مختصر التحرير شرح الكوكب المنير
فصل في الحقيقة والمجاز
...
"فَصْلٌ" "الْحَقِيقَةُ" فَعِيلَةٌ مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ
إنْ كَانَ بِمَعْنَى الثَّابِتِ، فَهِيَ1 اسْمُ فَاعِلٍ،
وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُثْبَتِ، فَهِيَ2 اسْمُ
مَفْعُولٍ.
وَهِيَ 3 أَقْسَامٌ: "لُغَوِيَّةٌ" أَيْ مَنْسُوبَةٌ إلَى
اللُّغَةِ "وَهِيَ" مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَى
اللُّغَةِ 3، "قَوْلٌ" أَيْ لَفْظٌ غَيْرُ مُهْمَلٍ
"مُسْتَعْمَلٌ" لأَنَّهُ قَبْلَ الاسْتِعْمَالِ لا
حَقِيقَةَ وَلا مَجَازَ "فِي وَضْعٍ4 أَوَّلٍ" مُخْرِجٍ
لِلْمَجَازِ؛ لأَنَّهُ بِوَضْعِ ثَانٍ، وَدَخَلَ فِيهِ
أَسْمَاءُ الأَجْنَاسِ5.
"6وَهِيَ" أَقْسَامٌ:
الأَوَّلُ7: "لُغَوِيَّةٌ" أَيْ مَنْسُوبَةٌ إلَى
اللُّغَةِ. "وَهِيَ" مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا -
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُرْفِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ-
"الأَصْلُ" أَيْ الأَسْبَقُ 6 "كَأَسَدٍ" وَأَعْلامُهَا
كَأُسَامَةَ8.
ـــــــ
1 في ب: فهو.
2 في ب: فهو.
3 ساقطة من ش، وفي ب: وهي أقسام "لغلوية" أي منسوبة إلى
اللغة.
4 في ش: موضع.
5 انظر تفصيل الكلام على الحقيقة وأقسامها في "شرح تنقيح
الفصول ص42 وما بعددها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 200 وما
بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 138 وما بعدها، المزهر 1/
355 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 26 وما بعدها، إرشاد
الفحول ص21، روضة الناظر وشرحها لبدران 2/ 8 وما بعدها،
المعتمد للبصري 1/ 16 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 203،
الطراز 1/ 46-59، الصاحبي ص196، مقدمة التفسير للراغب
الأصبهاني ص589".
6 ساقطة من ز.
7 في ض: الفسم الأول. وكلمة "الأول" ساقطة من ب.
8 في ش: كأسد.
(1/149)
"وَ" الْقِسْمُ
الثَّانِي: حَقِيقَةٌ "عُرْفِيَّةٌ" وَهِيَ "مَا" أَيُّ
قَوْلٍ "خُصَّ عُرْفًا" أَيْ فِي الْعُرْفِ "بِبَعْضِ
مُسَمَّيَاتِهِ" وَإِنْ كَانَ وَضْعُهَا لِلْجَمِيعِ
حَقِيقَةً.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ إمَّا
أَنْ تَكُونَ عَامَّةً، وَهِيَ أَنْ لا يَخْتَصَّ
تَخْصِيصُهَا بِطَائِفَةٍ دُونَ أُخْرَى "كَدَابَّةٍ"
فَإِنَّ وَضْعَهَا بِأَصْلِ اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ
عَلَى الأَرْضِ مِنْ ذِي حَافِرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ هُجِرَ
الْوَضْعُ الأَوَّلُ، وَصَارَتْ فِي الْعُرْفِ حَقِيقَةً
"لِلْفَرَسِ" وَلِكُلِّ ذَاتِ حَافِرٍ.
وَكَذَا مَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ
اللُّغَوِيِّ، كَالْغَائِطِ وَالْعَذِرَةِ وَالرَّاوِيَةِ،
فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْغَائِطِ1: الْمُطْمَئِنُّ مِنْ
الأَرْضِ، وَالْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ،
وَالرَّاوِيَةُ: الْجَمَلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ
الْمَاءُ.
"أَوْ" تَكُونُ "خَاصَّةً" وَهِيَ مَا خَصَّتْهُ كُلُّ
طَائِفَةٍ مِنْ2 الأَسْمَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ
مُصْطَلَحَاتِهِمْ، كَمُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ، وَفَاعِلٍ
وَمَفْعُولٍ. وَنَعْتٍ وَتَوْكِيدٍ فِي اصْطِلاحِ
النُّحَاةِ، وَنَقْضٍ وَكَسْرٍ وَقَلْبٍ فِي اصْطِلاحِ
الأُصُولِيِّينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اصْطَلَحَ
عَلَيْهِ أَرْبَابُ كُلِّ فَنٍّ.
"وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ "شَرْعِيَّةٌ
وَاقِعَةٌ مَنْقُولَةٌ" وَهِيَ "مَا اسْتَعْمَلَهُ3
الشَّرْعُ كَصَلاةٍ، لِلأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَ"
اسْتِعْمَالُ "إيمَانٍ لِعَقْدٍ بِالْجَنَانِ، وَنُطْقٍ
بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالأَرْكَانِ، فَدَخَلَ كُلُّ
الطَّاعَاتِ".
"وَهُمَا" أَيْ الصَّلاةُ وَالإِيمَانُ "لُغَةً" أَيْ فِي
اللُّغَةِ: "الدُّعَاءُ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا غَابَ"
يَعْنِي أَنَّ الصَّلاةَ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ،
وَالإِيمَانُ "فِي اللُّغَةِ"4: التَّصْدِيقُ بِمَا غَابَ.
ـــــــ
1 في ش: العذرة.
2 ساقطة من ز.
3 في ش: يستعمله.
4 ساقطة من ض.
(1/150)
وَيَجُوزُ
الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ، - أَيْ فِي الإِيمَانِ- بِأَنْ
تَقُولَ: "أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ". نَصَّ عَلَى
ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ1 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ2.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ وَلا يَقْطَعُ
لِنَفْسِهِ.
وَمَنَعَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ3 وَأَصْحَابُهُ
وَالأَكْثَرُ؛ لأَنَّ التَّصْدِيقَ مَعْلُومٌ4 لا
يُتَرَدَّدُ فِيهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ، وَمَنْ تَرَدَّدْ
فِي تَحَقُّقِهِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لِلشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ فَالأَوْلَى أَنْ
يَقُولَ: "أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا"، دَفْعًا لِلإِيهَامِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ بِوُجُوهِ:
ـــــــ
1 هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب،
أحد السابقين إلى الإسلام، والمهاجرين إلى الحبشة
والمدينة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً
والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وشهد له الرسول عليه
الصلاة والسلام بالجنة. توفي سنة 32هـ. "انظر ترجمته في
الإصابة 2/ 368 وما بعدها، الاستيعاب 2/ 326 وما بعدها،
تهذيب الأسماء واللغات 1/ 288 وما بعدها".
2 انظر كتاب السنة للأمام أحمد ص72-85، الإيمان لابن تيمية
ص374، الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلاّم ص67 وما بعدها،
فتاوى السبكي 1/ 63 وما بعدها، وقد حكى ابن تيمية عن
الإمام أحمد أنه سئل، هل تقول: نحن المؤمنون؟ فقال: نقول
نحن المسلمون، ثم عقب التقي على ذلك بقوله: "ومع هذا فلم
ينكر على من ترك الاستثناء إذا لم يكن قصده قصد المرجئة أن
الإيمان مجرد القول، بل تركه لما يعلم أن في قلبه إيماناً،
وإن كان لا يجزم بكمال إيمانه". "انظر الإيمان لابن تيمية
ص383".
3 هو النعمان بن ثابت بن زوطى من ماه مولى تيم الله بن
ثعلبة، الإمام الفقيه والمجتهد الكبير، وصاحب الفضائل
الكثيرة. قال ابن المبارك "ما رأيت في الفقه مثل أبي
حنيفة, وما رأيت أروع منه". ولد سنة 80هـ، وتوفي ببغداد
سنة 150هـ. "انظر ترجمته في الطبقات السنية 1/ 86-195،
تهذيب الأسماء واللغات 2/ 216 وما بعدها، وفيات الأعيان 5/
39 وما بعدها، شذرات الذهب 1/ 227 وما بعدها".
4 ساقطة من ش.
(1/151)
أَحَدُهَا:
أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لِلتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَالتَّأَدُّبِ بِإِحَالَةِ الأُمُورِ إلَى
مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبَرِّي مِنْ
تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالإِعْجَابِ بِحَالِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ التَّصْدِيقَ الإِيمَانِيَّ الْمَنُوطَ
بِهِ النَّجَاةُ: أَمْرٌ قَلْبِيٌّ خَفِيٌّ، لَهُ
مُعَارَضَاتٌ خَفِيَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْهَوَى
وَالشَّيْطَانِ وَالْخِذْلانِ. فَالْمَرْءُ - وَإِنْ كَانَ
جَازِمًا بِحُصُولِهِ- لَكِنَّهُ1 لا يَأْمَنُ أَنْ
يَشُوبَهُ شَيْءٌ مِنْ مُنَافِيَاتِ النَّجَاةِ، وَلا
سِيَّمَا عِنْدَ2 تَفَاصِيلِ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي
الصَّعْبَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْهَوَى وَالْمُسْتَلَذَّات
مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُ بِذَلِكَ. فَلِذَلِكَ يُفَوِّضُ
حُصُولَهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثُ: أَنَّ الإِيمَانَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ
قَطْعًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ، لَكِنَّ3 الإِيمَانَ
الَّذِي 4 هُوَ عَلَمُ 4 الْفَوْزِ وَآيَةُ النَّجَاةِ:
إيمَانُ الْمُوَافَاةِ5.
