مختصر التحرير شرح الكوكب المنير
فصل في أنواع المجاز
...
[النَّوْعُ] الأَوَّلُ إطْلاقُ السَّبَبِ عَلَى
الْمُسَبَّبِ
وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ1:
الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الْقَابِلِيُّ، وَهُوَ الْمُشَارُ
إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "بِسَبَبٍ قَابِلِيٍّ" أَيْ عَنْ
مُسَبَّبٍ، وَهُوَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ
قَابِلِهِ2، كَقَوْلِهِمْ: "سَالَ الْوَادِي"، وَالأَصْلُ:
سَالَ الْمَاءُ فِي الْوَادِي، لَكِنْ لَمَّا كَانَ
الْوَادِي سَبَبًا قَابِلاً لِسَيَلانِ الْمَاءِ فِيهِ،
صَارَ الْمَاءُ مِنْ حَيْثُ الْقَابِلِيَّةُ
كَالْمُسَبَّبِ3 لَهُ. فَوُضِعَ لَفْظُ الْوَادِي
مَوْضِعَهُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: السَّبَبُ الصُّورِيُّ،4 وَهُوَ
الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَصُورِيٌّ" أَيْ
وَبِسَبَبٍ 5 صُورِيٍّ 4،كَقَوْلِهِمْ: "هَذِهِ صُورَةُ
الأَمْرِ وَالْحَالُ6"، أَيْ حَقِيقَتُهُ7.
ـــــــ
1 انظر تفصيل الكلام في إطلاق السبب على المسبَّب في
"الإشارة إلى الإيجاز ص52-55، الفوائد المشوق إلى علوم
القرأن ص16 وما بعدها، البرهان 2/ 260 وما بعدها، شرح
الروضة لبدران 2/ 17، الطراز 1/ 69 وما بعدها، المزهر 1/
359، التمهيد للآسنوي ص47".
2 في ش: قائلة.
3 في ش ز ع ض ب: السبب. وهو تصحيف.
4 ساقطة من ش.
5 في ض د: وسبب.
6 ساقطة من ش.
7 هذا المثال لإطلاق السبب الصوري على المسبب غير واضح.
وقد مثَل له الفجر الرازي والأسنوي والشوكاني بإطلاق اليد
على القدرة. قتل الأسنوي،: قإن اليد لها صورة خاصة يتأتى
بها الاقتدار على الشيء، وهو تجويف راحتها. وصغر عضمها،
وانفصال بعضها عن بعض ليتأتى =
(1/157)
الْقِسْمُ
الثَّالِثُ: السَّبَبُ الْفَاعِلِيُّ، وَهُوَ الْمُشَارُ
إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "وَفَاعِلِيٍّ" أَيْ وَبِسَبَبٍ1
فَاعِلِيٍّ، كَقَوْلِهِمْ: "نَزَلَ السَّحَابُ"، أَيْ
الْمَطَرُ، لَكِنَّ فَاعِلِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ
الْعَادَةِ2 كَمَا تَقُولُ: "أَحْرَقَتْ النَّارُ"،
وَكَقَوْلِهِمْ لِلْمَطَرِ: سَمَاءٌ، لأَنَّ السَّمَاءَ
فَاعِلٌ3 مَجَازِيٌّ لِلْمَطَرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ:
"أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ"، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ
وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا4
أَيْ الْمَطَرُ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْغَائِيُّ5، وَهُوَ الْمُشَارُ
إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَغَائِيٌّ" أَيْ: وَيُتَجَوَّزُ
بِسَبَبٍ غَائِيٍّ "عَنْ مُسَبَّبٍ" كَتَسْمِيَةِ
الْعَصِيرِ خَمْرًا، وَالْحَدِيدِ خَاتَمًا، وَالْعَقْدِ
نِكَاحًا لأَنَّهُ غَايَتُهُ.
ـــــــ
= به وضع الشيء في الراحة، وتنقبض عليه العظام الدقاق
المنفصلة، ويأتي دخولها في المنافذ الضيقة. "انظر التمهيد
للأسنوي ص47، المزهر 1/ 359، إرشاد الفحول ص24" والتعبير
باليد عن القدرة كما يقول العلامة ابن القيم جاء في القرآن
الكريم في مواضيع كثيرة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى}
وقوله سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} .
"انظر الفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص29،
الإشارة إلى الإيجاز للعز ابن عبد السلام ص81".
1 في ش ز: وسبب.
2 قال الأسنوي: فإن الفاعل حقيقة هو الرب سبحانه.
"التمهيدي ص48".
3 ساقطة من ض.
4 سبق تخريج البيت وشرحه في ص137.
5 في ش: وهو الغائي.
(1/158)
النَّوْعُ1
الثَّانِي
إطْلاقُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَبِعِلَّةٍ" أَيْ عَنْ
مَعْلُولٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، كَقَوْلِهِمْ:
"رَأَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ"؛ لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى مُوجِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَعِلَّتُهُ، فَأُطْلِقَ
لَفْظُهُ عَلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: رَأَيْت كُلَّ شَيْءٍ.
فَاسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
النَّوْعُ الثَّالِثُ
إطْلاقُ اللاَّزِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَلازِمٍ" أَيْ
وَيُتَجَوَّزُ بِلازِمٍ عَنْ مَلْزُومٍ، كَتَسْمِيَةِ
السَّقْفِ جِدَارًا2، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ3:
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ
النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
يُرِيدُ بِشَدِّ الإِزَارِ: الاعْتِزَالَ عَنْ النِّسَاءِ.
وَمِنْهُ إطْلاقُ الْمَسِّ عَلَى الْجِمَاعِ غَالِبًا، 4
لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْجِمَاعُ بِحَائِلٍ 4.
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 انظر في الكلام على هذا النوع "معترك الأقران 1/ 251،
البرهان 2/ 270".
3 هو الأخطل التغلبي. "انظر ديوان الأخطل ص84".
4 ساقطة من ش.
(1/159)
النَّوْعُ
الرَّابِعُ
إطْلاقُ1 الأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَأَثَرٍ" أَيْ عَنْ
مُؤَثِّرٍ، كَتَسْمِيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ مَوْتًا،
وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ يَصِفُ ظَبْيَةً2:
فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ
النَّوْعُ الْخَامِسُ
إطْلاقُ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَمَحَلٍّ" أَيْ عَنْ
حَالٍّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْعَبَّاسِ3 "لا يَفْضُضْ اللَّهُ فَاك4" أَيْ:
أَسْنَانَك، إذْ الْفَمُ مَحَلُّ الأَسْنَانِ.
وَكَتَسْمِيَةِ الْمَالِ
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 البيت للخنساء في قصيدة طويلة ترثي أخاها صخراً، وصدره:
تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ، حتى إذَا ادَّكَرَتْ.
والمعنى: أنها هي ذات إقبال وإدبار. "انظر ديوان الخنساء
ص48، الكامل للمبرد 1/ 287".
3 هو الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو
الفضل، عم النبي صلى الله عليه وسلم، أجود قريش كفّاً،
وأوصلهم رحماً، وفيه قال عليه الصلاة والسلام: "من آذى
العباس فقد آذاني، فإنما عمُّ الرجل صنو أبيه" . وقد كان
رئيساً في قومه زمن الجاهلية، وإليه كانت عمارة المسجد
الحرام ولساقية قبل الإسلام. توفي في المدينة سنة 32هـ.
"انظر ترجمته في الإصابة 2/ 271، الاستيعاب 3/ 94 وما
بعدها، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 257، صفة الصفوة 1/ 506
وما بعدها".
4 الحديث أورده ابن الأثير في النهاية وابن منظور في للسان
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله للعباس في رواية
وللنابغة الجعدي في رواية أخرى، وحكى ابن قتيبة في الشعر
والشعراء وابن كثير في البداية والنهاية وأبو نُعيم في
أخبار أصبهان وابن عبد البر في الاستيعاب وابن حجر في
الإصابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله للنابغة الجعدي،
ثم قال ابن عبد البر: روينا هذا الخبر من وجوه كثيرة عن
النابغة الجعدي من طريق يعلى بن الأشدق. وقال ابن كثير:
أخرجه البزار والبيهقي. وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه البزار
والحسن بن سفيان في مسنديهما وأبو نعيم في تاريخ أصبهان
والشيرازي في الألقاب كلهم من رواية يعلى بن الأشدق.
وأخرجه الدارقطني في المؤتلف والمختلف وابن السكن في
الصحابة والسلفي في الأربعين البلدانية والمرحبي في كتاب
العلم من طرق أخرى. اهـ. "انظر الإصابة 3/ 539، الاستيعاب
3/ 584، أخبار أصبهان 1/ 73، البداية والنهاية 6/ 168,
الشعر والشعراء 1/ 289, النهاية 3/ 453، الفائق 3/ 123،
لسان العرب 7/ 207".
(1/160)
كِيسًا،
كَقَوْلِهِمْ1: "هَاتِ الْكِيسَ"، وَالْمُرَادُ: الْمَالُ
الَّذِي فِيهِ2.
النَّوْعُ السَّادِسُ
إطْلاقُ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَكُلٍّ" أَيْ عَنْ
بَعْضٍ3. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} 4 أَيْ أَنَامِلَهُمْ5.
ـــــــ
1 في ض ب: لقولهم.
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص81، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص29 وما
بعدها، معترك الأقران 1/ 252، التمهيدي للأسنوي ص50،
البرهان 2/ 281".
3 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "معترك الأقران 1/
249، الطراز 1/ 72، اللإشارة إلى الإيجاز ص68، الفوائد
المشوق إلى علوم القرآن ص23، البرهان 2/ 262، المحلي على
جمع الجوامع 1/ 319".
