معجم المؤلفات الأصولية الشافعية المبثوثة في كشف الظنون وإيضاح المكنون وهدية العارفين

ص -327-     المقدمة
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطبيبين الطاهرين، وصحابته المكرمين.
وبعد:
فإنّ من أعظم الطاعات والقربات التي يُتقرب بها إلى رب السموات والأرضـين وما بينهما: طلب العلم، قال الله تعالى:
{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 4].
وقال ـ أيضـًا ـ:
{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون}[التوبة: 122].
وقال ـ سبحانه ـ:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر: 9].
وقال ـ جلّ في عُلاه ـ:
{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلمَ درجات} [المجادلة: 11].
وقال سيد البشر:
“خيركم: من تعلم القرآن وعلّمَه” [رواه البخاري (6/108) في كتاب فضائل القرآن].
وقال ـ صلوات ربي وسلامُه عليه ـ:
“من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة؛ وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما صنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب؛ وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورّثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر”[رواه أبو داود في سننه (5/48-49)].
و إن أشرف العلوم على الإطلاق: العلم المتعلِّقُ بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وكلامِه وإفرادِه بالعبادة؛ لأن العلم يَشْرُف بشرف المعلوم.
   

 

ص -328-     ويليه في المنـزلة العلم المتعلق بالحلال والحرام وهو ما عُرف اصطلاحـًا بالفقه.
نشأة علم أصول الفقه وأهميته:
إن العلم بالقواعد التي تضبط الفقه منزلتها عظمية، وهي لا تقل في الفضل والمنـزلة عن فضل علم الفقه نفسه؛ لأن شرف الفرع شرفٌ لأصلِه.
وهذا العلمُ قد اصطلح على تسميته بـ(أصول الفقه)، وهو كغيرِه من العلوم الشرعية مرّ بمراحل وتطوّر، بِدْءًا من عصر النبوة والرسالة والتدوين، وانتهاءً بظهور المناهج والمدارس الأصولية وطرق التأليف فيه.
وهذا العلم قد تمّ واكتمل باكتمال الشرع وتمامه على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله لم يقبض رسوله حتى أكملَ به دينَه، قال ـ تعالى ـ:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة آية: 3].
 فهو علم تامٌّ كامل محفوظ في صدور وعقول الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كغيره من العلوم. ولم يحتاجوا إلى تدوينِه وكتابته لما حباهم الله به من خصائص وفضل لن ينافسهم فيها أحد؛ فهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان والشعر والأدب والنثر؛ وهم أئمة الحفظ، وهم أهل الذكاء، والفطنة، والنباهة، والفهم.
و هذه الصفات كانت لهم سجية وفيهم سليقة، لم يحتاجوا إلى اكتسابها بخلاف مَن جاء بعدَهم.
إضافةً إلى ملازمتهم الشديدة وصحبتهم الحميدة لخير البشر وسيد المعلمين والمؤدبين والمربين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فقد لازمه وصحبه بعضهم ثلاثـًا وعشرين سنة ـ أي: من بعثته حتى وفاته صلى الله عليه وسلم ـ ، أمثال أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسادات المهاجرين وكبرائهم.
ومنهم من صحبه في غزوة أو سفر أو عمرة ونحو ذلك.
ومنهم من صحبه ولازمه عشر سنين كسادات الأنصار وأمهات المؤمنين ـ

 

