كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ط العلمية

"باب بيان أقسام السنة"
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه اعلم أن سنة النبي عليه السلام جامعة للأمر والنهي والخاص والعام وسائر الأقسام التي سبق ذكرها, وكانت السنة فرعا للكتاب في بيان تلك الأقسام بأحكامها فلا نعيدها, وإنما هذا الباب لبيان وجوه الاتصال وما يتصل بها فيما يفارق الكتاب وتختص السنن به وذلك أربعة أقسام قسم في كيفية الاتصال بنا من رسول الله عليه السلام, وقسم في الانقطاع,
ـــــــ
"باب بيان أقسام السنة"
إنما اختار لفظ السنة دون لفظ الخبر كما ذكر غيره; لأن لفظ السنة شامل لقول الرسول, وفعله عليه السلام, ومنطلق على طريقة الرسول والصحابة على ما مر بيانه والشيخ قد ألحق بآخر هذا القسم بيان أفعال النبي عليه السلام, وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم فاختار لفظة تشمل الكل.
ثم السنة والمراد بها قول الرسول هاهنا تشارك الكتاب في الأقسام المذكورة من الخاص إلى المقتضى; لأن قوله عليه السلام حجة مثل الكتاب, وهو كلام مستجمع لوجوه الفصاحة والبلاغة فيجري فيه هذه الأقسام أيضا ويكون بيانها في الكتاب بيانا فيها; لأنها فرع الكتاب في كونها حجة. وتفارقه في طرق الاتصال إلينا فإن الكتاب ليس له إلا طريق واحد, وهو التواتر وللسنة طرق مختلفة كما ستقف عليها فهذا الباب, وهو الذي شرع فيه إلى باب المعارضة لبيان تلك الطرق, وما يتعلق بها., وقوله ويختص السنن به تأكيد, ولا يقال التواتر لا يختص بالسنن بل هو موجود في الكتاب فكيف يصح إيراده هاهنا; لأنا نقول اختلاف الطرق مختص بالسنن والتواتر داخل في الطرق فيصح إيراده., ولما كان هذا القسم كلاما في أخبار لا بد من بيان حقيقة الخبر, وأقسامه.
فنقول: الخبر يطلق على قول مخصوص من الأقوال ويطلق على الإشارات الحالية والدلالات المعنوية كما يقال أخبرتني عيناك. ومنه قول أبي الطيب:
وكم لظلام الليل عندي من يد ... تخبر أن المانوية تكذب
ولكنه حقيقة في الأول لتبادر الفهم إليه عند إطلاق لفظ الخبر دون الثاني, واختلفوا

(2/520)


وقسم في بيان محل الخبر الذي جعل حجة فيه وقسم في بيان نفس الخبر فأما الاتصال برسول الله عليه السلام فعلى مراتب اتصال كامل بلا شبهة واتصال فيه ضرب شبهة صورة, واتصال فيه شبهة صورة, ومعنى أما المرتبة الأولى فهو المتواتر.وهذا
ـــــــ
في تحديده فقيل إنه لا يحد; لأنه ضروري التصور إذ كل واحد يعلم بالضرورة الموضع الذي يحسن فيه الخبر ويفرق بينه وبين الموضع الذي يحسن فيه الأمر, ولولا أن هذه الحقائق متصورة ضرورة لما كان كذلك. ورد بأن العلم الضروري بالتفرقة بين ما يحسن فيه الأمر, وما يحسن فيه الخبر بعد معرفتهما أما قبل ذلك فغير مسلم, وقيل هو الكلام الذي يدخل فيه الصدق والكذب, وقيل يدخله التصديق والتكذيب, وقيل يحتمل الصدق والكذب.
واعترض على هذه الحدود بأن خبر الله تعالى وخبر رسوله لا يدخلهما الكذب, ولا التكذيب, ولا يحتملان الكذب أيضا فلا تكون جامعة; ولأن صاحب الحد الأول, وهو الجبائي, ومن تابعه عرف الصدق بأنه الخبر الموافق لمخبره والكذب نقيضه فكان تعريفه الخبر بالصدق والكذب دورا. وقيل هو كلام يفيد بنفسه إضافة مذكور إلى مذكور بالنفي أو بالإثبات. واعترض عليه بأنه ليس بمانع لدخول نحو قولك الغلام الذي لزيد أو ليس لزيد فيه; لأنه كلام عند صاحب هذا الحد, وهو أبو الحسين البصري إذ الكلمة عنده كلام. ومختار بعض المتأخرين أن الخبر هو ما تركب من أمرين حكم فيه بنسبة أحدهما إلى الآخر نسبة خارجية يحسن السكوت عليها. وإنما قال أمرين دون كلمتين أو لفظين ليشمل الخبر النفساني., وقال حكم فيه بنسبة ليخرج ما تركب من غير نسبة. وقال يحسن السكوت عليها ليخرج المركبات التقييدية, وقيد النسبة بالخارجية ليخرج الأمر ونحوه إذ المراد بالخارجية أن يكون لتلك النسبة أمر خارجي بحيث يحكم بصدقها إن طابقته وبكذبها إن خالفته, وليس للأمر ونحوه ذلك.
ثم إنه ينقسم أقساما ثلاثة
خبر يعلم صدقه بيقين مثل خبر الرسول والخبر الموافق للكتاب, ونحو ذلك وخبر يعلم كذبه بيقين ما بضرورة العقل أو نظره أو الحس والمشاهدة كمن أخبر عن الجمع بين الضدين أو أخبر بما يحس بخلافه أو أخبر بما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة ونحو ذلك.
وخبر يحتمل الصدق والكذب, وهو على مراتب ما ترجح جانب صدقه كخبر العدل, وما ترجح جانب كذبه كخبر الفاسق, وما استوى طرفاه كخبر المجهول.

(2/521)