كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ط العلمية "تعريف
العام"1
ثم العام بعده وهو كل لفظ ينتظم جمعا من الأسماء لفظا أو
معنى
ـــــــ
قوله: "ثم العام بعده" أي بعد الخاص في الوجود لا عند
التعارض; لأن المفرد مقدم على المركب وجودا في الذهن, كل
لفظ فتخصيص اللفظ بالذكر إشارة إلى أن العموم من عوارض
الألفاظ دون المعاني, والمراد اللفظ الموضوع على التفسير
الذي ذكرناه بقرينة مورد التقسيم فيخرج منه ما يدل بالطبع,
وقوله ينتظم, أي يشمل احتراز عن المشترك, فإنه لا يشمل
معنيين بل يحتمل كل واحد على السواء, وقوله جمعا, احتراز
عن التثنية, فإنها ليست بعامة بل هي مثل سائر أسماء
الأعداد في الخصوص. وأما من قال حد العام هو اللفظ الدال
على الشيئين فصاعدا فقد احترز عنها أيضا بقوله فصاعدا, وعن
اشتراط الاستغراق, فإنه عند أكثر مشايخ ديارنا ليس بشرط,
وعند مشايخ العراق من أصحابنا وعامة أصحاب الشافعي وغيرهم
من الأصوليين هو شرط وحد العام عندهم هو اللفظ المستغرق
لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد واحترزوا بقولهم المستغرق
لجميع ما يصلح له عن النكرات في الإثبات وحدانا وتثنية
وجمعا; لأن رجلا يصلح لكل ذكر من بني آدم لكنه ليس بمستغرق
وقس عليه رجلين ورجالا, وبقولهم بحسب وضع واحد على اللفظ
المشترك أو الذي له حقيقة ومجاز إذا عم كالعيون والأسود,
فإنه لا يتناول مفهوميه معا, فالحاصل أن الاستغراق شرط
عندهم والاجتماع عندنا.
ويظهر فائدة الخلاف في العام الذي خص منه فعندهم لا يجوز
التمسك بعمومه حقيقة; لأنه لم يبق عاما وعندنا يجوز لبقاء
العموم باعتبار الجمعية. ولهذا ظن بعض الناس أن العام لا
يتناول جميع الأفراد عند عدم المانع لقوله جمعا من
الأسماء, وهو نكرة في الإثبات فيتناول جمعا من الجموع لا
الكل وليس كذلك, فإن الشيخ قد نص في باب ألفاظ العموم أنه
شامل لكل ما يطلق عليه إلا أنه لما لم يشترط لحقيقة العموم
تناول الكل قال
ـــــــ
1 ذكر العلماء للعام تعريفات عدة:
1 – العام: هو كل لفظ ينتظم جمعا من الأسماء لفظا أو معنى
ذكره البزدوي في أصول السرخسي 1/125.
2 – العام لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد ابن قدامة
روضة الناظر 194.
(1/53)
ومعنى قولنا من
الأسماء المسميات هنا ومعنى قولنا لفظا أو معنى هو تفسير
للانتظام يعني أن ذلك اللفظ إنما ينتظم الأسماء مرة لفظا
مثل قولنا زيدون ونحوه أو معنى مثل قولنا من وما ونحوهما
والعموم في اللغة هو الشمول يقال مطر عام أي شمل الأمكنة
كلها وخصب عام أي عم الأعيان ووسع البلاد
ـــــــ
جمعا من الأسماء. قوله: "ومعنى قولنا من الأسماء" يعني من
المسميات, فقوله يعني لم يقع موقعه إلا أن يؤول بمعنى أي;
لأنه يستعمل في محل التفسير ككلمة أي فيكون معناه أي من
المسميات ويدل عليه عبارة شمس الأئمة, فإنه قال ونعني
بالأسماء ههنا المسميات, ثم قيل تفسير الأسماء بالمسميات
مع أن الاسم والمسمى واحد عندنا احتراز عن التسميات; لأن
الاسم يذكر ويراد به التسمية كما في قوله تعالى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] أي
التسميات وقوله عليه السلام: "إن لله تعالى تسعة وتسعين
اسما" 1 ويقال ما اسمك أي ما تسميتك فإذا احتمل الاسم
التسمية احترز عنها وأكده بقوله من المسميات, وإلا ظهر أنه
احتراز عن المعاني, فإن الاسم كما يدل على المشخص يدل على
المعنى وقد اختار أن اللفظ الواحد لا ينتظم جمعا مع
المعاني كما سيأتي; فلذلك فسر الأسماء بالمسميات.
