مختصر التحرير شرح الكوكب المنير

فصل الاستصحاب
...
"فَصْلٌ1"
"الاسْتِصْحَابُ2" مُبْتَدَأٌ "وَهُوَ" أَيْ الاسْتِصْحَابُ "التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ" بِدَلِيلٍ3 "شَرْعِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ نَاقِلٌ مُطْلَقًا4: دَلِيلٌ" خَبَرُ الاسْتِصْحَابِ.
وَكَوْنُ الاسْتِصْحَابِ دَلِيلاً: هُوَ الصَّحِيحُ5.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 في ش ز: والاستصحاب.
3 في ش: دليل.
4 انظر في تعريف الاستصحاب "التعريفات للجرجاني ص 14، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/350، ترجيح الفروع على الأصول ص 172، العضد على ابن الحاجب 2/284، المستصفى 1/218، البرهان 2/1135، نهاية السول 3/157، مختصر الطوفي ص 138، أصول مذهب أحمد ص 373، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، إرشاد الفحول ص 237، الجدل لابن عقيل ص 9".
5 انظر حجية القول باستصحاب الحال وأنواعه وأدلته عند الحنابلة والشافعية والمالكية وطائفة من الحنفية في "الإحكام لابن حزم 2/590، مجموع الفتاوى 11/342، الإحكام للآمدي 4/111، شرح تنقيح الفصول ص 447، المستصفى 1/218، الروضة ص 155، المحلي على جمع الجوامع 2/347، المحصول 2/3/148، 163 وما بعدها، المنخول ص 373، مناهج العقول 3/155، العضد على ابن الحاجب 2/284، تيسير التحرير 4/177، أصول مذهب أحمد ص 373 وما بعدها، مختصر البعلي ص 160 مختصر الطوفي ص 138، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، أثر الأدلة المختلف فيها ص 186، أثر الاختلاف ص 540، تأسيس النظر ص 18، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".

(4/403)


وَحَقِيقَةُ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ: التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ تَارَةً يَكُونُ بِحُكْمِ دَلِيلِ الْعَقْلِ1، كَاسْتِصْحَابِ حَالِ الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا وَعَدَمِ تَوَجُّهِ الْحُكْمِ إلَى الْمُكَلَّفِ.
وَتَارَةً يَكُونُ الاسْتِصْحَابُ بِحُكْمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، كَاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعُمُومِ وَالإِجْمَاعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلٌ نَاقِلٌ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ الْمُسْتَصْحَبِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ الدَّالَّةِ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: إذَا كَانَ حُكْمًا مَوْجُودًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ2 أَنْ3 يَتَغَيَّرَ، فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَنَفْيُ مَا يُغَيِّرُهُ4.
وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الأَصْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بِالْعَقْلِ انْتِفَاؤُهُ، وَأَنَّ الْعَدَمَ الأَصْلِيَّ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ كَالأَصْلِ: عَدَمُ وُجُوبِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ، وَصَوْمِ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ
ـــــــ
1 في ش: الفقهاء.
2 في ش: محتمل.
3 في ب: لأن.
4 في ش: يغايره.

(4/404)


بِذَلِكَ حَكَمَ الْعَقْلُ بِانْتِفَائِهِ لِعَدَمِ الْمُثْبِتِ لَهُ1.
وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ2 حُكْمٍ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ3، كَالْمِلْكِ عِنْدَ حُصُولِ السَّبَبِ وَشَغْلِ الذِّمَّةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلافٍ. فَهَذَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا أَصْلِيًّا - فَهُوَ حُكْمٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، جَمِيعًا4، وَلَوْلا أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى دَوَامِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ السَّبَبُ الْمُزِيلُ وَالْمُبَرِّئُ لَمَا زَالَ اسْتِصْحَابُهُ5.
ـــــــ
1 ويسمى هذا النوع استصحاب العدم الأصلي، وإليه ينصرف اسم الاستصحاب، ويعرف بالبراءة الأصلية، وهذا النوع حجة باتفاق خلافاً للمعتزلة وبعض المالكية.
انظر: المستصفى 1/222، الإحكام للآمدي 4/129، العدة 1/73، تخريج الفروع على الأصول ص 348، المسودة ص 448، القواعد والفوائد الأصولية ص 108، مجموع الفتاوى 11/34، 23/15، 29/166، شرح تنقيح الفصول ص 447، الروضة ص 155، الفقيه والمتفقه 1/216، العبادي على الورقات ص 218، المحصول 2/3/225 وما بعدها، 238، إعلام الموقعين 1/378، اللمع ص 69، أصول مذهب أحمد ص 373.
2 في ش: انتقاء استصحاب.
3 في ش: سببه المثبت له.
4 في ش: لوجود سببه جميعاً.
5 انظر مزيداً من أمثلة الاستصحاب لكل نوع منه في "الإحكام لابن حزم 1/386 وما بعدها، 2/950، إعلام الموقعين 1/378 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 2/348، المحصول 2/3/148، المستصفى 1/219، التمهيد للأسنوي ص 149، تيسير التحرير 4م177، المعتمد 2/884، تخريج الفروع على الأصول ص 172، أثر الأدلة المختلف فيها ص 187، 200، أثر الاختلاف 543 وما بعدها".