فَاعْتَنَى السَّلَفُ بِهِ وَقَرَنُوهُ بِالْمَشِيئَةِ،
وَلَمْ يَقْصِدُوا الشَّكَّ فِي الإِيمَانِ النَّاجِزِ6.
وَأَمَّا الإِسْلامُ: فَلا يَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ
بِأَنْ يَقُولَ: "أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، بَلْ
يَجْزِمُ بِهِ. قَالَهُ 7 ابْنُ حَمْدَانَ 7 فِي
"نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ" وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ
شَرَطْنَا فِيهِ الْعَمَلَ.
ـــــــ
1 في ض ب ز: لكن.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: لأن.
4 في ش: على.
5 أي أن من وافى ربه على الإيمان فهو مؤمن، ومن وافاه بغير
الإيمان الذي أظهره في الدنيا عُلِمَ في عاقبته أنه لم يكن
قط مؤمناً. "انظر الإيمان لابن تيمية ص367، أصول الدين
للبغدادي ص253، فتاوى السبكي 1/ 66".
6 انظر تفصيل الكلام على الاستثناء في الإيمان في "فتاوى
السبكي 1/ 63-73، أصول الدين للبغدادي ص253، السنة للإمام
أحمد ص72-85، الإيمان لابن تيمية ص366-393".
7 في ش: الإمام أحمد.
(1/152)
"وَقَدْ
تَصِيرُ الْحَقِيقَةُ" اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ وَضْعُ
الدَّابَّةِ لِكُلِّ مَا دَبَّ "مَجَازًا" فِي الْعُرْفِ.
يَعْنِي أَنَّا إذَا أَطْلَقْنَا "الدَّابَّةَ" فِي
الْعُرْفِ لِكُلِّ مَا دَبَّ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا فِيهِ،
"وَبِالْعَكْسِ" أَيْ وَقَدْ يَصِيرُ الْمَجَازُ، - وَهُوَ
إطْلاقُ "الدَّابَّةِ" عَلَى ذَوَاتِ الأَرْبَعِ- فِي
اللُّغَةِ حَقِيقَةً فِي الْعُرْفِ1.
"وَالْمَجَازُ" وَزْنُهُ مَفْعَلٌ مِنْ الْجَوَازِ: وَهُوَ
الْعُبُورُ وَالانْتِقَالُ. فَأَصْلُهُ2 "مَجْوَزٌ"
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ
إلَى الْجِيمِ، فَسَكَنَتْ الْوَاوُ3، وَانْفَتَحَ مَا
قَبْلَهَا، وَهُوَ الْجِيمُ. فَانْقَلَبَتْ الْوَاوُ
أَلِفًا عَلَى الْقَاعِدَةِ. فَصَارَ مَجَازًا.
وَالْمَفْعَلُ يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمَ مَكَان وَاسْمَ
زَمَانٍ. فَالْمَجَازُ بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ: إمَّا
مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَصْدَرِ، أَوْ مِنْ اسْمِ الْمَكَانِ،
لا مِنْ اسْمِ الزَّمَانِ، لِعَدَمِ الْعَلاقَةِ فِيهِ
بِخِلافِهِمَا. فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْمَصْدَرِ
فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ بِهِ4 إلَى الْفَاعِلِ لِلْمُلابَسَةِ،
كَعَدْلٍ بِمَعْنَى عَادِلٍ، أَوْ مِنْ الْمَكَانِ لَهُ،
فَهُوَ مِنْ إطْلاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ5.
وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ آخَرُ، لأَنَّ
"الْجَوَازَ" حَقِيقَةٌ لِلْجِسْمِ لا لِلَّفْظِ، لأَنَّهُ
عَرَضٌ لا يَقْبَلُ الانْتِقَالَ. فَهُوَ مَجَازٌ
بِاعْتِبَارَيْنِ؛ لأَنَّهُ6 مَجَازٌ مَنْقُولٌ مِنْ
مَجَازٍ آخَرَ، فَيَكُونُ بِمَرْتَبَتَيْنِ. فَالْمَجَازُ
هُوَ اللَّفْظُ الْجَائِزُ مِنْ شَيْءٍ إلَى آخَرَ،
ـــــــ
1 في ز: العرف وهو والمجاز.
