإليك تفصيلها: =

 

ج / 2 ص -276-       تغير الحكم بوجوده وعدمه والسبب قد لا يوجد ذلك بل يوجب مصادفته وموافقته وقد أشار إلى هذا الذى قلناه الشيخ القفال الشاشي.
قال القفال: والطريق في التمييز بين العلة والسبب والشرط أنا ننظر إلى الشئ فإن جرى مقارنا للشئ مع تأثير الشئ فيه دل على أنه علته وإن جرى مقارنا للشئ أو غير مقارن لا تأثير للشئ فيه دل أنه سببه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أولا: اتحاد الشرط مع اتحاد المشروط مثل: إن سرق زيد فاقطع يده وفي هذه الصورة يتوقف المشروط على هذا الشرط وحده وجودا وعدما.
ثانيا: اتحاد الشرط وتعدد المشرط بالواو مثل: إن شفيت من مرضي تصدقت بدرهم وصمت يوما وفي هذه الصورة يكون حصول الشرط مقتضيا للجمع بين الأمرين.
ثالثا: اتحاد الشرط وتعدد المشرط بأو مث: : إن شفيت من مرضي تصدقت بدرهم أو صمت يوما وفي هذه الصورة يكون حصول الشرط مقتضيا لحصول أحد الأمرين على اتخيير. وعليه أن يعين مايفعله منهما.
رابعا: تعدد الشرط بحرف الواو مع اتحاد المشروط مثل: إن جاءك محمد وكان مؤدبا فأكرمه. وفي هذه الحالة لا يوجد المشروط المتحد إلا إذا وجد الشرطان معا.
خامسا: تعدد الشرط بحرف الواو مع تعدد المشروط بحرف الواو كذلك مثل: إن جاءك محمد وكان مؤدبا فأعطه مصحفا ودرهما وفي هذه الصورة يكون حصول الشرط المتعدد مقتضيا لحصول المشروط المتعدد.
سادسا: تعدد الشرط بحرف الواو مع تعدد المشروط بأو مثل: إن جاءك محمد وكان مؤدبا فأعطه مصحفا.وأد رهما وفي هذه الحالة يكون حصول الشرط مقتضيا حصول أحد المشروطين على التخيير ويكون التعيين لمن أمر بهذا الأمر.
سابعا: تعدد الشرط بأو مع اتحاد المشروط مثل: إن ذهب محمد إلى المدرسة أو ذاكر دروسه فأعطه درهما. وفي هذه الحالة يكون أحد الشرطين مقتضيا حصول المشروط المتحد.
ثامنا: تعدد الشرط بأو مع تعدد المشرط بأو كذلك مثل: إن ذهب محمد إلى المدرسة أو ذاكر دروسه فأعطه مصحفا ودرهما. وفي هذه الحالة يكون أحد الشرطين مقتضيا لحصول الأمرين معا.
تاسعا: تعدد الشرط بأو مع تعدد المشروط بأو مثل: إن ذهب محمد إلى المدرسة أو ذاكر دروسه فأعطه مصحفا أو درهما. وفي هذه الحالة يكون حصول أحد المشروطين مقتضيا على التخيير ويرجع إلى التعيين إلى من أمر بهذا الأمر انظر نهاية السول "2/439/440, 441" إحكام الأحكام "2/455, 456" المستصفى "2/181, 182, 183" المحصول "1/423, 424, 425" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "2/294, 295, 296".

 

ج / 2 ص -277-       وأما الشرط هو ما يختلف الحكم بوجوده وعدمه وهو مقارن غير مفارق للحد كالعلة سواء إى أنه لا تأثير له فيه وإنما هو علامة على الحكم من غير تأثير أصلا.
ويقال أيضا في الفرق بين السبب والعلة: إن السبب قد يوجد مع تراخى الحكم كالبيع بشرط الخيار سبب للملك ليس بعلة ولو كان علة لما تأخر حكمه ولكنه سبب منعقد ويصير علته بارتفاع الخيار فيكون ارتفاع الخيار شرطا ليصير علة لوقوع الملك فمتى وجد هذا الشرط انقلب السبب علة ولا يتراخى عنه حكمه ثم الحكم إذا وجد بانضمام الشرط إلى السبب يضاف إلى السبب لا إلى الشرط ولهذا قلنا: بتضمين شهود اليمين إذا رجعوا دون تضمين شهود الشرط وكذلك حصول الجرح في المجروح من المكلف المختار سبب لوجوب القصاص عند زهوق الروح ويصير عند زهوق الروح علة القصاص وكذلك حصول النافى في يد الغنى المكلف في الزكاة سبب لوجوب الزكاة وإذا حال الحول صير علة موجبة وكذلك اليمين قبل الحنث سبب لجواز أداء الكفارة ويصير عند الحنث علة موجبة مقررة وكذلك الطلقة الواحدة سبب التحريم في الرجعة وعند انقضاء الرجعة تصير علة لانقطاع النكاح.
وقد ذكروا مثال هذا الشرط فقالوا: إن الحياة شرط في صحة وجود العلم والقدرة وغيرهما من صفات الحى ولا يصح وجود العلم والقدرة بدون الحياة وهذا في العقليات وفى الشرعيات لا تصح الصلاة بدون الطهارة ولا يصح الصوم بدون النية وهذا الذى ذكرناه هو مذهبنا وقد أوردناه على ما ذكره الأصحاب مع شئ من الزيادة في تقديره وتحقيقه.
وأما أبو زيد فله كلام كثير في السبب والعلة والشرط ونذكر طرفا من ذلك ونتكلم على ما يوافق مذهبنا قال في تقويم الأدلة: الأسباب التي تسمى أسبابا شرعا أربعة أقسام سبب اسما لا معنى وسبب محض اسما ومعنى وسبب هو علة العلة معنى وسبب هو علة معنى.
أما السبب اسما لا معنى ولا حكما فنحو اليمين بالله في حق الكفارة فإنها بعد الحنث تجب باليمين لا بالحنث على ما عرف وكذلك النذر المعلق بالشرط فإنه يلزم بعد الشرط بالنذر لا بالشرط ويسمى النذر المعلق بالشرط سببا وكذلك اليمين إلا أنه اسم مجازا لتصوره بصورة الأسباب لا حقيقة لعدم معنى السبب لأن معنى السبب ما يكون مؤديا إلى غيره وطريقا واليمين تعقد للبر وأنه مانع من الحنث الذى تجب

