الاستذكار (43كِتَابُ الْعُقُولِ)
(1 - بَابُ ذِكْرِ الْعُقُولِ)
1575 - مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
فِي الْعُقُولِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ
الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ
من الإبل وفي المأمومة ثلث الدية مائة وَفِي الْجَائِفَةِ
مِثْلُهَا وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ
وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ وَفِي
كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ نَذْكُرُ هُنَا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ وَنَذْكُرُ الدِّيَةَ وَمَا فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ
فِي الْبَابِ بعد هذا
(8/36)
وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي
أَنَّ الْأَنْفَ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا الدِّيَةُ
كَامِلَةٌ وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي دِيَةِ
الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْعَيْنِ إِذَا أُصِيبَتْ مِنْ ذِي
عَيْنَيْنِ وَلَا فِي الْأَصَابِعِ إِلَّا الْإِبْهَامَ
وَلَكِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ بَعْضِهِ وَكَذَلِكَ
الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ لَا خِلَافَ فِي أن في
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي
الْأَسْنَانِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ لِأَحَدٍ
مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ أَوْ خَلَفِهِمْ فِي بَابِهِ
مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَفِي إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ مِصْرٍ عَلَى
مَعَانِي مَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ دَلِيلٌ
وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ يُسْتَغْنَى
عَنِ الْإِسْنَادِ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ (أَهْلِ)
الْمَدِينَةِ وغيرهم
وقد روى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ
احْتَجَّ بِكِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي دِيَةِ
الْأَصَابِعِ عَشَرٌ عَشْرٌ
وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ
سَوَاءً
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا
مُسْنَدًا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ زهير (بْنِ حَرْبٍ) وَمُحَمَّدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الْمُنَقِّرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَكَمُ
بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَزَادَ
الْمُنَقِّرِيُّ الْجَزَرِيُّ - قَالَ حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ
إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ
وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ فَقَدِمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَهَذِهِ
نُسْخَتُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ
وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بن عبد كلال
- قبل ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ - أَمَّا
بَعْدُ)
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي الصَّدَقَاتِ إِلَى
آخِرِهَا وَفِيهِ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ
غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى
أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ
مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوَعِيَ
جَدْعًا الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي
الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ
وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ
وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ
الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ
ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ
مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي
كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ
مِنَ الْإِبِلِ وَفِي
(8/37)
السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي
الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَأَنَّ الرَّجُلَ
يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ
دِينَارٍ)
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ
(2 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الدِّيَةِ)
1576 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى
فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ
وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
قَالَ مَالِكٌ فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ
وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ
1577 - قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْتُ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ
فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ
قَالَ مَالِكٌ وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ
فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ
عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يقبل من أهل القرى في
الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل
الذهب الورق ولا من أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَقْوِيمِ الدِّيَةِ فَرَوَى أَهْلُ
الْحِجَازِ عَنْهُ أَنَّهُ (قَوَّمَهَا كَمَا ذَكَرَ
مَالِكٌ عَنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ
الْوَرِقِ
وَرَوَى أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْهُ أَنَّهُ) قَوَّمَهَا -
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ جَعَلَهَا عَشَرَةَ آلَافِ درهم
وروى بن الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ
الْقُرَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَرَوَى هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الْإِبِلَ فِي الدِّيَةِ
مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَقَوَّمَ كُلَّ بَعِيرٍ بِمِائَةٍ
وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ عَنْ
عُمَرَ فَرَوَى وَكِيعٌ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ
حَدَّثَهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةَ
السَّلْمَانِيِّ قَالَا وَضَعَ عُمَرُ الدِّيَاتِ فَوَضَعَ
على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الْوَرِقِ عَشَرَةَ
أَلَافِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنَ
الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ
مُسِنَّةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى
أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ
(8/38)
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ تَخْتَلِفِ
الرِّوَايَاتُ عَنْ عُمَرَ فِي الذَّهَبِ أَنَّ الدِّيَةَ
مِنْهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَا اخْتَلَفَ فِيهِ
الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ خِلَافُ ذَلِكَ
وَلَا يَصِحُّ وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
وَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي مَبْلَغِ
الدِّيَةِ مِنْهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَيْسَ لِأَهْلِ
الْعِرَاقِ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرُوا عَنْ عُمَرَ
مَعَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيهِ آثَارٌ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
قَالَ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَتَلَهُ مَوْلًى لِبَنِي
عَدِيٍّ بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَفِيهِمْ نَزَلَتْ (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ
أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)
التَّوْبَةِ 74
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الطَّائِفِيُّ وَأَسْنَدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي
الْخَطَأِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ (وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - الدِّيَةُ مِنَ الْوَرِقِ اثني عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى
عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحِجَازِيِّينَ وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ
عُمَرَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ لَا يَأْخُذُ فِي الدِّيَةِ إِلَّا الْإِبِلَ
وَالذَّهَبَ أَوِ الْوَرِقَ لَا غَيْرُ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْخُذُ أَيْضًا فِي
الدِّيَةِ الْبَقَرَ وَالشَّاءَ وَالْحُلَلَ عَلَى مَا
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ)
وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْمَدَنِيِّينَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ (عَبْدِ
الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنِ عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الدِّيَةَ عَلَى
النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا كَانَتْ عَلَى أَهْلِ
الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ
أَلْفَيْ شَاةٍ وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل
الْبُرُودِ مائَتَيْ حُلَّةٍ
(8/39)
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ
وَقَتَادَةَ
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ) حَدَّثَنِي سَعِيدُ
بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ ذَكَرَ عَطَاءٌ
عَنْ جَابِرٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ
فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ بن أَبِي شَيْبَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ لَا يَأْخُذُ مِنَ
الذَّهَبِ وَلَا مِنَ الْوَرِقِ إِلَّا قِيمَةَ الْإِبِلِ
بَالِغًا مَا بَلَغَتْ
وَقَوْلُهُ بِالْعِرَاقِ
مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ
الْعِلْمُ مُحِيطٌ لِأَنَّ تَقْوِيمَ عُمْرَ الْإِبِلَ
إِنَّمَا قَوَّمَهَا بِقِيمَةِ يَوْمِهَا فَاتِّبَاعُ
عُمَرَ أَنْ تُقَوَّمَ الْإِبِلُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ
إِذَا وَجَبَتْ فَأَعْوَزَتْ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ لَمْ
يَكُنْ إِلَّا لِلْإِعْوَازِ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ
الْقَرَوِيَّ إِبِلًا كَمَا لَا يُكَلِّفُ الْأَعْرَابِيَّ
ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُهَا كَمَا لَا
يَجِدُ الْحَضَرِيُّ الْإِبِلَ
قَالَ وَلَا تُقَوَّمُ إِلَّا بِالدَّنَانِيرِ
وَالدَّرَاهِمِ دُونَ الشَّاءِ وَالْبَقَرِ فَلَوْ جَازَ
أَنْ تُقَوَّمَ بِالشَّاءِ وَالْبَقَرِ وَالْحُلَلِ
قَوَّمَاهَا عَلَى أَهْلِ الْخَيْلِ بِالْخَيْلِ وَعَلَى
أَهْلِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ
وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ
قَالَ الْمُزَنِيُّ قَدْ كَانَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ عَلَى
أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِقِيمَةِ الْإِبِلِ
وَرُجُوعُهُ عَنِ الْقَدِيمِ إِلَى مَا قَالَهُ فِي
الْجَدِيدِ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُسَامَةَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ إِنَّ
الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ بَعِيرٍ
قَالَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ الْأَعْرَابِيُّ
فَدِيَتُهُ مِنَ الْإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ
الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ
الْأَعْرَابِيُّ مائة من الإبل فعدلها من الشاء ألفي شاة
وروى معمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الدِّيَةُ
مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَقِيمَتُهَا مِنْ غَيْرِهَا
وَرَوَى حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ (عَنْ أَشَعْثَ عَنِ
الْحَسَنِ) أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ
(8/40)
عَنْهُمَا قَوَّمَا الدِّيَةَ وَجَعَلَا
ذَلِكَ إِلَى الْمُعْطِي إِنْ شَاءَ كَانَتِ الدِّيَةُ
الْإِبِلُ بِالْإِبِلِ وَإِنْ شاء فالقيمة
وذكر عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ
كَانَتِ الدِّيَةُ الْإِبِلَ حَتَّى كَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَجَعَلَهَا لَمَّا غَلَتِ الْإِبِلُ كُلَّ
بَعِيرٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي
حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ
وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ
الْمُسْلِمِينَ
قَالَ فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ
خَطِيبًا فَقَالَ أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ
فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل
الورق اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ
الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ
أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ
حُلَّةٍ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْ
فِيهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يرويه غير حسين
المعلم عن عمرو بْنِ شُعَيْبٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ بِهِ (لَا
يَقُولُ فِيهِ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَى أَنَّ
لِلنَّاسِ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
اخْتِلَافًا مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ
صَحِيفَةٌ عِنْدَهُمْ لَا سَمَاعٌ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقْبَلُهُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَتِ
الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَعِيرٍ لِكُلِّ بَعِيرٍ
أُوقِيَّةٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَلَمَّا كَانَ
عُمَرُ غَلَتِ الْإِبِلُ وَرَخُصَتِ الْوَرِقُ فَجَعَلَهَا
عُمَرُ أُوقِيَّةً وَنِصْفًا ثُمَّ غَلَتِ الْإِبِلُ
وَرَخُصَتِ الْوَرِقُ فَجَعَلَهَا عُمَرُ أُوقِيَّتَيْنِ
وَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْإِبِلُ
تَغْلُو وَتَرْخُصُ حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ اثْنَيْ
عَشَرَ أَلْفًا أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ وَمِنَ الْبَقَرِ
مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَمِنَ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كُلُّ بَعِيرٍ بِبَقَرَتَيْنِ
مُسِنَّتَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَالَ
بِقَوْلِهِ أَنَّ الدِّيَةَ مِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ
دِينَارٍ وَمِنَ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
أَوْ عَشَرَةُ آلَافٍ عَلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ
عَنْ عُمَرَ وَأَنَّ مَا فَرَضَهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ
أَصْلٌ لَا بَدَلٌ مِنَ الْإِبِلِ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَهُ
فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَكَانَتْ
دَيْنًا بِدَيْنٍ فَثَبَتَ أَنَّهَا دِيَاتٌ فِي
أَنْفُسِهَا
(8/41)
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا
الْبَابِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ فِي
ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ مَالِكٌ
وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ عَلَى
الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى مَا وَرَدَ عَنْ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَالَّذِي سَمِعَ مَالِكٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ شُذُوذٌ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ
رَوَى الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ
الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْأَشْعَثِ عَنِ الشَّعْبِيِّ
وَعَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَا أَوَّلُ مَنْ
فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَضَ فِيهِ
الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَثُلْثَيِ
الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ (وَالنِّصْفَ أَيْضًا فِي
سَنَتَيْنِ) وَالثُّلُثَ فِي سَنَةٍ
قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (عَنْ
مُغِيرَةَ) عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ
(أَيُّوبَ) أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي
هَاشِمٍ قَالَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
وَثُلُثَاهَا وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثُ فِي
سَنَةٍ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي
كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ
أَشْعَثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدية في
الأعطية في ثلاث سنين وَالنِّصْفَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي
سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثَ فِي سَنَةٍ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ
فَهُوَ مِنْ عَامِهِ
وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى
عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ فَذَكَرَ
مِثْلَهُ سَوَاءً
قال وأخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ
قَالَ مَعْمَرٌ وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
يَقُولُ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ فِي دِيَةِ
الْخَطَأِ الْوَاجِبَةِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَأَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ فَفِي مَالِ
الْجَانِي عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ
وَرَأْيُ مَالِكٍ أَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ يَجْتَهِدُ
فِيهَا الْإِمَامُ فِي سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ وَثَلَاثَةَ
أَرْبَاعِ الدِّيَةِ عِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سنين
(8/42)
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ
إِنَّهُ لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل
العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا مِنْ
أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَخَلَهُ
فَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لَأَنَّ أَصْلَ الدِّيَةِ
عِنْدَهُ ذَهَبٌ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَوَرِقٌ عَلَى
أَهْلِ الْوَرِقِ وَإِبِلٌ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ
لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى مَا وَصَفْنَا
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قبلت
وجناية المجنون)
1578 - مالك أن بن شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ فِي دِيَةِ
الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ
مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ حِقَّةً
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ دِيَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْقَوَدُ
إِلَّا فِي عَهْدِ الرَّجُلِ إِلَى ابْنِهِ بِالضَّرْبِ
وَالْأَدَبِ فِي حِينِ الْغَضَبِ كَمَا صَنَعَ
الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ فَإِنَّ فِيهِ عِنْدَهُ
الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ وَلَا قَوَدَ وَسَنَذْكُرُ
ذَلِكَ فِي مَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
فَإِنِ اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ عَمْدًا وَوَلِيُّ
الْمَقْتُولِ عَلَى الدِّيَةِ وَأَبْهَمُوا ذَلِكَ وَلَمْ
يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ عُفِيَ
عَنِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى الدِّيَةِ هَكَذَا وَكَانَ
مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَيْهِ
حِينَئِذٍ حَالَّةً فِي مَالِهِ أَرْبَاعًا كما قال بن
شِهَابٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الذَّهَبِ فَأَلْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْوَرِقِ فَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ فِي
مَالِهِ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ
إِلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ فَيَلْزَمُهُمَا مَا
اصْطَلَحَا عَلَيْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ
إِذَا قُبِلَتْ تَكُونُ مُؤَجَّلَةً كَدِيَةِ الخطأ في
ثلاثه سنين
(8/43)
والأول قول بن الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ
وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ
وَالدِّيَةُ فِي مذهب مالك ثلاث إحداها دِيَةُ الْعَمْدِ
إِذَا قُبِلَتْ أَرْبَاعًا وَهِيَ كَمَا وصفنا
وهو قول بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَالثَّانِيَةُ دِيَةُ
الْخَطَأِ أَخْمَاسًا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا - كَمَا
وَصَفْنَا - فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
وَالثَّالِثَةُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ أَثْلَاثًا
ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جذعة وأربعون خلفة وهي
الحوامل وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا فِي قَتْلِ الرَّجُلِ
ابْنَهُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا
وَأَمَّا لَوْ أَضْجَعَ الرَّجُلُ ابْنَهُ فَذَبَحَهُ أَوْ
جَلَّلَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ أَثَّرَ الضَّرْبُ عَلَيْهِ
بِالْعَصَا أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى قَتَلَهُ عَامِدًا
فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَهُ بِهِ
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ
فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَلَيْسَ يَعْرِفُ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ إِلَّا فِي
الْأَبِ يَفْعَلُ بِابْنِهِ مَا وَصَفْنَا خَاصَّةً
وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ
الْمَذْكُورَةُ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى الْأَبِ إِذَا كَانَ
مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْأَمْصَارِ فَالذَّهَبُ أَوِ الْوَرِقُ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي تَغْلِيظِ دِيَةِ الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ فِي ذَلِكَ
فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ تَغْلِيظَهَا أَنْ تُقَوَّمَ
الثَّلَاثُونَ حِقَّةً وَالثَّلَاثُونَ جَذَعَةً
وَالْأَرْبَعُونَ الخلفة بالدنانير أو الدراهم بَالِغًا
مَا بَلَغَتْ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ أَوِ
اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى قِيمَةِ دِيَةِ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا فِي
أَسْنَانِ الْإِبِلِ ثُمَّ يَنْظُرُ إِذَا مَا زَادَتْ
قِيمَةُ دِيَةِ التَّغْلِيظِ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى قِيمَةِ
دِيَةِ الْخَطَأِ فَيُزَادُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ
وهذا مذهب بن الْقَاسِمِ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِأَنْ تبلغ
دية وثلثا يزاد فِي الدِّيَةِ ثُلُثُهَا
رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تُغَلَّظُ
عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ
وَإِنَّمَا تُغَلَّظُ فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً عَلَى أهل
الإبل
(8/44)
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لَيْسَ فِي
دِيَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مُغَلَّظَةٌ إِنَّمَا
الْمُغَلَّظَةُ فِي الإبل خاصة على أهل الإبل
وروى بن الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَا يَكُونُ التَّغْلِيظُ فِي
شَيْءٍ مِنَ الدِّيَةِ إِلَّا فِي الْإِبِلِ
وَالتَّغْلِيظُ فِي إِنَاثِ الْإِبِلِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالدِّيَةُ عِنْدَهُ اثْنَتَانِ
لَا ثَالِثَةَ لَهُمَا مُخَفَّفَةٌ وَمُغَلَّظَةٌ
فَالْمُخَفَّفَةُ دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا
وَالْمُغَلَّظَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي مَا لَا
قِصَاصَ فِيهِ كَالْأَبِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ عِنْدَهُ
وَفِي الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتِ الدِّيَةُ فِيهِ وَعُفِيَ
عَنِ الْقَاتِلِ عَلَيْهَا وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً
وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي
أَسْنَانِ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ
وَهَذِهِ الْأَسْنَانُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ
عَنْهُ
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ما دل عَلَى ذَلِكَ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ
ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ
خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إِلَى باذل عَامِهَا
كُلُّهَا خَلِفَةٌ
قَالَ وَحَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ أَبُو مُوسَى وَالْمُغِيرَةُ
يَقُولَانِ فِي الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ ثَلَاثُونَ
حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً
إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي بن أَبِي
خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ
حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مَا
بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا
خَلِفَةٌ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَلَا إِنَّ
قَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ
وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ دِيَتُهُ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنَ
الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا
أَوْلَادُهَا فَهُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لا يثبت من جهة
الإسناد رواه بن عيينة عن
(8/45)
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
رَبِيعَةَ عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْقَاسِمُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ جَوْشَنٍ
الْغَطَفَانِيُّ ثِقَةٌ بَصْرِيٌّ يَرْوِي عَنْ عمر وعبد
الرحمن بن عوف وبن عُمَرَ وَرَوَى عَنْهُ أَيُّوبُ
وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ
وَأَمَّا عُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ فَرَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ
يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا الْقَاسِمُ بْنُ رَبِيعَةَ فِيمَا
عَلِمْتُ يُقَالُ فِيهِ الدَّوْسِيُّ وَيُقَالُ فِيهِ
السَّدُوسِيُّ
وَقَدْ قِيلَ فِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ أَوْسٍ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ هُوَ
يَعْقُوبُ بْنُ أَوْسٍ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَيْسَ فِي
الْعَمْدِ عِنْدَهُمْ دِيَةٌ فَإِنِ اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ
وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ حَالٌّ إِلَّا
أَنْ يَشْتَرِطُوا أَجَلًا
وَالدِّيَاتُ عِنْدَهُمُ اثْنَتَانِ دِيَةُ الْخَطَأِ
أَخْمَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي بَابِهِ بَعْدَ
هَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا
وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ تَكُونُ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ
لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
ذَكَرَهُ وَكِيعٌ قال وحدثني بن أبي خالد عن عامر قال كان
بن مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعًا
فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو الأحوص عن أبي
إسحاق عن علقمة والأسود بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ شِبْهُ
الْعَمْدِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَذَهَبَ إِلَى مَا
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَزَيْدٍ
وَالْمُغِيرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
(8/46)
وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ
دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ
فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا وَارْتَفَعَ الْقِصاصُ
أَوْ قُبِلَتِ الدِّيَةُ فَهِيَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ
حَالَّةً أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ
حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ شِبْهَ الْعَمْدِ فَكَمَا
وَصَفْنَا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ
قَالَ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي
كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا
ذَهَبَ في ذلك مذهب بن مَسْعُودٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ
لِمَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَجَهْلِ
عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ - وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ
لِلصَّوَابِ
وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَقَالَ الدِّيَةُ فِي العمد الذي
لا قصاص فيه أو عفي عَنِ الْقَاتِلِ عَلَى الدِّيَةِ وَفِي
شِبْهِ الْعَمْدِ كُلُّ ذَلِكَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ
أَخْمَاسًا أَنَّهُ بَدَلٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ
فِيهِ
وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ
دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً
وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ
خَلِفَةً مِنْ ثَنِيَّةٍ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا
وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ
حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ
وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا
خَلِفَةٌ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
مِثْلَهُ
وقال الحسن البصري وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَطَاوُسٌ
الْيَمَانِيُّ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ بِنْتَ
لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً
وَهَذَا مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَرِوَايَةٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدِ الْأَعْلَى
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ
قَالَا فِي الْمُغَلَّظَةِ أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً
وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِنَّ الدِّيَةَ
الَّتِي غَلَّظَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَكَذَا
(8/47)
وَذَكَرَ طَاوُسٌ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ
فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهَذَا مَا بَلَغَنَا فِي أَسْنَانِ دِيَةِ الْعَمْدِ
وَأَسْنَانِ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَسَنَذْكُرُهَا عَنِ
الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فهي صِفَةِ شِبْهِ
الْعَمْدِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَنْ نَفَاهُ مِنْهُمْ وَمَنْ
أَثْبَتَهُ فِيهِ فِي بَابِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعَمْدُ
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ فِي
الْبَابِ بَعْدَ هَذَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ شِبْهَ الْعَمْدِ
مَعَ دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ لِأَنَّ مَذَاهِبَ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ
مُتَدَاخِلَةٌ وَجُمْهُورُهُمْ يَجْعَلُهَا سَوَاءً
وَقَدْ أَتَيْنَا فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ عَنِ
السَّلَفِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ
الْأَمْصَارِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ
قَاتِلِ العمد فقال مالك في رواية بن الْقَاسِمِ عَنْهُ -
وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ - وَأَبُو حنيفة
والثوري وأصحابه وبن شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ
لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا إِلَّا الْقِصَاصُ
وَلَا يَأْخُذُ الدِّيَةَ إِلَّا برضى الْقَاتِلِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَدَاوُدُ
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ
الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ
الدِّيَةَ رَضِيَ الْقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَرْضَ
وَذَكَرَ بن عَبْدِ الْحَكَمِ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا
عَنْ مَالِكٍ
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَرَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إِلَّا
الْقِصَاصَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ سِنِّ الرُّبَيِّعِ
أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كِتَابُ اللَّهِ
الْقِصَاصُ
وَحُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ
الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ
الْكَعْبِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قُتِلِ
لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ
(8/48)
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِخِيرِ
نَظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ
وَهُمَا حَدِيثَانِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ
بِالْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِمَا
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ
قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنِي
مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي بن أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ
(الْكَعْبِيَّ) يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ
خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ
وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي
هَذِهِ قَتِيلٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ
بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَوَاهُ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ يَحْيَى عَنْهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ
أَفْرَدْنَا لَهَا جُزْءًا فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الْبَقَرَةِ 178
1579 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَرْوَانَ
بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنِ اعْقِلْهُ وَلَا
تَقِدْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ الْقِصَاصِ عَنِ
الْمَجْنُونِ إِذَا كَانَ مُطْبِقًا لَا يَفِيقُ ما فيه
رجاء من الشفاء
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
حَمْدُونُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
شَيْبَانُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَرُّوخَ قَالَ حَدَّثَنِي
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ
(8/49)
قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رفع القلم عن ثلاثة عَنِ النَّائِمِ
حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ
وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا جَنَاهُ الْمَجْنُونُ
فِي حَالِ جُنُونِهِ هَدَرٌ وَأَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ
فِي مَا يَجْنِي فَإِنْ كَانَ يَفِيقُ أَحْيَانًا
وَيَغِيبُ أَحْيَانًا فَمَا جَنَاهُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ
(فَعَلَيْهِ) فِيهِ مَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْبَالِغِينَ
غَيْرِ الْمَجَانِينِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْغُلَامَ وَالنَّائِمَ
لَا يَسْقُطُ عنهما ما أتلفا مِنَ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا
يَسْقُطُ عَنْهُمُ الْإِثْمُ
وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَتُضْمَنُ بِالْخَطَأِ كَمَا
تُضْمَنُ بِالْعَمْدِ
وَالْمَجْنُونُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِثْلُهُمَا
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ
عَامَّ الْمَخْرَجِ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا وَصَفْنَا
رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَضَتِ السُّنَّةُ
أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ قَالَهُ
مَعْمَرٌ وَقَالَهُ قَتَادَةُ أَيْضًا
قَالَ مَعْمَرٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ إِنْ
كَانَ الْمَجْنُونُ لَا يَعْقِلُ فَقَتَلَ إِنْسَانًا
فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ
وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ فَالْقَوَدُ
وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ
وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ
وَالْإِسْنَادُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَعَلَ جِنَايَةَ الْمَجْنُونِ عَلَى
الْعَاقِلَةِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ مَا أَصَابَ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ
جُنُونِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَمَا أَصَابَ فِي حَال
إِفَاقَتِهِ أُقِيدَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ
بْنِ سَعْدٍ فِي قَتْلِ الصَّبِيِّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً
أَنَّهُ كُلُّهُ خَطَأٌ تَحْمِلُ مِنْهُ الْعَاقِلَةُ مَا
تَحْمِلُ مِنْ خَطَأِ الْكَبِيرِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَمْدُ الصَّبِيِّ في ماله
(8/50)
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُحْتَجُّ لِقَوْلِ
الشَّافِعِيِّ بِمَا قاله بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ
الْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا يُرِيدُونَ الْعَمْدَ
الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ كَعَمْدِ الصَّبِيِّ وَمَا
أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ إِذَا قَتَلَا
رَجُلًا جَمِيعًا عَمْدًا أَنَّ عَلَى الْكَبِيرِ أَنْ
يُقْتَلَ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ
قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ
يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَيَكُونُ
عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ
الشَّافِعِيَّ يَجْعَلُ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى الصَّغِيرِ
فِي مَالِهِ كَمَا أَنَّ عَلَى الْحُرِّ نِصْفَ قِيمَةِ
الْعَبْدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ
عَمْدًا وَلَا عَبْدًا
وَقَوْلُ مَالِكٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ
لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ وَالسُّنَّةُ أَنَّ تَحْمِلَ
الْعَاقِلَةُ دِيَةَ الْخَطَأِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مَعَ صَبِيٍّ
رَجُلًا قُتِلَ الرَّجُلُ وَعَلَى الصَّبِيِّ نِصْفُ
الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ
إِذَا قَتَلَا عَبْدًا عَمْدًا وَالْمُسْلِمُ
وَالذِّمِّيُّ إِذَا قَتَلَا ذِمِّيًّا
قَالَ فَإِنْ شَرَكَ الْعَامِدُ قَاتِلَ خَطَأٍ فَعَلَى
الْعَامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَجِنَايَةُ
الْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا
اشْتَرَكَ صَبِيٌّ وَرَجُلٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَصَحِيحٌ أَوْ
قَاتِلُ عَمْدٍ وَقَاتِلُ خَطَأٍ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَلَا
قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى عَاقِلَةِ
الصَّبِيِّ الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ الْعَامِدِ
فِي مَالِهِ وَفِي الْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ
قَالُوا وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَكَ الْأَبُ
وَالْأَجْنَبِيُّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَالدِّيَةُ فِي
أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُمَا خَطَأً كَانَتِ
الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا
أَوْ أَحَدُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ عَامِدًا وَالْآخَرُ
مُخْطِئًا كَانَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَامِدِ
وَالنِّصْفُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ وَلَا قَوَدَ
عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُمْ فِي الصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ أَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ أَبَدًا عَلَى
عَوَاقِلِهِمَا
وَقَوْلُ زُفَرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَقَوْلِ مَالِكٍ
يُقْتَلُ الْعَامِدُ الْبَالِغُ وَيَغْرَمُ الْأَبُ أَوِ
الْمُخْطِئُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ
الْمُخْطِئِ
(8/51)
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ
بْنِ الْحَسَنِ فِي مَنْعِ الْقَوَدِ مِنَ الْعَامِدِ
إِذَا شَرَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَقَالَ إِنْ
كُنْتَ رَفَعْتَ عَنْهُمَا الْقَتْلَ لِأَنَّ الْقَلَمَ
عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ فَقَدْ
تَرَكَتْ أَصْلَكَ فِي الْأَبِ يَشْتَرِكُ مَعَ
الْأَجْنَبِيِّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْقَلَمَ
عَنِ الْأَبِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ
يَقُولُ فَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِ بِحُكْمِ مَنْ رُفِعَ
عَنْهُ الْقَلَمُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الصَّبِيِّ وَالرَّجُلِ
يَشْتَرِكَانِ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ
عَلَيْهِمَا وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ
يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ
بِحُكْمِ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ انْفَرَدَ
بِالْقَتْلِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا
غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِذَا اجْتَمَعَ
رَجُلٌ وَغُلَامٌ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قُتِلَ الرَّجُلُ
وَعَلَى عَاقِلَةِ الْغُلَامِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَقَالَ حَمَّادٌ يُقْتَلُ الرَّجُلُ وَعَلَى عَاقِلَةِ
الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ إِذَا اجْتَمَعَ صَبِيٌّ
أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ مَنْ لَا يُقَادُ مِنْهُ مَعَ مَنْ
يُقَادُ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ فَهِيَ دِيَةٌ كُلُّهَا
(4 - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأِ في القتل)
1580 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ
وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي
سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ عَلَى
إِصْبَعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنُزِيَ مِنْهَا فَمَاتَ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِي ادُّعِيَ
عَلَيْهِمْ أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا
مَا مَاتَ مِنْهَا فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا وَقَالَ
لِلْآخَرِينَ أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى
السَّعْدِيِّينَ
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ إِنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ عِنْدَهُ عَلَيْهِ
لِأَنَّ فِيهِ تَبْدِئَةَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالدَّمِ
بِالْأَيْمَانِ وَذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ الَّتِي
رَوَاهَا وَذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ الْمُوَطَّأِ فِي
الْحَادِثَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ الْمُدَّعِينَ عَلَى
يَهُودِ خَيْبَرَ قَتْلَ وَلِيِّهِمْ لِأَنَّ رَسُولَ
(8/52)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَدَأَ الْمُدَّعِينَ الْحَادِثِينِ بِالْأَيْمَانِ فِي
ذَلِكَ وَسَنُبَيِّنُ اخْتِلَافَ الْآثَارِ وَاخْتِلَافَ
عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْقَسَامَةِ
بِالْأَيْمَانِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ مَعَ سَائِرِ
أَحْكَامِ الْقَسَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَضَى بِشَطْرِ
الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ وَذَلِكَ أَيْضًا خِلَافُ
السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الحارثين لِأَنَّهُ
لَمْ يَقْضِ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ إِذْ أَبَى
الْمُدَّعُونَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَيْمَانِ
وَتَبَرَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ
لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الدم باطلا
والله أعلم
وفي قول الله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ) النِّسَاءِ 92 مَا يُغْنِي عَنْ حَدِيثِ
عُمَرَ وَغَيْرِهِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ فِي
النَّفْسِ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عاقلة القاتل مئة مِنَ الْإِبِلِ
وَجَعَلَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْهُ مِنِ اخْتِلَافِ
الرِّوَايَةِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي
ثَلَاثِ سِنِينَ
وَاخْتَلَفُوا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِيهَا عَلَى مَا
نُورِدُهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وجل
1581 - مالك أن بن شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا
يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَأِ عِشْرُونَ بنت مخاض وعشرون
بنت لبون وعشرون بن لَبُونٍ ذَكَرًا وَعِشْرُونَ حِقَّةً
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً قَالَ أبو عمر هكذا رواه بن جريج عن
بن شِهَابٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
ذَكَر عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال أخبرنا بن جريج قال قال لي
بن شِهَابٍ عَقْلُ الْخَطَأِ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ عِشْرُونَ
ابْنَةَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ
حِقَّةً وَعِشْرُونَ جذعة وعشرون بن لَبُونٍ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخِلَافِ ذَلِكَ
عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ
فِي دِيَةِ الْخَطَأِ
(8/53)
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِمَا
رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بن يسار وبن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ
مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالُوا الدِّيَةُ فِي ذَلِكَ أَخْمَاسٌ
عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لبون وعشرون
بن لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الدِّيَةُ
فِي الْخَطَأِ لَا تَكُونُ إِلَّا أَخْمَاسًا كَمَا قَالَ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلا أنهم جعلوا مكان بن لبون بن
مخاض فقالوا عشرون بنت مخاض وعشرون بن مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ
بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ
الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسًا
إِلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا
خِشْفُ بْنُ مَالِكٍ الْكُوفِيُّ الطَّائِيُّ وَهُوَ
مَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا زَيْدُ
بْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَرْمَلَةَ
الطَّائِيُّ الْجُشَمِيُّ من بني جشم أحد ثقات الكوفيين
وإنما يروي هذا الحديث عن بن مسعود قوله وقد روي فيه عن بن
مَسْعُودٍ الْوَجْهَاتِ جَمِيعًا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الْحِجَازِيُّونَ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ
وَرَوَى وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أن بن مَسْعُودٍ قَالَ
دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ حِقَّةً وعشرون جذعة
وعشرون بنت مخاض وعشرون بن مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ
لَبُونٍ
وَوَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ
فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ
وَقَدْ رَوَى حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ الْحِجَازِيُّونَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ
يَقُولُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ حِقَّةً
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ
وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الثَّوْرِيُّ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي
الْأَحْوَصِ فِي أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي غَيْرِهِ وَأَبُو
الْأَحْوَصِ هَذَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ
(8/54)
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالُ
السَّلَفِ غَيْرُ هَذِهِ مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْعُلَمَاءِ
ذَكَر وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ
وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ
أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ
لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي
دِيَةِ الْخَطَأِ أَرْبَاعًا إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ
مَوْضِعَ بَنَاتِ مَخَاضٍ بَنِي لَبُونٍ
ذَكَرَ عبد الرزاق أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا
عَطَاءٌ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ
مِنَ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ
وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
جَعَلَ دِيَةَ الْخَطَأِ أَرْبَاعًا كَقَوْلِ عَلِيٍّ
سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَنَاتُ
مَخَاضٍ فَبَنُو لَبُونٍ
وَذَكَرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ
وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ تَكُونُ
أَرْبَاعًا كَقَوْلِ عَلِيٍّ إِلَّا أَنَّهُمَا خَالَفَا
فِي الْأَسْنَانِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدِ الْأَعْلَى
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ
عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ قَالَا فِي الْخَطَأِ ثَلَاثُونَ
جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ
بَنَاتِ مَخَاضٍ وعشرون بني لبون
وإلى هذا ذهب بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فِي مَا رَوَاهُ
مَعْمَرٌ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ دِيَةُ الْخَطَأِ مِنَ الْإِبِلِ
ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ
وَثَلَاثُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ
إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِي مَوْضِعِ الجذعة حقة
(8/55)
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
صَالِحٍ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
زَيْدٍ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ ثَلَاثُونَ جَذَعَةً
وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ
وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دِيَةُ
الْخَطَأِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ بَنِي لَبُونٍ
وَثَلَاثُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ
ذُكُورٍ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزهري عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ قَالَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً
وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ
وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ دِيَةُ الْخَطَأِ تُؤْخَذُ
فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَخْمَاسًا عِشْرِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ
وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ وَعِشْرِينَ بَنَاتِ لَبُونٍ
وَعِشْرِينَ حِقَّةً وَعِشْرِينَ جَذَعَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا
أَخْمَاسٌ وَكُلُّهُمْ يَدَّعِي التَّوْقِيفَ فِي مَا
ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْلًا لَا قِيَاسًا وَالَّذِي أَقُولُ
إِنَّ كُلَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ السَّلَفُ مِمَّا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ جَائِزٌ
الْعَمَلُ بِهِ وَكُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يَضِيقُ عَلَى
قَائِلِهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الدِّيَةَ
مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا
الدِّيَةُ الَّتِي قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا
وَلَا يَضُرُّهُمُ الِاخْتِلَافُ فِي أَسْنَانِهَا
وَاجِبَةً إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لِأَنَّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ
لَا يَثْبُتُ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الرواية عن بن مَسْعُودٍ وَلَمْ
يُخْتَلَفْ عَنْ عَلِيٍّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّهُ لَا قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَأَنَّ
عَمْدَهُمْ خَطَأٌ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ
وَيَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ لَا
يَكُونُ إِلَّا خَطَأً وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا
وَكَبِيرًا قَتَلَا رَجُلًا حُرًّا خَطَأً كَانَ عَلَى
عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ لَا قَوَدَ بَيْنَ
الصِّبْيَانِ
فَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعَ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ فِيهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ عَمْدَ الصِّبْيَانِ خَطَأٌ
تَلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إِذَا كَانَ
لَهُ قَصْدٌ وَعُرِفَ مِنْهُ تَمْيِيزٌ لِمَا
يَتَعَمَّدُهُ فَهَذَا الَّذِي عَمِلَهُ خَطَأٌ
لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ فِي الْقِصَاصِ
وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ
(8/56)
وَأَمَّا إِذَا كَانَ طِفْلًا فِي
الْمَهْدِ أَوْ مُرْضَعًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَلَا
يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدٌ وَلَا تَعَمُّدٌ فَهُوَ
كَالْبَهِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي جُرْحُهَا جُبَارٌ
وَهَذَا أَصْلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ
خِلَافًا فِيهِ إِلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ عَمْدَ
الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَتَلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ
مال لا قود فيه وإنما هو كغيره مِنْ مَالِهِ يُقْضَى بِهِ
دَيْنُهُ
وَيَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ
تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْ
دِيَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ
إِذَا عُفِيَ عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ كَسَائِرِ مَالِ
الْمَقْتُولِ يَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ ذَوُو الْفُرُوضِ
وَالْعَصَبَةِ إِلَّا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ
الظَّاهِرِ شَذَّتْ فَلَمْ أَرَ لِذِكْرِ مَا أَتَتْ بِهِ
وَجْهًا
وَقَدْ كَانَ عمر بن الخطاب يقول لا تَرِثُ الْمَرْأَةُ
مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ
الْكِلَابِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ
امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً فَقَضَى بِهِ عُمَرُ
وَالنَّاسُ بَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ دِيَةَ
الْمَقْتُولِ كَسَائِرِ مَالِهِ تَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ
كَمَا تَجُوزُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا
غَيْرَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا
إِلَّا ثُلُثُهَا فَإِنَّ عُفِيَ عَنْهَا فَلِلْعَاقِلَةِ
ثُلُثُهَا وَيَغْرَمُونَ الثُّلُثَيْنِ وَالْعَفْوُ هُنَا
كَالْوَصِيَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ
دِيَتِهِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّ
الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ أَنَّ الْقَاتِلَ خَطَأً لَا
يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا كَمَا أَجْمَعُوا أَنَّ
الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ
الدِّيَةِ شَيْئًا
ذَكَرَ عَبْدُ الرزاق قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ
سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ إِنْ وَهَبَ الَّذِي يُقْتَلُ
خَطَأً دِيَتَهُ لِلَّذِي قَتْلَهُ فَإِنَّمَا له منها
ثلثها إنما هو ماله فَيُوصِي فِيهِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ
قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا
تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدِيَتِهِ وَقُتِلَ خَطَأً وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا
لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ
(8/57)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مُجْمَلُهُ فِي
مَنْ قُتِلَ خَطَأً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ
دِيَتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ كَانَ
لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ
وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ
دَمِهِ وَعَنْ كُلِّ مَا يَجِبُ لَهُ فِيهِ كَمَا لَهُ
أَنْ يُصَالِحَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ
كَفَّارَةٌ لَهُ) الْمَائِدَةِ 45
ذَكَرَ عبد الرزاق عن معمر عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدَمِهِ وَكَانَ
قَتْلٌ عَمْدًا فَهُوَ جَائِزٌ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ إِذَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ جَائِزٌ
وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ
إِذَا كَانَ خَطَأً فَهُوَ فِي الثلث
قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُصِيبَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ
بِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ فَقُلْنَا لَهُ ثُلُثُهُ
فَقَالَ بَلْ كُلُّهُ
قَالَ وَأَمَّا اختلاف الفقهاء في الوصية للقاتل فروى بن
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا ضَرَبَهُ عَمْدًا
أَوْ خَطَأً فَأَوْصَى لَهُ الْمَضْرُوبُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ
ذَلِكَ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ فِي مَالِهِ وَفِي ديته إذا
علم بذلك منه ولو أوصى لَهُ بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ
الْمُوصِي لَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَالْوَصِيَّةُ
لِقَاتِلِ الْخَطَأِ تَجُوزُ فِي مَالِهِ وَلَا تَجُوزُ
فِي دِيَتِهِ
وَقَاتِلُ الْعَمْدِ لَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ مِنَ
الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ وَلَا فِي دِيَتِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَقْتُولِ
لِلْقَاتِلِ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ
جَازَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ تَجُزْ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
قَالَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ
لَمَّا جَعَلَهَا كَالْمِيرَاثِ فِي بُطْلَانِهَا فِي
الْقَتْلِ وَجَبَ أَلَّا تَجُوزَ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
كَمَا لَا يَجُوزُ الْمِيرَاثُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَسَائِرِ مَالِهِ
لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُ الْمَيِّتِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ
قَالَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ
الْجِنَايَةُ عَلَى الوصية أو تتأخر عَنْهَا لِأَنَّ
الْوَصِيَّةَ لَوْ جَازَتْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً
بِالْمَوْتِ وَهَذَا قَاتِلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا
وَصِيَّةَ لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ
عَمْدًا عَنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ جَازَ فِيمَا لَزِمَهُ
بالجناية ولم يجز في ما زاد لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ
بَعْدُ
(8/58)
وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْهَا
وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا مَنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ
مَاتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوَدِ لِلْعَفْوِ وَجَازَ
مَا عَفَى عَنْهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ
قَالَ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إِنَّ الْخَارِجَ يُؤْخَذُ
بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا
قَالَ وَلَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُزَنِيُّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ مَنْ قُتِلَ خَطَأً
فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لَا قَوَدَ فِيهِ أَمْرٌ
مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ لَا قَوَدَ
فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) النِّسَاءِ 92
فَجَعَلَهَا دِيَةً وَكَفَّارَةً لَا غَيْرَ
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
(5 - بَابُ عَقْلِ الْجِرَاحِ فِي الْخَطَأِ)
1582 - قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
عِنْدَهُمْ فِي الْخَطَأِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ حَتَّى
يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ وَيَصِحَّ وَأَنَّهُ إِنْ كُسِرَ
عَظْمٌ مِنَ الْإِنْسَانِ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُ
ذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ خَطَأً فَبَرَأَ وَصَحَّ وَعَادَ
لِهَيْئَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ فَإِنْ نَقَصَ أَوْ
كَانَ فِيهِ عَثَلٌ فَفِيهِ مِنْ عَقْلِهِ بِحِسَابِ مَا
نَقَصَ مِنْهُ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَظْمُ مِمَّا جَاءَ
فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَقْلٌ مُسَمًّى فَبِحِسَابِ مَا فَرَضَ فِيهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلٌ مُسَمًّى وَلَمْ
تَمْضِ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا عَقْلٌ مُسَمًّي فَإِنَّهُ
يَجْتَهِدُ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ كُلُّهُ صَحِيحٌ حَسَنٌ
أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي الْخَطَأِ
جُرْحُ الْمَجْرُوحِ حَتَّى يَبْرَأَ
فَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَمْدِ
وَالْخَطَأِ وَقَالُوا لَا يُقَادُ مِنَ الْجُرْحِ
الْعَمْدِ وَلَا يعقل الخطأ حتى يصح ويبرأ
قال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقَادُ مِنْ
جِرَاحَةٍ عَمْدًا إِلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ وَلَا يُعْقَلُ
الْخَطَأُ إِلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ
وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ يَتَرَبَّصُ
بِالسِّنِّ بِالْجِرَاحُ سَنَةً مَخَافَة أَنْ يَنْتَقِصَ
(8/59)
وقال أبو حنيفة فيمن كسر سن رجل لَا أَرْشَ
فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَيَحْكُمَ بِمَا
يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ لَا
يَقْضِي فِيهَا بِأَرْشٍ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا
تَؤُولُ
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ قَطَعَ
أُصْبُعَ رَجُلٍ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعُ الْقَوَدَ سَاعَةَ
قُطِعَ أَقَدْتُهُ فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ
عَلَيْهِ جَعَلْتُ عَلَى الْجَانِي أَرْشَ أَرْبَعَةِ
أَخْمَاسِ دِيَتِهَا وَلَوْ مَاتَ مِنْهَا قَتَلْتُهُ
فَإِنْ قُطِعَ أُصْبُعُهُ فَتَآكَلَتْ فَذَهَبَتْ كَفُّهُ
أَقَدْتُهُ مِنَ الْأُصْبُعِ وَأَخَذَ أَرْشَ يَدِهِ
إِلَّا أُصْبُعًا وَلَمْ يَنْتَظِرْهُ أَيَبْرَأُ إِلَى
مِثْلِ جِنَايَتِهِ أَمْ لَا قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَسَائِرُ
الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ لَا
يُقْتَصُّ مِنْ جرح ولا يبدي حتى يبرأ
وقال الشافعي يقتص منه في الحال ولا ينتظر أن يَبْرَأَ
وَالِاخْتِيَارُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ
عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم مِنْ مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ وَمُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ
طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ رُكَانَةَ وَمِنْ
مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ
رُكَانَةَ
وَعَنْ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا
طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ فَجَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
أَقِدْنِي
فَقَالَ حَتَّى تَبْرَأَ قَالَ أَقِدْنِي
قَالَ حَتَّى تَبْرَأَ ثُمَّ قَالَ أَقِدْنِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ! فَأَقَادَهُ ثُمَّ عَرَجَ وَصَحَّ الْمُسْتَقَادُ
مِنْهُ فَجَاءَ الْمُسْتَقِيدُ فَقَالَ عَرَجْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ لَا شَيْءَ لَكَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ اصْبِرْ
حَتَّى تَبْرَأَ!
