قواعد الأحكام في مصالح الأنام ط المعارف فصل: فيما يتدارك إذا فات بعذر وما لا يتدارك مع
قيام العذر
والضابط أن
اختلال الشرائط والأركان إذا وقع لضرورة أو حاجة فإن لم يختص
وجوبه بالصلاة كالستر فإن كان في قوم يعمهم العري فلا قضاء
عليه؛ لما فيه من المشقة، وإن ندر العري في بعض الجهات فإن
أمرناه بإتمام الركوع والسجود لم يقض على الأصح، وإن أمرناه
بالإيماء وجب القضاء على الأصح، وإن اختص وجوبه بالصلاة في
الأركان والطهارتين كان العذر عاما؛ لعدم الماء في الأسفار،
والقعود في الصلاة بالأمراض، فلا قضاء لما فيه من المشقة
العامة، وإن ندر فإن كان مما يدوم إذا وقع كالاستحاضة وسلس
البول واسترخاء الاست والاضطجاع في الصلاة بالمرض فلا قضاء،
وإن كان للعذر النادر بدل كتيمم المسافر خوفا من البرد، وتيمم
صاحب الجبيرة، وكالتيمم بانقطاع الماء في الحضر ففي القضاء
لندرة هذا قولان، وإن لم يكن بدل كمن فقد الماء والتراب
فالمذهب وجوب القضاء إلا في صلاة المحارب إذا اشتد الخوف
والتحم القتال، ومذهب الشافعي رحمه الله أن الصلاة لا تسقط إلا
بسقوط التكليف أو الحيض، وقال أبو حنيفة رحمه الله كل صلاة لا
يجب قضاؤها فلا يجب أداؤها لاختلاله، وهو قول الشافعي، إلا أن
الشافعي لا يحرم الأداء خلافا لأبي حنيفة فإنه حرمه لاختلاله،
وقال المزني كل صلاة وجب أداؤها فلا يجب قضاؤها وبنى على ذلك.
[قاعدة]: وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن
بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه لقوله -
سبحانه وتعالى:
ج / 2 ص -6-
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} وقوله
عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"،
وبهذا قال أهل الظاهر. واستثنى بعض الظاهرية صلاة المحدث لقوله عليه
السلام:
"لا يقبل الله
صلاة بغير طهور"، وقال أهل
الظاهر وبعض العلماء: من تعمد ترك الصلاة أو الصيام يلزمه
القضاء؛ لأن القضاء ورد في الناسي والنائم، وهما معذوران وليس
المتعمد في معنى المعذور، ولما قالوه وجه حسن، وذلك أن الصلاة
ليست عقوبة من العقوبات حتى يقال إذا وجبت على المعذور فوجوبها
على غيره أولى؛ لأن الصلاة إكرام من الله - تعالى - للعبد، وقد
سماه جليسا له وأقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا، ولا
يستقيم مع هذا أن يقال إذا أكرم المعذور بالمجالسة والتقريب
كان العاصي الذي لا عذر له أولى بالإكرام والتقريب، وما هذا
إلا بمثابة من يرتب الكرامة على أسباب الإهانة فيقول إذا كففت
عن عقوبة الإعفاء كان الكف عن حد الزناة وقطاع الطريق وشربة
الخمر والجناة على النفوس والأطراف أولى، وهذا قطع للمناسبة من
الأسباب ومسبباتها.
فصل: في بيان تخفيفات الشرع
وهي أنواع:
منها تخفيف الإسقاط كإسقاط الجمعات والصوم والحج والعمرة
بأعذار معروفات، ومنها تخفيف التنقيص كقصر الصلاة، وتنقيص ما
عجز عنه المريض من أفعال الصلوات كتنقيص الركوع والسجود
وغيرهما إلى القدر الميسور من ذلك.
ومنها تخفيف الأبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، وإبدال
القيام في الصلاة بالقعود، والقعود بالاضطجاع، والاضطجاع
بالإيماء، وإبدال العتق بالصوم، وكإبدال بعض واجبات الحج
والعمرة بالكفارات عند قيام الأعذار ومنها تخفيف التقديم
كتقديم العصر إلى الظهر. والعشاء إلى المغرب في السفر والمطر،
وكتقديم الزكاة على حولها والكفارة على حنثها.
ومنها تخفيف التأخير كتأخير الظهر إلى العصر، والمغرب إلى
العشاء ورمضان إلى ما بعده.
ج / 2 ص -7-
ومنها تخفيف الترخيص، كصلاة المتيمم مع الحدث، وصلاة المستجمر مع
فضلة النجو، وكأكل النجاسات للمداواة، وشرب الخمر للغصة،
والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه، ويعبر عن هذا بالإطلاق مع
قيام المانع، أو بالإباحة مع قيام الحاظر. |