الاستذكار

 (28 كِتَابُ النِّكَاحِ)
(1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ)
1058 - مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ))
1059 - مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال ((لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ))
قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنُ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ بِنَحْوِ مَا فَسَّرَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ

(5/381)


وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ كُلُّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ
وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْخِطْبَةَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَى خِطْبَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ حِينَ خَطَبَا فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاوِرَةً لَهُ فَخَطَبَهَا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَى خِطْبَتِهَا
وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْعَلُ مَا يَنْهَى عَنْهُ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ادَّعَى نسخا في أحاديث هذا الباب فدل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الرُّكُونِ وَالرِّضَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ
فَإِذَا رَكَنَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا وَوَقَعَ الرِّضَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ حِينَئِذٍ الْخِطْبَةُ عَلَى مَنْ رُكِنَ إِلَيْهِ وَرُضِيَ بِهِ وَاتُّفِقَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا
وَاخْتَلَفُوا فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ وَسَنَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وقد روى بن وهب عن الليث وبن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ

(5/382)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول ((الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ))
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَا جَاءَ عَنِ السلف ما رواه بن وَهْبٍ فِي ((مُوَطَّئِهِ)) قَالَ أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ أَنَّ جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ أَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنْ دَوْسٍ ثُمَّ أَمَرَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا بِهِمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَهُمْ لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَتَلْعَبُ أَمْ أَنْتَ جَادٌّ قَالَ بَلْ جَادٌّ فَنَكَحَتْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ
وَفِي سَمَاعِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ أَكْرَهُ إِذَا بَعَثَ الرَّجُلُ رَجُلًا يَخْطُبُ لَهُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَأَرَاهَا خِيَانَةً
وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امرأة وركنت إليه واتفقا عَلَى صَدَاقٍ مَعْلُومٍ حَتَّى صَارَتْ مِنَ اللَّائِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ))
قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ هَكَذَا فَمَلَكَهَا زَوْجٌ آخَرُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ دَخَلَ بِهَا مَضَى النِّكَاحُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً فِي حَالِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِيمَنْ خَطَبَ بَعْدَ الركون على خطبة أخيه أنه يُفْسَخَ نِكَاحُهُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ نَكَحَ لَمْ يُفْسَخْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا يفعله
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِعَاصٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا وَغَيْرَ مُتَأَوِّلٍ
وَقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ نكاحه على كل حال

(5/383)


وقال بن الْقَاسِمِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَنْ رَكَنَتْ إِلَى غَيْرِهِ فَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ الَّذِي خَطَبَهَا عَلَيْهِ وَيُعَرِّفُهُ بِمَا صَنَعَ فَإِنْ حَلَّلَهُ وَإِلَّا فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا وَقَدْ أَثِمَ فِيمَا فَعَلَ
قَالَ بن وَهْبٍ إِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ الْأَوَّلُ فِي حِلٍّ مِمَّا صَنَعَ فَلْيُطَلِّقْهَا فَإِنْ رَغِبَ فِيهَا الْأَوَّلُ وتزوجها فقد بريء هَذَا مِنَ الْإِثْمِ وَإِنْ كَرِهَ تَزْوِيجَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا الَّذِي فَارَقَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَ يُقْضَى عَلَيْهِ بالفراق
وقال بن الْقَاسِمِ إِنَّمَا مَعْنَى النَّهْيِ فِي أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي خَطَبَهَا أَوَّلًا فَرَكَنَتْ إِلَيْهِ رَجُلَ سُوءٍ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يَحُضَّهَا عَلَى تَزْوِيجِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُعَلِّمُهَا الْخَيْرَ وَيُعِينُهَا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((أن يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)) وَالْبَيْعُ عِنْدَهُمْ (مَكْرُوهٌ) غَيْرُ مَفْسُوخٍ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بُضْعَهَا بِالرُّكُونِ دُونَ الْعَقْدِ وَلَا كَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ زَوْجَةً يَجِبُ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَضَى مَالِكٌ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
وَفَسْخُ النِّكَاحِ عِنْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ بَابِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِيُدْرِكَ الْعَمَلَ عَلَى سُنَّتِهِ وَكَمَالِ حُسْنِهِ
وَالرُّكُونُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ السُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ بِالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِ وَنَقِيضُهُ النُّفُورُ عَنْهُ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) هُودٍ 113
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ تَشْدِيدٌ وَتَغْلِيظٌ رَوَاهُ بن السَّرْحِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ زِيَادَ بْنَ عُيَيْنَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَئِنْ يَجْمَعُ الرَّجُلُ حَطَبًا حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْجَبَلِ ثُمَّ يُوقِدُهُ بِالنَّارِ فَإِذَا احْتَرَقَ اقْتَحَمَ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ رَمِيمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ إِحْدَى ثَلَاثٍ
يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ أَوْ يُصِرُّ لِقْحَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَكَمُلَ النِّكَاحُ لَهُ ارْتَفَعَ الْوَعِيدُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً فَمَغْفُورٌ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ
1060 - مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أنه كَانَ يَقُولُ فِي

(5/384)


قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ (1) بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا) الْبَقَرَةِ 225 أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) الْبَقَرَةِ 235 وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ
وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى تَأْوِيلِهِ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَلْفَاظِ التَّعْرِيضِ
فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ فِي ذَلِكَ قَالَ يَقُولُ إِنِّي بِكِ لَمُعْجَبٌ وَإِنِّي فِيكِ رَاغِبٌ وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مجاهد عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيما عرضتم به من خطبة النساء) البقرة 235 قَالَ التَّعْرِيضُ مَا لَمْ يَنْصِبْ لِلْخِطْبَةِ
وَرَوَاهُ بن جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَنْصُورٍ وَزَادَ يَقُولُ إِنِّي فِيكِ رَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ امْرَأَةً أَمْرُهَا كَذَا يُعَرِّضُ لَهَا
وَشُعْبَةُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَوَكِيعٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ منصور عن مجاهد قال يقول إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ وَإِنَّكِ لَنَافِقَةٌ وَإِنْ قَضَى اللَّهُ أمرا كان
وبن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
وَقَالَ الْحَسَنُ لَا يَقُولُ لَهَا إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ تَزَوَّجْتُكِ وَيَقُولُ لَهَا مَا شَاءَ
وَقَالَ عُبَيْدَةُ يَذْكُرُهَا لِوَلِيِّهَا ولا يشعرها

(5/385)


وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَرَى بِذَلِكَ كُلِّهِ بَأْسًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ (بْنِ) عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لِفَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ انْتَقِلِي إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عن بن إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ
(2 - بَابُ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا)
1061 - مالك عن عبد الله بن الفضل عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((الْأَيِّمُ (1) أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا))
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ رَفِيعٌ صَحِيحٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ أَشْرَافٌ
فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ
وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْجُلَّةِ منهم شعبة وسفيان الثوري وبن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ))
وَاخْتَلَفَ رُوَاتُهُ فِي لَفْظِهِ فَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ فِيهِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا
وَقَالَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَمِمَّنْ قَالَ بذلك بن عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

(5/386)


قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا))
وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ صَمْتُهَا إِقْرَارُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ فِيهِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا جَاءَ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَهُ
وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الَّتِي آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَهِيَ الثَّيِّبُ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ
فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ مِنْهُنَّ أَيِّمُ)
يَقُولُ لَيْسَ مِنْهُنَّ مَنْ قُتِلَ زَوْجُهَا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ حِينَ تَأَيَّمَتِ ابْنَتُهُ حَفْصَةُ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ الْحَدِيثَ
وَبِحَدِيثِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ آمَتْ حَفْصَةُ مِنْ زَوْجِهَا وآمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ الْحَدِيثَ
قَالُوا فَالْأَيِّمُ هُنَا الثَّيِّبُ
وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَيِّمًا فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاتِّسَاعِ
وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ عَدَمُ الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ كَانَ
قَالُوا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى الْأَيِّمُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُجْمَلٌ
وَالْمَصِيرُ إِلَى الرِّوَايَةِ الْمُفَسِّرَةِ أَشْهَرُ فِي الْحُجَّةِ
وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ وَسَعِيدٌ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ جبير بن مطعم عن بن

(5/387)


عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الثَّيِّبُ أَوْلَى بِأَمْرِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا))
قَالُوا وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الثَّيِّبُ
كَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فَذَكَرَ الْبِكْرَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَيِّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا الثَّيِّبُ
قَالُوا وَلَوْ كَانَتِ الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا مِنَ النِّسَاءِ لَبَطَلَ قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إِلَّا بِوَلِيٍّ)) وَلَكَانَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ رَدَّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وردا لقوله تعالى (فبلغن أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 يُخَاطِبُ الْأَوْلِيَاءَ بِذَلِكَ
وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) دَلَّ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّهَا حَقًّا لَكِنَّهَا أَحَقُّ مِنْهُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ عَلَى الْبِكْرِ فَوْقَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُنْكِحُ الثَّيِّبَ إِلَّا بِأَمْرِهَا وَيُنْكِحُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا وَاسْتِئْمَارُهَا
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْوَلِيَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْأَبُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُنْكِحُ الثَّيِّبَ مِنْ بَنَاتِهِ إِلَّا بِأَمْرِهَا وَلَهُ أَنْ يُنْكِحَ الْبِكْرَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ أَمْرِهَا
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَاحْتَجُّوا بِضُرُوبٍ مِنَ الْحُجَجِ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا)) دَلَائِلُ وَمَعَانٍ وَفَوَائِدُ
أَحَدُهَا أَنَّ الْأَيِّمَ إِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا فَغَيْرُ الْأَيِّمِ وَلِيُّهَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَتَا جَمِيعًا أَحَقَّ بِأَنْفُسِهِمَا مِنْ وَلِيِّهِمَا لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْأَيِّمِ مَعْنًى
وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الدَّلَائِلِ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) الطَّلَاقِ 6 دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ إذا لم يكمن أولات حمل

(5/388)


وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ)) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي (إِذَا) بِيعَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّتِي يُخَالِفُهَا وَلَيُّهَا أَحَقُّ بِهَا
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَتُسْتَأْمَرُ الْبِكْرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)) دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي أَمْرَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ إِذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَالَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلَامُ
وَالْآخَرُ أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنَ الْوَلِيِّ
قَالَ وَالْوَلِيُّ ها هنا الْأَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ
أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَلَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَذَلِكَ لِلْأَبِ فِي بَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بَوَالِغَ أَوْ غَيْرِ بَوَالِغَ
وَهُوَ الْمُطْلَقُ الْكَامِلُ الْوِلَايَةِ لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْوَلَاةَ إِلَّا بِهِ وَقَدْ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَهُوَ يَنْفَرِدُ بِهَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ اسْمُ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا
وَذَكَرَ حَدِيثَ خنساء بنت خدام أن رسول الله رَدَّ نِكَاحَهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا إِذْ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا
قَالَ وَأَمَّا الِاسْتِئْمَارُ لِلْبِكْرِ فَعَلَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَرَجَاءِ الْمُوَافَقَةِ وَخَوْفِ مُوَافَقَةِ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آلِ عِمْرَانَ 159
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ رَدُّ مَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن ليفتدي بِهِ
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى آثَارٌ ذَكَرْنَاهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ ((جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ)) وَكَانَ هَذَا الْبَابُ أَوْلَى بِهِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(5/389)


وَقَالَ آخَرُونَ الْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا واستشهدوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
(فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي ... وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّمُ)
أَيْ تَبْقِينَ بِلَا زَوْجٍ
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّمَّاخِ
(يُقِرُّ بِعَيْنِي أَنْ أُنَبَّأَ أَنَّهَا ... وَإِنْ لَمْ أَنَلْهَا أَيِّمٌ لَمْ تَزَوَّجْ)
وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ
(لِلَّهِ دَرُّ بَنِي عَلِيٍّ ... أَيِّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحِ)
(إِنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تَحْجُرُ كُلَّ نَائِحِ)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بَالِغًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا
قَالَ وَلَمْ يَدْخُلِ الْأَبُ فِي جُمْلَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي وَلَدِهِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَا يُشْبِهُونَهُ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَحْكَامُهُ
قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ كُلُّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية النُّورِ 32 يَعْنِي كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا
قَالَ وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ مَعْنَيَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَيَامَى كُلَّهُنَّ أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِنَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِنَّ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ
وَالْمَعْنَى الْآخَرُ تَعْلِيمُ النَّاسِ كَيْفَ يَسْتَأْذِنُونَ الْبِكْرَ وَأَنَّ إِذْنَهَا صُمَاتُهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِي أَنْ تُجِيبَ بِلِسَانِهَا
قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ إِذَا بَلَغَتْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ

(5/390)


بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لَهَا فِي نَفْسِهَا خِيَارٌ إِذَا بَلَغَتْ
وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ لِدُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ الْأَيَامَى وَلَوْ كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْذَنَ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ تَأَمَّلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحْتِجَاجِ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْقَوِيُّ فِيهِمَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
1062 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أنه قال قال عمر بن الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ وَلِيِّهَا أَوْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ إِنْكَاحُهُ وَنَافِذٌ فِعْلُهُ إِذَا أَصَابَ وَجْهَ الصَّوَابِ مِنَ الْكَفَاءَةِ وَالصَّلَاحِ
وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلِيِّهَا أَقْرَبَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَقْعَدَهُمْ بِهَا
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا عَصَبَتَهَا أولو الرَّأْيِ وَإِنْ بَعُدُوا مِنْهَا فِي النَّسَبِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبَ
وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ (وَلِيٌّ) قَرِيبٌ وَلَا بَعِيدٌ وَجَعَلُوا قَوْلَ عُمَرَ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ كَنَحْوِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُحَارِبِينَ (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) الْمَائِدَةِ 33
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْوَلِيِّ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا نُوَضِّحُهُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ

(5/391)


عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو عَوَانَةَ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الطُّرُقَ عَنْهُمْ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَى بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ))
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ بن جُرَيْجٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عِلَّةً
وَرَوَاهُ بن عيينة عن بن جريج بإسناده (مثله) وزاد قال بن جُرَيْجٍ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَلَمْ ير واحد هذا الكلام عن بن جريج في هذا الحديث غير بن عُلَيَّةَ فَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ إِذْ قَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ الَّذِي عَنْهُ رُوِيَ وَطَعَنُوا بِذَلِكَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى فِي حِفْظِهِ قَالُوا لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهِ مَنْ لَمْ يُجِزِ النِّكَاحَ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ثِقَاتٌ
قَالُوا وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ وَفَقِيهُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يَضُرُّ إِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ حَفِظَهُ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) الحديث أحفظه إلا من حديث بن لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ
وَرَوَاهُ عَنِ بن لهيعة بن وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ وَالْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا

(5/392)


حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ))
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَيْسَ فِي الزُّهْرِيِّ بِحُجَّةٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَيُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ عَنْهُمْ إِذَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ قَدْ رواه بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعُدُولٌ
حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ جريج عن بن ابي مليكة عن أبي عمر ومولى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ)) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُنَّ يَسْتَحْيِينَ قَالَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَسُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا))
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى عِلَلِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَتَصْحِيحِهَا فِي ((التَّمْهِيدِ) بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ الْمَذْكُورَ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْوَلِيُّ مِنَ النَّسَبِ وَالْعَصَبَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْعَصَبَةِ مِثْلِ وَصِيِّ الْأَبِ وَذِي الرَّأْيِ مِنَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَعْدَ عَدَمِ التَّعْصِيبِ تَنْصَرِفُ إِلَى الَّذِي يَقِفُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ وَهُوَ رواية هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا كُفُؤًا جَازَ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ فَإِنْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ وَالزَّوْجُ كُفُؤًا أَجَازَهُ الْقَاضِي

(5/393)


وَنَحْوَ هَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ
وَأَمَّا مَالِكٌ فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) هَذِهِ جُمْلَتُهُ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّرِيفَةَ وَالدَّنِيَّةَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْمُسَالِمَةَ وَمَنْ لَا خَطْبَ لَهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
هَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عن مالك
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْهُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُعْتَقَةً أَوْ مِسْكِينَةً دَنِيَّةً أَوْ تَكُونُ فِي قَرْيَةٍ لَا سُلْطَانَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ لَهَا حَالٌ وَشَرَفٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا وَلِيُّهَا أَوِ السُّلْطَانُ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ بِإِذْنِهَا وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ لِلنَّاكِحِ صَلَاحٌ وَفَضْلٌ هَذَا قَوْلُهُ فِي ((الْمُدَوَّنَةِ))
وَقَالَ سَحْنُونٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ لَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ أَقْرَبُ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَرَوَى آخَرُونَ أَنَّ لِلْأَقْرَبِ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ إِلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهَا عِنْدَ الزَّوْجِ وَتَلِدَ أَوْلَادًا
قَالَ وَهَذَا فِي ذَاتِ الْمَنْصِبِ وَالْقَدْرِ
وذكر بن حَبِيبٍ عَنِ الْمَاجَشُونِ قَالَ النِّكَاحُ بِيَدِ الْأَقْعَدِ فَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ
وَالْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَثِيرَةُ الِاضْطِرَابِ
وَقَالَ مالك وجمهور أصحابه الأخ وبن الْأَخِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِالْإِنْكَاحِ
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الجد أولى من الأخ
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الِابْنُ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ
وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَقَاوِيلَ يَظُنُّ مَنْ سَمِعَهَا أَنَّ بَعْضَهَا يُخَالِفُ بَعْضًا

(5/394)


قَالَ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَمَرَ بِالنِّكَاحِ وَحَضَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَبِذَلِكَ يَتَوَارَثُونَ ثُمَّ تَكُونُ وِلَايَةٌ أَقْرَبَ مِنْ وِلَايَةٍ كَمَا قَرَابَةٌ أَقْرَبُ مِنْ قَرَابَةٍ
فَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِكَلَامٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) أَكْثَرُهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ النِّكَاحُ فَإِنْ دَخَلَ وَفَاتَ الْأَمْرُ بِالدُّخُولِ وَطُولِ الزَّمَنِ وَالْوِلَادَةِ لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ أَوْ يَكُونُ خَطَأً لَا شَكَّ فِيهِ فَأَمَّا مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الرَّأْيُ وَفِيهِ الِاخْتِلَافُ فَلَا يُفْسَخُ
قَالَ وَيُشْبِهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَوْتًا وَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ وَلَكِنَّهُ احْتَاطَ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَالَّذِي يُشْبِهُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يُقَامَ عَلَى ذلك النكاح
قال وقد ذكر بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مَفْسُوخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ طَالَ الْأَمَدُ أَوْ لَمْ يطل ولا يتوارثان إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا
وَالْوَلِيُّ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ النِّكَاحِ وَلِيُّ الْقَرَابَةِ لِأُولِي الدِّيَانَةِ وَحْدَهَا دُونَ الْقَرَابَةِ ثُمَّ الْوِلَايَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ والأقعد في الأقعد وَلَا مَدْخَلَ عِنْدَهُ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُ سَفِيهًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ انْتِظَارُهُ لِطُولِهَا ولا ولاية عنده لأحد من الأب مع الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَالْجَدُّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ أَبُوهُ أَبَدًا هَكَذَا
وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا تُنْكَحُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُنْكِحُهَا أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَتُنْكَحُ الْبِكْرُ مِنْ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) النُّورِ 32
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَيَامَى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) النِّسَاءِ 25
وقال تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْأَوْلِيَاءِ (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أزواجهن) البقرة

(5/395)


نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَضْلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَجْعَتَهَا فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ))
قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيُ الْقَرَابَةِ مِنَ الْعَصَبَةِ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بَوْلِيٍّ إِلَّا لِمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ مِنَ الْعَصَبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ))
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْأَوْلِيَاءُ الْعَصَبَةُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلِيٍّ فَلَهُ أَنْ يُنْكِحَ
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ أَحْتَاطُ لَهَا وَأُجِيزُ طَلَاقَهُ
قَالَ إِسْحَاقُ كُلَّمَا طَلَّقَهَا وَقَدْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) (ثَلَاثًا)
وَالْبَاطِلُ مَفْسُوخٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى فَسْخِ حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِهِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَيْسَ الْوَلِيُّ عِنْدَهُمْ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَلَا مِنْ فَرَائِضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَمَامِ النِّكَاحِ وَجَمَالِهِ لِأَنْ لَا يَلْحَقَهُ عَارُهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا جَازَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا

(5/396)


وَقَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا فِي الْإِذْنِ دُونَ الْعَقْدِ
قَالُوا وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ
قَالُوا وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا
قَالُوا وَالْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَكْسَبَهَا مَالًا فَجَازَ أَنْ تَلِيَهُ بِنَفْسِهَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ
قَالُوا وَقَدْ أَضَافَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - النِّكَاحَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وَبِقَوْلِهِ (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232
وَقَوْلِهِ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وَرَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حدثني بن فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ دَخَلَ بِهَا أَمْضَاهُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ قَدْ زَوَّجَهَا خَالُهَا وَأُمُّهَا فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ
قَالَ يَحْيَى وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ عَلِيًّا حِينَ أَجَازَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا وَعَقْدِهَا فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ فِي كِتَابِنَا غَيْرُ هَذَا نَذْكُرُهُ هُنَاكَ أَبْلَغُ مِنَ الذِّكْرِ ها هنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي جَوَازِ إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مَا رَوَاهُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا))
وَلَمَّا لَمْ تَلِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ غَيْرَهَا لَمْ تَلِ عَقْدَ نِكَاحِ نَفْسِهَا
أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا خَطَبَ إِلَيْهَا بَعْضُ قَرَابَتِهَا وَبَلَغَتِ التَّزْوِيجَ تَقُولُ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) النُّورِ

(5/397)


وَقَالَ (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) النِّسَاءِ 25
وَقَالَ (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ
وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خُوطِبُوا بِإِنْكَاحِهِنَّ
وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ (فلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الأيم أحق بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) وَلَمْ يَخُصَّ ثَيِّبًا مِنْ بِكْرٍ
وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنَ الْبِكْرِ وَأَنْ لِلْوَلِيِّ فِيهَا حَقًّا لَيْسَ يَبْلُغَ مَبْلَغَ حَقِّهِ فِي الْبِكْرِ لِأَنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ وَكَانَتْ ثيبا وزوجها وأبوها بِغَيْرِ إِذْنِهَا
وَقِيلَ كَانَتْ بِكْرًا وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ وَوُجُوهُهُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَجْعَلُ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا فَيَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وأصحابه في ذلك
ففي ((المدونة)) قال بن الْقَاسِمِ وَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَلَمْ يُجِبْنِي عَنْهَا
وقال بن الْقَاسِمِ إِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فُسِخَ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ إِذَا كَانَ بِالْقُرْبِ فَإِنْ تَطَاوَلَ الْأَمَدُ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ جاز إذا ذَلِكَ صَوَابًا
قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ
قَالَ سحنون وقال غير بن الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ نكاح عقده غير الولي
وذكر بن حبيب عن بن الْمَاجَشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ
وقال والفسخ فيه بغير طلاق
وذكر بن شعبان عن بن الْمَاجَشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ لم

(5/398)


يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ))
قَالَ بن شَعْبَانَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا زَوَّجَ الْمَرْأَةَ غَيْرُ وَلِيِّهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا وَالزَّوْجُ كُفْءٌ وَوَلِيُّهَا قَرِيبٌ فَلَا نَرَى أَنَّ نَتَكَلَّمَ فِي هَذَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَوَاهُ بن الماجشون عن مالك في ما ذكره بن حبيب وبن شَعْبَانَ هُوَ الْقَوْلُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ))
وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
وَأَمَّا رواية بن الْقَاسِمِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ نَحْوَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا مضى من هذا الباب إلا أن بن الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ يُجِيزُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِذَا وَقَعَ وَفَاتَ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالطُّولِ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرِيفَةِ ذات الحسب والحال وَبَيْنَ الدَّنِيَّةِ الَّتِي لَا حَسَبَ لَهَا وَلَا مال إلا مالكا في رواية بن الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ
وَكَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْوَلِيِّ فَقَالَ جَائِزٌ أَنْ تُنْكَحَ الثَّيِّبُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَالْبِكْرُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ جَاءَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ مَنْ سَلَفَ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لَا أَمْرَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ وَجَائِزٌ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ
وَاحْتَجَّ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرزاق قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمرا وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا))

(5/399)


قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ
خَالَفَ دَاوُدُ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ فِيهَا بِالْمُجْمَلِ وَالْمُفَسِّرِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فَجَعَلَ قَوْلَهُ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) مُجْمَلًا وَقَوْلَهُ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) مُفَسِّرَا وَهُمَا فِي الظَّاهِرِ مُتَضَادَّانِ وَأَصْلُهُ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ أَنْ يَسْقُطَا جَمِيعًا كأنهما لم يجبا ويرجعا وَيُرْجَعُ إِلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَسْقَطَ فِيهِمَا الْحَدَثَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا مُجْمَلًا مُفَسَّرًا وَقَالَ بِحَدِيثِ الْإِبَاحَةِ مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَهُ لِشَهَادَةِ أَصْلِهِ لَهُ فَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وخالفه أَصْلًا لَهُ آخَرَ
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا اجْتُمِعَ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَرِعَ قَوْلًا ثَالِثًا وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا نِكَاحَ لِلْأَوَّلِ وَمَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كُلُّهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي مَذْهَبِهِ وَجَاءَ دَاوُدُ يَقُولُ بِفَرْقٍ بَيْنَهُمَا بِقَوْلٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهَا مَعَهَا كَمَا زَعَمَ دَاوُدُ
وَمُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِأَنْ لَا تُنْكَحَ إِلَّا بِرِضَاهَا خِلَافَ الْبِكْرِ الَّتِي لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَأَنَّ وَلِيَّهَا أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا فَلَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَيِّمُ أَحَقُّ بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وَحَقُّ الْوَلِيِّ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّزْوِيجِ لِقَوْلِهِ ((أَيُّمَا امرأة نكحت بغير ولي ولا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ قَوْلٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَوَاجِدٍ وَكُلِّ نِكَاحٍ
وَقَوْلُهُ ((الْأَيِّمُ أَوْلَى بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) وَيَمِيلُ أَنْ لِوَلِيِّهَا فِي إِنْكَاحِهَا حَقًّا وَلَكِنَّ حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا أَكْثَرُ وَهُوَ أَنْ لَا تُزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَلَيُّهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي وِلَايَتِهِ إِلَّا فِي تَوَلِّي الْعَقْدِ عَلَيْهَا إِذَا رَضِيَتْ وَإِذَا كَانَ لَهَا الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا
وَهَذَا وَاضِحٌ عَالٍ
وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَضَلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ عَنْ رَدِّهَا إِلَى زَوْجِهَا كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ بَالِغَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَلَا

(5/400)


يُشَاوِرَهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذَا أَنْكَحَ الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةَ فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ
وَقَالَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ لَا خِيَارَ لَهَا فِي الْأَبِ وَلَا يُزَوِّجُهَا صَغِيرَةً غَيْرُ الْأَبِ
قَالَ أَبُو قُرَّةَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا)) أَيُصِيبُ هَذَا الْقَوْلُ الْأَبَ قَالَ لَا لَمْ يَعْنِ الْأَبَ بِهَذَا إِنَّمَا عَنَى بِهِ غَيْرَ الْأَبِ قَالَ وَنِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ وَلَدِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ
قَالَ وَلَا يُنْكِحُ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرُ الْأَبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَبِ هَلْ يَجْبُرُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي وبن أَبِي لَيْلَى إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا كَانَ لِأَبِيهَا أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا بَيِّنًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وكان لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً إِذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبُكُورَةُ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِدَلِيلِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهَا وَنَظَرِهِ لَهَا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً
كَمَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى إِذْنِهَا فِي الْأَبِ مَا زَوَّجَهَا حَتَّى تَكُونَ مِمَّنْ لَهَا الْإِذْنُ بِالْبُلُوغِ
فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَهِيَ لَا إِذْنَ لَهَا صَحَّ لَهَا بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا مَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْفَرْقَ إِنَّمَا وَرَدَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ إِلَّا بِإِذْنِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ الْأَبِ تُنْكَحُ لِغَيْرِ إِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ بِكْرًا بِإِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ لَا تُزَوَّجُ إلا بإذنها وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها وَلِمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا)) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا أَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا

(5/401)


وَهُوَ الْأَبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْيَتِيمَةُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ))
وَرَوَى محمد بن عمرو بن علقمة عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا))
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو
وَقَدْ ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد))
ولا أعلم أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ لَمْ تُكْرَهْ))
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْبَالِغَ مِنْ بَنَاتِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا))
قَالُوا وَالْأَيِّمُ الَّتِي لَا بَعْلَ لَهَا وَقَدْ تَكُونُ بِكْرًا وَثَيِّبًا
قَالُوا وَكُلُّ أَيِّمٍ عَلَى هَذَا إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ تَخُصَّ بِذَلِكَ إِلَّا الصَّغِيرَةَ وَحْدَهَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لِمِثْلِهَا
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ ابْنَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَغِيرَةً وَلَا أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فَخَرَجَ النِّسَاءُ مِنَ الصِّغَارِ بِهَذَا الدَّلِيلِ
وقالوا الولي ها هنا كُلُّ وَلِيٍّ أَبٌ وَغَيْرُ أَبٍ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ نَصٌّ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا نَصَّ وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ ذَلِكَ إِلَّا فِي الصَّغِيرَةِ ذَاتِ الْأَبِ