 

ج / 2 ص -278-       عنده الكفارة وليس بطريق ولكنه لما كان الغرض أن يزول المانع فيصير علة كان في صورة السبب ويتحلل المانع ذهب عنه معنى السببية ولهذا قال أصحابنا: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث.
قال: ونقول على هذا: إن تعليق الطلاق بالنكاح جائز لأنه ليس بطلاق ولا هو سبب الطلاق ولا يعتبر لانعقاده شرطا لطلاق وهو ملك النكاح كما لو حلف بشئ آخر وإنما تكلم هذا بما يصير خلافا وهو إذا وصل إلى المرأة التي هى محلها بعد الشرط وإنما يعتبر في الحال كون الرجل من أهل التكلم به ومن أهل اليمين لأن السبب ما يتقرر عند الوصول إلى المقصود لا ما يرتفع واليمين يرتفع بعد الحنث لأنه يبقى بعد الحنث قوله أنت طالق أو على كذا وهذا القدر لا يكون يمينا.
وكذلك اليمين بالله قبل الحنث يمين منعقدة للبر وبعده يزول الانعقاد وهو كعقد قائم مفسوخ فلا يكون البيع سببا لحكم الفسخ بحال وبالفسخ يزول معنى البيع.
وكذلك بعد الحنث يزول معنى اليمين المنعقدة لإيجاب البر فلا تكون المنعقدة سببا لما يتعلق ثبوته بانفساخه.
قال: فالمتعلقات بشروط ليست بأسباب حكما ومعنى لما يجب عند الشرط وقد تسمى أسبابا تسوية مجازا فهذا ضرب مجاز ولكنه معتبر شرعا لأنه في الحال معتبرة أيمانا لحكم شرع اليمين له وكان عقدا صحيحا لحكم صحيح وإنما أبطلنا كونه سببا لحكم يتعلق بانفساخ العقد المنعقد في الحال.
قال: وأما السبب المحض فنحو حل قيد العبد حتى أبق فإنه سبب محض ولا يضمن العبد لأن الإهلاك كان بالإباق والإباق كان باختيار من العبد لا بقوة حدثت من الحل وكذلك إذا دل سارقا على المال حتى سرق ولا يضمن المال لأن أخذ المال كان باختيار السارق لا بقوة حدثت من الدلالة.
قال: ولهذا قال علماؤنا: إن الدابة إذا أتلفت زرع الإنسان لم يضمن صاحب الدابة1 لأن التلف كان بوطء أو بأكل فعلته الدابة باختيارها لا بقوة حدثت من تسبيب صاحبها وكذلك ما انفتح باب أسطبل حتى خرجت الدابة أو باب قفص حتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قول الحنفية انظر الهداية "4/548" وهناك من قال: يضمن ما أفسدته من الزرع ليلا دون نهار إن لم تكن يد أحد عليها وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الحجاز انظر المغنى "10/357".

 

ج / 2 ص -279-       طار الطير لم يضمن1 لأن الخروج والطيران كان باختيار من الطير والدابة لا بقوة حدثت من الفتح أوجبت له الاختيار ولا بإلجاء الدابة إليه ليفسد الاختيار بالكره ولا يلزمنا على هذا المحرم إذا دل على صيد حيث يضمن لأن الدلالة سبب محض في حق جناية الأخذ ولا ضمان عليه من حيث الأخذ للصيد ولكنه يضمن من حيث أزال أمنه عن الاصطياد وقد لزمه بالإحرام أن لا يزيل أمنه فتكون الإزالة جناية عليه كما يكون ترك الحفظ من المودع جناية على الوديعة يضمن به ويضمن في مسألة الدلالة من حيث إنه جنى بالدلالة على إحرامه فإن أزال الأمن عنه لأن أمنه بسبب تواريه عن العيون فأما بعد العلم بمكانه فلا ينجيه إلا الفرار على خوف ولهذا قلنا: إن حافر البئر لا يضمن الكفارة2 ولا يحرم الإرث2 لأنهما يجبان جزاء بإزاء فعل القتل مباشرة والمباشرة من الحافر في حفره وقد انقضى قبل الاتصال بالساقط وإنما اتصل به عمق حادث بفعله فصار يشبه سقوطا للعمق الحادث بفعله إلا انه شرط لسقوطه لأنه علة لسقوطه فسقوطه سبب ثقله الذى لا يحمله الهواء والأرض كانت تحمله ولما صار العمق الحادث بفعله شرطا للتلف والكفارة جزاء علة التلف لم يضمن صاحب الشرط وأما ضمان التالف ليس بجزاء علة التلف لينعدم بعدمها بل إنما يضمن التالف لوجود تلف مضاف إليه والحكم إلى الشرط مضاف وجودا وإن لم يضف إليه وجوبا وإذا اضيف إليه ضمن إلا أنه إذا اجتمع علة التلف مع شرط التلف وصلح كل واحد منهما أن يجعل سبب ضمان كانت الإضافة إلى العلة أولى وها هنا العلة ثقله أو شبه وذاك لا يصلح سبب الضمان لأنه ليس بتعد فوجبت الإضافة إلى صاحب الشرط.
قال: وكذلك زوائد الغصب المتصلة والمنفصلة أمانة3 عندنا لأن ضمان الغصب ضمان فعل خاص هو أخذ مال مملوك ولا يتصور الأخذ على هذا الجزاء إلا بإزالة يده عن الشئ وهذا الحد وجد في الأم ولم توجد في الزوائد لأنها حدثت في يدى الغاصب فلا يجب ضمان الغصب به وإن سلمنا أن البقاء تعد حكما فهو تعد غير الغصب ولما كان تعديا آخر لم يجب به ضمان الغصب فإن ادعى ضمانا آخر غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قول أبو حنيفة والشافعي وقال أحمد ومالك: يضمن انظر المغنى "5/447".
2 هذا هو مذهب الأحناف انظر الهداية "4/503".
3 أي الأحناف انظر الهداية "4/503".

