الاستذكار (27 كِتَابُ الْفَرَائِضِ)
(1 - بَابُ مِيرَاثِ (الصُّلْبِ))
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ
بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ
الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ
إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوِ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا
رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ
مُسَمَّاةٍ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بدىء بِفَرِيضَةِ مَنْ
شَرِكَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ
عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي مِيرَاثِ الْبَنِينَ ذُكْرَانًا كَانُوا
أَوْ إِنَاثًا مِنْ آبَائِهِمْ أَوْ أُمَّهَاتِهِمْ
فَكَمَا ذَكَرَ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ إِذَا كانوا أحرارا مسلمين ولم يقتل واحدا
مِنْهُمْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ عَمْدًا
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ - (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) النِّسَاءِ 11 فَالْمَعْنَى فِي
ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةِ
الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ فِي
الْأَمْصَارِ الْفَتْوَى إن كن نساء فوق اثْنَتَيْنِ فَمَا
فَوْقَهَا
وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً لم تصح عن بن
عباس انه قال للأنثيين النِّصْفُ كَمَا لِلْبِنْتِ
الْوَاحِدَةِ حَتَّى تَكُونَ الْبَنَاتُ أُكْثَرُ مِنَ
اثْنَتَيْنِ فَيَكُونُ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنْكَرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَاطِبَةً كُلُّهُمْ ينكرها ويدفعها بما رواه بن شِهَابٍ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن
مسعود عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ
الثُّلُثَيْنِ
وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ مِثْلُ مَا
عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ
(5/323)
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ
قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي اسامة قال حدثني عيسى بن إسماعيل
الطباغ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عن جابر بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَتَيْ
سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنْ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
شَهِيدًا فَأَخَذَ عَمُّهُمَا كُلَّ شَيْءٍ مِنْ
تَرِكَتِهِ وَلَمْ يَدَعْ مِنْ مَالِ أَبِيهِمَا شَيْئًا
وَاللَّهِ ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مَالٌ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((سَيَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ فنزلت (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ
كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا
تَرَكَ) النِّسَاءِ 11 فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَمَّهُمَا فَقَالَ) أَعْطِ
هَاتَيْنِ الْجَارِيَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مِمَّا تَرَكَ
أَبُوهُمَا وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَهُ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَدْ قَبِلَ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ حَدِيثَهُ
وَاحْتَجُّوا بِهِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ
فَكَانَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِمَعْنَى
قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) النِّسَاءِ 11 أَيِ اثْنَتَيْنِ فَمَا
فَوْقَهُمَا وَنَسْخًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَرْكِهِمْ تَوْرِيثَ الْإِنَاثِ
مِنْ أَوْلَادِهِمْ
وَإِنَّمَا كَانُوا يُورِثُونَ الذُّكُورَ حَتَّى نَزَلَتْ
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) الْآيَةَ النساء
11
كذلك روي عن بن مسعود وبن عَبَّاسٍ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْمٌ مِمَّنْ لَمْ
يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ بِدَلَائِلَ عَلَى
أَنَّ الِابْنَتَيْنِ حُكْمُهُمَا فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُ
الْبَنَاتِ مِنْهَا أَنَّ الِابْنَةَ لَمَّا أَخَذَتْ مَعَ
أَخِيهَا السُّدُسَ كَانَ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ تَأْخُذَ
ذَلِكَ مَعَ أُخْتِهَا
وَمِنْهَا أَنَّ الْبِنْتَ لَمَّا كَانَ لَهَا النِّصْفُ
وَكَانَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَجَعَلَ اللَّهُ
لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ كَانَتِ الِابْنَتَانِ
أَوْلَى بِذَلِكَ قِيَاسًا ونظرا صحيحا
وفي حديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قضى في بنت وبنت بن وَأُخْتٍ
فَجَعَلَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ
السُّدُسَ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِلْأُخْتِ
(5/324)
فَلَمَّا جَعَلَ لِلِابْنَةِ وَلِابْنَةِ
الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ كَانَتِ الِابْنَتَانِ أَوْلَى
بِذَلِكَ لِأَنَّ الِابْنَةَ أَقْرَبُ مِنَ ابْنَةِ
الِابْنِ
قَالَ مَالِكٌ
وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إِذَا لَمْ
يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ
ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ
يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا
يَحْجُبُونَ
قَالَ أَبُو عمر قوله ولد الأبناء الذكور يريد البنتين
وَالْبَنَاتِ مِنَ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ فَابْنُ
الِابْنِ كَالِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ وَبِنْتُ
الِابْنِ كَالْبِنْتِ عِنْدَ عَدَمِ الْبِنْتِ وَلَيْسَ
أَوْلَادُ الْبَنَاتِ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَسَيَأْتِي
ذِكْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ الشَّاعِرُ
(بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ... بَنُوهُنَّ
أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ) وَمَا ذَكَرَهُ
مَالِكٌ أَيْضًا فِي هَذَا الْفَصْلِ إِجْمَاعٌ أَيْضًا
مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ بَنِي الْبَنِينَ
يَقُومُونَ مَقَامَ وَلَدِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ
الصُّلْبِ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا
يَحْجُبُونَ الْأُنْثَى
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ وَلَدُ الِابْنِ لَا
يَحْجِبُونَ الزَّوْجَ وَلَا الزَّوْجَةَ وَلَا الْأُمَّ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابِعَهُ عَلَى ذَلِكَ
وَمَنْ شَذَّ عَنِ الْجَمَاعَةِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَا
يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا
قَالَ مَالِكٌ
فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الِابْنِ
وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا
مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتَا
ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَنَاتِ
لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ
مَعَهُنَّ إِلَّا أن يكون مع بنت الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ
مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ أَوْ هُوَ أَطْرَفُ
مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَنْ هُوَ
بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ
الْأَبْنَاءِ فَضْلًا إِنْ فَضَلَ فَيَقْتَسِمُونَهُ
بَيْنَهُمْ لِلذِّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
(5/325)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ
لَا مِيرَاثَ لِوَلَدِ الْأَبْنَاءِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذُو فَرْضٍ
فَلَا يُزَادُ عَلَى فَرْضِهِ وَيَدْخُلُ وَلَدُ الِابْنِ
فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْضِ إِلَّا أَنَّ فِي
هَذَا اخْتِلَافًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا
فَالَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ هُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ
وَالشَّامِيِّينَ وَأَهْلِ المغرب أن بن الِابْنِ يَعْصِبُ
مَنْ بِإِزَائِهِ وَأَعْلَى مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ
فِي الْفَاضِلِ عَنِ الِابْنَةِ وَالِابْنَتَيْنِ
وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأنثيين
وخالف في ذلك بن مَسْعُودٍ فَقَالَ إِذَا اسْتَكْمَلَ
الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي لِابْنِ الِابْنِ
أَوْ لِبَنِي الِابْنِ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَدُونَ مَنْ
فَوْقَهُمْ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ وَمَنْ تَحْتَهُمْ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلْقَمَةَ
وَحُجَّةُ من ذهب إلى ذلك حديث بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ ((اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ
عَلَى كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَمَا أَبْقَتِ
الْفَرَائِضَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ))
هَذَا اللَّفْظُ حديث معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن
عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَلْحِقُوا الْمَالَ
بِالْفَرَائِضِ)) وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ ((أَلْحَقُوا
الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ أَوْ فَمَا
أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ (2)
وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنْ
أَرْسَلَهُ فِي كِتَابِ الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي
أُصُولِ فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ
وَالِاخْتِلَافِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنَ الْحُجَّةِ لِمَذْهَبٍ عَلَيٍّ
وَزَيْدٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النِّسَاءِ 11
لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ
يُعْصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ في جملة المال
(5/326)
فواجب أن يعطيه فِي الْفَاضِلِ مِنَ
الْمَالِ كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ فَوَجَبَ بذلك أن يشرك بن
الِابْنِ أُخْتَهُ كَمَا يَشْرِكُ الِابْنُ لِلصُّلْبِ
أُخْتَهُ
وَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ لِأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ أَنَّ
بِنْتَ الِابْنِ مَا لَمْ تَرِثْ شَيْئًا مِنَ الْفَاضِلِ
مِنَ الثُّلُثَيْنِ مُنْفَرِدَةً وَلَمْ يَعْصِبْهَا
أَخُوهَا فالواجب أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مَعَهَا أَخُوهَا
قَوِيَتْ بِهِ وصارت عصبة معه بظاهر قوله (ويوصيكم اللَّهُ
فِي أَوْلَادِكُمْ) النِّسَاءِ 11 وَهِيَ مِنَ الْوَلَدِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ
إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِابْنَةِ
ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ
بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مِمَّنْ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى
بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ السُّدُسُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ
إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَسَلْمَانَ بْنِ
رَبِيعَةَ لَمْ يُتَابِعْهُمَا أحد عليه وأظنهما انصرفا
عنه بحديث بن مَسْعُودٍ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ
وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَلْمَانَ بْنِ
رَبِيعَةَ فسألهما عن ابنة وابنة بن وَأُخْتٍ فَقَالَا
لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْبَاقِي
وائت بن مسعود فإنه سيتابعنا فأتى الرجل بن مسعود فسأله
وأخبره بما قالا فقال بن مَسْعُودٍ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَلَكِنْ أَقْضِي فِيهَا
كَمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ
السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ
فَلِلْأُخْتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ مَذْهَبُ
الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
لِابْنَةِ الِابْنِ مَعَ الِابْنَةِ لِلصُّلْبِ السُّدُسَ
تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ على ما في حديث بن مَسْعُودٍ
هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلِلشِّيعَةِ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةٌ عَلَى
أُصُولِهِمْ فِي أَنْ لَا تَرِثَ ابْنَةُ الِابْنِ شيئا مع
الابنة كما لا يرث بن الِابْنِ مَعَ الِابْنِ شَيْئًا
وَرَأَيْنَا أَنَّ نُنَزِّهَ كِتَابَنَا هَذَا عَنْ ذِكْرِ
مَذَاهِبِهِمْ فِي الْفَرَائِضِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذَاهِبَهُمْ وَمَذَاهِبَ سَائِرِ
فِرَقِ الْأُمَّةِ فِي أُصُولِ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِ
((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ فَرَائِضِ
الْمَوَارِيثِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ))
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ
هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا
فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ لَهُنَّ وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ
بَعْدَ فَرَائِضَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ
الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ
بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين
(5/327)
وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ
شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي
كِتَابِهِ (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ) النِّسَاءِ 11
قَالَ مَالِكٌ الْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى مَا حَكَاهُ مَالِكٌ فِي هَذَا
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وعلي وزيد وبن عَبَّاسٍ
وَجَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كُلُّهُمْ يَجْعَلُونَ
الْبَاقِيَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ بَنَاتِ
الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
بَالِغًا مَا بَلَغَتِ الْمُقَاسَمَةُ زَادَتْ بَنَاتُ
الِابْنِ عَلَى السُّدُسِ أَوْ لَمْ تَزِدْ
إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ ذَهَبَ فِي ذلك مذهب بن
مَسْعُودٍ فَشَذَّ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ كَمَا شذ
بن مسعود فيها عن الصحابة وذلك أن بن مسعود كان يقول في
بنت وبنات بن وبني بن لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي
بَيْنَ وَلَدِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا أَنْ تَزِيدَ الْمُقَاسَمَةُ
بَنَاتِ الِابْنِ عَلَى السُّدُسِ فَيُفْرَضُ لَهُنَّ
السُّدُسُ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَدْ شَذَّ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ
الْفَرْضِيَّيْنِ فَقَالَ الذَّكَرُ مَنْ بَنِي الْبَنِينَ
يَعْصِبُ مَنْ بِإِزَائِهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُ مِنْ
بَنَاتِ الِابْنِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
مَالِكٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(2 - بَابُ مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ
وَالْمَرْأَةِ من زوجها)
مالك وميراث الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ
تَتْرُكْ وَلَدًا ولا ولد بن مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ
النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ ولدا أو ولد بن ذَكَرًا كَانَ
أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ
يَتْرُكْ وَلَدًا ولا ولد بن الربع فإن ترك ولدا أو ولد بن
ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ
(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النِّسَاءِ
12
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ لَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِيهِ وَهُوَ من
(5/328)
الْحُكْمِ الَّذِي ثَبَتَتْ حُجَّتُهُ
وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَمَا فِيهِ
التَّنَازُعُ وَالِاخْتِلَافُ وَجَبَ الْعَمَلُ مِنْهُ
بِمَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ
وَقَامَ الْعُذْرُ فِيهِ لِمَنْ مَالَ إِلَى وَجْهٍ مِنْهُ
لِأَنَّهُ هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَهُ وَوَجَبَ عَلَى
الْعَامَّةِ تَقْلِيدُ عُلَمَائِهَا فِيمَا اجْتَهَدُوا
فِيهِ وَوَسِعَهُمُ الْعَمَلُ بِهِ وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ
(3 - بَابُ مِيرَاثِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ
عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ مِيرَاثَ
الْأَبِ مِنَ ابْنِهِ أَوِ ابْنَتِهِ أَنَّهُ إن ترك
المتوفى ولدا أو ولد بن ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ
لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِنْ لم يترك المتوفى ولدا
ولا ولد بن ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَّكَ
الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ
فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ
فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ
عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ
السُّدُسُ فَرِيضَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَبُ عَاصِبٌ وَذُو فَرْضٍ إِذَا
انْفَرَدَ أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ
وَإِنْ شَرِكَهُ ذُو فَرْضٍ كَالِابْنَةِ وَالزَّوْجِ
وَالزَّوْجَةِ أَخَذَ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ
فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ مَنْ يَجِبُ
لَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْمَالِ فُرِضَ
لَهُ السُّدُسُ وَصَارَ ذَا فَرْضٍ وَسَهْمٍ مُسَمًّى
مَعَهُمْ وَدَخَلَ الْعَوْلُ عَلَى جَمِيعِهِمْ إِنْ ضَاقَ
الْمَالُ عَنْ سِهَامِهِمْ
فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى غَيْرَ أَبَوَيْهِ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثَ وَبَاقِي مَالِهِ لِأَبِيهِ لِأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا جَعَلَ وَرَثَةَ
الْمُتَوَفَّى أَبَوَيْهِ وَأَخْبَرَ أَنَّ لِلْأُمِّ مِنْ
مَالِهِ الثُّلُثَ عُلِمَ أَنَّ لِلْأَبِ مَا بَقِيَ
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ) النِّسَاءِ 11
وَهَذَا كُلُّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقٌ
مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْفُقَهَاءِ
قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا
تُوُفِّيَ ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا فترك المتوفى ولدا أو
ولد بن ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ تَرَكَ مِنَ
الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ
إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ
أُمٍّ فَالسُّدُسُ لَهَا
وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ المتوفى ولدا ولا ولد بن وَلَا
اثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَإِنَّ لِلْأُمِّ
الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ
وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ
وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ
الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ
الربع من رأس المال
(5/329)
والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها
وأبويها فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا
الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي
كِتَابِهِ (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ
الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ) النِّسَاءِ 11
فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ
فَصَاعِدًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى
أَنَّ الْأُمَّ لَهَا مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهَا الثُّلُثُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَالْوَلَدُ عِنْدَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النِّسَاءِ 11
وَهُوَ الِابْنُ دُونَ الِابْنَةِ
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ هُوَ مَحْجُوجٌ بِهِمْ
مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ ((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا
فِي أُصُولِ الْفَرَائِضِ مِنَ الْإِجْمَاعِ
وَالِاخْتِلَافِ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي أَبَوَيْنِ وَابْنَةٍ لِلِابْنَةِ
النِّصْفُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَمَا بَقِيَ
فَلِلْأَبِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ
هَذِهِ عِبَارَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ
السُّدُسُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ
وَهَذِهِ عِبَارَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ
الْمُتَوَفَّى وَلَدًا ولا ولد بن - يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ
الْوَلَدِ وَلَا اثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا
فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي
فَرِيضَتَيْنِ
وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ
الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ كَانَ له
إخوة فلأمه السدس) النساء 11
فذهب بن عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ لَا يَنْقُلُهَا
عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ مِنَ
الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ
كَانَ لَهُ إخوة فلأمه السدس) النساء 11 لِأَنَّهُ أَقَلُّ
مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ إِخْوَةٍ ثلاثة فصاعدا
وقالت بقوله فرقة وقاموا صِيغَةُ التَّثْنِيَةِ غَيْرُ
صِيغَةِ الْجَمْعِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَاحِدَ غَيْرُ الِاثْنَيْنِ
فَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ عِنْدَ الجميع قالوا ولو كانت
التَّثْنِيَةُ جَمْعًا لَاسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْجَمْعِ
كَمَا اسْتَغْنَى عَنِ الْجَمْعِ مَرَّةً أُخْرَى
وَلَهُمْ حُجَجٌ مِنْ نَحْوِ هَذَا
(5/330)
وَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ الِاثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ يَحْجُبَانِ
الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثَ وَيَنْقُلَانِهَا إِلَى السُّدُسِ
كَمَا يَفْعَلُ جَمَاعَةُ الْإِخْوَةِ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَازِ
وَالْعِرَاقِ لَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي ذَلِكَ
وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
أَنَّ الْبِنْتَيْنِ مِيرَاثُهُمَا كَمِيرَاثِ الْبَنَاتِ
وَكَذَلِكَ ميراث الأخوين للأم
وقد اجمعوا وبن عَبَّاسٍ مَعَهُمْ فِي زَوْجٍ وَأُمٍّ
وَأُخْتٍ لِأُمٍّ أَوْ إِخْوَةٍ لِأُمٍّ أَنَّ لِلزَّوْجِ
النِّصْفَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخِ أَوِ الْأُخْتِ
السُّدُسُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا
قَدْ حَجَبَا الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ
وَلَوْ لَمْ يَحْجُبَاهَا لَعَالَتِ الْفَرِيضَةُ وَهِيَ
غَيْرُ عَائِلَةٍ بِإِجْمَاعٍ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنْ حَجَبُوا الْأُمَّ
عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِثَلَاثِ أَخَوَاتٍ
وَلَسْنَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِإِخْوَةٍ وَإِنَّمَا
هُنَّ أَخَوَاتٌ فَحَجْبُهَا بِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ
أَوْلَى
وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوهًا مِنْ حُجَجِ الطَّائِفَتَيْنِ
الْمُخْتَلِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ
((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ فَرَائِضِ
الْمَوَارِيثِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ))
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ
خِلَافًا عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ لَا أَنْقُلُ الْأُمَّ
مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِأُخْتَيْنِ وَلَا
بِأَخَوَاتٍ مُنْفَرِدَاتٍ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا أَوْ
مَعَ إِحْدَاهُمَا أَخٌ لِأَنَّ الْأُخْتَيْنِ
وَالْأَخَوَاتِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِخْوَةِ
مُنْفَرِدَاتٍ
وَهَذَا شُذُوذٌ لا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ
إِلَيْهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ قَدْ صَرَفُوا اسْمَ الْإِخْوَةِ عَنْ
ظَاهِرِهِ إِلَى اثْنَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ
رَأْيًا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ عَنْ مَنْ يَجِبُ
التَّسْلِيمُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَرِثُ السُّدُسَ الَّذِي تُحْجَبُ
عَنْهُ الْأُمُّ بِالْإِخْوَةِ فيمن ترك أبوين وإخوة
فروي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ لِلْإِخْوَةِ
الَّذِينَ حَجَبُوا الأم عنه وللأب الثلثان
والإسناد عن بن عَبَّاسٍ بِذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ
وَقَالَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِلْأُمِّ مَعَ
الْإِخْوَةِ السُّدُسُ وَالْخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ
لِلْأَبِ لَا يَرِثُ الْإِخْوَةُ شَيْئًا مَعَ الْأَبِ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي
((الْإِشْرَافِ))
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ ((إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ
فَقَطْ وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ
(5/331)
وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ
فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا
بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فَيَكُونُ
لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا
بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ))
فَالِاخْتِلَافُ أَيْضًا في هذه المسألة قديما إِلَّا
أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَهُوَ
قَوْلُ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ
تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفَتْوَى بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ
وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي زَوْجٍ
وَأَبَوَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ
مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ
وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ لِلْمَرْأَةِ
الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ
وَالْبَاقِي لِلْأَبِ
وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَمُحَمَّدُ بْنُ
سِيرِينَ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ
أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَرْضِي
الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ اللَّبَّانِ فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَزَعَمَ أَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي
الْمُشْتَرَكَةِ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّهُ قَدْ روي ذلك عن علي
نصا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ
عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ (رَحِمَهُ الله)
ومن الحجة لهم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا
اشْتَرَكَا فِي الْوِرَاثَةِ لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا
كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ
فَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَكَا فِي النِّصْفِ الَّذِي
يَفْضُلُ عَنِ الزَّوْجِ كَانَا فِيهِ كَذَلِكَ عَلَى
ثُلُثٍ وَثُلُثَيْنِ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ
وَالْقِيَاسِ
وقد ذكرنا حجة القائلين بقول بن عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ
((الْإِشْرَافِ))
(4 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ
وَلَا مَعَ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ
إِنَاثًا شَيْئًا وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ
الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرْثُونَ
فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمُ
السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا
اثْنَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي
الثُّلُثِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ
الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ
(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ
وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
(5/332)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي
الثُّلُثِ) النِّسَاءِ 12 فَكَانَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى
فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ نَصٌّ
مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْوَاحِدِ
مِنْهُمُ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَمَا زَادَ الثُّلُثُ
وَقَدْ قُرِئَ (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ
كَانَ يَقْرَأُ بِهِ وَالْإِجْمَاعُ يَشْهَدُ لَهُ
وَيَسْقُطُ مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بِأَرْبَعَةٍ
يَحْجُبُونَهُمْ عَنِ الْمِيرَاثِ وَهُمْ الْأَبُ
وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَالْبَنُونَ
ذُكْرَانُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ وَبَنُو الْبَنِينَ وَإِنْ
سَفَلُوا أَوْ بَنَاتُ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلْنَ لَا
يَرِثُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ
شَيْئًا
(5 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ
الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ
الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا
وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ
مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا
فضل من المال يكونون فيه عصبة يبدأ بمن كان له أصل فريضة
مسماة فَيُعْطُونَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا (لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النِّسَاءِ 11 فَإِنْ لَمْ
يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ بَيْنَ
عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُونَ
الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَنِ الْمِيرَاثِ
وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي رِوَايَةِ
الْآحَادِ الْعُدُولِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ
بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ
حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي
الْعَلَّاتِ
(5/333)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
عُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بن حسان عن بن سِيرِينَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَضَى عُمَرُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعَصَبَةَ إِذَا كَانُوا
مُسْتَوِيِينَ فَبَنُوا الْأُمِّ أَحَقُّ
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سُنَيْنٍ
قَالَ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
((إِذَا كَانَتِ الْعَصَبَةُ سَوَاءٌ فَانْظُرُوا
أَقْرَبَهُمْ بِأُمٍّ فَأَعْطُوهُ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي ميراث
(الإخوة) الأشقاء ها هنا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ
وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ
وَكُلُّهُمْ يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُمْ أَخٌ عَصَبَةً لِلْبَنَاتِ غير بن عَبَّاسٍ
فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةً
لِلْبَنَاتِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَطَائِفَةٌ
وحجتهم ظاهر قوله تعالى (إن امرؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)
النِّسَاءِ 176
وَلَمْ يُورِّثِ الْأُخْتَ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ
لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ
قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِابْنَةَ مِنَ الْوَلَدِ
فَوَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ الْأُخْتُ مَعَ وُجُودِهَا
قَالُوا وَالنَّظَرُ يمنع من تَوْرِيثَ الْأَخَوَاتِ مَعَ
الْبَنَاتِ كَمَا يَمْنَعُ مِنْ تَوْرِيثِهِنَّ مَعَ
الْبَنِينَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفَرَائِضِ تَقْدِيمُ
الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ
قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبِنْتَ أَقْرَبُ مِنَ
الْأُخْتِ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ
مَنْ وَلَدِ أَبِيهِ وَوَلَدُ أَبِيهِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ
مَنْ وَلِدِ جَدِّهِ
وَهُمْ يَقُولُونَ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي موضعه إن شاء الله
وكان بن الزبير يقول بقول بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَخْبَرَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ
((أَنَّ مُعَاذًا قَضَى بِالْيَمَنِ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ
فَجَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ))
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
((وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَئِذٍ حَيٌّ فَرَجَعَ بن الزُّبَيْرِ عَنْ قَوْلِهِ
إِلَى قَوْلِ مُعَاذٍ
(5/334)
وحديث معاذ من أثبت الأحاديث ذكره بن أَبِي
شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ
قَالَ حَدَّثَنِي الخشني قال حدثني بْنُ أَبِي عُمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ حَدَّثَنِي الْأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرْتُ بن الزُّبَيْرِ
فَقُلْتُ إِنْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى فيها باليمن في
ابنة وأخت بالنصف والنصف فقال بن الزُّبَيْرِ أَنْتَ
رَسُولِي إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة - وكان قاضي بن
الزُّبَيْرِ عَلَى الْكُوفَةِ - فَلْيَقْضِ بِهِ
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ ((قَضَى فِينَا مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ فِي ابْنَةٍ
وَأُخْتٍ بِالنِّصْفِ وَالنِّصْفِ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وعلي وزيد بن
ثابت وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى
وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ
وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَازِ
وَالْعِرَاقِ وَأَتْبَاعِهِمْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ فِي
الْأَخَوَاتِ إِذَا اجْتَمَعْنَ فِي الْمِيرَاثِ مَعَ
الْبَنَاتِ فَهُنَّ عَصَبَةٌ لَهُنَّ يَأْخُذْنَ مَا
فَضَلَ لِلْبَنَاتِ
وَالْحُجَّةُ لَهُمْ وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ حديث
بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ابنة وبن بن وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ
وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ
وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ
رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وشعبة عن أبي قيس الأودي
وهو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ
شرحبيل عن بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ أَنَّ جُمْهُورَ
الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَذَّ
عَنْهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ
مَعَ الْبَنَاتِ وَلَمْ يَرْعَوْا قُرْبَ الْبَنَاتِ
فَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ
وَمِنَ الإسناد عن بن عباس فيما ذكرناه عنه ((ما رواه بن
عُيَيْنَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزبرقان)) أنه حدثه قال سمعت بن أبي مليكة يقول سمعت بن
عَبَّاسٍ يَقُولُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ - وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَتَجِدُونَهُ فِي النَّاسِ
كُلِّهِمْ مِيرَاثُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ النِّصْفُ
وَقَدْ قال الله - عز وجل (إن امرؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) الْآيَةَ
النِّسَاءِ 176
قَالَ أَبُو عمر قول بن عَبَّاسٍ وَسَتَجِدُونَهُ فِي
النَّاسِ كُلِّهِمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِ
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ
وَقَوْلُهُ فِيهَا أَقْرَبُ مِنَ الشُّذُوذِ وَمَا
أَعْلَمُ أَحَدًا
(5/335)
تَابَعَهُ عَلَيْهِ وَلَا قَالَ بِقَوْلِهِ
إِلَّا عَلْقَمَةَ بْنَ قَيْسٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَهُوَ
قَوْلُهُ فِي الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
يَجْتَمِعْنَ فِي فَرِيضَةٍ مَعَ الْإِخْوَةِ
وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ أَنَّهُنَّ إِذَا اسْتَكْمَلْنَ
الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي لِلْأُخْوَةِ لِلْأَبِ دُونَ
الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ
وَاحْتَجَّ أبو ثور لاختيار قول بن مسعود هذا بحديث بن
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ((أَلْحِقُوا الْمَالَ بِأَهْلِ
الْفَرَائِضِ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ
ذَكَرٍ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذِكْرِ بَنَاتِ الْبَنِينَ مع بني البنين أن قول بن
مَسْعُودٍ فِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا
وَذَهَبَ دَاوُدُ بن علي إلى قول بن مَسْعُودٍ فِي وَلَدِ
الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ وَخَالَفَهُ فِي
الْأُخْتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ مَعَ الْإِخْوَةِ
وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ فَقَالَ فِي هَذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ
وَزَيْدٍ
وقال أبو ثور بقول بن مَسْعُودٍ فِيهِمَا جَمِيعًا
وَكَانَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ يَجْعَلَانِ الْبَاقِيَ عَلَى
الْفَرَائِضِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا بَيْنَ بَنِي
الْبَنِينَ وَبَنَاتِ الْبَنِينَ وَهُنَّ الْإِخْوَةُ
وَالْأَخَوَاتُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وَالنَّاسِ لِقَوْلِ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (يُوصِيكُمُ الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) النِّسَاءِ 11 وَوَلَدُ الْوَلَدِ
وَلَدٌ
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النِّسَاءِ
176
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ
عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
أَنَّهُ قَالَ فِي قضاء بن مَسْعُودٍ هَذَا قَضَاءُ
الْجَاهِلِيَّةِ أَيَرِثُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَبًا
وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا وَلَدًا ولا ولد بن ذَكَرًا
كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ
الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ فَإِنْ
كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ
الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا
الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا
فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ
أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَهُمْ
بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا
فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ
الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ
إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
فِيهَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكُوا فِيهَا مَعَ بَنِي الْأُمِّ
في ثلثهم وتلك الفريضة المعروفة المشتركة هِيَ امْرَأَةٌ
تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا
(5/336)
وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا
وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا
النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا
لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ
ذَلِكَ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ
الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ
فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى مِنْ أَجْلِ
أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ
وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ (وَإِنْ كَانَ
رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي
الثُّلُثِ) النِّسَاءِ 12 فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا فِي هَذِهِ
الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ إِخْوَةُ
الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُشْتَرَكَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ
بِالْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ هِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ
وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَأَخٌ أَوْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ
وَمَتَى اجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ
فَهِيَ الْمُشْتَرَكَةُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا
زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ مَكَانَ الْأُمِّ وَاثْنَانِ
مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَصَاعِدًا وَأَخٌ أَوْ
إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيهَا
وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُعْطِيَانِ الزَّوْجَ
النِّصْفَ وَالْأُمَّ السُّدُسَ وَالْأُخُوَّةَ لِلْأُمِّ
الثُّلُثَ يُشَرِّكُهُمْ فِيهِ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ
ذَكَرُهُمْ فِيهِ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ
وَهِيَ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ وَسَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ
وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
وَشَرِيكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا يُدْخِلُونَ وَلَدَ
الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ وَلَدِ الْأُمِّ لِأَنَّهُمْ
عَصَبَةٌ وَقَدِ اغْتَرَفَتِ الْفَرَائِضُ الْمَالَ فَلَمْ
يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ
وَبِهِ قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وبن أَبِي لَيْلَى وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَرَائِضِ
وَرُوِيَ عن زيد بن ثابت وبن مسعود وبن عباس القولان جميعا
والمشهور عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ يُشَرِّكْ
وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ
جَمِيعِ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - فَإِنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ عنه
أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ
(5/337)
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِيهَا
فَلَمْ يُشَرِّكْ ثُمَّ قَضَى فِي الْعَامِ الثَّانِي
فَشَرَّكَ
وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا
قَضَيْنَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِي
كِتَابِ ((بَيَانِ الْعِلْمِ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَحُجَّةُ مَنْ شَرَّكَ وَاضِحَةٌ لِاشْتِرَاكِ
الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ
لِلْأُمِّ فِي أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ بَنُو أَمٍّ وَاحِدَةٍ
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُشَرِّكْ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ عَصَبَةٌ لَيْسُوا ذَوِي فُرُوضٍ وَالْإِخْوَةُ
لِلْأُمِّ فَرْضُهُمْ فِي الْكِتَابِ مَذْكُورٌ
وَالْعَصَبَةُ إِنَّمَا يَرِثُونَ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي
الْفُرُوضِ وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ
الْمُشْتَرَكَةِ شَيْءٌ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ
وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ الْحُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ
قَوْلُ الْجَمِيعِ فِي زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ
وَعَشْرَةِ إِخْوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَنَّ
الْأَخَ لِلْأُمِّ يَسْتَحِقُّ السُّدُسَ كَامِلًا
وَالسُّدُسُ الْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ
وَالْأُمِّ فَنَصِيبُ كَلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ
نَصِيبِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوا
بِمُسَاوَاتِهِمُ الْأَخَ لِلْأُمِّ فِي قَرَابَةِ
الْأُمِّ أَنْ يُسَاوُوهُ فِي الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ لَا
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَةٍ
مُشْتَرَكَةٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(6 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ
مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ
كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ
ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ
إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشَرَّكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ
فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَكَهُمْ فِيهَا بَنُو الْأَبِ
وَالْأُمِّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ
الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنِ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي
الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ
بَنِي الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ
وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ
يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
النِّصْفُ ويفرض للأخوات للأب السدس تتمة الثلثين فإن
كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ
لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ
فَيُعْطُونَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ
فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ
الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا مِيرَاثَ
مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أخ لأب بدىء
بِمَنْ شَرِكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ
(5/338)
مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ
فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فضل كان بين الإحوة لِلْأَبِ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ
يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
قَالَ مَالِكٌ وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ
وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ
وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ
سَوَاءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَسَمَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ
مِنْ حَجْبِهِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ بِالْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
كُلِّهِمْ يُحْجَبُ الْأَخُ لِلْأَبِ عَنِ الْمِيرَاثِ
بِالْأَخِ الشَّقِيقِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ
الْمَرْفُوعُ فِيهِ
وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنْ لَا يُشَرَّكَ بَيْنَ بَنِي
الْأَبِ وَبَنِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ
بَيْنِهِمْ وَلَا نَسَبَ يَجْمَعُهُمْ مِنْ جِهَةِ
الْأُمِّ الَّتِي وَرِثَ بِهَا بَنُو الْأُمِّ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْضُلُ عَنِ الْأُخْتِ
الشَّقِيقَةِ أَوِ الْأُخْتَيْنِ أَوِ الْأَخَوَاتِ هَلْ
يَدْخُلُ فِيهِ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ مَعَ أُخْتِهِنَّ
أَوْ مَعَ أَخَوَاتِهِنَّ أَمْ لَا
وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ وَلَدِ الْبَنِينَ هَذَا
الْمَعْنَى
وَذَلِكَ أَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلِيًّا وَزَيْدًا وَغَيْرَهُمَا
قَالُوا بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا فِي أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ
وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ
الْأَقَلُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوِ السُّدُسُ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا فِي الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ إِذَا اسْتَكْمَلُوا الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي
لِلْأَخِ أَوِ الْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَمَا أَعْلَمُ أحدا تابع بن مَسْعُودٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَغَيْرِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا إِلَّا عَلْقَمَةَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(7 - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ)
1042 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ
بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ
إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْجَدِّ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّكَ كَتَبْتَ
إِلَيَّ تسألني
(5/339)
عَنِ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ
مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلَّا الْأُمَرَاءُ
يَعْنِي الْخُلَفَاءَ وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ
قَبْلَكَ يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الأخ الواحد والثلث
مع الاثنين فإن كثرة الْإِخْوَةُ لَمْ يُنْقِصُوهُ مِنَ
الثُّلُثِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْعِلْمِ
فَضْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِمَامَتِهِ فِي عِلْمِ
الْفَرَائِضِ وأنه كان المسؤول عَمَّا أَشْكَلَ مِنْهَا
وَالْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ مِنَ الْآفَاقِ فِيهَا لِعِلْمِهِ
بِهَا وَأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَ يُفْزَعُ إِلَى
أَهْلِهَا مِنَ الْآفَاقِ فِي الْعِلْمِ
وَعَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْفَرَائِضِ
رَسَمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَهُ هَذَا
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ
وَكَانَ الْقَائِمُ بِمَذْهَبِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ ابْنُهُ
خَارِجَةُ ثُمَّ أَبُو الزِّنَادِ ثُمَّ ابْنُهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَجَمَاعَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ
عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَكَثِيرٌ مِنْ
عُلَمَاءِ الْبُلْدَانِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لم يعد شيء مِنْهُ
وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيَذْهَبُونَ إِلَى
قَوْلِ عَلِيٍّ فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ لَا
يَعْدُونَهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ النَّادِرِ كَمَا صَنَعَ
أَهْلُ الْحِجَازِ بِمَذْهَبِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ وَمَنْ
خَالَفَ زَيْدًا مِنَ الْحِجَازِيِّينَ أَوْ خَالَفَ
عَلِيًّا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ فقليل وَذَلِكَ لِمَا
يَرْوِيهِ مِمَّا يَلْزَمُ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ والجملة
ما وصفت لك
1043 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي
يَفْرِضُ النَّاسَ لَهُ الْيَوْمَ
1044 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ
بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ
الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا وَهُوَ يُفْرَضُ له مع الولد
الذكر ومع بن الِابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً
وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكِ
الْمُتَوَفَّى أُمًّا أَوْ
(5/340)
أُخْتًا لِأَبِيهِ يُبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ
شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ
فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ
فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً
قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ
مُسَمَّاةٍ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ
بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ
فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ
الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ
وَلِلْإِخْوَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ
الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ يُقَاسِمُهُمْ
بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوِ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ كُلِّهِ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلُ لِحَظِّ
الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ
ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ
وَاحِدَةٍ تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ
وَتَرَكْتَ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا
وَأَبِيهَا وَجَدَّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ
الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ
وَالْأَبِ النِّصْفُ ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ
وَنِصْفُ الْأُخْتِ فَيُقَسَّمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ
ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ
الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ
وَأُمٍّ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ
كَأُنْثَاهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ
لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةِ الْمِيرَاثِ
بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُعَادُّونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ
يَرْثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ
لِلْجَدِّ فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ
الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ
وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَا يَكُونُ
لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ
يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً
وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا
تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا
فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا
دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ
فَرِيضَتَهَا وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا
وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ
الْمَالِ كُلِّهِ فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ
يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ
الْمُخَالِفِينَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ بِأَنَّ أَبَا
بَكْرٍ الصَّدِّيقَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا هريرة
وبن الزُّبَيْرِ وَأَبَا مُوسَى كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى
أَنَّ الْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ سَوَاءٌ
وَيَحْجُبُونَ بِهِ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ وَلَا
يُورِثُونَ أَحَدًا سِوَى الْإِخْوَةِ شَيْئًا مَعَ
الْجَدِّ
(5/341)
وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عتبة وبن مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ
بْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو
ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَدَاوُدُ
بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا
بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عنه
روى بن عيينة وغيره عن بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ
قَالَ كَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ
أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا
وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ((لَوْ كُنْتُ أَتَّخِذُ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ
أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا))
وَحُجَّةُ مَنْ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا لِأَنَّهُ يَقَعُ
عَلَيْهِ اسْمُ أَبٍ
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ كَالْأَبِ فِي الشَّهَادَةِ لِابْنِ
ابْنِهِ وَكَالْأَبِ فِيمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ
لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ جَدِّهِ كَمَا لَا يَقْتَصُّ لَهُ
مِنْ أَبِيهِ وَلِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ مَعَ الْأَبِ
الذَّكَرِ وَهُوَ عَاصِبٌ وَذُو فَرْضٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ
لأحد غيره وغير الأب
ولما كان بن الِابْنِ كَالِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ
كَانَ كَذَلِكَ أَبُو الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ
كَذَلِكَ
وَاتَّفَقَ علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وبن مَسْعُودٍ
عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا
أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ
فَمَذْهَبُ زَيْدٍ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي هَذَا
الْبَابِ وَقَالَ إِنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ
عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ يُشَرِّكُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ
وَالْجَدِّ إِلَّا السُّدُسَ يَجْعَلُهُ كَأَحَدِهِمْ
وَإِذَا كَانَ السُّدُسُ خَيْرًا لَهُ من المقاسمة أعطاه
السدس وإذا كان الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنَ
السُّدُسِ أَعْطَاهُ السُّدُسَ بَعْدَ أَخْذِ كُلِّ ذِي
فَرْضٍ فَرْضَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي
الْفَرِيضَةِ ذُو فَرْضٍ غَيْرُ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ
لَا يُنْقَصُ أَبَدًا مِنَ السُّدُسِ شَيْئًا وَيَكُونُ
بِذَلِكَ السُّدُسِ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ ذَا فَرْضٍ
وَعَاصِبًا وَمَعَ الْإِخْوَةِ أَخَا إِلَّا أَنْ
تَنْقُصُهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ السُّدُسِ فَلَا
يَنْقُصُهُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَزِيدُهُ مَعَ
الْوَالِدِ الذَّكَرِ شَيْئًا عَلَى السُّدُسِ وَلَا
يَنْقُصُهُ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ غَيْرِهِمْ
(5/342)
وَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ
وَأَخٌ لِأَبٍ وَجَدٌّ أَعْطَى الْأُخْتَ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ النِّصْفَ فَرِيضَتَهَا وَقَسَّمَ مَا بَقِيَ
بَيْنَ الْأَخِ وَالْجَدِّ فَإِنْ كَانَ أَخٌ لِأُمٍّ
وَأَخٌ لِأَبٍ أَوْ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ إِخْوَةٌ
لِأَبٍ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْإِخْوَةِ وَلِمَ
يُعَادِّيهِمُ الْجَدَّ وَقَاسَمَ بِهِمُ الْإِخْوَةَ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ
قَالَ أبو عمر روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ
بْنَ ثَابِتٍ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْجَدِّ وَفِي
مُعَادَّاتِهِ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَقَالَ إِنَّمَا أَقُولُ بِرَأْيِي
كَمَا تَقُولُ بِرَأْيِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ انْفَرَدَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ
بَيْنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -
بِقَوْلِهِ فِي مُعَادَّاتِهِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ
يَصِيرُ مَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الْمُقَاسَمَةِ إِلَى
الْإِخْوَةِ للأب والأم لم يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ
إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ فِيهِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ
طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِهِ فِي
الْفَرَائِضِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ
الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ لَا يَرْثُونَ شَيْئًا مَعَ
الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَا مَعْنَى
لِإِدْخَالِهِمْ مَعَهُمْ وَهُمْ لَا يرثون لأنه خيف عَلَى
الْجَدِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ
وَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ زيد بن ثَابِتٍ فِي الْجَدِّ
خَاصَّةً مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وسفيان الثوري والأوزاعي وبن
سِيرِينَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ
وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ زياد اللؤلؤي وأحمد بن حنبل
وأبوعبيد
وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى قَوْلِ زَيْدٍ فِي مَنْعِهِ مِنْ
تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى ذَوِي
السِّهَامِ وَفِي قَوْلِهِ ثُلُثُ الْمَالِ بَعْدَ ذَوِي
الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ وَالْمَوَالِي أَحَدٌ مِنَ
الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا إِلَّا مَالِكًا
وَالشَّافِعِيَّ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
فِي أَبْوَابِهِ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
وَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ الْمُغِيرَةُ
بْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالْفَرَائِضِ وَالْفِقْهِ
وَمِنْ حُجَّةٍ مِنْ وَرَّثَ الْأَخَ مَعَ الْجَدِّ أَنَّ
الْأَخَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنَ الْجَدِّ لِأَنَّ
الجد أبو أبي الميت والأخ بن أَبِي الْمَيِّتِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ مِنَ الْأَبِ
فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ يُدْلِي بِالْأَبْعَدِ أَحَقُّ
وَأَوْلَى فَكَيْفَ مَنْ يُدْلِي بِالْأَقْرَبِ هَذَا
مُحَالٌ
وقد أجمعوا أن بن الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ وَهُوَ
يُدْلِي بِالْأَخِ وَالْعَمُّ يُدْلِي بِالْجَدِّ فَدَلَّ
هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ
الْأَخِ وَاللَّهُ أعلم
(5/343)
وقول بن مَسْعُودٍ فِي مُقَاسَمَةِ
الْجَدِّ الْإِخْوَةَ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فيه
وروي عنه مثل قَوْلُ زَيْدٍ أَنَّهُ قَاسَمَ الْجَدَّ
بِالْإِخْوَةِ إِلَى الثُّلُثِ فَإِنْ نَقَصَتْهُ
الْمُقَاسَمَةُ مِنَ الثُّلُثِ فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ
عَلَى حَسَبِ قَوْلِ زَيْدٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ الرِّوَايَاتِ فِي
((الْإِشْرَافِ)) وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَقْوَالًا
لِلصَّحَابَةِ شاذة لم يقل بها أحد من الفقهاء فلم أر
لذكرها وجها ها هنا
وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ الَّتِي ذَكَّرَهَا مَالِكٌ فِي
هَذَا الْبَابِ فَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ
الْفَرْضِيِّينَ بِالْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأَمٌّ
وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٌّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ فِيهَا
فَكَانَ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
يَقُولَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ
وَلِلْأُخْتُ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ
وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَيْضًا لِلزَّوْجِ النِّصْفُ
وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَلِلْأُخْتِ
النِّصْفُ عَالَتِ الْفَرِيضَةُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ
وَكَانَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ يَقُولَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ
وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وللجد السدس
الفريضة مِنْ سِتَّةٍ عَالَتْ إِلَى تِسْعَةٍ إِلَّا أَنَّ
زَيْدًا يَجْمَعُ سَهْمَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ وَهِيَ
سَبْعَةٌ فَيَجْعَلُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ
أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِلْجَدِّ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ
عَمَلُهَا أَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ
بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي
ثَلَاثَةِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةِ
سِتَّةٌ وَتَبَقَّى اثْنَا عَشَرَ لِلْأُخْتِ ثُلُثُهَا
أَرْبَعٌ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهَا ثَمَانِيَةٌ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ سَأَلْتُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ
وَكَانَ مَنْ أَعْلَمِهِمْ بِقَوْلِ زَيْدٍ فِيهَا -
يَعْنِي الْأَكْدَرِيَّةَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا فَعَلَ
زَيْدٌ هَذَا قَطُّ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَهُ قَاسُوا
ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ اللَّبَّانِ الْفَارِضُ
لَمْ يَصِحَّ عَنْ زَيْدٍ مَا ذَكَرُوا - يَعْنِي فِي
الْأَكْدَرِيَّةِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ
لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ
السُّدُسُ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ كَمَا يَسْقُطُ الْأَخُ
لَوْ كَانَ مَكَانَهَا لَأَنَّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ
سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ فِي قَوْلِ زَيْدٍ لِأَنَّهُمَا
عِنْدَهُ عَصَبَةٌ مَعَ الْجَدِّ يُقَاسِمَانِهِ
وَاخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِتَسْمِيَةِ هَذِهِ
الْفَرِيضَةِ بِالْأَكْدَرِيَّةِ
(5/344)
فَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتُكَدِّرِ
قَوْلِ زَيْدٍ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِضْ لِلْأُخْتِ
مَعَ الْجَدِّ وَفَرَضَ لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ
مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ
الْأَكْدَرُ فَأَخْطَأَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنِي بَقِيُّ
بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ قُلْتُ
لِلْأَعْمَشِ لِمَ سُمِّيَتِ الْأَكْدَرِيَّةُ قَالَ
طَرَحَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَلَى رَجُلٍ
يُقَالُ لَهُ الْأَكْدَرُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْفَرَائِضِ
فَأَخْطَأَ فِيهَا فَسَمَّاهَا الْأَكْدَرِيَّةَ
وَقَالَ وَكِيعٌ وَكُنَّا نَسْمَعُ قَبْلَ هَذَا أَنَّهَا
سُمِّيَتِ الْأَكْدَرِيَّةُ لِأَنَّ قَوْلِ زَيْدٍ
تَكَدَّرَ فِيهَا لَمْ يَقِسْ قَوْلَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُعَادَّاةِ الْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ بِالْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ ثُمَّ انْفِرَادِهِمْ بِالْمِيرَاثِ دُونَهُمْ
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ زَيْدٍ وَحْدَهُ
مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي ذَلِكَ
فَإِجْمَاعٌ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ عِنْدَ الْجَمِيعِ
مَعَ الْجَدِّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْأُخْوَةِ
لِلْأُمِّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَنَّهَا
تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَإِنْ حَصَلَ
لَهَا وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ النِّصْفُ فَهُوَ لَهَا
دُونَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ عَلَى
النِّصْفِ لَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفَ فَهُوَ مَذْهَبُ
زَيْدٍ
وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْرِضُ
لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ يَقْسِمُ
الْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ مَا لَمْ
تَنْقُصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ السُّدُسِ فَإِنْ
نَقَصَتْهُ فُرِضَ لَهُ السُّدُسُ وَفَضَلَ الْبَاقِي
لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ
وأما بن مَسْعُودٍ فَأَسْقَطَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَعَ
الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ والأم والجد فعلى قول بن مَسْعُودٍ
فِي أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَجَدٍّ
الْمَالُ بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ نِصْفَيْنِ وَلَا
شيء للإخوة للأب
وذهب إلى قول بن مَسْعُودٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ
مَسْرُوقٌ وَشُرَيْحٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي
أَهْلِ الْكُوفَةِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ
وَاخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ - (رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ -) عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ
(5/345)
أَحَدُهَا مَنْ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا
أَبُو بَكْرٍ وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَمَنْ ذَكَرْنَا
مَعَهُمْ أَعْطَوُا الْأُمَّ الثُّلُثَ وَالْبَاقِي
لِلْجَدِّ وَحَجَبُوا الْأُخْتَ بِالْجَدِّ كَمَا تُحْجَبُ
بِالْأَبِ
وَالثَّانِي قَوْلُ عَلِيٍّ قَالَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ
وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ
وَالثَّالِثُ قَوْلُ عُثْمَانَ جَعَلَهَا أَثْلَاثًا
لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ وللجد الثلث
والرابع قول بن مَسْعُودٍ قَالَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ
وَالْجَدِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَكَانَ
يَقُولُ مَعَاذَ اللَّهُ أَنَّ أُفَضِّلَ أُمًّا عَلَى
جَدٍّ
وَالْخَامِسُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ لِلْأُمِّ
الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَهَذِهِ الْفَرِيضَةُ تُدْعَى الْخَرْقَاءُ
(8 - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ)
1045 - مَالِكٌ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ
أَنَّهُ قَالَ جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
الصَّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فقال لها أبو بكر مالك
فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي
سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ
فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ
مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ
فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ ثُمَّ
جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الخطاب
تسأله ميراثها فقال لها مالك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ
وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا
لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ
شَيْئًا وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنِ
اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنُكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ
بِهِ فَهُوَ لَهَا
1046 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَتِ الْجَدَّتَانِ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ
السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمَّا إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي
لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ
فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا
(5/346)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْحَدِيثُ
الْأَوَّلُ فَقَدْ خُولِفَ مَالِكٌ فِي عُثْمَانَ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ فَقَالَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ إِنَّمَا هُوَ عُثْمَانُ
بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي خَرَشَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
رَبِيعَةَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ
وَمَا أَعْلَمُ رَوَى عنه غير بن شِهَابٍ وَهُوَ مَعْرُوفُ
النَّسَبِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُشْتَهِرًا
بِالرِّوَايَةِ لِلْعِلْمِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِ فِي
((التَّمْهِيدِ)) وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ فِي
سَمَاعِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ
وَقَبِيصَةُ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ
ذَكَرْنَا خَبَرَهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وُلِدَ فِي
أَوَّلِ عَامِ الْهِجْرَةِ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ
وَثَمَانِينَ
وَذَكَرْنَا أَبَاهُ ذُؤَيْبًا فِي كِتَابِ
((الصَّحَابَةِ))
وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى روايته في هذا الباب عن بن
شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ
أَبُو أُوَيْسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ
مُسَافِرٍ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ لم
يدخل بين بن شِهَابٍ وَبَيْنَ قَبِيصَةَ أَحَدًا
وَرَوَاهُ كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ يُونُسُ وَأُسَامَةُ
بْنُ زَيْدٍ
وَالْقَوْلُ عِنْدِي قَوْلُ مَالِكٍ وَمِنْ تَابَعَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُمْ زادوا ما قصر عنه غيرهم
وأما بن عُيَيْنَةَ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَجَوَّدَهُ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ فَقَالَ
مَرَّةً حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ وَقَالَا مَرَّةً حَدَّثَنِي
رَجُلٌ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ جَاءَتِ
الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ أَوْ أُمُّ الْأَبِ إلى أبي بكر
الصديق فقالت إن بن ابني أو بن ابْنَتِي مَاتَ وَقَدْ
أُخْبِرْتُ أَنَّ لِي فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقًّا فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ مَا أَجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ
حَقٍّ وَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ
قَالَ فَسَأَلَ فَشَهِدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَعْطَاهَا السُّدُسَ قَالَ ومن سمع ذلك معك قال بن
مَسْلَمَةَ قَالَ فَأَعْطَاهَا السُّدُسَ قَالَ فَلَمَّا
كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ جَاءَتِ الَّتِي تُخَالِفُهَا
إِلَى عُمَرَ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَنِي فِيهِ مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ أَحْفَظْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ
وَلَكِنْ حَفِظْتُهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ إِذَا
اجْتَمَعْتُمَا فَإِنَّهُ لَكُمَا أَوْ أَيَّتُكُمَا
انْفَرَدَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ أَتَتِ الْجَدَّتَانِ إِلَى
أَبِي بكر
(5/347)
الصَّدِّيقِ فَإِنَّهُ عَنَى أُمَّ
الْأُمِّ وَأُمَّ الْأَبِ وَهُمَا اللَّتَانِ أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْرِيثِهِمَا
رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ
سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ جَاءَتْ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ جَدَّتَانِ فَأَعْطَى الْجَدَّةَ أُمَّ
الْأُمِّ السُّدُسَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا
- يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَعْطَيْتَ الَّتِي لَوْ
أَنَّهَا مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَتَرَكْتَ الَّتِي لَوْ
مَاتَتْ وَرِثَهَا فَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَهُمَا
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْرِيثِ الجدات على ما
نورده ها هنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
1047 - ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ
أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا
لِلْجَدَّتَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ وبن شِهَابٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَوْفٍ وبن هرمز وربيعة وبن أَبِي ذُؤَيْبٍ وَمَالِكِ بْنِ
أَنَسٍ
وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
وَذَلِكَ أَنَّهُ كان يوتر بركعة فعابه بن مَسْعُودٍ
فَقَالَ أَتَعِيبُنِي أَنْ أُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَأَنْتَ
تورث ثلاث جدات قال بن أَبِي أُوَيْسٍ سَأَلَتُ مَالِكًا
عَنِ الْجَدَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَرِثَانِ وَالثَّالِثَةِ
الَّتِي تَطْرَحُ وَأُمَّهَاتُهَا فَقَالَ اللَّتَانِ
تَرِثَانِ أَمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ
وَأُمَّهَاتُهُمَا إِذَا لَمْ يَكُونَا وَالثَّالِثَةُ
الَّتِي تَطْرَحُ أُمُّ الْجَدِّ أبي الأب وأمهاتها قال بن
أَبِي أُوَيْسٍ فَأَمَّا أُمُّ أَبِ الْأُمِّ فَلَا تَرِثُ
شَيْئًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَذْهَبُونَ إِلَى
قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّاتِ
وَكَانَ زَيْدٌ يَقُولُ تَرِثُ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ
وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ أَيَّتُهُمَا كَانَتْ
أَخَذَتِ السُّدُسَ فَإِنِ اجْتَمَعَتَا فَالسُّدُسُ
بَيْنَهَمَا وَلَا شَيْءَ لِلْجَدَّاتِ غَيْرَ السُّدُسِ
إِذَا اسْتَوِيَنَ فِي الْعُقُودِ قَالَ فَإِنْ قَرُبَتِ
الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَانَ السُّدُسُ لَهَا دُونَ
غَيْرِهَا وَإِنْ قَرُبَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ
كَانَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ
الْأُمِّ وَإِنْ قُعْدِدَتْ
هَذِهِ رِوَايَةُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَهْلِ
الْمَدِينَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ
قَالَ أَيَّتُهُمَا كَانَتْ أَقْرَبُ فَالسُّدُسُ لَهَا
(5/348)
وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْجَدَّاتِ كَقَوْلِ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ الَّتِي
كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ
وَلَا يُشَرِّكُ مَعَهَا أَحَدًا لَيْسَ فِي قُعْدَدِهَا
وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ وَلَا
يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ
الْأُمِّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ
اثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ
الْأُمِّ
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنِي سفيان فذكره
وأما بن مَسْعُودٍ فَكَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّاتِ
الْأَرْبَعَ أُمَّ الْأُمِّ وَأُمَّهَا وَإِنْ عَلَتْ
وَأُمَّ الْأَبِ وَأُمَّهَا وَإِنْ عَلَتْ وَأُمَّ أَبِي
الْأُمِّ وَأُمَّهَا وَأُمَّ أَبِي الأب وأمها
وهو قول بن عباس
وبه قال الحسن وبن سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ
الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ تَرِثُ الْجَدَّاتُ الْأَرْبَعُ قَرُبْنَ
أَوْ بَعُدْنَ
وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن ليث عن طاوس عن بن عَبَّاسٍ
قَالَ تَرِثُ الْجَدَّاتُ الْأَرْبَعُ وَحَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ
أَنَّهُمَا كانا يورثان أربع جدات
وكان بن مَسْعُودٍ يُشَرِّكُ بَيْنَ الْجَدَّاتِ فِي
السُّدُسِ دُنْيَاهُنَّ وَقُصْوَاهُنَّ مَا لَمْ تَكُنْ
جَدَّةً أُمَّ جَدَّةٍ أَوْ جَدَّتَهَا فَإِنْ كَانَ
كَذَلِكَ وَرَّثَ بَيْنَهُمَا مَعَ سَائِرِ الْجَدَّاتِ
وَأَسْقَطَ أُمَّهَا أَوْ جَدَّتَهَا
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُسْقِطُ الْقُصْوَى
بِالدُّنْيَا إِذَا كَانَتْ مِنْ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلَ
أَنْ تَكُونَ أُمَّ أَبٍ وَأُمَّ أَبٍ فَيُوَرِّثُ أُمَّ
الْأَبِ أَبٍ وَيُسْقِطُ أُمَّ أَبِي الْأَبِ
فَكَانَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ يَخْتَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
عَنِ بن مسعود ويقويها
وأما بن عَبَّاسٍ فَكَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّةَ أُمِّ
أَبِي الْأَبِ مَعَ مَنْ يُحَاذِيهَا مِنَ الْجَدَّاتِ
وَتَابِعَهُ عَلَى ذلك الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد
(5/349)
وروي عن بن عَبَّاسٍ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّ
الْجَدَّةَ كَالْأُمِّ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ
وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ
أَجْمَعُوا أَنْ لَا تَرِثَ جَدَّةٌ ثُلُثًا وَلَوْ
كَانَتْ كَالْأُمِّ وَرِثَتِ الثُّلُثَ وَأَظُنُّ الَّذِي
روى هذا الحديث عن بن عَبَّاسٍ قَاسَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي
الْجَدِّ لَمَّا جَعَلَهُ أَبًا ظَنَّ أَنَّهُ يَجْعَلُ
الْجَدَّةَ أُمًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَا يَرِثُ
مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا
تَرِثُ الْجَدَّةُ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ عَلَى حَالٍ وَلَا
يَرِثُ مَعَ الْأَبِ أَحَدٌ مِنْ جَدَّاتِهِ وَلَا تَرِثُ
جَدَّةٌ وَابْنُهَا حَيٌّ يَعْنِي الِابْنَ الَّذِي
يُدْلِي بِهِ إِلَى الْمِيرَاثِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ
جَدَّةً أُمَّ عَمٍّ لِأَبٍ فَلَا يَحْجُبُهَا هَذَا
الِابْنُ عَنِ الْمِيرَاثِ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ
الْجَدَّاتِ مَعَ الْأُمِّ
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ
يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَّا
أَنَّ مَالِكًا لَا يُوَرِّثُ إِلَّا جَدَّتَيْنِ أُمَّ
أُمٍّ وَأُمَّ أَبٍ وَأُمَّهَاتِهِمَا وَكَذَلِكَ رَوَى
أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ
مَعَهُمْ
وَمَذْهَبُ زَيْدٍ قَدْ جَوَّدَهُ مَالِكٌ وَذَكَرَ
أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ
عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ
أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دِنْيَا شَيْئًا
وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ
فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ
مَعَ الْأُمِّ وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا
سِوَى ذَلِكَ يُفْرِضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِذَا
اجْتَمَعَتِ الْجَدَّتَانِ أُمَّ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ
وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أَبٌ وَلَا أُمٌّ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ
إِنْ كَانَتْ أَقْعَدَهُمَا كَانَ لَهَا السُّدُسُ دُونَ
أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقَعَدَهُمَا
أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدَدِ مِنَ الْمُتَوَفَّى
بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا
نِصْفَانِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنَ الْجَدَّاتِ
إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ
الْجَدَّةَ ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى
أَتَاهُ الثَّبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ
فَأَنْفَذَهُ لَهَا ثُمَّ أَتَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَنَا
بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا
فَهُوَ بَيْنُكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ
لَهَا
قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ لَمْ نَعْلَمُ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ
جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلُ فِي هَذَا
الْبَابِ فِي كِتَابِ ((التَّمْهِيدِ)) وَفِي كِتَابِ
(5/350)
((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ
فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ من الاختلاف)) أيضا
وفيما ذكرنا ها هنا كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا قَوْلُ زَيْدٍ لَا تَرِثِ جَدَّةٌ وَابْنُهَا
حَيٌّ فَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَدَّاشُ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عُتْبَانَ مَالِكُ بْنُ يَحْيَى
قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ
يَجْعَلْ لِلْجَدَّةِ شَيْئًا مَعَ ابْنِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرَوَى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَعَطَاءٌ عَنْ زَيْدٍ مِثْلَهُ سَوَاءً
وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ
مَعَ ابْنِهَا فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
يَقُولُونَ لَا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لَا تَرِثُ
أُمُّ الْأَبِ مَعَ الْأَبِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ
لَمَّا كَانَ مَحْجُوبًا بِالْأَبِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ
الْجَدَّةُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَحَدُ أَبَوَيِ
الْمَيِّتِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْجُبَهَا الْأَبُ كَمَا
حَجَبَ الْجَدَّ وَوَجَبَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ أُمُّ
أُمٍّ لَمْ تَرِثْ مَعَ الْأُمِّ فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ
أُمُّ أَبٍ لَا تَرِثُ مَعَ الْأَبِ
وَوَجْهٌ آخَرُ لَمَّا كَانَ بن الْأَخِ لَا يَرِثُ مَعَ
الْأَخِ لِأَنَّهُ بِهِ يدلى ولا يرث بن الْعَمِّ مَعَ
الْعَمِّ لِأَنَّهُ بِهِ يُدْلِي وَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ
الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ مَعَ الْأَبِ لِأَنَّهَا بِهِ
تُدْلِي
وَأَمَّا دَاوُدُ فَحُجَّتُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا
اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِهَا لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ لَا
يُجِبْ عِنْدَهُ مِيرَاثٌ إِلَّا بِنَصِّ آيَةٍ أَوْ نَصِّ
سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ مَا هُوَ
فِي بَابِ الْمُنَازَعَةِ مِثْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ
قَرِيبٍ ذِي نَسَبٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنَ
الْمِيرَاثِ إِلَّا بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ
ثَابِتَةٍ لَا مَطْعَنَ فِيهَا أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ
الْأُمَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيبًا مَفْرُوضًا) النِّسَاءِ 7 فَوَجَبَ أَنْ لَا
يُمْنَعُ قَرِيبٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ
مِيرَاثِ قَرِيبِهِ إِلَّا بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ
ثَابِتَةٍ أو إجماع
(5/351)
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمِيرَاثَ
بِالدِّينِ لَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّسَبِ
وَقَالَ آخَرُونَ تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ ابْنِهَا
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وبن سِيرِينَ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو
الشَّعْثَاءِ
وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْبَصْرِيِّينَ وَشَرِيكٍ
الْقَاضِي وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ
وَالطَّبَرِيِّ
وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ الثَّوْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهَا مَعَ ابْنِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُهَا
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا جَدَّةٌ مَعَ ابْنِهَا
وَابْنُهَا حَيٌّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ
يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَّةُ - أَرَادَ أُمَّ
الْأُمِّ - وَهُوَ خَالُ الميت
فإن قيل روي بن جريج والثوري وبن عُيَيْنَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيِّبِ يَقُولُ وَرَّثَ عُمَرُ بْنُ الخطاب جدة مع
ابنها
قيل لَهُ وَهَذَا مُحْتَمِلٌ أَيْضًا لِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ
التَّأْوِيلِ
فَإِنْ صَحَّ أَنَّهَا أُمُّ أَبٍ فَقَدْ خَالَفَهُ
عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ وَالْقِيَاسُ
عَلَى مَا وَصَفْنَا
إِلَّا أَنَّ لَهُمْ قِيَاسًا وَذَلِكَ أَنَّ الْإِخْوَةَ
لِلْأُمِّ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَهَا
وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ تُدْلِي بِالْأَبِ وَتَرِثُ مَعَهُ
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْأُمَّ وَأُمَّ الْأُمِّ لَا
يُحْجَبَانِ بِالذُّكُورِ
وَكَذَلِكَ أُمُّ الْأَبِ لَا تُحْجَبُ بِابْنِهَا
وَإِنَّمَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ الْأُمَّهَاتُ وَلَمَّا
كَانَ عَدَمُ ابْنِهَا لَا يَزِيدُ فِي فَرْضِهَا لَمْ
يَحْجُبْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
مِنْ تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا فَقَدْ رُوِيَ
عَنْهُ خِلَافُهُ إِلَّا أَنَّ الأول عنهم أثبت
(5/352)
ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ
شَرِيكٍ عَنْ جابر عن عمر أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ يُورِّثُ الْجَدَّةَ مع ابنها إلا بن مَسْعُودٍ
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ بَسَّامٍ عَنْ
فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا
تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ ابْنِهَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ
وَزَيْدٍ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُوَرِّثِ الْجَدَّةَ
إِذَا كَانَ ابْنُهَا حَيًّا وَالنَّاسُ عَلَيْهِ
(9 - بَابُ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ)
1048 - مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي
الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ
هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى مُرْسَلًا وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ
الرُّوَاةِ عَلَى إِرْسَالِهِ مِنْهُمُ بن وهب ومطرف وبن
بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ وَأَبُو
عُفَيْرٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى كُلُّهُمْ رَوَاهُ كَمَا
رَوَاهُ يَحْيَى لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ
وَوَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ وبن الْقَاسِمِ عَلَى
اخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَالَا فِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
فَقَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ
طَاوُسًا يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ سَأَلَ حَفْصَةَ أَنْ
تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الْكَلَالَةِ فَأَمْهَلَتْهُ حَتَّى إِذَا لَبِسَ
ثِيَابَهُ سَأَلَتْهُ فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتِفٍ
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة)
النساء 176 وَقَالَ ((مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا أَعُمَرُ مَا
أَظُنُّ أنه يفهمها أو لم تَكْفِيهِ آيَةُ الصَّيْفِ))
فَأَتَتْ حَفْصَةُ عُمَرَ بِالْكَتِفِ)) فَقَرَأَهُ
فَلَمَّا بَلَغَ (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النِّسَاءِ 176
رَمَى بِالْكَتِفِ وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ بَيَّنْتَ لَهُ
فَلَمْ تُبَيِّنْ لِي
قَالَ سُفْيَانُ وَآيَةُ الصَّيْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى
(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ)
النساء
(5/353)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْكَلَالَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ
فِيهِ خَبَرٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَنِ الرَّسُولِ كَانَ
لَهُ أَنْ يَحْمِلَ السَّائِلَ عَلَيْهِ وَيَكِلَ فَهْمَ
ذَلِكَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ السَّائِلُ مِمَّنْ يَصْلُحُ
لِذَلِكَ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ اللَّفْظِ
وَظَاهِرِهِ
واختلف الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (يُورَثُ كَلَالَةً) النِّسَاءِ 12
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْكَلَالَةُ صِفَةٌ
لِلْوِرَاثَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَلَدٌ وَلَا
وَالِدٌ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْوِرَاثَةُ كَلَالَةً
وَمَنْ قَالَ بِهَذَا جَعَلَ كَلَالَةً نَصْبًا عَلَى
الْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قَالَ يُورَثُ وِرَاثَةً أَيْ
يُورَثُ بِالْوِرَاثَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا كَلَالَةً
كَمَا تَقُولُ قُتَلَ غِيلَةً كَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَصْدَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ
تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ أَحَاطَ بِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ الْكَلَالَةُ صِفَةٌ لِلْوَرَثَةِ إِذَا
لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ سُمِّيَتِ
الْوَرَثَةُ كَلَالَةً
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً وَكَانَ لَا وَلَدَ
لَهُ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ يُورِثُ
كَلَالَةً بِكَسْرِ الرَّاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَنْ قَرَأَ يُورَثُ كَلَالَةً
فَهُمُ الْعَصَبَةُ الرِّجَالُ الْوَرَثَةُ
وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَالَةَ صِفَةٌ
لِلْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ
سُمِّي الْمَيِّتُ كَلَالَةً إِنْ كَانَ رَجُلٌ أو امرأة
كما يقال رَجُلٌ صَرُورَةٌ وَامْرَأَةٌ صَرُورَةٌ فِيمَنْ
لَمْ يَحُجَّ وَمِثْلُهُ رَجُلٌ عَقِيمٌ وَامْرَأَةٌ
عَقِيمٌ
(5/354)
وَحَجَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْآثَارُ
الْمَرْوِيَّةُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
أَنَّهُمْ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ الْكَلَالَةِ الكلالة من
لا ولد له ولا والد
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وزيد
وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ
عَنْهُمْ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَا وَلَدَ
لَهُ خَاصَّةً
وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ
وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ
وَالْعِرَاقِ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ عَبْدٍ السَّلُولِيِّ قَالَ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ
الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنِ
بن عَبَّاسٍ فِي الْكَلَالَةِ أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ
لَهُ فَقَطْ وَأَنَّهُ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَنْ
كَانُوا مَعَ الْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وإنه لَمْ
يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي أَنَّ الْجَدَّاتِ تُحْجَبُ بِهَا
الْإِخْوَةُ وَأَنَّ الْأُمَّ لَا يَحْجُبُهَا عَنِ
الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ مِنَ
الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَجِيءَ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا فِي
امْرَأَةٍ خَلَّفَتْ مِنَ الْوَرَثَةِ زَوْجًا
وَأَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ
وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأَبِ السُّدُسَ وَيَسْقُطُ
الْإِخْوَةُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَحْجُبُهُ الْبَنُونَ
عَنِ السُّدُسِ فَكَيْفَ يَحْجُبُهُ عَنْهُ الْإِخْوَةُ
هَذَا لَا يصح عن بن عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ
وَلَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ
يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِيهِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ
عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ
عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ
فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)
النِّسَاءِ 12 قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ
الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى
لَا يَكُونَ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ قَالَ مالك فأما
الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا
هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ
مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا
وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً
رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النِّسَاءِ 176
قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ
فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ
فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ هُنَا إِذَا
لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلَمْ
(5/355)
يَقُلْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَكَانَ
الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا
وَالِدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ وَغَيْرَهُ
وَكُلَّ مِنْ تَكَلُّمٍ فِي الْفَرَائِضِ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَرِثُ
أَخٌ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مَعَ الْوَالِدِ كَمَا لَا
يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ وَهَذَا أَصْلٌ مُجْتَمَعٌ
عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مَعَ
الْجَدِّ لَا مَعَ الْأَبِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدْ
أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ ((مِيرَاثِ الجد))
وقد قال مَالِكٌ فِي بَابِ ((مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ مُوَطَّئِهِ)) أَنَّهُمْ لَا
يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ
شَيْئًا وَلَا مَعَ الأب دينا شَيْئًا
وَبِهَذَا اسْتَغْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَذْكُرَ
الْوَالِدَ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمْرٌ
لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى
أن الإخوة للأب والأم لا يرثون إلا من يورث كلالة ولا
يُورَثُ كَلَالَةً إِلَّا مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا
وَالِدَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِ
السَّلَفِ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا
وَالِدَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -
الْكَلَالَةَ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ
يَذْكُرْ فِيهِمَا وَارِثًا غَيْرَ الْإِخْوَةِ
فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي صَدْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ
كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)
النِّسَاءِ 12
فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُنِيَ بِهِمُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ
لِلْأَبِ لَيْسَ مِيرَاثُهُمْ هَكَذَا
وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَسْتَفْتُونَكَ قل الله يفتيكم
في الكلالة إن امرؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) إِلَى
قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النِّسَاءِ
176
فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا
وَحَدِيثًا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لَيْسَ
هَكَذَا لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - جَعَلَ
جَمَاعَةَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ شُرَكَاءَ فِي الثُّلُثِ
الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سواء وعلم الجميع بذلك أن
الْإِخْوَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ إِخْوَةُ
الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ
وَدَلَّتِ الْآيَتَانِ جَمِيعًا أَنَّ الْإِخْوَةَ
كُلَّهُمْ كَلَالَةٌ
وَإِذَا كَانَ الْإِخْوَةُ كلالة فمعلوم أن من كان أبد
مِنْهُمْ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ كَلَالَةً وَكُلُّ
مَنْ لَا يَرِثُهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَقَدْ يورث كلالة
(5/356)
قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَدِ اخْتَلَفُوا
فِي الْكَلَالَةِ وَصَارَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ مَا
خَلَا الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ
قَالَ مَالِكٌ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ
لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ
أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى
السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ
وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ
كَأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ
الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ
الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ
الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ
لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ فَهُوَ
أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ
أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ
الثُّلُثَ أَخْذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا
لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ
الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ
مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى
بِذَلِكَ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ هَذَا
الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً مَعَ الْجَدِّ
بَلْ أَرَادَ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ
يَكُونُونَ عَصَبَةً لِلْأَبِ كَانُوا أَوْ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَيْسَ عَلَى
مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَهُمْ فِي امْرَأَةٍ
هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا
لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَجَدَّهَا
فَقَالَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ
وَجَعْلَ لِلْجَدِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ الثُّلُثُ
قَالَ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ لَوْ لَمْ أَكُنْ أَنَا
كَانَ لِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَأْخُذِ
الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ شَيْئًا فَلَمَّا حَجَبْتُ
الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْهُمْ كُنْتُ أَنَا أَحَقَّ بِهِ
منهم
وروى بن وَهْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ فِي
امْرَأَةٍ هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا
وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا
وَجَدَّهَا قَالَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ
السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ
فَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ
وَيَحْيَى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي سِتَّةِ إِخْوَةٍ
مُعْتَرِفِينَ اثْنَانِ لِأَبٍ وَاثْنَانِ لِأُمٍّ
وَاثْنَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ وَجَدٍّ يَكُونُ
لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَيَشْتَرِكُ
الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
فِي السُّدُسِ وَيَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَعَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَعْرُوفُ أَنَّ
السُّدُسَ الْبَاقِيَ لِلْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
لِأَنَّ الْجَدَّ حَجَبَ الْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ
فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي الْفَرِيضَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجَدِّ أَنَّهُ
أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْإِخْوَةِ
وَمَا احْتَجَّ بِهِ فَعَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ
(5/357)
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ ((الْجَدِّ))
قَوْلَ مَنْ حَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ وَقَوْلَ مَنْ
قَاسَمَهُمْ بِهِ إِلَى الثُّلُثِ
وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ
وَذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ فِي مُقَاسَمَتِهِ لِلْجَدِّ
بِهِمْ إِلَى السُّدُسِ فَلَا مَعْنَى لإعادة ذلك ها هنا
وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
جَعَلَ الْأَخَ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ وَحَجَبَ الْجَدَّ
بِالْإِخْوَةِ بَلْ هُمْ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى
مِنْهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا مِنْ
أُصُولِهِمْ
وَذَكَرْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ إِلَّا فِرْقَةً مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ ثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ
فَإِنَّهُمْ حَجَبُوا الْجَدَّ بِالْأَخِ وَرَوَوْا فِيهِ
عَنْ عُمَرَ شَيْئًا لَا يَصِحُّ وَشَذُّوا عَنْ جَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ وَخَالَفُوا سَبِيلَهُمْ فَلَمْ يَنْشَغِلْ
بِهِمْ
وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَالِكٍ - رَحْمَهُ اللَّهِ - عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يُرْوَى
عَنْ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ
(10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ)
1049 - مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قديما يقال له
بن مِرْسَى أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظَّهْرَ قَالَ يَا
يَرْفَأُ هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ
فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلُ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرُ
فِيهَا فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَأُ فَدَعَا بِتَوْرٍ أَوْ
قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ ثُمَّ
قَالَ لو رضيك الله وارثة أَقَرَّكَ لَوْ رَضِيَكَ اللَّهُ
أَقَرَّكَ
1050 - مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ كَانَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ
تُورَثُ وَلَا تَرِثُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ ثُمَّ الْخَلَفُ
بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي
الْأَرْحَامِ وَهُمْ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ مِنْ قَرَابَةِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ
بِعَصَبَةٍ
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالِ
وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ وَبِنْتِ الِابْنَةِ
(5/358)
وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
الَّذِينَ لَا فَرْضَ لَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا
فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا هم عصبة
وأبى ذلك آخرون ونذكر ها هنا مَا لَهُمْ فِي الْعَمَّةِ
خَاصَّةً مِنَ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْبَابَ لَمْ
يَتَضَمَّنْ غَيْرَهَا وَنُؤَخِّرُ الْقَوْلَ فِي سَائِرِ
ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَى بَابِ ((مِنْ لَا مِيرَاثَ
لَهُ)) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَوَوْا عَنْ عُمَرِ بْنِ
الْخَطَّابِ فِي الْعَمَّةِ مَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فِي
هَذَا الْبَابِ
وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ
أَهْلِ الْحِجَازِ
وَمِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِمَّا رَوَاهُ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ مَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ
قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّاشُ
قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَارِيَةِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا هَلَكَ
وَتَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً انْطَلِقْ تُقَسِّمْ
مِيرَاثَهُمْ فَتَبِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ ((يَا رَبُّ
رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً)) ثُمَّ سَارَ هُنَيْهَةً
ثُمَّ قَالَ ((يَا رَبُّ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّةً
وَخَالَةً)) ثُمَّ قَالَ ((لَا أَرَى لَهُمَا شَيْئًا))
قَالَ يَزِيدُ وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ عُمَرِ خِلَافَ مَا رَوَى
عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
وَكَذَلِكَ رِوَايَتُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَيْضًا
فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَيَّاشُ بِمِصْرَ قَالَ
حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ أَبُو
غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ
حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى
لِلْعَمَّةِ بِثُلُثَيِ الْمِيرَاثِ وَلِلْخَالَةِ بالثلث
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ
أَخْبَرَنَا حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى
لِلْعَمَّةِ الثلثين وللخالة الثلث
قال وحدثني يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ
قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ أُتِيَ زِيَادٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ
وَتَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ
قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيهَا فَقَالُوا لَا قَالَ
زَيْدٌ وَاللَّهِ إِنِّي لِأَعْلَمُ
(5/359)
النَّاسِ بِقَضَاءِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فِيهَا جَعَلَ الْعَمَّةَ بِمَنْزِلَةِ
الْأَبِ وَالْخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَأَعْطَى
العمة الثلثين والخالة الثلث
وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَيْسَ بِقَوِيٍّ ذَكَرَهُ
يَزِيدُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ((الْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إِذَا
لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَبٌ وَالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ
الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أُمٌّ))
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ زِيَادٍ
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَمَّةِ والخالة الثلثان
للعمة والثلث للخالة
وروى سفيان عن عمرو بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
عُمَرَ مِثْلَهُ
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مسعود ومسروق والحكم وإبراهيم مثله
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ
الْبَصْرَةِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ
وَقَدْ رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عن عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ
قَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ
بِنِصْفَيْنِ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَعْطَى
الْعَمَّةَ الْمَالَ كُلَّهُ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ
وَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
وَرَوَى الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ أَعْطَى الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ
وَرَّثَ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا
قَسَمَهُ لَهُمَا
(11 - بَابُ مِيرَاثِ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ
عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي وِلَايَةِ
الْعَصَبَةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى
بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ
أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى
مَنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ
أَوْلَى من بني بن الأخ للأب والأم وبنو بن الْأَخِ
لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ
أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أخي
الأب للأب والأم وبن الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ
الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ
مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا
انْسُبِ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ في ولايته من
عصبته فإن وجدت أحد مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى
أَبٍ
(5/360)
لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ
دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى
الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ
ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهَمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى
أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فَانْظُرْ
أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ بن أب فقط فاجعل
الميراث له دون الأطراف وإن كان بن أَبٍ وَأُمٍّ وَإِنْ
وَجَدَتْهُمْ مُسْتَوِينَ يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ
الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ
الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا
بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ
بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا
وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ
سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى
لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي
الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ بَنِي الْأَخِ
لِلْأَبِ وَذَلِكَ أَنَّ الله تبارك وتعالى قال (وأولوا
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
الْأَنْفَالِ 75 قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ
أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى
مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأب للأب والأم بالميراث وبن الْأَخِ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلَاءِ
المولى
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي هَذَا
الْبَابِ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ
الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَالْفُقَهَاءِ
وَأَهْلُ الْفَرَائِضِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْأَخَ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ إِذَا
اجْتَمَعَا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ
لِلْمُتَوَفَّى إِذَا أَدْلَى بِأُمٍّ مَعَ أَبٍ يَحْجُبُ
الَّذِي فِي مَنْزِلَتِهِ مِنَ الْقَرَابَةِ إِذَا لَمْ
يُدْلِ إِلَّا بِأَبٍ دُونَ أُمٍّ
وَهَذَا الْبَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ يُسَمَّى
بَابَ الْحَجْبِ
قَالُوا الْأَخُ لِلْأَبِ ((وَالْأُمِّ)) يَحْجُبُ ((الأخ
للأب والأخ للأب يحجب)) بن الأخ للأب والأم وبن الأخ للأب
والأم يحجب بن الأخ للأب وبن الأخ للأب يحجب بن ابْنِ
الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
وَهَكَذَا سَبِيلُ الْعَصِبَاتِ من الإخوة وبينهم
وَكَذَلِكَ الْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمُ الْأَقْرَبُ يَحْجُبُ
الْأَبْعَدَ فَإِذَا اسْتَوَوْا حَجَبَ الشَّقِيقُ مَنْ
كَانَ لِأَبٍ خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَدْ أَدْلَى بِأُمٍّ
زَادَ بِهَا قُرْبَى فِي الْقَرَابَةِ
وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَا
خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي ذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ ابْنَيِ الْعَمِّ أَخًا لِأُمٍّ
فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى
قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنْ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخُ
الْأُمِّ الْمَالَ كُلَّهُ سُدُسٌ مِنْهُ بِالْفَرِيضَةِ
وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ لأنه أدلى بقرابتين
وممن قال بهذا بن مسعود وشريح وعطاء والحسن وبن سيرين
والنخعي
(5/361)
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَالطَّبَرِيُّ
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ لِلْأَخِ السُّدُسَ فَرِيضَةً
وَمَا بَقِيَ بينه وبين بن الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ
لِأُمٍّ لِأَنَّهُ أَخَذَ فرضه بالقرآن وساوى بن عَمِّهِ
بِالتَّعْصِيبِ
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة
والثوري
وهو قول علي وزيد وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
ذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا
(إِسْحَاقَ) الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ أفتى بن مَسْعُودٍ
مِنْ بَنِي عُمَرَ ثَلَاثَةً
أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ فَأَعْطَى الْمَالَ لِلْأَخِ
لِلْأُمِّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا
كَانَ إِلَّا عَالِمًا وَلَوْ أَعْطَى الْأَخَ مِنَ
الْأُمِّ السُّدُسَ ثُمَّ قسم ما بقي بينهم
قال سفيان لا يؤخذ بقول بن مَسْعُودٍ
وَلَا خِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ وَالَّذِينَ لِلْأَبِ
يَحْجُبُونَ الْأَعْمَامَ مَنْ كَانُوا لِأَنَّ
الْإِخْوَةَ بَنُو أَبِ الْمُتَوَفَّى وَالْأَعْمَامُ
بَنُو جَدِّهِ فَهُمْ أَقْرَبُ مِنَ الْأَعْمَامِ إِلَى
الْمَيِّتِ
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يَحْجُبُ أَيْ يَمْنَعُهُ
الْمِيرَاثَ وَيَنْفَرِدُ بِهِ دُونَهُ فَالْأَبُ يَحْجُبُ
أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمَا لِلْمُتَوَفَّى
وَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ ذُكُورَهُمْ
وَإِنَاثَهُمْ لِأَنَّهُمْ بِهِ يُدْلُونَ إِلَى
الْمَيِّتِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ
وَإِذَا حَجَبَ الْإِخْوَةُ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَحْجُبَ
الْأَعْمَامَ كُلَّهُمْ وَبَنِيهِمْ
وَالِابْنُ يَحْجُبُ مَنْ تَحْتَهُ مِنَ الْبَنِينَ
ذُكُورِهُمْ وَإِنَاثِهُمْ وَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ
كُلَّهُمْ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَيَحْجُبُ
الْأَعْمَامَ بَنُوهُمْ
وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْجَدِّ وَحُكْمُهُ مَعَ الْبَنِينَ
وَبَنِي الْبَنِينَ وَمَعَ الْإِخْوَةِ وَمَا
لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ وَلَا مَعْنَى
لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ها هنا
وَالْأَبُ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الْأَجْدَادِ
بِإِجْمَاعٍ كَمَا يَحْجُبُ الْأَبُ الْأَعْمَامَ
وَبَنِيهِمْ بِإِجْمَاعٍ لِأَنَّهُمْ بِهِ يُدْلُونَ إِلَى
الْمَيِّتِ وَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ ذُكُورَهُمْ
وَإِنَاثَهُمْ بِإِجْمَاعٍ وَيَحْجُبُ بَنِي الْإِخْوَةِ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَبَنِي
الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بِإِجْمَاعٍ
وَالْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الْبَنِينَ يَحْجُبْنَ الْإِخْوَةَ
مِنَ الْأُمِّ
وَقَدْ مَضَى فِي بَابِهِمْ ذِكْرُ كُلِّ مَنْ
يَحْجُبُهُمْ أَيْضًا وَالْأُمُّ تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ
كُلَّهُنَّ مِنْ قِبَلِهَا وَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ
(5/362)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي
الْجَدَّةِ هَلْ تَرِثُ مَعَ ابْنِهَا
وَمَذْهَبُ زَيْدٍ وَالْقَائِلِينَ بِقَوْلِهِ أَنَّ
الْأَبَ لَا يَحْجُبُ مِنَ الْجَدَّاتِ إِلَّا مَنْ كَانَ
بِسَبَبِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْجَدَّةِ الِاخْتِلَافَ فِي
ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ
بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ
بِوَلَاءِ الْمَوَالِي فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
يُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ وَالْجَدُّ عِنْدَهُمْ أَوْلَى
بِالْوَلَاءِ كَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ عِنْدَ
الْجَمِيعِ بِالْمِيرَاثِ وَيَأْتِي بَابُ ((الْوَلَاءِ))
فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ
وَجَلَّ
(12 - بَابُ مِنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ
عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ ببلدنا أن بن الْأَخِ لِلْأُمِّ
وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ
لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ
وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ
وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا
قَالَ وَإِنَّهُ لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ هِيَ أَبْعَدُ
نَسَبًا مِنَ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا
الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ
أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ
وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي
كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا وَمِيرَاثَ
الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ
زَوْجِهَا وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ
لِلْأُمِّ وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا
وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ
(فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)
الْأَحْزَابِ 5
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي
هَذَا الْبَابِ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْحِجَازِ
أَكْثَرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهَمْ
مِنْهُمُ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ الْمَدَنِيُّونَ
وَأَبُو سَلَمَةَ وَسَالِمُ وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد
وعطاء وعمرو بن دينار وبن جُرَيْجٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ
مِيرَاثِ الْوَلَاءِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
مَوْضِعِهِ
وَتَرْتِيبُ مَذْهَبِ زَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ
لَا يَرِثُ بَنُو الْبَنَاتِ وَلَا بَنُو الْأَخَوَاتِ
مِنْ قِبَلِ مَنْ كُنَّ وَلَا تَرِثُ عِنْدَهُ بَنَاتُ
الْإِخْوَةِ بِحَالٍ أَيْضًا وَلَا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ
بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا يَرْثِ الْعَمُّ أَخُو
الْأَبِ لِأُمِّهِ وَلَا بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ
وَلَا الْعَمَّاتُ وَلَا
(5/363)
الْأَخْوَالُ وَلَا الْخَالَاتُ
فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَمَنْ عَلَا
مِنْهُمْ مِثْلُ عَمَّةِ الْأَبِ وَخَالَةِ الْجَدِّ لَا
يَرِثُونَ وَلَا يَحْجُبُونَ عِنْدَ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ
الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ أَبِي
الْأُمِّ
وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَجَمَاعَةٌ
وَأَمَّا سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ
ذَوِي الْأَرْحَامِ كُلَّهُمْ مَنْ كَانُوا
وَبِهَذَا قَالَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ
وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ فِي سَائِرِ
الْآفَاقِ إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا
نَذْكُرُهُ
فَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانَ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ
وَعَلِيٌّ يُوَرِّثُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ دُونَ
الْمَوَالِي قَالَ وَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ
وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ تَوْرِيثَ
ذَوِي الْأَرْحَامِ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْخَالِ
وَبِنْتِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ من
ذوي الأرحام
وهو قول بن مَسْعُودٍ
وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي
وَمَسْرُوقٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ
وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ
وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ والأعمش ومغيرة الضبي وبن أَبِي لَيْلَى
وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَشَرِيكٌ
وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ
وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ وَيَحْيَى
بْنُ آدَمَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو
عُبَيْدٍ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَبِهِ قال البصريون الحسن وبن سِيرِينَ وَحَمَّادٌ
وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا قَوْلُ
زَيْدٍ وَالْحِجَازِيِّينَ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ
اللَّهِ وَالْعِرَاقِيِّينَ
وَاخْتَلَفَ الْمُوَرِّثُونَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ فِي
كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى
تَوْرِيثِهِمْ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصِبَاتِ فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ عَصَبَةٌ فَوَلِيُّ النِّعْمَةِ هُوَ الْعَصَبَةُ
ثَمَّ
وَكَذَلِكَ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي
تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ دُونَ الْمَوَالِي
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
(5/364)
ذَكَرَ سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ
مَاتَتْ مَوْلَاةُ إِبْرَاهِيمَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ
ذَاتُ قَرَابَةٍ لَهَا بِمِيرَاثِهَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ
وَقَالَ هُوَ لَكِ فَجَعَلَتْ تَدْعُو لَهُ فَقَالَ لَهَا
أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ لِي مَا أَعْطَيْتُكِهِ
وَكَانَ يَرَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِنَ
الْمَوَالِي
قَالَ سُفْيَانُ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ ((الرحم أولى من المولى))
وَذَهَبَ سَائِرُ مَنْ وَرَّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ
الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّنْزِيلِ وَهُوَ أَنْ يُنْزِلَ
كُلَّ وَاحِدٍ وَيُنْزِلَ مَنْ أَدْلَى بِذِي سَهْمٍ أَوْ
عَصَبَةٍ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ
وَعُمَرَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْأُمُّ عَصَبَةُ
مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ وَالْأُخْتُ عَصَبَةُ مَنْ لَا
عَصَبَةَ لَهُ
رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْهُ
وَمِنْ حُجَّةِ مِنْ وَرَّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَوْلُ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وأولوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الْأَنْفَالِ 75
وَقَوْلُهُ (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) النِّسَاءِ 7
وَمَعْلُومٌ أَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ الْأَقْرَبِينَ
فَوَجَبَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ لَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ
إِلَا مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ
وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ
وَمُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لَا تَلْزَمُ بِهَا حُجَّةٌ
قَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي كِتَابِ
((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ فَرَائِضِ
الْمَوَارِيثِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ))
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَدِ
اجْتَمَعَ فِيهِمْ سَبَبَانِ الْقَرَابَةُ وَالْإِسْلَامُ
فَكَانُوا أَوْلَى مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
الَّذِينَ لَهُمْ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِسْلَامُ
3وَهَذَا أَصْلُ الْمَوَارِيثِ عِنْدَ الْجَمِيعِ صَاحِبُ
السَّبَبَيْنِ فَالْمُدْلَى بِالْأَبِ وَالْأُمِّ أولى من
الذين لَا يُدْلَى إِلَّا بِالْأَبِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ
الرَّحِمُ وَالْإِسْلَامُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ
وَقَاسُوا ابْنَةَ الِابْنَةِ عَلَى الْجَدَّةِ أُمِّ
الْأُمِّ الَّتِي وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِتَوْرِيثِهَا
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
أَنَّهُمْ قَالُوا في قول الله - عز وجل (وأولوا
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ) الْأَنْفَالِ 75 إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِهَذِهِ
الْآيَةِ
(5/365)
ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ
فِي كِتَابِهِ وَنَسَخَ بِهِمُ الْمُوَارَثَةَ
بِالْهِجْرَةِ وَالْحِلْفِ وَنَسَخَتْ قَوْلَهُ تَعَالَى
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكَمَ مِنْ
وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)
الْأَنْفَالِ 72 فَالْآيَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ
فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُمْ
أَصْحَابُ الْفُرُوضِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وَالْعَصَبَاتُ الَّذِينَ نَسَخَ بِهِمُ الْمِيرَاثَ
بِالْمُعَاقَدَةِ وَالْحِلْفِ وَالْهِجْرَةِ
وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ
لِوَارِثٍ)) دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ
الْمَذْكُورِينَ فِي الْكِتَابِ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ
اللَّهُ مِيرَاثَهُمْ فِي كِتَابِهِ
وَمِمَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِلْجَدَّةِ مَا
لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ
الَّذِينَ يَرِثُونَ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهَ فِي
كِتَابِهِ وَنَسَخَ بِهِمُ الْمُوَارَثَةُ بِالْهِجْرَةِ
وَلَمَّا لَمْ تَرِثِ ابْنَةُ الْأَخِ مَعَ أَخِيهَا لَمْ
تَرِثْ وَحْدَهَا وَلَمَّا لَمْ يَرِثْ ذَوُو الْأَرْحَامِ
مَعَ الْمَوَالِي لَمْ يَرِثُوا إِذَا انْفَرَدُوا
قِيَاسًا عَلَى الْمَمَالِيكِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَا احْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ
أَكْثَرَ مِنْ وَرَّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَرَّثَهُمْ
دُونَ الْمَوَالِي وَحَجَبَ الْمَوَالِيَ بِهِمْ
وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَمَالِيكِ وَالْكُفَّارِ عَيْنُ
الْمُحَالِ
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا احْتِجَاجَ الْفَرِيقَيْنِ فِي
كِتَابِ ((الْإِشْرَافِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ فَرَائِضِ
الْمَوَارِيثِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ))
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ فِي الرَّدِّ
فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ يَجْعَلُ
الْفَاضِلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ - إِذَا لَمْ تَكُنْ
عَصَبَةٌ - لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ والشافعي
وروي عن عمر وبن عباس وبن عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ فِي
الْمَالِ الْفَائِضِ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَلَا يَثْبُتُ
ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ يَقُولُونَ بِالرَّدِّ إِلَّا
أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وَاجْمَعُوا
أَنْ لا
(5/366)
يُرَدَّ عَلَى زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ
إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ لَا يَصِحُّ
وَلَعَلَّ ذَلِكَ الزَّوْجَ أَنْ يَكُونَ عَصَبَةً
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِيمَنْ لَا
يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي السِّهَامِ وَالْعَصَبَاتِ
وَمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ عِنْدَ مَنْ يَذْهَبُ
إِلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ دُونَ بَيْتِ
الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ فِي كِتَابِ
((الْإِشْرَافِ)) وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَ
الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ
بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَى قَدْرِ
سِهَامِهِمْ لِأَنَّ قَرَابَةَ الدِّينِ وَالنَّسَبِ
أَوْلَى مِنْ قَرَابَةِ الدِّينِ وَحْدَهُ وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ
(بَابُ ميراث أهل الملل)
1051 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ
بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَرِثُ
الْمُسْلِمُ الكافر))
1052 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ
عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ قَالَ
فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنَ الشِّعْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُتَابِعْ أحد من أصحاب بن
شِهَابٍ مَالِكًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ
فَكُلُّ مَنْ رواه عن بن شهاب قال فيه عمر بْنُ عُثْمَانَ
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ
عُثْمَانَ
وَقَدْ وَقَفَهُ عَلَى ذَلِكَ يحيى القطان والشافعي وبن
مَهْدِيٍّ وَأَبَى إِلَّا عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ
وَذَكَرَ بن مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ قَالَ قَالَ لِي مَالِكٌ تَرَانِي لَا أَعْرِفُ
عُمَرَ مِنْ عَمْرٍو وَهَذِهِ دَارُ عُمَرَ وَهَذِهِ دَارُ
عَمْرٍو
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ النسب أنه كان
لعثمان بن يسمى عمر وبن يسمى عمروا إِلَّا أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ لِعَمْرٍو عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ
لَا لِعُمَرَ وَلَهُ أَيْضًا مِنَ الْبَنِينَ أَبَانٌ
وَالْوَلِيدُ وَسَعِيدٌ وَلَكِنَّ صَلِيبَةَ أَهْلِ
بَيْتِهِ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ
(5/367)
وممن قال في هذا الباب عن بن شِهَابٍ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَعْمَرٌ وبن عيينة وبن جُرَيْجٍ
وَعَقِيلٌ وَيُونُسُ وَشُعَيْبٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ وَهُمْ أَوْلَى
أَنْ يُسَلَّمَ لَهُمْ ويصوب قولهم
ومالك حافظ الدنيا ولكن الغلظ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ
وَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ
الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ)) فَاقْتَصَرَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَوْضِعِ الْفِقْهِ
الَّذِي فِيهِ التَّنَازُعُ وَعَزَفَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَمْ
يَقُلْ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ لِأَنَّ الْكَافِرَ
لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ مَالِكٌ
وَجَاءَ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا فِيهِ الْحُجَّةُ عَلَى
مَنْ خَالَفَهُ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَذَلِكَ
أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ كَانَا يُوَرَّثَانِ الْمُسْلِمَ مِنَ
الْكَافِرِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَا
يَصِحُّ
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الشِّرْكِ نَرِثُهُمْ
وَلَا يَرِثُونَا
وَالصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ
لَا نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا
ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ المسيب عن عمر
وروى مالك وبن جريج وبن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي
عَمَّتِهِ وَمَاتَتْ نصرانية ((يرثها أهل دينها))
ورواه بن جُرَيْجٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ
عَنِ الْعُرْسِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فِي عَمَّةِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ((يَرِثُهَا أَهْلُ
دينها))
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ قَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ
وَلَا يَرِثُهُمُ الْكُفَّارُ محمد بن علي بن
الْحَنَفِيَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَسْرُوقٌ وَيَحْيَى بْنُ
يَعْمَرَ
وَرِوَايَةٌ عن إسحاق بن راهويه
وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كَمَا
نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا
وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مُسْنَدًا
قَدْ ذَكَرْتُهُ فِي ((الْإِشْرَافِ
(5/368)
وَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ وزيد وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ
وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ لَا
يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ كَمَا لَا يَرِثُ
الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وَأَبُو
عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ
وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ
وَحُجَّتُهُمْ حديث بن شِهَابٍ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَرِثُ
الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ))
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي مِيرَاثِ
الْمُرْتَدِّ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ مَالَهُ إِذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ
فِي بَيْتِ الْمَالِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ
الْحِجَازِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ فِي قَطْعِ
وِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكُفَّارِ
وَعُمُومُ قَوْلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا
يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ)) وَلَمْ يَخُصَّ
مُرْتَدًّا مِنْ غَيْرِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ
الْكُوفِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ إِذَا
قُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى ردته ورثه ورثته من المسلمين
قال يحيى بن آدم وهو قول جماعتنا
قَالَ وَلَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ أَحَدًا مِنْ مُسْلِمٍ
وَلَا كَافِرٍ
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ
قَالَ أُتِي عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِالْمُسْتَوْرِدِ الْعِجْلِيِّ وَقَدِ ارْتَدَّ فَعَرَضَ
عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ
مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ المسلمين
وهو قول بن مَسْعُودٍ
وَتَأَوَّلَ مِنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي قَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا
يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ)) أَيِ الْكَافِرَ الَّذِي
يَقَرُّ عَلَى دِينِهِ
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا دِينَ لَهُ وَلَا مِلَّةَ
يَقَرُّ عَلَيْهَا
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنَّ قَرَابَةَ الْمُسْلِمِ
الْمُرْتَدِّ مُسْلِمُونَ
(5/369)
فَقَدْ جَمَعُوا الْقَرَابَةَ
وَالْإِسْلَامَ
وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي
حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ
لِقَرَابَتِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا رَأَى فِيهِمْ مِنَ
الْحَاجَةِ وَكَانُوا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ فِي
جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَلَا
يُمْكِنُ عُمُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمِيرَاثِهِ
ذَلِكَ فَجَعَلَهُ لِوَرَثَتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا
عَلَى أَنَّهُ وَرَّثَهُمْ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ
الْمِيرَاثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ
مِنْ بَعْضٍ
فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْكُفْرَ مِلَلٌ
مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَرِثُ عِنْدَهُ يَهُودِيٌّ
نَصْرَانِيًّا وَلَا يَرِثُهُ النَّصْرَانِيُّ وَكَذَلِكَ
الْمَجُوسِيُّ لَا يَرِثُ نَصْرَانِيًّا وَلَا يَهُودِيًّا
ولا يرثانه
وهو قول بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَبِهِ قَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ
مِلَّتَيْنِ))
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ
أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
وَحَمَّادٍ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ يَتَوَارَثُونَ
وَالْكَافِرُ يَرِثُ الْكَافِرَ عَلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ
لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلُّهُ عِنْدَهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ يَا
أيها الكافرون) الْكَافِرُونَ 1 ثُمَّ قَالَ (لَكُمْ
دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌ) الْكَافِرُونَ 6 فَلَمْ يَقُلْ
أَدْيَانُكُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ
مِلَّةٌ وَالْإِسْلَامَ مِلَّةٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) الْبَقَرَةِ
120 وَلَمْ يَقُلْ مِلَلَهُمْ فَجَعَلَهُمْ عَلَى مِلَّةٍ
وَاحِدَةٍ
قَالُوا وَيُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَتَوَارَثُ
أَهْلُ مِلَّتَيْنِ)) وَقَوْلُهُ ((لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ
الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ)) فَجَعَلُوا
الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةً وَاحِدَةً)) وَالْإِسْلَامَ ملة
(5/370)
وَقَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَمُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْقَاضِي يَجْعَلُونَ
الْكُفْرَ ثَلَاثَ مِلَلٍ الْيَهُودُ وَالسَّامِرَةُ
مِلَّةٌ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ مِلَّةٌ
وَالْمَجُوسُ وَمَنْ لَا دِينَ لَهُ مِلَّةٌ
وَالْإِسْلَامُ مِلَّةٌ عَلَى اختلاف عن شريك وبن أَبِي
لَيْلَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا قَدْ رُوِيَ
عَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا تَقَدُّمُ إِسْلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَتَأَخُّرِ إِسْلَامِ
عَقِيلٍ فَمَذْكُورٌ خَبَرُهُمَا بِذَلِكَ فِي كِتَابِ
الصَّحَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا الشِّعْبُ فَشِعْبُ بَنِي هَاشِمٍ مَعْرُوفٌ
وَإِلَيْهِ أَخْرَجَتْهُمْ قُرَيْشٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ حِينَ تَقَاسَمُوا
عَلَيْهِمْ فِي أَنْ لَا يُبَايِعُوا وَلَا يَدْخُلُوا فِي
شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُمْ
وَالشِّعْبُ فِي ((لِسَانِ الْعَرَبِ)) مَا انْفَرَجَ
بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْ شِعَابِ مَكَّةَ
أَزِقَّتُهَا وَأَبْطَانُهَا لِأَنَّهَا بَيْنَ آطَامٍ
وَجِبَالٍ وَأَوْدِيَةٍ
1053 - وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ
بْنَ الْأَشْعَثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ
يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذكر ذلك لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ مَنْ يَرِثُهَا فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا ثُمَّ
أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَتُرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا
1054 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنْ نَصْرَانِيًّا
أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ قَالَ
إِسْمَاعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ نَسَبٍ
فَصَارَ مَالُهُ فَيْئًا فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
وَذَلِكَ أَنَّ وَلَاءَ الْمُسْلِمِ يَمْنَعُهُ الْكُفْرُ
مِنَ الْمِيرَاثِ وَلَوْ أَسْلَمَ وِرِثَهُ كَمَا لَوْ
كَانَ ابْنَهُ نَصْرَانِيًّا لَمْ يَرِثْهُ فَلَوْ
أَسْلَمَ وَرِثَهُ
وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ
الْعُلَمَاءِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُهُ الْمُسْلِمُ
وَفِي عَبْدٍ نَصْرَانِيٍّ يُسْلِمُ فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ
أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ - إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(5/371)
أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَسَدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَحْمَدَ الْخَيَّاشُ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
غَسَّانَ - مَالِكُ بْنُ يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ - قَالَ
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْيَهُودِيَّ
وَالنَّصْرَانِيَّ قَالَ مِيرَاثُهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ
أَهْلِ دِينِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَفِي بَيْتِ مَالِ
الْمُسْلِمِينَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ وَسُئِلَ عَنْ
رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ
الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا قَالَ مِيرَاثُهُ لِأَهْلِ
دِينِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يُعَضِّدُهُ الْحَدِيثُ ((لَا
يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ)) ((وَلَا يَتَوَارَثُ
أَهْلُ مِلَّتَيْنِ))
وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ((لَا نَرِثُهُمْ وَلَا
يَرِثُونَا)) وَقَوْلُهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ فِي