(4/405)


وَقِيلَ: لَيْسَ الاسْتِصْحَابُ بِدَلِيلٍ1.
وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلاً أَنْ لا يُعَارِضَهُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ مَتَى قُدِّمَ الظَّاهِرُ عَلَى الأَصْلِ كَانَ تَقْدِيمُهُ لِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ يَنْضَمُّ إلَيْهِ2.
"وَلَيْسَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلافِ حُجَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ.
وَخَالَفَ جَمْعٌ3 فِي ذَلِكَ4.
ـــــــ
1 في ض ن: دليلاً.
2 انظر القول بعدم حجية الاستصحاب، والتفصيل في حجيتها حالة الدفع دون الإثبات، وغيره في "حاشية البناني على جمع الجوامع 2/349، العضد على ابن الحاجب 2/285، تيسير التحرير 4/177، أصول السرخسي 2/147، 223، شرح تنقيح الفصول ص 447، كشف الأسرار 3/377 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/129، 131، الفقيه المتفقه 1/216، أصول مذهب أحمد ص 376، أثر الاختلاف ص 542، أثر الأدلة ص 195، المعتمد 2/885".
3 ساقطة من ش.
4 قال بحجية استصحاب حكم الإجماع الإمام الشافعي وأيده الآمدي، وتبعه ابن شاملا وابن حامد من الحنابلة، وقال بعدم حجيته الحنفية والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية كالمزني والصيرفي وابن سريج والغزالي والمحلي، انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "العدة 1/73، إعلام الموقعين 1/381، التمهيد للأسنوي ص 139، المستصفى 1/223 وما بعدها، حاشية البناني والمحلي على جمع الجوامع 2/350، روضة الناظر مع نزهة الخاطر 1/392، التبصرة ص 526، الإحكام للآمدي 4/127 وما بعدها، 136، اللمع ص 69، تيسير التحرير 4/177، أثر الأدلة المختلف فيها ص 190، الفقيه والمتفقه 1/216، تخريج الفروع على الأصول ص 73، أصول مذهب أحمد ص 378، إرشاد الفحول ص 238، مختصر البعلي ص 160، مختصر الطوفي ص 138، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".

(4/406)


وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الأَكْثَرِ: أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّكَافُؤِ فِي الأَدِلَّةِ1؛ لأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْتَصْحِبُ حَالَةَ2 الإِجْمَاعِ فِي مَوْضِعِ الْخِلافِ إلاَّ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حَالَةَ الإِجْمَاعِ فِي مُقَابِلِهِ.
مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى3 أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ تُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ، فَكَذَا4 فِي الصَّلاةِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ5 فَمَنْ أَبْطَلَهُ لَزِمَهُ الدَّلِيلُ6.
وَ7جَوَابُهُ: بِمَنْعِ التَّكَافُؤِ، وَإِنْ تَعَارَضَا.
وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ الشَّارِعِ.
وَأَجَابَ بِمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الدَّلِيلِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، إلاَّ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا الدَّلِيلُ.
ـــــــ
1 في ض: الدلالة.
2 في ض ب ز: حال.
3 ساقطة من ز.
4 في ض: وكذا.
5 في ش: تحريمه.
6 انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31.
7 ساقطة من ش.

(4/407)


"وَيَجُوزُ تَعَبُّدُ نَبِيٍّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ عَقْلاً"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ1، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ2.
وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إحْيَاؤُهَا وَلَعَلَّ فِيهِ مَصْلَحَةً3 "وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّنَا" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ" عِنْدَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. كَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ4.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَنْ زَعَمَهُ فَقَوْلُ سُوءٍ5. انْتَهَى.
قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ6: وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ
ـــــــ
1 في ش: المحال.
2 انظر: العدة 3/751، المسودة ص 182، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/212، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134
3 انظر مناقشة القول بمنع تبعد نبي بشريعة بني قبلة في "العدة 3/751، 761 وما بعدها، المسودة ص 183، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/213، المعتمد 2/899".
4 من ذلك حديث بدء الوحي الذي جاء فيه: "ثم حبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد... حتى جاءه الحق" وهذا حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عائشة، وسوف يذكره المصنف فيما بعد ص 384.
5 انظر: العدة 3/766، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134.
6 في ض ب: المبتدئ.