 

ج / 2 ص -280-       ضمان الغصب تكلمنا فيه. قال وعلى هذا يقول: إن شهود القصاص إذا رجعوا بعد ما قتل المشهود عليه بشهادتهم لا يضمنون الكفارة ولا يحرمون الإرث ويضمون الدية كالحافر سواء لأن المباشرة منهم بأداء الشهادة وقد انقضت بالفراغ عن الأداء ثم حكم الحاكم وما وجب به مضاف إليهم لأنهم ألزموا الحاكم ذلك إلا أن التلف الواقع بالحكم تلف حكمى والكفارة جزاء الإتلاف حقيقة وذلك بمباشرة الولى وهو فيه مختار غير ملجأ فنقصر فعله ولا ننتقل إلى الشهود فلا يلزمهم ضمان القتل حقيقة وكذلك الرجل تكون له امرأتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حتى بانتا فإن الزوج يغرم للصغيرة نصف الصداق ويرجع بما غرم على الكبيرة إن تعمدت الفساد ولا يرجع إن لم تتعمد الفساد1 لأن الرضعة مسببة للفرقة وليست بصاحبه علة كالحافر سواء لأن فعلها في التمكين من الارتفاع لا غير والفرقة تتعلق بوصول اللبن في الجوف وذلك إنما يحصل بارتضاع الصغيرة وهى مختارة في غير ذلك غير أن مص الصغيرة إنما يكون ارتضاعا ببقاء أثر فعل الكبيرة وهو بقاء الثدى في فمها بإلقام كان منها ابتداء إن كان الإلقام تعديا وإن لم يكن تعديا فكذلك البقاء وهو كالحفر سواء إذا لم يكن تعديا لم يكن وجوب نصف المهر على الزوج بتعد كان منها فلا يكون سبب ضمان لأن الوجوب لا يكون فوق التلف والتلف إذا لم يكن بتعد من الحافر لم يضمن فكذلك الوجوب هاهنا وعندنا الضمان إنما يجب لإيجاب المهر لا بإتلاف ملك النكاح فإنه غير متقوم عندنا ولو شهد الشهود بالفرقة بعد الدخول. ثم رجعوا لم يضمنوا شيئا ومتى كان البقاء تعديا وارتضاع الصغيرة مباحا أضيف الإيجاب إلى ما هو تعد فوجب الضمان على ما مر من الأسباب ووجود بعض ما يتم علته بانضمام معنى آخر إليه كأخذ شطرى البيع وأخذ وصفي علة الربا فهو من الأسباب المحضة لأن الحكم لا يجب ما لم تتم العلة وذكر أن البعض من العلة لا يكون له حكم العلة.
قال: وعلى هذا نقول: لا تجب صدقة الفطر عن نصف عبد2 لأن علتها الرأس فلا يكون للبعض حكم العلة وكذلك الحفنة بالحفنة لا ربا فيها لأن العلة هى الكيل وهذا بعض ما يكال وليس بمكيل وذكر أمثالا لهذا قال: وأما السبب هو علة العلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الهداية "1/246".
2 فإذا كان عبد بين شريكين فلا يخرج أحدهما عنه انظر الهداية "1/124".

 