قوله: "لفظا" أي صيغته تدل على الشمول كصيغ الجموع مثل
زيدون ورجال, أو معنى أي عمومه باعتبار المعنى دون الصيغة
كمن وما والجن والإنس, فإنها عامة من حيث المعنى حيث
تناولت جمعا من المسميات دون الصيغة; لأنها ليست باسم جمع
كذا قال أبو اليسر رحمه الله, ولا يقال الحد المذكور ليس
بجامع; لأن النكرة المنفية ونحوها عامة كما نص عليه في هذا
الكتاب وسائر الكتب ولم يتناولها هذا الحد إذ هي ليست بلفظ
موضوع لانتظام جمع من المسميات بل عمومها ضروري كما عرف,
لأنا نقول الحدود لبيان الحقائق وعمومها مجازي لصدق حد
المجاز عليه, فإن رجلا في قوله ما رأيت رجلا لفظ أريد به
غير ما وضع له لعلاقة بين المحلين إذ الرجل وضع للفرد
وأريد به غير موضوعه, وهو العموم ههنا بقرينة النفي كما
أريد بالأسد الشجاع في قوله رأيت أسدا يرمي بقرينة الرمي
للعلاقة بينهما. وقد نص على مجازيته في شرح أصول الفقه
لابن الحاجب, وإذا كان كذلك لا يمنع عدم دخولها في الحد
صحته, على أنا إن سلمنا أن
ـــــــ
1 أخرجه البخاري في الشروط حديث رقم 2736 ومسلم في الذكر
والدعاء حديث رقم 2677 والترمذي في الدعوات حديث رقم 3508
وابن ماجه في الدعاء حديث رقم 3861 والإمام أحمد في المسند
2/258 عن أبي هريرة.
(1/54)
ونخلة عميمة أي
طويلة والقرابة إذا توسعت انتهت إلى صفة العمومة
ـــــــ
عمومها حقيقي لا يقدح ذلك في صحة الحد أيضا; لأن الحد
المذكور لبيان العام صيغة ولغة بدلالة مورد التقسيم لا
لمطلق العام, وعموم النكرة المنفية لم يثبت بالصيغة بل
بالضرورة والحد المذكور جامع مانع للعام الصيغي فيكون
صحيحا, ولو لم يشترط الوضع في اللفظ بأن أجري على إطلاقه
ولم يلتفت إلى مورد التقسيم لكان الحد متنا لا لها إذ هي
لفظ ينتظم جمعا من المسميات معنى فتبين بما ذكرنا أن الحد
جامع كما أنه مانع.
قوله: "ونخلة عميمة أي طويلة" قيل لما كانت أجزاؤها كثيرة
شملت الهواء أكثر من غيرها, وقيل إذا طالت تشعبت أكثر مما
إذا لم تطل, والقرابة إذا توسعت انتهت إلى صفة العمومية,
فأول درجات القرابة البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة
فبها تنتهي وتتوسع وليس بعدها قرابة أخرى إذ سائر القرابات
بعد هذه الأربعة فرع لهذه الأربعة; ولهذا انتهت المحرمية
التي هي من أحكام القرابة إلى العمومة ولم تتعد إلى
فروعها, ولم يتعرض الشيخ للخؤولة; لأن الأصل قرابة الأب إذ
النسب إلى الأباء, واعلم أن القاضي الإمام أبا زيد رحمه
الله عرف العام كما عرفه الشيخ لكنه فسر الأسماء
بالتسميات. كذا قال صاحب الميزان والانتظام لفظا أو معنى
بطريق آخر فقال: وأما العام فما ينتظم جمعا من الأسماء
لفظا أو معنى كقولك الشيء, فإنه اسم لكل موجود ولكل موجود
اسم على حدة والإنسان اسم عام في جنسه; لأن جنسه يشتمل على
أفراد ولكل فرد اسم على حدة, ونقول مطر عام إذا عم الأمكنة
فيكون عاما بمعناه, وهو الحلول بالأمكنة لا بأسماء يجمعها
المطر, فسياق كلامه هذا يشير إلى أن مراده من الأسماء
التسميات; لأن قوله ولكل موجود اسم على حدة ولكل فرد اسم
على حدة يدل عليه ويشير أيضا إلى أن الانتظام لفظا أن يشمل
اللفظ أسماء مختلفة كالشيء, فإنه يشمل الأرض والسماء والجن
والإنس وغيرها والانتظام معنى أن يحل المعنى محال كثيرة
فدخل المحال المختلفة تحت العموم بواسطة المعنى كمعنى
المطر لما حل محال كثيرة دخلت المحال تحت لفظ المطر دخول
الموجودات تحت لفظ الشيء لكن بواسطة معناه, وهو حلوله بها
لا بلفظه; لأنه لا دلالة له على المحال بخلاف الشيء, فإن
لفظه يدل على ما انتظمه. فالشيخ رحمه الله لما رأى أن
انتظام اللفظ لمدلولات الأسماء لا للأسماء وأن دخول المحال
تحت لفظ المطر بطريق الالتزام ولا مدخل له في التعريفات
فسر الأسماء بالمسميات والانتظام اللفظي والمعنوي بما ذكر
في الكتاب احترازا عما اختاره القاضي الإمام واختيارا
للأصوب ووافقه شمس الأئمة وصدر الإسلام أبو اليسر وغيرهما,
فالشيء والإنس والجن ونحوها عام لفظي في اختيار القاضي
الإمام وعام معنوي في اختيارهم.