(4/408)


الْبَعْثَةِ1، بَلْ وُلِدَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ2.
وَقِيلَ: بَلْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ3. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ4: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى دِينٍ سِوَى الإِسْلامِ، وَلا كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَطُّ. بَلْ وُلِدَ مُؤْمِنًا نَبِيًّا صَالِحًا عَلَى مَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ مِنْ حَالِهِ وَخَاتِمَتِهِ لا بِدَايَتِهِ.
"بَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْعِ مَنْ كَانَ5 قَبْلَهُ مُطْلَقًا" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيَّةِ6؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَهُ دَعَا إلَى
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 انظر المسودة ص 182، الإحكام للآمدي 4/148، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ش ز.
6 المختار عند الشافعية الوقف كما جاء في "جمع الجوامع 2/352"، وصرح به الغزالي والآمدي والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، وأبو الخطاب من الحنابلة.
انظر: المحصول 1/3/397، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، المسودة ص 183، البرهان 1/503، 509، المنخول ص 232، فواتح الرحموت 2/184، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/766.

(4/409)


شَرْعِهِ كُلَّ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَتَنَاوَلَهُ1 عُمُومُ الدَّعْوَةِ.
وَقِيلَ: بَلْ2 بِشَرْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ فَقِيلَ: آدَم أَوْ نُوحٌ أَوْ إبْرَاهِيمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ3 وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَجَمْعٌ، أَوْ مُوسَى أَوْ عِيسَى4.
وَمَنَعَهُ5 الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ6، وَذَكَرَ7 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الأَكْثَرِ: كَوْنَهُ مُتَعَبِّدًا قَبْلَ
ـــــــ
1 في ش: فيتناوله.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: المسودة ص 182.
4 انظر: العدة 3/757، المسودة ص 193، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/352، البرهان 1/507 وما بعدها، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، العضد على ابن الحاجب 2/286، المحصول 1/3/401، المعتمد 2/900، كشف الأسرار 2/212، تيسير التحرير 3/129، فواتح الرحموت 2/182، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، مختصر البعلي ص 161، إرشاد الفحول ص 239.
5 في ش: ومنعه.
6 في ض: أبو الحسن، ولعله أبو الحسن الأشعري، فهذا قول الأشعرية، ولعله أبو الحسين القاضي ابن أبي يعلى الحنبلي، صاحب طبقات الحنابلة، والراجح أنه أبو الحسين البصري المعتزلي، فهذا قوله، وصرح به في كتابه "المعتمد 2/899".
7 في ز: وذكره.

(4/410)


الْبَعْثَةِ بِشَرْعٍ مُطْلَقًا؛ لاسْتِحَالَتِهِ عَقْلاً عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَشَرْعًا عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالآمِدِيِّ إذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، وَلَتَدَاوَلَتْهُ الأَلْسِنَةُ1.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ: بِمَا فِي مُسْلِمٍ2 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَتَحَنَّثُ -أَيْ يَتَعَبَّدُ- فِي غَارِ حِرَاءٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ3 أَيْضًا كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءٍ.
رُدَّ4 بِأَنَّ مَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ عِبَادَةُ
ـــــــ
1 إن النقل عن الحنفية في هذه المسألة غير دقيق، لما ذكره ابن عبد الشكور في كتابه "مسلم الثبوت" والكمال ابن الهمام في كتابه "التحرير" وغيرهما من الحنفية أن: "المختار أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع قبل بعثته" فإنهم يقولون كالحنابلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعبداً بشرع قبل البعثة، وهذا ما اختاره أيضاً ابن الحاجب من المالكية، فقال: "المختار أنه كان متعبداً به".
انظر تحقيق المسألة مع بيان الأقوال والأدلة والمناقشة في "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/183، تيسير التحرير 3/129 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/286، المعتمد 2/899، 900، المسودة ص 182، 183، المحصول 2/3/397 وما بعدها، البرهان 1/508، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/138، كشف الأسرار 3/212، المنخول ص 231 وما بعدها، العدة 3/756، 766، إرشاد الفحول ص 239".
2 صحيح مسلم بشرح النووي 2/198.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، "مسند أحمد 6/232".
3 صحيح البخاري بحاشية السندي 1/3.
4 ساقطة من ش.