4 الآية 19 من البقرة.
5 قال السيوطي: ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى
إدخالها على غير المعتاد مبالغة في الفرار. فكأنهم جعلوا
فيها الأصابع. "معترك الأقران 1/ 249".
(1/161)
النَّوْعُ
السَّابِعُ
إطْلاقُ الْمُتَعَلِّقِ - بِكَسْرِ اللاَّمِ - عَلَى
الْمُتَعَلَّقِ – بِفَتْحِهَا -
وَالْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْحَاصِلُ بَيْنَ1 الْمَصْدَرِ
وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ. فَشَمِلَ
سِتَّةَ أَقْسَامٍ2 وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ
"وَمُتَعَلِّقٍ" بِكَسْرِ اللاَّمِ، أَيْ عَنْ
مُتَعَلَّقٍ، بِفَتْحِهَا.
الْقِسْمُ الأَوَّلُ - مِنْ السِّتَّةِ-: إطْلاقُ
الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} 3 أَيْ
مَخْلُوقُهُ.
الثَّانِي: عَكْسُهُ، وَهُوَ إطْلاقُ اسْمِ الْمَفْعُولِ
عَلَى الْمَصْدَرِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{بِأَيِّكُمْ الْمَفْتُونُ}4 أَيْ الْفِتْنَةُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: إطْلاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ5
الْفَاعِلِ. كَقَوْلِهِمْ: "رَجُلٌ عَدْلٌ" أَيْ عَادِلٌ.
الرَّابِعُ: عَكْسُهُ. وَهُوَ إطْلاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ
عَلَى الْمَصْدَرِ. كَقَوْلِهِمْ: "قُمْ قَائِمًا"6،
وَكَقَوْلِهِمْ: "يَخْشَى اللاَّئِمَةَ" يَعْنِي
اللَّوْمَ.
ـــــــ
1 في ش: من.
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى
علوم القرآن ص11-16، الإشارة إلى الإيجاز ص43 وما بعدها،
معترك الأقران 1/ 255 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع
1/ 319، البرهان 2/ 285".
3 الآية 11 من لقمان.
4 الآية 6 من القلم.
5 ساقطة من ض ب.
6 أي قياماً. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 319".
(1/162)
الْقِسْمُ
الْخَامِسُ: إطْلاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى [اسْمِ]
الْمَفْعُولِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ
دَافِقٍ} 1 أَيْ مَدْفُوقٍ، و {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 2. أَيْ
مَرْضِيَّةٍ.
السَّادِسُ: عَكْسُهُ، إطْلاقُ3 اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى
اسْمِ4 الْفَاعِلِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {حِجَابًا
مَسْتُورًا} 5 أَيْ سَاتِرًا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَقَوْلُهُ "عَنْ مَعْلُولٍ"
مُتَمِّمٌ لِقَوْلِهِ "بِعِلَّةٍ" وَرَاجِعٌ إلَيْهِ.
فَإِذَا قُدِّرَ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ بِإِزَاءِ مَا هُوَ
رَاجِعٌ إلَيْهِ كَانَ الْكَلامُ: وَيُتَجَوَّزُ بِعِلَّةٍ
عَنْ مَعْلُولِ "وَ" لازِمٍ عَنْ "مَلْزُومٍ، وَ" أَثَرٍ
عَنْ "مُؤَثِّرٍ، وَ" مَحَلٍّ عَنْ "حَالٍّ، وَ" كُلٍّ
عَنْ "بَعْضٍ، وَ" مُتَعَلِّقٍ - بِكَسْرِ اللاَّمِ - عَنْ
"مُتَعَلَّقٍ" بِفَتْحِهَا.
النَّوْعُ الثَّامِنُ
إطْلاقُ مَا بِالْقُوَّةِ عَلَى مَا بِالْفِعْلِ6
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَبِمَا بِالْقُوَّةِ عَنْ
مَا بِالْفِعْلِ" كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ فِي الدَّنِّ
ـــــــ
1 الآية 6 من الطارق.
2 الآية 21 من الحاقّة و 7 من القارعة.
3 في ش: وهو إطلاق.
4 ساقطة من ض ز ب.
5 الآية 45 من الإسراء.
6 تعبير المصنف هذا غير سليم، وهو يفيد عكس مقصوده، حيث إن
مراده بهذا النوع هو "إطلاق لفظ الشيء المتصف بصفةٍ بالفعل
على الشيء المتصف بتلك الصفة بالقوة" وهو ما يسمى بمجاز
الاستعداد. وقد عبّر عنه الفخر الرازي بإطلاق اسم الفعل
على القوة. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني
عليه 1/ 319، المزهر 1/ 360".
(1/163)
مُسْكِرًا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ" 1 لأَنَّ فِيهِ قُوَّةَ
الإِسْكَارِ.
وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ "وَبِالْعَكْسِ فِي الْكُلِّ":
النَّوْعُ التَّاسِعُ
وَهُوَ إطْلاقُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ
كَإِطْلاقِ الْمَوْتِ عَلَى الْمَرَضِ الشَّدِيدِ2.
وَالنَّوْعُ الْعَاشِرُ
وَهُوَ إطْلاقُ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ 3
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إذَا قَضَى أَمْرًا} 4 أَيْ
إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ أَمْرًا، فَالْقَضَاءُ
مَعْلُولُ الإِرَادَةِ. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى:
{وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ} 5 أَيْ إذَا أَرَدْت أَنْ
تَحْكُمَ.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد في مسنده
عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر نيل الأوطار 8/ 195، كشف الخفا
2/ 125".
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى
علوم القرآن ص18-20، الإشارة إلى الإيجاز ص56-59، المزهر
1/ 359، المحلي على جمع الجوامع 1/ 319، معترك الأقران 1/
251، البرهان 2/ 259، المسودة ص169".
3 وقد عنون العز بن عبد السلام وابن القيم لهذا النوع
"بالتجوز المراد عن الإدارة" وأفاض العلامة العزّ في
الكلام عليه. "انظر الإشارة إلى الإيجاز ص44 وما بعدها،
الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص12".
4 الآية 47 من آل عمران.
5 الآية 42 من المائدة.
(1/164)
وَالنَّوْعُ
الْحَادِيَ عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ الْمَلْزُومِ عَلَى اللاَّزِمِ
كَتَسْمِيَةِ الْعِلْمِ حَيَاةً1. وَمِنْهُ قَوْله
تَعَالَى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ
يَتَكَلَّمُ} 2 أَيْ بُرْهَانًا فَهُوَ يَدُلُّهُمْ.
سُمِّيَتْ الدَّلالَةُ3 كَلامًا، لأَنَّهَا مِنْ
لَوَازِمِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُكَمَاءِ: "كُلُّ صَامِتٍ
نَاطِقٌ بِمُوجِدِهِ". أَيْ الصَّنْعَةُ فِيهِ تَدُلُّ
عَلَى مُحْدِثِهِ. فَكَأَنَّهُ يَنْطِقُ4.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الأَثَرِ
كَقَوْلِ الْقَائِلِ: "رَأَيْت اللَّهَ"، وَ "مَا أَرَى
فِي الْوُجُودِ إلاَّ اللَّهَ تَعَالَى"، يُرِيدُ
آثَارَهُ. وَالدَّلالَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَالَمِ،
وَكَقَوْلِهِمْ فِي الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ: "هَذِهِ
إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى"، أَيْ مُرَادُهُ النَّاشِئُ
عَنْ إرَادَتِهِ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ
كَتَسْمِيَةِ الْكِيسِ مَالاً وَالْكَأْسِ خَمْرًا5.
وَمِنْهُ {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ
فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 6 أَيْ
فِي الْجَنَّةِ؛ لأَنَّهَا مَحَلُّ الرَّحْمَةِ.
ـــــــ
1 انظر البرهان للركشي 2/ 269.
2 الآية 35 من الروم.
3 في ش: الدلالة برهاناً.
4 في ز: نطق.
5 انظر في الكلام على هذا النوع "البرهان 2/ 282، معترك
الأقران 1/ 252".
6 الآية 107 من آل عمران.
(1/165)
وَالنَّوْعُ
الرَّابِعَ عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ1
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 2
وَالْعِتْقُ إنَّمَا هُوَ لِلْكُلِّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى الْيَدِ مَا
أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" 3 فَالْمُرَادُ صَاحِبُ
الْيَدِ بِكَمَالِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ
شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} 4.
وَالنَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ الْمُتَعَلَّقِ - بِفَتْحِ اللاَّمِ- عَلَى
الْمُتَعَلِّقِ - بِكَسْرِهَا-
كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحِيضِي
فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا" 5 فَإِنَّ
التَّقْدِيرَ: تَحِيضِي سِتًّا أَوْ سَبْعًا. وَهُوَ
مَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى6.
ـــــــ
1 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص66-68، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص22 وما
بعدها، التمهيد ص48، معترك الأفران 1/ 248، البرهان 2/
263-269".
2 الآية 92 من النساء.
3 أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم
وأحمد من حذيث الحسين عن سمرة. قال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري
ولم يخرجاه. "انظر تلخيص الحبير 3/ 53، تحفة الأحوذي 4/
482، سنن أبي داود 3/ 400، مسند الإمام أحمد 5/ 8،
المستدرك 2/ 47، سنن ابن ماجة 2/ 802".
4 الآية 88 من القصص، والمراد ذاته.
