مختصر التحرير شرح الكوكب المنير

فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه
...
فصل إطلاق جمع المشترك:
"يَصِحُّ إطْلاقُ جَمْعِ الْمُشْتَرَكِ" عَلَى مَعَانِيهِ "وَمُثَنَّاهُ" عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَعًا "كَ1" إطْلاقِ "مُفْرَدٍ2 عَلَى كُلِّ مَعَانِيهِ3".
أَمَّا إرَادَةُ4 الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ5 مَعَانِيهِ أَوْ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ6, فَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ، لأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ7.
وَأَمَّا إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ -وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ- فَفِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا -وَهُوَ الصَّحِيحُ-: يَصِحُّ، كَقَوْلِنَا: الْعَيْنُ مَخْلُوقَةٌ، وَنُرِيدُ8 جَمِيعَ مَعَانِيهَا.وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الأَصْحَابِ9.
ـــــــ
1 في ب: وكـ.
2 في ش: مفرد.
3 في ض ع: ماله معا.
4 في ش: أي ما أراد.
5 في د: كأحد.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111 وما بعدها، التبصرة ص184، المسودة ص168، المنخول ص147.
وسيرد بحث المشترك تفصيلاً فيما بعد
8 في ش ز ض: يريد
9 انظر هذا القول في المسألة في المستصفى 2/71، الإحكام للآمدي 2/242، البرهان 1/343، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، تيسير التحرير 1/235، مختصر البعلي ص110، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص228، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297".

(3/189)


قَالَ فِي الانْتِصَارِ -لَمَّا قِيلَ لَهُ فِيمَنْ لا يَجِدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ -: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، أَيْ لا يَحْبِسُهَا. فَقَالَ: الظَّاهِرُ مِنْهَا الإِطْلاقُ، عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَقْدِ وَالْمَكَانِ مَعًا.
وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ1. وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ: ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} 2 فَإِنَّ الصَّلاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَمِنْ الْمَلائِكَةِ الدُّعَاءُ3وَكَذَا لَفْظُ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 4 وَشَهَادَتُهُ تَعَالَى5 عِلْمُهُ، وَشَهَادَةُ غَيْرِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ.وَبِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} 6 النِّكَاحُ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ مُرَادَانِ7 لَنَا مِنْهُ إذَا قُلْنَا: النِّكَاحُ مُشْتَرَكٌ8. وَقَطَعَ بِهِ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ9 مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ10.
وَيَكُونُ إطْلاقِهِ11 عَلَى مَعَانِيهِ أَوْ مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لا حَقِيقَةً.نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ12
ـــــــ
1 في ع ض ب: للشافعي.
2 الآية 56 من الأحزاب.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114.
4 الآية 18 من آل عمران.
5 في ض ب: وشهادة الله.
6 الآية 22 من النساء.
7 في ش: مراد لنا.
8 في ب: المشترك.
9 في ش: من.
10 انظر: المنخول ص147، المستصفى 2/72، 74، الإحكام للآمدي 2/242 وما بعدها، العدة 2/703، المسودة ص166.
11 في ش: من إطلاقه، وفي ز: بإطلاقه.
12 ساقطة من ش ز.

(3/190)


ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1.
وَقِيلَ: حَقِيقَةً2.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَيَيْهِ فِي النَّفْيِ دُونَ الإِثْبَاتِ، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ3 تَعُمُّ4.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مُفْرَدٍ, فَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَاعْتَدِّي بِالأَقْرَاءِ5، أَوْ مُثَنًّى، كَقُرْأَيْنِ صَحَّ6.
الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ إنْ تَعَلَّقَ أَحَدُ7 الْمَعْنَيَيْنِ بِالآخَرِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} 8 فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ9 اللَّمْسِ بِالْيَدِ10 وَ لازِمٌ لِلآخَرِ.
ـــــــ
1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/294، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، البرهان 1/344، تيسير التحرير 1/235.
2 نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة: أنه يصح حقيقة إن صح الجمع.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/112، تيسير التحرير 1/235، جمع الجوامع 1/295".
3 في ز: النفي في النكرة، وفي ض ع ب: النكرة في النفي.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، مختصر البعلي ص111، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، المسودة ص168.
5 في ش ز: الأقراء.
6 ساقطة من ش.
وانظر: مختصر البعلي ص111، المسودة ص168.
7 في ع: إحدى.
8 الآية 43 من النساء.
9 في ش: فكلمة.
10 في ش: تأكيد.

(3/191)


الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ مَنَعَتْ مِنْهُ1.
الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: لا يَصِحُّ مُطْلَقًا.اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْقَيِّمِ.وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِينَ2.
قَالَ3 فِي كِتَابِهِ4 جَلاءُ الأَفْهَامِ5 فِي الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي مَنْعِ كَوْنِ الصَّلاةِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرَّحْمَةُ-: الأَكْثَرُونَ لا يُجَوِّزُونَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.وَرَدَ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ.قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَلَى إبْطَالِ اسْتِعْمَالِ6 اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلاً فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْءِ فِي كِتَابِ التَّعْلِيقِ عَلَى الأَحْكَامِ7.
فَعَلَى الْجَوَازِ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ8 مَعَانِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِهَا؛ لأَنَّهُ
ـــــــ
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، المعتمد 1/326.
2 في ش ز: الأكثر.
ذهب إلى ذلك أصحاب أبي حنيفة كالكرخي، وأبو هاشم الجبائي وأبو عبد الله البصري من المعتزلة، والإمام الفخر الرازي والغزالي وإمام الحرمين، ونقله القرافي عن مالك وأبي حنيفة، وفي قول عند الحنفية: أن حكم المشترك الوقف.
"انظر: التبصرة ص184، المعتمد 1/324، الإحكام للآمدي 2/242، تيسير التحرير 1/235، المستصفى 2/72، أصول السرخسي 1/126، 162، كشف الأسرار 1/39 وما بعدها، 2/33، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، التمهيد ص42، المسودة ص168".
3 في ض ع ب: فقال.
4 في ض: كتاب.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ز.
8 في ش: و.

(3/192)


لا تَدَافُعَ بَيْنَهَا1.
وَقِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، فَيُرْجَعُ إلَى مُخَصَّصٍ2.
قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْصِيلِ، أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ، فَرَدُّوا ذَلِكَ3 بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى4 كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابِقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَدُلُّ5 عَلَى الْمَعْنَى الآخَرِ بِهَا, وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُلِّيِّ6 الْمَجْمُوعِيَّ7، وَهُوَ8 أَنْ يَجْعَلَ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولاً مُطَابِقًا كَدَلالَةِ الْعَشَرَةِ عَلَى آحَادِهَا، وَلا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولاً مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ.انْتَهَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ9 الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ10 مَعَانِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ
ـــــــ
1 في ش ع ض ب: بينهما.
وهو قول الشافعي، وهو كثير في كلام القاضي الباقلاني وأصحابه، وقال العضد: "فيحمل عند التجرد عن القرائن عليهما، ولا يحتمل على أحدهما خاصة إلا بقرينة" "العضد على ابن الحاجب 2/112، 113 وما بعدها".
وانظر: مختصر البعلي ص110، المنخول ص147.
2 في ش: التخصيص.
قال البعلي: "وهو ما صرح به القاضي وابن عقيل" "مختصر البعلي ص111"، ولكن القاضي صرح في مكان أنه مجمل وصرح في مكان آخر أنه عام. "انظر: العدة 1/145، 2/513".
3 في ز ض: فردوا ذلك، وفي ش: وردوا ذلك.
4 في ش: يجعل بدلاً عن.
5 في ض: يدل.
6 في ش: بالكلي.
7 في ش ض ب: المجموع.
8 في ش: وهي.
9 في ع ض ب: جميع.
10 في ض: اعتبار.

(3/193)


الْمُفْرَدِ1 فِي مَعَانِيهِ2.
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ تَابِعَانِ لِمَا3 يُسَوَّغُ عَلَى4 الْمُفْرَدِ فِيهِ، فَحَيْثُ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْمُفْرَدِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ جَازَ تَثْنِيَةُ الْمُشْتَرَكِ وَجَمْعُهُ، وَحَيْثُ لا فَلا، فَتَقُولُ5: عُيُونُ زَيْدٍ، وَتُرِيدُ: بِذَلِكَ الْعَيْنَ الْبَاصِرَةَ، وَالْعَيْنَ الْجَارِيَةَ، وَعَيْنَ الْمِيزَانِ، وَالذَّهَبِ6 الَّذِي لِزَيْدٍ7.
وَاسْتَعْمَلَ الْحَرِيرِيّ8ُ ذَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ، فِي قَوْلِهِ "فَانْثَنَى بِلا عَيْنَيْنِ" يُرِيدُ الْبَاصِرَةَ وَالذَّهَبَ.وَهَذَا قَوْلُ الأكثر9.
ـــــــ
1 في ش: الفرد.
2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/297.
3 في ب: على.
4 ساقطة من ز ش.
5 في ض: فيقول.
6 في ض ع ب: والذهب والفضة.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297.
8 هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد، الحريري البصري، صاحب "المقامات" المشهورة، قال ابن السمعاني: "أحد الأئمة في الأدب واللغة، ولم يكن له في فنه نظير في عصره، فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة"، وكان غنياً كثير المال، وقال ابن خلكان: "ورزق الحظوة التامة في عمل "المقامات"، واشملت على شيء كثير من كلام العرب، من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته"، ويحكي أنه كان دميماً، قبيح المنظر، وكان مولعاً بنتف لحيته عند الفكرة، وله تواليف حسان، منها "در الغواص في أوهام الخواص" و "ملحمة الإعراب" منظومة في النحو، وله "شرحها" وله "ديوان شعر ورسائل" توفي سنة516هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/266، وفيات الأعيان 3/227، شذرات الذهب 4/50، إنباه الرواة 3/23، بغية الوعاة 2/257، مرآة الجنان 3/213، النجوم الزاهرة 5/225".
9 في ش ز: كثير.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242.