ج / 2 ص -281-       فهو السبب الموجب لأنه أوجب علة الحكم فمن حيث إنها لم توجب إلا بواسطة علة كانت سببا ومن حيث حدثت العلة الموجبة للحكم به أضيف الوجوب إليه صار موجبا ولهذا السبب حكم العلة من كل وجه لأن علة الحكم لما حدثت بالأولى صارت العلة الأخيرة مع حكمها الأول ومثاله الرمى المصيب القاتل فإنه سبب الموت لأن فعل الرمى ينقطع قبل الإصابة لكنه أوجب حركة في السهم وصل بها إلى الرمى وأوجب نقض بنيته ثم انتقاض البنية أحدث آلاما قتلته وكان الرمى سببا موجبا وله حكم حر الرقبة من كل وجه فصار الموت وسراية الآلام انتقاض البنية ونفوذ السهم إحكاما للرمى.
قال: وقلنا نحن: إن شراء القريب إعتاق1 ويجوز به التكفير لا سبب موجب للعتق لأن الشراء علة الملك والملك القريب علة العتق فكان الشراء علة علة العتق فكان له حكم العلة وصار الملك مع العتق حكمين للشراء.
قال: ولهذا قلنا: إن الحكم يضاف إلى آخر أوصاف العلة لأن ما مضى إنما يصير موجبا بالآخر ثم الحكم يجب بالكل فيصير الوصف الآخر كعلة العلة ومن هذه الجملة قطع حبل القنديل حتى يكسر وشق الزق حتى يسيل لأن قوامه بمسكته ومسكة القنديل بالحل ومسكة الدهن بالزق والقطع والشق علة مزيلة للمسكة وزوال المسكة علة التلف. قال: وأما السبب هو الذي علة فهو الموجب للحكم بنفسه في ثانى الحال بلا واسطة علة لكن الحكم في الحال لم يجب لعدم تمامه لا لعدم بعض ما هو علة بل لعدم وصف ما هو علة من حيث لم يوجب بنفسه حتى تم بوصفه كان سببا وطريقا إليه ومن حيث إن الحكم في الثاني يضاف إلى العلة دون وصفها لأن الأوصاف أتباع لم تكن سببا محضا بل كان سببا ابتداء وعلة انتهاء وهذا أرق وجوه الأسباب ومثاله النصاب فإنه سبب الوجوب وعلة إذا تم الحول2 لأن الزكاة تجب بسبب الغنى والغنى في النصاب دون الحول ولما لم تجب الزكاة بالنصاب نفسه علم أن معه معنى آخر على القائم به وهو أنه يوصف بأنه حولى في ملكه لأن الشرع علق الزكاة قال: نام معنى والنمو لا تكون إلا مدة فشرط صفة التفاجؤ لا يستحق النمو فصار المال المرصد للنمو أصل العلة والحول وصفا فلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الهداية "2/335".
2 انظر الهداية "1/103".

 

ج / 2 ص -282-       يعمل أصل العلة ما لم يتم وصفه.
قال: ولا يقال: إن حولان الحول عليه شرط الوجوب لأنه سبب بقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا زكاة في مال حتى يحول الحول"1 وحتى ليست بكلمة شرط إنما هى توقيت ولا يقال إن الحول أجل مانع لأن الأجل لو منع لكان رخصة لصاحب الحق فكان ينبغى أن تسقط بإسقاطه بأن يأخذ بالعزيمة ويجعل الأداء كما في صوم المسافر لما كان المانع من الوجوب أجل الله تعالى صح التعجيل بها هنا إذا عجل لا يكون فرضا. بل يكون موقوفا إلى أن تتم العلة بوصفها على ما مر بيانه علم أن عدم الوجوب لعدم تمام العلة وأن التعجيل ليس على وجه الرخصة وهذا لأن الحول متى تم واتصف النصاب بما قلنا والوصف لا يقوم بعينه. بل بالموصوف وهو المال من حين صار سببا لأنه لا يتصف المال بالحول إلا إلا إذا بقى حولا فاستند بالوصف إلى أصل المال وصار ذلك المال من أول الحول متصفا بأنه حولى كالرجل يعيش مائة سنة فيكون الموصوف بهذا البقاء ذلك الوليد نفسه لا شخص آخر فإذا استند الوصف إلى أول النصاب استند الحكم والوجوب إلى أوله أيضا فيعتبر التعجيل مؤديا بعد الوجوب فيجزئه وأما بعض العلة فلا تستند إلى ما قبله. بل تقتصر على حين وجوده لأنه ليس بتبع لما قبله وإذا اقتصر على حين التمام فيبقى الأداء قبله إذا قبل الوجوب فلا يجزئه
قال: وهذا كما قيل في المريض صاحب الفراش إذا وهب جميع ماله: أنه ينفذ ويصير ملكا للموهوب له إذا سلم إليه كما لو كان صحيحا وإذا مات نقضت الهبة في العلتين لأن العلة الحاجزة عن هبة الثلثين مرض مميت لا نفس المرض. وقولنا: مميت صفة للمرض والوصف معدوم وقت الهبة فنفذت الهبة من غير حجز فلما دام المرض حتى مات تم الوصف فصار أول الوجوب متصفا بالإضافة لا آخره لأن الموت يضعف القوى وكل جزء من المرض بعده أخرج عن عداد الأصحاء يضعف بمنزلة جراح متفرقة سرت إلى الموت فإنه أضاف إلى الكل دون الأخير فتمت علة الحجر من حين أصل المرض الذى أضفناه والتصرف وجد بعده فصار محجوزا عليه فنقض عليه إذا لم يجزه صاحب الحق قال: وعلى هذا قال علماؤنا: إذا جرح رجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابو داود: الزكاة "2/102" ح "1573" عن علي رضي الله عنه بنحوه. وابن ماجه: الزكاة "1/571" ح "1792" عن عائشة رضي الله عنها انظر نصب الراية "2/328- 330".

 