5 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارقطني
والحاكم عن حمنة بنت جحش في حديث طويل. قال الترمذي: هذا
حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح.
"انظر سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 1/ 395 وما بعدها،
سنن ابن ماجة 1/ 205، سنن أبي داود 1/ 120، مستدرك الحاكم
1/ 172، التحقيق لابن الجوزي 1/ 195".
6 هذا المثال من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول، وقد
سبق ذكره في القسم الأول من النوع السابق ص162 فتأمل!.
(1/166)
وَالنَّوْعُ
السَّادِسَ عَشَرَ
وَهُوَ إطْلاقُ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ1
كَتَسْمِيَةِ الإِنْسَانِ الْحَقِيقِيِّ نُطْفَةً. وَهَذَا
آخِرُ مَا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ "وَبِالْعَكْسِ فِي
الْكُلِّ".
وَالنَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ
أَنْ يُتَجَوَّزَ "بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ زَائِلٍ"
كَإِطْلاقِ الْعَبْدِ عَلَى الْعَتِيقِ2. وَمِنْهُ
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ} 3 عِنْدَ الأَكْثَرِ، وَمِثْلُهُ قَوْله
تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} 4
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا
رَجُلٍ وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ
فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ" 5.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: "الَّذِي كَانَ صَاحِبُ
الْمَتَاعِ، وَاَلَّتِي6 كَانَتْ
ـــــــ
1 صواب العبارة أن يقال "إطلاق ما بالقوة على ما بالفعل"،
وانظر النوع الثامن ص163.
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص70، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص25، معترك
الأقران 1/ 251، الطراز 1/ 72، العضد على ابن الحاجب 1/
142، البرهان 2/ 280".
3 الآية 27 من الأحزاب.
4 الآية 13 من النساء.
5 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني
ومالك في الموطأ والطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي
هريرة مرفوعاً. "انظر صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 221، سنن
الدارقطني 3/ 29، سنن أبي داود 3/ 388، شرح معاني الآثار
4/ 164، أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن فرج القرطبي
ص77، الموطأ بشرح الباجي 5/ 81، صحيح البخاري بشرح العيني
12/ 237".
6 في ش: واللاتي.
(1/167)
أَرْضُهُمْ:
وَاَللاَّتِي1 كُنَّ أَزْوَاجًا، وَهُوَ مَجَازٌ
مُسْتَعْمَلٌ يَجْرِي مَجْرَى الْحَقِيقَةِ. وَمِنْهُ
قَوْلُهُمْ: دَرْبُ فُلانٍ، وَقَطِيعَةُ2 فُلانٍ، وَنَهْرُ
فُلانٍ"3.
وَمَحَلُّ صِحَّةِ الإِطْلاقِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ زَائِلٍ
إذَا "لَمْ يَلْتَبِسْ4 حَالَ الإِطْلاقِ بِضِدِّهِ" أَيْ
بِضِدِّ الْوَصْفِ الزَّائِلِ. فَلا يُقَالُ لِلشَّيْخِ
طِفْلٌ، بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَلا لِلثَّوْبِ
الْمَصْبُوغِ أَبْيَضُ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ.
النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ
أَنْ يُتَجَوَّزَ بِوَصْفٍ يَؤُولُ5 قَطْعًا، أَوْ ظَنًّا
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "أَوْ آيِلٍ" أَيْ الْوَصْفِ
"قَطْعًا" كَإِطْلاقِ الْمَيِّتِ عَلَى الْحَيِّ وَمِنْهُ
قَوْله تَعَالَى: {إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}
6.
"أَوْ" آيِلٍ "ظَنًّا" كَإِطْلاقِ الْخَمْرِ عَلَى
الْعَصِيرِ "بِفِعْلٍ" مُتَعَلِّقٌ بِآيِلٍ، أَيْ بِوَصْفٍ
آيِلٍ بِفِعْلٍ، كَإِطْلاقِ الْخَمْرِ عَلَى الْعِنَبِ
بِاعْتِبَارِ أَيْلُولَتِهِ بِعَصْرِ الْعَصَّارِ7. "أَوْ
قُوَّةٍ" يَعْنِي: أَوْ وَصْفٍ آيِلٍ بِالْقُوَّةِ دُونَ
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 في ز: وقطعه.
3 انظر القواعد والفوائد الأصوليه للبعلي ص130، المسودة
ص569.
4 في ع: يتلبس.
5 في ش: يزول.
6 الآية 30 من الزمر.
7 كما في قوله تعالى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} .
قال العز بن عبد السلام: أي أعصر عنباً، فإن الخمر لا
يعصر، فتجوّز بالخمر عن العنب، لأن أمره يؤول إليها.
"الإشارة على الإيجاز ص71".
(1/168)
الْفِعْلِ،
كَإِطْلاقِ الْمُسْكِرِ عَلَى الْخَمْرِ، بِاعْتِبَارِ
أَيْلُولَيةِ1 الْخَمْرِ إلَى الإِسْكَارِ2.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لا يَتَجَوَّزُ
بِوَصْفٍ آيِلٍ شَكًّا، كَالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لا
يُطْلَقُ عَلَيْهِ حُرٌّ مَعَ احْتِمَالِ عِتْقِهِ
وَعَدَمِهِ3.
"وَ" النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ "زِيَادَةٍ"
4
وَذَكَرُوا أَنَّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 5. قَالُوا: إنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ،
وَأَنَّ6 الْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَهُ. وَقِيلَ: الزَّائِدُ
"مِثْلُ" أَيْ7: لَيْسَ كَهُوَ شَيْءٌ.
ـــــــ
1 في ش: أيلولة.
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص70 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 252، الفوائد
المشوق إلى علوم القرآن ص25، المحلي على جمع الجوامع 1/
317، البرهان 2/ 278".
3 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/
317.
4 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "البرهان 2/
274-278، المحلي على جمع الجوامع 1/ 317، الطراز 1/ 72،
اللمع ص5، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 167 وما
بعدها".
5 الآية 11 من الشورى.
6 ساقطة من ز.
7 في ش: والمعنى.
(1/169)
قَالُوا:
وَإِنَّمَا حُكِمَ بِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا لِئَلاَّ
يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
مِثْلٌ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، لأَنَّ نَفْيَ
مِثْلِ الْمِثْلِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مِثْلٍ، وَهُوَ
مُحَالٌ، أَوْ يَلْزَمُ نَفْيُ الذَّاتِ؛ لأَنَّ مِثْلَ1
مِثْلِ الشَّيْءِ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَثُبُوتُهُ
وَاجِبٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ لا يُرَادَ نَفْيُ ذَلِكَ إمَّا
بِزِيَادَةِ الْكَافِ، أَوْ بِزِيَادَةِ "مِثْلِ".
قَالَ ابْنُ جِنِّي2: "كُلُّ حَرْفٍ زِيدَ فِي الْكَلامِ3
الْعَرَبِيِّ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ إعَادَةِ
الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى"4. فَيَكُونُ مَعْنَى
الآيَةِ: لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ –مَرَّتَيْنِ-
لِلتَّأْكِيدِ.
وَقَدْ ادَّعَى كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَدَمَ
الزِّيَادَةِ وَالتَّخَلُّصَ مِنْ الْمَحْذُورِ بِغَيْرِ
ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لا
يُطْلَقُ فِي5 الْقُرْآنِ وَلا فِي السُّنَّةِ زَائِدٌ.
وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ سَلْبَ الْمَعْنَى عَنْ الْمَعْدُومِ6
جَائِزٌ كَسَلْبِ الْكِتَابَةِ عَنْ ابْنِ
ـــــــ
1 ساقطة من ش. وفي ز: نفي مثلِ مثلِ.
2 هو عثمان ين جنّي، أبو الفتح الموصلي النحوي اللغوي، من
أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف. أشهر كتبه
"الخصائص" في النحو و "سر الصناعة" و "شرح تصريف المازني"
و "اللمع" وغيرها. توفي سنة 392هـ. "انظر ترجمته في بغية
الوعاة 2/ 132، إنباه الرواة 2/ 335، وفيات الأعيان 2/
410، المنتظم 7/ 220، شذرات الذهب 3/ 140، معجم الأدباء
12/ 81".
3 في ع: المثال.
4 قول ابن جنّي هذا ورد بمعناه لا بلفظه في كتابه
"الخصائص"، إذ جاء فيه –أثناء الكلام على زيادة الحروف-:
"وأما ريادتها فلإرادة التوكيد بها، وذلك أنه قد سبق أن
الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار، والاكتفاء
من الأفعال وفاعليتها، فإذا زيد ما هذه سبيله. فهو تناهٍ
في التوكيد به" "الخصائص 2/ 284".
5 في ش: على ما في.
6 في ش: المعنى.
(1/170)
فُلانٍ الَّذِي
هُوَ مَعْدُومٌ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمِثْلِ 1
عَنْ الْمِثْلِ 1 ثُبُوتُ الْمِثْلِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِلَفْظِ "الْمِثْلِ"
الصِّفَةُ2 كَالْمَثَلِ – بِفَتْحَتَيْنِ - كَمَا 3 فِي
قَوْله تَعَالَى:"3 {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ} 4. فَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ
شَيْءٌ.
قَالَ الرَّاغِبُ5: "الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ
2، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ"6.
قَالَ فِي "الْبَدْرِ الْمُنِيرِ": "مِثْلُ: يُوصَفُ بِهِ
الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ وَخَرَّجَ
بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَيْ لَيْسَ كَوَصْفِهِ
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2. ساقطة من ش
3 في ش ز: قال تعالى
4 الآية 35 من الرعد.