وَفِي رِوَايَةٍ أَبْعَدَكَ اللَّهُ وَأَبْطَلَ عَرَجَكَ
عَصَيْتَنِي أَلَّا تَسْتَقِيدَ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُكَ
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم مَنْ جُرِحَ أَلَّا يُسْتَقَادَ حَتَّى يَبْرَأَ
جُرْحُهُ
وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ
أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَقِيدُ فَقَالَ لَهُ حَتَّى تَبْرَأَ
فَأَبَى وَعَجَّلَ وَاسْتَقَادَ فَعَثَمَتْ رِجْلُهُ
وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ فَأَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ أَبَيْتَ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
(8/60)
الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى طَرِيفِ بْنِ
رَبِيعَةَ وَكَانَ قَاضِيًا بِالشَّامِ أَنَّ صَفْوَانَ
بْنَ الْمُعَطَّلِ ضَرَبَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ
بِالسَّيْفِ فَجَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا الْقَوَدَ
فقال النبي تَنْتَظِرُونَ فَإِنْ يَبْرَأْ صَاحِبُكُمْ
تُقَصُّوا وَإِنْ يَمُتْ نُقِدْكُمْ بَعْدُ فِي حَسَّانَ
فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَدْيَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْعَفْوِ فَعَفَوْا وَأَعْطَاهُمْ صَفْوَانُ جَارِيَةً
وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ
صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ أَعْطَى حَسَّانَ
الْجَارِيَةَ الَّتِي هِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
لَمَّا عَفَا عَنْهُ
وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْخَبَرِ
وَالسِّيَرِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْأَثَرِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَعْطَى
حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ إِذْ عَفَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
الْمُعَطَّلِ الْجَارِيَةَ الْمُسَمَّاةَ سِيرِينَ وَهِيَ
أُخْتُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَكَانَتْ مِنْ هَدِيَّةِ
الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ سِيرِينَ فأولدها عبد الرحمن بن
سِيرِينَ وَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَارِيَةَ لِنَفْسِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ
إِبْرَاهِيمَ ابْنَهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنْ كُسِرَ عَظْمٌ مِنَ الْإِنْسَانِ
يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ
فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ
الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ عَظْمٍ كُسِرَ سَوَاءٌ السِّنُّ
فَإِذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ
الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ فَإِنَّ جُبِرَ مَعِيبًا بِنَقْصٍ
أَوْ عَوَجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ زِيدَ فِيهِ حُكُومَةٌ
بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضُرِّهِ وَأَلَمِهِ وَلَا يَبْلُغُ
بِهِ دِيَةَ الْعَظْمِ لَوْ قُطِعَ
وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ نَحْوُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي الْجِرَاحِ فِي الْجَسَدِ
إِذَا كَانَتْ خَطَأً عَقْلٌ إِذَا بَرَأَ الْجُرْحُ
وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
عَثَلٌ أَوْ شَيْنٌ فَإِنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ إِلَّا
الْجَائِفَةَ فَإِنَّ فِيهَا ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي مُنَقَّلَةِ الْجَسَدِ عَقْلٌ
وَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْجَسَدِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَالْكُوفِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وَقَدِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعُثْمَانُ
الْبَتِّيُّ أَنَّ الشِّجَاجَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي
الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مِنَ الذَّقَنِ إِلَى مَا فَوْقَهُ
وَأَنَّ جِرَاحَ الْجَسَدِ لَيْسَ فِيهَا عَقْلٌ مُسَمًّى
إِلَّا الْجَائِفَةَ
(8/61)
وَخَالَفَهُمُ اللَّيْثُ فَقَالَ
الْمُوضِحَةُ إِذَا كَانَتْ فِي الْيَدِ تَكُونُ أَيْضًا
فِي الْجَنْبِ إِذَا أُوضِحَتْ عَنْ عَظْمٍ
وَهُوَ قَوْلٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي
الْمُوضِحَةِ إِذَا كَانَتْ فِي الْيَدِ أَوِ الْأُصْبُعِ
فِيهَا نَصِفُ عُشْرِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنَ الْجَسَدِ
وَعَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مِثْلَهُ
ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ
وَفِي كُلِّ جُرْحٍ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ
حُكُومَةٌ إِلَّا الْجَائِفَةَ فَفِيهَا ثُلُثُ النَّفْسِ
وَهِيَ الَّتِي تَخْرُقُ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ
ظَهْرٍ أَوْ صَدْرٍ أَوْ ثَغْرَةِ النَّحْرِ كُلُّ هَذَا
جَائِفَةٌ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ أَنَّ
عَلَيْهِ الْعَقْلَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ الَّذِي
تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَأَنَّ كُلَّ مَا أَخْطَأَ بِهِ
الطَّبِيبُ أَوْ تَعَدَّى إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ
فَفِيهِ الْعَقْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَعْنِي عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ
وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ
خَطَأٌ لَا عَمْدٌ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَطَأَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ
الْفَاعِلُ وَلَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ غَيْرَهُ وَفِعْلُ
الْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ وَشُرَيْحٍ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي الثَّقَفِيُّ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ
أَنَّ خَتَّانَةً كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ خَتَنَتْ
جَارِيَةً فَمَاتَتْ فَجَعَلَ عُمَرُ دِيَتَهَا عَلَى
عَاقِلَتِهَا
وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ
الْحَجَّامِ وَمَالِ الطَّبِيبِ دُونَ عَاقِلَتِهِمَا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنا بن جُرَيْجٍ
قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ فِيهِ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا
مُتَطَبِّبٍ لَمْ يَكُنْ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا
فَتَطَبَّبَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَدِيدِهِ
النِّمَاسِ الْمِثَالُ لَهُ فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا
دُونَهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ مَا أَصَابَ
وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ
(8/62)
وَبِهِ كَانَ يَقْضِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
رَوَى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ
أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ ضَمَّنَ رَجُلًا كَانَ يَخْتِنُ الصِّبْيَانَ
فَقَطَعَ مِنْ ذَكَرِ الصَّبِيِّ فَضَمِنَهُ
وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ الثَّقَفِيُّ عَبْدُ
الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ فَلَا تَقُومُ لِحَدِيثِ أَبِي
قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ هَذَا حُجَّةٌ
وَرَوَى مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ أَنَّ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ
مَعْشَرَ الْأَطِبَّاءِ وَالْمُتَطَبِّبِينَ
وَالْبَيَاطِرَةِ مَنْ عَالَجَ مِنْكُمْ إِنْسَانًا أَوْ
دَابَّةً فَلْيَأْخُذْ لِنَفْسِهِ الْبَرَاءَةَ فَإِنَّهُ
مَنْ عَالَجَ شَيْئًا وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ
الْبَرَاءَةَ فَعَطَبَ فَهُوَ ضَامِنٌ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ خَفَضَتِ امْرَأَةٌ
جَارِيَةً فَأَعَنَّتْهَا فَمَاتَتْ فَضَمَّنَهَا عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّيَةَ
وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَهُ
وَقَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ كَلَامًا
مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ الْبَيْطَارُ أَوِ الْمُتَطَبِّبُ
أَوِ الْخَتَّانُ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ
فَهُوَ كَمَنْ تَعَدَّى يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا
بِالْعَمَلِ بِيَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ
يَتَعَدَّى
وَذَكَر أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ عَنْ
هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ أَبِي قُرَّةَ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَمَّنَ الْخَاتِنَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ الَّذِينَ
قَدِمُوا عَلَى أَبِي حِينَ وُلِّيَ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا
طَبِيبٍ تَطَبَّبَ عَلَى قَوْمٍ وَلَمْ يُعْرَفْ
بِالطِّبِّ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَعَنْتَ فَهُوَ ضَامِنٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
الْمُدَاوِيَ إِذَا تَعَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ ضَمِنَ مَا
أَتْلَفَ بِتَعَدِّيهِ ذَلِكَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي دُحَيْمٌ قَالَ
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَطَبَّبَ
وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ الطِّبُّ فَهُوَ
ضَامِنٌ
(8/63)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ
عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ
بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مسلم أخبرهم عن بن
جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ
طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ
وَقَالَ نَصْرُ بْنُ عاصم حدثني الوليد قال حدثني بن
جُرَيْجٍ
(6 - بَابُ عَقْلِ الْمَرْأَةِ)
1583 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن
المسيب أنه كَانَ يَقُولُ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ
إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ إِصْبَعُهَا كَإِصْبَعِهِ
وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ
ومنقلتها كمنقلته
1584 - مالك عن بن شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا
تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ إِلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ
قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ
فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا دُونَ
الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا
يَكُونُ فِيهِ ثُلْثُ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَإِذَا
بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفَ
مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ جَمَاعَةٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ وَمَا بَلَغَ مَالِكًا عَنْ عُرْوَةَ مِثْلُهُ
ذَكَرَ عبد الرزاق قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ
حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلْثَ
كَانَتْ دِيَتُهَا مِثْلَ نِصْفِ دِيَةِ الرَّجُلِ حَتَّى
تَكُونَ دِيَتُهَا فِي الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ
مِثْلَ نِصْفِ دِيَةِ الرَّجُلِ
(8/64)
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ
وَالرَّجُلِ سَوَاءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثُلْثَ الدِّيَةِ
وَذَلِكَ فِي الْجَائِفَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ
فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ
الرَّجُلِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
مِثْلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ
وَرَوَى وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ
سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قُلْتُ كَمْ فِي
إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ قَالَ عشر من الإبل
قال قلت كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ عِشْرُونَ قُلْتُ
كَمْ فِي ثَلَاثٍ قَالَ ثَلَاثُونَ قُلْتُ كَمْ فِي
أَرْبَعٍ قَالَ عِشْرُونَ قُلْتُ حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا
وَاشْتَدَّتْ بَلِيَّتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا قَالَ
أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ قُلْت بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ
جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ
وَفِي رِوَايَة وَكِيعٍ يَا بن أَخِي! السُّنَّةُ
وَمَعْنَاهَا سَوَاءٌ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عن ربيعة عن بن المسيب مثله
قال وأخبرنا بن جريج قال وأخبرني ربيعة أنه سمع بن
الْمُسَيَّبِ يَقُولُ يُعَاقِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي
مَا دُونَ ثُلُثِ دِيَتِهِ
قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَنْسُبُهُ إِلَى أَحَدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ
دُونَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرُوِيَ مَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ
الزبير وبن شِهَابٍ فِيهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ
وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٍ
وَقَتَادَةَ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وَعِكْرِمَةَ
وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هِيَ السُّنَّةُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جِرَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ
مِنْ جِرَاحِ الرَّجُلِ فِي مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ
وَدِيَتُهَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَفِي
النِّصْفِ دِيَتُهُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن بن مسعود أيضا
والأشهر والأكثر عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ
تُعَاقِلُ الرَّجُلَ فِي جِرَاحِهَا إِلَى أَرْشِ السِّنِّ
وَالْمُوضِحَةُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ
(8/65)
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ
وروى وكيع قال حدثني زكريا وبن أَبِي لَيْلَى عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ دِيَةُ
الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ
الرَّجُلِ وَجِرَاحُهَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي ما دق وجل
قال وكان بن مَسْعُودٍ يَقُولُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي
الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَهُمَا
فِي الْجِرَاحِ إِلَى السِّنِّ وَالْمُوضَحَةِ سَوَاءٌ
وَرَوَى عُيَيْنَةُ عَنْ زكريا عن الشعبي قال قال بن
مَسْعُودٍ سِنُّ الْمَرْأَةِ مِثْلُ سِنِّ الرَّجُلِ
وَمُوضِحَتُهَا مِثْلُ مُوضِحَتِهِ ثُمَّ يَسْتَوِيَانِ
عَلَى النِّصْفِ
وَقَالَ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه
جِرَاحَاتُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحِ
الرَّجُلِ فِي مَا دُونَ النَّفْسِ فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تُسَاوِي الْمَرْأَةُ
الرَّجُلَ فِي عَقْلِهَا إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ
ثُمَّ هِيَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ
دِيَةِ الرَّجُلِ فِي مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ
عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جِرَاحَاتُ الْمَرْأَةِ عَلَى
النِّصْفِ من جراحات الرجل
قال وقال بن مَسْعُودٍ يَسْتَوِيَانِ فِي السِّنِّ
وَالْمُوضِحَةِ وَهِيَ فِي مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى
النِّصْفِ
قَالَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ تُعَاقِلُهُ
إِلَى الثُّلُثِ
قال وأخبرنا معمر عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
عَلِيٍّ مِثْلَهُ
كما روى إبراهيم عنه وعن بن مَسْعُودٍ مِثْلَ حَدِيثِ
إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا
قَالَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ تُعَاقِلُهُ
إِلَى الثُّلُثِ
قال وأخبرنا معمر عن بن أَبِي نَجِيحٍ مِثْلَهُ
كَمَا رَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنْهُ وعن بن مَسْعُودٍ مِثْلَ
حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا
(8/66)
قَالَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ
دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ
حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَمَا زَادَ فَهِيَ
عَلَى النصف
وذكر أبو بكر قال حدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ
يَسْتَوِيَانِ إِلَى الثُّلُثِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ
حَتَّى تَبْلُغَ النِّصْفَ مِنْ دِيَتِهِ وَتَعُودَ إِلَى
النِّصْفِ
ذَكَرَ أبو بكر قال حدثني معمر عن بن عَوْنٍ عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ تَسْتَوِي جِرَاحَاتُ النِّسَاءِ
وَالرِّجَالِ عَلَى النِّصْفِ فَإِذَا بَلَغَتِ النِّصْفَ
فَهِيَ عَلَى النِّصْفِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ
الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ عَلَى
أَنْ يَكُونَ جِرَاحُهَا كَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَثْبُتْ
سُنَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
1585 - مالك أنه سمع بن شِهَابٍ يَقُولُ مَضَتِ السُّنَّةُ
أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ
عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ أَنْ
يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبُهَا مِنْ
ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ كَمَا يَضْرِبُهَا بِسَوْطٍ
فَيَفْقَأُ عَيْنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي
الْخَطَأِ لَا خِلَافَ فِيهِ
وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَا
تَقْتَصُّ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا
قَالَ سُفْيَانُ وَنَحْنُ نَقُولُ تَقْتَصُّ مِنْهُ إِلَّا
فِي الْأَدَبِ
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا مِنْ
قَوْلِهِ فِي بَابِ الْقِصَاصِ بِالْجِرَاحِ
وَسَيَأْتِي هُنَالِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
وَنَذْكُرُ مَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا مِنَ
التَّنَازُعِ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِي
الْقَتْلِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ
وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عُصْبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا
فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ
أُخْرَى مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهَا شَيْءٌ وَلَا عَلَى
وَلَدِهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا وَلَا
عَلَى إِخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا إِذَا كَانُوا مِنْ
غَيْرِ عَصَبَتِهَا ولا قومها
(8/67)
فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا
وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمُ الْعَقْلُ مُنْذُ زَمَانِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ مِيرَاثُهُمْ
لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ
قَبِيلَتِهَا وَعَقْلُ جِنَايَةِ الْمَوَالِي عَلَى
قَبِيلَتِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي هذا الفصل
لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الدِّيَةُ
عِنْدَهُمْ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْعَاقِلَةُ الْعَصَبَةُ
وَالْقَبِيلَةُ وَالْبَطْنُ وَالرَّهْطُ لَا يَعْقِلُ
عَلَى الْإِنْسَانِ مَنْ كَانَ إِلَّا قَبِيلَتُهُ إِذَا
قَتَلَ خَطَأً
وَالْمِيرَاثُ لِمَنْ فَرَضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى لَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ
وَالْعَصَبَةِ إِلَّا أَنَّ الدِّيَةَ لَا يُؤَدِّيهَا
زَوْجٌ وَلَا أَخٌ لِأُمٍّ وَلَا مَنْ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ
مِنَ الْقَبِيلَةِ
وَالْمَوَالِي عِنْدَهُمْ يَجْرُونَ مَجْرَى الْعَصَبَاتِ
لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ لَا يَنْتَقِلُ
وَهَذَا كُلُّهُ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ وَسُنَّةٌ
مَسْنُونَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا عِنْدَ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي
الْمَوْلَى إِذَا أَبَى أَنْ يَعْقِلَ كَانَ الْوَلَاءُ
لِلْمُصَابِ الْمَقْتُولِ خَطَأً وَلَمْ يَرِثْ ذَلِكَ
عَنْهُ
وَمَنْ قَالَ الْعَقْلُ على من له الميراث
فإنه يعني من الْمُوَالِيَ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَنْ عَقَلَ عَنْهُ كَانَ
الْوَلَاءُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَصَبَةٌ
تَحْمِلُ مَعَهُ الْجِنَايَةَ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ
الْمَالِ
وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْتُ فِي
الْوَلَاءِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
دَاوُدَ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ شَيْبَانَ
وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ -
صَاحِبٌ لَنَا - ثِقَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ
وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ
الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْبَانُ قَالَ حَدَّثَنِي
محمد - يعني بن رَاشِدٍ - قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ
بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جده قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ عَصَبَتِهَا
مَنْ كَانُوا لَا يَرِثُونَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا
فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهِ وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا
بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهَا
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
(8/68)
وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنِ
الْحَجَّاجِ عَنِ الحكم عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ قَالَ
كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ
يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ وَيَقِدُوا غَائِبَهُمْ
وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى
الْعَصَبَةِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ اخْتَصَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ
فِي مَوَالِي صَفِيَّةَ إِلَى عُمَرَ فَقَضَى عُمَرُ
بِالْمِيرَاثِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عنة قال وحدثني بن فُضَيْلٍ وَجَرِيرٌ عَنْ
مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْمِيرَاثُ لِلرَّحِمِ
وَالْجَرِيرَةُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ بُرْقَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ
كَتَبَ لَوْ لَمْ يَدَعْ قَرَابَةً إِلَّا مَوَالِيَهُ
كَانُوا أَحَقَّ النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ وَأَحْمَلُ
الْعَقْلَ عَلَيْهِمْ كَمَا يرثونه
وذكر عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ قَالَ لِمُوَالِي مَوْلًى إِمَّا أَنْ
تَعْقِلُوا عَنْهُ وَإِمَّا أَنْ تعقل وَيَكُونُ
مَوْلَانَا
قَالَ عَطَاءٌ إِنْ أَبَى أَهْلُهُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ
فَهُوَ مَوْلًى لِلْمُصَابِ
وَعَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الدِّيَةُ
عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي كُلِّ جَرِيرَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي عَلَيْهِ مَذْهَبُ
الْفُقَهَاءِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ يُجْبَرُونَ عَلَى
حَمْلِ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُونَ
وَلَمْ يَجِدْ مَالِكٌ فِي مَا يَحْمِلُ الْوَاحِدُ
مِنْهُمْ حَدًّا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى قَدْرِ
مَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ
وَسَنَذْكُرُ أَقْوَالَهُمْ إِذَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ
الْفُقَهَاءِ فِي الْعَوَاقِلِ فِي بَابِ جَامِعِ
الْعَقْلِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
(7 - بَابُ عَقْلِ الجنين)
1586 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
(8/69)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ
مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ
جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ عبد أو وليدة
1587 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ
عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ
وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إنما هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هكذا روى مالك هذين الحديثين عن بن
شهاب فأرسل عنه حديث ان الْمُسَيَّبِ وَأَسْنَدَ عَنْهُ
حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي وَاحِدٍ
مِنْهُمَا قَتْلَ الْمَرْأَةِ وَأَظُنُّهُ أَسْقَطَهُ
لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى عاقلة
المرأة القاتلة بالحجر وبالمسطح وَهُوَ الْعُودُ وَذَلِكَ
شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ عِنْدَهُ بَاطِلٌ
فَكَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لَمْ يَذْكُرْهُ فِي
كِتَابِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ
بن شِهَابٍ
وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ بن مسافر عن بن
شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا
رَوَاهُ مَالِكٌ مُسْنَدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَتْلَ
الْمَرْأَةِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الفرج
القطان قال حدثني بن عفير قال حدثني الليث عن بن مسافر عن
بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَخَالَفَهُ قُتَيْبَةُ فِي إِسْنَادِهِ عَنِ اللَّيْثِ
وَسَنَذْكُرُهُ
وَأَمَّا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ فَذَكَرَا ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
دَاوُدَ قَالَ
(8/70)
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ وَأَحْمَدُ
بْنُ عَمْرِو بن السرح قالا حدثني بن وهب قال أخبرني يونس
عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اقْتَتَلَتِ
امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وَقَضَى
بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرَّثَهَا
وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُمْ فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ
بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا نَطَقَ
وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا
مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ
مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ
مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ شِبْهَ
الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى
الْعَصَبَةِ دُونَ الْوَرَثَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
الْعَصَبَةُ وَرَثَةً فَيَحْمِلُونَ مِنَ الدِّيَةِ
بِقَدْرِهِمْ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اقْتَتَلَتِ
امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَتْ بَطْنَهَا فَقَتَلَتْهَا
وَأَسْقَطَتْ جَنِينًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَقْلِهَا عَلَى عَاقِلَةِ
الْقَاتِلَةِ وَفِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ
وَلِيدَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ
أَثْبَتَ شِبْهَ الْعَمْدِ وَجَعَلَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَلَمْ يَرَ فِيهِ قَوَدًا
وَشِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ أَنْ يَعْمِدَ الضَّارِبُ إِلَى
الْمَضْرُوبِ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ سَوْطٍ أَوْ
عَمُودٍ أَوْ مَا الْأَغْلَبُ فِيهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ
مِثْلُهُ مِنَ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذكرنا عن
(8/71)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي بَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ
إِذَا قُبِلَتْ مِنْ هَذَا الكتاب
وذكرنا هناك حديث بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَشَدَ
النَّاسَ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ
مَالِكٍ فَقَالَ كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا
وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ
وَأَنْ تُقْتَلَ مَكَانَهَا
وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي
نَفْيِ حُكْمِ شِبْهِ الْعَمْدِ
وَقَالُوا إِنَّ كُلَّ مَا عَمَدَ بِهِ فَهُوَ عَمْدٌ
وَفِيهِ الْقَوَدُ
وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى هَذِهِ الرواية عن بن جُرَيْجٍ
حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ وَأَبُو عَاصِمٍ
الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ وَلَوِ انْفَرَدَ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا بِذَلِكَ لَكَانَ حُجَّةً فَكَيْفَ وَقَدِ
اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَتَصْحِيحُ ذَلِكَ قَضَاءُ عُمَرَ
بِهِ
ذَكَرَ أبو بكر قال حدثني شريك عن زيدة بن جبيرة عَنْ
جَرْوَةَ بْنِ حُمَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ
يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ فَيَضْرِبُهُ بِمِثْلِ
أَكَلَةِ اللَّحْمِ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ
إِلَّا أَقَدْتُهُ مِنْهُ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الضَّارِبِ
بِالْعَصَا عَمْدًا إِذَا قَتَلَتْ صَاحِبَهَا قُتِلَ
الضَّارِبُ
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ حَدِيثَ بن جُرَيْجٍ رَوَاهُ
الْحُمَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ عن بن
جُرَيْجٍ بِإِسْنَادِهِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ وَأَنْ
تَقْتُلَ الْمَرْأَةُ
قِيلَ لَهُ مَنْ لَمْ يُرِدْ كَذَا الشَّيْءِ فَلَيْسَ
بِشَاهِدٍ وَلَا حُجَّةَ فِي مَا قضى عنه
فإن قيل إن بن عُيَيْنَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ
قَالَ قَالَ عُمَرُ أُذُكِّرُ اللَّهَ امْرَءًا سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى
فِي الْجَنِينِ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
النَّابِغَةِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ
بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ - يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ - فَضَرَبَتْ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِالْمِسْطَحِ - عَمُودِ
خِبَائِهَا - فَقَتَلَتْهَا وَقَتَلَتْ مَا فِي بَطْنِهَا
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ
فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هذا
قضينا بغيره
(8/72)
فلم يذكر فيه بن عُيَيْنَةَ قَتْلَ
الْمَرْأَةِ الضَّارِبَةِ بِالْمِسَطَحِ قِيلَ لَهُ وَلَا
ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ دِيَتَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وقد ذكره
بن جُرَيْجٍ وَمَنْ لَمْ يَذْكُرِ الشَّيْءَ فَقَدْ
قَصَّرَ وَالْحُجَّةُ فِي ذِكْرِ مَنْ ذَكَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِلَّا أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَلَى
حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ هَذَا
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ
الْهُذَلِيِّ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَتْ لِيَ
امْرَأَتَانِ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى
فَأَصَابَتْهَا فَقَتَلَتْهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَأَلْقَتْ
جَنِينَهَا فَمَاتَتْ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَضَى فِي الْجَنِينِ
بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مِائَةِ شَاةٍ أَوْ
عَشَرَةٍ مِنَ الْإِبِلِ
فَحَصَلَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ
الْأَعْرَابِيِّ الْهُذَلِيِّ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَمْ
يَخْتَلِفِ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ
إِلَّا مِنْ قُصْرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةَ الْمَرْأَةِ
وَكَذَلِكَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي
حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمْ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
نَضْلَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بن شعبة قال
ضربت ضَرَّةً لَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِدِيَتِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ
وَلِمَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتُغَرِّمُنِي مَنْ لَا طَعِمَ
وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ مِثْلُ ذَلِكَ
يُطَلُّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَسْجَعَ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ
وَرَوَى سِمَاكُ بن حرب عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ هَذَا
الْخَبَرَ فِيهِ فَأَسْقَطَتْ غُلَامًا قَدْ نَبَتَ
شَعَرُهُ مَيِّتًا وَمَاتَتِ الْمَرْأَةُ فَقَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ
وَرُوِيَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَقَالَ فِيهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ
الْقَاتِلَةِ وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا فَقَالَ
عَاقِلَةُ الْمَقْتُولَةِ مِيرَاثُهَا لَنَا فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا
(8/73)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَعَلَى هَذَا
جُمْهُورُ النَّاسِ أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ
وَالْعَقْلَ عَلَى الْعَصَبَةِ
وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ
سَقَطَ مَيِّتًا يَضْرِبُ بَطْنَ أُمِّهِ وَهِيَ حَيَّةٌ
حِينَ رَمَتْهُ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ
هَذَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْغُرَّةِ عبد أو أمة
روى بن عيينة قال أخبرني بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى
بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ
وَرَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيَ هُرَيْرَةَ قَالَ قَضَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ
بَغْلٍ
وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ قَالُوا فِي
الْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ بَغْلٍ
وَرَفَعَهُ عَطَاءٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَفَعَهُ طَاوُسٌ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ
الْهُذَلِيِّ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي
الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مِائَةِ
شَاةٍ أَوْ عشر مِنَ الْإِبِلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ
الْغُرَّةَ تَجِبُ فِي الْجَنِينِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ
بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ فِي حِينِ
سُقُوطِهِ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ
سَوَاءٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْغُرَّةُ
وَاخْتَلَفُوا عَلَى مَنْ تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ
حَيٍّ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ
وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمِمَّنْ قَالَ
ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمْ
وهو قول إبراهيم وبن سِيرِينَ
وَقَدْ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ
قال حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْمُجَالِدِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي
الْجَنِينِ غُرَّةً عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ
وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا
(8/74)
1588 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْغُرَّةُ
تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ
وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ
خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ
قَالَ مَالِكٌ فِدْيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ
دِيَتِهَا وَالْعُشْرُ خمسون دينار أَوْ سِتُّمِائَةِ
دِرْهَمٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ
الدِّيَةَ مِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى مَا
فَرَضَهَا عُمَرُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا
ذَكَرَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ
عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَهْم
جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ
وَأَمَّا مَنْ رَاعَى فِي الدِّيَةِ قِيمَةَ الْإِبِلِ
غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ
الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ أَقَلُّهَا بِنْتُ سَبْعِ
سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
قَالَ لَيْسَ عَلَى الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ
يَقْبَلَهَا مَعِيبًا
وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ كُلُّ مَا وَقَعَ
عَلَيْهِ اسْمُ غرة أجزأ إلا أن يتفق الجميع عَلَى سِنِّ
مَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ
مَذْهَبُ الْحِجَازَيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ
الدِّيَةَ مِنَ الدَّرَاهِمِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ وَنِصْفُهَا دِيَةُ الْمَرْأَةِ سِتَّةُ آلَافِ
دِرْهَمٍ عُشْرُهَا سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ
وَهُوَ مَذْهَب مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا
وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَالثَّوْرِيُّ فَقَالُوا قِيمَةُ الْغُرَّةِ
خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي
أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ
وَهُوَ مَذْهَبُ سَلَفِهِمْ أصحاب بن مَسْعُودٍ
وَغَيْرِهِمْ
قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي
أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى
يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ وَيَسْقُطَ مِنْ بَطْنِهَا
مَيِّتًا
قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْتُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ
مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَنَّ فِيهِ
الدِّيَةَ كَامِلَةً
(8/75)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ
قَوْلِهِ إجماع لا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ
أَنَّ الْجَنِينَ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى
يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ وَأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ
فِي جَوْفِهَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ دَاخِلٌ
فِي حُكْمِهَا مِنْ دِيَةٍ أَوْ قِصَاصٍ
وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ
مَاتَ مَنْ ضَرْبِ بَطْنِ أُمِّهِ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ
كَامِلَةً مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِقَسَامَةٍ وَهُوَ
مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُوجِبُ فِيهِ قَسَامَةً
وَهُوَ الْكُوفِيُّ وَعَلَى ضَارِبِ بَطْنِ أُمِّهِ مَعَ
ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ
هَذَا كله لم يختلف فيه
واختلوا فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ
الْغُرَّةُ دُونَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ
فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ
عَلَى الْجَانِي مَعَ الْكَفَّارَةِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ
وَالْحَكَمُ
وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ
وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ هُنَا وَلَمْ
يُوجِبْهَا لِأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِي مَنْ ضَرَبَ
بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا هُوَ عَمْدٌ فِي
الْجَنِينِ خَطَأٌ فِي الْأُمِّ وَمَرَّةً قَالَ هُوَ
عَمْدٌ فِي الْأُمِّ خَطَأٌ فِي الجنين
قال مالك ولا حياة للجني إِلَّا بِالِاسْتِهْلَالِ فَإِذَا
خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ
فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِإِجْمَاعِهِمْ فِي
الْجَنِينِ تُلْقِيهِ أُمُّهُ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ
وَأَمَّا عَلَامَةُ حَيَاتِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فِيهِ
فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ
لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ إِلَّا بِالِاسْتِهْلَالِ وَهُوَ
الصِّيَاحُ أَوِ الْبِكَاءُ الْمَسْمُوعُ وَأَمَّا
حَرَكَةٌ أَوْ عُطَاسٌ فَلَا
وهو قول جماعة منهم بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَقَتَادَةُ
ذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي إسرائيل عن سماك عن عكرمة
عن بن عباس قال استهلاله صياحه
وقاله إبراهيم وغيره
(8/76)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ وَلَدَتِ
امْرَأَةٌ وَلَدًا فَشَهِدَ نِسْوَةٌ أَنَّهُ اخْتَلَجَ
وَوُلِدَ حَيًّا وَلَمْ يشهدن على الاستهلال فأبطل شريح
ميراثه لأنهن لَمْ يَشْهَدْنَ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ
سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ لَوْ خَرَجَ تَامًّا وَمَكَثَ
الرُّوحُ فِيهِ ثَلَاثًا مَا وَرَّثْتُهُ حَتَّى
يَسْتَهِلَّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِذَا عُلِمَتْ
حَيَاتُهُ بِحَرَكَةٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوِ اسْتِهْلَالٍ أَوْ
رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَيْقَنُ بِهِ
حَيَاتُهُ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَعِتْقُ رَقَبَةٍ
قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يَرِثُ الْجَنِينُ
وَلَا يَتِمُّ عَقْلُهُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ
قَالَ وَإِنَّ عَطَسَ فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ
الِاسْتِهْلَالِ
وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي
السَّقْطِ يَقَعُ فَيَتَحَرَّكُ قَالَ كَمُلَتْ دِيَتُهُ
اسْتَهَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ
وَرَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنِ بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَرَى الْعُطَاسَ استهلالا
وذكر أبو بكر قال حدثني بن مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانُ
بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ الِاسْتِهْلَالُ الْبُكَاءُ أَوِ
الْعُطَاسُ
وَاخْتَلَفُوا فِي السَّقْطِ الَّذِي تَطْرَحُهُ أُمُّهُ
الْمَضْرُوبُ بَطْنُهَا فَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ مَا
طَرَحَتْهُ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ أو ما يعلم أن
يكون ولد فَفِيهِ الْغُرَّةُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ غُرَّةٍ
وَلَا غَيْرِهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ شَيْءٌ مِنْ
خِلْقَتِهِ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُفَارِقُ فِيهِ الْمُضْغَةَ
وَالدَّمَ وَالْعَلَقَةَ وَزَادَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ قَالَ فَإِنْ أَسْقَطَتْ خَلْقًا مُجْتَمِعًا
لَا يَسْتَبِينُ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلْقٌ سَأَلْنَا
عُدُولًا مِنَ النِّسَاءِ فَإِنْ زعمن أن هذا لا يكون إلا
خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ كَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ
شَكَكْنَ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ
قَالَ مَالِكٌ وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ
ثمن أمه
قال أبو عمر يُرِيدُ جَنِينَ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ
سَيِّدِهَا لِأَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا
لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ
جَنِينِ الْحُرَّةِ
(8/77)
وَاخْتَلَفُوا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى
أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ
ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى
قَالَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهَا
قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ يَعْنِي عُشْرَ
قِيمَةِ أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي
الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذِكْرٍ أَوْ
أُنْثَى
قَالَ الْمُزَنِيُّ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ عُشْرُ
قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ تُلْقِيهِ وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ
لِمَسَائِلَ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ لَا أَعْرِفُ أَنْ
يُدْفَعَ عَنِ الْغُرَّةِ قِيمَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ
لِمَوْضِعٍ لَا تُوجَدُ فِيهِ
قَالَ الْمُزَنِيُّ أَصْلُهُ فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضَى بِهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا
وَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ إِذَا لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا
قَالَ وَإِنَّمَا قُلْتُ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا دُونَ
سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ لِأَنَّهَا لَا
تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هَذَا السِّنِّ وَلَا
يُفَرَّقُ بَيْنَهَا إِلَّا فِي حَدٍّ أَسَنَّ وَأَعْلَى
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ خَرَجَ
جَنِينُ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا حَيًّا ثُمَّ
مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ
قَالَ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ
فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ
كانت أُنْثَى كَانَ فِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ
حَيَّةً
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَجِدْ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
فِي ذَلِكَ خِلَافًا
قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ
وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي
جَنِينِ الْأَمَةِ إِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَأَنْقَصَ
أُمَّهُ كَمَا يَكُونُ فِي أَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ
الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الْجَنِينِ تَطْرَحُهُ أُمُّهُ
مَيِّتًا فَأَحْسَنَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ قَالَ
سُفْيَانُ نَحْنُ نَقُولُ إِنْ كَانَ غُلَامًا فَنِصْفُ
عُشْرِ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَعُشْرُ
قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ
(8/78)
وَقَالَ الْحَسَنُ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ
رَوَاهُ عَنْهُ يُونُسُ وَهِشَامٌ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَنِينُ الْأَمَةِ فِي
ثَمَنِ أُمِّهِ بِقَدْرِ جَنِينِ الْحُرَّةِ فِي دِيَةِ
أُمِّهِ
وَقَالَ الْحَكَمُ كَانُوا يَأْخُذُونَ جَنِينَ الْأَمَةِ
فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ
الْأَشْعَثِ عَنِ الْحَكَمِ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ
وَقَالَ حَمَّادٌ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ حُكُومَةٌ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَوِ
امْرَأَةً عَمْدًا وَالَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ لَمْ يُقَدْ
مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجُمِ الْحَامِلَ
الْمُعْتَرِفَةَ بِالزِّنَى حَتَّى وَضَعَتْ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ قُتِلَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حامل
عمدا أو خطأ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا
شَيْءٌ فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْدًا قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا
وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً
فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ فِي
جَنِينِهَا (دِيَةٌ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ لَا
يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ
حُكْمٌ وَلَا يُرَاعَى حَتَّى تُلْقِيَهُ أُمُّهُ مِنَ
الضَّرْبِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَتَكُونُ فِيهِ مَعَ
الْحَيَاةِ دِيَةٌ وَفِي الْغُرَّةِ إِنْ أَلْقَتْهُ
مَيِّتًا كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
1589 - سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ
وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ فَقَالَ أَرَى أَنَّ فِيهِ
عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَأَمَّا الْكُوفِيُّ فَقَالَ جَنَيْنُ الذِّمِّيَّةِ
يَهُودِيَّةً كَانَتْ أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ
مَجُوسِيَّةً كَجَنِينِ الْمُسْلِمَةِ سَوَاءً
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ
(8/79)
وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي دِيَةِ
الذِّمِّيِّ
أَنَّهَا كدية المسلم وأنه بقتل الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ
كَمَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِهِ
وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَلَا يُقْتَلُ
عِنْدَهُمَا مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إِلَّا أَنَّ دِيَةَ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ نِصْفُ
دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ
وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ
ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ
وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَنِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ
أُمِّهِ مَيِّتًا وَهِيَ قَدْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبِ
بَطْنِهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ غُرَّةٍ وَلَا
غَيْرِهَا إِذَا أَلْقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَيِّتًا
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِيهِ
الْغُرَّةُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي هَذَا كَقَوْلِ
اللَّيْثِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ مِنَ
الضَّرْبِ وَلَمْ تُلْقِ الْجَنِينَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ
فِيهِ
وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ضُرِبَ بَطْنُ
امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَنَّهُ
لَا شَيْءَ فِيهِ
فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إِذَا أَلْقَتْهُ
مَيِّتًا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ وَهِيَ
حَيَّةٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْغُرَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ
فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ أَنَّهَا مورثة عَنِ الْجَنِينِ
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْغُرَّةَ عَنِ الْجَنِينِ لَا عَنْ
عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْأُمِّ لِأَنَّهُمْ قَدْ
أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَوْ قَطَعَ يَدَهَا خَطَأً فَمَاتَتْ
مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لِلْيَدِ دِيَةٌ وَدَخَلَتْ فِي
النَّفْسِ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا
مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ مِنَ الضَّرْبَةِ وَجَبَتِ
الدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ وَلَمْ تَدْخُلِ الْغُرَّةُ فِي
الدِّيَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ
مُنْفَرِدٌ بِحُكْمِهِ دُونَ أُمِّهِ فَوَجَبَ أَنْ
تَكُونَ دِيَتُهُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَسَائِرِ الدِّيَاتِ
وَإِذَا صَحَّ هَذَا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهَا
لِلْأُمِّ خَاصَّةً
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ الدِّيَةُ لِلْأُمِّ
خَاصَّةً كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ دِيَة
الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى
(8/80)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ
لِمَالِكٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فِي الْجَنِينِ
أَنَّهُ مَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِ بَطْنِ أُمِّهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ
وَالْجِنَايَاتِ إِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ
تَزَلْ شَاكِيَةً مُوجَعَةً مِنَ الضَّرْبِ حَتَّى
طَرْحَتْهُ لَزِمَتِ الْجِنَايَةُ الْجَانِيَ
وَيَغَرَمُهَا مَنْ يَغْرَمُ دِيَةَ الْخَطَأِ وَإِنْ لَمْ
تَقُمِ الْبَيِّنَةُ حَلَفَ الْجَانِي وَبَرِئَ
(8 - بَابُ مَا فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً)
1590 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ
كَامِلَةً فَإِذَا قُطِعَتِ السُّفْلَى فَفِيهَا (ثُلُثَا)
الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ
وَالْخَلْفِ أَنَّ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ
وَأَمَّا مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي
السُّفْلَى الدِّيَةُ فَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ
ذَكَر أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ
فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلْثَا الدِّيَةِ لِأَنَّهَا
تَحْبِسُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَفِي الْعُلْيَا ثُلُثُ
الدِّيَةِ
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمَكْحُولٌ وَعَطَاءٌ
وَالشَّعْبِيُّ فِي رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْهُ
وَرَوَى عَنْهُ زَكَرِيَّا الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَتَادَةَ
وَمُجَاهِدٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ تَفْضُلُ السُّفْلَى عَلَى
الْعُلْيَا بِالتَّغْلِيظِ وَلَا تَفْضُلُ بِالزِّيَادَةِ
فِي الْعَدَدِ
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ على أن في الشفتين الدية وأن في كُلَّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا تَفْضُلُ
السفلى غيرها
1591 - مالك أنه سأل بن شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ
الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ فقال بن شِهَابٍ
إِنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فَلَهُ
الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةُ أَلْفُ
دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
(8/81)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا فِي الْعَمْدِ
لَهُ الْقَوَدُ إِنْ شَاءَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
(وَالْعَيْنَ بالعين) المائدة 45
وجعل بن شِهَابٍ الْمَفْقُوءَ الْعَيْنِ مُخَيَّرًا عَلَى
الْأَعْوَرِ الَّذِي فَقَأَ عَيْنَهُ إِنْ شَاءَ فَقَأَ
عَيْنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِينَارٍ
دِيَةَ عَيْنِهِ
وهو مذهب عمر وعثمان وبن عُمَرَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ
الدِّيَةُ كَامِلَةً إِذَا فُقِئَتْ خَطَأً
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ فَقْءِ عَيْنِ الْأَعْوَرِ خَطَأً فِي
آخِرِ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ
قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ
لِلصَّحِيحِ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ إِلَّا دِيَةُ
عَيْنِهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ كَمَا لَوْ فَقَأَهَا
غَيْرُ أَعْوَرَ وَعُفِيَ عَنْهُ عَلَى الدِّيَةِ
قَالَ بن الْقَاسِمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ
يَأْخُذُ دِيَةَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ الَّذِي تَرَكَ لَهُ
أَلْفَ دينار
قال بن القاسم وقوله الآخر أعجب إلي
وقال بن دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ الَّذِي فُقِئَتْ
عَيْنُهُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ فَقَأَ عَيْنَ الْأَعْوَرِ
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةَ عَيْنِ نَفْسِهِ خَمْسِينَ
مِنَ الْإِبِلِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ
وهذا كقول بن دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةِ سَوَاءً
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ
وَقَالَ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ
أَنْ يَجْعَلَ فِي إِحْدَاهُمَا الدِّيَةَ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الصحيح الذي فقئت عينه ليس بمخير
وإنما لَهُ الْقِصَاصُ مِنَ الْأَعْوَرِ أَوْ
يَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا شَاءَ
وَلِلسَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ
ذَكَرَ عبد الرزاق قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ اجْتَمَعَا
عَلَى أَنَّ الْأَعْوَرَ إِنْ فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ
فَعَلَيْهِ مِثْلُ دِيَةِ عَيْنِهِ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ
قَالَ وَقَالَ عَلِيٌّ الْقِصَاصُ في كتاب الله تعالى
(والعين بِالْعَيْنِ) الْمَائِدَةِ 45 وَقَدْ عَلِمَ
أَنَّهُ يَكُونُ هَذَا وَغَيْرُهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ
(8/82)
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
حَفْصٌ عَنِ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ فِي أَعْوَرَ فَقَأَ
عَيْنَ صحيح قال العين بالعين
وقال وَحَدَّثَنِي غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ
عُثْمَانَ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْوَرَ فَقَأَ عَيْنَ
صَحِيحٍ فَقَالَ عَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنِهِ وَهِيَ دِيَةُ
عَيْنَيْنِ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ
قال قتادة وقال ذلك بن الْمُسَيَّبِ فِي الْعَمْدِ
وَالْخَطَأِ لَا يُسْتَقَادُ مِنْ أَعْوَرَ وَعَلَيْهِ
الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَا
إِذَا فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ الصَّحِيحِ عَمْدًا
غُرِّمَ أَلْفَ دِينَارٍ وَإِنَّ فقأها خطأ غرم خمسمائة
دينار
وروى بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي أَعْوَرَ أَصَابَ
عَيْنَ إِنْسَانٍ عَمْدًا قَالَ مَا أَرَى أَنْ يُقَادَ
مِنْهُ أَرَى لَهُ الدِّيَةَ كَامِلَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ
الْأَعْوَرِ وَحْدَهَا بِعَيْنَيِ الصَّحِيحِ اللَّتَيْنِ
فَقَأَهُمَا وَكَرِهَ أَنْ يُغَرِّمَهُ مَعَ عَيْنِهِ
الَّتِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا دِيَةَ عَيْنٍ فَقَضَى
الصَّحِيحُ بِدِيَةِ عَيْنَيْهِ مَعًا وَدَفَعَ الْقِصَاصَ
1592 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ فِي كُلِّ زَوْجٍ
مِنَ الْإِنْسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَأَنَّ فِي
اللِّسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَأَنْ فِي الْأُذُنَيْنِ
إذا ذهب سمعهما الدية كاملة اصطلمتا أو لم تَصْطَلِمَا
وَفِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَفِي
الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
1593 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ في ثديي
الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً
قَالَ مَالِكٌ وَأَخَفُّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ
وَثَدْيَا الرَّجُلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي كُلِّ زَوْجٍ مِنَ
الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَهَذَا فِي مَذْهَبِهِ
وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَغْلَبِ لِأَنَّهُ لَا
يَجْعَلُ عَلَى الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةَ وَلَا فِي
ثَدْيَيِ الرَّجُلِ وَلَا فِي الْأُذُنَيْنِ إِذَا لَمْ
يَذْهَبْ سَمْعُهُمَا وَغَيْرُهُ يَجْعَلُ فِي ذَلِكَ
الدِّيَةَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ فَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ
وَمَذَاهِبُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إِذَا قُطِعَ كُلُّهُ
أَوْ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ مِنْهُ
(8/83)
فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مَا قُطِعَ مِنْهُ
شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ مَنَعَ
مَا قُطِعَ مِنْهُ بَعْضَ الْكَلَامِ فَفِيهِ بِحِسَابِ
مَا مُنِعَ مِنْهُ يَعْتَبِرُ بِحُرُوفِ الْفَمِ
هَذَا كُلُّهُ فِي الْخَطَأِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاصِ فِي اللِّسَانِ فَمَنْ لَمْ
يَرَ فِيهِ الْقِصَاصَ وَهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ
الدِّيَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي مَالِ الْجَانِي
عَمْدًا فِي أَحَدِ قَوْلَيِ مَالِكٍ
وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ فِي مَالِ الْجَانِي
وَقَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ فِي اللِّسَانِ الْقِصَاصُ
يَعْنِي فِي الْعَمْدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةَ
إِذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
الْأُذُنَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ أَيْضًا
فالذي رواه بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّمْعِ
الدِّيَةُ إِذَا ذَهَبَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ جَمِيعًا
وَفِي قَطْعِ الْأُذُنَيْنِ حكومة
وهو رواية بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي إِشْرَافِ الْأُذُنَيْنِ
إِلَّا حُكُومَةٌ
وَرَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ
فِي الْأُذُنَيْنِ إِذَا اصْطَلَمَتَا الدِّيَةُ وَإِنْ
لَمْ يَذْهَبِ السَّمْعُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ
أَنَّ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ الدِّيَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْأُذُنَيْنِ
الدِّيَةُ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ قَضَى فِي
الْأُذُنِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَقَالَ
إِنَّهُ لَا يَضُرُّ السَّمْعَ وَيَسْتُرُهُمَا الشَّعَرُ
وَالْعِمَامَةُ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ
قَضَوْا فِي الْأُذُنِ إِذَا اسْتُؤْصِلَتْ بِنِصْفِ
الدِّيَةِ
وَرُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ مِثْلُهُ
قَالَ مَعْمَرٌ وَالنَّاسُ عَلَى هَذَا
وَأَمَّا ذَهَابُ السَّمْعِ فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ
أَنَّهُ قَالَ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ خَمْسُونَ
وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُذُنِ
الْوَاحِدَةِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَمْ يَبْلُغْنِي فِي ذَهَابِ السَّمْعِ
شَيْءٌ
(8/84)
قَالَ أَبُو عُمَرَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
عَلَى أَنَّ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ الدِّيَةَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الدِّيَةُ فَإِنَّ
الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ فِي الذَّكَرِ
الصَّحِيحِ الَّذِي يُمْكِنُ بِهِ الْوَطْءُ الدِّيَةَ
كَامِلَةً
وَفِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ
وَاخْتَلَفُوا فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَذَكَرِ الْعِنِّينِ
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَفِي الْيَدِ
الشَّلَّاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ
وَالْعِنِّينِ حُكُومَةً
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ
وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ
وَالْعِنِّينِ حُكُومَةٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ فِي الذَّكَرِ
الدِّيَةُ وَفِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَطْعِ بَاقِي الذَّكَرِ
بَعْدَ الْحَشَفَةِ بِمَا لَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضِعًا
لِذِكْرِهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ
فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وزيد وبن مَسْعُودٍ
وَهُؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ
لَهُمْ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ
كُلُّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي
كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
بِالْأَمْصَارِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَا الدِّيَةِ لِأَنَّ
الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثُ
الدِّيَةِ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ قَالَ
حَدَّثَنِي بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي
الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَا الدِّيَةِ وَفِي
الْيُمْنَى الثُّلُثُ
قُلْتُ لِمَ قَالَ لِأَنَّ الْيُسْرَى إِذَا ذَهَبَتْ لَمْ
يُولَدْ لَهُ وَإِذَا ذَهَبَتِ الْيُمْنَى وُلِدَ لَهُ
(8/85)
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
فِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً فَعَلَى هَذَا
جَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ
وَالْفُقَهَاءُ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَأَتْبَاعُهُمْ
وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ فِي
ثَدْيِ الْمَرْأَةِ دِيَتُهَا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهَا وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا
كَامِلَةً لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّضَاعُ إِلَّا
بِهِمَا وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٍ
مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ إِلَّا
فِي الْحَلَمَتَيْنِ فَإِنَّهُ رُوِيَ فِيهِمَا عَنْ
زَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَشْيَاءُ مُضْطَرِبَةٌ
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ
شَيْءٌ لَا يَصِحُّ عَنْهُ خِلَافُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ
الْفُقَهَاءُ
وَرَوَى مَعْنُ بن عيسى عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ثَديْيِ الْمَرْأَةِ
فَقَالَ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ
نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِذَا أُصِيبَ بَعْضُهُ فَفِيهِ
حُكُومَةُ الْعَدْلِ الْمُجْتَهِدِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَخَفُّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ
وَثَدْيَا الرَّجُلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
أَنَّ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةً وَكَذَلِكَ فِي ثَدْيِ
الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَفِي جُفُونِ الْعَيْنَيْنِ
حُكُومَةٌ وَفِي أَشْفَارِهَا حُكُومَةٌ وَفِي شَعَرِ
الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إِذَا حُلِقَا وَلَمْ يَنْبُتْ
حكومة
وقال بن الْقَاسِمِ لَا قِصَاصَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ
وَلَا اللِّحْيَةِ وَفِيهِمَا الْأَدَبُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي شَعَرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ
وَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ حُكُومَةٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ
وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ
الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
رُبْعُ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عمر روي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ مَا
كَانَ فِي الْأُنْثَيَيْنِ في الإنسان ففيهما الدِّيَةُ
وَفِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٍ
وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ فِي
الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
نِصْفُ الدِّيَةِ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ فِي
اللِّحْيَةِ إِذَا حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ الدِّيَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الدِّيَةُ لَا تَصِحُّ وَلَا تَثْبُتُ
فِي عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَلَا فِي النَّفْسِ إِلَّا
بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
(8/86)
وَلَمْ يُجْمِعُوا فِي الْحَاجِبَيْنِ
وَلَا فِي شَعَرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ عَلَى شَيْءٍ
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يَصِحَّ
فِيهِ تَوْقِيفٌ حُكُومَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْأَجْفَانِ مَا رَوَى
الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ فِي الْأَجْفَانِ
فِي كُلِّ جَفْنٍ رُبْعُ الدِّيَةِ
وَرَوَى عَنْهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ فِي
الْجَفْنِ الْأَسْفَلِ الثُّلُثَانِ وَفِي الْأَعْلَى
الثُّلُثُ
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَقِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ كَانُوا يَجْعَلُونَ
فِي جَفْنَيِ الْعَيْنِ إِذَا أُخِذَتَا عَنِ الْعَيْنِ
الدِّيَةَ
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْعَيْنِ بَعْدَهُمَا
فَإِنْ تَفَرَّقَا جَعَلَ فِي الْأَسْفَلِ الثُّلُثَ وَفِي
الْأَعْلَى الثُّلُثَيْنِ وَذَلِكَ أَجْزَى عَنِ الْعَيْنِ
مِنَ الْأَسْفَلِ بِسَتْرِهَا وَيَكُفُّ عَنْهُمَا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ وَأَحْمَدَ فِي
الْأَجْفَانِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا
أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ
له إذا أصيبت يَدَاهُ وَرَجُلَاهُ وَعَيْنَاهُ فَلَهُ
ثَلَاثُ دِيَاتٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا
بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إِذَا
فُقِئَتْ خَطَأً إِنَّ فِيهَا الدِّيَةَ كَامِلَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ تُصَابُ خَطَأً
قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدُهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَالثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ قَالَا
إِذَا فُقِئَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ خَطَأً فَفِيهَا
الدِّيَةُ كَامِلَةً أَلْفُ دِينَارٍ
وروى بن جريج عن بن شِهَابٍ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ
تُفْقَأُ خَطَأً قَالَ فِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَلْفُ
دِينَارٍ قُلْت عَنْ من قال لم نزل نسمعه
(8/87)
وقال بن جريج - وقال ذلك ربيعة - قال بن
جُرَيْجٍ وَحَدِيثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ
عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَضَيَا
فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ بِالدِّيَةِ تَامَّةً
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
قَضَى فِي عَيْنِ أعور بالدية كاملة
ذكره عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ
سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ بن
عُمَرَ قَالَ إِذَا فُقِئَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ فَفِيهَا
الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُسَامَةَ
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ
عُثْمَانَ قَضَى فِي أَعْوَرَ أصيبت عَيْنُهُ الصَّحِيحَةُ
بِالدِّيَةِ كَامِلَةً
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي أَعْوَرَ فُقِئَتْ
عَيْنُهُ قَالَ فِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِي عَيْنِ
الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إِذَا فُقِئَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ وَشُرَيْحٍ
الْقَاضِي وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وإبراهيم وعطاء
ذكر عبد الرزاق عن بن التَّيْمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ سُئِلَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَعْقِلٍ عَنِ الرَّجُلِ يَفْقَأُ عَيْنَ
الْأَعْوَرِ فَقَالَ مَا أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَهُ
الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ إلا نصف الدية
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ
الصَّحِيحِ قَالَ تُفْقَأُ عَيْنُ الَّذِي فَقَأَ عَيْنَهُ
قَالَ مَا أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَهُ الْأُخْرَى قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وجل (والعين بِالْعَيْنِ) الْمَائِدَةِ 45
وَرَوَى الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
مَسْرُوقٍ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ تُصَابُ قَالَ أَنَا
أَدِي قَتِيلَ اللَّهِ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ دِيَةُ
عَيْنٍ وَاحِدَةٍ
وَالْآثَارُ عَنْ سَائِرِ مَنْ ذَكَرَنَا فِي كِتَابِ
أَبِي بَكْرٍ صِحَاحٌ كُلُّهَا إِلَا أَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ أحد
(8/88)
وَقَدِ احْتَجَّ قَائِلُوا هَذَا الْقَوْلِ
بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ
فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ
ولم يخص أعور من غير أعور وبإجماع عَلَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ
يَدَ رَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ خَطَأً أَوْ رِجْلَهُ
لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا دِيَةُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَدٍ
وَاحِدَةٍ
قَالَ بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ
ذَاهِبَ السَّمْعِ مِنْ إِحْدَى أُذُنَيْهِ فَضَرَبَ
إِنْسَانٌ الْأُذُنَ الْأُخْرَى فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ
فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ
قَالَ وَكَذَلِكَ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا
قَطَعَ إِنْسَانٌ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ
قال بن الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي
عَيْنِ الْأَعْوَرِ دُونَ غَيْرِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُجْمِعُوا فِي الْيَدِ لِأَنَّ
الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ إِذَا أصيبت يَدُ رَجُلٍ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَصَابَ رَجُلٌ الْأُخْرَى فَفِيهَا
الدِّيَةُ كَامِلَةً
قَالَ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ لَهَا دِيَتَهَا فَفِي
الْأُخْرَى نِصْفُ الدِّيَةِ
قَالَ وَكَذَلِكَ عَيْنُ الْأَعْوَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
الْجَانِيَ إِلَّا جِنَايَتُهُ لَا جِنَايَةُ غَيْرِهِ
وَإِذَا كَانَ ذَلَكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ
الْأَعْوَرُ لِعَيْنِهِ دِيَةً أَوْ لَا يَأْخُذَ
وَكَذَلِكَ الْيَدُ لِإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي فِعْلِ
الْإِنْسَانِ فِعْلُ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَدِ
خَمْسُونَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ
فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الِاتِّبَاعِ لِعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وبن عُمَرَ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيمَنْ ضَرَبَ
عَيْنَ غَيْرِهِ فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ عَمْدًا
وَبَقِيَ بَعْضُ مَا رَوَاهُ سنيد قال حدثنا عَبَّادُ بْنُ
الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ عَيْنَ
رَجُلٍ فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ وَبَقِي بَعْضُهُ
فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَأَمَرَ بِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ فَعُصِبَتْ وَأَعْطَى
رَجُلٌ بَيْضَةً فَانْطَلَقَ بِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ حَتَّى
انْتَهَى بَصَرُهُ فَأَمَرَ عَلِيٌّ فَخَطَّ عِنْدَ ذَلِكَ
خَطًّا عَلَمًا ثُمَّ أَمَرَ بِعَيْنِهِ الْأُخْرَى
فَعُصِبَتْ وَفُتِحَتِ الصَّحِيحَةُ وَأَعْطَى رَجُلٌ
بَيْضَةً فَانْطَلَقَ بِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ حَتَّى
انْتَهَى بَصَرُهُ ثُمَّ خَطَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَمًا
وَعَرَفَ مَا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مِنَ الْمَسَافَةِ
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَحُوِّلَ إِلَى مَكَانٍ وَفَعَلَ بِهِ
مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَاسَ فَوَجَدَ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً
فَأَعْطَاهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِهِ مِنْ مَالِ
الْجَانِي عَلَيْهِ
(8/89)
(9 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ
إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا)
1594 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ
يَقُولُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا طَفِئَتْ
مِائَةُ دِينَارٍ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ
الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ إِذَا طَفِئَتْ وَفِي الْيَدِ
الشَّلَّاءِ إِذَا قُطِعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ
إِلَّا الِاجْتِهَادُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمًّى
قَالَ أَبُو عُمَرَ خَالَفَ مَالِكًا فِي إِسْنَادِ هَذَا
الْحَدِيثِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ
بْنَ ثَابِتٍ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا
مُحِقَتْ مِائَةَ دِينَارٍ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ وَعَبْدُ
الرَّحِيمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَضَى فِي
الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذا طفئت مائة دينار
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَضَى فِي
الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي لَا يُبْصِرُ بِهَا
صَاحِبُهَا إِذَا بُخِصَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ - يَعْنِي
إِذَا أُطْفِئَتْ - فَأَسْقَطَ مَالِكٌ مِنْ إِسْنَادِ
هَذَا الْحَدِيثِ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ وَهُوَ
الرَّاوِي لَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سَمَاعًا
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا بن جُرَيْجٍ
قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ
بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ عُشْرُ
الدِّيَةِ مِائَةُ دِينَارٍ
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ خِلَافُ مَا رَوَى زَيْدٌ فِي الْعَيْنِ
الْقَائِمَةِ
رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ
قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ
إِذَا أُصِيبَتْ وَطَفِئَتْ بِثُلُثِ الدِّيَةِ
رَوَى قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَبْدِ الله بن
(8/90)
عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ
وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالسِّنِّ السوداء في كل واحدة
منهما ثلث ديتها
وروى بن جريج عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ
فِيهَا نَصِفُ الدِّيَةِ
وَقَالَ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ
وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ أَوْ
حُكْمُ ذَوِي عَدْلٍ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ قَضَى فِي عَيْنٍ كَانَتْ قَائِمَةً فضخت بمائة
دينار
قال أبو عمر الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي
هَذَا الْبَابِ هِيَ السَّالِمَةُ الْحَدَقَةِ
الْقَائِمَةُ الصُّورَةِ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَهَا لَا
يَرَى مِنْهَا شَيْئًا
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي دِيَتِهَا إِذَا أُصِيبَتْ
كَمَا تَرَى
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
عَلَى أَنَّ فِيهَا حُكُومَةً مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ
إِلَّا مَا يُؤَدِّي إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ
الْمُشَاوِرِ لِلْعُلَمَاءِ
وَكَذَلِكَ الْيَدُ الشَّلَّاءُ عِنْدَهُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَضَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي
الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ فَحَمَلَهُ عِنْدِي أَنَّهُ حَكَمَ
بِذَلِكَ مُجْتَهِدًا وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ عَلَى
وَجْهِ الْحُكُومَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيفِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ
كَمْ يُسَاوِي لَوْ كَانَ عَبْدًا غَيْرَ مَجْنِيٍّ
عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ فَيَنْظُرُ
كَمْ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتِ الْعُشْرُ
فَعَلَيْهِ عُشْرُ الدِّيَةِ أَوِ الْخُمُسُ فَعَلَيْهِ
خُمُسُ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا حُكْمُ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ
تُفْقَأُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الفاقىء
لَهَا عَمْدًا لَهُ عَيْنٌ مِثْلُهَا فَفِيهَا الْقَوَدُ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ صَحِيحَةً
فَذَهَبَ بَصَرُهَا وَبَقِيَتْ قَائِمَةً فَفِي الْعَمْدِ
مِنْ ذَلِكَ الْقَوَدُ
وَأَرْفَعُ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الْحَكَمِ
بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أُتِيَ بِرَجُلٍ لَطَمَ عَيْنَ رَجُلٍ أَوْ أَصَابَهُ
بِشَيْءٍ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ
فَأَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يُقِيدَهُ فَأَعْيَا ذَلِكَ
عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ كَيْفَ يُقِيدُهُ وَجَعَلُوا
لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ حَتَّى أَتَاهُمْ
عَلِيُّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) فأمر بِالْمُصِيبِ
فَجُعِلَ عَلَى وَجْهِهِ كُرْسُفٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ به
عين
(8/91)
الشَّمْسِ وَأَدْنَى مِنْ عَيْنِهِ مِرْآةً
فَالْتَمَعَ بَصَرُهُ وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ
وَرَوَى عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنْ رَجُلًا
أَصَابَ عَيْنَ رَجُلٍ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَبَقِيَتْ
عَيْنُهُ مَفْتُوحَةً فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه فأمر بِمِرْآةٍ
فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أُدْنِيَتْ مِنْ عَيْنِهِ حَتَّى
سَالَتْ نُطْفَةُ عَيْنِهِ وَبَقِيَتْ قَائِمَةً
مَفْتُوحَةً
ذَكَرَهُ سُنَيْدٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ
قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ
وَحِجَاجِ الْعَيْنِ فَقَالَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا
الِاجْتِهَادُ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ بَصَرُ الْعَيْنِ
فَيَكُونُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ نَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ
وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى
أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَيْهِ بِعِلْمِ
عُلَمَائِهِمْ قَالَ فَكَانَ مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ
فِي شَتَرِ الْعَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي حِجَاجِ
الْعَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حِجَاجُ الْعَيْنِ هُوَ الْعَظْمُ
الْمُشْرِفُ عَلَى غَارِ الْعَيْنِ وَهُمَا حِجَاجَا
الْعَيْنِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحِجَاجَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ
الْمُشْرِفَانِ عَلَى غَارَيِ الْعَيْنَيْنِ
(10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ)
1595 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي
الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إِلَّا أَنْ
تَعِيبَ الوجه فيزداد فِي عَقْلِهَا مَا بَيْنَهَا
وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ
فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ سَوَاءً
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
الْقَطَّانُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
الْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ
وَالرَّأْسِ دُونَ الجسد
(8/92)
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا
قَالَ لَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ إِلَّا فِي حَجَبَةِ
الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ وَاللَّحْيِ
الْأَعْلَى وَلَا تَكُونُ فِي اللَّحْيِ الْأَسَفَلِ
لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعُنُقِ وَلَا فِي الْأَنْفِ
لِأَنَّهُ عَظْمٌ مُنْفَرِدٌ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَالْمُوضِحَةُ
عِنْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ
وَالْأَنْفُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْوَجْهِ
وَكَذَلِكَ اللَّحْيُ الْأَسْفَلُ مِنَ الرَّأْسِ
وَذَكَرُوا من قول بن عُمَرَ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنَ
الرَّأْسِ وَلَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ
وَقَالُوا أَرَادَ بِقَوْلِهِ الذَّقَنَ وَمَا فَوْقَهُ
كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الْأَعْنَاقِ) الْأَنْفَالِ 12
وَمَعْنَى الْمُوضِحَةِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مَا
أَوْضَحَ الْعَظْمَ مِنَ الشِّجَاجِ فَإِذَا ظهر من العظم
شيء قل أَوْ كَثُرَ فَهِيَ مُوضِحَةٌ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَطَائِفَةٌ تَكُونُ
الْمُوضِحَةُ فِي الْجَسَدِ فَإِذَا كَشَفَتْ عَنِ
الْعَظْمِ فَفِيهَا أَرْشُهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ
وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ وَجِرَاحَاتُ الْجَسَدِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ اللَّيْثُ جِرَاحَةَ الْجَسَدِ
إِذَا وَضَحَتْ عَنِ الْعَظْمِ كَمُوضِحَةِ الرَّأْسِ
وَجَعَلَ الْأَوْزَاعِيُّ مُوضِحَةَ الْجَسَدِ مُؤَقَّتَةً
أَيْضًا بِنِصْفِ أَرْشِ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
أَنَّ جِرَاحَ الْجَسَدِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ
جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ
الِاجْتِهَادُ فِي الْحُكُومَةِ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ نِصْفَ
دِيَةِ الْعُضْوِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْمُوضِحَةُ
فَإِنْ كَانَتْ فِي الأصبع ففيها نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ
الْأُصْبُعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ فِي الْيَدِ أَوْ فِي
الرِّجْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ
وَالرَّأْسِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا يَشْهَدُ الْكَافَّةُ
مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ فِيهَا نِصْفَ عُشْرِ
الدِّيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ
وَرُوِيَ مِنْ نَقْلِ الْآحَادِ الْعُدُولِ مِثْلُهُ
(8/93)
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مُوضِحَةِ
الْجَسَدِ وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ فِي مُوضِحَةِ
الْأَنْفِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ
حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بْنُ أَصْبَغَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنِي حسين الْمُعَلِّمُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
في الموضحة خمس وذلك في كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ في
الديات وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ يَعْنِي مِنَ الْإِبِلِ
وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَعَلَى
أَهْلِ الْوَرِقِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ
الْعِرَاقِ فِي مَبْلَغِ الدِّيَةِ مِنَ الْوَرِقِ فِيمَا
تَقَدَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَقُولُونَ إِنَّ جِرَاحَاتِ الْجَسَدِ
لَا تُسَمَّى شِجَاجًا وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا جِرَاحٌ
وَأَنَّ مَا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُقَالُ لَهَا
شَجَّةٌ
وَلَا يُقَالُ لَهَا جِرَاحَةٌ
وَأَمَّا قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِلَّا أَنْ
تَغِيبَ الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ فَيُزَادُ فِي
عَقْلِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِ
الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ
وَسَبْعُونَ دِينَارًا
فَذَكَرَ بن حَبِيبٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُوَطَّأِ قَالَ
اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ
تَبْرَأُ عَلَى شَيْئَيْنِ فمرة قال بقول سليمان بْنِ
يَسَارٍ وَمَرَّةً قَالَ لَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى
عَقْلِهَا وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ
وَاخْتَارَهُ بن حَبِيبٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ
يَجْتَهِدُ فِي شَيْنِهَا لِلْوَجْهِ وَيَحْكُمُ فِي
ذَلِكَ بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُزَادُ فِي الْمُوضِحَةِ عَلَى
أَرْشِهَا الْمَسْنُونِ شَانَتِ الوجه أو لم تَشِنْهُ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَضَ أَرْشَهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- بَيْنَ مَا يَشِينُ وَمَا لَا يَشِينُ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي
الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً
قَالَ وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَطِيرُ فِرَاشُهَا مِنَ
الْعَظْمِ وَلَا تَخْرِقُ إِلَى الدِّمَاغِ وَهِيَ تَكُونُ
فِي الرَّأْسِ وَفِي الْوَجْهِ
(8/94)
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْتَلِفُ
الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ
فَرِيضَةً وَهِيَ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ
الدِّيَةِ
وَوَصْفُ الْعُلَمَاءِ لَهَا مُتَقَارِبٌ جِدًّا
فَقَوْلُ مَالِكٍ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الْمُنَقِّلَةُ هِيَ
الْهَاشِمَةُ ولا يعرف بعضهم الهاشمة
وقال بن الْقَاسِمِ الْهَاشِمَةُ دُونَ الْمُنَقِّلَةِ
وَهِيَ مَا هَشَمَ الْعَظْمَ
قَالَ فَإِذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ فَهِيَ مُنَقِّلَةٌ
قَالَ وَالْمُنَقِّلَةُ مَا أَطَارَ فِرَاشَ الْعَظْمِ
وَإِنَّ صَغُرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَوْضِعُ الْمُنَقِّلَةِ
وَالْهَاشِمَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ
وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ الْهَاشِمَةُ هِيَ الْمُنَقِّلَةُ
لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ فِيهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ
خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً مِنَ الْإِبِلِ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عُشْرُ الدِّيَةِ
وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ
عِنْدَ كُلِّ مَنْ عَرَفَهَا وَذَكَرَهَا مِنَ
الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْهَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تُوضَحُ
ثُمَّ تُهْشَمُ
قَالَ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ
الْإِبِلِ
وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى
يَتَشَظَّى فَتُسْتَخْرَجُ عِظَامُهُ مِنَ الرَّأْسِ
لِيَلْتَئِمَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ
الدِّيَةِ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَفِي
الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ
الدِّيَةِ وَهِيَ الَّتِي تُنْقَلُ مِنْهَا الْعِظَامُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنَ
الْإِبِلِ
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِمْتُهُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي الْهَاشِمَةِ
عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ
قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ
دِينَارًا
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فيهما قود وقد
قال بن شِهَابٍ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ
(8/95)
قَالَ مَالِكٌ وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ
الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ
إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ إِذَا
خَرَقَ الْعَظْمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي
الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ وَلَا فِي الْجَائِفَةِ
وَرَوَى سفيان بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ
فَإِنْ خَبَلَتْ شِقَّهُ أَوْ أَذَهَبَتْ عَقْلَهُ أَوْ
سَمِعَ الرَّعْدَ فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَفِيهَا الدِّيَةُ
كَامِلَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا
قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ إِلَّا فِي
الْمُوضِحَةِ وَمَا عَدَاهَا مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ
فَفِيهَا الدِّيَةُ
وَقَدْ مَضَى مَا فِي الْمُنَقِّلَةِ وَالْهَاشِمَةِ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ
الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي
الدِّيَاتِ قَالَ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهَا
الْآمَةَ
قَالُوا هِيَ الَّتِي تَؤُمُّ الدِّمَاغَ
وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ النَّفْسِ
وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَ إِلَى الدِّمَاغِ
وَأَمَّا الْجَائِفَةُ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
أَنَّهَا مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ لَا مِنْ شِجَاجِ
الرَّأْسِ وَأَنَّهَا تَكُونُ فِي الظَّهْرِ وَفِي
الْبَطْنِ إِذَا وَصَلَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَى الْجَوْفِ
وَلَوْ بِمَدْخَلِ إِبْرَةٍ فَهِيَ جَائِفَةٌ وَفِيهَا
ثُلُثُ الدِّيَةِ وَلَا قَوَدَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ
عَمْدًا
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا
دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ عَقْلٌ حَتَّى
تَبْلُغَ الْمُوَضِحَةُ وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي
الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى
الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بن حزم فجعل فيه
خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ وَلَمْ تَقْضِ الْأَئِمَّةُ فِي
الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا دُونَ
الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ مُسَمًّى
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ
الْمُوضِحَةِ عَقْلٌ مُسَمًّى وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةٌ
يَجْتَهِدُ فِيهَا الْحَاكِمُ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
ذَكَرُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي عدي عن أشعث قَالَ كَانَ الْحَسَنُ لَا يُؤَقِّتُ
فِيمَا دُونَ الموضحة شيئا
(8/96)
وَقَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْأَسَدِيُّ عَنْ بن عُلَاثَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ أَبِي عَبْلَةَ أَنَّ مُعَاذًا وَعُمَرَ جَعَلَا
فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَجْرَ الطَّبِيبِ
وَكَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ
وَبِهِ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْسَ فِي
مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ عَقْلٌ إِلَّا أَجْرَ الطَّبِيبِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ إِنَّمَا
فِيهِ الصُّلْحُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قضيا فِي
الْمِلْطَاةِ - وَهِيَ السِّمْحَاقِ - بِنِصْفِ دِيَةِ
الْمُوضِحَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُوَطَّأِ
قَوْلُهُ وَلَمْ تَقْضِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلَا
فِي الْحَدِيثِ عِنْدَنَا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ
بِعَقْلٍ مُسَمًّى وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ هَذَا إِلَّا
أَنْ يُحْمَلَ قَضَاءُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي
الْمِلْطَاةِ عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ وَالِاجْتِهَادِ
وَالصُّلْحِ لَا عَلَى التَّوْقِيتِ كَمَا قَالُوا فِي
قَضَاءِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ قُلْتُ لِمَالِكٍ إِنَّ
الثَّوْرِيَّ حَدَّثَنَا عَنْكَ عَنْ يزيد بن قسيط عن بن
المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الْمِلْطَاةِ بِنِصْفِ
الْمُوضِحَةِ فَقَالَ لِي قَدْ حَدَّثْتُهُ بِهِ قُلْتُ
فَحَدَّثَنِي بِهِ
فَأَبَى وَقَالَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ
وَلَيْسَ الرَّجُلُ عِنْدَنَا هُنَالِكَ - يَعْنِي يَزِيدَ
بْنَ قُسَيْطٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ قُسَيْطٍ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي
كَمَا ظَنَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ لِأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ
مِسْكِينٍ ذَكَرَ هذا الحديث عن بن الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ
قَضَيَا فِي الْمِلْطَاةِ بِنِصْفِ الْمُوضِحَةِ
وَيَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ مِنْ قُدَمَاءِ عُلَمَاءِ أهل
المدينة ممن لقي بن عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا
رَافِعٍ وَرَوَى عَنْهُمْ وَمَا كَانَ مَالِكٌ لِيَقُولَ
فِيهِ مَا ظَنَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهِ لِأَنَّهُ قَدِ
احْتَجَّ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ مُوَطِّئِهِ وَإِنَّمَا
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الرَّجُلُ عِنْدَنَا هُنَالِكَ فِي
الرَّجُلِ الَّذِي كَتَمَ اسْمَهُ وَهُوَ الَّذِي
حَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ
وَقَدْ بَانَ بِمَا رواه بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
رَجُلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ مَا ذَكَرْنَا
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(8/97)
وَقَدْ قَلَّدَ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي
ظَنَّ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْ مَالِكًا أَرَادَ
بِقَوْلِهِ ذَلِكَ يَزِيدَ بْنَ قُسَيْطٍ بَعْضَ مَنْ
أَلَّفَ فِي الرِّجَالِ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَرْضَهُ
فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ وَجَهْلٌ
وَيَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ ثِقَةٌ مِنْ ثِقَاتِ عُلَمَاءِ
الْمَدِينَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَنَّهُ قَضَى فِي
السِّمْحَاقِ بِأَرْبَعٍ مِنَ الْإِبِلِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ تَوْقِيفًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكُومَةً
فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي الدَّامِيَةِ بَعِيرٌ وَفِي
الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثٌ
وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ
الدَّامِيَةُ الْكُبْرَى
وَيَرَوْنَهَا الْمُتَلَاحِمَةَ فِيهَا ثَلَاثِمِائَةُ
دِرْهَمٍ وَفِي الْبَاضِعَةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَفِي
الدَّامِيَةِ الصُّغْرَى مِائَةُ دِرْهَمٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَسْمَاءُ الشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ
الْمُوضِحَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ
أَوَّلُهَا الْخَارِصَةُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا
الْخَرِصَةُ وَهِيَ الَّتِي خَرَصَتِ الْجِلْدَ أَيْ
شَقَّتْهُ
وَقِيلَ هِيَ الدَّامِيَةُ
وَقِيلَ بَلِ الدَّامِيَةُ غَيْرُ الْخَارِصَةِ وَهِيَ
الَّتِي تُدْمَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ
ثُمَّ الدَّامِغَةُ وَهِيَ التي يسيل منها دم
وَقِيلَ الدَّامِيَةُ وَالدَّامِغَةُ سَوَاءٌ
ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبَضِّعُ اللَّحْمَ
أَيْ تَشُقُّهُ بَعْدَ أَنْ شَقَّتِ الْجِلْدَ
ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي أَحَزَّتْ فِي
اللَّحْمِ وَلَمْ تَبْلُغِ السِّمْحَاقَ
وَالسِّمْحَاقُ جِلْدَةٌ أَوْ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ بَيْنَ
الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ قَالُوا وَكُلُّ قِشْرَةٍ رَقِيقَةٍ
فَهِيَ سِمْحَاقٌ
وَالسِّمْحَاقُ هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَبْلُغُ
الْقِشْرَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْعَظْمِ فَإِذَا بَلَغَتِ
الشَّجَّةُ تِلْكَ الْقِشْرَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْعَظْمِ
فَهِيَ السِّمْحَاقُ وَيُقَالُ لَهَا الْمِلْطَاةُ
بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَيْضًا
(8/98)
وَقَدْ قِيلَ لَهَا الْمِلْطَاةُ
فَإِنْ كُشِطَتْ تِلْكَ الْقِشْرَةُ أَوِ انْشَقَّتْ
حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ فَهِيَ الْمُوضِحَةُ
وَلَا شَيْءَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمِلْطَاةِ إِنْ
كَانَتْ خَطَأً إِلَّا أَنْ تَبْرَأَ عَلَى شَيْنٍ
فَتَكُونُ فِيهَا - حِينَئِذٍ - حُكُومَةٌ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَفِي كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّجَاجِ الَّتِي ذَكَرْنَا دُونَ
الْمُوضِحَةِ حُكُومَةٌ عِنْدَهُمْ فِي الْخَطَأِ بَرِئَتْ
عَلَى شَيْنٍ أَوْ لَمْ تَبْرَأْ
1596 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ نَافِذَةٍ فِي
عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ
العضو قال مالك كان بن شِهَابٍ لَا يَرَى ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ
مِنَ الْأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ مَا فِيهِ
قَالَ يَحْيَى قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ إِنَّهَا شَجَّةٌ
قَالَ سُفْيَانُ فَأَمَّا الَّتِي تُبَيِّنُ الْعَظْمَ
فَلَا
1597 - قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا لَا أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي
عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ أَمْرًا
مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَرَى فِيهَا
الِاجْتِهَادَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ
فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ أُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ لَا يُؤْخَذُ التَّوْقِيتُ
فِيهَا إِلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّوْقِيفُ إِجْمَاعٌ أَوْ
سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ
يُشَرَّعَ لِلنَّاسِ شَرْعٌ لَا يَتَجَاوَزُ بِالرَّأْيِ
وَلَزِمَ الْإِمَامُ فِي مَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِمَّا
لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا تَوْقِيفَ إِلَّا الِاجْتِهَادَ فِي
الْحُكْمِ وَمُشَاوَرَةَ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ أَجْمَعُوا
عَلَى شَيْءٍ أَنْفَذَهُ وَقَضَى بِهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا
نَظَرَ وَاجْتَهَدَ
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ أُولِي الْعِلْمِ
وَالْفَهْمِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي كُلِّ
نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ ثُلُثُ دِيَةِ
ذَلِكَ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ قَاسَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ
- عَلَى الْجَائِفَةِ لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ تَنْفُذُ إِلَى
الْجَوْفِ
(8/99)
وَالْجَوْفُ مَقْتَلٌ وَفِيهَا ثُلُثُ
الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَتِ النَّافِذَةُ فِي عُضْوٍ لَيْسَ
بِمَقْتَلٍ وَأُصِيبَتْ خَطَأً فَفِي تِلْكَ النَّافِذَةِ
ثُلُثُ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَذَلِكَ نَحْوُ مَا
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ
ذَلِكَ الْعُضْوِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَا تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافَ فِي
ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ
وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي
الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ
ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الِاجْتِهَادُ
قَالَ مَالِكٌ فَلَا أَرَى اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ
وَالْأَنْفَ مِنَ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا لِأَنَّهُمَا
عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ
وَاحِدٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا
الْفَصْلِ كُلِّهِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا مَعْنَى
لِإِعَادَتِهِ
1598 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ
أَقَادَ مِنَ المنقلة
قال أبو عمر روي عن بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَقَادَ مِنَ
الْمُنَقِّلَةِ وَأَنَّهُ أَقَادَ أَيْضًا مِنَ
الْمَأْمُومَةِ
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ
أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ
فِي مَأْمُومَةٍ وَلَا فِي جَائِفَةٍ وَلَا مُنَقِّلَةٍ
لِأَنَّهُ مَخُوفٌ مِنْهَا تَلَفُ النَّفْسِ
وَكَذَلِكَ كُلُّ عَظْمٍ وَعُضْوٍ يُخْشَى مِنْهُ ذَهَابُ
النَّفْسِ
وَلَعَلَّ بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَخَفْ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ
الَّتِي أَقَادَ مِنْهَا وَلَا مِنَ الْمَأْمُومَةِ
تَلَفًا وَلَا مَوْتًا فَأَقَادَ مِنْهَا عَلَى عُمُومِ
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)
الْمَائِدَةِ 45
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ
أَيُقَادُ مِنَ الْمَأْمُومَةِ قَالَ مَا سمعنا أحدا أقاد
منها قبل بن الزُّبَيْرِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يُقَادُ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ وَلَا
مِنَ الْجَائِفَةِ وَلَا مِنَ الْمَأْمُومَةِ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ
أَشْعَثَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ رَأَيْتُ بن
الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ مَأْمُومَةٍ فَرَأَيْتُهُمَا
يَمْشِيَانِ بِمَأْمُومَتَيْنِ
قال وحدثني بن مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَقَادَ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ
(8/100)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ
عَنْ ربيعة لا عن يحيى بن سعيد
وبن مهدي حافظ
وقال أبو بكر حدثني بن مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عمرو بن دينار أن بن
الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ مُنَقِّلَةٍ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ
أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ وَلَا فِي
الْجَائِفَةِ وَلَا فِي الْمُنَقِّلَةِ قِصَاصٌ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ
وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ مِثْلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الَّذِي
تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْمَأْمُومَةِ
وَالْجَائِفَةِ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ الْقَوَدُ فِيهِ من
جراح العمد
فروى بن وهب وبن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الدِّيَةَ
فِي ذَلِكَ على العاقلة
وقال بن الْقَاسِمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَارِحِ
إِنَّ كَانَ مَلِيًّا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا حَمَلَتْهُ
الْعَاقِلَةُ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي عَلَى
كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا
ثُمَّ قَالَ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي فَإِنْ
لَمْ تَبْلُغْ مَالَهُ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ كُلُّ جِنَايَةٍ
فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ
نَحْوَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ
وَمَا قُطِعَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ فَأَرْشُهُ كُلُّهُ فِي
مَالِ الْجَانِي
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذكر سعيد بن منصور قال حدثني عبد
الرحمن وبن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبِيدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة بن مسعود عن بن
عَبَّاسٍ قَالَ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا
صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصحابة
وذكر أبو بكر قال حدثني بن إِدْرِيسَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ صُلْحًا
وَلَا عَمْدًا وَلَا عَبْدًا ولا اعترافا
قال وحدثني بن إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ الْأَشْعَثِ
عَنِ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا الْخَطَأُ عَلَى
الْعَاقِلَةِ وَالْعَمْدُ وَالصُّلْحُ عَلَى الَّذِي
أَصَابَهُ فِي مَالِهِ
(8/101)
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَكَمُ بْنُ
عُتَيْبَةَ فِي كُلِّ جُرْحِ عَمْدٍ لَا يُسْتَطَاعُ
الْقَوَدُ مِنْهُ هُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ وَعُرْوَةَ بن
الزبير هو في ماله
وقال بن الْقَاسِمِ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَمِينَ رَجُلٍ
عَمْدًا وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ
فِي ماله ولا تحملها العاقلة
وقال بن الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ
عَمْدًا أَنَّ دِيَتَهُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ لَا
تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ
وَقَالَ أَشْهَبُ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ
كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ عَمْدًا
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمُسْلِمِ
لَا تَحْمِلُ مِنَ الْخَطَأِ دِيَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِ مَا يُوجِبُ
الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(11 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْأَصَابِعِ)
1599 - مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ
عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ
قَالَ عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي ثَلَاثٍ
فَقَالَ ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي
أَرْبَعٍ قَالَ عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ فَقُلْتُ حِينَ
عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ
عَقْلُهَا فَقَالَ سَعِيدٌ أَعِرَاقِيُّ أَنْتَ فَقُلْتُ
بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ فقال
سعيد هي السنة يا بن أَخِي
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَبْلَغِ مَا تُعَاقِلُ فِيهِ
الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي دِيَتِهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ
فِي بَابِ عَقْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا
مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ
وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْأَصَابِعِ حَدِيثٌ
مُسْنَدٌ وَلَا عَنْ صَاحِبٍ أيضا وعقل
(8/102)
الْأَصَابِعِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ
وَمِنْ قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَتِهِمْ
كُلُّهُمْ يَقُولُ فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ
الْإِبِلِ
وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَئِمَّةِ
الْفَتْوَى بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ
وَقَدْ جَاءَ عَنِ السَّلَفِ تَفْضِيلُ بَعْضِ
الْأَصَابِعِ عَلَى بَعْضٍ كَتَفْضِيلِ مَنْ فَضَّلَ
مِنْهُمْ بَعْضَ الْأَسْنَانِ عَلَى بَعْضٍ
وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْأَسْنَانَ سَوَاءٌ وَأَنَّ
الْأَصَابِعَ سَوَاءٌ
وَعَلَى هَذَا مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ
الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ
بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْأَصَابِعِ
بِعَشْرٍ عَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْأَصَابِعِ
بِعَشْرٍ عَشْرٍ
وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الدِّيَاتِ مِنْ
رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ
وَأَصَابِعِ الرَّجُلِ عَشَرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينِ
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَئِمَّةِ
الْعَامَّةِ فِي الْفُتْيَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خِلَافُ ذلك
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
قَالَ فِي الْإِبْهَامِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي
الَّتِي تَلِيهَا عَشْرٌ وَفِي الْوُسْطَى عَشْرٌ وَفِي
الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ تِسْعٌ وَفِي الْخِنْصَرِ سِتٌّ
(8/103)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى أَيْضًا
فِي الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا بِعَقْلِ نِصْفِ
الْيَدِ وَفِي الْوُسْطَى بِعَشْرِ فَرَائِضَ وَفِي
الَّتِي تَلِيهَا تِسْعَ فَرَائِضَ وَفِي الْخِنْصَرِ
بِسِتِّ فَرَائِضَ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ
وَفِي الَّتِي تَلِيهَا عَشْرٌ وَفِي الَّتِي تَلِيهَا -
وَهِيَ الْوُسْطَى عَشْرٌ وَفِي الَّتِي تَلِيهَا ثَمَانٍ
وَفِي الَّتِي تَلِيهَا - وَهِيَ الْخِنْصَرُ - سَبْعٌ
رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عن بن أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ
وَقَالَ سُفْيَانُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي
الْأَصَابِعِ أَنَّهَا سَوَاءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ
وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَيْسَ
بِشَيْءٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ - يَعْنِي
عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ - عَشْرٌ
مِنَ الْإِبِلِ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ
وَهَذِهِ سَوَاءٌ
يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ
يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْأَصَابِعِ فِي
الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ صَارَ إِلَى عَشْرٍ مِنَ
الْإِبِلِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَصَابِعِ الْكَفِّ
إِذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَذَلِكَ أَنَّ
خُمُسَ الْأَصَابِعِ إِذَا قُطِعَتْ كَانَ عَقْلُهَا
عَقْلَ الْكَفِّ خَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ إصبع
عشرة مِنَ الْإِبِلِ
قَالَ مَالِكٌ وَحِسَابُ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ
وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ فِي كُلِّ
أُنْمُلَةٍ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ
وَثُلُثُ فَرِيضَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ فِي
كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ
الذَّهَبِ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ
أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَفِي كُلِّ
أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِ الْأُصْبُعِ إِلَّا الْإِبْهَامَ
فَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْهُ دِيَةُ الْإِصْبَعِ
لِأَنَّهُ أَنُمْلَتَانِ
(8/104)
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
أَيْضًا
ذَكَرَ عَنْهُ الْمُزَنِيُّ قَالَ فِي الْيَدَيْنِ
الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ
أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي
كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِ أُصْبُعٍ إِلَّا
أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَإِنَّهُمَا مَفْصِلَانِ فَفِي
أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُ عَقْلِ الْإِصْبَعِ
قَالَ وَأَيُّ الْأَصَابِعِ شُلَّ تَمَّ عَقْلُهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنَ
الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ
وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ
مِنْ كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ ثُلُثُ
عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهِ
أُنْمُلَتَانِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ
وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ إِلَّا مَا
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ فِي تَقْوِيمِ
الْإِبِلِ وَفِي دِيَةِ الْوَرِقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا
ذِكْرَهُ عَنْهُمْ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَقَوْلُهُمْ فِي
الْأَنَامِلِ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَغَيْرِهِ
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
(12بَابُ جامع عقل الأسنان)
1600 - مالك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
جُنْدَبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضِّرْسِ
بِجَمَلٍ
وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ
وَفِي الضِّلْعِ بِجَمَلٍ
1601 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَضَى عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بِعِيرٍ
وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي
الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي
قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ
مُعَاوِيَةَ
فَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ
بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ
وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مَأْجُورٌ
(8/105)
1602 - عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ إِذَا أُصِيبَتِ السِّنُّ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا
عَقْلُهَا تَامًّا
فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَ أَنْ تَسْوَدَّ فَفِيهَا عَقْلُهَا
أَيْضًا تَامًّا
هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ قَوْلُ سَعِيدٍ
فَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ
بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ
لَمْ يَذْكُرِ الْأَسْنَانَ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ
الْأَضْرَاسِ الَّتِي فِيهَا الِاخْتِلَافُ وَلَوْ أَرَادَ
الْأَضْرَاسَ وَالْأَسْنَانَ لَمْ تَكُنِ الدِّيَةُ
سَوَاءً لِأَنَّ الْأَضْرَاسَ عِشْرُونَ ضِرْسًا
وَالْأَسْنَانَ اثنتا عشرة سِنًّا
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا بَعِيرَانِ بَعِيرَانِ
لَمْ تَكُنْ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ
بَعِيرًا فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَمَامِ الدِّيَةِ
وَسَنُبَيِّنُ قَوْلَ سَعِيدٍ هَذَا فِي مَا بَعْدُ مِنْ
هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
ورواية بن عُيَيْنَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ أبين من رواية مالك
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ
قَالَ حدثني الخشني قال حدثني بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ
سَمِعْتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَضَى عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَسْنَانِ وَهِيَ مَا أَقْبَلَ
مِنَ الْفَمِ بِخَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْأَضْرَاسِ
بِبَعِير بَعِيرٍ فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ قَالَ لَوْ
عَلِمَ عُمَرُ مِنَ الْأَضْرَاسِ ما علمته لما فرق بينهما
فقضى فِيهَا بِخَمْسٍ خَمْسٍ كُلِّهَا
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَلَوْ أُصِيبَ الْفَمُ
فِي قَوْلِ عُمَرَ نَقَصَتِ الدِّيَةُ وَزَادَتْ فِي
قَوْلِ مُعَاوِيَةَ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي
الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ وَفِي مَا أَقْبَلَ
مِنَ الْفَمِ خَمْسًا خَمْسًا فَكَانَتِ الدِّيَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الضِّرْسُ فَيَأْتِي الْقَوْلُ
فِي دِيَةِ الْأَضْرَاسِ فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا
وَأَمَّا التَّرْقُوَةُ وَالضِّلْعُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا أَنَّ فِي ذَلِكَ
حُكُومَةً
وَهَذَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ
خِلَافُ ظَاهِرِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمْرَ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ومعمر وبن جُرَيْجٍ وَسُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ
(8/106)
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أسلم عن مسلم بن جُنْدَبٍ عَنْ عُمَرَ
وَذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَسْلَمَ
مَوْلَى عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ عَلَى
الْمِنْبَرِ فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي التَّرْقُوَةِ
بَعِيرٌ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ وَأَبُو خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فِي
التَّرْقُوَةِ بَعِيرَانِ
وَقَالَ قَتَادَةُ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ فِيهَا خَمْسٌ مِنَ
الْإِبِلِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ فِيهَا أَرْبَعُونَ
دِينَارًا
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ فِي التَّرْقُوَةِ
حُكْمٌ
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ
لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ
لَهُ فَكَذَلِكَ قَالَ إِلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَاءَ عَنْ عُمَرَ
وَعَنِ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ
الْحُكُومَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي
التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَفِي الضِّلْعِ جَمَلٌ
قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُشْبِهُ مَا رُوِيَ
عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حُكُومَةً لَا
تَوْقِيتًا
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا
تَأَوَّلَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَيْنِ
الْقَائِمَةِ مِائَةُ دِينَارٍ
أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْحُكُومَةِ لَا عَلَى
التَّوْقِيتِ
قَالَ الْمُزَنِيُّ قَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا
الْمَعْنَى فَقَالَ فِي كُلِّ عَظْمٍ كُسِرَ سِوَى
السِّنِّ حُكُومَةٌ فَإِذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا فَفِيهِ
حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَلَئِنْ جُبِرَ
مَعِيبًا أَوْ بِهِ عِوَجٌ زِيدَ فِي حُكُومَتِهِ بِقَدْرِ
شَيْنِهِ وَضَرَرِهِ وَأَلَمِهِ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ
الْعَظْمِ لَوْ قُطِعَ
وَأَمَّا رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ قَضَى فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بِعِيرٍ
فَالضِّرْسُ غَيْرُ السِّنِّ إِلَّا أَنَّ السِّنَّ اسْمٌ
جَامِعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ للأضراس وغيرها
(8/107)
وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا
مِنْهَا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ
وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ فِي السِّنِّ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ
وَسَنَذْكُرُ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ وَغَيْرَهُ بَعْدَهُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَضْرَاسِ
الْعِشْرِينَ لَا فِي الْأَسْنَانِ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ
فَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي الْأَضْرَاسِ عِشْرُونَ
بَعِيرًا فِي كُلِّ ضِرْسِ بَعِيرٌ وَفِي الْأَسْنَانِ
سِتُّونَ بَعِيرًا فَذَلِكَ ثَمَانُونَ بَعِيرًا يَنْقُصُ
مِنَ الدِّيَةِ عِشْرُونَ بَعِيرًا وَعَلَى السُّنَّةِ
الثَّابِتَةِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَهُوَ الَّذِي أَضَافَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَى
قَوْلِ مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا تَبْلُغُ دية جميع
الأسنان مائة وستون بَعِيرًا فَتَزِيدُ عَلَى دِيَةِ
النَّفْسِ سِتِّينَ بَعِيرًا
وَعَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِذَا كَانَ فِي
الْأَضْرَاسِ بَعِيرَانِ بَعِيرَانِ وَهَى عِشْرُونَ
ضِرْسًا وفي الأسنان ستون فتلك الدية سواء
قال أبو عمر لا معنى لاعتبار دية الأسنان بدية النفس لا في
أصول ولا في قياس لأن الأصول أن يقاس بعضها ببعض
وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي السِّنِّ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ
فَيَنْتَهِي مِنَ الْأَسْنَانِ جَمِيعًا حَيْثُ مَا
انْتَهَى بِهَا عَدَدُهَا كَمَا لَوْ فُقِئَتْ عَيْنُ
إِنْسَانٍ وَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَذَكَرُهُ
وَخُصْيَتَاهُ لَاجْتَمَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ
دِيَةِ نَفْسِهِ أَضْعَافًا فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ
دِيَةِ الْأَضْرَاسِ بِدِيَةِ النَّفْسِ
وَمَنْ ضرب رجلا ضربة فألقى أسنانه كلها كانت عَلَيْهِ
الدِّيَةُ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ لِأَنَّ
عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهِيَ
اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا
هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
(8/108)
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ وَفِي السِّنِّ
خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في السِّنِّ
خَمْسٌ خَمْسٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ أَتَانِي عُرْوَةُ
الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ أَنَّ الْأَسْنَانَ
وَالْأَضْرَاسَ فِي الدِّيَةِ سَوَاءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا
الثَّوْرِيُّ عَنِ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ الْأَسْنَانَ
سَوَاءٌ
وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ وَقَضَى مُعَاوِيَةُ
فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ
أَبْعِرَةٍ قَالَ فَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي
الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ المأثورة في الأسنانه
وَلَا وَقَفَ عَلَيْهَا وَلَوْ عَلِمَهَا لَسَلَّمَ لَهَا
كَمَا سَلَّمَ لِرَبِيعَةَ فِي أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ
وَمَا كَانَ لِيُضِيفَهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ دُونَ أَنْ
يُضِيفَهَا إِلَى السُّنَّةِ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي
ذَلِكَ سُنَّةٌ وَاللَّهَ أَعْلَمُ
(13 - بَابُ الْعَمَلِ فِي عَقْلِ الْأَسْنَانِ)
1603 - مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي
غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنَ
الْإِبِلِ قَالَ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ
الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إِلَّا
بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ
1604 - مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الْعَقْلِ
وَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ
(8/109)
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ
مُقَدَّمَ الْفَمِ وَالْأَضْرَاسِ وَالْأَنْيَابِ
عَقْلُهَا سَوَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي السِّنِّ خَمْسٌ
مِنَ الْإِبِلِ وَالضِّرْسُ سِنٌّ مِنَ الْأَسْنَانِ لَا
يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا نَزَعَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ ظَاهِرِ
عُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْأَسْنَانِ لَازِمٌ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ
جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ فِي
الْفُتْيَا
وَقَدْ كَانَ فِي التَّابِعِينَ مَنْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ
وَلِذَلِكَ رد مروان كاتبه أبا غطفان إلى بن عَبَّاسٍ
يَقُولُ لَهُ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ
الْأَضْرَاسِ فَأَجَابَهُ جَوَابَ قَائِسٍ عَلَى
الْأَصَابِعِ بَعْدَ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ بِالتَّوْقِيفِ
الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي
السِّنِّ خَمْسٌ خَمْسٌ وَمِنَ اخْتِلَافِ التَّابِعِينَ
فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن بكر عن بن جُرَيْجٍ
قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ الْأَسْنَانُ الثَّنِيَّاتُ
والرباعيات والنابين خمس خَمْسٌ وَمَا بَقِيَ بَعِيرَانِ
بَعِيرَانِ أَعْلَى الْفَمِ وأسفله من كل ذلك سواء
قال بن جريج وأخبرني بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ
مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ
وقال بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ
أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ تَفْضُلُ الثَّنِيَّةُ
فِي أَعْلَى الْفَمِ وَأَسْفَلِهِ عَلَى الْأَضْرَاسِ
وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَضْرَاسِ صغار الإبل
قال أبو بكر وحدثني بن عيينة عن بن طَاوُسٍ قَالَ قَالَ
لِي أَبِي تَفْضُلُ بَعْضُهَا على بعض بما يرى أهل الرأي
وَالْمَشُورَةِ
فَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ رَأَى تَفْضِيلَ مُقَدَّمِ الْفَمِ
عَلَى الْأَضْرَاسِ
وَأَمَّا الَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فَمِنْهُمُ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَعُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ
وَمَسْرُوقٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا خَالَفَهَا وَقَدْ
ذَكَرْنَاهَا مِنْ وُجُوهٍ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْأَسْنَانُ
سَوَاءٌ وَقَالَ إِنْ كَانَ في الثنية جمال ففي الأضراس
منفعة
(8/110)
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ أَزْهَرَ بْنِ مُحَارِبٍ
قَالَ اخْتَصَمَ إِلَى شُرَيْحٍ رَجُلَانِ أَصَابَ
أَحَدُهُمَا ثَنِيَّةَ الْآخَرِ وَأَصَابَ الْآخَرُ
ضِرْسَهُ قَالَ شُرَيْحٌ الثَّنِيَّةُ وَجَمَالُهَا
وَالضِّرْسُ وَمَنْفَعَتُهُ سِنٌّ بِسِنٍّ قُومَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّنِيَّةُ
بِالثَّنِيَّةِ وَالضِّرْسُ بِالضِّرْسِ
12 -
(14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ)
1605 - مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا
يَقُولَانِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ
ثَمَنِهِ
1606 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ
الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ
بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ
مَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
قَدِيمٌ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيَّبِ قَالَ جِرَاحَاتُ
الْعَبِيدِ فِي أَثْمَانِهِمْ بِقَدْرِ جِرَاحَاتِ
الْأَحْرَارِ فِي دِيَاتِهِمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّ
رِجَالًا مِنَ الْعُلَمَاءِ لَيَقُولُونَ إِنَّ الْعَبِيدَ
وَالْإِمَاءَ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ فَيَنْظُرُ مَا
نَقَصَتْ جِرَاحَاتُهُمْ مِنْ أَثْمَانِهِمْ
هَذِهِ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وروي بن عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ
الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي مُوضِحَةِ
الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَفِي مُنَقَّلَتِهِ
الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعَشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِي
مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ
الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا
نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ يُنْظَرُ فِي ذلك بعد ما يَصِحُّ
الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ
بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ وَقِيمَتِهِ صَحِيحًا
قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا ثُمَّ يَغْرَمُ الَّذِي
أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ
رِجْلُهُ ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ
(8/111)
أَصَابَهُ شَيْءٌ فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ
ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ
قَدْرُ ما نقص من ثمن العبد
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ مُسْتَعْمَلَةً فِي
الْأَرْبَعَةِ الْجِرَاحِ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ
وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ
الْجِرَاحَاتِ والشجاج لأنها إذا بريء الْعَبْدُ الَّذِي
أُصِيبَ بِهَا لَمْ يَنْقُصْهُ مِنْ ثَمَنِهِ ذَلِكَ
شَيْئًا وَهِيَ جِرَاحٌ قَدْ وَرَدَ التَّوْقِيفُ فِي
أَرْشِهَا فِي الْحُرِّ فَجَعَلَ فِيهَا مَنْ ثَمَنِهِ
كَمَا فِي الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ وَأَجْرَاهُ فِيهَا
مَجْرَى الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَرَأَى أَنَّ
قِيَاسَهُ فِيهَا عَلَى الْحُرِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ
عَلَى السِّلَعِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ
مُتَعَبِّدٌ لَيْسَ كَالْبَهَائِمِ وَلَا كَالسِّلَعِ
الَّتِي يُرَاعَى فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا
وَاسْتَعْمَلَ مَا روي عن مروان بن الحكم في ما عدا هَذِهِ
الْجِرَاحِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا يُنْقِصُ
مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَا مَحَالَةَ عِنْدَهُ
فَاسْتَعْمَلَ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا وَذَكَرَ أَنَّ
ذَلِكَ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إِنْ
فَقَأَ حُرٌّ عَيْنَيْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ
ضَمِنَهُ وَعُتِقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَهُ فَإِنْ
كَانَ جُرْحًا لَمْ يُبْطِلْهُ مِثْلَ فَقْءِ عَيْنٍ
وَاحِدَةٍ أَوْ جَدْعِ أَنْفٍ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ
ثَمَنِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ جِرَاحَ
الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ
دِيَتِهِ فَجَعَلَ فِي عَيْنِهِ نصف قِيمَتَهُ كُلَّهَا
كَمَا فِي أَنْفِ الْحُرِّ دِيَتَهُ كُلَّهَا وَكَذَلِكَ
سَائِرُ جِرَاحَاتِهِ وَشِجَاجِهِ وَأَسْنَانِهِ جَعَلَ
فِيهَا كَمِنْ قِيمَتِهِ مِثْلَ مَا فِيهَا لِلْحُرِّ مِنْ
دِيَتِهِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رضي لله
عَنْهُ) وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ
وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
أَعْضَاءِ الْعَبْدِ وَجِرَاحَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُمَا
اخْتَلَفَا فِي الْحَاجِبَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أُذُنِ الْعَبْدِ وَنَتْفِ
حَاجِبِهِ إِذَا لَمْ يَنْبُتْ مَا نَقَصَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَاجِبِ وَالْأُذُنِ فِي
كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا
تَجِبُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحُرِّ نِصْفُ دِيَتِهِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي جَمِيعِ مَا يتلف من
أعضاء العبد النقصان يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ صَحِيحًا
وَإِلَى قِيمَةِ دِيَةِ الْجِنَايَةِ فَيَغْرَمُ الْجَانِي
فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ زُفَرَ مِثْلَ قَوْلِهِ
(8/112)
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ
زُفَرَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنَّ أَبَا
حَنِيفَةَ يَقُولُ إِنْ بَلَغَتْ جِرَاحُ الْعَبْدِ دِيَةَ
حُرٍّ نَقَصَ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ لَا
يُكَافِئُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ
يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ آلَافٍ نَقَصَ مِنْهَا
خَمْسَةَ دَرَاهِمَ
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ عَلَى رِوَايَةِ
مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ
خَمْسَةِ آلَافٍ كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ
لَا زِيَادَةَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُرٍّ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ
لِغَيْرِهِ إِنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ
إِلَى الَّذِي فَقَأَ عَيْنَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ
شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ مِنَ
النُّقْصَانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ
وَأَخَذَ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَأَخَذَ
قِيمَتَهُ
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ فَإِنْ بَلَغَ
أَكْثَرَ مِنْ عشرة آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَ عَلَيْهِ
عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ
ثَمَنِهِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا أُصِيبَ مِنَ الْعَبْدِ مَا
يَكُونُ نِصْفَ ثَمَنِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَخَذَ
مَوْلَاهُ نِصْفَ ثَمَنِهِ إذا كان قد بريء وَإِذَا
أُصِيبَ أَنْفُهُ أَوْ ذَكَرُهُ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ إِلَى
الَّذِي أَصَابَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ إِنْ كَانَ قد بريء
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ جِرَاحَةُ الْمَمْلُوكِ فِي
قِيمَتِهِ مِثْلُ جِرَاحَةِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَإِنْ
قَطَعَ أُذُنَيْهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَإِنْ شَاءَ
الْمَوْلَى أَخَذَ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ
الْقِيمَةَ وَدَفَعَهُ إِلَى الْجَانِي
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي رَجُلٍ خَصَى غُلَامًا لِرَجُلٍ
وَكَانَ ذَلِكَ زَائِدًا فِي ثَمَنِ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ
يَغْرَمُ ثَمَنَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ زَادَ أَوْ نَقَصَ
وَيُعَاقَبُ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ جِرَاحُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِهِ
كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ
وَعَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ
قَالَ وَفِي ذَكَرِهِ ثَمَنُهُ وَلَوْ زَادَ الْقَطْعُ فِي
ثَمَنِهِ أَضْعَافًا لِأَنَّهُ فِيهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ
قِيمَتُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ
قَالَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْحُرِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ
عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا نَقَصَهُ
لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ خَطَأً دِيَةً وَرَقَبَةً مُؤْمِنَةً
كَفَّارَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَهَائِمُ وَالْمَتَاعُ
وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِمَنْ قَتَلَتْ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ وَلَا عَلَيْهَا
صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا عِبَادَةٌ فَهُوَ أَشْبَهُ
بِالْحُرِّ مِنْهُ بِالسِّلَعِ وَثَمَنُهُ فِيهِ
كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ
(8/113)
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَذْكُرُ
اخْتِلَافَهُمْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ إِذَا قُتِلَ هَلْ
يَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ أَمْ لَا فِي آخِرِ بَابِ
مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ
مَالِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ
الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الْأَحْرَارِ نَفْسُ
الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ
فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ
الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شاء
أخذ العقل فإن أخذ العقل قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ
رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَ
الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ
عَبْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ
ذَلِكَ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا
أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَرَضِيَ بِهِ أَنْ
يَقْتُلَهُ وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ
الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ
ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِصَاصِ بين
العبيد على ثلاثة أقوال أحدهما أَنَّ الْقِصَاصَ
بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ فِي النَّفْسِ
فَمَا دُونَهَا مِنَ الْعَمْدِ كُلِّهِ
وممن قال بهذا مالك والشافعي وأصحابه وبن أَبِي لَيْلَى
وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ)
وَبِهِ قَالَ سَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ
الْعَبِيدِ فِي جُرْحٍ وَلَا فِي نَفْسٍ كما لا قصاص بين
الصبيان
روي ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ
وَحَمَّادٍ وَالْحَكَمِ
وبه قال بن شبرمة وإياس بن معاوية سووا بين الجرح
وَالنَّفْسِ فِي أَنْ لَا قِصَاصَ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ
الْعَبِيدِ إِلَّا فِي النَّفْسِ خَاصَّةً