(5/402)


وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))
قَالُوا فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ بِكْرٍ إِلَّا الصَّغِيرَةَ ذَاتَ الْأَبِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ))
رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الأسانيد بذلك في ((التمهيد))
ولا أعلم أحدا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبَانٌ وَهِشَامٌ وَشَيْبَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ هَكَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ
هَكَذَا فِي حَدِيثِ هِشَامٍ الْأَيِّمُ
وَقَالَ أَبَانٌ (الْأَيِّمُ) لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ
هَكَذَا فِي حَدِيثِ هِشَامٍ الْأَيِّمُ
وَقَالَ أَبَانٌ (الْأَيِّمُ) لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))

(5/403)


قالوا يا رسول الله! وكيف إذنهاقال ((إِذَا سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا))
قَالُوا فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبِكْرَ لَا يُنْكِحُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَسْتَأْمِرَهَا وَيَسْتَأْذِنَهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْبَوَالِغِ
وَاحْتَجُّوا أيضا بحديث بن عَبَّاسٍ أَنْ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ هَذَا انْفَرَدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ فِيمَا عَلِمْتُ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ مِمَّنْ يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لَوْ صَحَّ حَدِيثُ جَرِيرٍ هَذَا
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هذه القصة كانت في خنساء بنت خذام وَهِيَ ثَيِّبٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هِيَ الْيَتِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فَيَكُونُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مُفَسِّرًا لِحَدِيثِ يَحْيَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَارَضِ الْحَدِيثَانِ وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَجْمَلَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَفَسَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
هَذَا هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَعَلَيْهِ يُنَاظِرُونَ
وهو قول بن الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأصحابه وقول بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ

(5/404)


وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ))
قَالُوا وَالصَّغِيرَةُ مِمَّنْ لَا إِذْنَ لَهَا فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَلِأَنَّ مَنْ عَدَا الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا فَكَذَلِكَ فِي بُضْعِهَا
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي الْيَتِيمَةِ تُنْكَحُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهِيَ فِي غَيْرِ فَاقَةٍ شَدِيدَةٍ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ ((اخْتِلَافِ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ)) وَالَّذِي رَوَاهُ عيسى عن بن الْقَاسِمِ قَالَ إِنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ نَزَلَتِ الْمَوَارِيثُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ
وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَبْلُغُ بِهِ إِلَى قِطَعِ الْمَوَارِيثِ فِيهِ وَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَجَازَهُ جُلُّ النَّاسِ
وَقَدْ زَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَةَ أَخِيهِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ مِنَ ابْنِهِ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ وَعُرْوَةُ مَنْ هُوَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حنبل لا أرى للقاضي ولا للوالي أَنْ يُنْكِحَ الْيَتِيمَةَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ
قَالَ فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً دُونَ تِسْعِ سِنِينَ فَلَا أَرَى أَنْ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَخَذَهُ مِنْ نِكَاحِ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَا مَعْنَى لِلْجَدِّ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَلِيُّهَا مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إِذَا بَلَغَتْ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وبن شُبْرُمَةَ وَاَلْأَوْزَاعِيِّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لِلصَّغِيرَةِ إِذَا بَلَغَتْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُ من أوليائها
وكل هؤلاء يقولون من أجاز أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً جَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير

(5/405)


وَلِيٍّ ثُمَّ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَكَنِكَاحِ الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ السَّيِّدِ أَمْ لَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَوَازِلِ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضِعًا لَهَا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
وَاخْتَلَفُوا فِي سُكُوتِ الْيَتِيمَةِ الْبِكْرِ هل يكون رضى مِنْهَا قَبْلَ إِذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَتَفْوِيضِهَا
فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْبِكْرَ الْيَتِيمَةَ إِذَا لَمْ تؤذن في النكاح فليس السكوت منها رضى فَإِنْ أَذِنَتْ وَفَوَّضَتْ أَمْرَهَا وَجَعَلَتْ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى وَلِيِّهَا فَأَنْكَحَهَا مِمَّنْ شَاءَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَأْمِرُهَا فَإِنَّ إِذْنَهَا حِينَئِذٍ الصَّمْتُ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا كَمَا ذَكَرْنَا
وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ إِذَا اسْتُؤْمِرَتْ وَذُكِرَ لَهَا الرَّجُلُ وَصْفًا وَأُخْبِرَتْ بِأَنَّهَا تُنْكَحُ مِنْهُ وَذُكِرَ لَهَا الصَّدَاقُ وأخبرت بأن سكوتها يعد رضى مِنْهَا فَسَكَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهَا النِّكَاحُ
1063 - قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ عَنِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا كَانَ يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ
قَالَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ
1064 - ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي دَرْجِ هَذَا الْبَابِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ إِذْنُهَا إِذْنًا جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بَالِغًا دُونَ إِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ بِكْرًا وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ يَسْتَحِبُّونَ مُشَاوَرَتَهُنَّ
وَذِكْرُ ذَلِكَ لَهُنَّ لِتَطِيبَ أَنْفُسُهُنَّ بِمَا سَبَقَ مِنْ ذَلِكَ
وَهُوَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا وَيُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا

(5/406)


فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْبِكْرَ عَلَى السَّفَهِ أَبَدًا حَتَّى تُنْكَحَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَيُعْرَفَ رُشْدُهَا وَحُسْنُ نَظَرِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَازَ فِعْلُهَا فِي مَالِهَا إِلَّا أَنْ يَعْتَرِضَهَا زَوْجُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ ثُلُثِهَا عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ الْبِكْرُ الْبَالِغُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِيمَا تَمْلِكُهُ حَتَّى يَثْبُتَ سَفَهُهَا وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ
وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النِّسَاءِ 4
وَلَمْ يَخُصَّ بِكْرًا مِنْ ثَيِّبٍ
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ تَجُوزُ هِبَتُهُ مِنْهُنَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ)
1065 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ)) فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أن أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا)) فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((هل معك من القرآن شيئ)) فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسِوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) الأحزاب

(5/407)


وَالْمَوْهُوبَةُ بِلَا صَدَاقٍ خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الْأَحْزَابِ 50 يَعْنِي مِنَ الصَّدَاقِ فَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَاقٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عَلَى حَسَبِ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّحْدِيدِ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قنطارا) النِّسَاءِ 20
وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بيعه والبدل منه والمعارضة عَلَيْهِ جَازَتْ هِبَتُهُ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَصَّ النِّسَاءَ بِالْمُهُورِ الْمَعْلُومَاتِ ثَمَنًا لِأَبْضَاعِهِنَّ قال الله عز وجل (وءاتوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النِّسَاءِ 4
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِهَا دُونَ جَبْرٍ وَحُكُومَةٍ
قَالَ وَمَا أُخِذَ بِالْحُكَّامِ فَلَا يُقَالُ لَهُ نِحْلَةً
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُخَاطِبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْآبَاءُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَأْثِرُونَ بِمُهُورِ بَنَاتِهِمْ
وقال سعيد بن المسيب ومكحول وبن شِهَابٍ لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ له
ذكره بن أبي شيبة والشافعي وغيرهما عن بن عُيَيْنَةَ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَوْ رَضِيَتْ بِسَوْطٍ كَانَ مَهْرَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قبلكم إذا ءاتيتموهن أُجُورَهُنَّ) الْمَائِدَةِ 5 يَعْنِي مُهُورَهُنَّ
وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ (فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النِّسَاءِ 25 يَعْنِي صَدُقَاتِهِنَّ
وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا وُهِبَ لَهُ دُونَ رَقَبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ بِغَيْرِ صَدَاقٍ مُسَمًّى دَيْنًا أَوْ نَقْدًا وَأَنَّ الْمُفَوَّضَ إِلَيْهِ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُسَمِّيَ صَدَاقًا فَإِنْ وَقَعَ الدُّخُولُ فِي ذَلِكَ لَزِمَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ
وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ ابْنَتِي أَوْ وَلِيَّتِي وَسَمَّى صَدَاقًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ النِّكَاحَ

(5/408)


فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِهِبَتِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ قَدْ أَنَكَحْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُكَ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةَ قَالَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الهبة
وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أَبِي سَلَمَةَ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ
وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إِذَا أَرَادُوا النِّكَاحَ وَفَرَضُوا الصَّدَاقَ
وَالثَّانِي كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَرَبِيعَةَ
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تَحِلُّ الْهِبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ إِيَّاهَا لَيْسَتْ عَلَى نِكَاحٍ وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا
قال بن الْقَاسِمِ وَإِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ كَالْبَيْعِ
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ أَهَبُ لَكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ قَالُوا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ ابْنَتِي عَلَى دِينَارٍ جَازَ وَكَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عَلَيْهِ وَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ سَمَّى وإن لم يسم لها مَهْرُ مِثْلِهَا
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالتَّصْرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ قَالُوا فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ
قَالُوا وَالَّذِي خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرِّي الْبُضْعِ مِنَ الْعِوَضِ لَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ هِبَةٌ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَجَبَ أَلَّا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ النِّكَاحُ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّصْرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يقاس عليه

(5/409)


وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ بِقَوْلِهِ قَدْ أَحْلَلْتُ وَقَدْ أَبَحْتُ لَكَ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْهِبَةِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ الصَّدَاقِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَازَاتُ وَالْبِيَاعَاتُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْخِدْمَةِ
وَهَذَا كُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كما أنهم قد اخْتَلَفُوا فِي النِّكَاحِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَذْكُرُ ذلك كله ها هنا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مِقْدَارِ مَبْلَغِ الصَّدَاقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِدُونِهِ
فَقَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وأصحابه حاشا بن وَهْبٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كيلا من الورق أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ الَّتِي يَجُوزُ مِلْكُهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَيْلًا قِيَاسًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ
وَكَذَلِكَ قَاسَهُ مَالِكٌ عَلَى مَا تُقْطَعُ الْيَدُ عِنْدَهُ فِيهِ
وَقَالَ له الدراوردي تعرفت فِيهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ذَهَبْتُ فِيهَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَالِكٍ
وَاحْتَجُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبُضْعَ عُضْوٌ مُسْتَبَاحٌ بِبَدَلٍ مِنَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا قِيَاسًا عَلَى قَطْعِ الْيَدِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا شَرَطَ عَدَمَ الطَّوْلِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَأَبَاحَهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوْلَ لَا يَجِدُهُ كُلُّ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ الْفِلْسُ وَالدَّانِقُ وَالْقَبْضَةُ مِنَ الشَّعِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَوْلًا لَمَا عَدِمَهُ أَحَدٌ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوْلَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْمَالُ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ عِنْدَهُمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ طَوْلًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي مَبْلَغِ أَقَلِّ الصَّدَاقِ بَيْنَ صَدَاقِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(5/410)


وَإِنَّمَا شَرَطَ الطَّوْلَ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ كَمَا لَا يُجِيزُونَ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بِأَقَلِّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ
وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ فَقَدْ عَارَضَهُمْ مُخَالِفُوهُمْ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
وَأَمَّا حُجَّةُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ((لَا صَدَاقَ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ)) فَلَا مَعْنَى لَهَا لِأَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا صَدَاقَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّمَا يَرْوِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ
وَهُوَ منقطع عندهم ضعيف
وقال بن شُبْرُمَةَ أَقَلُّ الْمَهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي ذَلِكَ تُقْطَعُ الْيَدُ عِنْدَهُ
وَعَنِ النَّخَعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ
أَحَدُهَا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَلَكِنِ الْعَشْرَةُ وَالْعِشْرُونَ
وَالثَّالِثُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُ النَّخَعِيِّ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِمَّا اخْتَارَهُ
وَكَذَلِكَ مِمَّا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا
وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ لَا حَدَّ فِي مَبْلَغِ الصَّدَاقِ وَيَجُوزُ بِمَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بن الحسن وعمرو بن دينار وبن جُرَيْجٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بن حي وبن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ
كُلُّهُمْ يُجِيزُ النِّكَاحَ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ
إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ويجيزه بدرهم

(5/411)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كُلُّ نِكَاحٍ وَقَعَ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهُ لَا يَنْقُضُهُ قَاضٍ
قَالَ وَالصَّدَاقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا كَانَ ثَمَنًا لِشَيْءٍ أَوْ أُجْرَةً جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ وَأَنْكَحَ ابْنَتَهُ بِصَدَاقٍ دِرْهَمَيْنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْفِلْسُ صَدَاقٌ يَجِبُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَكِنِّي أَسْتَقْبِحُ صَدَاقَ دِرْهَمَيْنِ
وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى درهم
وقال أبو الزناد وبن أَبِي ذِئْبٍ الْمَهْرُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ
وَهُوَ قَوْلِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ الثَّوْبُ وَالسَّوْطُ وَالنَّعْلَانِ صَدَاقٌ إِذَا رَضِيَتْ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يَنْقُصَ الصَّدَاقُ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَيُجِيزُهُ بِدِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ
وَقَدْ قال بن الْقَاسِمِ لَوْ أَصْدَقَهَا دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَّا بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بن أبي دكيم قال حدثني بن وَضَّاحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُولُ كَانَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ يَرَى التَّزْوِيجَ بِدِرْهَمٍ
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ قَالَ حدثني سليمان بن زكريا قال حدثني حشيش بْنُ أَصْرَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حدثني عمر أن بن مُوسَى زَكَرِيَّا قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى مَوْزَةٍ إِذَا هِيَ رَضِيَتْ
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَرْدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُسْرِيُّ قَالَ جَاءَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ إِنْ تَرَاضَوْا عَلَى دِرْهَمٍ فِي الْمَهْرِ فَجَائِزٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَحْدِيدَ فِي مَبْلَغِ الصَّدَاقِ

(5/412)


وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنْ لَا حَدَّ وَلَا تَوْقِيتَ فِي أَكْثَرِهِ فَكَذَلِكَ لَا حَدَّ فِي أَقَلِّهِ وَلَا تَوْقِيتَ
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ((إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ خَادِمًا قَبْضَتْهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِمِلْكٍ
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) الْمُؤْمِنُونَ 5 - 7
وَهَذَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وطىء جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا بِمَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ مِنْ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ
فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إِلَّا نِصْفَهُ وَأَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لَهُ عَلَيْهَا
وَلَوْ سَلَّمَ الصَّدَاقَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا أَوْ نَامِيًا وَالتَّمَامُ وَالنُّقْصَانُ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
وَقَالَتْ بِهِ أَيْضًا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ كُلَّهُ بِالْعَقْدِ
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الصَّدَاقَ كُلَّهُ
وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ إِذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا وَلَا يُقَالُ لِلزَّوْجِ أَدِّ الزَّكَاةَ عَنْهَا
وَكَذَلِكَ تُدْخُلُ بِامْرَأَتِكَ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِ ذَوْدٍ إِلَّا نِصْفُ شَاةٍ فَلَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهَا شَاةً عُلِمَ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى مِلْكِهَا
وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَاعْتَلُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا قَبَضَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي غَيْرِ ذِمَّةِ الزَّوْجِ
وَهَكَذَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ
وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الصَّدَاقَ لَوْ كَانَ أَبُوهَا عُتِقَ عَلَيْهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَنْظُرِ الدخول

(5/413)


وَقَدْ زِدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا وَاعْتِلَالًا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنَ الْحَدِيدِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ لِبَاسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ
فَكَرِهَهُ قَوْمٌ منهم عبد الله بن مسعود وبن عُمَرَ
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ظَهَرَتْ كَفٌّ فيها خاتم من حديد
وروى بن عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ
وَمِنْ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خاتما من حديد فقال له ((مالي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ))
وَمَنْ لَمْ يُصِحَّ هَذِهِ الْآثَارَ فَقَالَ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَصِحَّ الْحَظْرُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ - أَيْضًا - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِأَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ ((هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَذَكَرَ لَهُ سِوَرًا فَقَالَ ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ))
وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَكُونُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ مَهْرًا
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْمُزَنِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْأَمْوَالِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الطَّوْلَ فِي النِّكَاحِ
وَالطَّوْلُ الْمَالُ وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَكَادُ يُضْبَطُ فَأَشْبَهَ الشَّيْءَ الْمَجْهُولَ
قَالُوا وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((قَدْ أَنَكَحْتُكَ عَلَى مَا مَعَكَ

(5/414)


مِنَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لِلْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَهْرٌ وَإِنَّمَا زَوَّجَهُ إِيَّاهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَكَانَ الْمَهْرُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ أَوْ سُورَةٍ مِنْهُ مَهْرًا
وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ نِكَاحٌ جَائِزٌ
وَكَانَ أَحْمَدُ يَكْرَهُهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ التَّعْلِيمِ
هَذِهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ
وَرَوَى عَنْهُ الرَّبِيعُ فِي ((الْمُوَطَّأِ إِنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّ تَعْلِيمَ النصف لا يوقف على حد
وَمِنَ الْحُجَّةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا
قَالُوا وَلَا مَعْنَى لِمَا اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ مِنْ دَفْعِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسَاقَتَهُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ فِيهِ الصَّدَاقَ بِالْإِزَارِ وَخَاتَمِ الْحَدِيدِ ثُمَّ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ الْقُرْآنِ فِي الصَّدَاقِ غَيْرُ ذَلِكَ
وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ مُضَرَ حَدَّثَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ ذَلِكَ فِي أُجْرَتِهِ عَلَى تعليمها ما معه من القرآن
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي هَذَا النِّكَاحِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَكُونُ لَهَا بَعْدَ الدخول صداق المثل
قال بن الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ بِقَصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا
وَقَالَ سَحْنُونٌ النِّكَاحُ جَائِزٌ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى خِدْمَةِ سَنَةٍ إِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَهَا خِدْمَتُهُ سَنَةً وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا

(5/415)


وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ إِنْ كَانَ حُرًّا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يحجبها ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لنصف حجبها مِنَ الْحُمْلَانِ وَالْكُسْوَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى الْخِدْمَةِ إِذَا كَانَ وَقْتًا مَعْلُومًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ كَلُّ عَمَلٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُعَلِّمَهَا قُرْآنًا أَوْ يعلم لها عبدا عملا
وقال بن حَبِيبٍ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَهَا نَفْسَهُ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْئًا يَكُونُ قَدْرَ رُبُعِ دِينَارٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ هَذَا الباب ((ألتمس شيئا وهل عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ أَنَّهُ أَرَادَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُقَدِّمُهُ إِلَيْهَا مِنْ صَدَاقِهَا لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ أَنْ يُقَدِّمُوا مِنَ الصَّدَاقِ بَعْضَهُ لَا أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ ما يقدمه قبل الدخول ربع دينار
وَهَذَا خِلَافُ مَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِلُ الْحَدِيثَ
وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَيَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ
قَالُوا وَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ وَجَدَهُ يَكُونُ ثَمَنًا لِشَيْءٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَخْذِ الْبَدَلِ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ فِي كُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهُ
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَنَزَلُوا بِحَيٍّ فَسَأَلُوهُمُ الْكِرَاءَ أَوِ الشِّرَاءَ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَلُدِغَ سَيِّدُ الْحَيِّ فَقَالَ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ فَقَالُوا لَا حَتَّى تَجْعَلَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فبرأ فَذَبَحُوا وَشَوَوْا وَأَكَلُوا فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ((وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا

(5/416)


رُقْيَةٌ مَنْ أَخَذَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَخَذْتُمْ بِرُقْيَةِ حَقٍّ اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ))
وَرَوَاهُ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قُتَّةَ وَأَبُو نَضْرَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْرٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْأَلُ مِنْهُ شَيْئًا يَقْرَأُهُ وَأَنْ يُعَلِّمَهُ لِمَنْ سَأَلَهُ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَشْغَلَهُ عَنْ مَعِيشَتِهِ
وَاعْتَلُّوا بِأَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ كُلِّهَا ضَعِيفَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُرْهَمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هَكَذَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي جُرْهَمٍ وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَأَبُو جُرْهَمٍ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ وَأَبُو الْمُهَزَّمِ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ فِي الْمُعَلِّمِينَ قَالَ دِرْهَمُهُمْ حَرَامٌ وَقَوْلُهُمْ سُحْتٌ وَكَلَامُهُمْ رِبًا
وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ عَنِ الْأُسُودِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى إليه

(5/417)


قَوْسًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُطَوِّقَكَ اللَّهُ بِهِ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهُ))
وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
وَرَوَاهُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب وهو منقطع
ومن حديث بن شِبْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال ((أقرؤوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ))
وبحديث عبد الله بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً))
فَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ فَرْضٌ وَبِأَحَادِيثَ مِثْلِ هَذِهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُصَلِّي بِالنَّاسِ مَكْتُوبَةً بِأُجْرَةٍ
فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُسْتَأْجَرُ فِي رَمَضَانَ يَقُومُ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ كَانَ بِهِ بَأْسٌ فَعَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ
وَرَوَى عنه بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَهُ
قَالَ وَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الْأَذَانَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضًا مُتَعَيِّنًا وَفَرْضًا عَلَى الدَّارِ وَمَنْ جَعَلَهُ نَافِلَةً وَجَعَلَ الْأَمْرَ بِهِ نَدْبًا وَمِنْ جَعَلَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي الْجَمَاعَةِ

(5/418)


وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَوْلَى مَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ أَعْمَالُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ إِذَا لَمْ يَلْزَمِ الْمَرْءَ الْقِيَامُ بِهَا لِنَفْسِهِ كمراقبة شهود الجماعة والتزام الإمامة والأذان للصلاة وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ
وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رِجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا قَالَ لَا صَلَاةَ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ عِوَضًا وَلِذَلِكَ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِلَالٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ
1066 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب أنه قال قال عمر بن الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الذي أنكحها بن عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنَ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب عن عمر بن الخطاب قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ قَرَنٌ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا فذكر في الْقِرَانَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَالِكٌ وَهُوَ مَحْفُوظٌ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ عُمَرَ بَلِ الْقِرَانُ عِنْدَهُمْ أَوْكَدُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْمَعْنَى الْمُبْتَغَى فِي النِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ في الأغلب
وبن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي بَيْعٍ وَلَا نِكَاحٍ إِلَّا أَنْ يَمَسَّ فَإِنْ مَسَّ جَازَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرَنُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف

(5/419)


فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ
وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ وَسَعِيدٌ قَدْ رَوَى مَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِنْ مَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَخَالَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي غُرْمِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ بِالْمَسِيسِ وَهُوَ قِيَاسُ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ ((فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا))
ذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي الْمَجْنُونَةِ وَالْبَرْصَاءِ إِنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ تُرَدُّ مِنَ الْقَرَنِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَدَاءِ النِّسَاءِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ إِذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى وَلِيِّهَا الْأَبِ أَوِ الْأَخِ لِمَا دَلَّسَ عليه إلا أن يكون وليها بن عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ رَجُلًا مِنَ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ
قَالَ وَأَرَى ذَلِكَ عَلَيْهَا خَاصَّةً لِأَنَّهَا غَرَّتْ وَيَتْرُكُ لَهَا عِوَضًا عَنْ مَسِيسِهِ إِيَّاهَا قَدْرَ مَا يُسْتَحَلُّ بِهِ مِثْلُهَا
قال وللمرأة مِثْلُ ذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ وَبِهِ هَذِهِ الْعُيُوبُ
قَالَ وَإِنَّ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي بِهَا هَذِهِ الْعُيُوبُ لَمْ يَدْخُلِ الزَّوْجُ بِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ خَلَّى سَبِيلَهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَهْرِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ
قال بن الْقَاسِمِ وَإِنْ وَجَدَهَا عَمْيَاءَ أَوْ مُقْعَدَةً أَوْ شَلَّاءَ وَشَرَطَ الْوَلِيُّ عَنْهَا

(5/420)


صِحَّتَهَا فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَنْكَحَهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ فَإِذَا هِيَ بَغِيَّةٌ يُزَوِّجُوهُ عَلَى نَسَبٍ وَإِنْ زَوَّجُوهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَيْهِ
قَالَ مَالِكٌ لَا تُرَدُّ الزَّوْجَةُ إِلَّا مِنَ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ ولا ترد من العمى والسواد
وقال بن وَهْبٍ الْمَجْذُومُ الْبَيِّنُ جُذَامُهُ تُرَدُّ مِنْهُ
قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَرَصِ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ
وَهُوَ رَأْيٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تُرَدُّ الزَّوْجَةُ بِغَيْرِ الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَاءَتْ مَنْصُوصَةً عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتُرَدُّ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ لِلنِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْعُيُوبَ الثَّلَاثَةَ الْمَنْصُوصَةَ عَنْ عُمَرَ تَمْنَعُ مِنْ طَلَبِ التناسل وهو معنى النكاح
وزاد بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ النَّاكِحُ السَّلَامَةَ رُدَّتْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ - قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنِ اشْتَرَطَ النَّسَبَ فَخَرَجَتْ بَغِيَّةً
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَبِهَا الْعَيْبُ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ أَنَّهَا تَرُدُّ مَا أَخَذَتْ حَاشَا رُبْعَ دِينَارٍ فَإِنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْمُدَلِّسِ بِالْعَيْبِ فِي السِّلَعِ إِذَا اسْتُهْلِكَتْ
وَاسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ عُمَرَ ذَلِكَ لها غرم على وليها
وقال بن سَحْنُونٍ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَدَاءِ النِّسَاءِ الذي يكون في الفرج
وقال الليث وأرى الآكلة كالجذام
قال وكان بن شِهَابٍ يَقُولُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْقَرَنِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْمَسِيسِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَلِيِّهَا
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَهَا مَهْرُهَا الْمُسَمَّى
قَالَ وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَتِ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ برصا أو جنونا أو جذاما ما كَانَ لَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ

(5/421)


بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) ثُمَّ قَالَ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ مِمَّا اسْتَحَلَّ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْمَسِيسُ فِي النِّكَاحِ الْبَاطِلِ يُوجِبُ لَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَوْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِعَيْبِ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَيْبَ الرَّجُلِ لم يفسخ أيضا
وهو قول بن أبي ليلى وأبي الزناد
قال بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو الزِّنَادِ لَا تُرَدُّ الْمَرْأَةُ بِجُنُونٍ وَلَا بِجُذَامٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا تُرَدُّ مِنْ بَرَصٍ وَلَا عَيْبٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْبَرْصَاءِ وَالْعَفْلَاءِ وَاطَّلَعَ عَلَيْهَا لَهَا الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ إِذَا وُجِدَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ حَالٍ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ مِنْ جُذَامٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ كَالْغَبْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ رَدَّ زَوْجَةٍ بِعَيْبٍ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا تُرَدُّ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِعَيْبٍ صَغِيرٍ خِلَافَ الْبُيُوعِ كَانَ كَذَلِكَ الْعَيْبُ الْكَبِيرُ وَقَدْ قَالَ بُقُولِ الْمَدَنِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ بِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنَ التابعين
كتب عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَرَأَى بِهَا جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا أَوْ عَفَلًا أَنَّهَا تُرَدُّ مِنْ هَذَا وَلَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ فَرَجَهَا الْعَاجِلُ وَالْآجِلُ وَصَدَاقُهَا عَلَى مَنْ غَرَّهُ
قَالَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَبِالرَّجُلِ عَيْبٌ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أو برص خيرت
وقال عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرُمَ وَإِلَّا اسْتُحْلِفَ بِاللَّهِ مَا عَلِمَ ثُمَّ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ عَلِمَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْعُيُوبِ مِنْ صَاحِبِهِ وَرَضِيَهُ

(5/422)


وَلَمْ يَطْلُبِ الْفِرَاقَ حِينَ عَلِمَ وَأَمْكَنَهُ الطَّلَبُ فَقَدْ لَزِمَهُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَ الْمَجْذُومِ ثُمَّ زَادَتْ حَالُهُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ أَيْضًا
وَأَمَّا الْجُنُونُ إِذَا كَانَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فقد قال بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُؤَجَّلُ سَنَةً يَتَعَالَجُ فِيهَا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ وكذلك المجذوم عندهم
وذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْنُونِ أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الْحَدِيدِ فَإِنْ رَاجَعَهُ عَقْلُهُ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْجِيلَ سَنَةٍ
وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ إِنَّ الْمَجْنُونَ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَالْعِنِّينِ وَالْمُعْتَرَضِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنِ اسْتَحَقَّتِ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ بِالْمَسِيسِ فَالْقِيَاسُ أَلَّا يَكُونَ عَلَى الْوَلِيِّ شَيْءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدِ اعْتَاضَ مِنْ مَهْرِهِ الْمَسِيسَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِوَضٌ آخَرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي الرَّتْقَاءِ الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى وَطْئِهَا أَنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ إِلَّا شَيْئًا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ وَجْهٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَنَّهُ لَا تُرَدُّ الرَّتْقَاءُ وَلَا غَيْرُهَا
وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسِيسَ هُوَ الْمُبْتَغَى بِالنِّكَاحِ
وَفِي الْإِجْمَاعِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدُّبُرَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ وَطْءٍ وَلَوْ كَانَ مَوْضِعَ وَطْءٍ مَا رُدَّتْ مَنْ لَا يُوصَلُ إِلَى وَطْئِهَا فِي الْفَرْجِ
وَفِي إِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى الْعَقِيمِ الَّتِي لَا تَلِدُ لَا تُرَدُّ فَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ وَبِاللَّهِ توفيقنا
(مسألة التفويض والموت فيه قبل الدخول)
1067 - مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمَّهَا بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ كانت تحت بن لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أن لا صداق لها ولها ميراث

