نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

(" كتاب الْهَاء ")

وَهُوَ خَمْسَة أَبْوَاب: -
(أَبْوَاب فِيهَا ثَلَاثَة فَمَا فَوْقهَا)

(313 - بَاب هوى)

هوى: بِمَعْنى سقط.
قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: هوى الشَّيْء يهوي. والهاوية: اسْم من أَسمَاء جَهَنَّم. والهاوية أَيْضا: كل مهواة. والهوة: الوهدة العميقة. وتهاوى الْقَوْم فِي المهواة: سقط بَعضهم فِي إِثْر بعض. وَقيل: إِن الْهَوِي - بِفَتْح الْهَاء: ذهَاب فِي انحدار. والهوي فِي الِارْتفَاع وهوت أمه: شتم. وَأمه هاوية، كَمَا يُقَال: ثاكلة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن هوى فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه

(1/637)


أَحدهَا: بِمَعْنى نزل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {والنجم إِذا هوى} ، وَمثله: {والؤتفكة أَهْوى} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى هلك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي طه: {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى الذّهاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} ، أَي: تذْهب.
(314 - بَاب الهوان)

الأَصْل فِي الهوان: أَنه الذل، وَصغر الْقدر.
والهن: الْهون أَيْضا. فَأَما الْهون. بِفَتْح الْهَاء - فَهُوَ السكينَة وَالْوَقار.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْهون فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الصغر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النُّور: {وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} . (136 / أ) .

(1/638)


وَالثَّانِي: السهل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم: {هُوَ عَليّ هَين} ، وَفِي الرّوم: {هُوَ أَهْون عَلَيْهِ} .
وَالثَّالِث: الذل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {وَمن يهن الله فَمَا لَهُ من مكرم} .
وَالرَّابِع: الضعْف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المرسلات: {ألم نخلقكم من مَاء مهين} .
(315 - بَاب الْهَلَاك)

الْهَلَاك وَالْفساد يتقاربان. إِلَّا أَن الْفساد يكون مَعَ بَقَاء الْعين - والهلاك يكون مَعَ بَقَائِهَا وَيكون مَعَ عدمهَا. ويستعار فِي مَوَاضِع يجْتَمع فِيهَا الْفساد والهلاك، كالموت والعدم، وَنقض الْبَيِّنَة، وتعطيل الْمَنَافِع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْهَلَاك فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمَوْت. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: (إِن امْرُؤ

(1/639)


هلك} ، وَفِي يُوسُف: {أَو تكون من الهالكين} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وَإِن من قَرْيَة إِلَّا نَحن مهلكوها قبل يَوْم الْقِيَامَة} ، يُرِيد موت أَهلهَا، وَفِي الْقَصَص: {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} .
وَالثَّانِي: الْعَذَاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحجر: {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} ، وَفِي الْكَهْف: {وَتلك الْقرى أهلكناهم لما ظلمُوا وَجَعَلنَا لمهلكهم موعدا} ، وَفِي مَرْيَم: {وَكم أهلكنا قبلهم من قرن (هم أحسن أثاثا ورئيا} } ، وَفِي الشُّعَرَاء: {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} .
وَفِي الْقَصَص: {وَمَا كَانَ رَبك مهلك الْقرى حَتَّى يبْعَث فِي أمهَا رَسُولا [يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاتنَا] وَمَا كُنَّا مهلكي الْقرى إِلَّا وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ} .
وَالثَّالِث: الضلال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الحاقة: {هلك عني سلطانيه} ، أَي: ضلت حجتي.
وَالرَّابِع: الْفساد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} ، وَفِي الْبَلَد: {أهلكت مَالا لبدا} .

(1/640)


{فاليوم لَا تظلم نفس شَيْئا} ، وَفِي النبأ: {إِن يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتا} . (140 / أ) .
وَالثَّالِث: يَوْم عَرَفَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} .
وَالرَّابِع: الْحِين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} .
وَالْخَامِس: الْوَقْت. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سَجْدَة لُقْمَان: {ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} ، وَمَعْنَاهُ: نزُول جِبْرِيل وصعوده فِي وَقت لَو صعد غَيره صعده فِي ألف سنة.
وَالسَّادِس: النِّعْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: {وَذكرهمْ بأيام الله} ، (أَي: بنعمه) .
(324 - بَاب الْيَمين)