ج / 2 ص -283-       رجلا خطأ وكفر ثم مات المجروح أجزأه بالمال والصيام جميعا لأن علة الوجوب هى القتل وذلك اسم لجرح يسرى إلى النفس فيموت والسراية صفة لأصل الجرح فعدم الوصف يمنع الوجوب ولا يمنع التعجيل موقوفا على تتمة العلة بوصفها في الثانى هذا كلام أبى زيد في أقسام سبب ذكرت أكثره وتركت بعضه والمذكور كاف لبيان أصولهم وأكثر هذا الكلام إنما هو على أوضاع لهم في أصولهم على ما زعمه هؤلاء على ما زعمه مشايخهم وأصحابهم والذى ذكر أولا أن اليمين ليست الكفارة ضيقة إنما هى السبب تسمية ومجازا فالأصل أن الشئ إذا حكم بثبوته يكون حقيقة ومن ادعى كونه مجازا فعليه الدليل وقد ذكرنا في كثير من المواضع أن الكفارة لقضاء حق الاسم وذلك في الحال الواقع بالبئر فلا يجب التكفير مع حصوله في الحال بغيره ثم إذا حنث فقد فات قضاء حق الاسم بالبر فيجب الآن قضاؤه بالكفارة ألا أن السبب لذلك هو اليمين لما بينا من قبل فإذا كفر جاز لأنه قد فعل بعد وجود سببه فإذا كان المفعول لقضاء حق الاسم وسببه قد تحقق باليمين فلا معنى لمنع الجواز وأما قوله: إن السبب ما يتقرر عند وجود حكمه فلما ارتفعت اليمين بالحنث وهو زمان وجوب الكفارة دل أنه لا يصلح سببا للكفارة.
قلنا: الكفارة سببها اليمين على ما قلنا ولكن لما كان هذا الواجب كفارة فلابد من اتصال هتك باليمين ليستقيم الواجب كفارة ثم إذا اتصل الهتك باليمين باتصال الحنث بها لم يمنع تأخر اتصال الحنث باليمين من تحقيق السببية في الحال مثل الموت مع الجراح فإن تأخر الموت عن الجراح لا يمنع من تحقيق السببية في الحال حتى جازت الكفارة والمعنى ما بينا في ذلك أنها لقضاء حق الاسم عند الاستشهادية في عقد مخصوص والاسم في اليمين فكانت هى السبب.
وأما ارتفاعها عند الحنث. فلا يقول بنفس الحنث ارتفع لكن إذا كفر ووقع قضاء حقها بالتكفير لم يبق لبقائها فائدة فارتفعت كالرجل يقول: والله لا أكلم فلانا يوم كذا فمضى اليوم ولا يكلم ارتفع لعدم الفائدة في بقائها فارتفعت.
وأما مسألة الدابة إذا اتلفت زرع إنسان إنما أوجبنا الضمان1 إذا وجدنا بالليل قضاء النبى صلى الله عليه وسلم بإلزام أربابها الحفظ لها وإذا أمر منهم حفظها بالليل فقد ألزمهم ضمانها إذا فسدت. وأما فتح باب القفص وباب الأسطبل فهو سبب لطيران الطير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المهذب "2/194".

 

ج / 2 ص -284-       وسبب لخروج الدابة1 وإنما جعلنا ذلك سببا لأن السبب ما يوصل إلى شئ ونحن نعلم قطعا أن فتح الباب موصل إلى الطيران وطيران الطير هلاك له في حق مالكه وكذلك في حفر بئر عمق المكان مبطل لاستمساكه على الأرض في حال سببه الذى هو مباح له وزوال المسكة في مثل هذه الصورة مهلكا له فصار بفتح الباب مهلكا للطير بهذا الوجه وبحفر البئر مهلك للواقع من هذا الوجه وضمان الهالك واجب على المهلك سواء أكان الواجب حق الله تعالى أو حق الآدمى وهذا لأن التسبب قتل لأنه لا يمكن مباشرة إزهاق الروح فيكون تحصيله بالتسبيب إليه إلا أن التسبب إذا قوى بأن يؤدى إلى الهلاك غالبا أوجب القود وإذا ضعف بأن لا يؤى إلى الهلاك غالبا أوجب الدية وكان المعنى فيه أن القود وجب لحكمة الزجر فإذا ضعف السبب استغنى عن الزجر فسقط القود وإذا قوى السبب افتقر إلى الزجر فوجب القود وإذا ثبت أنه قتل وجبت الكفارة به.
ببينة: أن بالاتفاق وجبت الدية لحق الآدمى وضمان المتلف لا يجب إلا بالإتلاف دل أن حفر البئر إذا اتصل به السقوط إتلاف وعلى هذا وجب القصاص على شهود القصاص إذا رجعوا لأنه سبب قوى يؤدى إلى التلف فصاروا متلفين.
والدليل على أن فعلهم إتلاف وجوب الدية عليهم قولهم إنهم قتلة حكما لا حقيقة. قلنا: إذا كانوا قاتلين فيكونون قاتلين حقيقه وإلا لم يكونوا قاتلين ثم نقول إنما صاروا قتلة بإتيانم هلاك الشخص حقا للمشهود له وإذا جعلوا هلاكه حقا فقد أهلكوت فهذا وجه قولنا: إنهم قتلة. ثم إذا صاروا قتلة فسواء صاروا قتله حكما أو حسيا بعد أن يستند إثبات قتلهم إلى فعل حسى يوجد منهم إسقاط إيجاب القود عليهم بذلك الفعل الحسى الذى أوجب نسبة القول إليهم وهذا كالرمى والجرح المؤدى إلى هلاكه وقولهم: إن الولى يختار القتل. قلنا: اختياره للقتل لم يمنع نسبة القتل إلى الشهود حكما فلا يمنع أيضا وجوب القود عليهم وهذا لأن جهة القتل في حق الولى والشهود مختلفة فالولي صار قاتلا بمباشرته جرحا أو حز رقبة والشهود إنما صاروا قتلة بجعلهم هلاك الرجل حقا للولى وإذا اختلفت الجهة لم تمنع اختيار الولى من نسبة القتل إلى الشهود وأما مسألة ولد الغصب فنحن قد ذكرنا أن الغصب إثبات اليد بعدوان على مال الغير وهذا القدر مستقل كاف في إيجاب الضمان ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المهذب "1/374".