(4/411)


صَوْمٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ تَشَبُّهًا1 بِالأَنْبِيَاءِ.
رُدَّ بِالْمَنْعِ.
"وَتَعَبُّدُهُ2" أَيْ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيْضًا بِهِ" أَيْ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ "بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4.
"فَ" عَلَى هَذَا "هُوَ" أَيْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا "شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.
ـــــــ
1 في ض ب: تشبيها.
2 في ب ز: وتعبد.
3 ساقطة من ب ز.
4 وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة، خلافاً للشافعية، انظر بيان هذه المسألة مع الأدلة في "العدة 3/753، 757، نزهة الخاطر 1/400، المسودة ص 184، 193، مجموع الفتاوى 19/7، جمع الجوامع 2/352، الإحكام للآمدي 4/140، المحصول 1/3/401، 406 وما بعدها، تيسير التحرير 3/131، فواتح الرحموت 2/184، مختصر البعلي ص 161، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، إرشاد الفحول ص 240".
5 قال الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية إن شرع من قبلنا شرع لنا، وقال أكثر الشافعية والأشاعرة والمعتزلة وأحمد في رواية: إن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، ولكل قول دليله، فانظر الأقوال والأدلة والمناقشة في "الروضة ص 160 وما بعدها، المستصفى 1/251، 255، العضد على ابن الحاجب 2/287، الإحكام للآمدي 4/140، كشف الأسرار 3/213، تيسير التحرير 3/131، أصول السرخسي 2/99، فتح الغفار 2/139، المنخول ص 333، مختصر البعلي ص 161، أصول مذهب أحمد ص 485، 491، أثر الأدلة المختلف فيها ص 534، التوضيح على التنقيح 2/276، مختصر الطوفي ص 140، إرشاد الفحول ص 240، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/756".

(4/412)


"وَمَعْنَاهُ فِي قَوْلٍ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ، لا مُتَابِعٌ"
قَالَ الْقَاضِي: مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِنَبِيِّنَا1، لا مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَهُ2.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لا مُتَابِعٌ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَيَعُمُّنَا لَفْظًا3.
4وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَقْلاً، لِتَسَاوِي الأَحْكَامِ، وَهُوَ الاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ فِي قَصَصِهِمْ فَيَعُمُّنَا حُكْمًا4. "وَيُعْتَبَرُ فِي قَوْلٍ" لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ5 وَغَيْرِهِمَا "ثُبُوتُهُ قَطْعًا".
قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ شَرْعًا لَهُمْ [بِدَلِيلٍ]6 مَقْطُوعٍ7 بِهِ: إمَّا بِكِتَابٍ، أَوْ بِخَبَرِ الصَّادِقِ، أَوْ بِنَقْلٍ
ـــــــ
1 في ض ب: لنبيه.
2 عبارة القاضي: "فقد صار شريعة لنبينا، ويلزمنا أحكامه من حيث صار شريعة له، لا من حيث كان شريعة لمن قبله" "العدة 3/753" وانظر: المسودة ص 185.
3 انظر: العدة 3/753، المسودة ص 185.
4 ساقطة من ض. انظر المسودة ص 185.
5 في ش: وابن عقيلي.
6 زيادة من العدة وساقطة من جميع النسخ.
7 ساقطة من ض.

(4/413)


مُتَوَاتِرٍ1.
فَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى كُتُبِهِمْ: فَلا، وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إلَى هَذَا2، وَمَعْنَاهُ لابْنِ حَمْدَانَ. فَقَالَ: كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ مُتَعَبَّدِينَ بِشَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْوَحْيِ إلَيْهِ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، لا مِنْ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ، وَنَقْلِ أَرْبَابِهَا، مَا لَمْ يُنْسَخْ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ3 أَيْضًا بِأَخْبَارِ الآحَادِ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَقِيلَ: نُقِلَ5 عَنْ أَحْمَدَ نَفْيُ التَّعَبُّدِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَوْنُ6 شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعًا لَنَا7.
ـــــــ
1 عبارة القاضي: "وإنما نرجع إلى ما ثبت بدليل مقطوع عليه من قرآن أو خبر متواتر أو سنة متواترة أو وحي نزل به" "العدة 3/757"، وانظر: المسودة ص 183-184.
2 انظر المسودة ص 184، كشف الأسرار 3/213، أصول السرخسي 2/99، تيسير التحرير 3/131، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135.
3 في ش: وثبت.
4 انظر: المسودة ص 186.
5 في ض: ونقل.
6 في ض: وكونه. ومعناه: نفي كون شرع من قبلنا شرعاً لنا.
7 انظر العدة 3/756، 761، الروضة ص 162، المسودة ص 193، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/140 وما بعدها، المستصفى 1/251 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/287، المحصول 1/3/401 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول ص 369، كشف الأسرار 3/214، أصول البزدوي ص 234، إرشاد الفحول ص 240.