ص -329-     رضي الله عنهم وعنهن.
مع ما حصل لبعضهم من بركة عظيمة بسبب دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، كدعوته صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بالحفظ والضبط، فكان أحفظَ الصحابة ـ رضي الله عنه ـ وأكثرَهم رواية على الإطلاق.
و قد قام الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بنقل تلك العلوم المختلفة ـ ومنها علم أصول الفقه ـ إلى تلاميذهم من التابعين، فنال التابعون من الصحابة فضلاً كبيرًا وعلمًا كثيرًا.
ثم قام التابعون بنقل ما علموا إلى تابعيهم، فنال تابعوهم خيرًا كثيرًا؛ إلا أنهم ولظروف معيّنة ظهرت الحاجة إلى تدوين علم أصول الفقه.
أسباب تدوين أصول الفقه:
إن أول من دوّن أصول الفقه فيما نُقل إلينا: الإمامُ الشافعي ـ رحمه الله ـ ؛ وأهم تلك الظروف والأسباب التي دفعته إلى ذلك ما يأتي1:
1- أن عبدالرحمن بن مهدي ـ إمام أهل الحديث في بغداد ـ كتب إلى الشافعي رحمه الله أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة. فوضع له كتاب الرسالة2.
2- بُعدُ العهدِ عن عهد الرسالة.
3- ضعف اللسان العربي لاختلاط أهلِه بالأمم الأخرى.
4- قلة الحفّاظ.
    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظـر: هذه الأســباب وغيرها في: أصول الفقه الميسّر (1/31)، وأصول الفقه الإسلامي (12)، وأصول الفقه للبرديسي (9).
2 انظـر: تاريخ بغداد (2/64-65) ومقدمة أحمد شاكر للرسالة (10-11).

 

ص -330-     5- ضعف المَلَكة العلمية والسليقة؛ فانتقلت العلوم من كونها فطرة وسليقة إلى كونها مكتسبة.
6- كثرة المسائل والمشكلات لكثرة الداخلين في الإسلام واتساع رقعته.
7- ظهور بعض النِّحَل والفِرَق.
8- تفرّق العلماء في الأقطار، وظهور الخلاف بينهم في كثير من المسائل؛ وذلك كالاختلاف بين علماء البصرة والكوفة وعلماء مكة والمدينة وغيرها من الأقطار، مما كان داعيـًا ضروريـًّا لتدوين أصول الفقه.
أهمية البحث:
لقد كان فضلُ السبْق في تدوين علم أصول الفقه للإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمه الله ـ ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن زعم مَن زعم خلاف ذلك؛ حيث ألّف ـ رحمه الله ـ كتابه (الرسالة) بعد أن استقرَّ بمصر؛ حيث ضمنها أهم المباحث الأصولية؛ فتكلم عن القرآن والسنة، والناسخ والمنسوخ، وقول الصحابي، والإجماع، والقياس، والأمر والنهي، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والاجتهاد والتقليد، وشروط المفتي، وغير ذلك.
فكانت تلك المسائل محورًا للمؤلفين في علم أصـول الفقه ـ لاسيما من عرفت طريقتهم فيما بعد بطريقة الشافعية أو المتكلمين أو الجمهور ـ ، فدرست رسالته، وشرحت، ونوقشت، واستدرك عليها.
وهكذا تتابعت المؤلفات ونمت وكثرت.
لذا أحببتُ أن أجمع تلك المؤلفات في كتاب واحد؛ مستخرجاً إياها من كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) للمولى مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي الشهير بالملا كاتب الجلبي، والمعروف بحاجي خليفة؛ وكتاب (إيضاح المكنون)، وكتاب (هدية العارفين)، وكلاهما لإسماعيل باشا البغدادي.

 

ص -331-     و قد اقتصرت على هذه المؤلفات لظني أنها قد استوعبت وحوت جُل الكتب الأصولية عمومـًا والشافعية منها خصوصـًا؛ وذلك لتأخر وفاة مؤلفيها، بخلاف كتب الطبقات وما شابهها، فإنّ تأليفها والمؤلفات فيها تنتهي بنهاية عصر مؤلفيها.
خطة البحث:
وقد جعلت هذا البحث في: مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.
أما المقدمة: فقد اشتملت على أهمية علم أصول الفقه، ونبذة موجزة عن نشأته، وأسباب تدوينه، كما اشتملت ـ أيضاً ـ على أهمية هذا البحث، والأسباب التي دفعتني إلى تأليفه، وخطة البحث، ومنهجي فيه.
وأما المباحثان: فجعلت الأول منها: في سرد المؤلفات الأصولية الشافعية عموماً.
والمبحث الثاني: في ذكر المتون الحنفية المشروحة من قِبَل علماء الشافعية.
وأما الخاتمة: فقد ذكرت فيها أهم نتائج البحث.
أسباب التأليف:
يمكن أن أجمل الأسباب التي دفعتني لهذا العمل في أمور؛ أهمها:
1- أن الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ أوّل من صنف في أصول الفقه، فطريقته أولى الطرق بالاعتناء والنشر لفضله وسبقه، خلافاً لمن انتسب إليه بتأسيسه طريقة تخالف ـ صراحةً ـ طريقة الشافعي ومن ثم نسبتها إليه بلا حق.
2- إبراز تدرج التأليف ونموّه في أصول الفقه من عصر إلى عصر، فما على المطلع إلا النظر إلى المصنفات التي كتبت في كل قرنٍ ليدرك ذلك، وقد ذكرت ذلك التدرج والنمو في خاتمة البحث.
3- بيان مدى اهتمام العلماء بأصول الفقه واختلاف مصنفاتهم فيه ما بين