(5/423)


قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ على ما قاله بن عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وبن عباس أيضا
وحديث بن عمر وزيد بن ثابت رواه أيوب وبن جُرَيْجٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابَنَا عُمَرَ كلهم عن نافع عن بن عُمَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءٌ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لَهَا الْمِيرَاثَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يَجْعَلُ لَهَا صَدَاقًا
وبن جُرَيْجٍ وَعُمَرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلُهُ
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زيد أبو الشعثاء
وأما بن مَسْعُودٍ فَكَانَ يَقُولُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى مَاتَ فَرَدَّدَهُمْ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي أَرَى لَهَا صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ أَشْهَدُ لَقَضَيْتَ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - امْرَأَةٍ مَنْ بَنِي رُؤَاسٍ وَبَنُو رُؤَاسٍ حَيٌّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
هَكَذَا قَالَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ
وَقَالَ فيه بن مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ
وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَشْهَدُ لَقَضَيْتَ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا بَرْوَعَ بنت واشق الأشجعية
رواه بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّوَابُ عِنْدِي فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ

(5/424)


لِأَنَّ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحَابَةِ
وَأَمَّا مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا أَيْضًا فِي الصَّحَابَةِ - فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُزَيْنَةَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا جَاءَ فِي امْرَأَةٍ مِنْ أَشْجَعَ لَا مِنْ مُزَيْنَةَ
وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ فَقَالَ الشَّاعِرُ فِي يَوْمِ الْحَرَّةِ
(أَلَا تِلْكُمُ الْأَنْصَارُ تَبْكِي سَرَاتَهَا ... وَأَشْجَعُ تَبْكِي مَعْقِلَ بْنَ سِنَانِ)
وَقَالَ مَسْرُوقٌ لَا يَكُونُ مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ مَهْرٌ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حدثني بن أَبِي زَائِدَةَ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ علقمة قال جاء رجل إلى بن مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَجْمَعْ لَهَا حَتَّى مات فقال بن مَسْعُودٍ مَا سُئِلْتُ عَنْ شَيْءٍ مُنْذُ فَارَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ هَذَا اسْأَلُوا غَيْرِي فَتَرَدَّدُوا فِيهَا شَهْرًا وَقَالُوا مَنْ نَسْأَلُ وَأَنْتُمْ جُلَّةُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْبَلَدِ فَقَالَ سَأَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ مِثْلَ الَّذِي قَضَى مِنَّا يُقَالُ لها بروع بن واشق
قال فما رأيت بن مَسْعُودٍ فَرِحَ بِشَيْءٍ مِثْلَمَا فَرِحَ يَوْمَئِذٍ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى مَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فَقَالُوا مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَقَالُوا مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَقَالُوا نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ
وَأَصَحُّهَا عِنْدِي حَدِيثُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمِرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَجْعَلُ لَهَا الْمِيرَاثَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يَجْعَلُ لَهَا صداقا
قال الحكم - وقد أخبر بقول بن مَسْعُودٍ - فَقَالَ لَا تُصَدِّقِ الْأَعْرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا

(5/425)


قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وبن عُمَرَ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ - أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا مُتْعَةَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وعليها العدة
وهو قول بن شِهَابٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُفَوَّضِ إِلَيْهِ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا إِنَّ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ
وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ السُّنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ
قَالَ وَالتَّفْوِيضُ إِنْ لَمْ يَقُلْ أُزَوِّجُكَ بِلَا مَهْرٍ فَإِنْ قَالَ أَتَزَوَّجُكِ عَلَى مَا يَثْبُتُ فَهَذَا مَهْرٌ فَاسِدٌ لَهَا فِيهِ مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي التَّفْوِيضِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُتْعَةُ
وَقَالَ بن الْقَاسِمِ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا جَازَ وَيُفْرَضُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ حَتَّى طَلَّقَ فَالْمُتْعَةُ فَإِنْ مَاتَ فَلَا مُتْعَةَ وَلَا مَهْرَ
1068 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنِ ابْتَغَتْهُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا أَبُوهَا وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءَ يُحْبَى بِهِ إِنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنِ ابْتَغَتْهُ وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى فلها شرط الْحِبَاءِ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) يَقُولُ فَلَهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ وهو الصداق

(5/426)


وكذا رده بن وَضَّاحٍ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
فقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا فِي ((الْمُوَطَّأِ)) وَزَادَ إِنَّ كَانَ الْأَبُ اشْتَرَطَ فِي حِينِ عَقْدِ نِكَاحِهِ حِبَاءً يُحْبَى بِهِ فَهُوَ لِابْنَتِهِ وَإِنْ أعطاه بعد ما زَوَّجَهُ فَإِنَّهَا تَكْرِمَةٌ أَكْرَمَهُ بِهَا فَلَا شَيْءَ لِابْنَتِهِ فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْمُزَنِيِّ إِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا فَالْمَهْرُ فَاسِدٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ تُعْطِيَ أَبَاهَا جَازَ وَلَهُ مَنْعُهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ إِذَا زَوَّجَهَا عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا سِوَى الْأَلْفِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا فَسَوَاءٌ قَبَضَ الْأَلْفَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَهْرُ فَاسِدٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ هِبَةٌ لَا مَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا كَمَا يُرْجَعُ فِي الْهِبَةِ
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْهِبَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْأَبِ
وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ حدثني أحمد بن محمد البشري قال حدثني علي بن شرخم قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ يُونُسَ يَقُولُ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ فِي النِّكَاحِ وَقَبْلَ النِّكَاحِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَهُوَ لِلْوَلِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا
مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَةٍ إِذَا كَانَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا
قَالَ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حِبَاءٍ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيهِ
وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ وَسَعِيدٍ
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا نِصْفُ مَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ غَيْرُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي شُبْرُمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي ولي امرأة واشترط عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا لِتَلْبَسَهُ فَقَضَى عُمَرُ أَنَّهُ من صداقها

(5/427)


وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَا اشْتُرِطَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ مِنَ الْحِبَاءِ فَهُوَ مِنْ صَدَاقِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِهِ إِنْ تَكَلَّمَتْ فِيهِ مِنْ وَلِيِّهَا مَنْ كَانَ
قَالَ وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ مَنْ بَنِي جُمَحَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ ضَعِيفٍ مِثْلُ قَضِيَّةِ عمر بن عبد العزيز
رواه بن سَمْعَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ الْمُجَادِلِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى أَنَّ مَا اشْتُرِطَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ مِنَ الْحِبَاءِ فَهُوَ مِنْ صَدَاقِهَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُوَ أَوْلَى لِمَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن جريج عن محمد وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيهِ وَأَحَقُّ مَنْ أكرم الرجل عليه ابنته وأخته))
وذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ مَسْرُوقًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَاشْتَرَطَ عَلَى زَوْجِ ابْنَتِهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ سِوَى المهر
قال وحدثني بن عَلِيٍّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ إِنْ جَازَ الَّذِي يَنْكِحُ فَهُوَ لَهُ
قَالَ أَيُّوبُ وَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ مَا اسْتَحَلَّ بِهِ فَرْجَهَا
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ إِنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إِذَا كَانَ الْغُلَامُ يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْأَبِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَلَهُ مَالٌ أَنَّ الصَّدَاقَ الَّذِي يُسَمِّيهِ أَبُوهُ فِي مَالِ الْغُلَامِ لَا فِي مَالِ الْأَبِ
وَسَوَاءٌ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ ذَكَرَهُ إِلَّا أَنْ يضمنه الأب وبين ذلك بأن ضمنه وبين ذلك لَزِمَهُ إِذَا حَمَلَ عَنِ ابْنِهِ وَجَعَلَهُ عَلَى نفسه

(5/428)


وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ مَالٌ
فَقَالَ بن الْقَاسِمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى الِابْنِ
وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَاهُ عَلَى الِابْنِ كَمَا جعله
وقال بن الْمَوَّازِ هُوَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا أَنْ يُوَضِّحَ ذَلِكَ وَيُبَيِّنَهُ أَنَّهُ عَلَى الِابْنِ فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَيَكُونُ الِابْنُ بِالْخِيَارِ إِذَا بَلَغَ فَإِذَا دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا صَدَاقُ الْمِثْلِ
وَقَالَ عِيسَى بَلِ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى
قَالَ أَبُو عمر لا معنى لصداق المثل ها هنا لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ جَائِزٌ مِلْكِهِ
وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَصْلِ مَالِكَ
فَقَالَ سُفْيَانُ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى
وَقَالَ اللَّيْثُ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ فَالصَّدَاقُ عَلَى الْأَبِ دَيْنًا فِي مَالِهِ وَلَيْسَ عَلَى الِابْنِ شَيْءٌ مِنْهُ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ فَالْمَهْرُ عَلَى الْأَبِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الصَّدَاقَ وَغَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الِابْنِ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا جَعَلَهُ الْأَبُ عَلَى نَفْسِهِ
قَالَ وَإِنَّ ضَمِنَ عَنِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ المهر رجع به عليه إِنْ كَانَ أَمَرَهُ الْكَبِيرُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ جَازَ وَلِلْمَرْأَةِ الْمَهْرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِابْنِ فَإِنْ أَدَّاهُ الْأَبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الِابْنِ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ إنما يرديه لِيَرْجِعَ بِهِ فَيَرْجِعُ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ الْأَبُ حَتَّى مَاتَ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَهُ مَنْ مَالِ الْأَبِ - إِنَّ شَاءَتْ وَإِنْ شَاءَتْ أَتْبَعَتْ الِابْنَ وَإِنْ أَخَذَتْهُ مِنْ مَالِ الْأَبِ رَجَعَ وَرَثَةُ الأب على الابن يخصصهم
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِشْهَادَ الْأَبِ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ لَا يُؤْخَذُ الْأَبُ بِصَدَاقِ ابْنِهِ إِذَا زَوَّجَهُ فَمَاتَ صَغِيرًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ كَفَلَ بِشَيْءٍ
قَالَ مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُوَ أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ

(5/429)


قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الْبَقَرَةِ 237 فهن النساء اللاتي قد دُخِلَ بِهِنَّ - أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ - فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
وَقَالَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ)) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصَّدَاقِ إِلَّا الْأَبَ وَحْدَهُ لَا وَصِيَّ وَلَا غَيْرَهُ
وَقَالَ مالك مباراته عَلَيْهَا جَائِزَةٌ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا
وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهَا
وَأَمَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ شَيْئًا مِنَ الصَّدَاقِ
قَالَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدخول ويجوز له مباراة زَوْجِهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ لَهَا
قَالَ وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَضَعَ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابهما والثوري وبن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَعَفْوُهُ أَنْ يُتِمَّ لَهَا كَمَالَ الْمَهْرِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ
قَالُوا وَقَوْلُهُ تَعَالَى (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الْبَقَرَةِ 237 لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ
وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ
وَالْبِكْرُ الْبَالِغُ عِنْدَهُمْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا مَا لَمْ يَحْجُرِ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ الْبَالِغِ سَوَاءٌ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ عُمُومُ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الْبَقَرَةِ 237 فَلَمْ يَخُصَّ بِكْرًا مِنْ ثَيِّبٍ فِي نَسَقِ قَوْلِهِ (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الْبَقَرَةِ 237 يَعُمُّ الْأَبْكَارَ وَالثُّيَّبَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الثَّيِّبَ وَالْبِكْرَ فِي اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الْبَقَرَةِ 237 فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْبِكْرِ وَغَيْرِ الْبِكْرِ إِلَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ لِلصَّغِيرَةِ مِنْهُنَّ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَدْ قَالَ بِهِ الزُّهْرِيُّ قَبْلَهُ

(5/430)


ذكره أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن جُرَيْجٍ وَعَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَنْ قَالَ الْعَبْدُ يَمْلِكُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ هِبَةُ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عقدة النكاح هو الولي بن عَبَّاسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قال حدثني بن علية عن بن جريج عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ بِالْعَفْوِ وَأَمَرَ بِهِ فَإِنْ عَفَتْ جَازَ وَإِنْ أَبَتْ وَعَفَا وَلِيُّهَا جَازَ
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَعَلْقَمَةُ وعكرمة وإبراهيم وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مِنَ السَّلَفِ أَيْضًا إِنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ لَمْ يَخْتَلِفْ عنهما في ذلك
واختلف عنه بن عَبَّاسٍ
فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وشريح القاضي وبن سِيرِينَ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ونافع مولى بن عُمَرَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ
وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ
وَقَدْ كَانَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ بِالْعِرَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ الْوَلِيُّ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ بِمِصْرَ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ النِّصْفَ الْأَوَّلَ الْمَذْكُورَ لَمَّا كَانَ نِصْفَ الْمَرْأَةِ كَانَ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ اكتسبه إياها أَبُوهَا بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ مَالِهَا
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ لِأَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ هُنَاكَ وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ

(5/431)


وَاسْتَدَلُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ أَوِ الثَّيِّبِ وأن مَالَهَا كَمَالِ غَيْرِهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ مَا احتسبته لَهَا بِبُضْعِهَا أَوْ بِغَيْرِ بُضْعِهَا هُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهَا حَرَامٌ عَلَى أَبِيهَا إِتْلَافُهُ عَلَيْهَا وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ إِذَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهَا بِهِ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إِذَا أَنْكَحَ أَمَةَ ابْنَتِهِ وَاكْتَسَبَ لَهَا الصَّدَاقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ دُونَ إِذْنِ سَيِّدَتِهَا ابْنَتِهِ فَكَذَلِكَ صَدَاقُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَوْ خَالَعَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ امْرَأَتَهُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ فَكَذَلِكَ مَهْرُ الْبِكْرِ مِنْ بَنَاتِهِ
وَقَدِ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْبَابِ
فَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَزُفَرُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا
وَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَالثَّوْرِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا
وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ بَقِيَ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا بِإِجْمَاعٍ لَا خِلَافَ فِيهِ
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ التَّابِعِينَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ دُونَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا لَهَا فِعْلُهُ وَهُوَ لَمَّا أَبَى مِنَ الْإِسْلَامِ جَاءَ الْفَسْخُ مِنْ قِبَلِهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ
وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ - (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُمَا تَنَاكَحَا عَلَى دِينِهِمَا ثُمَّ أَتَى مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسِيسٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ شَيْءٌ

(5/432)


وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِإِجْمَاعٍ أَيْضًا
فَهَذَا حُكْمُ الذِّمِّيَّيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ
وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْوَثَنِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(4 - بَابُ إِرْخَاءِ السُّتُورِ)
1069 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب أن عمر بن الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ
1070 - مالك عن بن شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ
مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا صُدِّقَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ
قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَسِيسِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي وَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ دَخَلَتْ عليه في بيته فقال لم أمسها صُدِّقَتْ عَلَيْهِ
وَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عن بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ إِذَا خَلَا بِهَا حَيْثُ كَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وبن عُمَرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَخَلَا بِهَا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ رَوَاهُ عَنْ عُمْرَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ
وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ وَحَمَّادٌ وَإِبْرَاهِيمُ عن عمر

(5/433)


وَأَمَّا الْمَدَنِيُّونَ فَحَدَّثَ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أن رجلا اختلى امراته فِي طَرِيقٍ فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ الصَّدَاقَ كَامِلًا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا قَالَا إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَلَهَا الصَّدَاقُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
رَوَاهُ سَعِيدٌ وَمَعْمَرٌ وَشُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ
وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ عِنْدَهَا فَأَرْسَلَ لَهَا مَرْوَانُ إِلَى زَيْدٍ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا فَقَالَ مَرْوَانُ إِنَّهُ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَكُنْتَ تُقِيمُ عليها الحد
وأما بن عُمَرَ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ إِذَا أُجِيفَتِ الْأَبْوَابُ وَأُرْخِيَتِ السُّتُورُ وَجَبَ الصَّدَاقُ
وَقَالَ مَكْحُولٌ اتَّفَقَ عُمَرُ وَمُعَاذٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُغْلِقَ الْبَابُ وأرخي الستر وجب الصداق
وعن بن عُلَيَّةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّهُ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ ووجبت العدة
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي مَكَّةَ فَخَطَبْتُ امْرَأَةً فَأَتَيْتُ أَبِي وَهُوَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ لَا تَذْهَبْ هَذِهِ السَّاعَةَ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ حَارَّةٌ نِصْفَ النَّهَارِ قَالَ فَذَهَبْتُ وَخَالَفْتُهُ وَتَزَوَّجْتُهَا فَقَالُوا لَوْ دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَدَخَلْتُ فَأَرْخَيْتُ السُّتُورَ وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ عَلَتْهَا كَبْرَةٌ فَنَدِمْتُ فَأَتَيْتُ أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لَقَدْ خَدَعَكَ الْقَوْمُ لَزِمَكَ الصَّدَاقُ
قَالَ سُفْيَانُ وَهِيَ مِنْ آلِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْخَلْوَةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ تُوجِبُ الْمَهْرَ أَمْ لَا
فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهَا تُوجِبُ الْمَهْرَ إِنِ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ إِنَّهُ قَدْ مَسَّنِي إِذَا كَانَتِ الْخَلْوَةُ خلوة بناء

(5/434)


وَهُوَ عِنْدُهُمْ مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِيمَا ادَّعَتْ مِنْ مَسِيسِهَا لِأَنَّ الْبَيْتَ فِي الْبِنَاءِ بَيْتُ الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ الْإِسْكَانُ فَمَعْنَى قَوْلِ سَعِيدٍ فِي بَيْتِهِ أَيْ دُخُولٌ ابْتَنَى فِي بَيْتِ مُقَامِهَا وَسُكْنَاهَا
وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي بَيْتِهَا يَقُولُ إِذَا زَارَهَا فِي بَيْتِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا أَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا دُخُولَ بِنَاءٍ وَلَا اهْتِدَاءٍ فَادَّعَتْ أَنَّهُ مَسَّهَا وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ
وَمِثْلُ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ فَالْقَوْلُ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِيَدِهِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ وَهُوَ فِيمَا زَادَ مُدَّعٍ
وَهَذَا أَصْلُهُ فِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ لَهُ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ كَالْيَدِ وشبهها
وقد روى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنَ الْمَسِيسِ إِذَا خَلَا بِهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ بَيْتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَجَحَدَ الْمَسِيسَ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنِ اتَّفَقَ عَلَى أَنْ لَا مَسِيسَ لَمْ تُوجِبِ الْخَلْوَةُ مَعَ إِغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السِّتْرِ شَيْئًا مِنَ الْمَهْرِ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا خَلَا بِهَا فَقَبَّلَهَا أَوْ كَشَفَهَا أَوِ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا فَلَا أرى لها إلا نِصْفَ الْمَهْرِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِنْ تَطَاوَلَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا إِلَّا أَنْ تُحِبَّ أَنْ تَضَعَ لَهُ مَا شَاءَتْ
وَذَكَرَ عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَتَمْكُثُ عِنْدَهُ الْأَشْهُرَ وَالسَّنَةَ يُصِيبُ مِنْهَا مَا دُونَ الْجِمَاعِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَامِلَةً
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ تَمْنَعُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنَ الْمَهْرِ وَتُوجِبُ الْمَهْرَ كُلَّهُ بَعْدَ الطلاق وطىء أَوْ لَمْ يَطَأْ ادَّعَتْهُ أَوْ لَمْ تَدَّعِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَائِضًا فَإِنْ كَانَتِ الْخَلْوَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَجِبْ لَهَا إِلَّا نِصْفُ المهر
ولم يفرقوا بين بينه وبينها وَلَا دُخُولِ بِنَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ إِذَا صَحَّتِ الْخَلْوَةُ بِإِقْرَارِهِمَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ في جميع هذه الوجوه

(5/435)


وقال بن أَبِي لَيْلَى يَجِبُ بِالْخَلْوَةِ كَمَالُ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةُ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي إِغْلَاقِ الْبَابِ وإرخاء الستور
وهو قول عطاء
قال بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إِذَا أَغْلَقَ عَلَيْهَا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَإِنْ أَصْبَحَتْ عَوْرَاءَ أَوْ كَانَتْ حائضا كذلك بالسنة
وقد قال بن شُبْرُمَةَ إِنِ اجْتَمَعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا فَنِصْفُ الْمَهْرِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا إِذَا خَلَا بِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ
قَالَ سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ عُمَرُ مَا ذَنْبُهُنَّ إِنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا عِنْدَهُمْ قِيَاسٌ عَلَى تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إلى المشتري أنه يلزمها ثمنها فنصفها أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَقَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا أَنَّهُ إِنْ أَرْخَى عَلَيْهَا سِتْرًا أَوْ أَغْلَقَ بَابًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنِ ادَّعَتْ مَعَ ذَلِكَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ
وَقَالَ اللَّيْثُ إِذَا أَرْخَى عَلَيْهَا سِتَارَةً فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ
وَقَالَ النَّخَعِيُّ إِذَا اطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمُ الْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِيمَنْ أَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا خَلَا بِهَا وَلَمْ يُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثور وداود
وروي ذلك عن بن مسعود وبن عباس

(5/436)


ذكر أبو بكر عن بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ جَلَسَ بيت رِجْلَيْهَا
قَالَ وَحَدَّثَنِي فُضَيْلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طاوس عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَطَاوُسٍ
رواه بن جريج ومعمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إِذَا لَمْ يُجَامِعْهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ خَلَا بِهَا
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا قَضَى فِي رَجُلٍ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ لَمْ أُصِبْ مِنْهَا وَصَدَّقَتْهُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ فَعَابَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ قَضَيْتُ بِكِتَابِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الْبَقَرَةِ 237
وَقَالَ تَعَالَى (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الْأَحْزَابِ 49 فَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خِطَابِهِ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ الْخَلْوَةَ دُونَ وَطْءٍ مُسَبِّبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(5 - بَابُ الْمُقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ)
1071 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا ((لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ (1) إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وبن شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ)) فَقَالَتْ ثَلِّثْ

(5/437)


قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ وَهُوَ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ قَدْ سَمِعَهُ أَبُو بكر من عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الطُّرُقَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَأَحْسَنُهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالُوا حدثنا بن جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَتْهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذِكْرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ((إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ أُسَبِّعْ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي))
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ وَلَا أَصْحَابُهُ
وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوهُ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِحَدِيثٍ بَصْرِيٍّ
1072 - مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ الَّتِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ قَالَ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ يَقُولُ إِنْ أَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ أَوِ الثَّيِّبِ سَبْعًا أَقَامَ عِنْدَ سَائِرِ نِسَائِهِ سَبْعًا سَبْعًا وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا أَقَامَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَتَأَوَّلُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ أَيْ دُرْتُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ
وَفِي هَذَا الْبَابِ عَجَبٌ لِأَنَّهُ صَارَ فِيهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَصَارَ فِيمَا رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ البصرة

(5/438)


وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ وَذِكْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالطَّبَرِيُّ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى غَيْرَ الَّذِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ وَلَا يُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا
وَقَالَ بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مُقَامُهُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا إِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةً أخرى واجب
وقال بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي بَيْتِ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا
وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ لِلْبِكْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقْسِمُ وَإِنْ تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ وَلَهُ امْرَأَةٌ كَانَ لَهَا لَيْلَتَانِ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا
قَالَ وَقَدْ سَمِعْنَا حَدِيثًا آخَرَ
قَالَ يُقِيمُ مَعَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَمَعَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ إِلَّا كَمَا يُقِيمُ عِنْدَ الْأُخْرَى
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لهما سواء ولم يكن رسول الله يُؤْثِرُ وَاحِدَةً عَنِ الْأُخْرَى
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ إِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ يَعْنِي بِمِثْلِ ذَلِكَ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَنِ التَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الِاخْتِلَافِ كَالَّذِي بَيْنَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ وَهُوَ الصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

(5/439)


فَمِنْهَا مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا))
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدِيثَ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ فِيمَا زَعَمُوا وَأَخْطَأَ فِيهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ فَمَرْفُوعٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَفْعِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا
ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَقَوْلُهُ فِيهِ السُّنَّةُ دَلِيلٌ عَلَى رَفْعِهِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا وَكَانَتْ ثَيِّبًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ دَلَّ على أن ذلك حق من حقوقها فَمُحَالٌ أَنْ يُحَاسَبَا بِذَلِكَ
وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ وَاجِبٌ لَهُمَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ زَوْجَةٌ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا)) وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ مِمَّنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُقَامِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى سَائِرِ نِسَائِهِ
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ إِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِهِ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ إِنْ شَاءَ أَقَامَ عِنْدَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُقِمْ فَإِنْ أَقَامَ عِنْدَهَا فَفِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عِنْدَهَا إِلَّا لَيْلَةً دَارَ
وَكَذَلِكَ إِنْ أَقَامَ ثَلَاثًا دَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ
فَالْقَوْلُ عِنْدِي أَوْلَى بِاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِقَوْلِهِ ((لِلْبِكْرِ سَبْعٌ

(5/440)


وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ)) وَقَوْلِهِ ((مَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا)) وَبِاللَّهِ تَعَالَى التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل
(6 - باب ما لَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ)
1073 - مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يخرج بها من بلدها فقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ
قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا أَنْكِحَ عَلَيْكِ وَلَا أَتَسَرَّى إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقَةٍ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ بَلَاغُ مَالِكٍ هَذَا مُتَّصِلًا عَنْ سَعِيدٍ
ذكره أبو بكر قال حدثني بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا
قَالَ يُخْرِجُهَا إِنْ شَاءَ
وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ فَأَعْلَى مَنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ
ذَكَرَهُ بن أبي شيبة وعبد الرزاق قال حدثني بن عيينة عن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ رُفِعَ إِلَيْهِ رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال عَلِيٌّ شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهِمْ أَوْ قَالَ قَبْلَ شَرْطِهَا وَلَمْ يَرَ لَهَا شَيْئًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ شَرَطَ لَهَا دَارَهَا أَيْ شَرَطَ لَهَا أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا وَلَا يُرَحِّلَهَا عَنْهَا
وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) الطَّلَاقِ 6
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ - أَبُو أُمَيَّةَ - قَالَ سَأَلْتُ أَرْبَعَةً الْحَسَنَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أُذَيْنَةَ وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَهِشَامَ بْنَ هُبَيْرَةَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالُوا لَيْسَ شَرْطُهَا بِشَيْءٍ وَيَخْرُجُ بِهَا إن شاء

(5/441)


وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَا يُخْرِجُهَا إِنْ شَاءَ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ يَذْهَبُ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا شَرْطَ لَهَا
وَقَالَ طَاوُسٌ لَيْسَ الشَّرْطُ بِشَيْءٍ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُسَامَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ حُوَيٍّ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُهُ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ طَاوُسًا قَالَ قُلْتُ الْمَرْأَةُ تَشْتَرِطُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنِّي عِنْدَ أَهْلِي لَا يُخْرِجُنِي مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ اشْتَرَطَتْ شَرْطًا عَلَى رَجُلٍ اسْتَحَلَّ بِهِ فَرْجَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَفِيَ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَصَحُّ عَنْ طَاوُسٍ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَعْلَاهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ سَمِعَ عُمَرَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ عُمَرُ لَهَا شَرْطُهَا وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ومقاطع الحقوق عند الشروط
ورواه بن عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ
وَرَوَى كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ عُمَرَ بِمَعْنَاهُ
قَالَ أَبُو بكر وحدثني بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ إِذَا شَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحَلَّ من فرجها
قال وحدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زناد أَنَّ امْرَأَةً خَاصَمَتْ زَوْجَهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ لَهَا دَارَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْهَا فَقَضَى عُمَرُ أن لها دارها لا يخرجها منها
وقال وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوِ اسْتَحْلَلْتَ فَرْجَهَا بِزِنَةِ أُحُدٍ ذَهَبًا لَأَخَذْتُكَ بِهِ لَهَا
وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حِطَّانَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالا يخرجها

(5/442)