عَمَّتِهِ ((يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا))
وروى بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ ((لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ
أُمَتَهُ))
وَهَذَا عِنْدِي أَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا لَا مُعْتَقًا
لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَالنَّسَبَ
1055 - مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ أَبِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنَ الْأَعَاجِمِ
إِلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مِنْ
أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ
فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ
مَاتَ مِيرَاثُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ
قال أبو عمر لا أعلم الثقة ها هنا مَنْ هُوَ وَالْخَبَرُ
عَنْ عُمَرَ مُسْتَفِيضٌ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَّا أَنَّهَا
مُخْتَلِفَةُ الْمَعْنَى فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي عَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثِ الْحُمَلَاءَ حَمْلَةً لَا
بِبَيِّنَةٍ وَلَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
وَالْحُمَلَاءُ جَمْعُ حَمِيلٍ وَالْحَمِيلُ
الْمُتَحَمَّلُ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إِلَى بِلَادِ
الْإِسْلَامِ
وَقِيلَ الْحَمِيلُ الَّذِي يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى
غَيْرِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلَّا بِقَوْلِهِ
مِنْهُمْ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ
الْحَمِيلَ إِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَحَرَمَهُ
الْمِيرَاثَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ
(5/372)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ
كَانَ يُوَرِّثُهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُونَ
وَيَصِلُونَ مِنْ أَرْحَامِهِمْ
وَعَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ وَالْمَعَانِي
اخْتِلَافُ العلماء في توريث الحملاء
ذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ
اللَّيْثِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَمْ
يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يُوَرِّثُونَ
الْحَمِيلَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيِّ بْنِ
الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ
عُمَرَ كَتَبَ أَنْ لَا يُوَرَّثَ أَحَدٌ بِوِلَادَةِ
الشِّرْكِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُعْتَمِرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ لَا يورث بولاية
الشرك
وذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ عَنْ أَبِي طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَدْرَكْتُ
الْحُمَلَاءَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ لَا
يُوَرَّثُونَ
وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ
عُثْمَانَ كَانَ يُوَرِّثُ بِوِلَادَةِ الْأَعَاجِمِ
وَمَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ كَتَبَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لَا يُوَرِّثُوا
الْحَمِيلَ بِوِلَادَةِ الْكُفْرِ
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهُمْ بِالْبَيِّنَةِ فَذَكَرَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخِطَّابِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُوَرِّثَ
الْحَمِيلَ إلا ببينة
وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى
شُرَيْحٍ أَلَّا يُوَرَّثَ الْحَمِيلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ والحسن
وبن سِيرِينَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي مَعْنَى
حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا وَمَا كَانَ مثله من توريث الحميل
فقال بن الْقَاسِمِ إِنَّمَا تَفْسِيرُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ لَا يَتَوَارَثُ بِوِلَادَةِ الْأَعَاجِمِ فِي
الدَّعْوَى خَاصَّةً
وَأَمَّا إِنْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِعُدُولٍ مُسْلِمِينَ
كَانُوا عندهم فهم كولادة الإسلام
وقال ربيعة وبن هُرْمُزَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
الْمَاجِشُونِ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْعُدُولِ مَا تَوَارَثُوا
(5/373)
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ السُّنَّةُ
فِي أَوْلَادِ الْأَعَاجِمِ إِذَا وُلِدُوا بِأَرْضِهِمْ
ثُمَّ يُحْمَلُوا إِلَيْنَا أَنْ لَا يَتَوَارَثُوا
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْمَاجِشُونُ كَانَ أَبِي وَمَالِكٌ وَالْمُغِيرَةُ وبن
دينار يقولون بقول بن هُرْمُزَ وَرَبِيعَةَ ثُمَّ رَجَعَ
مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ قبل موته بيسير فقال بقول بن شِهَابٍ
أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ
وقال الشافعي إذا جاؤونا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ
عَلَيْهِمْ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ
أَدْرَكَهُمُ السِّبَاءُ وَالرِّقُّ وَثَبَتَ عَلَيْهِمُ
الْوَلَاءُ وَالْمِلْكُ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إِلَّا
بِبَيِّنَةٍ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ
عُمَرَ وَذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ
عُمَرُ كُلُّ نَسَبٍ يُتَوَاصَلُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ
فَهُوَ وَارِثٌ مَوْرُوثٌ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَطَائِفَةٍ مِنَ
التَّابِعِينَ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ
بِالْأَرْحَامِ الَّتِي يتواصلون بها
قال وحدثني بن إِدْرِيسَ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ
قَالَ إِذَا كَانَ نَسَبًا مَعْرُوفًا مَوْصُولًا وَرِثَ -
يَعْنِي الْحَمِيلَ
وَقَالَ مَسْرُوقٌ إِذَا اشْتُهِرَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ
كَانَ يُحْرَمُ مِنْهُ وَمَنْ بَيْنِهِ مَا يُحْرَمُ
الْأَخُ مِنْ أَخِيهِ وَرَّثْنَاهُ مِنْهُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن أبي عدي عن بن عَوْنٍ
قَالَ ذُكِرَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي الْحُمَلَاءِ لا يتوارثوا
إِلَّا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ
فَقَالَ مُحَمَّدٌ قَدْ تَوَارَثَتِ المهاجرون والأنصار
بنسبهم الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنَا
أُنْكِرُ أَنْ يكون عمر كتب بهذا
وروى بن وَهْبٍ فِي ((مُوَطَّئِهِ)) عَنْ مَالِكٍ فِي
أَهْلِ مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
أَسْلَمُوا فشهد بعضهم لبعض أن هذا بن هَذَا وَهَذَا أَخُو
هَذَا أَوْ أَبُو هَذَا فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ
بِذَلِكَ
(5/374)
قَالَ وَأَمَّا الَّذِينَ يُسْبَوْنَ
فَيُسْلِمُونَ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّهُمْ
لَا يُقْبَلُونَ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَهْلِ حِصْنٍ
تَحَمَّلُوا وَنَزَلُوا بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ
وَأَسْلَمُوا أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِشَهَادَةِ بعضهم
لبعض إذا كانوا عددا كثيرا وأرى الْعِشْرِينَ كَثِيرًا
وَقَالَ سَحْنُونُ لَا أَسْمَعُ بِأَنَّ الْعِشْرِينَ
كَثِيرًا وَهُمْ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ
الْحُمَلَاءُ الَّذِينَ لَا يَتَوَارَثُونَ بِقَوْلِهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اضْطَرَبَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا
الْبَابِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ مِيرَاثِ
الْحُمَلَاءِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنَ اخْتِلَافِ
قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالَّذِي
أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ
لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا
وَلَاءٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ
مِيرَاثِهِ
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ
دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ
مِيرَاثِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي
مِيرَاثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَالْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
وَمَنْ لَا يَرِثِ بِالنَّسَبِ فَمَا لِوَلَاءِ أَحَدٍ
إِلَّا أَنْ يَرِثَ وَهَذَا مَا لَا خِلَافِ فِيهِ
وَأَمَّا الْحَجْبُ فَمَنْ لَا يَرِثُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ
عَبْدٍ أَوْ قَاتِلِ عَمْدٍ
فذهب بن مَسْعُودٍ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ -
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ
وَالْعَبْدَ وَالْقَاتِلَ يَحْجُبُونَ وَإِنْ كَانُوا لَا
يَرِثُونَ
وَقَالَ بِقَوْلِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ عَلَى أَنَّ
أَصْحَابَ دَاوُدَ اخْتَلَفُوا في ذلك
واختلف عن بن مَسْعُودٍ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ
بِالْكُفَّارِ وَالْعَبِيدِ
وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي حَجْبِ الزَّوْجَيْنِ
وَالْأُمِّ بِهِمْ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
لَا يَحْجُبُ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ
وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ
(5/375)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي الْمَمْلُوكِينَ
الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَا يَحْجُبُونَ وَلَا يَرِثُونَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا
يَحْجُبُونَ وَلَا يَرِثُونَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ عُمَرُ لَا يَحْجُبُ مَنْ
لَا يَرِثُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ بن أبي ليلى عن الشعبي قال كان بن
مَسْعُودٍ يَحْجُبُ بِالْمَمْلُوكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ
وَلَا يُوَرِّثُهُمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(14 - بَابُ مِنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ)
1056 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ
أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ
وَيَوْمَ صِفِّينَ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ ثُمَّ كَانَ يَوْمُ
قُدَيْدٍ فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنْ صَاحَبِهِ
شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ
صَاحِبِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ
فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِبَلَدِنَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ
مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا
مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ منهما من صاحبه
شيئا وكان ميراثهما لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتَيْهِمَا
يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتَهُ مِنَ
الْأَحْيَاءِ إِلَى سَائِرِ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ مِنْ
مَسَائِلِهِ الَّتِي فَسَّرَ بِهَا أَصْلَ مَذْهَبِهِ
هَذَا وَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثابت وجمهور أهل
المدينة وهو قول بن شِهَابٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا
ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ
أَبِي طالب وَإِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يُوَرِّثُ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنَ الْغَرْقَى وَالْقَتْلَى وَمَنْ مَاتَ تَحْتَ
الْهَدْمِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِمَّنْ أَشْكَلَ
أَمْرُهُمْ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا مِنْ
صَاحِبِهِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وعلي من وجوه ذكرها بن أَبِي
شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ
وَحَدِيثُ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ - ويقال بن عبد الله المزني
رواه بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
(5/376)
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي
الْمِنْهَالِ عَنْ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْتٍ وَقَعَ عَلَى قَوْمٍ فَمَاتُوا
فَقَالَ يُوَرَّثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ
وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو
يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْفُرَّاضُ وَغَيْرُهُمْ
عَنْهُمْ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ
الْكُوفِيِّينَ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ
وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ
يُوَرِّثُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا
يُرَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا وَرِثَ عَنْ
صَاحِبِهِ شَيْئًا
مِثَالُ ذَلِكَ كَانَ زَوْجًا وَزَوْجَةً غَرِقَا جَمِيعًا
وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتُمِيتُ
الزَّوْجَةَ أَوَّلًا فَنَصِيبُ الزَّوْجِ خَمْسُمِائَةِ
دِرْهَمٍ ثُمَّ يُمِيتُ الزَّوْجَ فَنَصِيبُ الزَّوْجَةِ
مِنَ الْأَلِفِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ مَالِهِ مئتان وخمسون
درهم ولا تورثها عن الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَرِثَهَا
عَنْهَا وَلَا تُورِثُهُ مِنَ الْمِائَتَيْنِ
وَالْخَمْسِينَ الَّتِي وَرِثَتْهَا مِنْهُ فَلَا يَرِثُ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنَ الْمِقْدَارِ الَّذِي يُوَرَّثُهُ
مِنْ صَاحِبِهِ وَيَرِثُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
أَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَنَّ طَلْحَةَ مَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ
مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْجَمَلِ وَشَهِدَ بِذَلِكَ مَعَهَا
غَيْرُهَا فَوَرِثَ طَلْحَةَ ابْنُهُ محمدا وورث محمد
ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ
(15 - بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ
الزنى)
1057 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنى إِنَّهُ
إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ
وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ
مُوَلْاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا
وَوِرْثُ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا
بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ
قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
مِثْلُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ
بِبَلَدِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَذْهَبُ زيد بن ثابت - كان يورث
من بن الْمُلَاعَنَةِ كَمَا يُوَرِّثُ مَنْ غَيْرِهِ وَلَا
يَجْعَلُ عَصَبَةَ أُمِّهِ عَصَبَةً لَهُ وَيَجْعَلُ مَا
فَضَلَ عَنْ أُمِّهِ لِبَيْتِ مَالِ
(5/377)
الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ
إِخْوَةٌ لِأُمٍّ فَيُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ مِنْهُ كَمَا
لَوْ كَانَ غَيْرَ بن الْمُلَاعَنَةِ وَالْبَاقِي فِي
بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مُوَلَاةً جَعَلَ
الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ ذَوِي السِّهَامِ لِمَوَالِي
أُمِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوْلًى حَيٌّ جَعَلَهُ
فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
وعن بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ
وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَسُلَيْمَانُ وَعُمَرُ بْنُ
عَبْدِ العزيز وبن شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ
وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ
الْبَصْرَةِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ
وَأَهْلَ الْبَصْرَةِ يَجْعَلُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ
أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَجْعَلُونَ مَا فَضَلَ
عَنْ فَرْضِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ رَدًّا عَلَى أُمِّهِ
وَعَلَى إِخْوَتِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ
مَوْلَاةً فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِمَوَالِيهَا
وَأَمَّا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ
جَعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ وَلَدِهِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حدثني
بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ
الله أنهما قالا في بن الْمُلَاعَنَةِ عَصَبَتُهُ عَصَبَةُ
أُمِّهِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عمر قال بن الْمُلَاعَنَةِ
عَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ يَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا
كَانَا يَجْعَلَانِ أُمَّهُ عَصَبَتَهُ فَتُعْطَى الْمَالَ
كُلَّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَمَالُهُ
لِعَصَبَتِهَا
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ
وَمِثْلُ ذلك أيضا عن الشعبي وقتادة وبن سِيرِينَ
وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ
حَيٍّ وَشَرِيكٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ
وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْعَلُ ذَا
السَّهْمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِمَّنْ لَا
سَهْمَ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ
وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهَا في ((التمهيد
(5/378)
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِ
قَوْلِ زَيْدٍ في حديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَلْحَقَ وَلَدَ
الْمُلَاعَنَةِ بِأُمِّهِ
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ قال جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِيرَاثَ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ
وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا
وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ
تَحُوزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقُهَا ولقيطها وولدها
الذي لا عنت عَلَيْهِ
وَمَكْحُولٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ مِثْلَهُ
ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ
ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي
هِنْدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى صَدِيقٍ لِي مَنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَسْأَلُهُ عَنْ
وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيَّ
إِنِّي سَأَلْتُ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَضَى بِهِ
لِأُمِّهِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قِيلَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ
هِيَ فِي ابْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ تَكُونُ عَصَبَةً
لَهُ وَعَصَبَتُهَا عَصَبَةٌ لِوَلَدِهَا وَصَارَ حُكْمُ
التَّعْصِيبِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ يَكُونُ مِنْ
جِهَةِ الْأُمِّ وَصَارَتْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ
فَعَلَى هَذَا تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ أَلْحَقَ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ بِعَصَبَةِ
أُمِّهِ
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَأَلْتُ بِالْمَدِينَةِ كَيْفَ
صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ قَالَ أَلْحَقَهُ بِعَصَبَةِ
أُمِّهِ
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا قَالَ بَعَثَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ رَجُلًا إِلَى الْحِجَازِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عنه - يسأل عن ميراث بن
الْمُلَاعَنَةِ فَجَاءَهُمُ الرَّسُولُ أَنَّهُ لِأُمِّهِ
وَعَصَبَتِهَا
(5/379)
وعن بن عَبَّاسٍ قَالَ اخْتُصِمَ إِلَى
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مِيرَاثِ وَلَدِ
الْمُلَاعَنَةِ فَأَعْطَى أُمَّهُ الْمِيرَاثَ وَجَعَلَهَا
عَصَبَتَهُ
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَشْهَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ
وقد روى خلاس عن علي في بن الْمُلَاعَنَةِ مِثْلَ قَوْلِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَا فَضَلَ عَنْ إِخْوَتِهِ
فَلِبَيْتِ الْمَالِ
وَأَنْكَرُوهَا عَلَى خِلَاسٍ وَلِخِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ
أَخْبَارٌ يُصِرُّ كَثِيرٌ مِنْ أَنَّهَا نَكَارَةٌ عِنْدَ
الْعُلَمَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ حَسْبُنَا
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
تَمَّ كِتَابُ الْفَرَائِضِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ
(5/380)
|