(3/194)


وَقِيلَ: يَجُوزُ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ1 إطْلاقُ الْمُفْرَدِ عَلَى مَعَانِيهِ2.
وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا.
"وَيَصِحُّ إطْلاقُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الرَّاجِحِ مَعًا" وَيَكُونُ إطْلاقُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا مَجَازًا. فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَقْوَالِ وَالأَحْكَامِ3.
إلاَّ أَنَّ الْقَاضِي4 أَبَا5 بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيَّ قَالَ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مُحَالٌ لأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَالْمَجَازُ6 فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ7، وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ8انْتَهَى.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 9 فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ، مَجَازٌ فِي وَلَدِ الابْنِ.
وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} 10 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، خِلافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْوُجُوبِ11
ـــــــ
1 في ع: نصحح.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/113، المسودة ص166، العدة 22/703، جمع الجوامع 1/298.
4 ساقطة من ش.
5 في ب: أبو.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ض.
8 انظر: المسودة ص166، المنخول ص147، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/298.
9 الآية 11 من النساء.
10 الآية 77 من الحج.
11 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299.

(3/195)


وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ مَدْلُولَ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ1 مُطْلَقُ الطَّلَبِ، فِرَارًا مِنْ الاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ2. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ" 3 يَشْمَلُ الْمُحْتَضَرَ وَالْمَيِّتَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةٌ، وَقَبْلَهُ مَجَازٌ4.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: اللَّمْسُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّمْسِ5 بِالْيَدِ، مَجَازٌ فِي الْجِمَاعِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا.وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، لأَنَّهُ لا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا6.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ7 "وَهُوَ" أَيْ اللَّفْظُ حَالَةَ إطْلاقِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَجَازهِ8 "ظَاهِرٌ فِيهِمَا" أَيْ
ـــــــ
1 في د: على.
2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299.
3 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن معقل بن يسار، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة".
قال النووي: "إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود" وقال ابن حجر: "أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال راويه" ونقل عنه قوله: "وأما الحاكم فتساهل في تصحيحه لكنه من فضائل الأعمال، وعلى هذا يحمل سكوت أبي داود، والعلم عند الله" وقال الدار قطني: "إنه حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث".
"انظر: سنن أبي داود 4/287، مختصر سنن أبي داود 4/287، سنن ابن ماجه 1/466، مسند أحمد 5/26، المستدرك 1/565، الأذكار للنووي ص131، فيض القدير 2/67، موارد الظمآن ص184".
4 انظر: المحرر في الفقه 1/182.
5 في ش ز ض: بالمس، والأعلى من ع ب، و "العدة".
6 العدة 2/704.
7 انظر: المسودة ص167، 565، المنخول ص148.
8 في ش: الحقيقة والمجاز.

(3/196)


غَيْرُ مُجْمَلٍ، وَلا ظَاهِرٍ1 فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، إذْ لا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا "فَيُحْمَلُ2 عَلَيْهِمَا كَعَامٍّ3".
وَمَحَلُّ صِحَّةِ الإِطْلاقِ وَالْحَمْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَنَافٍ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ.
"فَإِنْ تَنَافَيَا4 كَافْعَلْ، أَمْرًا و5َ تَهْدِيدًا: امْتَنَعَ" الإِطْلاقُ وَالْحَمْلُ.
"وَأُلْحِقَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "بِذَلِكَ" أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظَانِ "الْمَجَازَانِ الْمُسْتَوَيَانِ6" مِثَالُ ذَلِكَ7 لَوْ حَلَفَ لا يَشْتَرِي دَارَ زَيْدٍ، وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ8 لا يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ، وَتَرَدَّدَ الْحَالُ بَيْنَ السَّوْمِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ: هَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا أَمْ لا؟ فَمَنْ جَوَّزَ الْحَمْلَ يَقُولُ: يَحْنَثُ كُلٌّ مِنْهُمَا9.
"وَدَلالَةُ الاقْتِضَاءِ وَالإِضْمَارِ عَامَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ10.
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ مُجْمَلَةٌ11.
ـــــــ
1 في ع: نص أو ظاهر.
2 في ش: فتحمل.
3 انظر: جمع الجوامع 1/296، مختصر البعلي ص110.
4 في ش: وإن تنافى.
5 في ع ب: أو.
6 في ش: المستوفيان.
7 في ش: مثل، وفي ز ض ع: مثل ذلك.
8 ساقطة من ز.
9 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/300.
10 نسب البردوي هذا القول للشافعي، وليس هناك دليل يؤيد ذلك، لكن قال بهذا القول بعض الشافعية.
"انظر: كشف الأسرار 2/237، المستصفى 2/62، تيسير التحرير 1/242، المسودة ص90، مختصر البعلي ص111، تخريج الفروع على الأصول ص145، إرشاد الفحول ص131، العدة 2/513".
11 قال المجد ابن تيمية: "وقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية، لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل، واختاره القاضي في أوائل "العدة" وآخر "العمدة" وزعم أن أحمد قد أومأ إليه، وذكر كلاماً لا يدل عندي على ما قال بل على خلافه" "المسودة ص91، 94"
"وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المستصفى 2/62".