فَقَالَ يَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا فَبِأَيِّ كَذَا فَبِأَيِّ كَذَا فَرَجَعَا
قَالَ أبو عمر ذكر بن القاسم وبن وَهْبٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ إِذَا اشْتَرَطَ لَهَا أَلَّا يَخْرُجَ بِهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا
وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَطَ أَلَّا يَنْكِحَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ يَقِلَّ ذَلِكَ بِيَمِينِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَمْلِيكٍ فَتَلْزَمُهُ يَمِينُهُ تِلْكَ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ إِنْ شَرَطَ فِي النِّكَاحِ أَنْ لَا يَنْكِحَ وَلَا يَتَسَرَّى فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ إِلَّا أَنْ يَقُولَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ
قَالَ وَكُلُّ شَرْطٍ فِي نِكَاحٍ فَالنِّكَاحُ يَهْدِمُهُ الطَّلَاقُ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَفِيَ لَهَا بِشَرْطِهَا وَلَا يُخْرِجَهَا وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا إِنْ شَاءَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطِ أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشُّرُوطِ عِنْدَهُمْ فِي النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَالتَّسَرِّي فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ لَمْ يَفِ لَهَا أَكْمَلَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالْمَهْرُ عِنْدَهُ مَعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَاسِدٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا
وَعِنْدَ مَالِكٍ الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا مَا سَمَّى لَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وبن شُبْرُمَةَ لَهَا شَرْطُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهَا
زاد بن شُبْرُمَةَ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا حَلَالًا
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ فِي رِوَايَةٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَضَى فِي امْرَأَةٍ شَرَطَ لَهَا دَارَهَا قَالَ شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ مَنْ أَلْزَمَهُ الْوَفَاءَ بِمَا شَرَطَ لَهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يَنْكِحَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ

(5/443)


وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الشُّرُوطَ شَيْئًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ))
وَمَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حكم الله وحكم رسوله أوفي مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ
وَاللَّهٌ قَدْ أَبَاحَ نِكَاحَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ مِنَ الْحَرَائِرِ وَمَا شَاءَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِامْرَأَتِهِ حَيْثُ شَاءَ وَيَنْتَقِلَ بها من حيث انتقل
وكل شرط يخرج الْمُبَاحَ بَاطِلٌ وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(7 - بَابُ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ)
1074 - مَالِكٌ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنِ الزَّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتُرِضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ ((لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ))
1075 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا

(5/444)


قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَجُمْهُورِ رُوَاةِ ((الْمُوَطَّأِ)) مرسل
ورواه بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ عَنِ الزَّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ فَوَصَلَهُ وَأَسْنَدَهُ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَهُوَ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ وُجُوهٍ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا قَدْ رَفَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَائِشَةَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَمِنْ أَحْسَنِهَا مَا حَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعَهَا تَقُولُ جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال ((أو تريدي أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)) قَالَتْ - وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ - فَنَادَى فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا تَجْهَرُ بِهِ هَذِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْبَابِ من رواية هشام بن عروة ورواية بن شِهَابٍ حَدِيثٌ ثَابِتٌ إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ ذِكْرُ طَلَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ لِامْرَأَتِهِ تَمِيمَةَ الْمَذْكُورَةِ فَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْمٌ شَذُّوا عَنْ سَبِيلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْجِيلِ العنين فأبطلوه منهم بن عُلَيَّةَ وَدَاوُدُ وَقَالُوا قَدْ شَكَتْ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ زَوْجَهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مَثَلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَلَمْ يُؤَجِّلْهُ وَلَا حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ
قَالُوا وَهُوَ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ لَا قِيَامَ لِلْمَرْأَةِ بِهِ فَخَالَفُوا جَمَاعَةَ الْفُقَهَاءِ وَالصَّحَابَةَ بِرَأْيٍ مُتَوَهَّمٍ وَتَرَكُوا النَّظَرَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبُغْيَةَ مِنَ النِّكَاحِ

(5/445)


الْوَطْءُ وَابْتِغَاءُ النَّسْلِ وَأَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ كَحُكْمِهِ لَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَذْكُرْ قِصَّةَ زَوْجِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ إِلَّا بَعْدَ طَلَاقِهِ وَبَعْدَ فِرَاقِهِ لها فأي تأجيل يكون ها هنا
وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَإِذَا صَحَّ طَلَاقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِزَوْجِهِ هَذِهِ بَطَلَتِ النُّكْتَةُ الَّتِي بِهَا نَزَعَ مَنْ أَبْطَلَ تَأْجِيلَ الْعِنِّينِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَدْ قَضَى بِتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَالزَّبِيرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ بِالْفَتْحِ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى وَجُمْهُورُ الرِّوَايَةِ لِلْمُوَطَّأِ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا
وَقَدْ قيل عن بن بُكَيْرٍ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِالضَّمِّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُمْ زَبِيرِيُّونَ مِنْ وَلَدِ الزَّبِيرِ بْنِ بَاطَا الْيَهُودِيِّ الْقُرَظِيِّ قُتِلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَلَهُ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ مَحْفُوظَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي ((السِّيَرِ))
1076 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعده رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا
فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُحَلِّلِ إِنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فإن أصابها في ذلك فله مَهْرُهَا
فَهَذَا مِنْهُ حُكْمٌ بِأَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ فَاسِدٌ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إِلَّا الْمَهْرَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ دَلِيلٌ عَلَى

(5/446)


أَنَّ إِرَادَةَ الْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ إِلَى زَوْجِهَا لَا يَضُرُّ الْعَاقِدَ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى التَّحْلِيلِ الْمُوجِبِ لِصَاحِبِهِ اللَّعْنَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
وَفِيهِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا يُحَلِّلُهَا لِزَوْجِهَا إِلَّا طَلَاقُ زَوْجٍ قَدْ وَطِئَهَا وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ
وَمَعْنَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ هُوَ الْوَطْءُ
وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ جَائِزٌ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأَوَّلِ إِذَا طَلَّقَهَا الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهَا وَأَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ وَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الْبَقَرَةِ 23 فَإِنْ طَلَّقَهَا - أَعْنِي الثَّانِيَ - فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا وَقَدْ طَلَّقَهَا
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ مَسِيسٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَابَتْ عَنْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ
وَانْفَرَدَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَطَأَهَا الثَّانِي وَطْأً فِيهِ إِنْزَالٌ وَقَالَ مَعْنَى الْعُسَيْلَةِ الْإِنْزَالُ
وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يُحَلِّلُهَا لِزَوْجِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُفْسِدُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ يُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ وَيُحَصِّنُ الزَّوْجَيْنِ وَيُوجِبُ كَمَالَ الصَّدَاقِ
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وجمهور الفقهاء
وقال مالك وبن الْقَاسِمِ لَا يُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ إِلَّا الْوَطْءُ الْمُبَاحُ فَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ فِي صَوْمٍ أَوِ اعْتِكَافٍ أو حج أو في حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لَمْ يُحِلَّ الْمُطَلَّقَةَ وَلَا يُحِلُّ الذِّمِّيَّةَ عِنْدَهُمْ وَطْءُ زَوْجٍ ذِمِّيٍّ لِمُسْلِمٍ وَلَا وَطْءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُحِلُّهَا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَوَطْءُ كُلِّ زوج بعد وطئه وَطْأً وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ إِذَا كَانَ مُرَاهِقًا
وَلَيْسَ وَطْءُ الطِّفْلِ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِشَيْءٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَ الْعُسَيْلَةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَوِيُّ النِّكَاحِ وَضَعِيفُهُ

(5/447)


قَالَ وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَطَأُ مِثْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ وَالْمَجْنُونُ وَالْخَصِيُّ الَّذِي قَدْ بَقِيَ مَعَهُ مَا يُغَيِّبُهُ في الفرج يحلون المطلقة لزوجها
قال وَتَحِلُّ الذِّمِّيَّةُ لِلْمُسْلِمِ بِوَطْءِ زَوْجٍ ذِمِّيٍّ لَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ
قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهَا (مُحْرِمًا أَوْ أَصَابَهَا حَائِضًا أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً كَانَ عَاصِيًا وَأَحَلَّهَا وَطْؤُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ نحو مذهب الشافعي ونحو مذهب بن الْمَاجَشُونِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ
وَاخْتَلَفُوا فِي عُقْدَةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ
فَقَالَ مَالِكٌ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) وَغَيْرِهِ إِنَّهُ لَا يُحِلُّهَا إِلَّا نِكَاحُ رَغْبَةٍ وَأَنَّهُ إِنْ قَصَدَ التحريم لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَا أَوْ لَمْ يَعْلَمَا لَا تَحِلُّ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ قَصَدَ إِلَى التَّحْلِيلِ وَلَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ
وَهُوَ قَوْلُ بن أَبِي لَيْلَى فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ وَأَجَازَ النِّكَاحَ
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ بِئْسَ مَا صَنَعَ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ
وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إِذَا تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا
فَمَرَّةً قالوا لا تحل له بهذا النكاح
فمرة قَالُوا تَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ إِذَا كَانَ مَعَهُ وَطْءٌ أَوْ طَلَاقٌ
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زَيْدٍ إِذَا شَرَطَ تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونَانِ مُحْصَنَيْنِ بِهَذَا التزويج إذا وطىء
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فاسد ولها مهر المثل لا يُحْصِنُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَذْكُرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَمَا شُرُوطُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَاخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ الله تعالى

(5/448)


وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَقَالَ أَتَزَوَّجُكِ لِأُحِلَّكِ ثُمَّ لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ له الوطء على هذا وإن وطىء لَمْ يَكُنْ وَطْؤُهُ تَحْلِيلًا
قَالَ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا مُطْلَقًا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَا اشْتُرِطَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلُ إِلَّا أَنَّهُ نَوَاهُ وَقَصَدَهُ فَلِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ الْعِرَاقِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ
وَالْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي كِتَابِهِ ((الْجَدِيدِ)) الْمِصْرِيِّ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ التَّحْلِيلَ فِي قَوْلِهِ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بِالتَّحْلِيلِ فَسَدَ النِّكَاحُ
وَقَالَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الزَّوْجَانِ
قَالَ وَهُوَ مَأْجُورٌ بِذَلِكَ
وَكَذَلِكَ قَالَ رَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ مَأْجُورٌ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا بَأْسَ بِالنِّكَاحِ وَتَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْمُحَلِّلُ عَلَى نِكَاحِهِ
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدُ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا مَأْجُورًا
وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي حِينِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِرْفَاقَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ

(5/449)


وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ ((أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى التَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ هُوَ الْمُحَلِّلُ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَةَ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ لِلتَّحْلِيلِ لَا مَعْنَى لَهَا إِذَا لَمْ يُجَامِعْهَا الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِيَدِهَا فَوَجَبَ أَلَّا تَقْدَحَ إِرَادَتُهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ
وَكَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ أَحْرَى أَلَّا يُرَاعَى لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إِمْسَاكِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَلَا فِي طَلَاقِهِ إِذَا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تَبْقَ إِلَّا إِرَادَةُ الزَّوْجِ النَّاكِحِ فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ عُلِمَ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ دَخَلَ تَحْتَ اللَّعْنَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ
وَلَا فَائِدَةَ لِلَّعْنَةِ إِلَّا إِفْسَادُ النِّكَاحِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالْمَنْعُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَكُونُ محللا فيفسد نكاحه
وها هنا يَكُونُ إِجْمَاعًا مِنَ الْمُشَدِّدِ وَالْمُرَخِّصِ وَهُوَ الْيَقِينُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَنَّهُ قَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلِ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَشْدِيدًا وَتَغْلِيظًا وَتَحْذِيرًا لِئَلَّا يُوَاقِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ كَنَحْوِ مَا هَمَّ بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَحْرِقَ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بُيُوتَهُمْ
وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا هَذَا عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ أنه درأ الحد عن رجل وطىء غَيْرَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَإِذَا بَطَلَ الْحَدُّ بِالْجَهَالَةِ بَطَلَ بِالتَّأْوِيلِ لِأَنَّ الْمُتَأَوِّلَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُصِيبٌ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَاهِلِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ في قول بن عُمَرَ إِذْ سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا السِّفَاحَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ الْحُدُودُ كَالنِّكَاحِ فِي هَذَا لِأَنَّ الحد ربما درىء بِالشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحُ إِذَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ سُنَّةٍ وَطَابَقَ النَّهْيَ فَسَدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفُرُوجَ مَحْظُورَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا - عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ لَا الْمَحْظُورِ الْمَنْهِيِ عَنْهُ
وَلَعْنُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ كَلَعْنِهِ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُفْسَخُ أَبَدًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

(5/450)


(8 - بَابُ مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ)
1077 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا))
قَالَ أَبُو عُمَرَ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ قال حدثني بن نمير عن بن إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا))
وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ قَالَ حَدَّثَنِي بن الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلَهُ
وَأَمَّا طُرُقُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمُتَوَافِرَةٌ
رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَإِنْ عَلَتْ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَإِنْ عَلَتْ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وإن سفلت

(5/451)


وَهَذَا فِي مَعْنَى تَفْسِيرِ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) النِّسَاءِ 23 أَنَّهَا الْأُمُّ وَإِنْ عَلَتْ وَالِابْنَةُ وَإِنْ سَفَلَتْ وَكَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ عَمَّتِهَا عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْخَالَةِ مَعَ بِنْتِ أُخْتِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
وَهَذَا كُلُّهُ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ هَذَا الْمَعْنَى مَكْشُوفًا بِمَا حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بن فُضَيْلٍ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلَا تَتَزَوَّجُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى))
قَالَ أَبُو عُمَرَ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ
أَحَدُهُمَا عَنْ جَابِرٍ
وَالْآخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَعَسَّفَ فَجَعَلَهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةُ بَيَانٍ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا قَالَ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) النِّسَاءِ 23 بِأَنَّ بِذَلِكَ مَا عَدَا النِّسَاءَ الْمَذْكُورَاتِ دَاخِلَاتٌ فِي التَّحْلِيلِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ - (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النِّسَاءِ 24 فَكَانَ هَذَا مِنَ الزَّمَنِ مَا كَانَ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُجْمَعَ الْمَرْأَةُ مَعَ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا فِي عِصْمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ هَذَا زِيَادَةَ بَيَانٍ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا وَرَدَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَسْحُهُمَا وَمَاسِحُ الْخُفَّيْنِ لَيْسَ بِمَاسِحٍ عَلَيْهِمَا وَلَا غَاسِلٍ لَهُمَا
وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا فِيهِ فَارْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ تَوَهُّمُ نَسْخِ الْقُرْآنِ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) نَزَلَ بَعْدَهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ بَيَانٍ كَمَا لَوْ نَزَلَ بِذَلِكَ قُرْآنٌ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الْأَحْزَابِ 34 يَعْنِي الْقُرْآنَ والسنة

(5/452)


وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ)) وَأَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ أَمْرًا مُطْلَقًا وَأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النُّورِ 63
وَقَدْ تَنَطَّعَتْ فِرْقَةٌ فَقَالُوا لَمْ يُجْمِعِ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ بِمَعْنَى نَصِّ الْقُرْآنِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - نِكَاحُ الْأَخَوَاتِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ نِكَاحُ أُخْتِهِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ وَحَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ فِرْقَةٌ تَنَطَّعَتْ وَتَكَلَّفَتْ فِي اسْتِخْرَاجِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْإِجْمَاعِ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتِّبَاعَ غَيْرِ سبيل المؤمنين واستحال أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعَ الِاخْتِلَافِ كُلٌّ يَتَّبِعُ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ مَا أَجْمَعَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَارَقَ جَمَاعَتَهُمْ وَخَلَعَ الْإِسْلَامَ مِنْ عُنُقِهِ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا فَوَضَحَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَتَى صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى حُجَّةٍ تُسْتَخْرَجُ بِرَأْيٍ لَا يُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا))
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَاهُ كَرَاهِيَةُ الْقَطِيعَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ رَحِمٍ مُحَرِّمَةٌ أَوْ غَيْرُ مُحَرِّمَةٍ فَلَمْ يُجِيزُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ وَلَا بَيْنَ ابْنَتَيْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ
رُوِيَ ذلك عمن إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وقتادة وعطاء على اختلاف عنه

(5/453)


وروى بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يجمع بين ابنتي العم
وعن بن عيينة وبن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ حَسَنَ بْنَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ نَكَحَ ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنَةَ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ جَمَعَ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فَأَصْبَحَ نِسَاؤُهُمْ لَا يدرين إلى أيتهما يذهبن
قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ عَمِّهَا قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ بن جُرَيْجٍ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَطَاءٍ لَا يُقَاسُ به فيه بن أَبِي نَجِيحٍ وَلَا غَيْرُهُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ ابْنَتَيِ الْعَمِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ - أَئِمَّةُ الْفَتْوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِنَّمَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى اعْتِبَارًا بِالْأُخْتَيْنِ وَلَيْسَ ابْنَةُ الْعَمِّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى
وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ إِذَا جَعَلْتَ مَوْضِعَ إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ قُلْتُ لَهُ عَمَّنْ هَذَا فَقَالَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وروى الثوري عن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا
قَالَ سُفْيَانُ تَفْسِيرُ هَذَا عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّسَبِ وَلَا تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَةِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِنْ شَاءَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمْعِ الرَّجُلِ فِي النِّكَاحِ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ والشام إلا بن أَبِي لَيْلَى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ
وَقَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَى ذَلِكَ الْحَسَنُ وَعَلِيٌّ وَعِكْرِمَةُ وَخَالَفَهُمْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا

(5/454)


وَرُوِيَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ رَجُلَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ مِثْلُ ذَلِكَ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ قُثَمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا
قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ فَرْحَاءَ - رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وابنته من غيرها
قال وحدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا
وَعَنْ سليمان بن يسار وبن سِيرِينَ وَرَبِيعَةَ مِثْلُهُ فِي جَوَازِ جَمْعِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رجل وابنته من غيرها
ذكره بن أبي شيبة عن بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ
وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ فضيل عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ
وَاعْتَلُّوا بِالْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا بِأَنَّ إِحْدَاهُمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى
وَقَدْ أَبْعَدَ مِنْ هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنْ قَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ مَوْضِعَ الْمَرْأَةِ ذَكَرًا لَحَلَّ لَهُ الْأُنْثَى لِأَنَّهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ ابْنَةَ رَجُلٍ أجنبي وإذا كان موضع البنت بن لَمْ يَحِلَّ لَهُ امْرَأَةُ أَبِيهِ
1078 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ والحمد لله
وأما قوله وإن وطىء الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ

(5/455)


وَمَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفَعُ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ))
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً حَامِلًا مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ قَالَ لَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يُلِمَّ بِهَا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ أَيُوَرِّثُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ أَوْ يَسْتَعْبِدُهُ وَهُوَ قَدْ غَذَّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
وَرَوى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ وَنَادَى مُنَادِيهِ بِذَلِكَ لَا تَوْطَئُوا حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرَ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا غَيْرَ حَامِلٍ حَتَّى يَعْلَمَ بَرَاءَةَ رحمها من ماء غيره
واختلفوا فيمن وطىء حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ مَا حُكْمُ ذَلِكَ الْجَنِينِ
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنْ لَا يُعْتَقَ ذَلِكَ الْجَنِينُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يُعْتَقُ وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ سَلَفٌ مِنَ التَّابِعِينَ
وَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا يُعْتَقَ أَوْلَى فِي النَّظَرِ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَيْسَتْ هَذِهِ طَرِيقَهَا وَلَا أَصْلَ يُوجِبُ عِتْقَهُ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَأَلْزَمَهُ يَدَيْهِ حَتَّى يَجِبَ فِيهَا الْوَاجِبُ بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا أَصْلَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(9 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ)
1079 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ
1080 - مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وهو بالكوفة

(5/456)


عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إن بن مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الربائب فرجع بن مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23
فَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الِابْنَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ أَوْ فِرَاقِهَا إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ حَتَّى فَارَقَهَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الرَّبِيبَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23 شَرْطٌ صَحِيحٌ فِي الرَّبَائِبِ اللَّاتِي فِي حُجُورِهِمْ
وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ تَكُنِ الرَّبِيبَةُ فِي حِجْرِهِ بِمَا سَنُورِدُهُ بَعْدُ فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاخْتَلَفُوا فِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ هَلْ دَخَلْنَ فِي شَرْطِ الدُّخُولِ أَمْ لَا
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْأُمُّ وَالرَّبِيبَةُ سَوَاءٌ لَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُخْرَى
وَتَأَوَّلُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا فِي ظَاهِرِهِ فَقَالُوا الْمَعْنَى وأمهات نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
وَزَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) رَاجِعٌ إِلَى الْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبِ
وَإِلَى هذا كان بن مَسْعُودٍ يَذْهَبُ فِيمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْكُوفَةِ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ نُبِّهَ عَلَى غَفْلَتِهِ فِي ذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْهُ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ رَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشيباني عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ فاستفتى بن مَسْعُودٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا إِنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ثم أتى بن مَسْعُودٍ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَ لِلرَّجُلِ إِنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ فَفَارِقْهَا

(5/457)


وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - فِيمَا أَحْسَبُ - هُوَ الذي رد بن مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هذا القول الذي كان بن مَسْعُودٍ أَفْتَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ
وَلَمْ يختلف عن بن الزُّبَيْرِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِيهَا
رَوَى سِمَاكُ بْنُ الفضل أن بن الزُّبَيْرِ قَالَ الرَّبِيبَةُ وَالْأُمُّ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِمَا إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرزاق عن بن جريج وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فقال أريد بهما جميعا الدخول
قال بن جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهُ ينكح أمها - إن شاء
قال بن جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ أَبِيهِ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بن علية عن بن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أيتزوج أمها قال قال هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أمها قال علي هي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا إِنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَإِنْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ - أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَصْحَابِهِمُ الْفَتْوَى
وَالْحَدِيثُ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خِلَاسًا يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ مَنَاكِيرَ وَلَا يُصَحِّحُ رِوَايَتَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَمُرْسَلُ قَتَادَةَ عَنْهُ أضعف

(5/458)


وجابر بن عبد الله وبن عَبَّاسٍ مُخْتَلِفٌ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ عَنْ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ إِلَّا بن الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَفِرْقَةٌ قَالَتْ بِذَلِكَ لَيْسَ لَهَا حُجَّةٌ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ فَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عنه
وقد قال بن جريج قلت لعطاء أكان بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فلم يعرف ذلك
قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا أَتَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا قَالَ لَا هِيَ مُرْسَلَةٌ
وَرَوَى هُشَيْمٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ فَأَرْسِلُوا مَا أَرْسَلَ اللَّهُ وَمَا بَيَّنَ فَاتَّبِعُوهُ فَكَانَ يَكْرَهُ الْأُمَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُرَخِّصُ فِي الرَّبِيبَةِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَيَقُولُ أَرْسَلَ اللَّهُ هَذِهِ وَبَيَّنَ هَذِهِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ
وَهُوَ قول بن عمر وبن مَسْعُودٍ
وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ طاوس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ
وَقَدْ رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا))
وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ
رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ طَلَاقًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا - إِنْ شَاءَ - وَإِنْ مَاتَتْ فَأَصَابَ مِيرَاثَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا

(5/459)


وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ
ويحتمل أن يكون ما ذكرناه عن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوْتَ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الطَّلَاقَ وَهُوَ عِنْدِي قَوْلٌ لَا حَظَّ لَهُ مِنَ النَّظَرِ لِأَنَّ إِصَابَتَهُ الْمِيرَاثَ لَيْسَ بِدُخُولٍ وَلَا مَسِيسٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَطَ الدُّخُولَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَجْمَعَ العلماء على أن من وطىء امْرَأَتَهُ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا وَأُمُّهَا وَأَنَّهُ قد اسْتَوْفَى مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ مِثْلَ اللَّمْسِ وَالتَّجْرِيدِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِ شَهْوَةٍ هَلْ ذَلِكَ كَالْوَطْءِ الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا وَإِلَى مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ هَلْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ الِابْنَةَ وَالْأُمَّ أَمْ لَا
وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي تَحْرِيمِ مَنْ حَرَّمَ مِنَ النِّسَاءِ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23
فَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتِ الْأُمُّ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا بِالسُّنَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْهُمْ فِي أَنَّ الْآيَةَ مُبْهَمَةٌ فِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ دَخَلَ بِهِنَّ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِذَا أَصَابَ الْأُمَّ بِذَلِكَ النِّكَاحِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الِابْنَةُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ كان العقد فاسدا لأن غيرنا يحرمه بالزنى فَتَحْرِيمُهُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى
وَقَدْ كَانَتِ الْأُمُّ مُحَرَّمَةً بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَةِ فَمِنْ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا جَمِيعًا وَحَرُمَتَا عَلَيْهِ أَبَدًا فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ إِلَّا بِشُبْهَةِ ذَلِكَ النِّكَاحِ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَقَرَّ مَعَ امرأته

(5/460)


وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الرَّبِيبَةِ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا بِنْتُ الرَّبِيبَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهَا
فَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا كَبَنَاتِ الْبَنَاتِ وَكَالْأُمَّهَاتِ وَأُمَّهَاتِ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ تَزَوُّجُ ابْنَةِ الرَّبِيبَةِ حَلَالٌ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَجَعَلُوهَا كَابْنَةِ الْعَمِّ وَابْنَةِ الْخَالَةِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا كَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ إِذَا بَيَّنَ وَأَحَلَّ بَنَاتِهِمَا
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - حِينَ حَرَّمَ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ قَالَ (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وراء ذالكم) النِّسَاءِ 24
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ
وَالْقَوْلُ فِي بِنْتِ الرَّبِيبَةِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ وَبِهِ أَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا ولا تحل لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
فَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يُغْنِي عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 22
وَلَمْ يَخُصَّ نِكَاحًا فَاسِدًا مِنْ صَحِيحٍ فَكُلُّ نِكَاحٍ يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَيَلْزَمُ فِيهِ الصَّدَاقُ يُحَرِّمُ مِنَ الْأُمِّ وَالِابْنَةِ عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ مَا يُحْرِّمُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ سَوَاءٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ مَالِكٌ فأما الزنى فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تحريم الزنى فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَّالِ

(5/461)


فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ جَوَّدَ مَالِكٌ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ العلماء في التحريم بالزنى وَهَلْ يُحَرِّمُ الْحَرَامُ حَلَالًا أَمْ لَا فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ هَلْ تَحِلُّ لَهُ الْأُمُّ أَمْ لا
فقال بن الْقَاسِمِ فِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) إِذَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ مَعًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ إِنْ شَاءَ
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَتَزَوَّجُهَا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي فِيهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَإِنْ مَسَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَفِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) لِابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَبَدًا وَيَتَزَوَّجُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا إِنْ شَاءَ كَانَتِ الْأُمَّ أَوْ الِابْنَةَ
وَفِي ((الْعُتْبِيَّةِ)) رَوَى أَصْبَغُ عَنِ بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا أَبَدًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالِابْنَةِ تزوجها إن شاء الله
وَهَذَا أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(10 - بَابُ نِكَاحِ الرجل أم امرأة أَصَابَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يُكَرَهُ)
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 22
قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا فَأَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبَوْهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ

(5/462)


بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23 ثُمَّ قَالَ (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ) النِّسَاءِ 23 ثُمَّ قَالَ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 22
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الْحَلَّالَ الصَّحِيحَ يُحَرِّمُ أُمَّ الْمَرْأَةِ أَوِ ابْنَتَهَا إِذَا دَخَلَ بِهَا
وَكَذَلِكَ كُلُّ نِكَاحٍ يُلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ وَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ يُحَرِّمُ أُمَّ الْمَرْأَةِ عَلَى أُمِّهَا وَيُحَرِّمُ رَبِيبَتَهَا إِذَا دَخَلَ بِهَا وَيُحَرِّمُ زَوْجَةَ الِابْنِ وَزَوْجَةَ الْأَبِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالسُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا وَأُمِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ زَنَا بِالْمَرْأَةِ هَلْ يَنْكِحُهَا ابْنُهُ أَوْ يَنْكِحُهَا أَبُوهُ وهل الزنى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ أَوِ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَمْ لَا
فَقَالَ مالك في ((موطئه)) إن الزنى بِالْمَرْأَةِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى مَنْ زَنَا بِهَا نِكَاحَ ابْنَتِهَا وَلَا نِكَاحَ أُمِّهَا وَمَنْ زَنَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بَلْ يقتل ولا يحرم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال
وهو قول بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن بن عباس وعقال فِي ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ
وَقَالَهُ بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب ومجاهد والحسن
وذكر بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ خِلَافَ مَا فِي ((الْمُوَطَّأِ))
فَقَالَ مَنْ زَنَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَارَقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ مَنْ نَكَحَ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَدَخَلَ بِهَا
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ مَنْ زَنَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
قَالَ سَحْنُونٌ أصحاب مالك كلهم يخالفون بن الْقَاسِمِ فِيهَا وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا فِي ((الْمُوَطَّأِ))
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ إِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا نَأْخُذُ بِهِ

(5/463)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ قول بن عَبَّاسٍ لَا يُحَرِّمُ حَرَامٌ حَلَالًا أَنَّهُ الرَّجُلُ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا زِنَاهُ بِهَا
وَقَالَ اللَّيْثُ إِنْ وَطِئَهَا وَهُوَ يَتَوَهَّمُ جَارِيَتَهُ لَمْ يُحَرِّمْهَا ذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْجَمِيعِ إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ
وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَجُلٍ زَنَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ قَالَ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قد خالفه بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ
والله عز وجل إنما حرم على المسلم تَزْوِيجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهَا وَكَذَلِكَ إِذَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أمها وابنتها
وكذلك ما وطىء أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطىء ابْنُهُ بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
وَقَدْ أَجْمَعَ هَؤُلَاءِ الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار الْمُسْلِمِينَ - أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَا بِهَا إِذَا اسْتَبْرَأَهَا فَنِكَاحُ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا أَحْرَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى مَنْ زَنَا بِهَا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(11 - بَابُ جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ)
1081 - مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ
وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ

