كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ط العلمية

"تعريف الخاص"
أما الخاص فكل لفظ وضع لمعنى واحد على الانفراد وانقطاع المشاركة وكل اسم وضع لمسمى معلوم على الانفراد, وهو مأخوذ من قولهم
ـــــــ
قوله: "أما الخاص إلى آخره" فقوله كل لفظ عام يتناول جميع المستعملات والمهملات وما يكون دلالته بالطبع كأخ على الوجع وأح على السعال, وهو جار مجرى الجنس بالنسبة إلى ما ذكرنا, فبقوله وضع لمعنى, خرج غير المستعملات عن الحد, والمراد بالوضع, وهو تخصيص اللفظ بإزاء المعنى أو تعيين اللفظة بإزاء معنى بنفسها لازمته, وهي الدلالة على المعنى الناشئة من جهة الوضع فيدخل فيه الحقيقة والمجاز, وبقوله واحد خرج, المشترك; لأنه موضوع لأكثر من واحد على سبيل البدل وخرج المطلق أيضا على قول من لم يجعل المطلق خاصا ولا عاما, وهو قول بعض مشايخنا وبعض أصحاب الشافعي رحمهم الله لأن المطلق ليس بمتعرض للوحدة ولا للكثرة; لأنهما من الصفات, وهو متعرض للذات دون الصفات, وبقوله على الانفراد, خرج العام, فإنه وضع لمعنى واحد شامل للأفراد إذ المراد من قوله على الانفراد كون اللفظ متناولا لمعنى واحد من حيث إنه واحد مع قطع النظر عن أن يكون له في الخارج أفراد أو لم تكن, وقوله وانقطاع المشاركة, تأكيد للانفراد وبيان للازمه وبينهما نوع تغاير; لأن الانفراد بالنظر إلى ذاته وانقطاع المشاركة بالنظر إلى غيره. ولو قيل المراد بالوضع حقيقته, وهو الوضع الأول لكان أحسن; لأن الحقيقة أو المجاز إنما يثبت بالإرادة لا بأصل الوضع والخصوص والعموم إنما يثبت كل واحد منهما بالنظر إلى أصل الوضع فلا يكون الحقيقة أو المجاز داخلا فيه بهذا الاعتبار بل إنما يصير الخاص أو العام حقيقة أو مجازا إذا انضم إليه إرادة موضوعه أو غير موضوعه ألا ترى أن المشترك الذي هو من هذا القسم إنما يكون مشتركا إذا اعتبر مجردا عن الإرادة, فإنه إذا انضم إليه إرادة لم يبق مشتركا; لأن إرادة الجميع لا يصح وبإرادة البعض لم يبق الاشتراك ولكن الاشتراك بالنظر إلى الوضع وصلاحية اللفظ لكل واحد على السواء, ولا يلزم عليه المؤول, فإنه مع انضمام الإرادة إليه من هذا القبيل; لأن الإرادة لم يثبت يقينا فلم تخرجه من الاشتراك مطلقا بخلاف المفسر, فإن قيل إن كان المراد من الوضع الأول فلا حاجة إلى الاحتراز عن المشترك; لأنه عارض لم يكن

(1/49)


اختص فلان بكذا أي انفرد به وفلان خاص فلان أي منفرد به والخاصة اسم للحاجة الموجبة للانفراد عن المال وعن أسباب نيل المال فصار الخصوص عبارة عما يوجب الانفراد ويقطع الشركة
ـــــــ
في الوضع الأول. وإن كان مطلق الوضع فقد حصل الاحتراز عنه بقوله لمعنى; لأنه صيغة فرد كرجل فلا يدل على أكثر من معنى واحد كما لا يدل رجل على أكثر من مسمى واحد, قلنا المعنى في الأصل مصدر يقال عنى يعني عناية ومعنى وإن كان بمعنى المفعول ههنا فيجوز أن يراد به المأخوذ من جهة واحدة ومن جهتين فصاعدا; لأن المصدر جنس قال الله تعالى: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:14] وزوال معنى المصدرية بإرادة المفعول لا يمنع ما ذكرنا, فإن رتقا في قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً} [الانبياء: 30] لم يثن, وإن كان بمعنى مرتوقتين لبقاء صيغة المصدر فلما كان كذلك وجب تأكيده بالواحد.
قوله: "وكل اسم" إنما ذكر الاسم ههنا دون اللفظ; لأن ما يدل على المشخص المعين, وهو المراد من المسمى المعلوم لا يكون إلا اسما بخلاف القسم الأول; لأن الدلالة على المعنى تحصل بالأفعال والحروف أيضا, وقوله على الانفراد هنا احتراز عن المشترك بين المشخصات; لأنه بالنسبة إلى كل واحد اسم وضع لمسمى معلوم, ولكن لا على الانفراد ثم المراد بالمعنى في قوله وضع لمعنى إن كان مدلول اللفظ يدخل فيه المشخصات وغيرها فيكون الحد تاما متناولا خصوص الجنس والنوع والعين ويكون إفراد خصوص العين بالذكر لقوة المغايرة بينه وبين غيره إذ لا شركة في مفهومه أصلا بخلاف غيره من أنواع الخصوص, وهذا كتخصيص أولي العلم بالذكر في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] بعد دخولهم في قوله {الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 11] لقوة التفاوت بينهم وبين عامة المؤمنين في الدرجة والشرف وكتخصيص جبريل وميكائيل بالذكر في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] بعد دخولهما في عموم قوله وملائكته لقوة منزلتهما وشرفهما عند الله تعالى, وإن كان المراد منه ما هو كالعلم والجهل, وهو الظاهر يكون هذا تعريفا لقسمي الخاص الاعتباري والحقيقي لا تعريف الخاص من حيث هو خاص, وقيل تعريفه على هذا الوجه قوله فصار الخصوص عبارة عما يوجب الانفراد, ويؤيده ما ذكره صدر الإسلام أبو اليسر الخاص اسم لفرد كالرجل والمرأة. والغرض من تحديد كل قسم بحد على حدة بيان أن الخصوص يجري في المعاني والمسميات جميعا بخلاف العموم, فإنه لا يجري إلا في المسميات فيكون في هذا