(4/414)


وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 1.
رُدَّ، أَرَادَ الْهُدَى الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ لاخْتِلافِ شَرَائِعِهِمْ، وَالْعَقْلُ هَادٍ إلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ لا بِالاقْتِدَاءِ.
أُجِيبَ: الشَّرِيعَةُ مِنْ الْهُدَى، وَقَدْ أُمِرَ بِالاقْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالنَّاسِخِ، كَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ2.
قَالَ مُجَاهِدٌ لابْنِ عَبَّاسٍ " أَأَسْجَدُ فِي ص3؟ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ4، وَقَالَ5: نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6.
ـــــــ
1 الآية 90 من الأنعام.
2 انظر العدة 3/757، نزهة الخاطر 1/401، زاد المسير 3/81.
3 وهي قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} سورة ص/25.
4 ذكر الإمام البخاري الآية، وهي: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام/84، 90.
5 في ض ب: فقال.
6 روى البخاري عن مجاهد قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أوما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} فكان داود ممن أُمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم "صحيح البخاري 3/118".
والحديث رواه الترمذي والنسائي وأحمد =

(4/415)


وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ} 1.
رُدَّ، أَرَادَ التَّوْحِيدَ؛ لأَنَّ الْفُرُوعَ لَيْسَتْ مِلَّةً وَلِهَذَا لَمْ يَبْحَثْ عَنْهَا.
أُجِيبَ: الْفُرُوعُ مِنْ الْمِلَّةِ تَبَعًا، كَمِلَّةِ نَبِيِّنَا؛ لأَنَّهَا دِينُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ2.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ الظَّاهِرُ. وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الأُصُولِيِّينَ. وَقَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهَا مُطْلَقًا3.
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} 4.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ5 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ
ـــــــ
= انظر صحيح البخاري 1/130، 3/118، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/176، سنن النسائي 2/123، مسند أحمد 1/279.
1 الآية 123 من النحل.
2 في ش: الموحدين المعتبرين. وانظر العدة 3/759، زاد المسير 4/504.
3 انظر زاد المسير 4/504، 7/276.
4 الآية 13 من الشورى.
5 صحيح مسلم بشرح النووي 5/193.

(4/416)


تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1"، وَهُوَ خِطَابٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. وَسِيَاقُهُ2 وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ؛ لأَنَّ أُمَّتَهُ أُمِرَتْ مُوسَى.
وَاسْتَدَلَّ بِتَعَبُّدِهِ بِهِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ3، وَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَبِالاتِّفَاقِ عَلَى الاسْتِدْلالِ4 بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 5 وَبِرُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى التَّوْرَاةِ فِي الرَّجْمِ6.
"وَالاسْتِقْرَاءُ7 بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ" الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَصْنَافِ
ـــــــ
1 الآية 14 من طه.
2 ساقطة من ض.
3 في ض ب: البعثة.
4 في ض: استدلال.
5 الآية 45 من المائدة.
6 روى البخاري ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد –وهذا نصه- عن ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال: "ما تجدون في كتابكم؟" فقالوا: نُسَخِّم وجوههما ويخزيان، فقال "كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ..." ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما..."، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجة عن البراء.
انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 2/185، صحيح مسلم بشرح النووي 11/208، 209، سنن أبي داود 2/463، 464، الموطأ ص 512، مسند أحمد 2/5، نيل الأوطار 7/97، صحيح البخاري بشرح الكرماني 14/191.
7 عرف القرافي الاستقراء بأنه: "تتبع الحكم في جزئياته" "شرح تنقيح الفصول ص 448"، وهو عكس القياس عند المناطقة.

(4/417)


الاسْتِدْلالِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا : اسْتِقْرَاءٌ1 تَامٌّ2. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إنْ3 كَانَ" أَيْ4 الاسْتِقْرَاءُ "تَامًّا" أَيْ بِالْكُلِّيِّ5 "إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ، فَ" هُوَ "قَطْعِيٌّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6.
وَحُدَّ هَذَا: بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي جُزْئِيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّيِّ7 نَحْوُ: كُلُّ جِسْمٍ مُتَحَيِّزٌ. فَإِنَّا اسْتَقْرَأْنَا جَمِيعَ8 جُزْئِيَّاتِ الْجِسْمِ فَوَجَدْنَاهَا مُنْحَصِرَةً فِي الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مُتَحَيِّزٌ فَقَدْ أَفَادَ هَذَا الاسْتِقْرَاءُ الْحُكْمَ9 يَقِينًا فِي كُلِّيٍّ، وَهُوَ
ـــــــ
1 وانظر تعريف الاستقراء في "المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/159، نهاية السول 1/188، 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648".
2 ساقطة من ض.
3 الاستقراء التام هو ما يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، ويكون بتصفح جميع الجزئيات.
انظر تعريف الاستقراء التام في "مناهج العقول 3/159، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648".
4 في ش: وإن
5. ساقطة من ش ض في ش: بالكل..
6 انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/245، 246.
7 في ش: بالكل، وفي ز: الكل.
8 في ض: استقرأ بجميع.
9 في ب: بالحكم.

(4/418)


الْجِسْمُ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلُّ جُزْئِيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَى الْكُلِّيِّ1، إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ. فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ، فَإِنَّ2 الْقِيَاسَ الْمَنْطِقِيَّ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ عِنْدَ الأَكْثَرِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِقْرَاءٌ نَاقِصٌ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ"3 إنْ كَانَ "نَاقِصًا" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الاسْتِقْرَاءُ "بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ 4" لإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ5 الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، بِشَرْطِ أَنْ لا تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ "وَيُسَمَّى" هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ "إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ، فَ" هُوَ "ظَنِّيٌّ" وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الظَّنُّ بِاخْتِلافِ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلَّمَا6 كَانَ الاسْتِقْرَاءُ فِي أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى ظَنًّا7.
ـــــــ
1 في ش: الأول الكلي، وفي ز: الكل.
2 في ش ز: فإنه القياس، فإن.
3 ساقطة من ض.
4 الاستقراء الناقص هو ما لا يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، بأن لا يكون فيه تتبع لجميع جزئيات الكلي وهو المراد عند الأصوليين، والأول هو المراد عند المناطقة، وعرف الإمام الرازي الاستقراء الناقص فقال: "الاستقراء المظنون هو إثبات حكم في كلي، لثبوته في بعض جزئياته" "المحصول 2/3/217".
وانظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648.
5 في ش: الكلي، وفي ز: للكل.
6 في ض: فلما.
7 انظر المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/346، المحصول 2/3/218، نهاية السول 3/160، مناهج العقول 3/160.

(4/419)


"وَكُلٌّ" مِنْ النَّوْعَيْنِ "حُجَّةٌ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَبِالاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَعِنْدَ صَاحِبِ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1. كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: الْوِتْرُ يُفْعَلُ رَاكِبًا فَلَيْسَ وَاجِبًا2، لاسْتِقْرَاءِ الْوَاجِبَاتِ: الأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِنْهَا3 يُفْعَلُ رَاكِبًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ: أَنَّا إذَا وَجَدْنَا صُوَرًا كَثِيرَةً دَاخِلَةً تَحْتَ نَوْعٍ، وَاشْتَرَكَتْ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِمَّا4 يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهَا5: خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَفَادَتْنَا تِلْكَ الْكَثْرَةُ قَطْعًا عَنْ ظَنِّ6 الْحُكْمِ7 بِعَدَمِ أَدَاءِ الْفَرْضِ رَاكِبًا فِي مِثَالِنَا هَذَا مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَهُوَ الصَّلاةُ الْوَاجِبَةُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا.
وَمِنْ شَوَاهِدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ: مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ
ـــــــ
1 احتج بهذا النوع المالكية والشافعية والحنابلة، ورجع إليه الحنفية أيضاً.
انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/345، نهاية السول 1/188، 3/160، المستصفى 1/51، المحصول 2/3/218، الموافقات 3/5، مختصر البعلي ص 161، شرح تنقيح الفصول ص 448.
2 في ض: بواجب.
3 في ز: منها شيئاً.
4 في ز: منها.
5 في ب ض: منها أنه.
6 في ش: عن ظن.
7 ساقطة من ش.