5 هو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم، المعروف
بالراغب الأصبهاني، المتوفى سنة 502هـ كما قال حاجي خليفة،
وذكر السيوطي والداودي أن اسمه المفضل بن محمد الأصبهاني،
وأنه كان في أوائل المائة الخامسة. أهم مؤلفاته "مفردات
القرآن" و "محاضرات الأدباء" و "أفانين البلاغة" و
"الذريعة إلى مكارم الشريعة". "انظر ترجمته في كشف الظنون
2/ 177، بغية الوعاة 2/ 297، طبقات المفسرين للداودي 2/
329".
6 المفردات في غريب القرآن ص478، وتتمة العبارة: "تنبيهاً
على أنه وإن وُصف بكثير مما يوصف به البشر، فليس تلك
الصفات له على حَسَب ما يُستعمل في البشر".
وهذا القول الذي عزاه المصنف إلى الراغب ليس في الحقيقة
قوله، بل هو مجرد قول ساقه على سبيل الحكاية عن غيره بصيغة
"وقيل". أما ما اتجه إليه الراغب فقد عبّر عنه بقوله: "لما
أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال
"ليس كمثله شيء". وأما الجمع بين الكاف والمثال، فقد قيل
ذلك لتأكيد النفي، تنبيهاً على أنه لا يصح استعمال المثل
ولا الكاف، فنفى بليس الأمرين جميعاً". "المفردات ص478"
وهذا هو نفس قول ابن هبيرة الذي ساقه المصنف في الوجه
الخامس، فتأمل!
(1/171)
شَيْءٌ1،
وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِزِيَادَتِهَا2؛
لأَنَّهَا عَلَى خِلافِ الأَصْلِ"3.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِهِ4 ذَاتُهُ5،
كَقَوْلِك: مِثْلُك لا يَبْخَلُ، أَيْ: أَنْتَ لا
تَبْخَلُ6.
قَالَ الشَّاعِرُ7:
وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَك أَعْنِي بِهِ ... غَيْرَك8 يَا
فَرْدُ9 بِلا مُشْبِهِ
وَقَوْلُهُ:
أَيُّهَا الْعَاذِلُ دَعْ10 مِنْ11 عَذْلِكَا ... مِثْلِي
لا يُصْغِي إلَى مِثْلِكَا
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 في ش: بالزيادة.
3 المصباح المنير 2/ 768.
4 في ش ز: بمثل.
5 في ش ز: ذات.
6 قال البناني: لاستلزام نفي البخل عن مثله نفيه عنه.
"البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 317".
7 البيت للمتنبي في قصيدته التي رثى فيها عمه عضد الدولة
وعزّاه فيها، وقد سبق هذا البيت في القصيدة قوله:
مثلُكَ يَثْني الحزنَ عَنْ صَوْبِهِ ... ويَسْتَرِدُّ
الدَمْعَ عَنْ غَرْبِهِ
"انظر ديوان المتنبي ص559".
8 في الديوان: سواك.
9 في الديوان: يا فرداً.
10 في ش ز ب ع: دعني.
11 ساقطة من ض.
(1/172)
وَقَدْ1 قَالَ
تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ
فَقَدْ اهْتَدَوْا} 2 أَيْ بِاَلَّذِي3 آمَنْتُمْ بِهِ؛
لأَنَّ إيمَانَهُمْ لا مِثْلَ لَهُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ
ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ4 فَالتَّقْدِيرُ فِي الآيَةِ:
لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ، بَلْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ
الْكِنَايَةِ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ5، لِتَضَمُّنِهِ
إثْبَاتَ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ.
قَالَ فِي "الْبَدْرِ الْمُنِيرِ"6: "وَقِيلَ: الْمَعْنَى
لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ. كَمَا يُقَالُ: مِثْلُك مَنْ
يَعْرِفُ الْجَمِيلَ، وَمِثْلُك لا يَفْعَلُ كَذَا، أَيْ
أَنْتَ تَكُونُ كَذَا. وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:
{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} 7 [أَيْ كَمَنْ
هُوَ"8].
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لِشَيْءٍ مِثْلٌ،
وَلِذَلِكَ الْمِثْلِ مِثْلٌ، كَانَ كِلاهُمَا مِثْلاً
لِلأَصْلِ، فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ:
نَفْيُهُمَا مَعًا، وَيَبْقَى الْمَسْكُوتُ عَنْهُ؛
لأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُقَدَّرٌ
مِثْلِيَّتُهُ. وَقَدْ نُفِيَا عَنْهُ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 الآية 137 من البقرة.
3 في ش: الذي.
4 هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي
الشافعي، أبو محمد، شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأعلام،
الملقب بسلطان العلماء. أشهر كتبه "القواعد الكبرى" و
"مجاز القرآن المسمى بالإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع
المجاز" و "شجرة المعارف" و "التفسير" توفي سنة 660هـ.
"انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 209، فوات
الوفيات 1/ 594، شذرات الذهب 5/ 301، طبقات المفسرين
للداودي 1/ 309".
أما نقل المصنف عن العز بن عبد السلام فهو غير دقيق، حيث
إن العز فَسَّرَ المِثْلَ بالذات والصفات، فقال: "قوله
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} معناه ليس مثله شيء في ذاته
ولا في شيء من صفاته". "انظر الإشارة إلى الإيجاز ص272".
5 في ز ب: الصريح.
6 المصباح المنير 2/ 868.
7 الآية 122 من الأنعام.
8 زيادة من المصباح المنير.
(1/173)
قَالَ شَرَفُ
الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ1: اجْعَلْ الْكَافَ
أَصْلِيَّةً، وَلا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ. قَالَ: لأَنَّ
نَفْيَ الْمِثْلِ لَهُ طَرِيقَانِ: إمَّا بِنَفْيِ
الشَّيْءِ، أَوْ بِنَفْيِ لازِمِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ
نَفْيِ اللاَّزِمِ نَفْيُ الْمَلْزُومِ، وَمِنْ لَوَازِمِ
الْمِثْلِ: أَنَّ لَهُ مِثْلاً فَإِذَا نَفَيْنَا مِثْلَ
الْمِثْلِ، انْتَفَى لازِمُ الْمِثْلِ، فَيَنْتَفِي
الْمِثْلُ لِنَفْيِ لازِمِهِ.
الْخَامِسُ: قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ
السَّلامِاسِيُّ2 فِي كِتَابِهِ "الْعَدْلِ فِي مَنَازِلِ
الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ": إنَّ الْكَافَ لِتَشْبِيهِ
الصِّفَاتِ، وَ "مِثْلَ" لِتَشْبِيهِ الذَّوَاتِ. فَنَفَى3
الشَّبِيهَيْنِ كِلاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى. فَقَالَ
تَعَالَى4: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَيْ: لَيْسَ لَهُ
مِثْلٌ وَلا كَهُوَ شَيْءٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ5 - مِنْ أَصْحَابِنَا-: آلَتَا6
التَّشْبِيهِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ:
ـــــــ
1 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل المرسي، شرف
الدين، أبو عبد الله، العلامة النحوي الأديب، المفسر
المحدث الفقيه الأصولي. قال ابن النجار: "هو من الأئمة
الفضلاء في فنون العلم والحديث والقراءات والفقه والخلاف
والأصلين والنحو واللغة، وله قريحة حسنة وذهن ثاقب وتدقيق
في المعاني ومصنفات في جميع ما ذكرنا". من كتبه "التفسير
الكبير" و "الأوسط" و "الصغير" و "مختصر صحيح مسلم" و
"الضوابط النحوية في علم العربية" وكتاب في أصول الفقه
وكتاب في البديع والبلاغة. توفي سنة 655هـ. "انظر ترجمته
في بغية الوعاة 1/ 144، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 69،
شذرات الذهب 5/ 269، معجم الأدباء 18/ 209، طبقات المفسرين
للداودي 2/ 168".
2 في ش: السلاميسي.
3 في ش: فنفي المثلين.
4 ساقطة من ش.
5 هو يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعد، عون الدين، أبو
المظفر، العالم الوزير العادل. قال ابن الجوزي: "كانت له
معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض، وصنف في تلك العلوم،
وكان متشدداً في اتباع السنّة وسير السلف". أشهر كتبه
"الإفصاح عن معاني الصحاح" شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم و
"المقتصد" في النحو وغيرهما. توفي سنة 560هـ. "انظر ترجمته
في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 251، المنهج الأحمد 2/ 286،
شذرات الذهب 4/ 191، المنتظم 10/ 214، وفيات الأعيان 5/
274".
6 في ش: أداة.
(1/174)
الْكَافُ،
وَمِثْلُ، تَقُولُ هَذَا مِثْلُ هَذَا، وَهَذَا كَهَذَا،
فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آلَتَيْ1
التَّشْبِيهِ وَنَفَى عَنْهُ بِهِمَا الشَّبِيهَ2.
3"وَ" النَّوْعُ الْعِشْرُونَ
أَنْ4 يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ "نَقْصِ"
لَفْظٍ مِنْ الْكَلامِ الْمُرَكَّبِ
وَيَكُونُ مَا نَقَصَ كَالْمَوْجُودِ لِلافْتِقَارِ
إلَيْهِ. سَوَاءٌ كَانَ النَّاقِصُ مُفْرَدًا أَوْ
مُرَكَّبًا، جُمْلَةً أَوْ غَيْرَهَا5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ
ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ
يُحَارِبُونَ اللَّهَ} 6 أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ
اللَّهِ وَأَهْلَ دِينِهِ. وَمِثْلُهُ {فَقَبَضْتُ
قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 7 أَيْ: مِنْ أَثَرِ
حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ وَبِهِ قُرِئَ شَاذًّا،
وَمِثْلُهُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 8 أَيْ
فَأَفْطَرَ. وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} 9
وَاسْأَلْ الْعِيرَ10، أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَأَهْلَ
الْعِيرِ. {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ} 11
أَيْ حُبَّ12 الْعِجْلِ
ـــــــ
1 في ش: أداتي.