(1/50)


فإذا أريد خصوص الجنس قيل إنسان; لأنه خاص من بين سائر الأجناس, وإذا أريد خصوص النوع قيل رجل, وإذا أريد خصوص العين قيل زيد وعمرو فهذا بيان اللغة والمعنى.
ـــــــ
تحقيق لنفي العموم عن المعاني; ولهذا ذكر في حد المشترك, وهو ما اشترك فيه معان أو أسام ليكون إشارة إلى أن الاشتراك يجري في القسمين كالخصوص بخلاف العموم, ثم ذكر ههنا لمعنى واحد وذكر شمس الأئمة1 رحمه الله لمعنى معلوم مكان واحد فعلى ما ذكر هنا يكون المجمل داخلا فيه; لأن اللفظ خاص سواء كان معلوما أو مجهولا; لأن خصوصية اللفظ بالنسبة إلى الواقع لا بالنسبة إلى القائل والسامع فلا يشترط فيه العلم, وعلى ما ذكر شمس الأئمة رحمه الله لا يدخل, وهو الأصح; لأن الشيخين اتفقا في بيان حكم الخاص أنه لا يحتمل التصرف فيه بيانا; لأنه بين بنفسه والمجمل لا يعرف إلا بالبيان فيكون خلاف الخاص, ويمكن أن يقال المجمل لا يدخل في الحد على ما ذكره المصنف أيضا; لأنه لما تعرض للوحدة بقوله واحد والمجمل لا يعرف وحدة مفهومه وكثرته فلا يمكن الحكم عليه بالوحدة كما لا يمكن بالكثرة فلا يدخل وبعد لحوق البيان به ومعرفة وحدة معناه لم يبق مجملا فيدخل. قوله: "فإذا أريد خصوص الجنس قيل إنسان" الجنس أعلى من النوع اصطلاحا, وتسمية الإنسان جنسا والرجل نوعا على لسان أهل الشرع واصطلاحهم; لأنهم لا يعتبرون التفاوت بين الذاتي والعرضي الذي اعتبره الفلاسفة ولا يلتفتون إلى اصطلاحاتهم ولهذا لم يذكروا حدودهم في تصانيفهم, وإنما يذكرون تعريفات توقف بها على معنى اللفظ ويحصل بها التمييز تركا منهم للتكلف واحترازا عما لا يعنيهم لحصول مقصودهم دونها, قال السيد الإمام ناصر الدين السمرقندي2 رحمه الله في أصول الفقه هذا كتاب فقهي لا نشتغل فيه بصنعة التحديد في كل لفظ بل نذكر ما يعرف معانيها ويدل على حقائقها وأسرارها بالكشوف والرسوم. وقال فيه في موضع آخر ونحن لا نذكر الحدود المنطقية, وإنما نذكر رسوما شرعية يوقف بها على معنى اللفظ كما هو اللائق بالفقه, وإذا كان كذلك لم يلتفتوا إلى استبعادهم ذكر كلمة كل في الحدود بأنها لإحاطة الأفراد والتعريف للحقيقة لا للأفراد ولا إلى استنكارهم كون الرجل نوعا للإنسان بأن الإنسان نوع الأنواع إذ ليس بعده نوع عندهم
ـــــــ
1 هو شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الفقيه الحنفي والأصولي النظار توفي سنة 483 هـ/ 1090 م وقيل 490 هـ.
2 هو ناصر الدين محمد بن يوسف أبو القاسم السمرقندي الفقيه الحنفي المتوفى سنة 556 هـ/ 1161 م.

(1/51)


.........................................................
فحكموا تارة على الرجل والمرأة باختلاف الجنس نظرا إلى فحش التفاوت بينهما في المقاصد والأحكام فقالوا لو اشترى عبدا فظهر أنه أمة لا ينعقد البيع بخلاف البهائم مع أن اختلاف النوع لا يمنع الانعقاد وحكموا تارة بكونهما نوعي الإنسان نظرا إلى اشتراكهما في الإنسانية واختلافهما في الذكورة والأنوثة, فهذا بيان اللغة والمعنى أي ما ذكرنا بيان معنى الخاص لغة وبيان معناه في اصطلاح الأصوليين فأما بيان ترتيبه وحكمه فسيأتي.

(1/52)