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ
وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ
حَيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَاحْتَجَّ لَهُمُ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ
(8/114)
عَبْدًا لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ
عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَوْا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُصَّهُمْ
مِنْهُ
قَالَ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَاقْتَصَّ لَهُمْ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (يأيها الذين ءامنوا كونوا قومين
بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
أَوِ الولدين وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ
فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) النِّسَاءِ 135
قَالَ وَاسْتَعْمَلَنَا فِي النَّفْسِ بِالنَّفْسِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
يَقْتَصُّ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ لِمَوْضِعِ
فَقْرِهِمْ فَفَعَلُوا
وَكَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - نُقِلَ فِي الْحَدِيثِ
ذِكْرُ فَقْرِهِمْ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ
فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ النَّفْسُ وَمَا دُونَهَا إِذَا
وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا وَجَبَ فِيمَا دُونَهَا مِنَ
الْجِرَاحِ
قال الله تعالى (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى)
الْبَقَرَةِ 178
وَقَالَ تَعَالَى (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الْمَائِدَةِ 45
فَمَنْ جَازَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ كَانَ
فِيمَا دُونَهَا أَحْرَى وَأَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ يُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ
إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ يَشْهَدُ
لِمَا رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ وَلِيَّ
الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ
أَخَذَ الدية خلاف رواية بن الْقَاسِمِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ
الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ إِنَّ سَيِّدَ
الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ
أَصَابَ فَعَلَ أَوْ أَسْلَمَهُ فَيُبَاعُ فَيُعْطِي
الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ
دِيَةَ جُرْحِهِ أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ
بِثَمَنِهِ وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيَّ وَلَا
النَّصْرَانِيَّ عَبْدًا مُسْلِمًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَا لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ
فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْيَهُودِيَّ
وَالنَّصْرَانِيَّ لَا يُسَلَّمُ إِلَيْهِمَا عَبْدٌ
مُسْلِمٌ بِجِنَايَتِهِ
(8/115)
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ
جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ
إِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ
بِهَا إِلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ
عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَتِهِ أَكْثَرُ مَنْ رَقَبْتِهِ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ بَقِيٍّ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ
حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنِ الْحَارِثِ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَنَى
الْعَبْدُ فَفِي رَقَبَتِهِ وَيُخَيَّرُ مَوْلَاهُ إِنْ
شَاءَ فَدَاهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ
وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَمُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
وَعُرْوَةَ بْنِ الزبير وبن شِهَابٍ وَغَيْرِهِمْ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ
قَالَ حَدَّثَنِي الخشني قال حدثني بْنِ أَبِي عُمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لا
تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا وَلَا صُلْحًا وَلَا
اعْتِرَافًا
يَقُولُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا هَذِهِ الْأَرْبَعَ
- وَاللَّهُ أَعْلَمُ
13 -
(15 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ)
1607 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوِ
النَّصْرَانِيِّ إِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ
دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مُتَصِّلًا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ
أَهْلَ الْكُوفَةِ اخْتَلَفُوا فِي دِيَةِ الْمُعَاهَدِ
فَكَتَبَ عَبْدُ الْحَمِيدِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ
أَنَّ دِيَتَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ
1608 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ
سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَقُولُ دِيَةُ
الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ مَالِكٌ وَجِرَاحُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ
وَالْمَجُوسِيِّ فِي دِيَاتِهِمْ عَلَى حِسَابِ جِرَاحِ
الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَاتِهِمْ الْمُوضِحَةُ نِصْفُ
عُشْرِ دِيَتِهِ وَالْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ
وَالْجَائِفَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ
جِرَاحَاتُهُمْ كُلُّهَا
(8/116)
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِي دِيَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَذَهَبَ مَالِكٌ
إِلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مُوَطَّئِهِ فِي دِيَةِ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ
وَذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ دِيَةُ الْمُعَاهَدِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقْضُونَ في دية اليهودي والنصراني
بالذي كَانُوا يَتَعَاقَلُونَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ
ثُمَّ رَجَعَتِ الدِّيَةُ إِلَى سِتَّةِ آلَافِ دِرْهَمٍ
قَالَ وَكَانَ النَّاسُ يَقْضُونَ فِي الزَّمَانِ
الْأَوَّلِ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ
دِرْهَمٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ
الْمُؤْمِنِ
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي
الْفَضْلُ بْنُ أَبِي الْعَقِبِ بِدِمَشْقَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ قَالَ لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَالَ
فِي خُطْبَتِهِ دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ
وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا
حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ
الْمَجُوسِيِّ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ وَالْمَرْأَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وعطاء
ونافع مولى بن عُمَرَ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رِوَايَةٍ
(8/117)
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَدِيَةُ
الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ قَرَأْتُ
كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ دِيَةَ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا دِيَةُ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ
وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةٍ
قَالَ وَحَدَّثَنِي بن نُمَيْرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ دِيَةُ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ
وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ فَرُوِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ
ذَكَرَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عمر
وقد روى بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ أَرْبَعَةُ
آلَافِ دِرْهَمٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ
وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ دِيَةُ
الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْيَهُودِيِّ والنصراني
والمجوسي والمعاهد سواء
وهو قول بن شهاب
وقال أَبُو عُمَرَ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ
كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ يَجْعَلُونَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ إِذَا كَانُوا مُعَاهَدِينَ مِثْلَ
دِيَةِ الْمُسْلِمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ
عُمَرَ وَعُثْمَانَ مُضْطَرِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ
مُنْقَطِعَةٌ فَلَا حُجَّةَ فيها
وروي عن بن مَسْعُودٍ قَالَ دِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَهْدٌ أَوْ ذِمَّةٌ دِيَةُ الْمُسْلِمِ
(8/118)
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ
وَعَطَاءٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ
وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ
وَرَوَاهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يُدْرِكْ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا زَمَانَ عَلِيٍّ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ دِيَةُ
الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ ذِمِّيٍّ مِثْلُ
دِيَةِ الْمُسْلِمِ
قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَةُ فَجَعَلَ فِي بَيْتِ
الْمَالِ نِصْفَهَا وَأَعْطَى أَهْلَ الْمَقْتُولِ
نِصْفَهَا
ثُمَّ قَالَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنِصْفِ
الدِّيَةِ وَأَلْغَى الَّذِي جَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ فِي
بَيْتِ الْمَالِ قَالَ وَأَحْسَبُ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ
النِّصْفَ الَّذِي جَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ فِي بَيْتِ المال
ظلما منه
قال الزهري فلم يقبض لِي أَنْ أُذَاكِرَ بِذَلِكَ عُمَرَ
بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأُخْبِرَهُ أَنَّ الدِّيَةَ قَدْ
كَانَتْ تَامَّةً لِأَهْلِ الذِّمَّةِ
قَالَ مَعْمَرٌ فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ إِنَّ بن
الْمُسَيَّبِ قَالَ دِيَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَقَالَ
لِي إِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ مَا عُرِضَ عَلَى كِتَابِ
اللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) النِّسَاءِ 92
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ
عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وهو قولي
قال وأخبرنا بن جُرَيْجٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ
وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَصَالِحٍ قَالُوا عَقْلُ
كُلِّ مَعَاهَدٍ وَمُعَاهَدَةٍ كعقل المسلم ذكر أنهم
كَذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ جَرَتْ
بِذَلِكَ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ
قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ دِيَةُ الْمُعَاهَدِ
دِيَةُ الْمُسْلِمِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (وَإِنْ كَانَ
مِنْ قَوْمٍ بينكم وبينهم ميثق فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) النِّسَاءِ 92
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ بِهَذِهِ
الْآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
أن
(8/119)
يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ) النِّسَاءِ 92 ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ
(وَإِنْ كَانَ من قوم بينكم وبينهم ميثق فَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ) النِّسَاءِ 92
قَالُوا فَلَمَّا كَانَتِ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةً فِي
قَتْلِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ
الدِّيَةُ كَذَلِكَ
وَقَالُوا وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ كَانَ من قوم
بينكم وبينهم ميثق فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) النِّسَاءِ 92 كَمَا
قَالَ فِي الْمُؤْمِنِ فَأَرَادَ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ
لَوْ أَرَادَ الْمُؤْمِنَ لَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ كَانَ
مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) النِّسَاءِ
92
فَأَوْجَبَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِيهِ تَحْرِيرَ
رَقَبَةٍ دُونَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ
حَرْبِيِّينَ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مالك حدثني يحيى بن سيعد عَنْ
أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ
الذِّمِّيَّ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ كَفَّارَةٍ
وَتَأَوَّلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْآيَةَ
فِي الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ قَالَ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي
أَوَّلِهَا (وَمَنْ قتل مؤمنا خطئا) ثُمَّ قَالَ (وَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبينهم ميثق) النِّسَاءِ 92
يَعْنِي الْمُؤْمِنَ الْمَقْتُولَ خَطَأً
وَرَدَّ قَوْلَهُ هَذَا بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ
الْكُوفِيِّينَ فَقَالَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ
(عَزَّ وَجَلَّ) قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَإِنْ كَانَ
مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) النِّسَاءِ
92
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِنًا خطئا) النِّسَاءِ 92 لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
مَعْطُوفًا عَلَيْهِ مَا قَالَ (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لِأَنَّ
قَوْلَهُ (وَمَنْ قَتَلَ مؤمنا خطئا) يَعْنِي عَلَى
وَصْفِهِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ
يَقُولَ وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ خَطَأً
مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
قَالُوا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنْ كَانَ مِنْ
قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبينهم ميثق) النِّسَاءِ 92 غَيْرُ
مُضْمَرٍ فِيهِ الْمُؤْمِنُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ التَّأْوِيلُ سَائِغٌ فِي الْآيَةِ
لِلْفَرِيقَيْنِ وَالِاخْتِلَافُ مَوْجُودٌ بَيْنَ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَبْلَغِ
دِيَةِ الذِّمِّيِّ
وَأَصْلُ الدِّيَاتِ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ فِي
ذَلِكَ إِلَّا ما أجمعوا عليه
(8/120)
وقد أجمعوا عل أَنَّ أَقَلَّ مَا قِيلَ
فِيهِ وَاجِبٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ وَالْأَصْلُ
بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ
وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عن سماك عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ
لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) النِّسَاءِ 92 قَالَ يَكُونُ
الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَقَوْمُهُ كُفَّارٌ فَلَا تَكُونُ
لَهُ دِيَةٌ وَفِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
(وَإِنْ كان من قوم بينكم وبينهم ميثق) النِّسَاءِ 92
قَالَ عَهْدٌ (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وتحرير
رقبة مؤمنة)
فَلَا يَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ مُسْلِمٍ إِلَّا
بِيَقِينٍ
وَأَقَلُّ مَا قِيلَ يَقِينٌ فِي ذَلِكَ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لا يقتل مسلم كافر
إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ الْمُسْلِمُ قَتْلَ غِيلَةٍ
فَيُقْتَلُ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَتْلِ
الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وأصحابهما والليث والثوري
وبن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ
لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
إِلَّا أَنَّ مَالِكًا وَاللَّيْثَ قَالَا إِنْ قَتَلَهُ
قَتْلَ غِيلَةٍ قُتِلَ بِهِ
وَقَتْلُ الْغِيلَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمَالِهِ
كَمَا يَصْنَعُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لا يقتله لثائرة ولا
عداوة
وقال أبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى وعثمان البتي يقتل
المسلم بالذمي
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَعُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ لِقَوْلِهِمْ
إِنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ عَلَى كُلِّ
حَالٍ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا
أَحَقُّ مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ
وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَا يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لِضَعْفِهِ
وَرَوَوْا فِيهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
حَدِيثًا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ
ذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ
(8/121)
النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ رَجُلًا
مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْحِيرَةِ فَكَتَبَ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فَكَتَبَ عُمَرُ أَنِ اقْتُلُوهُ بِهِ فَقِيلَ لِأَخِيهِ
حُنَيْنٍ قَالَ حَتَّى يَجِيءَ عَلَى الْعَصَبَةِ قَالَ
فَبَلَغَ عُمَرَ أَنَّهُ مِنْ فُرْسَانِ الْمُسْلِمِينَ
فَكَتَبَ أَنْ لَا يَقِيدُوا بِهِ قَالَ فَقَدْ جَاءَ
الْكِتَابُ وَقَدْ قُتِلَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَلَيْهِ
وَاجِبًا مَا كَانَ عُمَرُ لِيَكْتُبَ أَلَّا يُقْتَلَ
لِأَنَّهُ مِنْ فُرْسَانِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ
الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَمَنْ فِيهِ غِنًى وَمَنْ لَيْسَ
فِيهِ غِنًى فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ
أَنَّهُ شَاوَرَ فَقَالَ لَهُ - إِمَّا عَلِيٌّ وَإِمَّا
غَيْرُهُ - فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلٌ فَكَتَبَ
أَنْ لَا يُقْتَلَ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ قَتَلَ
رَجُلٌ مِنْ فُرْسَانِ الْكُوفَةِ عَبَّادِيًّا مِنْ
أَهْلِ الْحِيرَةِ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ أَقِيدُوا أَخَاهُ
مِنْهُ فَدَفَعُوا الرَّجُلَ إِلَى أَخِي الْعَبَّادِيِّ
فَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ أَلَّا تَقْتُلُوهُ
وَقَدْ قَتَلَهُ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ النَّزَّالِ
مِثْلَهُ
وَكِتَابُ عُمَرَ الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ
عَامِرٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قِصَّةِ قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَهُمَا
كَافِرَانِ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَالْمُهَاجِرِينَ أَرَادُوا
أن يقيدوا من عبيد الله
وهذا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْهُرْمُزانَ قَدْ كَانَ
أَسْلَمَ وَجُفَيْنَةَ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ
وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ
وَالْخَبَرِ
وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ
تُقْطَعُ يَدُهُ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ذِمِّيٍّ
فَنَفْسُهُ أَحْرَى أَنْ تُؤْخَذَ بِنَفْسِهِ
وَهَذَا لَعَمْرِي قِيَاسٌ حَسَنٌ لَوْلَا أَنَّهُ بَاطِلٌ
عِنْدَ الْأَثَرِ الصَّحِيحِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ
وَالنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْأَثَرِ
(8/122)
حَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ
قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ قُلْنَا
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ فَقَالَ لَا
وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلَّا
أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ رَجُلًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ
وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي هَذِهِ
الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلَا
يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ
وبه عن أبي بكر قال حدثني بن أَبِي زَائِدَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ
بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ يَعْنِي
بِكَافِرٍ وَالْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو
الْعَهْدِ هُوَ الْحَرْبِيُّ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ يَحْرُمُ بِهِ
دَمُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ لِارْتِفَاعِ الْفَائِدَةِ فِي
ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَحْقِنُ
الدَّمَ وَالْعَهْدَ يَحْقِنُ الدَّمَ قِيلَ لَهُ بِهَذَا
الْخَبَرِ عَلِمْنَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ
الْمَعَاهَدَ يَحْرُمُ دَمُهُ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ
وَهِيَ فَائِدَةُ الْخَبَرِ وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَأْمُرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِقَتْلِ الْكُفَّارِ حَيْثُ وُجِدُوا
وَثُقِفُوا وَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ يَقُولُ لَا
يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ أَمْرٌ ثَمَّ يَقْتُلُهُ
وَقِتَالُهُ وَوَعَدَكُمُ الله بجزيل الثواب على جهاده هذا
ما لا يَظُنُّهُ ذُو لُبٍّ فَكَيْفَ يَخْفَى مِثْلُهُ
عَلَى ذِي عِلْمٍ
وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ
فِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْحَرْبِيِّ
الْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ لِأَنَّهُمَا فِي
تَحْرِيمِ الْقَتْلِ سَوَاءٌ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
قَالَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ
بْنِ عَبَّادٍ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ
إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْنَا هَلْ
عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ
عَامَّةً قَالَ لَا إِلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا
وَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ
الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى
بِذِمَّتِهِمْ
(8/123)
أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ
سِوَاهُمْ أَلَّا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا
ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى
مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ لَا تُكَافِئُ
دِمَاؤُهُمْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ
وَقدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ الْكَافِرُ مِنَ
الْمُسْلِمِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْجِرَاحِ
فَالنَّفْسُ بِذَلِكَ أَحْرَى وَبِاللَّهِ التْوَفْيِقُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا قَتَلَ
الْكَافِرَ قَتْلَ غِيلَةٍ قُتِلَ بِهِ فَقَدْ قَالَتْ
بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلُوهُ مِنْ
بَابِ الْمُحَارَبَةِ وَقَطْعِ السَّبِيلِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ حدثني بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ
النَّبَطِ عَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ من أهل المدينة فقتله قتل
غِيلَةً فَأُوتِيَ بِهِ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهُوَ إذ
ذَاكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَأَمَرَ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي
قَتَلَ الذِّمِّيَّ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَوْلٌ عَامٌّ
لَمْ يَسْتَبِنْ غِيلَةً وَلَا غَيْرَهَا
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ
الْمُحَارِبِ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ
مُحَارِبًا اعْتُبِرَ ذَلِكَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(16 - بَابِ مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي
خَاصَّةِ مَالِهِ)
1609 - مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ
فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ
الْخَطَأِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَشَرَعَ لَهَا مِنْ
دِينِهِ أَنَّ دِيَةَ الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً
تَحْمِلُهَا عَاقِلَةُ الْقَاتِلِ وَهُمْ رَهْطُهُ
وَعَشِيرَتُهُ وَقَبِيلَتُهُ لِئَلَّا يَكُونَ دَمُهُ
مَطْلُولًا فَعَلَتْ ذَلِكَ الْكَافَّةُ الَّتِي لَا
يَجُوزُ عَلَيْهَا السَّهْوُ وَلَا الْغَلَطُ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدِّيَةِ
الْكَامِلَةِ فَارْتَفَعَ التَّنَازُعُ وَوَجَبَ
التَّسْلِيمُ وَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ تَجَاوَزَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
لِأُمَّتِي
(8/124)
عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا
أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَمَا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَنْهُ فَلَا وِزْرَ فِيهِ وَكَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ
مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164
(وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا)
الْأَنْعَامِ 164 بِمَا خصه الله تعالى عَلَى لِسَانِ
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا
يُطَلُّ دَمُ الْحُرِّ تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ - فَجَعَلَهُ فِي الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ عَلَى
الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي رَجُلٌ مِنْهُمْ كَأَحَدِهِمْ
عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَبْلَغِ مَا
تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ دِيَاتِ الْجِرَاحَاتِ فِي
الْآدَمِيِّينَ
وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ جِنَايَاتِ
الْأَمْوَالِ
وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
1610 - مَالِكٌ عَنْ بن شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ مَضَتِ
السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ
دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاؤُوا ذَلِكَ
1611 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد مثل ذلك قال مالك
إن بن شِهَابٍ قَالَ مَضَتِ السُّنَّةُ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ حِينَ يَعْفُو أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَنَّ
الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً
إِلَّا أَنْ تُعِينَهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ
مِنْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا فِي مَعْنًى
واحد وهو أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ
تَحْمِلَ شَيْئًا من دية العميد وَالْعَمْدُ لَا دِيَةَ
فِيهِ إِنَّمَا فِيهِ الْقَوَدُ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ
أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنِ الْقَاتِلِ لِيَأْخُذُوا
الدِّيَةَ وَيَصْطَلِحُوا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَعْفُوَ
أَحَدُهُمْ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ فَيَرْتَفِعُ الْقَتْلُ
وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ بِشَرْطٍ أَوْ
بِغَيْرِ شَرْطٍ أَوْ تَكُونُ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ
النَّفْسِ من الجراح عمدا تبلغ الثلث فصاعدا أو لم يَكُنْ
إِلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ كَالْجَائِفَةِ وَشِبْهِهَا
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيمَنْ يَحْمِلُهَا وَمَا
لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْأَبَوَيْنِ وَلَدَهُمَا عَمْدًا
هَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ
وَيَحْمِلُهَا الْجَانِي فِي مَالِهِ عِنْدَ بَعْضِ
الْعُلَمَاءِ
وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْ ذَلِكَ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي
مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(8/125)
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ عَقْلِ
الشِّجَاجِ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ
عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَعَلَى قَوْلِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الدِّيَةَ لَا
تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ
فَصَاعِدًا فَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي
مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِجْمَاعِ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الدِّيَةَ
كَامِلَةً فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ الْحُرِّ خَطَأً ذَكَرًا
كَانَ أَوْ أُنْثَى
وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ
مِنْ دِيَاتِ الْجِرَاحَاتِ فِي الدِّمَاءِ بَعْدَ
إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ دِيَةَ
الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
وَبَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ
شَيْئًا مِنْ جِنَايَاتِ الْأَمْوَالِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ مَا ذَكَرَهُ فِي مُوَطَّئِهِ
وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ أَنَّ
الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا زَادَ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ والفقهاء السبعة
من المدينة وبن أبي ذئب وبن أَبِي سَلَمَةَ
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا بَلَغَ مِنَ
الْمَرْأَةِ عُشْرَ دِيَتهَا وَمِنَ الرَّجُلِ نِصْفَ
عُشْرِ دِيَتِهِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا دُونَهَا
فَفِي مَالِ الْجَانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ
وَقَالَ الثوري وبن شُبْرُمَةَ الْمُوضِحَةُ فَمَا زَادَ
عَلَى الْعَاقِلَةِ فَدَلَّ على أنهما اعتبرا من الرجل
وَالْمَرْأَةِ مِقْدَارَ مُوضِحَةِ الرَّجُلِ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالشَّافِعِيُّ تَحْمِلُ
الْعَاقِلَةُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ أُرُوشِ
الدِّمَاءِ فِي الْخَطَأِ مِنْ قَتْلٍ وَجَرْحٍ مِنْ حُرٍّ
وَعَبْدٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَى
قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَمَّلَ الْعَاقِلَةَ
الْأَكْثَرَ دَلَّ عَلَى تَحَمُّلِهَا الْأَيْسَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يُحْتَجُّ
وَالْحُجَّةُ لَهُ إِجْمَاعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
أَنَّ
(8/126)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَنَّ وَشَرَعَ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ
كَامِلَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَمْلٌ لِجَمِيعِ
الْأَجْزَاءِ لَهَا فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ جُزْءًا مِنْهَا
عُشْرَ أَلْفٍ أَوْ نِصْفَ عُشْرٍ أَوْ ثُلُثًا لَا
تَحْمِلُهُ وَتَحْمِلُ مَا فَوْقَهُ فَقَدْ قَالَ بِمَا
لَا يُعَضِّدُهُ أَصْلٌ وَلَا شَيْئًا سُنَّ وَلَا جَاءَ
بِهِ تَوْقِيفٌ عَمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْحَجَّةُ لَهُ أَنَّ
الْأَصْلَ أَلَّا يَحْمِلَ أَحَدٌ جِنَايَةَ غَيْرِهِ
بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (وَلَا
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) الْأَنْعَامِ 164
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِرَجُلٍ فِي ابْنِهِ إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا
يَجْنِي عَلَيْكَ فَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا
عَلَيْهَا فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ إِلَّا أَنْ تَخُصَّ
ذَلِكَ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ
وَقَدْ أَجْمَعَ أَنَّ مَا بَلَغَ الثُّلُثَ مِنَ
الدِّيَةِ فَمَا زَادَ مَنَحَتْهُ الْعَاقِلَةُ
خَرَجَ ذلك مِنْ مَعْنَى مَا تَلَوْنَا وَبَقِيَ مَا
اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي أَلَّا
تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ
نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) الْأَنْعَامِ 164
وَكَانَ اسْتِثْنَاءً مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ
مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ تَحْمِلُ
الْعَاقِلَةُ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا
وَمَنْ قَالَ تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ قَدِ
اجْتَمَعُوا فِي تَحَمُّلِ الثُّلُثِ فَصَاعِدًا فَوَجَبَ
أَنْ يَكُونَ مَا نَقَصَ مِنَ الثُّلُثِ مَرْدُودًا إِلَى
الْإِجْمَاعِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ إِلَّا مَا
جَنَتْ يَدُهُ لَا مَا جَنَى غَيْرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ لِهَذِهِ
الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ) الْأَحْزَابِ 5
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي
الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ
وَمَا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا وزر فيه
(8/127)
وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنِ احْتَجَّ فِي
هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164
وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً أَنْ لَا يُطَلَّ
دَمُهُ وَأَنْ يَحْمِلَهُ غَيْرُهُ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ
وَلَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ وَأَنْ يَتَعَاوَنَ قَبِيلُهُ
وَرَهْطُهُ
وَمَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَذَلِكَ هُدَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) النَّسَاءِ 65
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
عِنْدَنَا فِيمَنْ قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا
الْقِصَاصُ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى
الْعَاقِلَةِ إِلَّا أَنْ يشاؤوا وَإِنَّمَا عَقْلُ ذَلِكَ
فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَوِ الْجَارِحِ خَاصَّةً إِنْ
وُجِدَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ كَانَ
دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ
شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاؤُوا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى من قول بن
شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي أَوَّلِ هَذَا
الْبَابِ
وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ
وَالْعِرَاقِ وَأتْبَاعُهُمْ (فِي سَائِرِ) الْبُلْدَانِ
أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا (وَلَا
اعْتِرَافًا) وَلَا صُلْحًا مِنْ عمد كما قال بن عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا شَذَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
مِنْ مَذَاهِبِ أَصْحَابِنَا فَوَاجِبٌ رَدُّهُ إِلَيْهِ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا
أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِشَيْءٍ
وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ أَهْلِ الْفِقْهِ عِنْدَنَا وَلَمْ
أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ
الْعَمْدِ شَيْئًا وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ أَنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ (فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بالمعروف