2 في ز: وأصله.
3 في ش: حركة الواو.
4 ساقطة من ش.
5 انظر العضد على ابن الحاجب وحاشية الجرجاني عليه 1/ 141،
شرح تنقيح الفصول ص42، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع
1/ 304.
6 في ش: لا أنه.
(1/153)
تَشْبِيهًا
بِالْجِسْمِ الْمُنْتَقِلِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ1.
وَحَدُّهُ فِي الاصْطِلاحِ2 "قَوْلٌ مُسْتَعْمَلٌ"
احْتَرَزَ3 بِهِ عَنْ الْمُهْمَلِ، وَعَنْ اللَّفْظِ
قَبْلَ الاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّهُ لا حَقِيقَةٌ وَلا
مَجَازٌ.
وَقَوْلُنَا "بِوَضْعٍ ثَانٍ" احْتِرَازٌ مِنْ
الْحَقِيقَةِ. فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهَا بِوَضْعٍ
أَوَّلٍ.
وَقَوْلُنَا "لِعَلاقَةٍ" احْتِرَازٌ مِنْ الأَعْلامِ
الْمَنْقُولَةِ؛ لأَنَّ نَقْلَهَا لَيْسَ لِعَلاقَةٍ4.
وَالْعَلاقَةُ هُنَا: الْمُشَابَهَةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَ
الْمَعْنَى الأَوَّلِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي، بِحَيْثُ
يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهَا عَنْ مَحَلِّ
الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ5.
ـــــــ
1 انظر كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 62، الطراز 1/ 68،
الفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص11.
2 انظر تفصيل الكلام على المجاز في الاصلاح في "شرح تنقيح
الفصول ص44 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 28 وما بعدها،
الحدود للباجي ص52، شرح الروضة لبدران 1/ 15، المزهر 1/
355-368، المعتمد للبصري 1/ 17 وما بعدها، العضد على ابن
الحاجب 1/ 141 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 1/ 305 وما بعدها، إرشاد الفحول ص21 وما
بعدها، فواتح الرحموت 1/ 203، المستصفى 1/ 341، الخصائص 2/
442 وما بعدها، الطرز 1/64 وما بعدها، الإشارة إلى الإيجاز
ص28، التمهيد للأسنوي ص46، الصاحبي ص197".
3 في ش: احترازاً.
4 ويستثنى من ذلك الأعلام التي تلمح فيها الصفة. قال التاج
السبكي في شرح المنهاج: "إن المجاز يدخل في الأعلام التي
تلمح فيها الصفة كالأسود والحارث" وحكاه عن الغزالي. "انظر
المزهر 1/ 361، المستصفى 1/ 344". كما أنه لا مانع من
التجوز باستعمال العَلَم في معنى مناسب للمعنى العَلَمي،
كقولك: رأيت اليوم حاتماً، تريد به شخصاً غيره شبيهاً له
في الجود، فيكون مجازاً. "البناني حلى جمع الجوامع 1/
322".
5 قال الشريف الجرجاني: فيفهم المعنى المجازي باعتبار ثبوت
الصفة له، كإطلاق الأسد على الشجاع. للاشتراك في صفة
الشجاعة، إذا لها فيه ظهور ومزيد اختصاص، فينتقل الذهن منه
إلى هذه الصفة. "حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 142" وفي
ش: المحل.
(1/154)
لأَنَّهُ لَوْ
لَمْ تَكُنْ عَلاقَةٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لَكَانَ
الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الثَّانِي
أَوَّلَ1. فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا2، وَتُعْتَبَرُ
فِي اصْطِلاحِ التَّخَاطُبِ بِحَسَبِ النَّوْعِ.
وَهِيَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ- عَلَى الأَصْلِ فِي
الْمَعَانِي، - وَبِكَسْرِهَا- عَلَى التَّشْبِيهِ
بِالأَجْسَامِ مِنْ عَلاقَةِ السَّوْطِ.
"وَلا يُعْتَبَرُ لزومٌ3 ذِهْنِيٌّ بَيْنَ
الْمَعْنَيَيْنِ" فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَجَازَاتِ
الْمُعْتَبَرَةِ عَارِيَّةٌ عَنْ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ.