 

ج / 2 ص -285-       نعتبر وراءه شيئا آخر وهذا لأن ما يستقل بإيجاب الضمان بنفسه إذا وجد فلا معنى لضم شئ آخر إليه وإثبات اليد على مال الغير مستقل بنفسه لإيجاب الضمان لأن إزالته اليد التي يشيرون إليها لا يراد لعينها وإنما يراد لإثبات اليد فإذا كانت الإزالة وصلة وذريعة لم يعتبر وجودها بعد أن وجد المقصود وتمام هذا في تلك المسألة.
وأما مسألة إرضاع الكبيرة الصغيرة فاعتبار وجود التعمد إلى الفساد بعد أن وجد الفساد بعيد عن مسالك الشرع والذى ذكر من قوله: إن الإلقام تعد فإثبات التعدى في إلقام الصبى الثدى متعذر إلا باعتبار إفساد النكاح متصل بهذا الفعل سواء تعمد الإفساد أم لم يتعمد وإذا اتصل الإفساد به وكانت المرأة المرضعة منشدة للنكاح فشرط قصدها التعمد أو عدم قصدها التعمد لا وجه له كالرمى فإنه لما كان تعديا بإصابته آدميا فبعد أن أصاب الآدمى وتحقق قتله باعتبار تعمده وعدم تعمده لا يكون له وجه الضمان في الحالين.
وأما الذى قاله في المرض وملك النصاب فهو تكلف شديد والحق يجب للورثة قطعا بعد الموت واستناد وجوب هذا الحق إلى ابتداء المرض غير ممكن لأنه إن كان المرض سبب الموت يضعف القوى فتركيب الآدمى على طباع مختلفة وأمشاج متباينة سبب للمرض وكل العلل فإن ثبوت الاعتدال في المتباينات عسر جدا فالتركيب المختلف آيل إلى الانتفاض كما أن الضعف آيل إلى الفناء ومن دخل في أمثال هذا فلا شك أنه ينقطع عليه ويبقى فهمه حسيرا في بعض المداخل وإنما المنع من التبدع فيما زاد على الثلث من قبل الشرع يجب للورثه من بعد لا لحق واجب لهم في الحال والدليل على هذا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". فأشار في المنع إلى معنى بعد موته لا إلى أمر قائم في الحال.
وأما النصاب فهو موجب للزكاة عند اتصال صفة النماء به والنماء يتحقق بحول الحول فهو عندنا مثل اليمين التي سبق ذكرها واتصال الحول بالمال مثل اتصال الحنث باليمين وجواز التعجيل لتبوع نفع للفقراء لكن جواز هذا مع النفع بعد وجود السبب في نفسه وإن تأخر الوجوب لتأخر الصفة وكأن الشرع لم يلغ وجود السبب واعتبر ذلك فيما يتصل بنفع الفقراء من إخراج زكاة إليهم أو صرف عتق إلى عبيد أو إطعام مساكين ومحاويج ولهذا لم يجوز الصوم في الكفارة قبل الحنث لأنه ليس بمتصل بنفع أحد والأصل أن كل معنى يمكن اعتباره في حكم ورد به السمع فإنه يعتبر ولا

 

ج / 2 ص -286-       يعطل وإراده الشارع نفع المحتاج معتبر وعدم تعطيل السبب بعد أن تحقق يعتبر فبمجموع هذا ورد الجواز في المحل في تعجيل الزكاة وقد ورد الجواز في تعجيل الزكاة.
فأما أن يعمد إنسان ويريد أن يحقق وجوب الزكاة بنفس النصاب والشرع ورد بنفى الوجوب قبل الحول ويجعل نفس ملك النصاب كافيا لوجوب الزكاة وقد وجدنا في حول الحول اتصال معنى بالنصاب يصلح مؤثرا في أيجاب الزكاة من تحقق النماء فيه فمحال وصار هذا مثل اليمين والحنث فاليمين سبب والحنث يتصل فيستقيم بناء إيجاب الكفارة على اليمين في هذه الحالة لأن المؤاخذة في سببها لابد من اعتبار هتك كما أن الزكاة مواساة فلابد من اعتبار نماء ثم هناك لم يعطل نفس السبب حتى اتصل به جواز الإخراج وإن تأخر الوجوب كذلك لا يعطل السبب في الكفارة فيتصل به جواز التكفير وإن تأخر الوجوب فهذا وجه الكلام على ما ذكره وتمام هذا مذكور في الخلافيات فلا يعدم الناظر في هذا الذى ذكرناه من مزيد فائدة على ما ذكرناه في التعاليق والمصنفات.

"فصل": ثم ذكر أنواع العلل المعتبرة فرعا. فقال:
العلل المعتبرة أربعة:
- علة موجودة اسما ومعنى وحكما.
- وعلة موجودة اسما ومعنى لا حكما.
- وعلة موجودة حكما لا اسما ومعنى.
- وعلة موجودة اسما لا معنى ولا حكما.
فأما المعتبر من كل وجه فنحو إعتاق المخاطب عبده وطلاقه امرأته وبيعه ماله ونذره لصدقة شئ وهذا ضرب لا إشكال فيه وهو الأصل قال: وأما الموجود اسما لا معنى ولا حكما فنحو طلاق المرأة إن دخلت الدار كان عقد الطلاق اسما ولم يكن معنى ولا حكما على ما مر من قبل.
وأما الموجود اسما ومعنى لا حكما فهو مثل النصاب قبل الحول فإنه علة الوجوب اسما ومعنى لا حكما لأن الزكاة لا تجب إلا بعد الحول وكذلك الجرح علة القتل وقد وجدت صورة ومعنى لا حكما وكذلك البيع بشرط الخيار علة للملك

 