 

ص -332-     متون وشروح ومختصرات.
4- لتذكير طالب العلم بهذه المؤلفات المفيدة.
5- لبيان مدى استفادة المتأخر من المتقدم، وقد أبرزت ذلك في خاتمة البحث حيث تكلمت فيها عن أهم شروح المتون الأصولية.
6- لمعرفة الكتب المعتمدة في المذهب، والتي حظيت باهتمام العلماء على مرّ العصور من أصحاب المذهب وغيرهم.
7- لوضع قائمة ميسّرة لطلاب العلم الراغبين في البحث عن تلكم الكتب لتحقيقها ودراستها ونشرها.
8- فتح أُفق جديد لطلاب العلم في إتمام هذا المشروع والبناء عليه؛ وذلك بأن يُحدد الطالب – بعد الاستقراء التام أو شبهه -، الموجود منها من المفقود، والمطبوع منها من المخطوط.
والمطبوع يتكلم عن طبعاته وأحسنها وتحقيقاته وأدقها.
والمخطوط بالكلام عن عدد مخطوطاته ومواطنها، ووصف مفصّل لها.
علماً بأني قد ذكرت شيئاً من ذلك.
9- لجدته وابتكاره فإني لم أَرَ أحدًا كتب في هذا الباب على هذا النحو ـ فيما أعلم ـ ، بخلاف من كتب في طبقات الأصوليين وتراجمهم ومعاجمهم؛ فإنهم لم يستوعبوا المؤلفات الأصولية، بل أحيانـًا يذكر العلم الأصولي ولا تذكر له مؤلفات أصولية.
10- لسدّ الفجوة الزمنية الكبيرة بين أول من صنف في علم الأصول ـ وهو الإمام الشافعي ـ وبين ظهور طرق التأليف فيه.
وقد سميتُ هذا البحث بـ(معجم المؤلفات الأصولية الشافعية المبثوثة في “كشف الظنون” و”إيضاح المكنون” و”هدية العارفين”).

 

ص -333-     منهجي في التأليف:
 كان سيري في تأليف هذا البحث على النحو التالي:
1- حصرت جميع المؤلفات الأصولية الشافعية من كتاب (كشف الظنون) و (إيضاح المكنون) و (هدية العارفين).
وأعني بالكتب الأصولية الشافعية: ما كان متنه ـ إن كان له متن ـ شافعيـًّا وشارحه شافعيـًّا أيضـًا؛ فهذا في المرتبة الأول، ويليه في الرتبة: ما كان متنه حنبليـّا أو مالكيـًا وشارحه شافعيـًّا.
أما إن كان الشارح شافعيـًّا والمتنُ حنفيـًّا فإني لم أذكره إلا تتميمـًا للفائدة، وبيانـًا لتواصل العلماء واستفادة بعضهم من بعض، وإبرازًا لجهود علماء الشافعية.
وإن كان المتن شافعيـًّا وشارحه غير شافعي فإني لم أعده من المصنفات الشافعية لكون مؤلفه غير شافعي.
2- قمتُ بذكر المؤلفات الأصولية مرتبًا إياها زمنيًّا على حسب وفيات مؤلفيها؛ فبدأتُ برسالة الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ ، ثم مَن بعده حتى سنة 1340?.
3- جعلت على الكتاب الأصولي رقمـًا، وذكرتُ في الهامش بعض المصادر التي نسبت هذا الكتاب إلى مؤلفه.
4- ذكرتُ موطن ذكر الكتاب الأصولي وتكرره في “كشف الظنون” و “إيضاح المكنون” و”هدية العارفين” معتبرًا هذه المصادر كالكتاب الواحد في أجزاء ستة؛ فإذا قلت: “شرح الرسالة (1/873)، (5/265”) فإني أعني أنه ذُكر في “كشف الظنون” في الجزء الأول صفحة 873، وتكرّر ذكرُه في “هدية العارفين” في الجزء الأول صفحة 265، و هكذا....
5- قمت بتمييز هذه المؤلفات إلى مطبوع طبعة تجارية،وطبعة محققة، وإلى