(5/464)


هَكَذَا رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وَقَالَ فِيهِ بن وهب عن مالك عن نافع عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَكُلُّهُمْ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ مَعْنَى مَا رَوَاهُ عَنْهُ يَحْيَى فِي ((الْمُوَطَّأِ))
وَلِلشِّغَارِ في اللغة معنى لا مدخل له ها هنا وَذَلِكَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عِنْدَهُمْ مِنْ شِغَارِ الْكَلْبِ إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ حَالَ الصِّغَرِ إِلَى حَالٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْوُثُوبُ عَلَى الْأُنْثَى لِلنَّسْلِ
وَهُوَ عِنْدَهُمْ لِلْكَلْبِ عَلَامَةُ بُلُوغِهِ إِلَى حَالِ الِاحْتِلَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَلَا يَرْفَعُ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ إِلَّا وَهُوَ قَدْ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ يُقَالُ مِنْهُ شَغَرَ الْكَلْبُ يَشْغَرُ إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ فَبَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ
وَيُقَالُ شغرت المرأة شغرا إذا رفعت رجلها لِلنِّكَاحِ فَهَذَا مَعْنَى الشِّغَارِ فِي اللُّغَةِ
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَهُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلَيَّتَهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلَيَّتَهُ وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعُ هَذِهِ بِبُضْعِ هَذِهِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ((الْخَلِيلُ)) أَيْضًا فِي ((الْعَيْنِ))
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجُوزُ
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا وَقَعَ هَلْ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الشِّغَارِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَيُفْسَخُ أَبَدًا
قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار فلا خير في ذلك
قال بن الْقَاسِمِ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ فِي هَذَا إِنْ دَخَلَ وَيَثْبُتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُفْسَخُ فِي الْأَوَّلِ دخل أو لم يدخل على ما قاله مَالِكٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا وَيَشْرُطُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَهُمَا يَلِيَانِ أَمْرَهُمَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَهَذَا الشِّغَارُ
وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ هَذَا النِّكَاحِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ
قَالَ وَلَوْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِمَهْرِ المثل

(5/465)


والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثله إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مثله إِنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ أُزَوِّجُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تزوجني ابنتك وتكون لكل وَاحِدَةٍ بِالْأُخْرَى فَهُوَ الشِّغَارُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ
وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قوله فيمن نَكَحَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّغَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يُكْتَبُ النِّكَاحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ مَنْ أَبْطَلَ النِّكَاحَ فِي الشِّغَارِ وَسَائِرِ الْمُهُورِ الْمُحَرَّمَةِ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ فَهُوَ فِعْلٌ طَابَقَ النَّهْيَ فَفَسَدَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الْحَشْرِ 7 وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إذا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ))
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا - يَعْنِي سُنَّتَنَا - فَهُوَ رَدٌّ)) يَعْنِي مَرْدُودًا
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْعَقْدَ فِي الشِّغَارِ صَحِيحٌ وَالْمَهْرُ فَاسِدٌ وَيَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا مَهْرًا لِمُسْلِمٍ
وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ وَسَائِرُ مَا نهى عن ملكه أو ملك عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَسُنَّتِهِ
وَأَجْمَعُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ عَلَى الْمَهْرِ الْفَاسِدِ إِذَا فَاتَ بِالدُّخُولِ فَلَا يُفْسَخُ

(5/466)


لِفَسَادِ صَدَاقِهِ وَيَكُونُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنَ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا الْمَضْمُونَاتِ بِأَثْمَانِهَا
قَالُوا وَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ لِذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَكَذَلِكَ لَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا مُنْعَقِدًا حَلَالًا مَا صَارَ حَلَالًا بِالدُّخُولِ
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّزْوِيجَ يُضْمَنُ بِنَفْسِهِ لَا بِالْعِوَضِ بِدَلِيلِ تَجْوِيزِ اللَّهِ تَعَالَى النِّكَاحَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَذَلِكَ قَوْلُهُ (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) الْبَقَرَةِ 236 يُرِيدُ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَمَا لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فَلَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ دُونَ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ وَاقِعٍ إِلَّا عَلَى الزَّوْجَاتِ
وَكَوْنُهُنَّ زَوْجَاتٍ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ 1082 - مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَجْمَعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا
هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ وَهِيَ ثَيِّبٌ فِي دَرْجِ الْحَدِيثِ
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ فَجَعَلَهُ مِنْ بلاغ يحيى بن سعيد
ذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَمَجْمَعَ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ يُدْعَى خِدَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ فَكَرِهَتْ نِكَاحَ أَبِيهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَرَدَّ نِكَاحَ أَبِيهَا فَخُطِبَتْ فَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ
وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أنها كانت ثيبا
وروى بن عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَكَانَتْ ثَيِّبًا
ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِدَامٍ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَتَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَدَّ نِكَاحَهَا

(5/467)


هكذا رواه بن عُيَيْنَةَ لَمْ يُقِمْ إِسْنَادَهُ وَقَالَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا
قَالَ بن عُيَيْنَةَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ آلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُنْكِحَهَا وَلِيُّهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَجْمَعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ تُشْهِدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَمْرِي شَيْءٌ فَأَرْسَلَا إِلَيْهَا أَلَّا تَخَافِي فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِدَامٍ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَذْكُرِ بن عُيَيْنَةَ أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَيِّبًا وَلَا بِكْرًا
وَرَوَى حَدِيثَ خَنْسَاءَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ وَكَانَتْ أَيِّمًا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَخُطِبَتْ إِلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَارْتَفَعَ شَأْنُهَا إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهَا أَنْ يُلْحِقَهَا بِهَوَاهَا فَتَزَوَّجَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فذكر بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِ خَنْسَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَإِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا كَانَ حَدِيثًا مُجْتَمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ يَقُولُونَ إِنَّ الثَّيِّبَ لَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا
وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ فَهُوَ أَحْرَى بِاسْتِعْمَالِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَجَازُوا عَقْدَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي هَذَا الْكِتَابِ
وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا وَلَا لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ إِكْرَاهُهَا عَلَى النِّكَاحِ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصَرِيَّ
فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بن أبي شيبة قال حدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ نِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى ابْنَتِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أَكْرَهَهَا أَوْ لَمْ يُكْرِهْهَا
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ بن الْقَاسِمِ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْأَخِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ الثَّيِّبَ بِرِضَاهَا وَالْأَبُ يُنْكِرُ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْأَبِ
قَالَ مَالِكٌ مَا لَهُ وَلَهَا وَهِيَ مَالِكَةُ أَمْرِهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي الثَّيِّبِ لَا يَنْبَغِي لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بِرِضَاهَا

(5/468)


فَإِنِ اسْتَأْمَرَهَا أَمَرَتْهُ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُجِيزَهُ فَإِنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَإِنْ أَبْطَلَتْهُ بَطَلَ
قَالَ إِسْمَاعِيلُ أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِنْ أَجَازَتْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقُرْبِ اسْتَحْسَنَ إِجَازَتَهُ بِالْقُرْبِ كَأَنَّهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَنُورٍ وَاحِدٍ وَأَبْطَلَهُ إِذَا بَعُدَ لِأَنَّهُ عَقَدَهُ عَلَيْهَا - بِغَيْرِ أَمْرِهَا لَيْسَ بِعَقْدٍ ولا يقع فيه طلاق
وقال بن نَافِعٍ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ ثُمَّ بَلَّغَهَا فَقَالَتْ مَا أَرْضَى وَلَا أَمَرْتُهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ كُلِّمَتْ فِي ذَلِكَ فَرَضِيَتْ
قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَاهُ نِكَاحًا جَائِزًا وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَا جَدِيدًا إِنْ شَاءَتْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَإِنْ رَضِيَتْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنِي
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَتْ خَنْسَاءُ بِنْتُ خِدَامٍ هَذِهِ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَكَرِهَتْهُ وَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ))
1083 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ ولو كنت تقدمت فيه لرجمت
قال بن وَضَّاحٍ يَقُولُ هَذَا تَغْلِيظٌ مِنْ عُمَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجْمَ إِنَّمَا يَجِبُ على الزاني والزاني من وطىء فَرْجًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي وَطْئِهِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَسَرَّ ذَلِكَ فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا فِي مَنْزِلِهَا فَرَآهُ جَارٌ لَهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَقَذَفَهُ بِهَا فَخَاصَمَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَذَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى جَارَتِي وَلَا أَعْلَمُهُ تَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ قَدْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى شَيْءٍ

(5/469)


دُونٍ فَأَخْفَيْتُ ذَلِكَ قَالَ فَمَنْ شَهِدَكُمْ قَالَ أَشْهَدْنَا بَعْضَ أَهْلِهَا قَالَ فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْ قَاذِفِهِ وَقَالَ أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَحَصِّنُوا هَذِهِ الفروج
قال وحدثني بن فضيل عن ليث عن طاووس قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ قَدْ حَمَلَتْ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَتْ تَزَوَّجَنِي فُلَانٌ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُهَا بِشَهَادَةٍ مِنْ أُمِّي وَأُخْتِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَدَرَأَ عَنْهُمَا الْحَدَّ وَقَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ أَبِي يَقُولُ لَا يَصْلُحُ نِكَاحُ السِّرِّ
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ نافعا - مولى بن عُمَرَ - يَقُولُ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ نِكَاحُ سِرٍّ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ شَرُّ النِّكَاحِ نكاح السر
وروى معمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ السِّفَاحِ وَالنِّكَاحِ الشُّهُودُ
وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُعَاقَبُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ نِكَاحُ السِّرِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يُسْتَكْتَمَ الشُّهُودُ أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّهُودِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ إِلَى التستر وترك الإعلان
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَوْ تَزَوَّجَ بِبَيِّنَةٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُمُوا ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ النِّكَاحُ وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِسْرَارٍ جاز واستشهدا فيما يستقبلان
وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَيَسْتَكْتِمُهَا قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَهَا صَدَاقُهَا إِنْ كَانَ أَصَابَهَا وَلَا يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ إِنْ كَانَا جَهِلَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا أَتَيَا ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ عُوقِبَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَاهِدَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا اكْتُمَا جَازَ النِّكَاحُ
وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى صَاحِبِنَا قَالَ كُلُّ نِكَاحٍ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَدِّ السِّرِّ وَأَظُنُّهُ حَكَاهُ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ
وَالسِّرُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَصَاعِدًا وَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حال

(5/470)


قَالَ أَبُو عُمَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْعَقِدٌ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ الْمَالِكَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا وَوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ رِضَا الْوَلِيَّيْنِ فِي الصِّغَارِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْبَوَالِغِ الْكِبَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ
وَلَيْسَ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ عَقْدِ النِّكَاحِ
وَيَجُوزُ عَقْدُهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ
وَالْحُجَّةُ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْعَقْدِ قَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ الْبُيُوعِ فَالنِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ فِيهِ الْإِشْهَادَ أَحْرَى بِأَنْ لَا يَكُونَ الْإِشْهَادُ فِيهِ مِنْ شُرُوطِ فَرَائِضِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ الْإِعْلَانُ وَالظُّهُورُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَالْإِشْهَادُ يَصْلُحُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلتَّدَاعِي وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((أَعْلِنُوا النِّكَاحَ))
وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا هُوَ قول بن شِهَابٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ أَقَلُّ ذَلِكَ شَاهِدَا عَدْلٍ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ شُهُودُ النِّكَاحِ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْجُرْحَةُ فِي حِينِ الْعَقْدِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ أَعْمَيَيْنِ وَمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَفَاسِقَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِعْلَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي النِّكَاحِ هُوَ الْإِشْهَادُ فِي حِينِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْإِعْلَانِ الْعَدَالَةَ
وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصحابة علمته
وعن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ الْبِغَاءُ اللَّوَاتِي يُزَوِّجْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبَغِيَّ لَوْ أَعْلَنَتْ بِبَغْيِهَا حُدَّتْ وَلَمْ يَدْخُلْ إِعْلَانُهَا زِنَاهَا فِي بَابِ إِعْلَانٍ كَمَا أَنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ

(5/471)


حلالا كقول بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْإِشْهَادِ وَمَدْحٌ لَهُ وَنَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ وَذَمٌّ لَهُ لِيُوقَفَ عِنْدَ السُّنَّةِ فِيهِ وَلَا يُتَعَدَّى كَمَا قِيلَ كَسْرُ عَظْمِ الْمُؤْمِنِ مَيِّتًا كَكَسْرِهِ حَيًّا
وَمَعْلُومٌ أنه لا قول وَلَا دِيَةَ فِي كَسْرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا اشْتَبَهْنَ فِي الْإِثْمِ كَمَا أَشْبَهَ تَرْكُ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ بِمَا يُسْتَرُ مِنَ الْفَوَاحِشِ فِي غَيْرِ الْإِثْمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَجَعَلَهُ سِرًّا إِذْ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ الشَّهَادَةُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ
وَلَا مَدْخَلَ عِنْدَهُمْ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ كَمَا لَا مَدْخَلَ لَهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي الْحُدُودِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ
وَأَمَّا مَالِكٌ فَحُكْمُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ عِنْدَهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذا أعلنوه ويشهدون بعد متى شاؤوا
1084 - وقال مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنْ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا
قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا

(5/472)


قَالَ أَبُو عُمَرَ الْخَبَرُ بِهَذَا عَنْ عُمَرَ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ
وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ خِلَافُهُ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَتَزَوَّجُهَا إِنْ شَاءَ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يَتَزَوَّجُهَا إِنْ شَاءَ إِذَا انْقَضَتْ عدتها
وعن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِامْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا وَدُخِلَ بِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا الْأُولَى ثُمَّ تَعْتَدَّ مِنْ هَذِهِ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَدَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا
وَزَادَ مَالِكٌ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنَ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْآخَرُ فَهَؤُلَاءِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ قَالُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِ عُمَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدِ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ زَنَا بِهَا جَازَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ فَالنِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ أَحْرَى بِذَلِكَ
وَأَمَّا طُلَيْحَةُ هَذِهِ فَهِيَ طُلَيْحَةُ بِنْتُ عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التَّيْمِيِّ
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ ((الْمُوَطَّأِ)) مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيَّةُ وَذَلِكَ خَطَأٌ وَجَهْلٌ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ وَإِنَّمَا هِيَ تَيْمِيَّةٌ أُخْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدِ الْعَشْرَةِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ بن الْمُسَيَّبِ أَنَّ طُلَيْحَةَ بِنْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ نَكَحَتْ رشيد الثَّقَفِيَّ فِي عِدَّتِهَا فَجَلَدَهَا عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَضَى أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فِي

(5/473)


عِدَّتِهَا فَأَصَابَهَا فَإِنَّهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَتَسْتَقْبِلُ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا مِنَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّهَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَا أَدْرِي كَمْ بَلَغَ ذَلِكَ الْجَلْدُ
قَالَ وَجَلَدَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي ذَلِكَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ جَلْدَةً
قَالَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فَقَالَ لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين
ورواه بن جريج عن بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَعْمَرٍ وحديث معمر أتم
ولم يذكر بن جُرَيْجٍ جَلْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَوْلَ قَبِيصَةَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ اختلفا
فقال بن المسيب لها صداقها
وقال بن يسار صداقها في بيت المال
وقال بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ وَعَمْرٌو - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ - أَنَّ رَشِيدَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ مِنْ بَنِي مُعَتِّبٍ الثَّقَفِيَّ نَكَحَ طُلَيْحَةَ ابنة عبيد الله أخت طليحة بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي بَقِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْ آخَرَ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا ثم ينكحها أن شاءت
قُلْتُ ذَكَرُوا جَلْدًا قَالَ لَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ قَوْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي حَدِيثِهِ عَنِ بن شِهَابٍ كَمَا ذَكَرَهُ مَعْمَرٌ لِوُجُوهٍ مِنْهَا رُجُوعُ عُمَرَ عَنْهُ وَمِنْهَا
أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قَضَتْ بِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ الْبَاطِلِ مَهْرَهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فِقْهِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِلْمِهِ بِالْأَثَرِ وَحُسْنِ اخْتِيَارِهِ
وَرَوَى الثَّوْرِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ

(5/474)


قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي أَشْعَثُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِذَلِكَ كُلِّهِ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ بُرْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ فَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ
قَالَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَمْ يَكُنْ صَدَاقُهَا فِي بيت المال هو بما أصابها من فرجها
قال وحدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ
وَقَالَ عَلِيٌّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ سَوَاءً
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَكَمِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
قال وحدثني بن نُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَضَى عُمَرُ فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَا عَاشَا وَيُجْعَلَ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ كَانَ نِكَاحُهَا حَرَامًا وَصَدَاقُهَا حَرَامًا
وَقَضَى فِيهَا عَلِيٌّ أَنْ يُفَرِّقَهُمَا وَتُوَفِّيَ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا ثُمَّ إِنْ شَاءَ خَطَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْخَبَرِ قِصَّةَ عُمَرَ وَقِصَّةَ عَلِيٍّ
وَلَمْ يَرْوِ عَنِ الشَّعْبِيِّ رُجُوعَ عُمَرَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا وَأَنَّهُمَا يَتَنَاكَحَانِ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ إِنْ شَاءَ
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ
وَكَانَ وَجْهُ مَنْعِ عُمَرَ أَنْ يَتَنَاكَحَا بَعْدَ تَمَامٍ بَعْدَ أَنْ مَسَّهَا عُقُوبَةً وَجَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ عُقُوبَةً إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ السُّنَّةُ فِي كُلِّ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي نَعِيمُ بْنُ حَمَّادٍ قال أخبرنا بن الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَشْعَثُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قريش تزوجها

(5/475)


رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فِي عِدَّتِهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا يفرق بَيْنَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا وَقَالَ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفَشَا ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَبَلَغَ عَلِيًّا فَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ أَمِيرَ المؤمنين ما قال الصَّدَاقِ وَبَيْتِ الْمَالِ إِنَّمَا جَهِلَا فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى السُّنَّةِ قِيلَ فَمَا تَقُولُ أنت فيهماقال لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا جَلْدَ عَلَيْهِمَا وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنَ الثَّانِي عِدَّةً كَامِلَةً ثلاثة قروء ثُمَّ يَخْطُبُهَا إِنْ شَاءَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ! رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إِلَى السُّنَّةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعِدَّةِ مِنَ اثْنَيْنِ على حسب هذه القضية
فقال مالك في رواية بن القاسم والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّ عِدَّةً وَاحِدَةً تَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَتِ الْعِدَّةُ بِالْحَمْلِ أَوْ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالشُّهُورِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ تُتِمُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ وَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةً أُخْرَى مِنَ الْآخَرِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهِيَ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ مالك
والحجة لما رواه بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِذَلِكَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْكِحُهَا فِي بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ مِنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنَ الْآخَرِ
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَنَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ مَنْعَ الْأَوَّلِ مِنْ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي بَقِيَّةِ عِدَّتِهَا إِنَّمَا وَجَبَ لِمَا يَتْلُوهَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي وَهُمَا حَقَّانِ قَدْ وَجَبَا عَلَيْهَا لِلزَّوْجَيْنِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي صَاحِبِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ
فَمَرَّةً قَالَ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْجَاهِلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ خَبَرِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ
وَالصَّدَاقُ فِيهِ لَازِمٌ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَلَا يُعَاقَبَانِ وَلَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا
وَمَرَّةً قَالَ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ كَالزَّانِي يُحَدُّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيَنْكِحُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ
وَالْأَوَّلُ عَنْهُ أَشْهَرُ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يَتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أشهر

(5/476)


وَعَشْرًا إِنَّهَا لَا تِنْكِحُ إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ والعشرة لا تبرىء الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِلَّا أَنْ تَحِيضَ فِيهِنَّ أَقَلَّ شَيْءٍ حَيْضَةً وَأَنَّهَا إِنْ لَمْ تَحِضْ مُرْتَابَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرُ حَيْضَتِهَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرٍ فَلَا رِيبَةَ - حِينَئِذٍ - بِهَا إِلَّا أَنْ تَتَّهِمَ نَفْسَهَا بِحَمْلٍ
وَقَوْلُ اللَّيْثِ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بِغَيْرِ مَخَافَةٍ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهَا حَمْلًا جَازَ لَهَا النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ يَنْكَسِرُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَرَطَ الْحَمْلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(12 - بَابُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ)
1085 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا
1086 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتِ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنَ الْقِسْمِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إِلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النِّسَاءِ 25 وَقَالَ (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) النِّسَاءِ 25
قَالَ مالك والعنت هو الزنى
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُ مَالِكٍ

(5/477)


فقال مالك في رواية بن وَهْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْحُرَّةُ بِالْخِيَارِ
قَالَ وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ تَعْلَمُ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ ثَبَتَ الخيار
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ تُنْكَحُ عَلَى الْحُرَّةِ أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ تُخَيَّرُ الْحُرَّةُ إِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ
قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ الطَّوْلَ قَالَ أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ قَالَ وَالشَّرْطُ يَضُرُّ بِهِ ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ لَا يَخْشَى الْعَنَتَ قَالَ كَانَ يَقُولُ مَرَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَعِنْدَهُ حُرَّةٌ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ عَلَى إِذَنِ الْحُرَّةِ وَغَيْرِ إِذْنِهَا
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ - فِي رِوَايَةٍ - وَالْحَسَنِ وَالزَّهْرِيِّ
قَالَ عَطَاءٌ جَازَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ إِذَا رَضِيَتِ الْحُرَّةُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ لِلْأَمَةِ الثُّلُثُ مِنَ الْقِسْمَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْحُرَّةِ وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ الْحُرَّةَ بِالْخِيَارِ
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي نكاح الحرة على الأمة فقد تقدم مالك في ذلك أيضا
وهو قول بن شِهَابٍ
وَأَجَازَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَبُو ثَوْرٍ كُلُّ هَؤُلَاءِ يجيزون نكاح الحرة على الأمة ولا يجيز نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب قال يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِذْنَ الْحُرَّةِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ طَلَاقٌ لِلْأَمَةِ

(5/478)


وهو قول بن عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يُفَارِقُ الْأَمَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ مَسْرُوقٌ مَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَوَجَدَ سَعَةً وَنَكَحَ حُرَّةً طُلِّقَتِ الْأَمَةُ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْمُضْطَرِّ ثُمَّ يَجِدُ مَا يَأْكُلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ المحصنات المؤمنات) النساء 25 يعني الحرائر والمؤمنات (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 25 يَعْنِي مِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عِنْدَ الْجَمِيعِ (مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النِّسَاءِ 25 يَقُولُ مِنْ إِمَائِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّوْلِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
فَقَالَ أكثر أهل العلم الطول المال
ومعناه ها هنا وُجُودُ صَدَاقِ الْحُرَّةِ فِي مِلْكِهِ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذِّلِ قال عبد الملك الطول كلما يَقْدِرُ بِهِ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَا قَالَ
وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ أَوْ إِجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْلٌ
قَالَ وَلَيْسَتِ الزَّوْجَةُ وَلَا الزَّوْجَتَانِ وَلَا الثَّلَاثُ طَوْلًا
قَالَ وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُنْكَحُ بِهَا وَلَا يَصِلُ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا
قَالَ أبو عمر روي عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا الطَّوْلُ الْمَالُ فَمَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَهُوَ طَوْلٌ وَاحِدٌ
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالُوا وَحَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طلحة عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النِّسَاءِ 25
يَقُولُ هَذَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سَعَةٌ أَنْ يَنْكِحَ الْحَرَائِرَ فَلْيَنْكِحْ مِنْ إِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَهُوَ الْفُجُورُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَحْرَارِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً إِلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى حُرَّةٍ وَيَخْشَى الْعَنَتَ

(5/479)


قَالَ وَإِنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لكم
وذكر عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ عَرُوبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلًا وَخَشِيَ الْعَنَتَ عَلَى نَفْسِهِ
وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَا ارْتَجَفَ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَنِ الزنى إِلَّا قَلِيلًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْ تَصْبِرُوا) النِّسَاءِ 25 يَعْنِي عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَحْرَارِ أَنَّ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُمَا عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ جَائِزٌ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَزَوَّجُ الَّتِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ منها الزنى بِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
وَرَوَى بن المبارك وعبد الرزاق وبن جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ إِنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ إِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ فَلْيَتَزَوَّجْهَا يَعْنِي الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ يَعْنِي الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ قَوْلٌ مُجْمَلٌ مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَمَةُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَنَتَ
وَرَوَى شُعْبَةُ قَالَ سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنِ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ قَالَ إِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ فَلَا بَأْسَ
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَةٍ
وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ مَنْ له طول وحده وَإِنْ لَمْ يَخَفِ الْعَنَتَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ عنده حرة

(5/480)


فَمَنْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ حُرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ
هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ
وَالطَّوْلُ عِنْدَهُمْ وُجُودُ حُرَّةٍ فِي عِصْمَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا
وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ نِكَاحُ الْإِمَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 3 يَعْنِي مَا حَلَّ
وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ وَالْكِتَابِيَّاتِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الَّذِي يَنْكِحُ الْأَمَةَ قَالَ هُوَ مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
قَالَ وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ وَيَقُولُ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْتُهُ عن نكاح الأمة فحدثني عن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إِذَا نُكِحَتِ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ كَانَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ قَالَ وَلَمْ يَرَ بِهِ عَلِيٌّ بَأْسًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ عَلَى حُرَّةٍ قَالَ شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ عَدَمَ الطَّوْلِ وَخَوْفَ الْعَنَتِ وَهُوَ كَشَرْطِهِ عَدَمَ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ فِي إِبَاحَةِ الْأَرْبَعِ مِنَ الْحَرَائِرِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) النِّسَاءِ 25 إِلَى قَوْلِهِ (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) النِّسَاءِ 25 كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النِّسَاءِ 3
وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا وَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ
قَالُوا فَكَذَلِكَ لَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ غَيْرَ خَائِفٍ لِلْعَنَتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِطَاعَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى شَرْطِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِهِ فِي آيَةِ الظِّهَارِ (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمُجَادَلَةِ 4 فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْإِطْعَامَ لَا يَجُوزُ لِمُسْتَطِيعِ الصِّيَامِ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ) النِّسَاءِ 4 فِي الْقَتْلِ وَفِي كفارة

(5/481)


الْيَمِينِ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الْمَائِدَةِ 89
وَلَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ وَجُودَهُ فِي الْآيَتَيْنِ
وَأَمَّا شَرْطُ الْخَوْفِ فِي نِكَاحِ الْأَرْبَعِ فَهُوَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِشَرْطِ الْخَوْفِ فِي الْقَصْرِ بِالسَّفَرِ وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْرَ لِلْآمِنِ
وَكَذَلِكَ بَيَّنَ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ لِلْحُرِّ مَعَ الْخَوْفِ أَلَّا يَعْدِلَ لِأَنَّ خَوْفَهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ
وَالْقَوْلُ فِي هَذَا يَطُولُ وَفِيمَا لَوَّحْنَا بِهِ كِفَايَةٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَرْبَعًا
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وبن شهاب والزهري وَالْحَارِثِ الْعُكَلِيِّ
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ إلا واحدة
وهو قول بن عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تحته ففارقها)
1087 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْمِ أَبِي عبد الرحمن - شيخ بن شِهَابٍ - فِي هَذَا الْخَبَرِ
فَقِيلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ عِنْدِي بَعِيدٌ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يسار ليس عند بن شِهَابٍ مِمَّنْ يُسْتَرُ اسْمُهُ وَيُكَنَّى عَنْهُ لِجَلَالَتِهِ عِنْدَهُ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ حَدَّثَ بِهَا عَنْهُ

(5/482)


وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ
وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَالِكٍ عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
ثُمَّ قَالَ وَكِيعٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَقِيلَ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ
وَهَذَا أَبْعَدُ أَيْضًا لِأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ لَمْ يَرْوِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا رَآهُ
وَإِنَّمَا يَرْوِي الْفَرَائِضَ وَغَيْرَهَا عَنْ خارجة ابنه
وما يروي بن شِهَابٍ عَنْ كِبَارِ الْمُوَالِي إِلَّا قَلِيلًا عَنِ الْجُلَّةِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ يَرْوِي عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِهِمْ عِنْدَهُ
وَقِيلَ هُوَ طَاوُسٌ وَهَذَا عِنْدِي قَرِيبٌ وَأَوْلَى بِالْحَقِّ
وَإِنَّمَا كَتَمَ أسمه مع فضله وجلالته لأن طاوس كَانَ يَطْعَنُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَرُبَّمَا دَعَا عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ فَكَانَ يَذْهَبُ فِيهِمْ مذهب بن عباس شيخه
وكان بن شِهَابٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَيَقْبَلُ جَوَائِزَهُمْ
وَقَدْ سُئِلَ بن شِهَابٍ فِي مَجْلِسِ هِشَامٍ أَتَرْوِي عَنْ طَاوُسٍ فقال لسائله أما إنك لو رأيت طاوس لَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَجِدُ وَلَمْ يُجِبْهُ بِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ أَوْ لَا يَرْوِي عَنْهُ فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَاوُسٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
1088 - مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وسليمان بن يسار سئلا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ الْبَتَّةَ ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ هَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
1089 - مَالِكٌ أَنَّهُ سأل بن شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَاشْتَرَاهَا وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ طَلَّقَهَا) - يَعْنِي الثَّالِثَةَ - (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الْبَقَرَةِ 230 فَلَمْ يَجْعَلْهَا حَلَالًا إِلَّا بِنِكَاحِ الزَّوْجِ لَهَا لَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ

(5/483)


وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وكان بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ يَقُولُونَ إِذَا اشْتَرَاهَا الَّذِي بَتَّ طَلَاقَهَا حَلَّتْ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 25
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 25 لَا يُبِيحُ الْأُمَّهَاتِ وَلَا الْأَخَوَاتِ وَلَا الْبَنَاتِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَوِ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا جاز له نكاحها ولو لم يصبها بعد ما اشْتَرَاهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِحَالٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ
وَأَمَّا وَطْءُ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ الَّتِي قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا زَوْجُهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ هَلْ يُحِلُّهَا ذَلِكَ الْوَطْءُ لِزَوْجِهَا أَمْ لَا
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ يَبُتُّهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَطَأُهَا سَيِّدُهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أن يراجعها
فقال ليس بزوج
ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَا حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزِيدٌ قَالَ فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ قَالَا هُوَ زَوْجٌ فقام علي مغضبا كرها لِمَا قَالَا وَقَالَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لَيْسَ بِزَوْجٍ
قَالَ وَحَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَيْسَ بِزَوْجٍ - يَعْنِي السَّيِّدَ
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي الزِّنَادِ
وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالزُّبَيْرِ خِلَافُ ذَلِكَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ

(5/484)


رَوَى هُشَيْمٌ أَيْضًا عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ هُوَ زَوْجٌ إذا لم يرد الإحلال
قال بن أَبِي شَيْبَةَ وَحَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ غَشِيَهَا سَيِّدُهَا غَشَيَانًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةً وَلَا إِحْلَالًا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا بِخِطْبَةٍ وَصَدَاقٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَيَكُونَا مِمَّنْ يَرَى الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ أَوْ يَكُونَ حُرًّا فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ الطَّلَاقُ بِالنِّسَاءِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَهِيَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنِ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ تَلْخِيصُهُ إِنْ مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ ولد له وإن ملكها بعد ما وَلَدَتْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ
وَنَحْوَهُ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا تَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا وَلَدَتْ مَنْ يَكُونُ تَبَعًا لِأَبِيهِ
وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ مَوْطُوءَةً بِنِكَاحٍ
فَإِذَا وُطِئَتْ بِمِلْكِ يَمِينٍ كَانَ وَلَدُهَا تَبَعًا لِأَبِيهِ وَصَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ
وَأَمَّا إِذَا وَلَدَتْ وَهِيَ أَمَةٌ فَوَلَدُهَا غَيْرُ تَبَعٍ لَهَا فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ
وَهَذَا وَاضِحٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(5/485)


(14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بملك اليمين والمرأة وابنتها)
1090 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قوله إن أخبرهما يريد أطأهما جَمِيعًا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَرَّاثِ الْخَبِيرُ ومنه قيل للمزارعة مخابرة
وقال الله عَزَّ وَجَلَّ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الْبَقَرَةِ 223
وَقَدْ روي عن بن عَبَّاسٍ نَحْوُ قَوْلِ عُمَرَ
ذَكَرَهُ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ قَالَ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - حَرَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ) النِّسَاءِ 23
وَمِلْكُ الْيَمِينِ عِنْدَهُمْ تَبَعُ النكاح إلا ما روي عن عمر وبن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَلَا مَنْ تَبِعَهُمْ 1091 - مَالِكٌ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنِ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ
قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ

(5/486)


ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نكالا
قال بن شِهَابٍ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
1092 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَإِنَّهُ يُرِيدُ تَحْلِيلَ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَإِنَّهُ أَرَادَ عُمُومَ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ) النِّسَاءِ 23
وَقَوْلُهُ (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) النِّسَاءِ 23 وَلَمْ يَخُصَّ وَطْئًا بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ فَلَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَلَا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُثْمَانَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ منهم بن عَبَّاسٍ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَلَا بِالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهُمَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا الْمَغْرِبِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ لِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَبَقِيَ الْقِيَاسُ وَقَدْ تَرَكَ مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ
وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النِّسَاءِ 23 أَنَّ النِّكَاحَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا وَنَظَرًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبِ فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُمُ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَشَذَّ عَنْهُمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا كِنَايَةُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَلِيٍّ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِصُحْبَتِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَاشْتِغَالِ بَنِي أُمَيَّةَ لِلسَّمَاعِ بِذِكْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِيمَا خَالَفَ فِيهِ عُثْمَانَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

(5/487)


وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ لَوْ أَنَّ الْأَمْرَ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا وَلَمْ يَقُلْ لَحَدَدْتُهُ حَدَّ الزَّانِي فَلِأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ آيَةً أَوْ سُنَّةً وَلَمْ يَطَأْ عِنْدَ نَفْسِهِ حَرَامًا فَلَيْسَ بِزَانٍ بِإِجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي ذَلِكَ مَا لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ
وَقَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أحلتهما آية وحرمتهما آيَةٌ مَعْلُومٌ مَحْفُوظٌ فَكَيْفَ يُحَدُّ حَدَّ الزَّانِي مَنْ فَعَلَ مَا فِيهِ مِثْلُ هَذَا مِنَ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُطَرِّفٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ قَالَا حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرحمن المقرئ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ لِي أُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينِي اتَّخَذْتُ إِحْدَاهُمَا سَرِيَّةً فَوَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا ثُمَّ رَغِبْتُ فِي الْأُخْرَى فَمَا أَصْنَعُ فَقَالَ عَلِيٌّ تَعْتِقُ الَّتِي كُنْتَ تَطَأُهَا ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى
قُلْتُ فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ ثُمَّ تُزَوِّجُهَا ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى فَقَالَ عَلِيٌّ أَرَأَيْتَ إِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَلَيْسَتْ تَرْجِعُ إِلَيْكَ لَأَنْ تَعْتِقَهَا أَسْلَمُ لَكَ ثُمَّ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي فَقَالَ لِي إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ أَوْ قَالَ الْأَرْبَعَ وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَثَلُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ النَّسَبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رِحْلَةٌ لو لم يصب الراجل مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ إِلَى مَكَّةَ غَيْرَهُ لَمَا خَابَتْ رِحْلَتُهُ
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ هشام عن بن سيرين عن بن مَسْعُودٍ قَالَ يَحْرُمُ مِنَ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ من الحرائر إلا العدد
وعن بن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ عِتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا إِذَا حَرُمَ فَرْجُهَا بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَطَأُ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِحَالٍ وَالْبَيْعَ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا بِفِعْلِهِ
وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَقَدْ تَعْجِزُ فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ

(5/488)


وَكَذَلِكَ فِي التَّزْوِيجِ تَرْجِعُ إِلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا بِفِعْلِهِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ حَسَنٌ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ صَحِيحٌ فِي الْحَالِ وَلَا تَلْزَمُ مُرَاعَاةُ الْمَالِ وَحَسْبُهُ إِذَا حَرُمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ بِتَزْوِيجٍ لِأَنَّهُ فِي التَّزْوِيجِ قَدْ مَلَكَ فَرْجَهَا غَيْرُهُ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ
وَأَمَّا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ الثوري إن وطىء إِحْدَى أَمَتَيْهِ لَمْ يَطَأِ الْأُخْرَى فَإِنْ بَاعَ الْأُولَى أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ أَمْسَكَ عَنِ الْأُخْرَى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَا يَطَأُ الَّتِي يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ أُمِّ وَلَدِهِ وَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ
فَإِنْ زَوَّجَهَا ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِفُرْقَةِ زَوْجِهَا لَهَا وطىء الزَّوْجَةَ مَا دَامَتْ أُخْتُهَا فِي الْعِدَّةِ فَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ أُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرَهُ
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ يَطَأُهَا فَاشْتَرَى أُخْتَهَا فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَطْءِ الْأُولَى وَلَا يَطَأُ الثَّانِيَةَ حَتَّى تَحْرُمَ الْأُولَى وَكَذَلِكَ لَوْ ملك الأختين معا وطىء إِحْدَاهُمَا ثُمَّ لَمْ يَطَأِ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الَّتِي كَانَ يَطَأُ
وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يُعْجِبْنِي وَلَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ
قَالَ مَالِكٌ لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَأُهَا فَبَاعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى اشْتَرَى أُخْتَهَا الَّتِي كَانَ يَطَأُهَا فَبَاعَهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ لِأَنَّ هَذَا مَلِكٌ ثَانٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَطَأُهَا فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ
وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالُوا لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي مَنَعَ وَطْءَ الزَّوْجَةِ فِي الِابْتِدَاءِ مَوْجُودٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَوْدَتِهَا إِلَيْهِ وَبَيْنَ بَقَائِهَا بَدْءًا فِي مِلْكِهِ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الَّتِي عِنْدَهُ وَيُمْسِكَ عَنْ أُمِّ ولده
وقال الأوزاعي إذا وطىء جَارِيَةً لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِلْكُ الْيَمِينِ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ

(5/489)


قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ لَهُ يَطَأُهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهَا فَيَطَأَهَا حَتَّى تَحْرُمَ الَّتِي كَانَ يَطَأُ
وَاخْتَلَفُوا فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ عَلَى أُخْتِ الْجَارِيَةِ الَّتِي تُوطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَمَنْ جَعَلَ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ أَجَازَهُ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَطْءِ لَمْ يُجِزْهُ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) النِّسَاءِ 23 يَعْنِي الزَّوْجَتَيْنِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَقِفْ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَّنَ لَكَ الصَّوَابَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(15 - باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كَانَتْ لِأَبِيهِ)
1093 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تمسها فإني قد كاشفتها
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ قَالَ وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا فَلَمْ أَنْشَطْ إِلَيْهَا
1094 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا نَهْشَلِ بْنَ الْأُسُودِ قَالَ لِلْقَاسِمِ بن محمد إنتي رَأَيْتُ جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا وَهِيَ فِي الْقَمَرِ فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ إِنِّي حَائِضٌ فَقُمْتُ فَلَمْ أَقْرَبْهَا بَعْدُ أَفَأَهَبُهَا لِابْنِي يَطَؤُهَا فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ
1095 - مَالِكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكَ لَمَرْوَانُ كَانَ أَوْرَعَ منك وهب لأبنه جارية ثم قال لاتقربها فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَعْلَى مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

(5/490)


مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي علي بن المديني قال حدثني بن عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ جَرَّدَ جَارِيَةً فنظر إليها ثم نهى وَلَدِهِ أَنْ يَقْرَبَهَا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - نَهَاهُمَا عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ أَنْ يَقْرَبَاهَا
قَالَا وَمَا عَلِمْنَاهُ كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ مِنْهَا مُطَّلَعًا كَرِهَ أَنْ يَطَّلِعَهُ أَحَدُهُمَا
وَعَنِ الثوري عن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ فِي جَارِيَةٍ لَهُ إِنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إِلَّا مَا حَرُمَ عَلَى وَلَدِي مِنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ فِي أَمَةٍ لَهُ قَدْ نَظَرْتُ مِنْهَا مَنْظَرًا وَقَعَدْتُ مِنْهَا مَقْعَدًا لَا أُحِبُّ أَنْ تَقْعُدُوا مِنْهَا مَقْعَدِي وَلَا تَنْظُرُوا مَنْظَرِي
وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْقَاسِمِ التَّحْرِيمُ بِاللَّمْسِ وَالْقُبَلِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَرَجِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا لَا يُحَرِّمُهَا إِلَّا الْوَطْءُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتُلِفَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ
وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنِ الحسن فيما علمت والله أعلم
ذكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ وَقَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ قَالَا فِي الرَّجُلِ يُقَبِّلُ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوِ ابْنَتَهَا حرمت عليه امرأته
قال وحدثني عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يُقَبِّلُ الْمَرْأَةَ أَوْ يَلْمِسُهَا أَوْ يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ فَرْجِهَا إِنْ شَاءَ تَزَوَّجَهَا وَتَزَوَّجَ أُمَّهَا إِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ ابْنَتَهَا
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ أَنَّ اللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ فَيُحَرِّمُهَا عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْهُ
وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُهَا إِلَّا الْوَطْءُ

(5/491)


وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ
وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّظَرِ
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا نَظَرَ إِلَى شَعْرِ جَارِيَتِهِ أَوْ صَدْرِهَا أَوْ سَاقِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا تَلَذُّذًا حَرُمَتْ عليه أمها
وقال بن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ بِالنَّظَرِ حَتَّى يَلْمِسَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا نَظَرَ فِي الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا مُتَعَمِّدًا وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهْوَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَرَّمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْآبَاءِ حَلَائِلَ أَبْنَائِهِمْ وَحَرَّمَ عَلَى الْأَبْنَاءِ مَا نَكَحَ آبَاؤُهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَحَرَّمَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبَ الْمَدْخُولَ بِأُمَّهَاتِهِنَّ
وأجمعوا أن ذلك كله أريد به الوطأ مَعَ الْعَقْدِ فِي الزَّوْجَاتِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ وَفِي الْوَطْءِ دُونَ الْعَقْدِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَبَعٌ لِلنِّكَاحِ
وَجَاءَ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا مِنَ اللَّمْسِ وَالْقُبَلِ وَالْكَشْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا كَرِهُوا مِنَ الْوَطْءِ وَرَعًا وَدِينًا وَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَمَنْ رَعَى حَوْلَ الْحِمَى لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ
(16 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ)
قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الْمَائِدَةِ 5 فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ
وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فتياتكم) النساء 25 فهن الْمُؤْمِنَاتُ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحْلِّلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ

(5/492)


وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَوْضَحَ بِهِ - مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْكِتَابِ بِمَا احْتَجَّ به نُصُوصِ الْكِتَابِ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ تفسير بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وغيره عنه
قال بن عَبَّاسٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ أَنْ يَنْكِحَ الْحَرَائِرَ فَلْيَنْكِحْ مِنْ إِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
وَكَذَلِكَ قال بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ الْمُؤْمِنَةَ فَلْيَنْكِحِ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ
وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْمَمْلُوكَةَ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النِّسَاءِ 25
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ ذُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ إِنَّمَا رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) لِمَنْ لم يجد طولا
وهذا قول بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ لَا أَكْرَهُ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ وَلَا أُحَرِّمُهُ
وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ الْحَرَائِرَ مِنْهُنَّ وَالْإِمَاءُ تَبَعٌ لَهُنَّ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إِذَا كَانَ مَوْلَاهَا كَافِرًا وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِلْعَبْدِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي قَوْلِهِمْ هَذَا إِلَّا أَبَا مَيْسَرَةَ عَمْرَو بْنَ شُرَحْبِيلَ فَإِنَّهُ قَالَ إِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِرِ مِنْهُنَّ
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ احْتِجَاجَاتٌ مِنَ الْمُقَايَسَاتِ عَلَيْهِمْ مِثْلُهَا سِوَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ

(5/493)


وَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ
وَهَذَا شُذُوذٌ عَنِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْآثَارِ
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ
وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مَهْجُورٌ
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قَبِلَ مِنْهُ وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ لَهُمُ امْرَأَةٌ
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ نِكَاحِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فَقُلْتُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 قَالَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَالْمَجُوسِ
وَذَكَرَ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ قُلْتُ أُنَاسٌ يَشْتَرُونَ الْمَجُوسِيَّاتِ فَيَقَعُ أَحَدُهُمْ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ
فَقَالَ مُرَّةُ مَا يَصْلُحُ هَذَا
وَقَالَ سَعِيدٌ مَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَكَانَ سَعِيدٌ أَشَدَّهُمَا قَوْلًا
قَالَ وَحَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا سُبِيَتِ الْيَهُودِيَّاتُ وَالنَّصْرَانِيَّاتُ أُجْبِرْنَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمْنَ وطئن واستخدمن إن لَمْ يُسْلِمْنَ اسْتُخْدِمْنَ
وَإِذَا سُبِيَتِ الْمَجُوسِيَّاتُ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ يُجْبَرْنَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمْنَ وُطِئْنَ وَاسْتُخْدِمْنَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ اسْتُخْدِمْنَ وَإِنْ لَمْ يُوطَأْنَ
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا سُبِيَتِ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ فَلَا تُوطَأُ حَتَّى تُسْلِمَ وَإِنْ أَبَيْنَ أُكْرِهْنَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَجُوسِيَّةَ أَيَطَأُهَا فَقَالَ إِذَا شَهِدَتْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وطئها

(5/494)


وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ لَا يَطَأُهَا حَتَّى تُسْلِمَ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حتى تسلم
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ وَلَا وَثَنِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
وَإِذَا كَانَ حَرَامًا بِإِجْمَاعٍ نِكَاحُهَا فَكَذَلِكَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قِيَاسًا وَنَظَرًا
فَإِنْ قِيلَ إِنَّكُمْ تُجِيزُونَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا تُجِيزُونَ نِكَاحَهَا قِيلَ إِنِ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ إِلَى الْمُحْصَنَاتِ فَمَاذَا بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
قال أبو عمر قول بن شِهَابٍ - وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ - دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ سَبْيَ أَوْطَاسٍ وُطِئْنَ وَلَمْ يُسْلِمْنَ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ
وَهَذَا لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ
وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ - وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ غَزْوُهُ وَلَا غَزْوُ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ إِلَّا الفرس وما ورائهم من خرسان وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ - مَا يُبَيِّنُ لَكَ كَيْفَ كَانَتِ السِّيرَةُ فِي نِسَائِهِمْ إِذَا سُبِينَ
أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا سَعِيدٍ! كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ إِذَا سَبَيْتُمُوهُنَّ قَالَ كُنَّا نُوَجِّهُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَنَأْمُرُهَا أَنْ تُسْلِمَ وَتَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ نَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يُصِيبَهَا لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 أَنَّهُنَّ الْوَثَنِيَّاتُ وَالْمَجُوسِيَّاتُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ الْكِتَابِيَّاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الْمَائِدَةِ 5 يَعْنِي الْعَفَائِفَ لَا مَنْ شُهِرَ زِنَاهَا مِنَ الْمُسْلِمَاتِ ومنهم من كره نكاحها ووطئها بملك

(5/495)


الْيَمِينِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُنَّ تَوْبَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِفْسَادِ النَّسَبِ
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
وقد كان بن عُمَرَ يَكْرَهُ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ وَيَحْمِلُ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 عَلَى كُلِّ كَافِرَةٍ وَيَقُولُ لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَكْبَرَ من قولهن المسيح بن الله وعزير بن الله
وهذا قول شذ فيه بن عُمَرَ عَنْ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَخَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الْمَائِدَةِ 5
وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ - قَدِيمًا وَحَدِيثًا - إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ لَيْسَتْ بِأَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ مِنَ الْأُخْرَى وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَسْخِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى مَا كَانَ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمَا سَبِيلٌ فَآيَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي الْوَثَنِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ وَآيَةُ الْمَائِدَةِ فِي الْكِتَابِيَّاتِ
وَقَدْ تَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نائلة بنت الفرافصة الكلبية نَصْرَانِيَّةً وَتَزَوَّجَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَهُودِيَّةً وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً وَعِنْدَهُ حُرَّتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَرَبِيَّتَانِ
وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ الْحَرَائِرِ بعد ما ذكرنا إذا لم تكن مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ
فَإِنْ كُنَّ حَرْبِيَّاتٍ
فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ نِكَاحِهِنَّ لِأَنَّ الْمُقَامَ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ حَرَامٌ عَلَيْهِ
وَمَنْ تَزَوَّجَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ رَضِيَ الْمُقَامَ بِهَا
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ أَتَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرَامًا قَالَ لَا قَالَ الْحَكَمُ وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُحَرَّمٌ نِكَاحُهُنَّ فِي بِلَادِهِنَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْجَبَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَبُو عِيَاضٍ هَذَا مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَائِهِمْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَانَ يَرْوِي عَنْ أَبِي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَيُفْتِي فِي حَيَاتِهِمَا وَيُسْتَفْتَى فِي خِلَافَةِ معاوية

(5/496)


قِيلَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ نِكَاحَ الْحَرْبِيَّاتِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَلَالٌ إِلَّا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ وَالنِّسَاءِ
وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي الْمَرْأَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيَّةٍ تَدْخُلُ أَرْضَ الْعَرَبِ لَا تُنْكَحُ إِلَّا أَنْ تُظْهِرَ السُّكْنَى بِأَرْضِ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ تُخْطَبَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ فِيمَا عَلِمْتُ
وَنَذْكُرُ هُنَا مِنَ الْإِحْصَانِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَنَزِيدُهُ بَيَانًا فِي الْحُدُودِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى
1096 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ وَيَرْجِعُ ذلك إلى أن الله حرم الزنى
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِلْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ السَّبَايَا خَاصَّةً
وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي السَّبَايَا اللَّاتِي لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي بِلَادِهِنَّ سُبِينَ مَعَهُمْ أَوْ دُونَهُمْ
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّبْيَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ بينهم
روي ذلك عن علي وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
وروي ذلك عن أبي سعيد الخدري سندا ذكره بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى عن سعيد عن قتادة أن أبا علقمة الهاشمي حدثه أن أبا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً فَأَصَابُوا حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ يَوْمَ أَوْطَاسٍ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ نِسَاءً لَهُنَّ أَزْوَاجٌ
وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَثَّمُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا ما ملكت أيمانكم) النساء 24 يعني

(5/497)


مِنْهُنَّ فَحَلَالٌ لَكُمْ فَاقْتَصَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى السَّبَايَا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ خَاصَّةً اللَّائِي فِيهِنَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ
وَقَالُوا لَيْسَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا لِأَنَّ الْآيَةَ فِي السَّبَايَا خَاصَّةً
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَفِي الْحَدِيثِ (قَوْلٌ أَوَّلٌ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهَا وَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا مَا خُبِرَتْ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ كُلُّ أَمَةٍ ذَاتِ زوج وسبيها طلاق لها وتحل فليشتريها بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 24
قَالُوا فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ ذَاتَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقًا لَهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ يَحْرُمُ عَلَى اثْنَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى اتِّفَاقٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
وَيَجْتَمِعُ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَنْ قَالَ إِنَّ بيع الأمة طلاقها
وممن قال بذلك بن مسعود ومالك وبن عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا
قَالَ وحدثني أبو أسامة عن الأشعث عن الحسن وعن سعيد عن قتادة عن بن عباس وجابر وأنس قَالُوا بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عن حماد عن إبراهيم قال قال بن مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 24
قَالَ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ
وَقَالَ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مُحْصَنَةٍ عَفِيفَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ وَغَيْرِ ذَاتِ زَوْجٍ

(5/498)


وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَيَرْجِعُ ذلك إلى أن الله تعالى حرم الزنى وَكَانَ هَؤُلَاءِ قَدْ جَعَلُوا النِّكَاحَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ سَوَاءً
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ عِنْدَهُمْ (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 24 يَعْنِي تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَتَمْلِكُونَ الرَّقَبَةَ بِالشِّرَاءِ فَكَأَنَّهُنَّ كُلَّهُنَّ مِلْكُ يَمِينٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَزِنًا
وَرَوَى معمر عن أيوب عن بن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعًا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَحَرَّمَ نِكَاحَ الْمُحْصَنَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ بِالنِّكَاحِ وبالشراء
وروى معمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النِّسَاءِ 24 قَالَ زَوْجَتُكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَيَقُولُ حَرَّمَ الله الزنى فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَطَأَ امْرَأَةً إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ
1097 - مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فقد أحصنت
قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ تُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إِذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ
قَالَ مَالِكٌ يُحَصِّنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ وَلَا تُحَصِّنُ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ إِلَّا أَنْ يُعْتَقَ وَهُوَ زَوْجُهَا فَيَمَسُّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَلَيْسَ بِمُحَصَنٍ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ
فَإِنَّهُ لَا يُحَصِّنُهَا نِكَاحُهُ إِيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ حَتَّى تَنْكِحَ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا فَذَلِكَ إِحْصَانُهَا وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَتُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا
فَإِنَّهُ يُحَصِّنُهَا إِذَا عُتِقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ إِذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تُعْتَقَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ يُحَصِّنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ فأصابها

(5/499)


قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ حُرٍّ جَامَعَ جِمَاعًا مُبَاحًا بِنِكَاحٍ وَكَانَ بَالِغًا فَهُوَ يُحَصَّنُ
وَسَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً
وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَالِغٍ جُومِعَتْ بنكاح صحيح نكاحا مباحا فهي تحصنه وَزَوْجُهَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَلَا يَقَعُ الْإِحْصَانُ وَلَا يَثْبُتُ لِكَافِرٍ وَلَا لِعَبْدٍ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى
وَلَيْسَ نِكَاحُ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ إِحْصَانًا لِلْأَمَةِ وَلَا نِكَاحُ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيَّةِ إِحْصَانًا عِنْدَهُ
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ فِي رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَالْوَطْءُ الْمَحْظُورُ وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَا يَقَعُ بِهِ إِحْصَانٌ
وَالصَّغِيرَةُ تُحَصِّنُ الْكَبِيرَ عِنْدَهُ وَالْأَمَةُ تُحَصِّنُ الْحُرَّ وَالذِّمِّيَّةُ تُحَصِّنُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُحَصِّنُ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَةَ وَلَا الْحُرُّ الْأَمَةَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ وَلَا يَقَعُ الْإِحْصَانُ إِلَّا بِتَمَامِ الْإِيلَاجِ فِي الْفَرْجِ أَقَلُّهُ مُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ الْخِتَانَ
فَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ
وَحَدُّ الْحَصَانَةِ الَّتِي تُوجِبُ الرَّجْمَ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا قد وطىء وَطْئًا مُبَاحًا فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ
وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ بِهِ إِحْصَانٌ حَتَّى يُجَامِعَهُمُ الْوَطْءَ الْمُوجِبَ الْغُسْلَ وَالْحَدَّ
وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ خَصِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِوَطْئِهَا ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَطْءُ إِحْصَانَهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُحَصَّنُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِأَمَةٍ وَلَا بِكَافِرَةٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ فَهُمَا يُحَصَّنَانِ وسواء كانوا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ قَدْ جَامَعَهَا جِمَاعًا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْغُسْلَ
هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي ((الْإِمْلَاءِ)) أَنَّ الْمُسْلِمَ يُحَصِّنُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا تُحَصِّنُهُ

(5/500)


وَرُوِيَ عَنْهُ - أَيْضًا - أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَنَّهُمَا مُحْصَنَانِ
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قال بن أبي ليلى إذا زنى اليهودي والنصراني بعد ما أُحْصِنَ فَعَلَيْهِمُ الرَّجْمُ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبِهِ نَأْخُذُ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَا يَكُونُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ مُحْصَنًا بِالْكَافِرَةِ وَلَا بِالْأَمَةِ وَلَا يُحَصَّنُ إِلَّا بِالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ
قَالَ وَيُحَصِّنُ الْمُسْلِمُ الكافر وَيُحَصِّنُ الْكَافِرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الزَّوْجَيْنِ الْمَمْلُوكَيْنِ يَكُونَانِ مُحْصَنَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمَا
قَالَ فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا إِحْصَانٌ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْعَبْدِ تَحْتَهُ حُرَّةٌ إِذَا زَنَى فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ
قَالَ وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَأَعْتَقَ ثُمَّ زَنَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رَجْمٌ حَتَّى يَنْكِحَ غَيْرَهَا
وَقَالَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي لَمْ تُحَصَّنْ أَنَّهَا تُحَصِّنُ الرَّجُلَ وَالْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ لَا يُحَصِّنُ الْمَرْأَةَ
قَالَ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِذَا هِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَهَذَا إِحْصَانٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ إِنَّ الْمَمْلُوكَ يَكُونُ مُحْصَنًا بِالْحُرَّةِ وَالْمَمْلُوكَةَ تَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْحُرِّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إن الله - عز وجل - يقول (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) النساء 25
وَبَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْأَمَةَ تُحَصِّنُ الْحُرَّ وَأَنَّ الْعَبْدَ يُحَصِّنُ الْحُرَّةَ وَأَنَّ الْكَافِرَةَ تُحَصِّنُ الْحُرَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وبن شِهَابٍ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَتُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عَمَّنْ قَالَ أَدْرَكْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ ذَلِكَ

(5/501)


وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ
وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا لَا يُحَصَّنُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَلَا بِأَمَةٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَالْأَمَةَ لَا تُحَصِّنُ الْمُسْلِمَ وَهُوَ يُحَصِّنُهُنَّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُحَصِّنُ الْحُرَّ وَأَنَّ الْكَافِرَةَ تُحَصِّنُ الْمُسْلِمَ خَالَفَ بَيْنَ الْكَافِرَةِ وَالْأَمَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ أَحْصَنَتْهُ وَإِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ أَحْصَنَهَا
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ إِحْصَانٌ وَلَيْسَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِإِحْصَانٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَنِ التَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ ضُرُوبٌ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَفِي احْتِجَاجِ أَتْبَاعِ الْفُقَهَاءِ لِمَذَاهِبِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ تَشْعِيبٌ
وَسَنَذْكُرُ عُيُونًا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَهُوَ أَوْلَى - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُوَفِّقُ
(18 - بَابُ نكاح المتعة)
1098 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وعن أكل لحوم الحمر الإنسانية
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ
وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ بن شهاب منهم معمر ويونس
وخالفهم بن عيينة وغيره عن بن شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ
وَجَازَ فِي رِوَايَتِهِمْ إِخْرَاجُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَنْ يَوْمِ خَيْبَرَ وَرَدُّوا النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى يوم خيبر