(3/197)


وَعِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هِيَ لِنَفْيِ الإِثْمِ1.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِمَا رَوَاهُ2 الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ" وَرَوَاهُ3 ابْنُ عَدِيٍّ4 "إنَّ اللَّهَ رَفَعَ5 عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثًا: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَالأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ" 6 فَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِيهِ: مُقْتَضَى الإِضْمَارِ، وَمُقْتَضَاهُ الإِضْمَارُ.
ـــــــ
1 يعبر الحنفية والشافعية عن هذا الرأي بقولهم: "المقتضى لا عموم له".
"انظر: البناني على جمع الجوامع 1/402، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/61، المحصول ج1 ق2/624، تخريج الفروع على الأصول ص149، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/115، اللمع ص17، مختصر البعلي ص111، الإحكام للآمدي 2/249، فواتح الرحموت 1/294، أصول السرخسي 1/248، تيسير التحرير 1/22، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة 159، العدة 2/517".
2 في ز ض ع ب: روى.
3 في ز ض ب: وروى.
4 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن مبارك، الجرجاني، أبو أحمد، ويعرف أيضاً بابن القطان، قال ابن قاضي شبهة: "أحد الأئمة الأعلام وأركان الإسلام" كان حافظاً متقناً جليلاً عارفاً بعلل الرجال، رحل إلى بلاد كثيرة كالشام ومصر، قال ابن السبكي: "وكتابه الكامل" طابق اسمه معناه، ووافق لفظه فحواه وكان فيه لحن، وألف كتاب "الانتصار" على مختصر المزني في الفقه، وكتاب "الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين"، توفي سنة 365 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/315، طبقات الحفاظ ص380، شذرات الذهب 3/51، تذكرة الحفاظ 3/940، البداية والنهاية 11/283".
5 في ز ض ب: رفع الله.
6 انظر: سنن ابن ماجه 1/659، كشف الخفا 1/433، فيض القدير 4/34، 6/362، تخريج أحاديث البردوي ص89، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص294، المستدرك 2/198، مجمع الزوائد 6/250، التلخيص الحبير 2/281.
وسبق تخريج هذا الحديث برواياته وألفاظ في المجلد الأول ص436، 512، والمجلد الثاني ص31، 60.

(3/198)


وَدَلالَتُهُ1 عَلَى الْمُضْمَرِ دَلالَةُ إضْمَارٍ وَاقْتِضَاءٍ.فَالْمُضْمَرُ عَامٌّ2.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَيُسَمَّى مُقْتَضًى3، لأَنَّهُ أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النَّصُّ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهِ.وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ: اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلإِضْمَارِ، وَبِفَتْحِهَا, ذَلِكَ الْمُضْمَرُ نَفْسُهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْكَلامُ, تَصْحِيحًا4وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا, انْتَهَى.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُقْتَضِي -بِالْكَسْرِ-: الْكَلامُ الْمُحْتَاجُ لِلإِضْمَارِ، وَبِالْفَتْحِ: هُوَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ. وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِالْمُضْمَرِ5, فَالْمُخْتَلَفُ فِي عُمُومِهِ: عَلَى6 الصَّحِيحِ الْمُقْتَضَى -بِالْفَتْحِ- بِدَلِيلِ7 اسْتِدْلالِ مَنْ نَفَى عُمُومَهُ بِكَوْنِ8 الْعُمُومِ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ، فَلا يَجُوزُ دَعْوَاهُ فِي الْمَعَانِي.وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُقْتَضِي9 -بِالْكَسْرِ–
ـــــــ
1 في ب: ودلالة.
2 أي إن الخطأ أو النسيان لا يمكن رفعه، لأنه قد وقع فعلا، ولكن المراد به حكمه الذي تعلق به الفعل، وهذا الحكم عام في الإثم والأثر المترتب على الفعل.
انظر استدلال علماء الأصول بهذا الحديث قي "المسودة ص91، 94، 95، 103، العضد على ابن الحاجب 2/116، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/249، العدة 2/514، 517، الروضة 2/183".
3 في ز ض ع ب: مقتضياً.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المحصول ج1 ق2/624، تيسير التحرير 1/241، العضد على ابن الحاجب 2/115، فواتح الرحموت 1/294، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة ص160.
6 في ش: هو.
7 ساقطة من ع.
8 في ع: لكون.
9 في ب: المحتمل.

(3/199)


وَهُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ، الْمُحْتَاجُ فِي دَلالَتِهِ لِلإِضْمَارِ، كَمَا صَوَّرَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ1.
وَبِالْجُمْلَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرٍ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 2 وَغَيْرِهَا مِنْ الأَمْثِلَةِ، إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحْتَمَلاتِ كُلِّهَا، وَ3 هُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلاً؟ فِيهِ4 مَذَاهِبُ5.
وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ رَفْعَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ، بَلْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ, فَاللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ. احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ6 .
7قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ8 مَا عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ.فَهُوَ حَقِيقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، لَكِنْ مُقْتَضَاهُ الأَوَّلُ9.
وَكَذَا فِي التَّمْهِيدِ وَالرَّوْضَةِ: أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ10.
ـــــــ
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/402، مباحث الكتاب والسنة ص158، 162، العدة 2/517.
2 الآية 3 من المائدة.
وليس المقصود من الآية تحريم نفس العين، بل المقصود الفعل، ويحمل على كل فعل من بيع وأكل وغيرهما. "انظر: المسودة ص90، العدة2/145، 513، 518".
3 في ش: أو.
4 في ش: أو.
5 قال القاضي أبو يعلى: "وذهب الأكثر من أصحاب أبي حنيفة والشافعي إلى أنه لا يعتبر العموم في ذلك" "العدة 2/517".
"وانظر: المسودة ص90 وما بعدها".
6 ساقطة من ش ز.
وانظر: العدة 2/517، الروضة 2/183.
7 ساقطة من ش.
8 في ض ع ب. مضمونه أن.
9 انظر: المسودة ص93.
10 انظر: الروضة ص183.