ج / 2 ص -287-       اسما ومعنى لا حكما وكذلك الطلاق الرجعى علة إبانه انعقدت اسما ومعنى وحكما وأما الموجود حكما لا اسما ولا معنى فكالسفر فإنه سبب للرخصة والعلة هى المشقة فأثبتت حكم العلة وهى السقوط ولا مشقة وهى العلة على الحقيقة وكذلك الاستبراء يجب باستحداث ملك الوطء بملك اليمين وإن كانت الأمة بكرا أو اشتراها من صبى أو امرأة والعلة صيانة الماء عن الاختلاط بماء قد وجد ولا ماء في هذه المواضع وكذلك الوضوء يجب عن النوم1 وإن لم يوجد الحدث والعلة خروج النجس عندنا أو خروج شئ من المخرج على أصل غيرنا وكذلك إذا باشر امرأته وإن انتشرت آلته وليس بينهما ثوب وجب الوضوء وإن لم يخرج شئ بيقين والعلة هى الخروج وكذلك الاغتسال يجب بالتقاء الختانين وإن تيقن بعدم الماء2 والعلة خروج المنى عن شهوة والسبب يثبت بالنكاح وأصله الماء وثبت وإن لم يطأها ويعلم أنه لم يخلق من مائه وهذا لأن السفر سبب ظاهر للمشقة عادة والمشقة أمر باطن يتفاوت الناس فيها وليس لها حد معلوم ولو علق الحكم بحقيقة المشقة لتعذر الأمر علينا فعلته الشرع بسببها في العادات تيسيرا علينا فثبت الحكم وإن عدمت العلة لأن السبب حققها وصار علة شرعا وكذلك خروج الحدث حال النوم أمر باطن لو علق الحكم به لتعذر فتعلق بالسبب المؤدى إليه ظاهرا وهو النوم الذى يرخى مفاصله تيسيرا واحتياطا لأمر العبادة وكذلك الاستبراء لو علق بالماء وهو أمر باطن تعذر علينا مراعاته فتعلق بالسبب المؤدى إلى خلط المياه وهو استحداث ملك الوطء بملك اليمين لأن هذا الاستحداث يصح من غير استبراء لزم للمالك الأول فلو أتحنا للمالك الثانى بنفس الملك لأدى إلى الخلط بخلاف النكاح فإن ملك النكاح إذا زال بعد الدخول لابد من تربص من حيث البراءة فالإطلاق للثانى بنفس الملك لا يؤدى إلى الخلط وإذا كان كذلك أقيم سبب الخلط وهو التأخير بنفس الملك فقام الخلط حقيقة تيسيرا على العباد بتعليق الحكم بسبب ظاهر دون الماء الباطن.
واعلم أن هذا الذى ذكره أول ما فيه أن يعمد في كل فصل يذكره إلى تقسيم مفيد بأعداد " الأربعة ولابد أن يبلغ هذا العدد ولا يزيد فيستخرج بالنقاش أقساما حتى يبلغ هذا القدر ونعلم قطعا أن هذا ليس من شأن المحقق وما بال هذا الفاضل وعدد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الهداية "1/15".
2 انظر الهداية "1/17".

 

ج / 2 ص -288-       الأربعة وكيف يستقيم أن يصير هذا العدد مما لابد فيه والنقصان فيه جائز متوهم والدليل على أنه لم يكن من شأنه التحقيق في هذه الفصول التي يذكرها أنه قسم العلل والأسباب وجعل أحد الأقسام قسم علة توجد حكما بلا معنى وإذا كانت العلة علة تسمية بلا معنى فكيف يبنى عليه حكم من أحكام الشرع وسبيلها أن تتبع العلل الصحيحة ولا صحة لعلة ما حتى تكون معنوية وذكر أيضا أحد الأقسام قسم علة لا حكم لها وإذا لم يكن للعلة حكم فكيف تكون علة؟ والمسائل التي ذكرها فليس على ما زعم ولأن لم تكن مشقة فهو نادر وكذلك النوم موجب خروج الحدث في الغالب فاعتبر الغالب في هذين الموضعين وأعرض عن النادر وعلى أنه قد قال بعض أصحابنا وبعض أصحابهم: إن نفس النوم حدث وهو طريق معتمد وصار نفس النوم حدثا بالنص.
وأما مسألة الاستبراء فعندنا لابد من ماء حقيقة أو توهم ماء حتى لو عدم كلاهما لم يجب الاستبراء وكذلك في النكاح لا نقول: إن نفس النكاح يثبت النسب. بل النسب عندنا بتوهم الماء وهو إمكان الوطء وثبت بنفس الإمكان احتياطا للنسب. ثم الزوج إذا علم أن الولد ليس منه فقد جعل الشرع له سبيلا إلى نفيه باللعان إلا في موضوع مخصوص من شخص مخصوص على ما عرف فثبت النسب لهذا الولد الذى نقطع أنه ليس من هذا البائس ويصير ربقة في عنقه ولا سبيل له إلى التخلص منه بحال وكذلك في المواضع التي لا يرون اللعان بحال وفى الأشخاص الذين لا يرون إيجاب اللعان وهذا من الحرج والضرر الذى لا يجوز أن يطلقه حكمة الرب وبفضله على عبادة وحسن نظره لهم مثله وكيف يأخذ الشرع ولد زنا فيضعه في حجر إنسان ويلحقه به ثم لا يجعل له سبيلا في التخلص منه ولا قبح ولا فظاعة فوق هذا ولا نفرة في القلوب ولا ضرر في النفوس أشد من هذا فدل حكاية مذهبهم على بطلانها وما كانت حكايته معينة من إقامة الدليل على فساده. فنعلم قطعا خطأ تأويله ويجوز أن يقال في مثل هذه المسألة: إن قائله أخطأ ونحكم بخطئه ونقول: لو حكم حاكم بثبوت النسب في مثل هذه المواضع ينبغى ألا ينفذ حكمه.