2 في ع ب: الشبه. وفي ز: الشبهه.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: أن لا.
5 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "البرهان 2/ 274،
الإشارة إلى الإيجاز ص14، معترك الأقران 1/ 264، الطراز 1/
73".
6 الآية 33 من المائدة.
7 الآية 96 من طه.
8 الآية 184 من البقرة.
9 الآية 82 من يوسف.
10 كما جاء في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [82
يوسف].
11 الآية 93 من البقرة.
12 في ش: صاحب. وفي ض: أشربوا حب.
(1/175)
"وَ" النَّوْعُ
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُشَابَهَةِ
"شَكْلٍ1"
كَإِطْلاقِ لَفْظِ الأَسَدِ عَلَى مَا هُوَ بشَكْلِهِ2،
مِنْ مُجَسَّدٍ أَوْ مَنْقُوشٍ، وَرُبَّمَا تُوجَدُ
الْعَلاقَتَانِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ
لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} 3.
"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُشَابَهَةٍ
فِي الْمَعْنَى فِي "صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ"
كَإِطْلاقِ الأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ. وَخَرَجَ
بِقَوْلِنَا "ظَاهِرَةٍ" الصِّفَةُ الْخَفِيَّةُ،
كَالْبَخَرِ، فَلا يُطْلَقُ أَسَدٌ عَلَى الأَبْخَرِ،
لأَنَّ الْبَخَرَ فِي الأَسَدِ خَفِيٌّ4.
"وَ" النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ
"اسْمِ" الْبَدَلِ عَلَى الْمُبْدَلِ5
كَتَسْمِيَةِ الدِّيَةِ دَمًا، لِقَوْلِهِ6 صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَحْلِفُونَ7 وَتَسْتَحِقُّونَ
دَمَ صَاحِبِكُمْ"8!
ـــــــ
1 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص30، 87، الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن ص31،
المحلي على جمع الجوامع 1/ 317".
2 في ش: كشكله.
3 الآية 88 من طه.
4 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى
الإيجاز ص30، المستصفى 1/ 341، روضة الناظر وشرحها لبدران
2/ 16، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/
317".
5 صواب العبارة أن يقال: "إطلاق اسم المبدل على البدل".
وما أثبتناه في النص هو المذكور في الأصول الخطية كلها.
6 في ش: كقوله.
7 في ش ز: أتحلفون.
8 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
وابن ماجة والبيهقي وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ عن سهل
بن أبي خَثْمَةَ مرفوعاً في موضوع القسامة. "انظر صحيح
البخاري 9/ 12، مسلم بشرح النووي 11/ 146، 152، سنن أبي
داود 4/ 248، سنن النسائي 8/6، تحفة الأحوذي 4/ 683،
الموطأ 2/ 878، سنن البيهقي 8/ 117، سنن ابن ماجة 2/ 893،
مسند أحمد 4/ 3، نيل الأوطار 7/ 37، إحكام الأحكام الابن
دقيق العيد 2/ 238، أقضية النبي صلى الله عليه وسلم ص10".
(1/176)
"وَ" النَّوْعُ
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ
اسْمٍ مُقَيَّدٍ عَلَى 1 مُطْلَقٍ 1
كَقَوْلِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ2: "أَصْبَحْت وَنِصْفُ
النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ" الْمُرَادُ: مُطْلَقُ
الْبَعْضِ لا خُصُوصُ النِّصْفِ3.
أَوْ بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ اسْمِ "ضِدٍّ" عَلَى ضِدِّهِ4،
وَتُسَمَّى الْعَلاقَةُ هُنَا عَلاقَةَ الْمُضَادَّةِ
كَإِطْلاقِ الْبَصِيرِ عَلَى الأَعْمَى، وَالسَّلِيمِ
عَلَى اللَّدِيغِ، وَالْمَفَازَةِ عَلَى الْمَهْلَكَةِ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 هو شرح بن الحارث بن قيس الكندي الكوفي، المخضرم
التابعي، أبو أمية. أدراك النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يلقه على القول المشهور، ورى عن عمر بن الخطاب وعلي وابن
مسعود وغيرهم من الصحابة. ولّاه عمر قصاء الكوفة، وأقرّه
على ذلك مَنْ جاء بعده، فبقي على قضائها ستين سنة. يقول
النووي: "واتفقوا على توثيق شريح ودينه وفضله والاحتجاج
برواياته وذكائه وأنه أعلمهم بالقضاء" توفي سنة 78هـ وقيل
غير ذلك. "انظر ترجمته في صفة الصفوة 3/ 38 وما بعدها،
تهذيب الأسماء واللغات 1/ 243 وما بعدها، وفيات الأعيان 2/
167 وما بعدها، شذرات الذهب 1/ 85".
3 انظر في التجوز بإطلاق المقيد على المطلق البرهان
للزركشي 2/ 270.
4 انظر في التجوز بإطلاق اسم الضد على ضده "معترك الأقران
1/ 253، البرهان 2/ 283، الطراز 1/ 71، المسودة ص169،
المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317".
.
(1/177)
"وَ" النَّوْعُ
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ نَقْلِ
اسْمٍ لِعَلاقَةِ1 "مُجَاوَرَةٍ"
كَإِطْلاقِ لَفْظِ "الرَّاوِيَةِ" عَلَى ظَرْفِ الْمَاءِ،
وَإِنَّمَا هِيَ فِي الأَصْلِ الْبَعِيرُ الَّذِي
يُسْتَقَى عَلَيْهِ2.
"وَنَحْوِهِ" أَيْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، مِثْلُ أَنْ
يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ التَّقَدُّمِ
وَالتَّأَخُّرِ3، وَذَكَرُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً
أَحَوَى} 4 وَالْغُثَاءُ: مَا احْتَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ
الْحَشِيشِ، وَالأَحْوَى: الشَّدِيدُ الْخُضْرَةِ.
وَذَلِكَ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ5.
وَكَذَا الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهُوَ
الْمُنْقَطِعُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بِتَأْوِيلِهِ
بِدُخُولِهِ تَحْتَ الْجِنْسِ يَكُونُ مِنْ مَجَازِ
الْمُشَابَهَةِ.
وَمِنْهَا: وُرُودُ الأَمْرِ بِصُورَةِ الْخَبَرِ
وَعَكْسِهِ6، نَحْوُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ} 7 وقَوْله تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ}8 وَقَدْ يُقَالُ:
ـــــــ
1 في ش: علاقة.
2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317، المزهر 1/ 360، روضة
الناظر وشرحها لبدران 2/ 17 وما بعدها".
3 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى
علوم القرآن ص82-86، معترك الأقران 1/ 266، اللمع للشيرازي
ص5".
4 الآية 4، 5 من الأعلى.
5 قال الشيرازي: "والمراد أخراج المرعى أحوى، فجعله
غُثَاءً، فقدّم وأخّر" "اللمع ص5" وانظر معترك الأقران 2/
684، مفردات الراغب ص140.
6 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "معترك الأقران 1/
259، الإشارة إلى الإيجاز ص39، الفوائد المشوق إلى علوم
القرآن ص34، البرهان 2/ 289".
7 الآية 233 من البقرة. وقال العز بن عبد السلام: أي لترضع
الوالدات أولادهن حولين كاملين.
8 الآية 38 من مريم.
(1/178)
إنَّ ذَلِكَ
مِنْ الْمُبَالَغَةِ أَوْ الْمُضَادَّةِ، بِتَنْزِيلِهِ
مَنْزِلَةَ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ1 حَقِيقَةً
بِسَبَبِ اعْتِقَادِهِ.
"وَشُرِطَ" لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ "نَقْلٌ"
عَنْ الْعَرَبِ "فِي" كُلِّ "نَوْعٍ" مِنْ أَنْوَاعِ
الْمَجَازِ "لا" فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ "آحَادِ"
الْمَجَازِ، بَلْ يَكْفِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي
كُلِّ صُورَةٍ ظُهُورُ نَوْعٍ مِنْ الْعَلاقَةِ
الْمُعْتَبَرَةِ2.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إطْلاقُ اسْمٍ عَلَى
مُسَمَّاهُ الْمَجَازِيِّ لا يَفْتَقِرُ فِي الآحَادِ إلَى
النَّقْلِ عَنْ "الْعَرَبِ، بَلْ"3 الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ
الْعَلاقَةِ عَلَى الأَصَحِّ، وَأَمَّا فِي الأَنْوَاعِ:
فَمُعْتَبَرٌ وِفَاقًا. انْتَهَى.
"وَهُوَ" أَيْ الْمَجَازُ، ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ4.
- قِسْمٌ "لُغَوِيٌّ: كَأَسَدٍ لِشُجَاعٍ" لِعَلاقَةِ
الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْجُرْأَةُ5، فَكَأَنَّ أَهْلَ
اللُّغَةِ بِاعْتِبَارِهِمْ النَّقْلِ لِهَذِهِ
الْمُنَاسَبَةِ وَضَعُوا الاسْمَ ثَانِيًا لِلْمَجَازِ.