 

ص -334-     محققة تحقيقاً علمياً كرسائل علمية في الجامعات، وإلى مخطوطٍ مبيناً بعض مواطن وجوده في مكتبات العالم من غير استيعاب؛ لأن استيعاب ذلك بوصف كل مخطوط وصفاً دقيقاً، وذلك بذكر اسمه واسم مؤلفه وناسخه وسنة نسخه وخطه حسناً أو قبحاً ونوعه، وعدد صفحاته وأسطره في كل صفحة، وهل هو تام أو ناقص، سليم أو معيب؟ وهل هو مقابل أو لا؟ ونقل شيء منه من أوله ووسطه و آخره يعتبر عملاً موسوعياً يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل ومال كثير لا يتناسب مع طبيعة بحثي هذا. وإني أرجو الله أن ييسر لهذا العمل من يقوم به فلقد وضعت له ـ ولله الحمد ـ لبنة البناء.
وقد بقي كثير من تلك المؤلفات من غير تمييز لعدم وقوفي على حقيقة أمرها. علماً بأني قد رجعت إلى أكثر من خمسين فهرساً من الفهارس المتخصصة في ذكر المخطوطات و المطبوعات.
وجعلت الرموز على النحو التالي:
مخ – مخطوط.
ط – مطبوع.
حقق – حقق كرسالة علمية في جامعة.
5- قمت بذكر الكتاب الأصولي، ثم أردفته بترجمة موجزة لمؤلِّفه، ثم سردت بقية كتبه الأصولية بعدها ـ إن وُجِدَت ـ قائلاً ـ هكذا ـ: “كتاب الخصوص والعموم”3 (5/6). لإبراهيم بن أحمد بن إسحاق المرزوي الشافعي...إلخ.
“الفصول في معرفة الأصول”5 (5/6). له.
6- كل المصادر التي ذكرتها في ترجمة المؤلف ولم أذكرها عند المؤلفات الأصولية له فهذا يعني أنها لم تذكر ذلك الكتاب.
7- اقتصرتُ في ترجمة المؤلف على سنة وفاته، ولم أذكر سنة ولادته؛ لأن

 

ص -335-     غرضي ترتيب المؤلفات ترتيباً زمنياً وهذا لا يكون إلا على سنة الوفاة.
8- إذا اختُلف في سنة وفاة المصنف فإني في الغالب الكثير أقتصرُ على اختيار صاحب “معجم المؤلفين” عمر رضا كحّالة؛ لدقته في نظري واستيعابه لخلاف من سبقه.
9- ذكرتُ سنة الوفاة قبل الكتاب مباشرة ليتضح التسلسل الزمني بمجرد النظر إليه.
10- وضحت ما يحتاج إلى توضيح من أماكن البلدان والنسب وأسماء الأعلام مع ضبط ما قد يشكل منها.
11- جعلت له خاتمة، ذكرتُ فيها أهمّ نتائج البحث.
12- جعلتُ له فهارس علمية على النحو التالي:
أ - فهرس المؤلفات الأصولية مرتبة حسب حروف المعجم.
ب- فهرس الأعلام مرتبـًا حسب حروف المعجم.
ج - فهرس المصادر والمراجع.
هذا، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.