(3/200)


وَاعْتُرِضَ: لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، فَهُوَ مَجَازٌ1.
وَ2 رُدَّ بِالْمَنْعِ لذَلِكَ3.
ثُمَّ قَوْلُنَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ.
وَعُورِضَ بِأَنَّ بَابَ الإِضْمَارِ فِي الْمَجَازِ أَقَلُّ، فَكُلَّمَا قَلَّ قَلَّتْ مُخَالَفَةُ الأَصْلِ فِيهِ، فَيَسْلَمُ قَوْلُنَا: لَوْ عَمَّ أُضْمِرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَلا يَجُوزُ4.
رَدٌّ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْخَطَإِ عَامٌّ وَلا زِيَادَةَ، وَيَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ حُكْمٍ مَانِعٌ5.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِهِمْ6: التَّخْصِيصُ كَالإِضْمَارِ وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا فِي الإِضْمَارِ: هَلْ هُوَ مِنْ الْمَجَازِ أَمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنَّهُ7 نَقْصُ الْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ وَالإِضْمَارُ عَكْسُهُ، وَ8 لَيْسَ فِيهِمَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعٍ9 آخَرَ.
وَفِي التَّمْهِيدِ: لأَنَّ الإِثْمَ لا مِزْيَةَ10
ـــــــ
1 وهذا محكي عن أبي عبد البصري المعروف بالجعل. "انظر: العدة 2/518، 519".
وانظر: المسودة ص93.
2 ساقطة من ز ض ب.
3 في ش: كذلك.
وانظر: العدة 2/519.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، العدة 2/518.
5 انظر: مناقشة هذه الأدلة في "الإحكام للآمدي 2/249-250".
6 هذا ما نقله الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن القاضي أبي يعلى. "انظر: المسودة ص565".
7 في المسودة: فإن العموم المخصوص.
8 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "المسودة".
9 في ز ض ع ب: موضوع.
10 في ع: لا مزية فيه.

(3/201)


لأُمَّتِهِ1 فِيهِ عَلَى الأُمَمِ2 لأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ3، وَلأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ4 فِي5 نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ6 سُلْطَانٌ، لِنَفْيِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَنْبَغِي لَهُ7.
وَلا وَجْهَ لِمَنْعِ الآمِدِيِّ الْعُرْفَ فِي نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ8 وَكَلامُ الآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُضَافِ إلَى الْعَيْنِ، وَنَحْوُ "لا صَلاةَ إلاَّ بِطَهُورٍ" يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ9 هُنَا. وَقَالُوا فِيهِ بِزِيَادَةِ الإِضْمَارِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى, وَقَالُوا10 فِي "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" لا إجْمَالَ فِيهِ وَلا إضْمَارَ، لِظُهُورِهِ11 لُغَةً قَبْلَ الشَّرْعِ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ، وَتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ. وَالأَصْلُ فِيمَا تَبَادَرَ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً أَوْ12 عُرْفًا13.
"وَ" مَا مِنْ اللَّفْظِ "مِثْلُ: لا آكُلُ، أَوْ14 إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ: يَعُمُّ مَفْعُولاتِهِ، فَيُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ" وَكَذَا سَائِرُ الأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ15
ـــــــ
1 في ش: إلا منه
2 في ش الإثم، وفي هامش ش: كذا في الأصل، وليحرر.
3 انظر: الروضة 2/184.
4 في ز ض ع ب: العرف.
5 ساقطة من ض ع ب.
6 في ز ش: في البلد.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، الروضة 2/182، الإحكام للآمدي 2/249.
8 انظر: الإحكام للآمدي 2/249.
9 في ش: ذكره.
10 في ز: وقال.
11 في ش ز ض: لظهور.
12 في ب: و.
13 انظر: فواتح الرحموت 1/265، الروضة 2/183، الإحكام للآمدي 2/249.
14 في ض ع: و.
15 انظر: هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/117، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص111".

(3/202)


قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ هَلْ يَعُمُّ، حَتَّى إذَا وَقَعَ فِي يَمِينٍ1، نَحْوُ وَاَللَّهِ لا آكُلُ أَوْ2 لا أَضْرِبُ أَوْ3 لا أَقُومُ، أَوْ مَا أَكَلْت أَوْ مَا قَعَدْت وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَنَوَى تَخْصِيصَهُ بِشَيْءٍ يُقْبَلُ، أَوْ لا يَعُمُّ فَلا يُقْبَلُ؟
يَنْظُرُ. إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا أَوْ لازِمًا:
فَالأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ الْخِلافُ عِنْدَ الأَكْثَرِ.فَإِذَا نُفِيَ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فَفِيهِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: -وَهُوَ4 قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَأَبِي يُوسُفَ- أَنَّهُ يَعُمُّ6وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَعُمُّ.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ7.
وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: النَّفْيُ8 لِلأَفْرَادِ9، فَيُقْبَلُ10 إرَادَةُ التَّخْصِيصِ بِبَعْضِ
ـــــــ
1 في ز: عين.
2 في ش: و.
3 في ش: و
4 ساقطة من ز ض ع ب.
5 في ز ع ب: والمالكية والشافعية.
6 انظر نهاية السول 2/82، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184، جمع الجوامع 1/423، مختصر ابن الحاجب 2/116، مباحث الكتاب والسنة ص136.
7 قال الرازي: "ونظر أبي حنيفة رحمه الله –فيه دقيق" "المحصول ج1 ق2/627".
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/116، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184.
8 في ش ز ض ب: المنفي.
9 في ش ز: بالإفراد.
10 في ش ز: فتقبل.