(5/502)


وَلَا يُمْكِنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وإنما جاء ذلك من قبل بن شِهَابٍ
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَثَرِ أَنَّ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ
وَأَمَّا نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاضْطِرَابٌ كَثِيرٌ
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ رَاشِدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ
وَلَمْ يُتَابَعْ إِسْحَاقُ بن راشد على هذه الرواية عن بن شِهَابٍ وَقَدْ تَابَعَهُ يُونُسُ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْنَادِ
وَعِنْدَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا إِسْنَادٌ آخَرُ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يوم الفتح
رواه بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد عنده في الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ
وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ
وَأَسَانِيدُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَتَذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعُ بْنُ سَبُرَةَ - أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَذَهَبَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّ هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ الله حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتًا وَلَا زَمَنًا
وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ بِأَتَمِّ أَلْفَاظٍ
وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ

(5/503)


وقد ذكرنا عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ وَتَمَامِ أَلْفَاظِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَلَمَّا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحَلَلْنَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِ الْعُزْبَةَ قَدْ شَقَّتْ عَلَيْنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تَمَتَّعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسْوَانِ))
قَالَ وَالِاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا التَّزْوِيجُ قَالَ فَأَتَيْنَاهُنَّ فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْكِحْنَنَا إِلَّا أَنْ نَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ((اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا)) فخرجت أنا وصاحب لي بن عَمٍّ وَكَانَ أَسَنَّ مِنِّي وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ وعلي بُرْدَةٌ وَبُرْدُهُ أَمْثَلُ مِنْ بُرْدِي قَالَ فَأَتَيْنَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا النِّكَاحَ فنظرت إلي وإليه وقالت ببرد كَبُرْدٍ وَالشَّبَابُ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَتَزَوَّجْتُهَا فَكَانَ الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا
وَبَعْضُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ فِيهِ فَتَزَوَّجْتُهَا ثَلَاثًا بِبُرْدِي ثُمَّ انْقَضَوْا قَالَ فَبِتُّ مَعَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ((إِنَّا كُنَّا أَذِنَّا لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ فَمَنْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا وَلْيُعْطِهَا مَا سَمَّى لَهَا فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))
وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ قَالَ مَا حَلَّتِ الْمُتْعَةُ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثًا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ما حلت قبلها ولا بعدها
وهذ االمعنى إنما يوجد من حديث بن لَهِيعَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُتْعَةِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ
فَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ إِنَّمَا رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرْبَةٍ كَانَتْ بِالنَّاسِ شَدِيدَةٍ ثُمَّ نَهَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(5/504)


وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا
وفي حديث بن مسعود رواه بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حازم عن بن مَسْعُودٍ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَابٌ أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ نَهَانَا عَنْهَا - يَعْنِي عَنِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
فَهَذَا مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ ((الْمُسْنَدِ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَسَائِرَ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ مِنْهُمْ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا وَتَحْرِيمِهَا
رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وغيره عن نافع عن بن عمر قَالَ عُمَرُ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مُتْعَةُ النِّسَاءِ مَعْلُومَةٌ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ
وَمُتْعَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى بن جُرَيْجٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَنِصْفِ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ نَهَى عُمَرُ النَّاسَ عَنْهَا فِي شَأْنِ عَمْرِو بن حريث
هذا اللفظ حديث بن جريج وحديث عمرو بمعناه
قال بن جريج وأخبرني عطاء أن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَرَاهَا حَلَالًا حَتَّى الْآنَ وَيَقُولُ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فآتوهن أجورهن
قال وقال بن عَبَّاسٍ فِي حَرْفٍ أَيْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وقال عَطَاءٌ وَاسْتَمْتَعَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ فَنَهَاهُمَا عمر

(5/505)


قال عطاء وسمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ رَحِمَ اللَّهُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْلَا نَهْيُ عُمَرَ عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَى الزنى إلا شقي
قال أبو عمر أصحاب بن عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ المتعة حلالا على مذهب بن عَبَّاسٍ وَحَرَّمَهَا سَائِرُ النَّاسِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ عَمَّنْ أَجَازَهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ ازْدَادَ النَّاسُ لَهَا مَقْتًا حِينَ قَالَ الشَّاعِرُ
يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا بن عَبَّاسِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُمَا بَيْتَانِ
(قَالَ الْمُحَدِّثُ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ ... يَا صَاحِ هَلْ لك في فتيا بن عباس)
(في بضة رخصته الْأَطْرَافِ آنِسَةٍ ... تَكُونُ مَثْوَاكَ حَتَّى مَرْجِعَ النَّاسِ)
وروى الليث بن سعد عن بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَمَّارٍ - مَوْلَى الشَّرِيدِ - قال سألت بن عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ أَسِفَاحٌ هِيَ أَمْ نِكَاحٌ قَالَ لَا سِفَاحٌ هِيَ وَلَا نِكَاحٌ
قُلْتُ فَمَا هِيَ قَالَ الْمُتْعَةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
قُلْتُ هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ قَالَ نَعَمْ حَيْضَةٌ
قُلْتُ يَتَوَارَثَانِ قَالَ لَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْمُتْعَةَ نِكَاحٌ إِلَى أَجَلٍ لَا مِيرَاثَ فِيهِ
وَالْفُرْقَةُ تَقَعُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الزَّوْجَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْفُرُوجَ إِلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ
وَلَيْسَتِ الْمُتْعَةُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ
وَقَدْ نَزَعَتْ عَائِشَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمَا فِي تَحْرِيمِهَا وَنَسْخِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) الْمُؤْمِنُونَ 5 - 7
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) النِّسَاءِ 24
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَسَخَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ وَنَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ وَنَسَخَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ الْمُتْعَةَ وَنَسَخَتِ الضحية كل ذبح

(5/506)


وعن بن مَسْعُودٍ قَالَ الْمُتْعَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلُهُ
وَرَوَى الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ قَالَ نَسَخَهَا الْمِيرَاثُ
وَفِي تَأْوِيلِ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) النِّسَاءِ 24 قَوْلٌ ثَانٍ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ هُوَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ فَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَلَمْ يَدْخُلْ فَقَدِ اسْتَمْتَعَ بِالْعُقْدَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَمْتَعَ بِهَا الْمُتْعَةَ الْكَامِلَةَ
قَالُوا وَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النِّسَاءِ 24 مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا) النِّسَاءِ 4
وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أن يعفون أو يعفوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الْبَقَرَةِ 237 وَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ - أَوْ يَتْرُكَ لَهَا
وَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ قَالَ نسخ المتعة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطَّلَاقِ 1
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ الِاسْتِمْتَاعُ هُوَ النكاح
وهي كلها آثار كلها ضَعِيفَةٌ لَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِهِ
وَالْآثَارُ عَنْهُ بِإِجَازَةِ الْمُتْعَةِ أَصَحُّ وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ خَالَفُوهُ فيها قديما وحديثا حتى قال بن الزبير لو متع بن عباس لرجمته
وقال بن أبي ذئب سمعت بن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ إِنَّ الذِّئْبَ يُكَنَّى أَبَا جَعْدَةَ أَلَا وَإِنَّ الْمُتْعَةَ هِيَ الزنى
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ إِلَى أَجَلٍ قَالَ هو الزنى
وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ حَرَامٌ فقيل له إن بن عَبَّاسٍ يُفْتِي بِهَا فَقَالَ فَهَلَّا تَزَمْزَمَ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُتْعَةِ لَا نَعْلَمُهَا إلا السفاح

(5/507)


وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ تَرَى مَا صَنَعْتَ وَبِمَا أَفْتَيْتَ سَارَتْ بِفُتْيَاكَ الرُّكْبَانُ وَقَالَتْ فِيهَا الشُّعَرَاءُ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَا وَاللَّهِ مَا أَحْلَلْتُ مِنْهَا إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يَعْنِي عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْآثَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانُ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ والنظر والليث بن سعد في أَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِصِحَّةِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ عَنْهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنًى مِنْهَا وَهُوَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَاتٍ وَأَجَلًا مَعْلُومًا
فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ هَذَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
وَقَالَ زُفَرُ إِنْ تَزَوَّجَهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا أَوْ شَهْرًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ
وَقَالُوا كُلُّهُمْ - إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ إِذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ نَوَى فِي حِينِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا أَلَّا يَمْكُثَ مَعَهَا إِلَّا شَهْرًا أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ نِيَّتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي نِكَاحِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا نَكَحَ أَنْ يَنْوِيَ حَبْسَ امْرَأَتِهِ إِنْ وَافَقَتْهُ وَأَلَّا يُطْلِقَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَكِنَّهُ نَوَى أَنْ لَا يَحْبِسَهَا إِلَّا شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ فَيُطْلِقُهَا فَهِيَ مُتْعَةٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ في حديث بن مَسْعُودٍ بَيَانُ أَنَّ الْمُتْعَةَ نِكَاحٌ إِلَى أَجَلٍ
وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّرْطَ الظَّاهِرَ وَإِذَا سَلِمَ الْعَقْدُ مِنْهُ صَحَّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَلَا خِلَافَ الْيَوْمَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا
وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ السلف إلا بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِأَكْلِهَا بَأْسًا وَيَتَأَوَّلَانِ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل (قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا

(5/508)


عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) الْأَنْعَامِ 145
وَهَذِهِ الْآيَةُ قَدْ أَوْضَحْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِهَا وَأَنَّهَا آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَزَلَ بَعْدَهَا قُرْآنٌ كَثِيرٌ بِتَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ وَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالسِّبَاعِ
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي أَكْلِ السِّبَاعِ فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالسِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عن الأعمش عن مجاهد عن بن عَبَّاسٍ
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عن سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَهُوَ الَّذِي تحمل إضافته إلى بن عَبَّاسٍ لِمُوَافَقَتِهِ جَمَاعَةَ النَّاسِ فِي لُحُومِ الْحُمُرِ
وَلَيْسَ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ عَلَى السُّنَّةِ لِأَنَّ عَلَى الْكُلِّ فِيهَا الطَّاعَةَ وَالِاتِّبَاعَ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَزَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى يَوْمَ خَيْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ

(5/509)


وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عِبَادَةٌ وَشَرِيعَةٌ لَا لِعِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْخَيْلِ فِي الْعُرْفِ أَوْكَدُ وَأَشَدُّ وَأَنَّ الْخَيْلَ أَرْفَعُ حَالًا وَأَكْثَرُ جَمَالًا فَكَيْفَ يُؤْذَنُ لِلضَّرُورَةِ فِي أَكْلِهَا وَيُنْهَى عَنِ الْحُمُرِ هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَمَنْ كَرِهَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَاحَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ وَالْحَمْدُ لله
وأما حديث
1099 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت
يحيى فَإِنَّهُ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ قَبْلَ نَهْيِهِ عَنْهَا عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ تَغْلِيظًا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ فِي نِكَاحِ السِّرِّ لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ وَيَنْزَجِرُوا عَنْ سُوءِ مَذَاهِبِهِمْ وَقَبِيحِ تَأْوِيلَاتِهِمْ
وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ تَقَدُّمُهُ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عِدَّةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَهُوَ سِفَاحٌ فَإِذَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ وَاقَعَ ذَلِكَ رَجَمَهُ كَمَا يُرْجَمُ الزَّانِي
وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى مَنْ وطىء حراما عنده لا لَمْ يَتَأَوَّلْ فِيهِ سُنَّةً وَلَا قُرْآنًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ هَذَا فَهُوَ أَخُو صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ جَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْخَمْرِ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَتَنَصَّرَ فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ يَقُولُ لَهُ رَاجِعِ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَا قَبْلَهُ وَقَرَابَتُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَاجَعَهُ إِلَّا بِقَوْلِ النَّابِغَةِ

(5/510)


(حَيَّاكَ وَدٌّ فَإِنَّنَا لَا يَحِلُّ لَنَا ... لَهْوُ النِّسَاءِ وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَ)
ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَالْعَدَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ رَبِيعَةُ الذي جلده عمر في الخمر هو بن أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِذَا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السلام أي يوم هذا نادى بأي يَوْمٍ هَذَا وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ حَدَّهُ بَعْدُ فِي الْخَمْرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مُتَّصِلًا
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ بَقِيِّ بْنِ مخلد عن بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَوْ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ يَعْنِي الْمُتْعَةَ
1 9 - بَابُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ
1100 - مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذلك
قال أَبُو عُمَرَ اسْتِحْسَانُ مَالِكٍ لِمَا قَالَهُ رَبِيعَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعَ عِنْدَهُ بَيَانُ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَ رَبِيعَةَ
وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هذا الباب ما رواه بن وهب عن بن لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ سَأَلْتُ سَالِمًا وَالْقَاسِمَ عَنِ الْعَبْدِ كَمْ يَتَزَوَّجُ قال أربعا
وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن عُيَيْنَةَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَرْبَعًا
وَقَالَ عَطَاءٌ اثْنَتَيْنِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ يَنْكِحُ العبد أربعا
قال وحدثني بن جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ

(5/511)


قال وحدثني بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ
قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ أَجَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 3 يَعْنِي مَا حَلَّ لَكُمْ (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النِّسَاءِ 3 وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ عَلَى مَا فِي ((مُوَطَّئِهِ))
وَكَذَلِكَ رَوَى عنه بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إِلَّا أَنَّ أَشْهَبَ قَالَ عَنْهُ إِنَّا لَنَقُولُ ذَلِكَ وَمَا نَدْرِي مَا هُوَ
وذكر بن المواز أن بن وَهْبٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ
قَالَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْعَبْدِ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ
وَلَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اثْنَتَانِ فَصَمَتَ عُمَرُ
قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَهُ عمر وافقت الذي في نفسي
وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن أبي زائدة عن بن عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

(5/512)


سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ مَنْ يَعْلَمُ مَا يَحِلُّ لِلْمَمْلُوكِ مِنَ النِّسَاءِ
فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَالَ كَمْ قَالَ امْرَأَتَانِ فَسَكَتَ عُمَرُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ لَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ أَجْمَعَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَجْمَعُ مِنَ النِّسَاءِ أَرْبَعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وعطاء وبن سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَالْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَتَادَةَ
وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ عَلَى طَلَاقِهِ وَحُدُودِهِ
وَكُلُّ مَنْ قَالَ حَدُّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَطَلَاقُهُ تَطْلِيقَتَانِ وَإِيلَاؤُهُ شَهْرَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُقَالَ تَنَاقَضَ فِي قَوْلِهِ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مخالف للمحلل إن أذن له سيده ثبث نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُحَلِّلُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ بِمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَمَعَانِي أَقْوَالِهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ
وَأَمَّا نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ أَنَّهُ نِكَاحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ السَّيِّدِ فَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ
وَهُوَ قول ليث والكوفيين إلا أنهم اختلفوا من ذلك فِيمَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قَالَ مَالِكٌ إِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى نِكَاحَ عَبْدِهِ جَازَ وَإِنْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ مَوْلَاهُ نِكَاحَهُ ذَلِكَ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ
قَالَ وَكُلُّ عَبْدٍ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ إِلَيْهِ لَيْسَ إِلَى سيده منه شيء
قال ولو أن عَبْدًا نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَعَلِمَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَجَزْتُهُ فِي نِكَاحِهِ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا
قَالَ وَلَوْ كَانَ بيعا فقد أَجَزْتُ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَلْزَمِ الْبَيْعُ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إِذْنِ (مَوْلَاهَا) نِكَاحُهَا بَاطِلٌ أَجَازَهُ

(5/513)


مَوْلَاهَا أَوْ لَمْ يُجِزْهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَالْأَمَةُ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا بَلَغَ السَّيِّدَ نِكَاحُ عَبْدِهِ وَأَجَازَهُ جَازَ وَإِنْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمَوْلَى لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَكَانَتْ مُشَارِكَةً لِلنِّكَاحِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إِذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى قَالَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ
وَحَكَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ لَا تَجُوزُ إِجَازَةُ الْمَوْلَى وَلَمْ يُجِزْهُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ الْفَاسِدَةَ لَا يَصِحُّ إِجَازَتُهَا فَإِنْ أَرَادَ النِّكَاحَ اسْتَأْنَفَهُ عَلَى سُنَّتِهِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سيده
وقد كان بن عُمَرَ يَعُدُّ الْعَبْدَ بِذَلِكَ زَانِيًا وَيَحُدُّهُ
وَذَكَرَ عبد الرزاق عن بن عمر عن نافع عن بن عُمَرَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ
قال وأخبرنا بن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ زِنًا وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدَّ وَيُعَاقِبُ الذين أنكحوهما
قال وأخبرنا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ))
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ نِكَاحٌ حَرَامٌ فَإِنْ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْفَرْجَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ

(5/514)


رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومجاهد والحسن وبن سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وبن شِهَابٍ وَمَكْحُولٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ
ولم يختلف عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ السَّيِّدِ
وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَفِرْقَةٌ
وَهُوَ عِنْدَ العلماء شذوذ لا يعول عليه وأظن بن عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) النَّحْلِ 75
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَ عَبْدِهِ الْمُنْعَقِدَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا قُرْبًا وَلَا بُعْدًا
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ أَذِنَ الْمَوْلَى فَهُوَ جَائِزٌ
وَشُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ مِثْلَهُ
وَشُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ إِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ
قَالَ وَقَالَ حَمَّادٌ يَسْتَأْنِفُ النِّكَاحَ
وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِنْ شَاءَ السَّيِّدُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةَ بْنِ سَلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ قَالَا إِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ
وَفِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا مَلَكَتْهُ امرأته والزوج يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ إِنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا
قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إِذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إِذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمَرْأَةِ تَمْلِكُ زَوْجَهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ إِنَّ مِلْكَهَا لَهُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ

(5/515)


وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ فسخ النكاح فإنهم يؤيدون ذلك أَنَّهُ إِذَا نَكَحَهَا وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِغَيْرِهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى عِصْمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ كَامِلَةٍ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَآتِ بِالنِّكَاحِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا وَجَبَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِهَا لَهُ فَهُوَ طَلَاقٌ
وَقَالَتْ بِهِ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ قَتَادَةُ
فَعَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ يكون عنده على طلقتين إن طلقها طلقتين حَرُمَتْ عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِذَا مَلَكَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهَا وَلَا يُتْرَكُ مَمْلُوكًا لَهَا وَقَدْ كَانَ يَطَأُهَا قَبْلَ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ يَطَأَهَا مَنْ تَمْلِكُهُ وَأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) الْمُؤْمِنُونَ 5 6 وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُنِيَ بِهَا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَلَكِنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ مِلْكِهَا لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ حِينَ مَلَكَتْهُ كَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَلَا يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَنَّهَا أَيْضًا بِمِلْكِهَا لَهُ يَفْسُدُ نِكَاحُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ مِلْكِهَا لَهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَاضِحٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ
حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني بن جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَا يَحِلُّ لَكِ مُسْلِمٌ بَعْدَهُ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ تَسَرَّتِ امْرَأَةٌ غُلَامَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمْرَ فَسَأَلَهَا مَا حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَتْ كُنْتُ أَرَاهُ يَحِلُّ لِي بِمِلْكِ يَمِينِي كَمَا تَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِي رَجْمِهَا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا تَأَوَّلَتْ كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ لَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَقَالَ عُمَرُ لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا أُحِلُّكِ لِحُرٍّ بَعْدَهُ أبدا عاقبها بِذَلِكَ وَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا وَأَمَرَ الْعَبْدَ أَلَّا يقربها

(5/516)


وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ حَضَرْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَعْرَابِ بِغُلَامٍ لَهَا رُومِيٍّ فَقَالَتْ إِنِّي اسْتَسْرَرْتُهُ فَمَنَعَنِي بَنُو عَمِّي عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَنَا بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْوَلِيدَةُ فَيَطَؤُهَا فَانْهَ عَنِّي بَنِي عَمِّي فَقَالَ عُمَرُ أَتَزَوَّجْتِ قَبْلَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا مَنْزِلَتُكِ مِنَ الْجَهَالَةِ لَرَجَمْتُكِ بِالْحِجَارَةِ وَلَكِنِ اذْهَبُوا بِهِ فَبِيعُوهُ مِمَّنْ يَخْرُجُ بِهِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلَانِ نِكَاحِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ ذَلِكَ فَسْخُ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٌ وَلَكِنَّهُ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِبْرَائِهَا مِنْ مَائِهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ وَصَدَاقٍ
وَلَوْ وَرِثَ أَوِ اشْتَرَى بَعْضَهَا فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَخْلِصَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَحَمَلَتْ فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَتُقَوَّمُ لِشُرَكَائِهِ
قَالَ مَعْمَرٌ وَقَالَ قَتَادَةُ لَمْ تَزْدَدْ مِنْهُ إلا قربا وتكون عِنْدَهُ عَلَى حَالِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ بن شِهَابٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ بَعْضَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جَمِيعَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا لَحِقَهُ وَلَدَهَا وَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ
وَأَمَّا قَوْلُ قَتَادَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إِلَّا بِمِلْكِ جَمِيعِهَا وَيَطَؤُهَا بِنِكَاحِهِ وَلَا يَزِيدُ مِلْكُ الْيَمِينِ مِنْهَا إِلَّا قُوَّةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى صَدَاقٍ مَعْلُومٍ فَضَمِنَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ إِنَّهُ دَفَعَ فِيهِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ إِلَى زَوْجَتِهِ فَمَلَكَتْهُ بِمَهْرِهَا كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ
(20 - بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إِذَا أسلمت زوجته قبله)
1101 - مالك عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(5/517)


يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردائه ناداه على رؤوس النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ هَذَا وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتُهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ)) فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بَلْ لَكَ تَسِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)) فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ ((بَلْ طَوْعًا)) فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّتِي عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح
1102 - وعن بن شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ
قَالَ بن شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عدتها
1103 - وعن بن شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرَحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا

(5/518)


الْإِسْلَامَ فَلَمْ تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الْمُمْتَحَنَةِ 10
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَعَلَى حَسَبِ أَلْفَاظِهِمَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَهِيَ تَنْصَرِفُ فِي أَبْوَابٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ وَالْوَثَنِيِّ وَالْكِتَابِيِّ تُسْلِمُ امْرَأَتُهُ قَبْلَهُ أَوْ يُسْلِمُ قَبْلَهَا وَمَسْأَلَةُ الْحَرْبِيَّةِ تَخْرُجُ إِلَيْنَا مُسْلِمَةً
فَأَمَّا الْكَافِرُ تُسْلِمُ امْرَأَتُهُ فَفِي حديث بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ مَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا فِي الْوَثَنِيِّ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ الْوَثَنِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا كَمَا كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ أَحَقَّ بِزَوْجَتَيْهِمَا لَمَّا أَسْلَمَا فِي عِدَّتِهِمَا على حديث مالك عن بن شِهَابٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ سَوَاءً بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَرَوَى مَعْمَرٌ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَرَّ يَوْمَ الْفَتْحِ فَرَكِبَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَرَدَّتْهُ فَأَسْلَمَ وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الوثنيين يسلم الرجل منهما قَبْلَ امْرَأَتِهِ
فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ تَقَعُ بِإِسْلَامِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ وَلَمْ تُسْلِمْ فِي الْوَقْتِ
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الْمُمْتَحَنَةِ 10
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَوَاءٌ أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ أَوِ الْوَثَنِيُّ قَبْلَ امْرَأَتِهِ الْوَثَنِيَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ إِذَا اجْتَمَعَ إِسْلَامُهُمَا فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَتِهِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَهِنْدٌ بِهَا كَافِرَةٌ مُقِيمَةٌ عَلَى كُفْرِهَا فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ فَاسْتَقَرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنِ انْقَضَتْ
قَالَ وَمِثْلُهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أَسْلَمَ قَبْلَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا

(5/519)


قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ
وَقَوْلُهُ (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الْمُمْتَحَنَةِ 10 لِأَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْكُفَّارِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الْكَوَافِرُ وَالْوَثَنِيَّاتُ وَلَا الْمَجُوسِيَّاتُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الْمُمْتَحَنَةِ 10
ثُمَّ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ الثَّانِي مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قِصَّةُ زَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا
ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قال حدثني يزيد كلهم عن بن إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ سَنَتَيْنِ
فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِمَّا أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَإِمَّا الْأَمْرُ فِيهَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الْبَقَرَةِ 228 يَعْنِي فِي عِدَّتِهِنَّ
وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ انه عني به العدة
وقال بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ هَذِهِ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ
وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ بَرَاءَةٌ بِقَطْعِ الْعُهُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا سَقَطَ الْقَوْلُ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ - مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَغَازِي - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ إِلَى أَبِي الْعَاصِ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ

(5/520)


وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَافِرَةِ تُسْلِمُ وَيَأْبَى زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ
وَهَذَا كُلُّهُ يَبِينُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردا ابْنَتَهُ زَيْنَبَ إِلَى أَبِي الْعَاصِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَلَى مِثْلِ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ إِنْ صَحَّ
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ وَاللَّهُ أعلم
وقد ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن بن شِهَابٍ قَالَ أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى وَزَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بِمَكَّةَ مُشْرِكٌ ثُمَّ شَهِدَ أَبُو الْعَاصِ بَدْرًا مُشْرِكًا فَأُسِرَ فَفُدِيَ وَكَانَ مُوسِرًا ثُمَّ شَهِدَ أُحُدًا مُشْرِكًا وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَمَكَثَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فَأُسِرَ بِأَرْضِ الشَّامِ أَسَرَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَتْ زَيْنَبُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَتْ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ فَقَالَ ((وَمَا ذَاكَ يَا زَيْنَبُ)) فَقَالَتْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ فَقَالَ ((أَجَزْتُ جِوَارَكِ)) ثُمَّ لَمْ يُجِزْ جِوَارَ امْرَأَةٍ بَعْدَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَكَانَ عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَهَا إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَذَكَرَ لَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ فَقَالَتْ أَبُو الْعَاصِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَيْثُ عَلِمْتَ وَقَدْ كَانَ نِعْمَ الصِّهْرِ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ نَنْتَظِرَهُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ
قال بن شِهَابٍ وَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالرَّوْحَاءِ مَقْفَلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْفَتْحِ فَقَدِمَ عَلَى جُمَانَةَ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ مُشْرِكَةً فَأَسْلَمَتْ فَأَقَامَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
قَالَ بن شِهَابٍ وَأَسْلَمَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَدِمُوا عَلَى نِسَائِهِمْ مُشْرِكَاتٍ فَأَسْلَمْنَ فَأَقَامُوا عَلَى نِكَاحِهِمْ وَكَانَتِ امْرَأَةُ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الشَّفَا بِنْتَ عَوْفٍ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَامْرَأَةُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ زَيْنَبَ ابْنَةَ الْعَوَّامِ فامرأة أَبِي سُفْيَانَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
قال بن شِهَابٍ وَكَانَ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ عَاتِكَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ آمِنَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَأَسْلَمَتْ أَيْضًا مَعَ عَاتِكَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ بَعْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَقَامَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ مَالِكًا (وَقَدْ ذَكَرْنَا حُجَّةَ مَالِكٍ

(5/521)


فإن قيل أن بن جريج روى عن بن شِهَابٍ أَنَّهَا إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ خُيِّرَ زَوْجُهَا فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بينهما
قيل له لم يختلف قول بن شِهَابٍ وَلَا اخْتَلَفَتْ آثَارُهُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مَا كَانَ إِسْلَامُهُ فِي عِدَّتِهَا
وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ يُخَيَّرُ مَا دَامَ فِي الْعِدَّةِ لَا فِي وَقْتِ إِسْلَامِهِ فَقَطْ
وَقَدْ رَوَى إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَسْلَمَ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ مَعَهَا وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْهَا لَا يُحَرِّمُهَا عَلَى زَوْجِهَا الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ سُفْيَانُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَافِرِينَ الذِّمِّيِّينَ إِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ عُرِضَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا
قَالُوا وَلَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَقَالُوا لَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَجُوسِيَّةً فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ تُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَالذِّمِّيِّينَ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ عندهم
وقالوا في الآثار التي ذكرها بن شِهَابٍ أَنَّ قُرَيْشًا الْمَذْكُورِينَ وَنِسَاءَهُمْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الدِّيَانَاتِ فَبِاخْتِلَافِهِمَا يَقَعُ الْحُكْمُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

