كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ط العلمية "تعريف
المفسر"1
وأما المفسر فما ازداد وضوحا على النص سواء كان بمعنى في
النص أو بغيره بأن كان مجملا فلحقه بيان قاطع فانسد به
التأويل أو كان عاما فلحقه ما انسد به باب التخصيص مأخوذا
مما ذكرنا وذلك مثل قوله تعالى: {فَسَجَدَ
ـــــــ
قوله: "وأما المفسر فما ازداد" أي فكلام ازداد وضوحا على
النص; لأن احتمال التأويل منقطع فيه بخلاف النص, فإن
احتماله قائم فيه, سواء كان ذلك الوضوح بسبب معنى في النص,
بأن كان أي النص مجملا, وهو تسامح في العبارة لأن النص لا
يكون مجملا بالنسبة إلى معنى واحد, وإنما أراد به اللفظ أو
الكلام ههنا. وقوله بأن كان مجملا بدل من قوله بمعنى في
النص بتكرير العامل, فلحقه بيان قاطع احتراز عما ليس بقاطع
ثبوتا أو دلالة حتى لا يصير المجمل مفسرا بخبر الواحد, وإن
كان قطعي الدلالة ولا ببيان فيه احتمال, وإن كان قطعي
الثبوت بل هو بعد في حيز التأويل, وإن كان خرج عن حيز
الإجمال, ولهذا قال فانسد به باب التأويل نتيجة لقوله بيان
قاطع أي بيان قاطع لا يحتمل الكلام التأويل بعد لحوقه به,
وإن كان النص أي اللفظ عاما, وهو بيان لقوله بغيره على
طريقة اللف والنشر ومن حقه أن يعاد حرف الجر ويقال بأن كان
عاما إلا أن الشيخ لم يلتفت إلى ذلك نظرا إلى حصول فهم
المعنى بدونه.
وحاصله أن البيان كما يلتحق بالكلام للتفسير يلتحق به
للتأكيد والتقرير وبيان التفسير سببه معنى في نفس الكلام
وهو الإجمال أما بيان التقرير فسببه إرادة المتكلم لا معنى
في الكلام; لأنه ظاهر في إفادة معناه لا يحتاج فيه إلى
بيان ولكنه يحتمل أن يراد به غير ظاهره وذلك إنما يثبت
بإرادة المتكلم فالتحاق البيان به يقطع ذلك الاحتمال, وقيل
معنى قوله بمعنى في النص أن البيان يكون متصلا به كما في
قوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ
مَنُوعاً} [المعارج: 19, 21], فسر الهلوع الذي كان مجملا
ببيان متصل به. سئل أحمد بن يحيى ما الهلع فقال قد فسره
ـــــــ
1 عرفه الشاشي بأنه ما ظهر المراد به من اللفظ ببيان من
قبل المتكلم بحيث لا يبقى معه احتمال التأويل والتخصيص ص
76.
(1/77)
الْمَلائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر:30] فإن الملائكة جمع عام
محتمل للتخصيص فانسد باب التخصيص بذكر الكل وذكر الكل
احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله أجمعون فصار مفسرا وحكمه
الإيجاب قطعا بلا احتمال تخصيص ولا تأويل إلا أنه يحتمل
النسخ والتبديل.
ـــــــ
الله ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر
أظهر شدة الجزع, وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس وكما في
النظير المذكور في الكتاب, ومعنى قوله بغيره أن لا يكون
بيانه متصلا به بل ثبت ذلك بكلام آخر كالصلاة والزكاة ثبت
تفسيرهما بأقوال النبي وأفعاله لا ببيان متصل به فالمثال
المذكور في الكتاب على التفسير الأول من القسم الثاني وعلى
التفسير الثاني من القسم الأول والصلاة والزكاة على العكس
من ذلك والهلوع على التفسيرين من القسم الأول.
قوله: "جمع" أي صيغة, عام أي معنى, وإنما ذكرهما; لأن صيغة
الجمع قد يسلب عنها معنى العموم بدخول اللازم كما في قوله
لا أتزوج النساء وقد يذكر ويراد به الواحد مجازا كما في
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ}
[آل عمران: 42] قيل المراد جبريل عليه السلام, ويصلح هذا
المثال نظيرا للأقسام الأربعة; لأن قوله تعالى فسجد
الملائكة ظاهر في سجود الملائكة وبقوله كلهم ازداد وضوحا
على الأول فصار نصا وبقوله أجمعون انقطع الاحتمال بالكلية
فصار مفسرا, وهو إخبار لا يقبل النسخ فيكون محكما, وحكمه
الإيجاب قطعا, وهذا لا خلاف فيه لأحد من أهل العلم "قوله
بلا احتمال تخصيص ولا تأويل" إشارة إلى رجحانه على النص
قال المصنف: رحمه الله في شرح التقويم1 وحكمه اعتقادا ما
في النص وأنه لا يحتمل التأويل فيكون أولى من النص عند
المقابلة. قال شمس الأئمة: رحمه الله مثاله ما قال علماؤنا
فيمن تزوج امرأة شهرا يكون ذلك متعة لا نكاحا; لأن قوله
تزوجت نص للنكاح ولكن احتمال المتعة فيه قائم. وقوله شهرا
مفسر في المتعة ليس فيه احتمال النكاح, فإن النكاح لا
يحتمل التوقيت بحال فإذا اجتمعا رجحنا المفسر وحملنا النص
على ذلك المفسر فكان متعة لا نكاحا وذكر غيره نظير التعارض
بينهما قوله عليه السلام: "المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" مع
قوله صلى الله عليه وسلم: "المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة"
قال; لأن الأول مسوق في مفهومه فكان نصا ولكنه يحتمل
التأويل إذا اللام يستعار للوقت
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود في الطهارة حديث رقم 297 وأخرجه الترمذي
في الطهارة حديث رقم 126 وأخرجه ابن ماجه في الطهارة حديث
رقم 625.
(1/78)
.....................................................
والثاني لا يحتمله فيكون مفسرا فيرجح ويحمل الأول عليه
ولكن الأولى أن يجعل هذا نظير تعارض الظاهر مع النص أو
المفسر لما بينا أن الاعتبار لازدياد الوضوح لا للسوق, إلا
أنه أي المفسر يحتمل النسخ أي في نفس الأمر لا هذا المثال,
فإنه من الإخبارات والخبر لا يحتمل النسخ ونعني به المعنى
القائم باللفظ; لأنه يؤدي حينئذ إلى الكذب أو الغلط, وهو
محال على الله تعالى. فأما اللفظ فيجوز أن يجري فيه النسخ,
وإن كان معناه محكما, فإنه يجوز أن لا يتعلق بهذا النظم
جواز الصلاة وحرمة القراءة للجنب, وهو المراد من نسخ اللفظ
وكذا يحتمل الاستثناء, فإن إبليس استثني من قوله تعالى:
{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} [الحجر: 30] لكن الشيخ لم يذكره;
لأن هذا الاحتمال ينقطع بعد تمام الكلام; لأن الاستثناء لا
يصح متراخيا فأما احتمال النسخ فباق; لأنه لا يثبت إلا
متراخيا
(1/79)
|