- "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: مَجَازٌ "عُرْفِيٌّ" وَهُوَ
نَوْعَانِ:
نَوْعٌ "عَامٌّ، كَدَابَّةٍ لِمَا دَبَّ" فَإِطْلاقُهَا6
عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي اللُّغَةِ، مَجَازٌ فِي
الْعُرْفِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ
لِذَاتِ الْحَافِرِ، فَإِطْلاقُهَا عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ
مَجَازٌ فِيهِ.
ـــــــ
1 في ش: في.
2 انظر: شرح مسلم الثبوت 1/ 203 وما بعدها، المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 326، العضد على ابن الحاجب
1/ 143 وما بعدها، الطراز 1/ 86، المعتمد 1/ 37، إرشاد
الفحول ص24.
3 ساقطة من ش.
4 انظر تفصيل الكلام على أقسام المجاز الثلاثة في "شرح
تنقيح الفصول ص44، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني
عليه 1/ 327 وما بعدها، إحكام الأحكام للآمدي 1/ 29، إرشاد
الفحول ص21 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/
163 وما بعدها".
5 في ع: الجراءة.
6 في ع: فاطلاقه.
(1/179)
"وَ" النَّوْعُ
الثَّانِي مِنْ الْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ: مَجَازٌ خَاصٌّ،
كَإِطْلاقِ لَفْظِ "جَوْهَرٍ" فِي الْعُرْفِ "لِـ" كُلِّ
"نَفِيسٍ" انْتِقَالاً فِي الْعُرْفِ مِنْ ذَاتِ
الْحَافِرِ، وَمِنْ النَّفَاسَةِ لِلْمَعْنَى
الْمُتَضَمِّنِ لِذَاتِ الْحَافِرِ مِنْ الدَّبِّ فِي
الأَرْضِ، وَلِلشَّيْءِ النَّفِيسِ مِنْ غُلُوِّ
الْقِيمَةِ الَّتِي فِي الْجَوْهَرِ1 الْحَقِيقِيِّ.
- "وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَجَازٌ "شَرْعِيٌّ: كَـ"
إطْلاقِ "صَلاةٍ" فِي الشَّرْعِ "لِـ" مُطْلَقِ "دُعَاءٍ"
انْتِقَالاً مِنْ ذَاتِ الأَرْكَانِ لِلْمَعْنَى
الْمُتَضَمِّنِ2 لَهَا مِنْ الْخُضُوعِ وَالسُّؤَالِ
بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ، فَكَأَنَّ الشَّارِعَ
بِهَذَا الاعْتِبَارِ وَضَعَ الاسْمَ ثَانِيًا لِمَا كَانَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَوِيِّ3 هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ،
فَكُلُّ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ فِي وَضْعٍ هُوَ4 مَجَازٌ
بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعٍ آخَرَ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً
وَمَجَازًا بِاعْتِبَارين5.
"وَيُعْرَفُ" الْمَجَازُ "بِصِحَّةِ نَفْيِهِ" كَقَوْلِكَ6
"الشُّجَاعُ لَيْسَ بِأَسَدٍ"، وَ "الْجَدُّ لَيْسَ
بِأَبٍ"، وَ "الْبَلِيدُ لَيْسَ بِحِمَارٍ"؛ لأَنَّ
الْحَقِيقَةَ لا تُنْفَى. فَلا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ
الْحِمَارَ لَيْسَ بِحِمَارٍ، وَإِنَّ الأَبَ لَيْسَ
بِأَبٍ، وَإِنَّ الْبَلِيدَ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ7
ـــــــ
1 في ع ب: الجوهري.
2 في ز ب ع: المضمن.
3 في ش: اللغوي من.
4 في ش: مجاز هو.
5 في ش: باعتباره.
6 في ش: كقولك في.
7 انظر فواح الرحموت 1/ 205، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 1/ 323، العضد على ابن الحاجب 1/ 146،
إرشاد الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 30،المسودة ص570،
القواعد والفوائد الأصولية ص127.
(1/180)
"وَ" يُعْرَفُ
أَيْضًا "بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ". أَيْ تَبَادُرِ1 غَيْرِ
الْمَجَازِ إلَى ذِهْنِ السَّامِعِ "لَوْلا الْقَرِينَةُ"
الْحَاضِرَةُ2.
"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "عَدَمِ وُجُوبِ3 اطِّرَادِهِ4"
أَيْ اطِّرَادِ5 عَلاقَتِهِ، فَالْعَلاقَةُ الَّتِي فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } 6 لا
تَطَّرِدُ، فَلا يُقَالُ: اسْأَلْ الْبِسَاطَ وَلا
الْحَصِيرَ7.
"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "الْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ"
كَجَنَاحِ الذُّلِّ، وَنَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ
"الْجَنَاحَ وَالنَّارَ" يُسْتَعْمَلانِ فِي
مَدْلُولِهِما8 الْحَقِيقِيِّ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ9.
وَإِنَّمَا قِيلَ بِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ، وَلَمْ يُقَلْ
بِتَقْيِيدِهِ، لأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يقيد10 فِي
بَعْضِ الصُّوَرِ، كَقَوْلِك: "عَيْنٌ جَارِيَةٌ"،
لَكِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ التَّقْيِيدُ فِيهِ.
ـــــــ
1 في ض ب: يتبادر.
2 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 147، المزهر 1/ 363، اللمع
ص5، إرشاد الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 33، المعتمد 1/
32، الروضة وشرحها لبدران 1/ 23، فواتح الرحموت 1/ 206،
المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 323.
3 في ع: وجود.
4 في ش: المراده.
5 في ش: المراد.
6 الآية 82 من يوسف.
7 انظر فواتح الرحموت 1/ 206، المستصفى 1/ 342، المحلي على
جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 323، العضد على ابن
الحاجب 1/ 149، المزهر 1/ 362، 364، اللمع ص5، إرشاد
الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 31، المعتمد 1/ 32.
8 في ش: مدلوله.
9 انظر إرشاد الفحول ص25، العضد على ابن الحاجب 1/ 153،
فواتح الرحموت 1/ 207، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 1/ 325.
10 في ش: قيد.
(1/181)
"وَ" يُعْرَفُ
أَيْضًا1 بِـ "تَوَقُّفِهِ" أَيْ تَوَقُّفِ اسْتِعْمَالِهِ
"عَلَى مُقَابِلِهِ" أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى2 الآخَرِ
الْحَقِيقِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ:
-مَلْفُوظًا بِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا
وَمَكَرَ اللَّهُ} 3 أَيْ جَازَاهُمْ4 عَلَى مَكْرِهِمْ،
حَيْثُ تَوَاطَئُوا عَلَى قَتْلِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَلْقَى، شَبَهَهُ عَلَى مَنْ
وَكَلُوا5 بِهِ قَتْلَهُ، وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ
فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ. ظَنًّا أَنَّهُ
عِيسَى. وَلَمْ يَرْجِعُوا لِقَوْلِهِ "أَنَا صَاحِبُكُمْ"
ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الآخَرَ، فَلا
يُقَالُ: "مَكَرَ اللَّهُ" ابْتِدَاءً.
- أَوْ كَانَ مُقَدَّرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ
اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} 6، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ
لِمَكْرِهِمْ ذِكْرٌ فِي اللَّفْظِ، لَكِنْ تَضَمَّنَهُ
الْمَعْنَى، وَالْعَلاقَةُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ7.
"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ
قَابِلٍ" * كَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَاسْأَلْ الْعِيرَ
وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالإِطْلاقِ عَلَى
الْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّ الاسْتِحَالَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ
غَيْرُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا8.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في ع: مسمى.
3 الآية 54 من آل عمران.
4 في ش: جزاهم.
5 في ش: وكل إليه.
6 الآية 21 من يونس.
7 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/
325، فواتح الرحموت 1/ 207، العضد على ابن الحاجب 1/ 145،
153، إرشاد الفحول ص25.
8 انظر الإحكام للآمدي 1/ 32، اللمع ص5، المزهر 1/ 363،
الطراز 1/ 93، المعتمد 1/ 34، حاشية البناني 1/ 326.
(1/182)
"وَ" يُعْرَفُ
أَيْضًا 1 بِـ "كَوْنِهِ لا يُؤَكَّدُ" 2 أَيْ
بِالْمَصْدَرِ 2؛ لأَنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفِي احْتِمَالَ
الْمَجَازِ3.
"وَفِي قَوْلٍ، وَ" وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِلاَّنِيِّ
وَالْغَزَالِيِّ، وَالْمُوَفَّقِ4، وَالطُّوفِيِّ، وَابْنِ
مُفْلِحٍ، وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ: إنَّ الْمَجَازَ "لا
يُشْتَقُّ مِنْهُ" 5.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} 6 بِمَعْنَى الشَّأْنِ مَجَازٌ7،
فَلا يُشْتَقُّ مِنْهُ آمِرٌ وَلا مَأْمُورٌ، وَلا
غَيْرُهَا8.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ الأَكْثَرِ وَيَدُلُّ لَهُ9
إجْمَاعُ الْبَيَانِيِّينَ عَلَى صِحَّةِ الاسْتِعَارَةِ
بِالتَّبَعِيَّةِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَجَازِ،
لأَنَّ الاسْتِعَارَةَ تَكُونُ فِي الْمَصْدَرِ. ثُمَّ
يُشْتَقُّ مِنْهُ10.
ـــــــ
*-1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ز.
3 انظر المزهر 1/ 363.
4 هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي
الحنبلي، موفق الدين، أبو محمد، أحد الأئمة الأعلام. قال
ابن النجار: "كان ثقة حجة نبيلاً، غزير الفضل، كامل العقل،
شديد التثبت، دائم السكوت، حسن السمت، ورعاً عابداً على
قانون السلف، على وجهه النور، وعليه الوقار والهيبة...