(3/203)


الْمَفَاعِيلِ بِهِ لِعُمُومِهِ, أَوْ لِنَفْيِ1 الْمَاهِيَّةِ وَلا تَعَدُّدَ فِيهَا، فَلا عُمُومَ, وَالأَصَحُّ هُوَ الأَوَّلُ.
"فَلَوْ2 نَوَى" مَأْكُولاً "مُعَيَّنًا: قُبِلَ بَاطِنًا" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ الْبَنَّا وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ3.
فَإِنْ ذَكَرَ الْمَفْعُولَ بِهِ،.كَ لا أُكُلُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، أَوْ لا أَضْرِبُ عَبْدًا، فَلا خِلافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي عُمُومِهِ وَقَبُولِهِ التَّخْصِيصَ4.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِ "بَاطِنًا" بِصِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ فِيهِ، فَكَذَا تَخْصِيصُهُ.
قَالَ الْمُخَالِفُ: الْمَأْكُولُ لَمْ يُلْفَظْ بِهِ، فَلا عُمُومَ، كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ5.
رُدَّ6 بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ7.
ـــــــ
1 في ش ز ض ب: المنفي.
2 في ش: أو.
3 لا يقبل قوله قضاء بالاتفاق، لأن النية خلاف الظاهر من الكلام، وفيها منفعة له، فتكون كدعوى، فلا تقبل إلا بدليل، ولا يقبل ديانة عند أبي حنيفة ومن معه، لأن التخصيص من توابع العموم، ولا عموم هنا.
"انظر: المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، نهاية السول 2/78، 88، المحلي على جمع الجوامع 1/423، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286، مختصر البعلي ص111".
4 في ض ع ب: للتخصيص.
انظر: نهاية السول 2/87.
5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117، نهاية السول 2/88، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/628، فواتح الرحموت 1/186، شرح تنقيح الفصول ص185.
6 في ش ض: ورد.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117.

(3/204)


قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ1.
"فَلَوْ زَادَ" فَقَالَ: إنْ أَكَلْت "لَحْمًا" مَثَلاً "وَنَوَى" لَحْمًا "مُعَيَّنًا، قُبِلَ" مِنْهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ2 "مُطْلَقًا" أَيْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عِنْدَنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ3، مَا ذُكِرَ عَنْ غَيْرِنَا، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اتِّفَاقًا، وَخَرَّجَهُ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ4.
"وَالْعَامُّ فِي شَيْءٍ عَامٌّ فِي مُتَعَلِّقَاتِهِ" وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَالَ الإِمَامُ5, أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 6 ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ: أَنَّ مَنْ7 وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدٍ فَلَهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَ8 هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ الْكِتَابِ- أَنَّ الآيَةَ إنَّمَا قَصَدَتْ لِلْمُسْلِمِ9، لا لِلْكَافِرِ10.
ـــــــ
1 انظر بيان الفرق في "الإحكام للآمدي 2/251، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 2/286".
2 في ب: المتعين.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: الروايتين.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/78، 88، المحصول ج1 ق2/630، فواتح الرحموت 1/288، التمهيد ص113.
5 ساقطة من ض ب.
6 الآية 11 من النساء.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ع ب.
9 سبق بيان هذه المسألة عن الإمام أحمد مع الأدلة ص115.
10 في ع: الكافر.

(3/205)


وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: سَمَّاهُ عَامًّا, وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الأَحْوَالِ يَعُمُّهَا عَلَى الْبَدَلِ, وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا1 لَمْ يَأْخُذْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْقُرْآنُ.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2 عَامَّةٌ فِيهِمْ، مُطْلَقَةٌ فِي أَحْوَالِهِمْ. فَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ لِمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ3.
وَقَالَ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا، كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 4 فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَفِي وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ.وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ عَلَى الشُّفْعَةِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ" 5
ـــــــ
1 في ز: بها.
2 الآية 5 من التوبة.
3 تقدمت مسألة "عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة"، خلافاً للقرافي وبعض الحنابلة، كأبي العباس ابن تيمية الذي قال: "إن عموم الأشخاص لا يقتضي عموم الأحوال"، "راجع ذلك مع الأدلة ص115".
4 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني وابن عدي عن أمامة وعمرو بن خارجة وأنس وابن عباس وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجابر وزيد بن أرقم والبراء وعلي بن أبي طالب ومعتقل بن يسار رضي الله عنهم مرفوعاً بلفظ: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" .
"انظر: سنن أبي داود 2/103، سنن النسائي 6/207، تحفة الأحوذي 6/309، سنن ابن ماجه 2/906، نصب الراية 4/403، سنن البيهقي 6/463، سنن الدار قطني 4/98، كشف الخفا 2/514، تخريج أحاديث البردوي ص222، التلخيص الحبير 3/92، مسند أحمد 4/186، 238، 5/267".
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/22 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/46، سنن ابي داود 2/256، تحفة الأحوذي 4/613، سنن النسائي 7/282، سنن ابن ماجه 2/834، الموطأ ص444 ط الشعب، بدائع المنن 2/211، مسند أحمد 3/296، 399، التلخيص الحبير 3/55، 56، نصب الراية 4/175".