(4/420)


حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ1 بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا" 2.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ3 الاسْتِدْلالَ إمَّا بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ الاسْتِقْرَاءُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، أَوْ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ4 التَّمْثِيلُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ5 قِيَاسٌ6 أَوْ7 تَمْثِيلٌ8.
ـــــــ
1 في ب ض ز: وإنه يأتيني الخصم، فلعل.
2 هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك والشافعي وأحمد والبيهقي وغيرهم عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً.
انظر صحيح البخاري بحاشية السندي 4/163، صحيح مسلم بشرح النووي 12/4، سنن أبي داود 2/370، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/568، سنن النسائي 8/205، سنن ابن ماجة 2/777، الموطأ ص 448، بدائع المنن 2/233، السنن الكبرى للبيهقي 10/144، مسند أحمد 6/203، 290، مجمع الزوائد 4/198، اللؤلؤ والمرجان 2/192، إحكام الأحكام 2/291، نيل الاوطار 2/288.
3 ساقطة من ش، وفي د ز: اعلم بأن.
4 في ض: فهو.
5 في ز ض: أو.
6 في ش: قياس التمثيل.
7 في ش ز: و.
8 التمثيل، أو الاستدلال بالجزئي على الجزئي، هو القياس الأصولي. "انظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345".

(4/421)


"وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ عَلَى" صَحَابِيٍّ "مِثْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" عَلَيْهِ اتِّفَاقًا.
وَنَقَلَ ابْنُ عَقِيلٍ: الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ1: وَلَوْ كَانَ أَعْلَمَ أَوْ إمَامًا، أَوْ حَاكِمًا2.
"وَ" قَوْلُ صَحَابِيٍّ "عَلَى غَيْرِهِ" تَارَةً يَنْتَشِرُ وَتَارَةً لا يَنْتَشِرُ.
"فَإِنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُنْكَرْ: فَسَبَقَ" فِي الإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ3.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ "فَ" هُوَ "حُجَّةٌ مُقَدَّمًا4 عَلَى الْقِيَاسِ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا5.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 انظر: جمع الجوامع 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/287، نهاية السول 3/172، كشف الأسرار 3/217، أصول السرخسي 2/109، تيسير التحرير 3/132، فواتح الرحموت 2/186، فتح الغفار 2/139 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، إرشاد الفحول ص 243، أصول مذهب أحمد ص 391.
3 في المجلد الثاني ص 212.
وانظر: المسودة ص 335، إعلام الموقعين 1/31، الروضة ص 165، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، مختصر البعلي ص 161، جمع الجوامع 2/354، المحصول 2/3/178، 182، المستصفى 1/271، التبصرة ص 391، المنخول ص 318، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، مناهج العقول 3/171، التوضيح على التنقيح 2/277، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186.
4 في ش: مقدماً.
5 وهذا قول المالكية وأكثر الحنابلة وبعض الحنفية والشافعي في القديم، ولهم أدلة كثيرة، ويذكرون أمثلة وأحكاماً متعددة.
انظر: المسودة ص 276، 336، 470، الإحكام لابن حزم 2/817، الروضة ص 165، شرح تنقيح الفصول ص 445، التبصرة ص 395، =

(4/422)


وَقِيلَ: لا يَكُونُ حُجَّةً مُقَدَّمًا1 عَلَى الْقِيَاسِ إلاَّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ2.
فَعَلَى الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "إنْ3 اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ فَكَدَلِيلَيْنِ" تَعَارَضَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّعَارُضِ4.
ـــــــ
= البرهان 2/1358، الإحكام للآمدي 4/149، المحصول 2/3/178، نهاية السول 3/173، تيسير التحرير 3/132، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، أصول السرخسي 2/105، كشف الأسرار 3/217، 219، تأسيس النظر ص 105، مختصر البعلي ص 161، مختصر الطوفي ص 142، إعلام الموقعين 2/255، 256، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، أخبار أبي حنيفة ص 10، أصول مذهب أحمد ص 394، 395، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135، فواتح الرحموت 2/186، المعتمد 2/539، أثر الأدلة المختلف فيها ص 338، 340، تخريج الفروع على الأصول ص 179، الجدل لابن عقيل ص 8.
1 في ش: مقدم.
2 القول بإنكار حجية قول الصحابي ينسب إلى جمهور الأصوليين، وهو قول الشافعي في الجديد والرواية الثانية لأحمد، ورجحه الغزالي والآمدي وابن الحاجب المالكي والكرخي الحنفي والشوكاني وغيرهم، ولهم أدلة كثيرة، ويناقشون أدلة القول الأول.
انظر: المسودة ص 337، المستصفى 1/261، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، الروضة ص 165، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، البرهان 2/1359، كشف الأسرار 3/217، المحصول 2/3/174، التبصرة 2/395، التوضيح على التنقيح 2/277، أصول السرخسي 2/105، 106، تخريج الفروع على الأصول ص 179، أصول مذهب أحمد ص 394، 398، أثر الأدلة المختلف فيها ص 340، إرشاد الفحول ص 243.
3 في ض ز: إذا.
4 انظر جمع الجوامع 2/354، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186 وسيذكر المصنف باب التعارض فيما بعد ص 424، 425 وما بعدها.