الخ". وقد ألف التصانيف النافعة، وأشهرها "المغني" و
"الكافي" و "المقنع" و "العمدة" في الفقه و "روضة الناظر"
في أصول الفقه و "التوابين" و "المتحابين في الله" في
الزهد والفضائل. توفي سنة 620هـ. "انظر ترجمته في ذيل
طبقات الحنابلة 2/ 133 وما بعدها، شذرات الذهب 5/ 88 وما
بعدها، فوات الوفيات 1/ 433".
5 انظر الإحكام للآمدي 1/ 32، المستصفى 1/ 343، المزهر 1/
362، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 24، إرشاد الفحول ص25،
المعتمد 1/ 33، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 160.
6 الآية 97 من هود.
7 في ع: مجازاً.
8 المستصفى 1/ 343.
9 في ش: عليه.
10 انظر الطراز 1/ 96.
(1/183)
وَاسْتُدِلَّ
عَلَى صِحَّةِ الاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَجَازِ أَيْضًا
بِقَوْلِهِمْ: "نَطَقَتْ الْحَالُ بِكَذَا"، أَيْ دَلَّتْ؛
لأَنَّ النُّطْقَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدَّلالَةِ أَوَّلاً،
ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ الْفَاعِلِ1 عَلَى مَا هُوَ
الْقَاعِدَةُ فِي الاسْتِعَارَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ فِي
الْمُشْتَقَّاتِ.
"وَيُثَنَّى" الْمَجَازُ "وَيُجْمَعُ" وَمَنَعَهُمَا
بَعْضُهُمْ وَأَبْطَلَهُ الآمِدِيُّ. بِأَنَّ لَفْظَ
الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ إجْمَاعًا2.
"وَيَكُونُ" الْمَجَازُ "فِي مُفْرَدٍ" كَإِطْلاقِ لَفْظِ
الأَسَدِ عَلَى الشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ عَلَى
الْبَلِيدِ، وَالْبَحْرِ عَلَى الْعَالِمِ، "وَ" يَكُونُ
أَيْضًا فِي "إسْنَادٍ" عَلَى الصَّحِيحِ3، وَعَلَيْهِ
الْمُعْظَمُ. فَيَجْرِي فِيهِ، وَإِنْ لِمَ يَكُنْ فِي
لَفْظَيْ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إلَيْهِ تَجَوُّزٌ،
وَذَلِكَ بِأَنْ يُسْنَدَ الشَّيْءُ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ
لَهُ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ بِلا وَاسِطَةِ وَضْعٍ.
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ4:
أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِـ ... ـيَرَ كَرُّ
الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيْ
فَلَفْظُ "الإِشَابَةِ" حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِ، -
وَهُوَ تَبْيِيضُ الشَّعْرِ-، وَالزَّمَانُ الَّذِي هُوَ
مُرُورُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِ
أَيْضًا، لَكِنْ إسْنَادُ الإِشَابَةِ إلَى الزَّمَانِ
ـــــــ
1 في ش: فاعل.
2 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/ 32، وانظر أيضاً
"المعتمد 1/ 33، المزهر 1/ 362".
3 انظر تفصيل الكلام على المجاز في الإفراد والتركيب وآراء
العلماء فيه في "فواتح الرحموت 1/ 208 وما بعدها، المحلي
على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 320، إرشاد الفحول
ص26، شرح تنقيح الفصول ص45 وما بعدها، العضد على ابن
الحاجب وحواشيه 1/ 154 وما بعدها، الطراز 1/ 74 وما بعدها،
أسرار البلاغة ص416 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص51،
البرهان 2/ 256 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 247".
4 البيت للصَلَتَان العبدي، قُثَم بن خَبِيئَةَ، نسبه له
ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" "1/ 478". كما نسبه له
البغدادي في "خزانة الأدب" "1/ 308" نقلاً عن ابن قتيبة،
ونسبه له أيضاً الأسنوي في "التمهيد" ص51، وقد نسبه الجاحظ
في "الحيوان" "3/ 477" للصَلَتَان السعدي، وقال: هو غير
الصلتان العبدي.
(1/184)
مَجَازٌ، إذْ
الْمُشَيِّبُ1 لِلنَّاسِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ
تَعَالَى.
فَهَذَا مَجَازٌ فِي الإِسْنَادِ، لا فِي نَفْسِ
مَدْلُولاتِ الأَلْفَاظِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إيمَانًا} 2 {إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ
النَّاسِ} 3، فَكُلٌّ مِنْ طَرَفَيْ الإِسْنَادِ
حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي إسْنَادِ
الزِّيَادَةِ إلَى الآيَاتِ، وَالإِضْلالِ إلَى
الأَصْنَامِ4، وَكَذَا {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا}
5 وَالْفَاعِلُ 6 لِذَلِكَ فِي الْكُلِّ 6 هُوَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
"وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ "فِيهِمَا" أَيْ فِي الْمُفْرَدِ
وَفِي الإِسْنَادِ "مَعًا" أَيْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "أَحْيَانِي اكْتِحَالِي
بِطَلْعَتِك" إذْ7 حَقِيقَتُهُ: سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ،
لَكِنْ8 أَطْلَقَ لَفْظَ "الإِحْيَاءِ" عَلَى "السُّرُورِ"
"مَجَازًا إفْرَادِيًّا"9. لأَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطُ
صِحَّةِ السُّرُورِ وَهُوَ مِنْ آثَارِهَا.
وَكَذَا لَفْظُ "الاكْتِحَالِ" 10 عَلَى الرُّؤْيَةِ
مَجَازٌ إفْرَادِيٌّ؛ لأَنَّ الاكْتِحَالَ 10: جَعْلُ
الْعَيْنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْكُحْلِ، كَمَا أَنَّ
الرُّؤْيَةَ: جَعْلُ الْعَيْنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى صُورَةِ
الْمَرْئِيِّ.
ـــــــ
1 في ش: المسبب.
2 الأية 2 من الأنفال.
3 الآية 36 من إبراهيم.
4 فقد أسْنِدَتْ الزيادة، وهي فعل الله تعالى إلى الآيات
المتلوة لكونها سبباً لها عادةً، كما أسْنِدَ الإضلال، وهو
فعله سبحانه إلى الأصنام باعتبارها سبباً للأظلال كذلك.
"انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 320".
5 الآية 27 من الأعراف.
6 في ش: كذلك.
7 في ش: أن.
8 ساقطة من ش.
9 في ش: مجاز إفرادي.
10 ساقطة من ز.
(1/185)
فَلَفْظُ
"الإِحْيَاءِ وَالاكْتِحَالِ" حَقِيقَةٌ فِي
مَدْلُولِهِمَا، وَهُوَ سُلُوكُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ،
وَوَضْعُ الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ
"الإِحْيَاءِ وَالاكْتِحَالِ" فِي السُّرُورِ
وَالرُّؤْيَةِ مَجَازٌ إفْرَادِيٌّ1، وَإِسْنَادُ
الإِحْيَاءِ إلَى الاكْتِحَالِ مَجَازٌ تَرْكِيبِيٌّ.
لأَنَّ لَفْظَ "الإِحْيَاءِ" لَمْ يُوضَعْ لِيُسْنَدَ إلَى
الاكْتِحَالِ، بَلْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَنَّ
الإِحْيَاءَ وَالإِمَاتَةَ الْحَقِيقِيَّتَيْنِ2 مِنْ
خَوَاصِّ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
"وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ فِي "فِعْلٍ" تَارَةً
بِالتَّبَعِيَّةِ. كَصَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، تَبَعًا
لإِطْلاقِ الصَّلاةِ مَجَازًا عَلَى الدُّعَاءِ، وَتَارَةً
بِدُونِ التَّبَعِيَّةِ، كَإِطْلاقِ الْفِعْلِ الْمَاضِي
بِمَعْنَى الاسْتِقْبَالِ3 نَحْوِ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}
4 وَ {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 5 وَ {وَنَادَى أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ} 6 أَيْ: وَيُنْفَخُ، وَيَأْتِي، وَيُنَادِي.
وَإِطْلاقُ الْمُضَارِعِ7 بِمَعْنَى الْمَاضِي8، نَحْوُ
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} 9، وَ {فَلِمَ
تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ؟} 10 أَيْ مَا تَلَتْهُ،
وَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ؟
ـــــــ
1 في ش: إفرادي ومجازي.
2 في ض ب: الحقيقتين.
3 انظر الإشارة إلى الإيجاز ص37 وما بعدها، الفوائد المشوق
إلى علوم القرآن ص32، معترك الأقران 1/ 258، المحلي على
جمع الجوامع 1/ 321.
4 الآية 68 من الزمر.
5 الآية الأولى من النحل.
6 الآية 44 من الأعراف.
7 في ع: الفعل المضارع.
8 انظر معترك الأقران 1/ 258، المحلي على جمع الجوامع
1/321، الإشارة إلى الإيجاز ص38، الفوائد المشوق إلى علوم
القرآن ص33.
9 الآية 102 من البقرة.
10 الآية 91 من البقرة.
(1/186)
وَالتَّعْبِيرُ
بِالْخَبَرِ عَنْ الأَمْرِ1 نَحْوُ {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ} 2، وَعَكْسُهُ [نَحْوُ] {فَلْيَمْدُدْ لَهُ
الرَّحْمَنُ مَدًّا} 3 [وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: "فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ
النَّارِ" 4.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْخَبَرِ عَنْ النَّهْيِ5 نَحْوُ {لا
يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} 6.
قَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ: هُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ
الأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لِشِدَّةِ
تَأَكُّدِ طَلَبِهِ نَزَّلَ الْمَطْلُوبَ مَنْزِلَةَ
الْوَاقِعِ لا مَحَالَةَ7.
"وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ فِي "مُشْتَقٍّ" كَاسْمِ
الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ، وَالصِّفَةِ
الْمُشَبَّهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُشْتَقُّ مِنْ
الْمَصْدَرِ، كَإِطْلاقِ "مُصَلٍّ" فِي الشَّرْعِ عَلَى
الدَّاعِي8.
ـــــــ
1 انظر البرهان 2/ 289، معترك الأقران 1/ 259، الإشارة إلى
الإيجاز ص39، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص34.
2 الآية 233 من البقرة.
3 الآية 75 من مريم.
4 هذا الوعيد ورد في آحاديث كثيرة مختلفة الموضوعات، ولعل
أصحها وأشهرها قوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ
متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري ومسلم وأبو
داود والترميذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده وغيرهم،
ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع كبير من الصحابة
منهم أنس وأبو هريرة وعلي وجابر وابن مسعود والزبير
ومعاوية. "انظر فيض القدير 6/ 214 وما بعدها، صحيح البخاري
1/ 3، صحيح مسلم 1/ 10، سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي
7/ 419، سنن ابن ماجة 1/ 13".
5 انظر معترك الأقران 1/ 259، البرهان 2/ 291، الإشارة إلى
الإيجاز ص40، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص34.
6 الآية 79 من الواقعة.
7 انظر الإشارة إلى الإيجاز ص40، البرهان 2/ 290، الفوائد
المشوق إلى علوم القرآن ص32 وما بعدها، معترك الأقران 1/
260.
8 انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 321 وما بعدها.
(1/187)
"وَ" يَكُونُ
الْمَجَازُ أَيْضًا فِي "حَرْفٍ" فَإِنَّهُ قَدْ تَجُوزُ
بِـ "هَلْ" عَنْ الأَمْرِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2 أَيْ فَأَسْلِمُوا وَانْتَهُوا،
وَعَنْ النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ تَرَى
لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} 3 أَيْ مَا تَرَى لَهُمْ مِنْ
بَاقِيَةٍ، وَعَنْ التَّقْرِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ} 4.
وَقِيلَ: لا يَجْرِي الْمَجَازُ فِي الْحُرُوفِ إلاَّ
بِالتَّبَعِيَّةِ، كَوُقُوعِ الْمَجَازِ فِي
مُتَعَلِّقِهِ5.
"وَيُحْتَجُّ بِهِ" أَيْ بِالْمَجَازِ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ
إجْمَاعًا6. لأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ
الْوَضْعِ، كَالْحَقِيقَةِ، أَلا تَرَى إلَى قَوْله
تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} 7
فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَجَازًا،
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ
إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 8 وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ
الْمُرَادَ: الأَعْيُنُ الَّتِي فِي الْوُجُوهِ وَقَدْ
احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى وُجُوبِ9 النَّظَرِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ10.
ـــــــ
1 الآية 14 من هود و108 من الأنبياء.
2 الآية 91 من المائدة، وهي ساقطة من ش.
3 الآية 8 من الحاقة.
4 الآية 28 من الروم.
5 انظر تفصيل الكلام على التجوز في الحروف في "الإشارة إلى
الإيجاز ص30 وما بعدها، الطراز 1/ 88، التمهيد للأسنوي
ص51، الفؤاد المشوق إلى علوم القرآن ص36 وما بعدها، المحلي
على جمع الجوامع 1/ 321".
6 المسودة ص173.
7 الآية 6 من المائدة.
8 الآية 22، 23 من القيامة.
9 في ش: وجود.
10 الرد على الجهمية والزنادقة للأمام أحمد ص214، 243، وقد
حكاه عنه المجد في المسودة ص170 والبعلي في القواعد
والفوائد الأصوليه ص129.
(1/188)
وَأَيْضًا:
فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَكُونُ أَسْبَقَ إلَى الْقَلْبِ،
كَقَوْلِ الإِنْسَانِ: "لِزَيْدٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ"،
فَإِنَّهُ مَجَازٌ وَهُوَ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ
قَوْلِهِ: "يَلْزَمُنِي1 لِزَيْدٍ دِرْهَمٌ"2.
"وَلا يُقَاسَ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الْمَجَازِ. لأَنَّ
عَلاقَتَهُ لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً3.
"وَيَسْتَلْزِمُ" الْمَجَازُ "الْحَقِيقَةَ" لأَنَّهُ
فَرْعٌ وَالْحَقِيقَةُ أَصْلٌ، وَمَتَى وُجِدَ الْفَرْعُ
وُجِدَ الأَصْلُ4. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ
يَسْتَلْزِمْهَا لَعَرِيَ الْوَضْعُ عَنْ الْفَائِدَةِ5.
"وَلا تَسْتَلْزِمُهُ" أَيْ وَلا تَسْتَلْزِمُ
الْحَقِيقَةُ الْمَجَازَ، لأَنَّ اللُّغَةَ طَافِحَةٌ
بِحَقَائِقَ لا مَجَازَاتٍ لَهَا6.
"وَلَفْظَاهُمَا"7 أَيْ لَفْظُ حَقِيقَةٍ، وَلَفْظُ
مَجَازٍ "حَقِيقَتَانِ عُرْفًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ
الْعُرْفِ؛ لأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ
يَسْتَعْمِلْهُمَا فِيمَا اسْتَعْمَلَهُمَا فِيهِ أَهْلُ
ـــــــ
1 في ش: يلزمه.
2 انظر المسودة ص170 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية
للبعلي ص128 وما بعدها.
3 انظر المزهر للسيوطي 1/ 364، المسودة ص173، 174.
4 انظر اختلاف الأصوليين في استلزام المجاز الحقيقة في
"فواتح الرحموت 1/ 208، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 1/ 305 وما بعدها، الطراز 1/ 99، المعتمد 1/
35، العضد على ابن الحاجب 1/ 153، الإحكام للآمدي 1/ 34".
5 أي الوضع الأول. وكلام المصنف هذا جوابٌ على استدلال
الأصوليين الذاهبين إلى أن المجاز لا يستلزم الحقيقة، بأن
اللفظ قبل استعماله فيما وضع له أولاً، لا يوصف بالحقيقة،
ولا مانع من أن يتجوز في اللفظ قبل استعماله فيما وضع له
أولاً... وقد ردّ الأصوليين المخالفون لما ذهب إليه المصنف
على جوابه: بأن الفائدة حاصلةٌ باستعماله فيما وضع له
ثانياً، إذ لولا الوضع الأول لما وجد الثاني. "انظر المحلي
على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 306 وما عبدها،
الإحكام للآمدي 1/ 34".
6 ساقطة من ش.
7 في ش: ولفظا.
(1/189)
الْعُرْفِ وَ
"مَجَازَانِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ، لأَنَّهُمَا
مَنْقُولانِ1 مِنْهَا2. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ
نَقْلِهِمَا3.
"وَهُمَا" أَيْ وَكَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أَوْ
مَجَازًا "مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ"4. قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَادِثٌ بَعْدَ
الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ، يَعْنِي تَقْسِيمَ اللَّفْظِ إلَى
حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ.
"وَلَيْسَ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْحَقِيقَة، وَلا مِنْ
الْمَجَازِ "لَفْظٌ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ" لِعَدَمِ
رُكْنِ تَعْرِيفِهِمَا5، وَهُوَ الاسْتِعْمَالُ؛ لأَنَّ
الاسْتِعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ كُلٍّ مِنْهُمَا6.
"وَلا" مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ "عَلَمٌ
مُتَجَدِّدٌ"7. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ":
اخْتَارَهُ الأَكْثَرُ، لأَنَّ الأَعْلامَ وُضِعَتْ
لِلْفَرْقِ بَيْنَ ذَاتٍ وَذَاتٍ. فَلَوْ تُجُوِّزَ
فِيهَا، لَبَطَلَ هَذَا الْغَرَضُ. وَأَيْضًا، فَنَقْلُهَا
إلَى مُسَمًّى آخَرَ إنَّمَا هُوَ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ لا
لِعَلاقَةٍ.
ـــــــ
1 في ض ب ز ش: منقولتان.
2 في ش: عنها.
3 لم يتقيد الكلام إلا على نقل لفظ مجازك من استعماله في
الوضع الأول إلى الثاني وذلك في ص153.
4 أي مما يعرض للفظ بعد استعماله، فإن استعمال فيما وضع له
أولاً فهو الحقيقة، وأن استعمل فيما وضع له ثانياً لعلاقة.
فهو المجاز.
5 في ش: تصريفهما.
6 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/
328، العضد على ابن الحاجب 1/ 153، إرشاد الفحول ص26،
فواتح الرحموت 1/ 208، معترك الأقران 1/ 267، المزهر 1/
367، الطراز 1/ 101.
7 فالأعلام المتجدد بالنسبة إلى مسمياتها لست بحقيقة، لأن
مستعملها لم يستعملها فيما وضعت له أولاً، بل إما أنه
اخترعها من غير سبق وضع –كما في الأعلام المرتجلة- ولا
مجاز في ذلك، أو نقلها عما وضعت له –كما في الأعلام
المنقولة- وهي بمجاز، لأنها لم تنقل لعلاقة. "المزهر 1/
367، وانظر الطراز 1/ 89، 100" وكلمة متجدد وردت في ش:
متجرد.
(1/190)
|