(3/206)


وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ عَامٌّ فِي الأَمْلاكِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ:
لا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ بِالْعَامِّ، بَلْ يَجْرِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ.وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي "لا أَكَلْت" إنَّهُ لا عُمُومَ فِيهِ، بَلْ مُطْلَقٌ، وَالتَّخْصِيصُ فَرْعُ الْعُمُومِ1. اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالنِّيَّةِ تَقْيِيدًا، فَلَمْ يَمْنَعُوهُ, وَهَذِهِ هِيَ2 مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالنِّيَّةِ, وَلا أَكَلْت مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنْ3 أَكَلْت، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَالنَّفْيِ4.
"وَنَفْيُ الْمُسَاوَاةِ لِلْعُمُومِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ5.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ: لَيْسَ لِلْعُمُومِ, وَيَكْفِي النَّفْيُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ6.
ـــــــ
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286.
3 في ش: وإن.
4 انظر: المحصول 2/619 هامش.
5 انظر هذه المسألة في "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/422، نهاية السول 2/87، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، شرح تنقيح الفصول ص186، التمهيد ص98، تخريج الفروع على الأصول ص160، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، مختصر البعلي ص111، المسودة ص106".
6 انظر: نهاية السول 2/85، المعتمد 1/249، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، المحلي على جمع الجوامع 1/422، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، شرح تنقيح الفصول ص186، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، التمهيد ص98، المسودة ص107، مختصر البعلي ص111.

(3/207)


قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إنَّ1 الْخِلافَ فِي الاسْتِدْلالِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 2 فَلَوْ قُتِلَ بِهِ لَثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا، وَالاسْتِدْلالُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ بِقَوْله تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} 3 وَ4 لَوْ قُلْنَا: يَلِي5، لاسْتَوَى مَعَ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ، وَهُوَ الْعَدْلُ6.
وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِي الآيَتَيْنِ لا يَمْنَعُ قِصَاصَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ، وَلا وِلايَةَ الْفَاسِقِ7.
ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الاسْتِوَاءَ فِي الإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَدْلُولُهُ لُغَةً الاسْتِوَاءُ مِنْ وَجْهٍ مَا؟
فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَنَفْيُهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ، 8فَلا يَكُونُ عَامًّا9.
وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ مِنْ عُمُومِ
ـــــــ
1 في ز ض ع ب: وإن.
2 الآية 20 من الحشر.
3 الآية 18 من السجدة.
4 ساقطة من ش ز ض ب.
5 في ش: بلى.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، نهاية السول 2/87، المعتمد 1/249، التمهيد ص98.
7 وهو قول الحنفية في المسألتين.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، العضد على ابن الحاجب 2/114، فواتح الرحموت 1/289".
8 ساقطة من ب هنا، ثم ذكرت بعد ست كلمات.
9 انظر: نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250.

(3/208)


السَّلْبِ1 فِي الْحُكْمِ، لأَنَّ نَقِيضَ الإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبٌ جُزْئِيٌّ، وَنَقِيضَ الإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ سَلْبٌ كُلِّيٌّ, وَ2 لَكِنْ كَوْنُ الاسْتِوَاءِ فِي الإِثْبَاتِ عَامًّا مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ عُمُومٍ مَمْنُوعٌ, غَايَتُهُ: أَنَّ حَقِيقَةَ الاسْتِوَاءِ ثَبَتَتْ3.
وَقَوْلُ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ: نَفْيُ الاسْتِوَاءِ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِنْ نَفْيِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَالأَعَمُّ4 لا يَلْزَمُ مِنْهُ الأَخَصُّ5: مَرْدُودٌ بِمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَغَيْرُهُ6. بِأَنَّ7 ذَلِكَ فِي الإِثْبَاتِ أَمَّا8 نَفْيُ الأَعَمِّ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ9 الأَخَصِّ، كَنَفْيِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الإِنْسَانِ.هَذَا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الاسْتِوَاءَ عَامٌّ لَهُ جُزْئِيَّاتٌ10.
أَمَّا إذَا قُلْنَا: حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُ كُلِّ مُتَّصِفٍ بِهَا11.
"وَالْمَفْهُومُ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ12 "عَامٌّ فِيمَا
ـــــــ
1 في ش: السبب.
2 ساقطة من ب.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، الإحكام للآمدي 247، شرح تنقيح الفصول ص186، تيسير التحرير 1/251، التمهيد ص98.
4 في ش: أعم.
5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: إن.
8 في ش: ما.
9 في ب: نفي.
10 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، نهاية السول 2/87، تيسير التحرير 1/250.
11 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/115.
12 في ز ض ع ب: مخالفة أو موافقة.