(1/55)
وهو كالشيء اسم
عام يتناول كل موجود عندنا ولا يتناول المعدوم خلافا
للمعتزلة, وإن كان كل موجود ينفرد باسمه الخاص
ـــــــ
قوله: "وهو كالشيء" هذا من نظائر العام المعنوي والغرض من
إيراده بعدما أورد نظير المعنوي مرة أن يبين أنه عام معنوي
لا لفظي كما ظنه القاضي وأنه عام لا مشترك كما ذهب إليه
بعض المتكلمين من أهل السنة, فإنهم لما تمسكوا في مسألة
خلق الأفعال بعموم قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ} [الرعد: 16] وقالوا الشيء اسم عام يتناول كل موجود
فيدخل فيه الأعيان والأعراض اعترض الخصوم وقالوا قد خص منه
ذات الله تعالى وصفاته فلا يجوز الاحتجاج به بعد الخصوص
لخروجه عن كونه حجة أو لصيرورته ظنيا, فأجاب بعض المتكلمين
عن هذا الاعتراض بأنا لا نسلم أنه عام بل هو مشترك; لأنه
يتناول أفرادا مختلفة الحقائق ولئن اعتبر معنى الوجود;
فلذلك أيضا مختلف; لأنه يطلق على ذات الله تعالى, وهو واجب
الوجود وعلى غيره, وهو جائز الوجود والاختلاف بين الوجودين
أكثر من الاختلاف بين الشمس والينبوع والباصرة لجواز
المساواة بينهما في كثير من المعاني واستحالتها فيما نحن
فيه فإذا أريد به المحدث يمتنع دخول القديم تحته كما في
سائر الأسماء المشتركة. والعامة سلموا عمومه وقالوا: إنه
عام باعتبار مطلق الوجود, فإنه متحد واختلاف الحقائق لا
يمنع الدخول تحت أمر عام, فإن لفظ العرض يتناول الأضداد
وكذا لفظ اللون يتناول السواد والبياض بمعنى أعم منهما,
فلا يلزم منه الاشتراك, وهذا معنى قوله, وإن كان كل موجود
يتعرف باسمه الخاص, ولكن بعضهم منعوا التخصيص فيه, وقالوا
التخصيص إنما يجري فيما يوجب ظاهر الكلام دخول المخصوص فيه
لولا المخصص, وهذا الكلام لا يوجب دخول المخاطب فيه, فإن
من قال دخلت الدار وضربت جميع من فيها وأخرجتهم منها لا
يوجب ذلك دخوله في عموم كلامه ليصير ضاربا نفسه ومخرجا لها
فلا يعد هذا تخصيصا, وكذا في الأحكام إذا قال الرجل
لامرأته طلقي من نسائي من شئت وله أربع نسوة لا يدخل
المخاطبة في هذا الخطاب حتى لو طلقت نفسها لا يقع فكذا
هذا, وحاصل هذا الجواب أن دليل العقل لا يصلح مخصصا; لأن
التخصيص لإخراج ما يمكن دخوله تحت اللفظ, وخلاف المعقول لا
يمكن أن يتناوله اللفظ. ولأن التخصيص يكون متأخرا متصلا أو
منفصلا, وهذا سابق, وأكثرهم سلموا كونه مخصوصا; لأن دليل
العقل يصلح مخصصا عند عامة الفقهاء والمتكلمين لكنهم لم
يسلموا صيرورته ظنيا بمثل هذا التخصيص; لأن ذلك في تخصيص
يقبل التعليل أو التفسير كما ستعرف, فأما فيما لا يقبله
فلا ألا ترى أن العام بالاستثناء, وهو من دلائل التخصيص
عندهم كدليل العقل لا يخرج من القطع إلى الظن; لأنه
(1/56)
وذكر الجصاص
رحمه الله أن العام ما ينتظم جمعا من الأسماء أو المعاني