(4/423)


"هَذَا إنْ وَافَقَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ1 "الْقِيَاسَ، وَإِلاَّ2" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ3 الْقِيَاسَ "حُمِلَ عَلَى التَّوْقِيفِ" ظَاهِرًا4 عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ5 وَالْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرَّازِيِّ6.
قَالَ7 الْبِرْمَاوِيُّ: وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ8 الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ مَا لا9 يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، بَلْ عَنْ تَوْقِيفٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا، صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالأُصُولِ. انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَبَنَيْنَا عَلَيْهِ مَسَائِلَ كَتَغْلِيظِ10 الدِّيَةِ
ـــــــ
1 في ض: صحابي.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: صحابي.
4 ساقطة من ض.
5 في ز: والشافعية.
6 انظر: المسودة ص 336، 338، المحصول 2/1/643، 2/3/178، 182، البرهان 2/1361، الإحكام للآمدي 4/149، التمهيد للأسنوي ص 153، الكفاية للرازي ص 593، التوضيح على التنقيح 2/277، كشف الأسرار 3/217، 218، فواتح الرحموت 2/187، فتح الغفار 2/140، أصول السرخسي 2/110، شرح تنقيح الفصول ص 445، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، التبصرة ص 399، مختصر البعلي ص 161، إعلام الموقعين 4/202، أصول مذهب أحمد ص 392، 393، إرشاد الفحول ص 243، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341، تأسيس النظر 103 ص.
7 في ب: و.
8 ساقطة من ب.
9 في ب: لم.
10 في ش: لتغليظ.

(4/424)


بِالْحُرُمَاتِ1 الثَّلاثِ2.
وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ3.
"فَـ" ـعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "يَكُونُ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولُ عَلَى التَّوْقِيفِ "حُجَّةً حَتَّى عَلَى صَحَابِيٍّ" عِنْدَنَا وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ4 كَانَ حَدِيثًا لَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلاَّ يَكُونَ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ!
قِيلَ: لا يَلْزَمُ إذَا رَوَى ذَلِكَ وَكَانَ تَوْقِيفًا: أَنْ يُصَرِّحَ بِرَفْعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا، أَوْ ظَنَّ نَقْلَ غَيْرِهِ لَهُ5 فَاكْتَفَى بِذَلِكَ.
"وَيُعْمَلُ بِهِ" أَيْ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى التَّوْقِيفِ "وَإِنْ" أَيْ وَلَوْ "عَارَضَ خَبَرًا مُتَّصِلاً" مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ؛ لأَنَّ6
ـــــــ
1 في ض: بالمحرمات.
2 قال أبو المعالي الجويني عن الشافعي رضي الله عنه: "والظن أنه رجع عن الاحتجاج بقولهم فيما يوافق القياس، دون ما يخالف القياس، إذ لم يختلف قوله جديداً وقديماً في تغليظ الدية بالحرمة والأشهر الحرم، ولا مستند له إلا أقوال الصحابة" "البرهان 2/1362".
3 انظر المسودة ص 328، القواعد والفوائد الأصولية ص 296، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/288، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/202.
4 في ض ب: فلو.
5 ساقطة من ض ب.
6 في ض: ولأن.

(4/425)


الْمَحْمُولَ عَلَى التَّوْقِيفِ لا تَجْرِي1 عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقِيَاسِ2.
"وَمَذْهَبُ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" لِلتَّسَلْسُلِ "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ3 أَوْ خَالَفَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ وَقَالَ: لا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ وَلا يُفَسَّرُ بِهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ4.
قَالَ: وَعَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "لا يَكَادُ يَجِيءُ شَيْءٌ عَنْ التَّابِعِينَ إلاَّ يُوجَدُ عَنْ الصَّحَابَةِ"5.
ـــــــ
1 في ض ز: يجري.
2 انظر حجية قول الصحابي الذي يخالف القياس، وهو قول الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد، وأنكر لمن ابن بدران ذلك، وقال: إنه ليس بحجة، وهو رواية ثانية عن أحمد.
انظر: المسودة ص 338، المدخل إلى مذهب أحمد ص 394، نزهة الخاطر 1/403، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، 355، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/201، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341.
3 في ب: محل القياس.
4 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 299، مختصر البعلي ص 162، إعلام الموقعين 4/201.
قال بعض العلماء: إن التابعي إذا ظهرت فتواه في زمن الصحابة فهو كالصحابي، لأنه بتسليمهم إياه دخل في جملتهم، وخالف الأكثرون ذلك.
5 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 229، التوضيح على التنقيح 2/277، فتح الغفار 2/140.

(4/426)