(3/209)


سِوَى الْمَنْطُوقِ يُخَصَّصُ1 بِمَا.يُخَصَّصْ2 بِهِ الْعَامُّ هَذَا3 عِنْدَ الأَكْثَرِينَ4 مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ5.
قِيلَ6 لأَصْحَابِنَا: لَوْ كَانَ حُجَّةً لَمَا خُصَّ، لأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ اللَّفْظِ كَالْعِلَّةِ، فَأَجَابُوا بِالْمَنْعِ، وَأَنَّ اللَّفْظَ بِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ، فَخُصَّ كَالنُّطْقِ وَقَدْ قِيلَ لأَحْمَدَ7 فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ السَّبْعَ وَالذِّئْبَ وَالْغُرَابَ وَنَحْوُهُ؟ فَاحْتَجَّ8 بِقَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ...} الآيَةَ9 10 لَكِنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ11 هَلْ يَعُمُّهُ النُّطْقُ12؟ فِيهِ خِلافٌ يَأْتِي.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قَالَ الآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ13: الْخِلافُ فِي الْمَفْهُومِ حُجَّةٌ،
ـــــــ
1 في ز ش: مخصص.
2 في ش: لم يخصص.
3 في ب: وهذا.
4 في ش ز ع ب: الأكثر.
5 واختار أبو العباس ابن تيمية وابن عقيل والمقدسي من الحنابلة أنه لا عموم له، وهو رأي الغزالي وابن دقيق العيد من الشافعية.
"انظر: مختصر البعلي ص111، 113، القواعد والفوائد الأصولية ص234، 237، مختصر ابن الحاجب 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، الإحكام للآمدي 2/257، منهاج العقول 2/93، شرح تنقيح الفصول ص191، نهاية السول 2/96، تيسير التحرير 1/260، فواتح الرحموت 1/297، إرشاد الفحول ص131، المسودة ص 144".
6 في د ض ب: وقيل.
7 في ز ض ع ب: قال أحمد.
8 في ز ع ض ب: واحتج.
9 ساقطة من ب.
10 الآية 95 من المائدة.
11 في ع: موافقته.
12 في ز: المنطق.
13 انظر: الإحكام للآمدي 2/257، المحصول ج1 ق2/654.

(3/210)


لَهُ عُمُومٌ لا يَتَحَقَّقُ، لأَنَّ مَفْهُومَيْ1 الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالِفَةِ عَامٌّ فِي سِوَى الْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ2، لِقَوْلِهِ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" 4 يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، دُونَ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ5.
فَمَتَى جَعَلْنَاهُ حُجَّةً لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ, وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَرَادُوا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
قِيلَ: قَوْلُهُمْ "الْمَفْهُومُ لا عُمُومَ لَهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ" لا6. يُرِيدُونَ بِهِ7 سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمَعْلُوفَةِ، لأَنَّهُ خِلافُ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَهُ فِي مَعْرِضِ الْبَحْثِ، فَقَدْ قَالُوا: دَلالَةُ الاقْتِضَاءِ.تُجَوِّزُ8 رَفْعِ الْخَطَإِ9، أَيْ حُكْمُهُ10: لا يَعُمُّ حُكْمَ الإِثْمِ وَالْغُرْمِ مَثَلاً، تَقْلِيلاً لِلإِضْمَارِ، فَكَذَلِكَ11 يُقَالُ فِي الْمَفْهُومِ: هُوَ حُجَّةٌ، لِضَرُورَةِ
ـــــــ
1 في ش مفهوم.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص238، الإحكام للآمدي 2/257.
3 في ز ض ع ب: فقوله.
4 رواه البخاري وأبو داود والنسائي والدارمي والطبراني ومالك وأحمد عن أنس وعمر وابن عمر مرفوعاً بألفاظ متقاربة.
"انظر: صحيح البخاري 1/253، سنن أبي داود 1/358، سنن النسائي 5/14، 20، سنن الدارمي 1/381، تخريج أحاديث البردوي ص127، تخريج احاديث مختصر المنهاج ص289، المنتقى 2/126، مسند أحمد 1/12".
5 انظر: التبصرة ص226، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص132.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ض.
8 في ش: بجواز.
9 في ب: الخطاب.
10 في ض: حكم.
11 في ش ز ض ب: فلذلك.

(3/211)


ظُهُورِ1 فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ, وَيَكْفِي فِي الْفَائِدَةِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، لِتَوَقُّفِ بَيَانِهَا عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَفْهُومِ، لَكِنَّهُ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ2
"وَرَفْعُ3 كُلِّهِ4 تَخْصِيصٌ أَيْضًا" لإِفْرَادِهِ5 اللَّفْظَ فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ، فَهُوَ كَبَعْضِ الْعَامِّ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 يرى الفخر الرازي والعضد وغيرهما أنه إذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف، وأنه نزاع لفظي يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق، أو ما يستغرق في الجملة.
انظر مناقشة هذه المسألة في "العضد على ابن الحاجب، والتفتازاني عليه 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه والبناني عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، شرح تنقيح الفصول ص191، فواتح الرحموت 1/297، تيسير التحرير 1/260، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص131".
3 في ش: ووقع.
4 في ش: كل.
5 في ش: لإفراد، وفي "مختصر البعلي ص113": لإفادة.
6 انظر: مختصر البعلي ص113.

(3/212)