"وَصِيرَ إلَيْهِ" أَيْ إلَى الْمَجَازِ "لِبَلاغَتِهِ"
أَيْ بَلاغَةِ الْمَجَازِ. كَصَلاحِيَتِهِ لِلسَّجْعِ
وَالتَّجْنِيسِ وَنَحْوِهِمَا4، أَوْ "ثِقَلِهَا" عَلَى
اللِّسَانِ، كَالْعُدُولِ عَنْ لَفْظِ الْخَنْفَقِيقِ5 -
بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ النُّونِ
وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِ
ـــــــ
1 في ع: أولى.
2 ويكون اللفظ مشتركاً لا مجازاً. "الآمدي 1/ 29" وقال في
الطرز: "لأنّا إذا قلنا أسد، ونريد به الرجل الشجاع، فإنه
مجاز، لأنه أفاد معنى غير مصطلح عليه في الوضع الذي وقع
فيه التخاطب، والخطاب إنما هو خطاب أهل اللغة.. وهو غير
مفيد لما وضع له أولاً، فإنه وضع أولاً بإزاء حقيقة
الحيوان المخصوص. وقولنا لعلاقة بينهما، لأنه لولا توهم
كون الرجل بمنزلة الأسد في الشجاعة، لم يكن إطلاق اللفظ
عليه مجازاً، بل كان وضعاً مستقلاً". "الطراز 1/ 64".
3 في ش: لازم.
4 قال في الطرز "2/8": "اعلم أن أرباب البلاغة وجهابذة أهل
الصناعة مطبقون على أن المجاز في الاستعمال أبلغ من
الحقيقة، وأنه يلطف الكلام ويكسبه حلاوة ويكسوه رشاقة.
والعَلَمُ فيه قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}
وقوله: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً
مُنِيراً} فلو استعمل الحقائق في هذه المواضع لم تعط ما
أعطى المجاز من البلاغة... ". وانظر المحلي على جمع
الجوامع 1/ 309 وما بعدها.
5 في ش: الخنفقين.
(1/155)
الْقَافِ
وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَآخِرُهُ قَافٌ-:
اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ، إلَى لَفْظِ النَّائِبَةِ1 أَوْ2
الْحَادِثَةِ "وَنَحْوِهِمَا" أَيْ نَحْوِ بَلاغَةِ
الْمَجَازِ وَثِقَلِ الْحَقِيقَةِ مِنْ3 بَشَاعَةِ
اللَّفْظِ4، كَالتَّعْبِيرِ بِالْغَائِطِ عَنْ
الْخَارِجِ5.
وَمِنْ ذَلِكَ جَهْلُ الْمُخَاطَبِ الْحَقِيقَةَ، أَوْ
كَوْنُ الْمَجَازِ أَشْهَرَ مِنْهَا، أَوْ كَوْنُهُ
مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَخَاطِبَيْنِ6، وَيَقْصِدَانِ
إخْفَاءَهُ عَنْ غَيْرِهِمَا، أَوْ عِظَمُ مَعْنَاهُ،
"كَسَلامِ اللَّهِ عَلَى الْمَجْلِسِ الْعَالِي". فَهُوَ
أَرْفَعُ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ "سَلامُ اللَّهِ
عَلَيْك"7 أَوْ كَوْنُ الْمَجَازِ أَدْخَلَ8 فِي
التَّحْقِير لِمَنْ يُرِيدُهُ9.
"وَيُتَجَوَّزُ" أَيْ وَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ فِي
خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَلاقَةِ.
ـــــــ
1 في ش: الداهية.
2 في ع: و.
3 شاقطة من ش ز ع.
4 في ش: اللفظ به.
5 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/
309.
6 في ش ض ب ع: المخاطبين.
7 قاله في الطراز "1/ 80" –في معرض كلامه عن أسباب العدول
إلى المجاز-: "أما أولاً: فلأجل التعظيم، كما يقال: سلام
الله على الحضرة العالية والمجلس الكريم، فيعدل عن اللقب
الصريح إلى المجاز تعظيماً لحال المخاطب، وتشريفاً لذكر
اسمه عن أن يخاطب بلقبه، فيقال سلام الله على فلان. وأما
ثانياً: فلأجل التحقير، كما يعبر عن قضاه الوطر من النساء
بالوطء، وعن الاستطابة بالغائط، ويترك لفظ الحقيقة
استحقاراً له وتنزهاً عن التلفظ به لما فيه من البشاعة
والغلط... ".
8 في ش: داخلاً.
9 انظر في أسباب العدول إلى المجاز "الخصائص لابن جني 2/
443-447، الطراز 1/ 80 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 1/ 309 وما بعدها، العضد على ابن
الحاجب وحواشيه 1/ 158 وما بعدها".
(1/156)
|