(5/522)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَأَسْلَمَ هُوَ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَهُوَ خَاطِبٌ
قَالَ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَالْكِتَابِيَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَعْنِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَ إِسْلَامُهُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا جَاءَ الْخَبَرُ بِهِ عَنْ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ
وَالْأُخْرَى مِثْلُ قَوْلِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ أَبَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَالذِّمِّيِّينَ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رابع في المجوسيين عن بن شِهَابٍ أَيُّهُمَا أَسْلَمَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا سَاعَةَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَا مَعًا
رُوِيَ ذَلِكَ عن بن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَالْحَكَمِ
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الصَّدَاقِ فِي هَذَا الْبَابِ
فَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِنْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى فَلَهَا الْمَهْرُ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَنِصْفُهُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ أَسَلَمَ وَأَبَتْ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ فَلَا مَهْرَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ
وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ الْمَجُوسِيَّةَ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ شَرْطُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْكِتَابِيَّةَ وَيُحَرِّمُ الْمَجُوسِيَّةَ
وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهُ فسخ ليس بطلاق
وفي سماع بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ قَبْلَ أن يدخل بها إنه لا صداق لها سَمَّى لَهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا
قَالَ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ إِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا وَكَانَ لَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا فَإِنْ بَقِيَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِهَا فَلَهَا بَقِيَّتُهُ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا أَوْ لَمْ يُسْلِمْ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجُوسِيَّةِ يَتَزَوَّجُهَا الْمَجُوسِيُّ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَدْخُلْ بها - فرض لها أو لم يفرض لها إِنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا إِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَأَبَى هُوَ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَأَبَتْ هِيَ أَنْ تُسْلِمَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا

(5/523)


قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي عِدَّتِهَا بِذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يُنْزِلُونَ إِسْلَامَهُ أَوْ إِسْلَامَهَا منزلة الطلاق يراعون في رجعته إلى الْإِسْلَامِ الدُّخُولَ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ فِيهِ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَثَنِيَّيْنِ يُسْلِمُ الزَّوْجُ مِنْهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَتَأْبَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُزَنِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً وَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ قَبْلَهُ فَلَا صَدَاقَ لَهَا لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِيمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا يَنْتَظِرُ إِلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً فَيُسْلِمُ الرَّجُلُ وَتَأْبَى امْرَأَتُهُ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا
فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي أَبَى قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ
وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَبَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا
وهو قول الثوري
وقال بن شُبْرُمَةَ فِي الْمَجُوسِيِّ تُسْلِمُ امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا
وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ وَلَمْ يَدْخُلْ ثُمَّ لَمْ تُسْلِمْ هِيَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ
وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِلَافُ التَّابِعِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فَلَمْ أَرَ لِذِكْرِهِمْ وَجْهًا
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَاجِبًا لِلْمَرْأَةِ إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ زَوْجِهَا وَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الصَّدَاقِ
وَمَنْ رَأَى لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ زَعَمَ أَنَّهَا فَعَلَتْ فِعْلًا مُبَاحًا لَهَا يَرْضَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهَا فَلَمَّا أَبَى زَوْجُهَا أَنْ يُسْلِمَ كَانَ كَالْمُفَارِقِ الْمُطَلِّقِ لَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ

(5/524)


وَأَمَّا إِسْلَامُ الزَّوْجِ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا
فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَقَامَ عَلَيْهَا
وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَوَجْهُ مَنْ قَالَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ إِنْ أَبَتْ مِنَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ الْمُفَارِقُ لَهَا بِإِسْلَامِهِ وَقَدْ كَانَا عَقَدَا نِكَاحَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا
وَمَنْ قَالَ لَا شَيْءَ لَهَا فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَلَوْ أَسْلَمَتْ قَرَّتْ مَعَهُ فَلَمَّا أَبَتْ كَانَتْ هِيَ الْمُفَارِقَةَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بَيْنَهُمَا بلا غرض إِسْلَامٍ وَلَا انْتِظَارِ عِدَّةٍ
وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ بن جُرَيْجٍ
وَذَكَرَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ خَلَعَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ كَمَا تُخْلَعُ الْأَمَةُ مِنَ الْعَبْدِ إِذَا عُتِقَتْ
وَهَذَا جَهْلٌ لِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْتَ الْعَبْدِ لَا تَبِينُ بِعِتْقِهَا مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَهَا مَا لَمْ يَمَسَّهَا
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَبِنْ مِنْهُ
وَكَذَلِكَ الْكَافِرَةُ إِذَا أَسْلَمَتْ لَمْ تَبِنْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَوْ بَانَتْ مَا عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَلَا انْتُظِرَ بِهِ فِي تَخْيِيرِهِ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مُضِيُّ الْعِدَّةِ
وَهَذَا مَعَ وُضُوحِهِ قَدْ رُوِيَ مَنْصُوصًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عبد العزيز قال إذا أسلم وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ شَاذٌّ خَامِسٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ إِذَا أَسْلَمَتِ الذِّمِّيَّةُ لَمْ تُنْتَزَعْ مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّ لَهُ عَهْدًا
وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْآثَارِ
(21 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ)
1104 - مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ

(5/525)


عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا)) فَقَالَ زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ))
هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةُ رُوَاةِ ((الْمُوَطَّأِ)) جَعَلُوهُ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ
وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ وَالْخَبَرِ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى زِنَةِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَقَالَ لَهُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)) هِيَ بِنْتُ أُنَيْسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْأَوْسِ وَلَدَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ابْنَيْنِ
أَحَدُهُمَا يُسَمَّى الْقَاسِمُ
وَالْآخَرُ أَبُو عُثْمَانَ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا عَبْدُ اللَّهِ الْأَصْغَرُ والآخر عَبْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ
وَأَمَّا النَّوَاةُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ وَزْنُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزْنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ النَّوَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ نَوَاةُ التَّمْرِ أَرَادَ وَزْنَهَا مِنَ الذَّهَبِ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَزْنُ النَّوَاةِ بِالْمَدِينَةِ رُبُعُ دِينَارٍ
قَالَ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَنْصَارِيَّةً وَأَصْدَقَهَا زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَرُبُعٍ
وَجَعَلَ هَذَا الْقَائِلُ حَدِيثَ النَّوَاةِ هَذَا أَصْلًا فِي أَقَلِّ الصَّدَاقِ

(5/526)


وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ وَزْنُهُ دِرْهَمَانِ عَدَدًا لَا كَيْلًا
لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ
وَدِرْهَمُ الْفِضَّةِ دِرْهَمٌ كَيْلًا وَهُوَ دِرْهَمٌ وَخُمُسَانِ وَوَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبُعٍ مِنْ ذَهَبٍ
لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ صَدَاقًا لِمَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ وَمِنْ رُبُعِ دِينَارٍ ذَهَبًا بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ مِثْقَالَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَهُمَا دِينَارَانِ فَأَيْنَ هُوَ رُبُعُ دِينَارٍ ذَهَبًا مِنْ هَذَا لَوْلَا الْغَفْلَةُ الشَّدِيدَةُ
وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَكْثَرِ الصَّدَاقِ وَأَنَّهُ لَا مِقْدَارَ لَهُ عِنْدَهُمْ
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ الصَّدَاقِ
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ وَبِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ تُبَيِّنُ تِلْكَ الصُّفْرَةَ مَا كانت فيجوز على هذا الرجل أَنْ يُصَفِّرَ لِحْيَتَهُ وَثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ
وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لِبَاسَ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ للرجال
وحكاه عن بن عمر وبن المنكدر وربيعة وبن هُرْمُزٍ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيد بن أسلم عن أبيه أن بن عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهِ وَرَأَيْتُهُ أَحَبَّ الطِّيبِ إِلَيْهِ
وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حدثني بن شَعْبَانَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ حدثنا إبراهيم بن سعد قال سألت بن شِهَابٍ عَنِ الْخَلُوقِ فَقَالَ قَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّقُونَ ولا يرون بالخلوق بأسا
قال بن شَعْبَانَ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الثِّيَابِ دون الجسد

(5/527)


وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا أَنْ يَصْبُغَ الرَّجُلُ ثِيَابَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِالزَّعْفَرَانِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ
وَحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَخَلِّقٌ بِالزَّعْفَرَانِ فَقَالَ لِي يَا يَعْلَى! هَلْ لَكَ امْرَأَةٌ قُلْتُ لَا قَالَ اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ
وَحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تَقْرَبُ الملائكة جنازة كافر ولا جنب ولا متضمغ بِخَلُوقٍ))
وَأَحَادِيثَ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجَامِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
1105 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَةً لَيْسَ فيها خبز ولا لحما
حدثنا به بن وَهْبٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ بِإِسْنَادِهِ هَذَا
وَزَادَ فِيهِ قِيلَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ
وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَإِسْمَاعِيلُ كَثِيرُ الْخَطَأِ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّامِيِّينَ أَشْبَهُ وَالنَّسَائِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِأَنَسٍ رَوَاهُ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ
وَهَذِهِ الْوَلِيمَةُ كَانَتْ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِي السَّفَرِ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ

(5/528)


وَعِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ حِينَ تَزَوَّجَهَا فَأَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ كُلَّهَا بِالْأَسَانِيدِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
1106 - مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِذَا دُعِيَ أحدكم إلى الوليمة فليأتها))
1107 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ نَافِعٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ
فَلَفْظُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ كَلَفْظِ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ)) لَمْ يَخُصَّ وَلِيمَةً مِنْ غَيْرِهَا
هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((إذا دعا أحدكم أخاه فليجيب عُرْسًا كَانَ أَوْ دَعْوَةً))
وَرَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع

(5/529)


وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فَظَاهِرُهُ يُوجِبُ إِتْيَانَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ دُونَ غَيْرِهَا
وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ يَشْتَمِلُ كُلَّ دعوة إلا أنه مجمل محتمل التأويل وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَالزُّبَيْدِيِّ قَدْ بَانَ فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْيَانِ الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ لَا خِلَافَ
أَلْفَاظُ ظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِتْيَانُهُ مِنَ الدَّعَوَاتِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى
وأما حديث بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ))
فَظَاهِرُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَقْضِي بِرَفْعِهِ عِنْدَهُمْ
وَقَدْ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ)) الْحَدِيثَ فَرَفَعَهُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن جريج عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيَّبِ وَالْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا قَالَ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى الْغَنِيُّ وَيُمْنَعُ الْمِسْكِينُ وَهِيَ حَقٌّ مَنْ يَرُدُّهَا فَقَدْ عَصَى
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَهَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ خَرَّجَ أَهْلُ التَّصْنِيفِ فِي ((الْمُسْنَدِ)) حَدِيثَ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(5/530)


وكذلك خرجوا في ((المسند)) حديث بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَلِيمَةِ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ إِلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ إِشْكَالٍ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَجِبُ إِتْيَانُهُ مِنَ الدَّعَوَاتِ إِلَى الطَّعَامِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ إِتْيَانُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَلَا يَجِبُ غَيْرُهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَاجِبَةٌ وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِ غَيْرِهَا مِنَ الدَّعَوَاتِ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ وَلِيمَةٍ كَالْإِمْلَاكِ وَالنِّفَاسِ وَالْخِتَانِ وَحَادِثِ سُرُورٍ وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ
قَالَ وَمَنْ أَجَابَ وَهُوَ صَائِمٌ دَعَا وَانْصَرَفَ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ الْقَاضِي إِجَابَةُ كُلِّ دَعْوَةٍ اتخذها صَاحِبُهَا لِلْمَدْعُوِّ فِيهَا طَعَامًا وَاجِبَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ))
وَقَدْ رُوِيَ عُرْسًا كان أو غيره
ولحديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ))
وَلِحَدِيثِ الْبَرَاءِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا إِجَابَةَ الدَّاعِي
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَجِدْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا - يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا فِي إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ
قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ إِنَّمَا هُوَ طَعَامُ الْعُرْسِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَقَدْ أَوْلَمَ إِذَا أَطْعَمَ

(5/531)


وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)) فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُولِمَ وَيَدْعُوَ وَجَبَتِ الْإِجَابَةُ
وَفِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله ورسوله بيان في تأكيد إيجاب إتيان الْوَلِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السلف من الصحابة وَالتَّابِعِينَ فِي الْقَوْلِ بِالْوَلِيمَةِ وَإِجَابَةِ مَنْ دُعِيَ إِلَيْهَا
وَأَمَّا طَعَامُ الْخِتَانِ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إِلَى خِتَانٍ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ وَقَالَ كُنَّا على عهد ر سول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَأْتِي الْخِتَانَ وَلَا نُدْعَى إِلَيْهِ
وَلَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ قال كان بن عُمَرَ يُطْعِمُ عَلَى خِتَانِ الصِّبْيَانِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مِنْ وُجُوهٍ
وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى إِيجَابِ الْإِجَابَةِ لِكُلِّ دَعْوَةٍ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ))
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ لِي كِرَاعٌ لَقَبِلْتُ))
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ الْحَدِيثَ النَّدْبَ وَالِاسْتِحْبَابَ لِمَا فِي إِجَابَةِ دَعْوَةِ الدَّاعِي مِنَ الْأُلْفَةِ وَفِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ مِنْ فَسَادِ النُّفُوسِ وَتَوْلِيدِ الْعَدَاوَةِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِجَابَةُ دَعْوَةِ الدَّاعِي إِلَى الطَّعَامِ حَسَنَةٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا
هَذَا أَقَلُّ أَحْوَالِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْمَنَاكِرِ الْمُحَرَّمَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِهَا
وَلِأَهْلِ الظَّاهِرِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ دَعْوَةٍ قَوْلَانِ فِي أَكْلِ الْمَدْعُوِّ الْمُجِيبِ إِذَا كَانَ مُفْطِرًا
وَقَدْ رُوِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثٌ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يُجِيبَ فَيَدْعُوَ وَيَنْصَرِفَ وَعَلَى الْمُفْطِرِ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي

(5/532)


هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ (1) يَقُولُ فَلْيَدْعُ الْآخَرُ
وَالْآخَرُ أَنَّ عَلَى مَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ إِذَا كَانَ مُفْطِرًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ طُرُقٍ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِجَابَةِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ إِذَا رَأَوْا فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ مُنْكَرًا أَوْ عَلِمُوهُ
فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنِّي أَرَاهُ خَفِيفًا
وَقَالَهُ بن الْقَاسِمِ
وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ
قَالَ وأخبرني بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ لَعِبٌ
وَقَالَ الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ
قَالَ وَضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا حَضَرَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ فِيهَا اللَّعِبَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِذَا كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ الضَّرْبُ بِالْعُودِ وَاللَّهْوُ فَلَا يَنْبَغِي أن يشهدها

(5/533)


وروي أن الحسن وبن سِيرِينَ كَانَا فِي جِنَازَةٍ وَهُنَاكَ نَوْحٌ فَانْصَرَفَ بن سِيرِينَ فَقِيلَ لِلْحَسَنِ ذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كُنَّا مَتَى رَأَيْنَا بَاطِلًا تَرَكْنَا لَهُ حَقًّا أَسْرَعَ ذَلِكَ فِي دِينِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَحُجَّتُهُ حَدِيثُ سَفِينَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ دَعَوَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَاهُ لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِمَا فَأَتَاهُ فَرَأَى فِرَاشًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَانْصَرَفَ وَقَالَ لَيْسَ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ أَوْ قَالَ بَيْتًا مُزَوَّقًا
قَالُوا فَقَدِ امْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّخُولِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كان مثله من المناكير
ورجع بن مَسْعُودٍ إِذْ دُعِيَ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ))
ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه بن عُمَرَ فَرَأَى مِثْلَ ذَلِكَ
وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى لَعِبَ الْحَبَشَةِ وَوَقَفَ لَهُ وَأَرَاهُ عَائِشَةَ وَأَنَّهُ ضُرِبَ عِنْدَهُ فِي الْعِيدِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حتى أكون أنا التي أستأم فأقدروا وأقدر الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ
وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ أَصْوَاتَ نَاسٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَتُحِبِّينَ أَنْ تَرَيْ لَعِبَهُمْ)) قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤوا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَوَضَعَ كَفَّهُ عَلَى الْبَابِ وَمَدَّ يَدَهُ وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى يَدِهِ وَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ وَأَنَا أَنْظُرُ وَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((حَسْبُكِ)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ! حَسْبُكِ)) فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ فَانْصَرَفُوا

(5/534)


وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ الْخَلِيلِ فِي الْوَلِيمَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ هُوَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْإِمْلَاكِ خَاصَّةً
قَالَ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلنُّفَسَاءِ الْخَرْصُ وَالْخُرْصَةُ - يُكْتَبُ بِالسِّينِ وَبِالصَّادِّ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخِتَانِ الْإِعْذَارُ وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ النَّقِيعَةُ وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ بِنَاءِ الدَّارِ الْوَكِيرَةُ
وَأَنْشَدَ خَلَفٌ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ
(كُلُّ الطَّعَامِ يَشْتَهِي رَبِيعَةُ ... الْخَرْصُ وَالْإِعْذَارُ وَالنَّقِيعَةُ)
قَالَ ثَعْلَبٌ الْمَأْدُبَةُ وَالْمَأْدَبَةُ كُلُّ ما دعي إليه من الطعام تفتح الذال وَتُضَمُّ فِي الْمَأْدُبَةِ
قَالَ وَيُقَالُ هَذَا طَعَامٌ أُكِلَ عَلَى ضَفَفٍ إِذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَكَانَ قَلِيلًا
وَاخْتَلَفُوا فِي نَهْبِهِ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ وَسَائِرِ مَا يُنْثَرُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْخِتَانِ وَأَضْرَاسِ الصِّبْيَانِ
فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَأَكَرَهُ أَنْ يُؤْكَلَ شَيْءٌ مِمَّا يَأْخُذُهُ الصِّبْيَانُ اخْتِلَاسًا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُزَنِيِّ لَوْ تُرِكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَا يَبِينُ لِي أَنَّهُ حَرَامٌ إِذَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ
وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْهُ أَكْرَهُهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ رُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِمَنْ غَلَبَ فِيهِ وَقَوِيَ عَلَيْهِ بِمَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِنُهْبَةِ السُّكَّرِ وَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ إِذَا أَذِنَ أَهْلُهُ فيه

(5/535)


وهو قول أبي يوسف
وقال بن أَبِي لَيْلَى نَثْرُ السُّكَّرِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحُجَّةُ مَنْ كَرِهَ النُّهْبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ أَصَابَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَصْلُحُ النُّهْبَةُ)) وَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ
وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا))
وَفِي حَدِيثِ الصَّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا نَنْتَهِبَ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا لإذن صاحبه فمن حجته عن حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَحَرَ بُدْنًا لَهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ
1018 - مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

(5/536)


قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ)) إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ فيه ذكر القديد منهم بن بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ قَالُوا فِيهِ بِطَعَامٍ فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ
وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى الْوَلِيمَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ
وَأَمَّا ظَاهِرُهُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى طَعَامِ الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي مِثْلُ حَدِيثِهِ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ لِطَعَامٍ صَنْعَتْهُ الْحَدِيثَ
ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَمِثْلُهُ فِي مَعْنَاهُ دُعَاءُ أَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ لَهُ إِلَى طَعَامٍ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْآثَارِ الصِّحَاحِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ يُوجِبُونَ الْإِتْيَانَ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ فِيهَا طَعَامٌ حَلَالٌ
لِحَدِيثِ شَقِيقٍ عن بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((أَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَلَا تُرَدُّ الْهَدِيَّةُ))
وَلِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا إِجَابَةَ الدَّاعِي وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ
وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَعْنَاهُمَا
وَرَوَى الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ))
وَيُرْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِتٌّ ((إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا عَطَسَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ)) فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاشْهَدْ جِنَازَتَهُ))
رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْعَلَاءِ

(5/537)


وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِيَادَةَ لِلْمَرِيضِ وَالتَّشْمِيتَ لِلْعَاطِسِ وَالِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ لَيْسَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ وَاجِبٌ يَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا هُوَ حُسْنُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ فَكَذَلِكَ الدَّعْوَةُ إِلَى الطَّعَامِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِأَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فِي إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وبالله التوفيق وحسبي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
18 -
(22 - بَابُ جَامِعِ النِّكَاحِ)
1109 - مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ أَوِ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا اشْتَرَى الْبَعِيرَ فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) مُرْسَلًا لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَعَنْبَسَةُ ضَعِيفٌ
وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ يَتَّصِلُ وَيَسْتَنِدُ مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَهَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَلَا أَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجَائِزٌ أَنْ يُدْعَى بِالْبَرَكَةِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يُشْتَرَى لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْبَرَكَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْخَيْرِ
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ عليه السلام خص البعير بالاستعاذة مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ بِالشَّيْطَانِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ قَالَ فِي الْإِبِلِ ((إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ))
وَهَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ بِحِدَّةِ الْجِنِّ وَصَوْلَتِهِمْ
وَكَذَلِكَ صَوْلَةُ الْجَمَلِ عِنْدَ هَيَاجِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ

(5/538)


فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكَّدَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْإِبِلِ وَأَمَرَ بِالدُّعَاءِ بِالْبَرَكَةِ فِي غَيْرِهَا وَفِيهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَالنَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ شَعْرِ رَأْسِ الدَّابَّةِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ أُذُنَيْهَا
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْآدَمِيِّينَ شَعْرُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ
1110 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهُ أو كاد يضربه ثم قال مالك والخبر
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ
وَمَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاللَّهُ أعلم - فيمن تَابَتْ وَأَقْلَعَتْ عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حرم الخبر بالسوء عنها وحرم رميها بالزنى وَوَجَبَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا إِذَا لَمْ تقم الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) الْبَقَرَةِ 222
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ))
وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنَّ ابْنَةً لِي وُلِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمَتْ فَأَصَابَتْ حَدًّا وَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَةِ فَذَبَحَتْ نَفْسَهَا فَأَدْرَكْتُهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْضَ أَوْدَاجِهَا بِزَاوِيَتِهَا فَبَرِئَتْ ثُمَّ مَسَكَتْ وَأَقْبَلَتْ عَلَى الْقُرْآنِ وَهِيَ تُخْطَبُ إِلَيَّ فَأُخْبِرُ مِنْ شَأْنِهَا بِالَّذِي كَانَ فَقَالَ عُمَرُ أَتَعْمَدُ إِلَى سِتْرٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فَتَكْشِفُهُ لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ ذَكَرْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا لَأَجْعَلَنَّكَ نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ بَلْ أَنْكِحْهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ فَقَالَتْ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْضَحَكَ إِنِّي قَدْ بَغَيْتُ فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَلَيْسَتْ قَدْ تَابَتْ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَزَوِّجْهَا

(5/539)


1111 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ الْبَتَّةَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا
1112 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ طَلَّقَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ
وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ طَلَاقًا بَائِنًا هَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَامِسَةً فِي الْعِدَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ وَالْأُخْتَ إِذَا كَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ قَدْ بَانَتْ وَلَا يُرَاعُونَ الْعِدَّةَ
وَهُوَ قول بن شِهَابٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فيه عن عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَالْقَاسِمُ
وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ
وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ إِذَا طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ ثَلَاثًا فَإِنَّهَا لَا تَرِثُكَ وَلَا تَرِثُهَا فَانْكِحْ إِنْ شِئْتَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا
رَوَاهُ عَبْدُ الرزاق عن معمر عن الزهري
وعن بن جريج عن عطاء قالا وأبعد النَّاسِ مِنْهَا إِذَا بَتَّ طَلَاقَهَا لَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا فَإِنْ شَاءَ نَكَحَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْ بَيْنُونَةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْخَامِسَةَ فِي عِدَّةِ الْمَبْتُوتَةِ

(5/540)


إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ قَالَ أَسْتَحِبُّ أَلَّا تَتَزَوَّجَ
وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَتَزَوَّجُ عِنْدَهُمْ فِي الْعِدَّةِ بِحَالٍ
وَرُوِيَ قَوْلُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ فَرُوِيَ عَنْهُمُ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا
وَرَوَى مَعْمَرٌ والثوري وبن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الَّتِي طَلَّقَ
وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ هَلْ عَلَى الرَّجُلِ عِدَّةٌ قَالَ نَعَمْ وَعِدَّتَانِ وَثَلَاثٌ فَذَكَرَ الْأُخْتَيْنِ يُطَلِّقُ إِحْدَاهُمَا وَالْأَرْبَعَ يُطَلِّقُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ
وَالرَّجُلُ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ وَلَدُهَا فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَحَامِلٌ هي أم لا لَا لِيَرِثَ أَخَاهُ أَوْ لَا يَرِثُهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الرَّجُلِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَطَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ ثَلَاثًا فَلَا يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً فَإِنْ مَاتَتْ فَلْيَتَزَوَّجْ مِنْ يَوْمِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مَعَ الْمَوْتِ فَسَادُ النَّسَبِ وَلَا يُرَاعَى اجْتِمَاعُ الْمَاءَيْنِ هُنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فيمن لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ طَلْقَةً يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ غَيْرِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمِيرَاثِ وَلُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ كَالَّتِي لَمْ تُطَلَّقْ مِنْهُنَّ سَوَاءٌ
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاسِمِ لِلْوَلِيدِ طَلَّقْتَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشْتَهِرَ طَلَاقُهَا الْبَاتُّ وَتَسْتَفِيضَ فَتُقْطَعَ عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ فِي تَزْوِيجِ الْخَامِسَةِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ خَامِسَةً
1113 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ النِّكَاحُ والطلاق والعتق

(5/541)


قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا إِلَّا أَنَّ فِي مَوْضِعِ الْعِتْقِ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ الرَّجْعَةُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ بن مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَسْتَنِدُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ يُقَالُ مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ
وَلَوْ كَانَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - صَحِيحًا عَنْ عَطَاءٍ لَمَا خَفِيَ فَإِنَّهُ أَقْعَدُ النَّاسِ بِعَطَاءٍ وَأَثْبَتُهُمْ فِيهِ
ولكن المعنى صحيح عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لَا أَعْلَمُهُ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَأَبِي الدَّرْدَاءِ
كُلُّهُمْ قَالَ ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ وَلَا رُجُوعَ فيهن واللعب فِيهِنَّ جَادٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ
هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَجُلًا لَعَّابًا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ كَمْ قَالَ أَلْفًا قَالَ فَرُفِعَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ أَلْفًا قَالَ نَعَمْ إِنَّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضًا مِثْلُهُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ ضَعِيفٍ
فَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى ومروان بن الحكم

(5/542)


وحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُنْقَطِعَانِ أَيْضًا
وَقَدْ روى الثوري وبن جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُمَا
وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ شَجِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ
وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ عَنْهُ لِصِحَّةِ الْإِسْنَادِ ورواية الأئمة له
كذلك وقد رَوَى وَكِيعٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ ثَلَاثٌ لَا يُلْعَبُ بِهِنَّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالنُّذُورُ
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَسُلَيْمَانُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ما أقلتم السفهاء من شيء فلا تقتلوهم الطَّلَاقَ وَالْعِتَاقَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ثَلَاثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ كَالْجَادِّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ
أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ يَقُولُ كُنْتُ لَاعِبًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) الْبَقَرَةِ 231 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ أعتق أَوْ نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ وَقَالَ إِنِّي كُنْتُ لاعبا فهو جائز عليه))
1114 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبُرَتْ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَحِلُّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ مَا شِئْتِ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ

(5/543)


مِنَ الْأَثَرَةِ وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ قَالَتْ بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ على الأثر
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا يُرِيدُ الْمَيْلَ بِنَفْسِهِ إِلَيْهَا وَالنَّشَاطَ لها لا أنه أثره عَلَيْهَا فِي مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَبِيتٍ لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِ رَافِعٍ
أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ))
وَمَا أَظُنُّ رَافِعًا فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النِّسَاءِ 128
تَرْكُ بَعْضِ حَقِّهَا
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ كَانَتْ قِصَّةُ سَوْدَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَقَّرَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوْضَةً مِنْهَا فِي أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَكَرِهَ مِنْ أَمْرِهَا إِمَّا كِبَرًا وَإِمَّا غَيْرَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَتْ لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ
فَجَرَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بعلها نشوزا أو إعراضا الآية) النِّسَاءِ 128
وَأَرْفَعُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) النِّسَاءِ

(5/544)


مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ فَقْرِهَا أَوْ كِبَرِهَا أَوْ سُوءِ خُلُقِهَا وَتَكْرَهُ فراقه فإن وضعت له شيء مِنْ مَهْرِهَا حَلَّ لَهُ فَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَلَا حَرَجَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قِصَّةَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الَّتِي ذَكَرَ مَالِكٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً
وَزَادَ فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِمَا (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) النِّسَاءِ 128
وَرَوَى هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَهِشَامٌ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ هُمَا عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ فَإِنِ انْتَقَضَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهِمَا أَوْ يُفَارِقَهَا
قَالَ هُشَيْمٌ وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِضَ وَهُوَ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا هُوَ قياس قول مالك فيمن أُنْظِرَ بِالدَّيْنِ أَوْ أَعَارَ الْعَارِيَةَ إِلَى مُدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِ
وَقَوْلُ عُبَيْدَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ لِأَنَّهَا هِبَةُ مَنَافِعَ طَارِئَةٌ لَمْ تُقْبَضْ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ تَمَّ كِتَابُ النِّكَاحِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا يَتْلُوهُ كِتَابُ الطَّلَاقِ

(5/545)