 

ج / 2 ص -289-       "فصل"
ثم ذكر:
أنواع الشرط وجعلها أقساما أربعة:
فقال: شرط محض وشرط في حكم العلة وشرط هو في العلامة المحضة وشرط صورة ما له حكم.
فأما الشرط المحض فما يمتنع وجود الحكم إلا بوجوده والشرط المحض بكلمة إن نحو قولك عبدى حر إن دخل الدار فإن التحرير قد انعدم حكما وامتنع وجوده حتى يوجد الشرط.
قال: ووجود العتاق يضاف إلى الشرط فأما وجوبه يضاف إلى قوله: أنت حر وعلى هذا شروط العبادات فإن الوقت علة الوجوب والعلم بالخطاب شرطه فلا يوجد ابتداء الوجوب إلا بعد العلم أو ما يقوم مقامه ولكن يجب بالوقت وكذلك الأداء إنما يثبت بالفعل من قيام وقراءة وركوع ولكن الوجود شرعا يتعلق بالطهارة والنية وسائر الشروط وكذلك في المعاملات فإن عقد النكاح يكون بالإيجاب والقبول ولا يؤخذ شرعا إلا بشهود.
وأما الشرط الذى هو في حكم العلة فنحو شق الزق للدهن وقطع حبل القنديل وضمن كأنه كل الدهر أو أحرقه بالسراج وإن كان الشق بمباشرة إتلاف الزق وإزالة لما يمنع سيلان الدهن فيوجد السيلان عند الشق لا به بل يكون الدهن سببا لا مانعا لكنه في حكم العلة لأن تماسك الشئ يعتبر بقدر الممكن في العادات وتماسك الدهن محفوظا عن التلف في العادة لا يكون إلا بالأوعية وكان سبب الدهن في الوعاء حفظا فيكون شق الوعاء إتلافا وذكر مثل هذا في قطع حبل القنديل لأن التعليق بالحبل حفظ وكان قطع الحبل إتلافا.
قال: وهذا كالقتل فإنه مباشرة إتلاف ومعلوم أن القتل اسم لما يزيل الحياة لا لما يفيد جزءا معينا من شخص وإنما كان كذلك لأن الحياة ليست بعين يمكن أخذها بمد اليد إليها أو إتلافها بالقصد إليها بعينها ولكن علق بقاءها محفوظة بسلامة بنيته وكان نقض البنية وبها قوامه إتلافا للحياة.
وأما الطلاق فما يحفظ ترك التكلم به وبه يبقى ملك الطلاق للزوج فإذا تكلم به

 

ج / 2 ص -290-       وعلق الشرط لم يعتبر الشرط حافظا بل اعتبر مانعا من الوقوع واعتبر الإرسال عن لسانه اتباعا وعلة فلم يكن للشرط حكم العلة.
قال: وعن هذا الأصل قال أبو حنيفة في الطلاق المعلق بالولادة إذا أنكر الزوج الولادة وشهدت القابلة: لم تطلق لأن الشرط حكم العلة في إيجاب الحكم فلا يثبت وجوب الطلاق بشهادة امرأته.
وأما أبو يوسف ومحمد فيقولان: الوجوب لا يضاف إلى الشرط فتبقى علامة محضة في حق الوجوب فيثبت بشهادة النساء وذكر مسائل له على هذا الأصل.
قال: وأما الشرط الذى هو في حكم العلامة فالإحصان بعد الزنا فإنه يتبين بالإحصان أن الحد كان رجما فيصير ثبوت الإحصان علما على موجود واجب قبله فلا يكون لهذا الشرط حكم العلة بوجه حتى أن أربعة لو شهدوا على الزنا واثنان على الإحصان ثم رجع شهود الإحصان وحدهم لم يضمنوا شيئا.
قال: وأما الشرط الذى هو شرط صورة لا معنى فالشرط الخارج عن وفاق العادة لقوله تعالى:
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] "وقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] "وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] "لأن العادة جارية بترك نكاح الإماء إلا عند عدم الحرة والعجز عنها وليس لهذا الشرط حكم ويكون ذكره والسكوت عنه بمنزلة والفائدة في تخصيص الله تعالى هذه الحالة هى حالة الابتداء بهذه الحادثة في العادات فصارت هذه الحادثة أولى بالبيان لأن الحاجة إليها أمس.
واعلم أن تقسيم هذه الشروط تقسيم باطل أيضا والشرط لا يكون شرطا حتى تكون له حقيقة وإنما يعدل إلى المجازفة بدليل وأما الفرق بينه وبين العلة فقد بيناه.
وإذا ثبت الفرقان فقوله: إن من الشروط ما يكون علة باطل وأما مسألة شق الزق وقطع الحبل فإتلاف عندنا بحكم التسبب إليه وقد ذكرنا أن التسبب إتلاف.
وأما مسألة طول الحرة في قوله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25].
فظاهر الآية دل على أنه شرط ومن قال: ليس بشرط فعليه إقامة الدليل.
وأما قوله تعالى
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] "فإنما سقط كونه

 

ج / 2 ص -291-       شرطا بدليل قام عليه وكان ظاهر الآية تقتضى أن يكون شرطا وقد ذكر أنواع العلامة وأقسامها ولم أر في ذكرها فائدة فتركتها فهذا جملة ما ذكره في أقسام السبب والعلة والشرط.
وقد ذكرنا الكلام على جميع ذلك بحسب ما أذن الله تعالى ونذكر الآن.