الْيَمين: تقال وَيُرَاد بِهِ الْحلف. وتقال وَيُرَاد بهَا الْعُضْو الْمَعْرُوف

(1/641)


وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْيَمين فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْعُضْو الْمَعْرُوف الَّذِي تماثله الشمَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة طه: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} ، وَفِي الحاقة: {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ} .
وَالثَّانِي: جِهَة الْيَمين الَّتِي هِيَ هَذَا الْعُضْو الْمَعْرُوف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سَأَلَ سَائل: {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} .
وَالثَّالِث: الْقُوَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: {فرَاغ عَلَيْهِم ضربا بِالْيَمِينِ} ، وَفِي الحاقة: {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} .
وَالرَّابِع: الْحلف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة والمائدة: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} ، وَفِي النَّحْل: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} ، وَفِي النُّور: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن أَمرتهم ليخرجن} .
وَالْخَامِس: الْعَهْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة بَرَاءَة: (140 / ب) . {وَإِن نكثوا أَيْمَانهم من بعد عَهدهم} ، وَفِي

(1/642)


النَّحْل: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم} ، وَفِي نون والقلم: {أم لكم أَيْمَان علينا بَالِغَة} .
وَالسَّادِس: الدّين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن أَيْمَانهم (عَن شمائلهم} . وَفِي الصافات: {قَالُوا إِنَّكُم تأتوننا عَن الْيَمين} ، أَي: من قبل الدّين فتدخلون علينا فِيهِ الشَّك.
وَالسَّابِع: أَن يكون صلَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} ، أَي: مَا ملكت أَيْمَانكُم.
فَهَذَا آخر مَا انتخبت من كتب الْوُجُوه والنظائر الَّتِي رتبها المتقدمون. ورفضت مِنْهَا لَا يصلح ذكره. وزدت فِيهَا من التفاسير المنقولة مَا لَا بَأْس بِهِ. وَقد تساهلت فِي ذكر كَلِمَات نقلتها عَن الْمُفَسّرين، لَو ناقش قَائِلهَا مُحَقّق لجمع بَين كثير من الْوُجُوه فِي وَجه وَاحِد. وَلَو فعلنَا ذَلِك لتعطل أَكثر الْوُجُوه وَلَكنَّا تساهلنا فِي ذكر مَا لَا بَأْس بِذكرِهِ من أَقْوَال الْمُتَقَدِّمين. فليعذرنا المدقق فِي الْبَحْث. وَبعد فَلَا يغرنك مَا ترى من جنس هَذَا الْكتاب من كَثْرَة الْوُجُوه

(1/643)


والأبواب. فَإِنَّهَا كالسراب. وستعرف فَضله إِذا قست الْبَاب بِالْبَابِ وسيشهد بصدقي لباب الْأَلْبَاب. وَمَا ذكرت فِي كتابي هَذَا من الْكَلِمَات اللُّغَوِيَّة فِي اشتقاق الْكَلِمَة وَمَا يتَفَرَّع مِنْهَا وَيتَعَلَّق بهَا ويواتيها فَهُوَ ملقح للأفهام ومنبه على [أصُول] (141 / أ) الْكَلَام. ونسأل الله عز وَجل النَّفْع بِهِ عَاجلا وَالثَّوَاب آجلا، وَأَن يَجعله لوجهه خَالِصا لِئَلَّا يعود بالهوى نَاقِصا إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ.
وَالْحَمْد لله على توفيقه وإنعامه وألطافه وَالصَّلَاة على النَّبِي الْمُخْتَار مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ.
(آخر الْكتاب)

(1/644)


ثمَّ كتاب الْوُجُوه والنظائر يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر من جُمَادَى الآخر فِي تَارِيخ أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة على يَد أَضْعَف خلق الله وأحقره وأصغره وأرذله وأخسه وأفقره من الطَّاعَة. العَاصِي المذنب الراجي رَحْمَة ربه الْعلي. يُوسُف بن عَليّ ... ختم الله لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين بِالْحُسْنَى
(أَمُوت وَيبقى كل مَا قد كتبته ... فياليت من يقْرَأ كتابي دَعَا ليا)

(لَعَلَّ إلهي يعف عني بفضله ... وَيغْفر لي ذَنبي وَسُوء فعاليا)

(1/645)