وقوله أو المعاني سهو منه أو مؤول لأن المعاني لا تتعدد
إلا عند اختلافها وتغايرها وعند اختلافها وتغايرها لا
ينتظمها لفظ واحد بل يحتمل كل واحد منها على الانفراد وهذا
يسمى مشتركا وقد ذكر بعد هذا أن
ـــــــ
لا يقبل التعليل, فكذا هذا, وقوله, وإن كان كل موجود يتعلق
بقوله يتناول كل موجود عندنا, وقوله ولا يتناول المعدوم
معترض بينهما وفيه احتراز عن مذهبهم, وقوله عندنا احتراز
عن القول بالاشتراك لا عن قول المعتزلة فافهم. قوله: "وهذا
سهو منه" أي قوله أو المعاني سهو منه, وفي ذكر السهو دون
الخطإ رعاية الأدب إذ لا عيب في السهو للإنسان والسهو ما
ينتبه صاحبه بأدنى تنبيه والخطأ ما لا يتنبه صاحبه أو
ينتبه بعد إتعاب كذا قال صاحب المفتاح1: ثم معنى قوله سهو
أو مؤول أنه لا يخلو من أن أراد من قوله جمعا من المعاني
تعددها حقيقة أو مجازا, فإن أراد الأول فلا يمكن تصحيح
كلامه; لأن تعدد المعاني حقيقة لا يكون بتعدد أفرادها في
الخارج بل بتعددها في الذهن, وذلك لا يكون إلا عند
اختلافها, فإنك إذا رأيت إنسانا وثبت في ذهنك معناه ثم
رأيت آخر وآخر لا يثبت معنى آخر في ذهنك. وإن كان إنسانية
زيد في الخارج غير إنسانية عمرو وخالد ولكن إذا رأيت أسدا
أو ذئبا أو فرسا أو غيرها يثبت معنى آخر في ذهنك غير الأول
فثبت أن تعدد المعاني إنما يكون عند اختلافهما, وحينئذ لا
يتناولها لفظ واحد على سبيل الشمول; لأن أفراد العام لا بد
من أن تكون متفقة, فإذا اختلفت المعاني اختلفت أفراد العام
فلا يدخل تحت لفظ واحد إلا بطريق البدل وذلك يسمى مشتركا
ولا عموم له عنده أيضا, ولا يلزم على هذا لفظ العرض أو
الأعراض بأنه يشمل المعاني المختلفة على سبيل الحقيقة; لأن
تناوله ليس لكونها معاني مختلفة في ذواتها بل لكون كل واحد
منها عرضا, وهذا معنى واحد ألا ترى أنه لا يتناول البياض
أو السواد أو الحركة أو السكون; لأنه سواد أو بياض أو حركة
أو سكون بل لكون كل واحد منها مستحيل البقاء فيكون كالشيء
يتناول كل موجود بمعنى الموجود لا غير, توضيحه أنه لم يوضع
بإزاء السواد أو البياض, فإنه لو فسر معناه بأنه السواد أو
البياض أو نحوه يخطئ لغة, وقوله اختلافها وتغايرها ترادف
ههنا, وإن كان الاختلاف في نفس الأمر أخص من التغاير
لاستلزامه التغاير من غير عكس, وإن أراد الثاني أمكن
تصحيحه; لأن المعنى الواحد يجوز أن يسمى معاني مجازا
لتعدده في الخارج بسبب تعلقه بالمحال المتعددة كالخصب
ـــــــ
1 صاحب المفتاح هو يوسف بن محمد سراج الدين الخوارزمي
السكاكي أبو يعقوب كان عالما بالنحو والتصريف والمعاني
والبيان والعروض...توفي سنة 626 هـ.
(1/57)
المشترك لا
عموم له فثبت أنه سهو أو مؤول وتأويله أن المعنى الواحد
لما تعدد محله يسمى معاني مجازا لاجتماع محاله لكن كان
ينبغي أن يقول والمعاني والصحيح أنه سهو.
ـــــــ
يوصف بالعموم مجازا لما ذكرنا, ولا بد للعام من معنى متحد
يشترك فيه أفراد العام ليصح شموله إياها به, وهو معنى
قولنا أفراد العام متفقة الحدود وذلك كلفظة مسلمون مثلا,
فإنه لا يتناول الأشخاص الداخلة تحتها إلا بمعنى الإسلام
ثم ذلك المعنى لما كان متعددا في الخارج, فإن إسلام زيد
غير إسلام عمرو. وإن كان متحدا حقيقة سماه معاني مجازا
فيصير ما ذكر على هذا التأويل موافقا لما ذكرنا في
التحقيق, ولكن كان ينبغي أن يقول: والمعاني بالواو التي هي
لمطلق الجمع ليصح هذا التأويل ويصير تقدير كلامه العام ما
يتناول جمعا من المسميات مع المعنى الذي به صارت متفقة,
ولكنه سماه معاني مجازا, وهذا هو تفسير العام عندنا أيضا,
قال شمس الأئمة رحمه الله وهكذا رأيت في بعض النسخ من
كتابه أي بالواو لكن قوله أو يأبى هذا التأويل; لأن أو
لأحد الشيئين والعام يشمل كليهما فلا يصح هذا التأويل إلا
أن يجعل أو بمعنى الواو, وفيه بعد; فلهذا قال: والصحيح أنه
سهو, هذا معنى كلام الشيخ رحمه الله وحاصله أنه لم يجوز أن
يشمل اللفظ معاني مختلفة لئلا يلزم القول بعموم المعاني
وجعل المعاني مجازا عن معنى واحد ولكن أخاه صدر الإسلام
أبا اليسر رحمه الله ذكر في أصول الفقه أن الجصاص بقوله أو
المعاني لم يرد عموم المعاني ولكن يحتمل أنه أراد بقوله من
الأسماء والمعاني ما ينتظم جمعا من الأعيان والأعراض, فإنه
إذا قال المسلمون عم المسلمين أجمع. وإذا قال الحركات عم
الحركات كلها, وهي المعاني فيجعل أبو اليسر المعاني على
حقيقته, وهذا أصح; لأنه يجوز أن يتناول اللفظ الواحد معاني
مختلفة بمعنى أعم منها كما في قولنا المعاني والعلوم
والأعراض ونحوها, فإن كلا منها عام على الحقيقة لكونه
موضوعا لجمع من مدلولاته ولكن بمعنى متحد يشمل الكل, وهو
مطلق المعنى والعلم والعرض كما أشرنا إليه ألا ترى أن
الشيء يتناول المعاني المختلفة بمعنى الموجود كما يتناول
الأعيان فيجوز أن يتناول لفظ آخر معاني مختلفة بمعنى
يشملها فعلى هذا يكون العام قسمين: ما يتناول الأعيان
بمعنى واحد وما يتناول المعاني بمعنى يعمها فيصح قوله أو
المعاني ويكون حده متعرضا للقسمين فيكون جامعا ولا يتعرض
حد المصنف إلا لقسم واحد فلا يكون جامعا إلا أن يكون
المراد من المسمى مفهوم اللفظ فحينئذ يتناولها, وعن هذا
قيل في تحديد العام هو لفظ ينتظم جمعا من المفهومات
بالوضع, ولكن طعنه على أبي بكر الجصاص يأبى هذا الحمل
فافهم.
(1/58)
....................................................
ولا يلزم مما ذكرنا القول بعموم المعاني; لأن العموم وصف
للمشتمل لا للمشتمل عليه إذ العام نعت فاعل كما في قولنا
الرجال, فإنه هو الموصوف بالعموم لا الأفراد الداخلة تحته
وههنا الشامل هو اللفظ سواء اشتمل على أعيان أو على معان
فيجوز وصفه بالعموم بالاتفاق, فأما المعنى إذا شمل أشياء
من غير أن يدل لفظه على الشمول كمعنى المطر أو الخصب إذا
شمل الأمكنة والبلاد, فهذا هو محل الاختلاف فعند العامة لا
يوصف بالعموم إلا مجازا, وعند البعض يوصف به حقيقة, وما
نحن فيه ليس من ذلك الباب في شيء, ولا يقال حده ليس بمانع;
لأن قوله ما ينتظم يتناول المعنى كما يتناول اللفظ,
والمعنى لا يوصف بالعموم حقيقة; ولهذا تعرض المصنف للفظ
فقال كل لفظ; لأنا نقول يجوز عنده وصف المعنى بالعموم
حقيقة, فإنه ذكر أن إطلاق لفظه بالعموم حقيقة في المعاني
كما هو في الألفاظ يقال عمهم الخصب باعتبار المعنى من غير
أن يكون هذا عاما كذا ذكر شمس الأئمة. رحمه الله.
(1/59)
|