وأداء إليه بإحسن) الْبَقَرَةِ 178 فَتَفْسِيرُ ذَلِكَ
فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَقْلِ فَلْيَتْبَعْهُ
بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ لَا تَعْقِلُ
الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ
خَطَأً
وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَدِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً أَوْ
عَمْدًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ شَيْءٌ
(8/128)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا ذَهَبَ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي الْعَدُوِّ
فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنْ
رَجُلًا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ خَطَأً فَقَضَى لَهُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِدِيَتِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ أَصَابَتْهُ يَدٌ
مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ يَمْنَعُ مِنْ
أَنْ يَجِبَ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنٌ
وَالْعَاقِلَةُ إِنَّمَا تَحْمِلُ عَنِ الْمَرْءِ مَالَهُ
لِغَيْرِهِ
أَلَّا تَرَى أَنَّ مَالَا عَاقِلَةَ لَهُ لَزِمَتْهُ
جِنَايَتُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمَّا
اسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ
اسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مَا لَمْ يَجِبْ
عَلَيْهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ
الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا فَهَذَا
يَقْتَضِي مِنْ قَوْلِهِ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ
رَوَى عَنْهُ أَنَّ دِيَةَ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ
وَكُلَّ مَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ مِنَ الْجِرَاحِ فِي
الْعَمْدِ أَنَّهُ فِي مَالِ الْجَانِي لا على العاقلة
وأما قوله ومما يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ 178 فَقَدِ اخْتَلَفَ
قَوْلُهُ وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فمن عفى له) هَلْ هُوَ الْقَاتِلُ
أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
وَقَدْ أَفْرَدَنَا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا
اسْتَوْعَبْنَا فِيهِ مَعَانِيَهَا وَمِمَّا لِلْعُلَمَاءِ
فِيهَا وَأَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ لِمَا أَخْبَرَنَاهُ مِنْ
ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ لَا مَالَ لَهُ
وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا إِذَا جَنَى
أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ إِنَّهُ ضَامِنٌ
عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا خَاصَّةً
إِنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا
فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ
لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ
أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ
ذَلِكَ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ مَعَ
الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ - لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَمْدُهُ خَطَأٌ وَفِعْلُهُ
كُلُّهُ خَطَأٌ إِذَا كَانَ فِي الدِّمَاءِ
وَكَذَلِكَ خَطَأُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ
الثُّلُثِ مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ
(8/129)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ
فِي مَالِ الْجَانِي وَمَا لَزِمَ دِيَةَ الْمُوسِرِ
فَهُوَ دَيْنٌ على المعسر ولا يأخذ الْأَبُ بِجِنَايَةِ
الِابْنِ الصَّغِيرِ وَلَا الْكَبِيرِ وَهَذَا مَا لَا
خِلَافَ فِيهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ
فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قُتِلَ كَانَتْ فِيهِ
الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ
قَاتِلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ
كَثُرَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهُ فِي
مَالِهِ خَاصَّةً بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد
الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ إِنَّ
الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ مَا هُوَ حُجَّةٌ
لِمَذْهَبِهِ فِي أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهَا
الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا
مِنْ جِنَايَاتِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْجَمِيعِ
وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ مالك في ذلك بن أَبِي لَيْلَى
وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو
يُوسُفَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالُوا
قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ خَاصَّةً
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ
وَالْأَكْثَرُ الْأَشْهَرُ عَنِ الشافعي وهو الظاهر مِنْ
مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قُتِلَ خَطَأً
فَقِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ فِي ثَلَاثِ
سِنِينَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ
وَأَبِي يُوسُفَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ
كِتَابِنَا هَذَا عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ أَنَّ
الْعَاقِلَةَ لَا تَكُونُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَعْقِلُ الْعَبْدُ وَلَا
يُعْقَلُ عَنْهُ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْعَبْدَ خَطَأً
فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ
وَقَالَ مَكْحُولٌ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ دِيَةِ
الْعَبْدِ شَيْءٌ
وأما الذين قَالُوا إِنْ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ
عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَمِنْهُمْ عَطَاءٌ
وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالزُّهْرِيُّ
قَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنْ
رَجُلٍ قَتَلَ دَابَّةً خَطَأً قَالَا فِي مَالِهِ
قَالَا وَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حُرٍّ قَتَلَ
عَبْدًا خَطَأً قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
(8/130)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِيَاسَ الْعَبْدِ عَلَى
الْحُرِّ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا أَوْلَى مِنْ
قِيَاسِهِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ
وَقَدِ اسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ
الْعَبْدِ وَلَمْ يَسْتَحْسِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ
الْعُلَمَاءِ فِي الْبَهَائِمِ وَالْأَمْوَالِ
وَلَمْ يُوجِبْ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ
الْعَبْدِ وَقَالَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ
لِأَنَّهُ ذَكَرَ (مَعَهَا) الدِّيَةَ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ
الْعَبْدِ دِيَةٌ
قَالَ وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ حَسَنَةٌ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ - مُعْتَرِضًا عَلَيْهِ قَدْ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ
لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
النِّسَاءِ 92
فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِلَا دِيَةٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ
وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى حَالِ
وُجُوبِ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ
خَطَأً وَاجِبَةٌ عَلَى (قَاتِلِهِ) عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ
وَالشَّافِعِيِّ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الَّذِي
أَصَابَهُ فِي مَالِهِ خاصة بالغا ما بلغ
وإن كانت قيمة الْعَبْدِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بن عبد
العزيز وشريح ومكحول وبن شهاب الزهري والحسن وبن سِيرِينَ
كُلُّهُمْ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْعَبْدَ خَطَأً
قِيمَتُهُ عَلَيْهِ
بَالِغًا مَا بَلَغَتْ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ
الْحُرِّ أَضْعَافًا
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن علي وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ إِذَا
قُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً وَقِيمَتُهُ أكثر من عشرة آلاف
درهم لم يرد صَاحِبُهُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا يُزَادُ فِي
قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ (فُقَهَاءِ) الْكُوفَةِ لَا
يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَنْقُصُ مِنْهُ الدِّرْهَمُ
وَنَحْوُهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ تَنْقُصُ مِنْهَا
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِأَنْ قَالَ الرِّقُّ حَالُ
نَقْصٍ وَالْحُرِّيَّةُ حَالُ كَمَالٍ وَتَمَامٍ فَمُحَالٌ
أَنْ يَجِبَ فِي حَالِ نُقْصَانِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ
فِي حَالِ تَمَامِهِ
(8/131)
فَمِنْ هُنَا وَجَبَ أَلَّا يُجَاوِزَ
بِقِيمَةِ الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا قِيمَةٌ لَا
دِيَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَبْلُغَ بِهَا حَيْثُ بَلَغَتْ
كَسَائِرِ الْقِيَمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ الَّتِي لَا
تَوْقِيفَ فِيهَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
15 -
(17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي ميراث العقل والتغليظ فيه)
1612 - مالك عن بن شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
نَشَدَ النَّاسَ بِمِنًى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ
الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَنِي فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ
سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ فَقَالَ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ
امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ادْخُلِ الْخِبَاءَ
حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا نَزَلَ عمر بن الخطاب أخبره
الضحاك فقضى بذلك عمر بن الخطاب
قال بن شِهَابٍ وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا
الْحَدِيثَ عَنِ بن شهاب أن عمر لم يتجاوز به بن شهاب
ورواه سائر رواه بن شهاب عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ كذلك رواه معمر وبن جريج ويحيى
بن سعيد وبن عُيَيْنَةَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا أَرَى الدِّيَةَ إِلَّا
لِلْعَصَبَةِ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ فَهَلْ
سَمِعَ أحد منكم مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ
الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ وَكَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَعْرَابِ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ
امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
فَأَخَذَ بِذَلِكَ عمر
قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج عن بن شهاب عن بن المسيب
عن عمر مثله وزاد وقتل أشيم خطأ
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَامَ عُمَرُ بِمِنًى فَسَأَلَ
النَّاسَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ
مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ
الْكِلَابِيُّ فَقَالَ ادْخُلْ بَيْتَكَ حَتَّى
(8/132)
آتِيَكَ
فَدَخَلَ فَأَتَاهُ فَقَالَ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ
امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
وَقَالَ أبو بكر أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الدِّيَةُ
لِلْعَاقِلَةِ وَلَا تَرِثُ الْمَرَأَةُ مِنْ دِيَةِ
زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ الضَّحَّاكُ
بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ امْرَأَةَ
أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أخطأ من قال عن بن عُيَيْنَةَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ الضَّحَّاكُ بْنُ
سُفْيَانَ فَجَعْل الضَّحَّاكَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَى
عُمَرَ وَوَهِمَ وَهْمًا بَيِّنًا لِأَنَّ عُمَرَ
شَافَهَهُ الضَّحَّاكُ بِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي
خِبَائِهِ بِمِنًى
فَذَلِكَ بَيِّنٌ أَوْرَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ
ذَكَرْنَا
وَإِنَّمَا الضَّحَّاكُ قَالَ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكذلك رواه الحميدي وبن أبي عمر وجماعة عن بْنُ عُيَيْنَةَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ الدِّيَةُ للعاقلة
ولا ترث المرأة من دية زوجها شَيْئًا حَتَّى أَخْبَرَهُ
الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ
امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
فَرَجَعَ عُمَرُ
وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا
وَلَا حَدِيثًا بَعْدَ قَوْلِ عُمَرَ الَّذِي انْصَرَفَ
عَنْهُ إِلَى مَا بَلَغَهُ مِنَ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ
فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
كَمِيرَاثِهَا مِنْ سَائِرِ مَالِهِ
وكذلك سائر الورثة ذووا فَرْضٍ كَانُوا أَوْ عَصَبَةً
إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ شَذَّ فِيهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَا أَدْرِي
عَنْ مَنْ أَخَذَهُ إِلَّا إِنْ كَانَ بَلَغَهُ قَوْلُ
عُمَرَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى
السُّنَّةِ
وَأَظُنُّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُرِدْ
بِقَوْلِهِ قَدْ ظَلَمَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثِ الْإِخْوَةَ
لِلْأُمِّ مِنَ الدِّيَةِ
وَلَمْ يُوَرِّثِ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مِنَ الدِّيَةِ
إِلَّا عَلِيٌّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ
الرِّوَايَةَ لَمْ تَأْتِ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَنْ عُمَرَ
وَرَوَى الثِّقَاتُ الْأَئِمَّةُ رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ
إِلَى مَا أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مِنَ
الدِّيَةِ
(8/133)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مِثْلُ شُذُوذِهِ
فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْجُنُبَ الْمُتَيَمِّمَ إِذَا وَجَدَ
الْمَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ
وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فِيمَا
عَلِمْتُ فَرَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ كان أبو سلمة يماري
بن عَبَّاسٍ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا وَقَدْ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من
طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ مِنْهَا مَرَاسِيلُ وَمُسْنَدَةٌ
أَنَّهُ قَالَ الدية لمن أحرز الميراث والدية سبيلها سبيل
الْمِيرَاثُ
اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ
الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَلَا مَعْنَى فِيهِ
لِلْإِكْثَارِ
وَقَدْ شَذَّ عَنْهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ
أَصْحَابِ الظَّاهِرِ مَنْ لَمْ يَسْتَحِي مِنْ خِلَافِ
جَمَاعَتِهِمْ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِمْ وَلَا يُلْتَفَتُ
إِلَيْهِ مَعَهُمْ
وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ مُعَلَّى عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَرِثُ
الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ وَلَا الزَّوْجُ وَلَا
الزَّوْجَةُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا
وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ مُنْقَطِعٌ لَا يَصِحُّ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ والحميدي
وبن أبي عمر قالوا حدثني بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ قَدْ ظَلَمَ مَنْ لَمْ
يُوَرِّثِ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مِنَ الدِّيَةِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ
وُجُوهٍ
فَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا قَدْ
ظَلَمَ مَنْ مَنَعَ بَنِي الْأُمِّ نَصِيبَهُمْ مِنَ
الدِّيَةِ
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمَرْأَتَيْنِ الَّتِي
قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا صَاحِبَتَهَا أَنَّ مِيرَاثَهَا
لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ قَدْ وَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ مِنَ
الدِّيَةِ
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ مِنَ
الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ عَلَى
هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كثيرا
والآثار في ذلك عَنِ التَّابِعِينَ كَثِيرَةٌ وَفِي مَا
أَخْبَرَنَا بِهِ كفاية
(8/134)
1613 - مالك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مَنْ بَنِي
مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ
بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ
فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ
بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ
إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ
الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً
وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو المقتول
قال ها أنذا قَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عِنْدَ
الْعُلَمَاءِ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى إِلَّا أَنَّ
بَعْضَهُمْ يَقُولُ فِيهِ قَتَادَةُ الْمُدْلِجِيُّ كَمَا
قَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ فِيهِ عَرْفَجَةُ الْمُدْلِجِيُّ وَالْأَكْثَرُ
يَقُولُونَ قَتَادَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَتْلَهُ لِابْنِهِ عَمْدًا
وَيَجْعَلُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَلِذَلِكَ
جَعَلَ عُمَرُ فِيهِ الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عن عمرو بن شعيب بمثل معنى رواية
مالك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا بَعْدَ
قَوْلِهِ وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ دَعَا أُمَّ
الْمَقْتُولِ وَأَخَاهُ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمَا ثُمَّ
قَالَ عُمَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا
مِمَّنْ قَتَلَ
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ عَلَى
مَنْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً فِيهِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَالِ الْجَانِي
وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِيمَا
تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
(8/135)
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ قَتْلَ
الْمُدْلِجِيِّ لِابْنِهِ خَطَأً فَقَدْ أَعْقَلَ لِأَنَّ
الدِّيَةَ لَا تُغَلَّظُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْخَطَأِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ
رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ قَتَلَ ابنه فلم يقده عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ وَأَغْرَمَهُ دِيَتَهُ وَلَمْ
يُوَرِّثْهُ مِنْهُ شَيْئًا وَوَرَّثَ مِنْهُ أُمَّهُ
وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَصَحُّ إِسْنَادٍ فِي هَذَا
الْخَبَرِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ
ابْنَهُ عَمْدًا هَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا ذَبَحَهُ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ
خَذَفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ
وَكَذَلِكَ الْجَدُّ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ
قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا
قُتِلَ بِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقَادُ وَالِدٌ
بِوَلَدِهِ وَلَا الْجَدُّ بِابْنِ الِابْنِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُقَادُ الْجَدُّ بِابْنِ
الِابْنِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا يُقَادُ
الْأَبُ بِالِابْنِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِابْنِهِ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا
وَيُقْتَلُ الِابْنُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِالْأَبِ إِذَا
قَتَلَهُ عَمْدًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
مِهْرَانَ السَّرَّاجُ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى
الْمُقْرِئُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُقَامُ
الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقَادُ بِالْوَلَدِ
الْوَالِدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي مَنْ
تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا
كَاخْتِلَافِ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فِي ماله والآخر على
العاقلة
(8/136)
فقال بن الْقَاسِمِ هِيَ عَلَى الْوَالِدِ
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ هِيَ
عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِسُرَاقَةَ بْنِ
مَالِكٍ اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ
بَعِيرٍ وَلَيْسَ سُرَاقَةُ بِالْأَبِ وَإِنَّمَا هُوَ
سَيِّدُ الْقَوْمِ
قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى
الْعَاقِلَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ في حديث مالك فنري فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ
فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَى جُرْحُهُ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ
فِي سَاقِهِ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ وَقِيلَ فَمَرِضَ مِنْ
ذَلِكَ الْجُرْحِ مَرَضًا مَاتَ مِنْهُ
وَالْمُرَادُ مِنَ اللَّفْظِ مَفْهُومٌ وَفِي اشْتِقَاقِهِ
فِي اللُّغَةِ فَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ مِنَ النِّزَاءِ
وَالنِّزَاءُ وَالنِّقَارُ عِلَّةٌ تَأْخُذُ الْمُنْزَ
فَيَبُولُ الدَّمَ وَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
1614 - مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا
أَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَا
لَا
وَلَكِنْ يُزَادُ فِيهَا لِلْحُرْمَةِ فَقِيلَ لِسَعِيدٍ
هَلْ يُزَادُ فِي الْجِرَاحِ كَمَا يُزَادُ فِي النَّفْسِ
فَقَالَ نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أَرَاهُمَا أَرَادَا مِثْلَ
الَّذِي صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عَقْلِ
الْمُدْلِجِيِّ حِينَ أَصَابَ ابْنَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَغْلِيظِ
الدِّيَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ
فَقَالَ مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وبن أَبِي لَيْلَى
الْقَتْلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ وَفِي
الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي بَكْرِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ
وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْقَتْلُ فِي الشَّهْرِ
الْحَرَامِ تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ - فِيمَا بَلَغَنَا
- وَفِي الْحَرَمِ وَقَدْ تُجْعَلُ دِيَةً وَثُلُثًا أَوْ
يُزَادُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي النَّفْسِ
وَفِي الْجِرَاحِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي
الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَذَوِي الرَّحِمِ
فَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ وبن شِهَابٍ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ
أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوْ فِي
الْحَرَمِ زِيدَ عَلَى دِيَتِهِ مِثْلُ ثُلُثِهَا
(8/137)
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرَدَ التَّوْقِيفُ فِي الدِّيَاتِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ
يُذْكَرْ فِيهِ الْحَرَمُ وَلَا الشَّهْرُ الْحَرَامُ
فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَ
خَطَأً فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ
فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ كَذَلِكَ
1615 - قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ
كَانَ لَهُ عَمٌّ صَغِيرٌ هُوَ أَصْغَرُ مِنْ أُحَيْحَةَ
وَكَانَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ فَأَخَذَهُ أُحَيْحَةُ
فَقَتَلَهُ فَقَالَ أَخْوَالُهُ كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ
وَرُمِّهِ حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ غَلَبَنَا
حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ رَجُلًا
مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ فَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنَّ أُحَيْحَةَ مِنَ الْقَبِيلَةِ (وَالْقَوْمِ)
الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْأَنْصَارُ فِي زَمَنِهِ
وَهُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ
اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ
قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ النَّاسِ
لَكُمُ الْأَنْصَارَ اسْمٌ سَمَّاكُمُ اللَّهُ بِهِ أَمْ
كُنْتُمْ تُدْعَوْنَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ
بَلِ اسْمٌ سَمَّانَا اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بِهِ فِي
الْقُرْآنِ
وَأُحَيْحَةُ لَمْ يدرك الإسلام لأنه فِي مَحَلِّ هَاشِمِ
بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ وَهُوَ الَّذِي خَلَفَ عَلَى سَلْمَى
بِنْتِ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ
النَّجَّارِ بَعْدَ مَوْتِ هَاشِمٍ عَنْهَا فَوَلَدَتْ
لَهُ أُحَيْحَةَ فَهُوَ أخو عبد المطلب بن هاشم لِأُمِّهِ
وَقَدْ غَلِطَ فِي أُحَيْحَةَ هَذَا غَلَطًا بَيِّنًا
بَعْضُ مِنْ أَلَّفَ فِي رِجَالِ الْمُوَطَّأِ فَظَنَّهُ
صَاحِبًا وَهُوَ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ بْنِ
الْحُرَيْسِنِ بْنِ حَجْبِ بْنِ خِلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الْأَوْسِ وَزَوْجَتُهُ سَلْمَى
بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ خِرَاشِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ
وَإِنَّمَا فَائِدَةُ حَدِيثِ عُرْوَةَ هَذَا أَنَّ أَهْلَ
الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْتُلُ قَرِيبَهُ
لِيَرِثَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا
وَعَنْهُمْ مَشْهُورًا فَأَبْطَلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(8/138)
بِسُنَّتِهِ وَسَنَّ لِأُمَّتِهِ أَلَّا
يَرِثَ الْقَاتِلُ مَنْ قَتَلَ وَهِيَ سُنَّةُ مُجْتَمَعٌ
عَلَيْهَا فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قال ما
ورث قائل مِمَّنْ قَتَلَ بَعْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ
الْجُلَاحِ
وَسُفْيَانُ عن هشام بن حسان عن بن سِيرِينَ عَنْ
عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ لَمْ يَرِثْ قَاتِلٌ مَنْ
قَتَلَ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ
وَذَكَر الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي بُنْدَارٌ قَالَ
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَوْفٌ
عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَقَرَةِ
الَّتِي كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ رَجُلًا
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَإِنَّمَا وَارِثُهُ قَتَلَهُ يُرِيدُ
مِيرَاثَهُ فَلَمَّا ضُرِبَ الْقَتِيلُ بِبَعْضِهَا
أَحْيَاهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فَقِيلَ لَهُ مَنْ
قَتَلَكَ قَالَ فُلَانٌ
فَلَمْ يُوَرَّثْ مِنْهُ وَلَا وَرِثَ قَاتِلٌ بَعْدَهُ
مِنْ مقتولة
قال عبيدة وكان الذي قتله بن أَخِيهِ
قَالَ السَّاجِيُّ قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ
قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ (سُوقَةَ)
يَقُولُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ كَانَ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ مَسْجِدٌ لَهُ اثْنَا عَشَرَ بَابًا لِكُلِّ
بَابٍ قَوْمٌ يَدْخُلُونَ مِنْهُ فَوَجَدُوا قَتِيلًا فِي
سِبْطٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ فَادَّعَى هَؤُلَاءِ عَلَى
هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ ثُمَّ أَتَوْا
مُوسَى يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
فَتَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا فَذَكَرَ الْخَبَرَ بِطُولِهِ
فِي ابْتِيَاعِهِمُ الْبَقَرَةَ وَتَشَدُّدِهِمْ فِيهَا
وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ حَتَّى اشْتَرَوْهَا
وَذَبَحُوهَا وَضَرَبُوهُ بِفَخِذِهَا قَالُوا مَنْ
قَتَلَكَ قال بن أَخِي فُلَانٌ وَهُوَ وَارِثِي فَلَمْ
يُوَرَّثْ مِنْهُ وَلَمْ يُعْطَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا
وَلَمْ يُوَرَّثْ قَاتِلٌ بَعْدَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنْ مَقْتُولِهِ إِلَّا
فِرْقَةً شَذَّتْ عَنِ الْجُمْهُورِ كُلُّهُمْ أَهْلُ
بِدَعٍ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِ الْقَاتِلِ خَطَأً
عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (عَزَّ
وَجَلَّ)
وَقَوْلُ عُرْوَةَ فِي ذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ
قَتَلَ يَعْنِي أَنَّ الْقَاتِلَ مُنِعَ مِنَ الْمِيرَاثِ
عُقُوبَةً لَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ الْمِيرَاثَ مِنْ غَيْرِ
وَجْهِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إِلَى الْمِيرَاثِ
بِالْقَتْلِ فَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ قَتْلَ أُحَيْحَةَ
عَمْدًا لِيَرِثَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ فَكَانَ مَا
كَانَ مِنْ قَتْلِ أُحَيْحَةَ لِعَمِّهِ قَصْدًا لِأَخْذِ
مِيرَاثِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَبَبًا إِلَى مَنْعِ
الْقَاتِلِ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي الْإِسْلَامِ
(8/139)
وَمِمَّا يُشْبِهُ قَوْلَ عُرْوَةَ هَذَا
فِي أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ فِي
تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ مَا رُوِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قالت كَانَ تَحَرُّجُهُمْ مِنْ نِكَاحِ
الْيَتَامَى سَبَبًا إِلَى نِكَاحِ الْأَرْبَعِ تُرِيدُ
قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وإن خفتم ألا تقسطوا في
اليتمى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
مَثْنَى وثلث وربع) النساء 3
وَأَمَّا قَوْلُهُ كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ وَرُمِّهِ
فقيل كُنَّا أَهْلَ حَضَانَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ
وَقِيلَ أَهْلَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ
وَقِيلَ أَهْلَ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ
وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ السَّوَاءِ لِأَنَّ الثُّمَّ
فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الرَّطْبُ وَالرُّمَّ الْيَابِسُ
وَقَدْ رُوِيَ ثُمِّهِ وَرُمِّهِ بِضَمِّ الثَّاءِ
وَالرَّاءِ وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ فِيهِمَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ غَلَبَنَا حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ
فَإِنَّهُ يَقُولُ غَلَبَنَا عَلَيْهِ حَقُّ التَّعْصِيبِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
عِنْدَنَا أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ
مَنْ قَتَلَ شَيْئًا وَلَا مِنْ مَالِهِ وَلَا يَحْجُبُ
أَحَدًا وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ وَأَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ
خَطَأً لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا وَقَدِ
اخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا
يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَلِيَأْخُذَ
مَالَهُ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَا
يَرِثَ مِنْ دِيَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَخْبَرَ مَالِكٌ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يرث
وهو قول بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ
وَالْخِلَافُ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ
خَطَأً
وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْوَجْهَيْنِ مِنَ الْعُلَمَاءِ
فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً
لَا يَرِثُ شَيْئًا
وَرَوَى عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَجَّاجِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنْ رَجُلًا قتل ابنه فَغَرَّمَهُ عُمَرُ الدِّيَةَ
مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنَ الدِّيَةِ
وَلَا
(8/140)
مِنْ سَائِرِ مَالِهِ شَيْئًا وَقَالَ
لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ
بِوَلَدِهِ لَقَتَلْتُكَ
وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُمَرَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ
قَالُوا لَا يَرِثُ القاتل عمدا ولا خطأ شيئا
وبن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ
قَالَ عُمَرُ لَا يَرِثُ قاتل عمدا ولا خطأ
وروى بن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ لَمْ يُوَرَّثْ
قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -
وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَوَكِيعٌ وَيَحْيَى
بْنُ آدَمَ لا يرث القاتل عمدا ولا خطأ شيئا مِنَ الْمَالِ
وَلَا مِنَ الدِّيَةِ
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ
وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ
وقال مالك وبن أَبِي ذِئْبٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ لَا
يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ شَيْئًا وَيَرِثُ قَاتِلُ
الْخَطَأِ مِنَ الْمَالِ وَلَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ
شَيْئًا
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ
وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَرِثُ قَاتِلُ
الْخَطَأِ مِنَ الدِّيَةِ وَمِنَ الْمَالِ جَمِيعًا
(18 - بَابُ جامع العقل)
1616 - مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
(8/141)
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
جُرْحُ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ
وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ
قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ
فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ
قَالَ الشَّاعِرُ
(وَكَمْ مَلِكٍ نَزَعْنَا الْمُلْكَ مِنْهُ ... وَجُبَارٌ
بِهَا دَمُهُ جُبَارُ) وَقَالَ سليمان بن موسى الجبار
الهدر
وقال بن جُرَيْجٍ الْجُبَارُ فِي كَلَامِ أَهْلِ تِهَامَةَ
الْهَدَرُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعَجْمَاءُ
فَهُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ لَا يَنْطِقُ مِنَ الدَّوَابِّ
كُلِّهَا وَالسِّبَاعِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ كَلْبًا
(يَكَادُ إِذَا أَبْصَرَ الضَّيْفَ مُقْبِلًا ...
يُكَلِّمُهُ مِنْ حُبِّهِ وَهُوَ أَعْجَمُ) وَقَالَ
حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ
(فَلَمْ أَرَ مَحْزُونًا لَهُ مِثْلَ صَوْتِهَا ... وَلَا
عَرَبِيًّا شَاقَهُ صَوْتٌ أَعَجَمَا) وَجُرْحُ
الْعَجْمَاءِ جِنَايَتُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ
الْأَقْضِيَةِ حُكْمُ الْمَوَاشِي وَسَائِرِ الدَّوَابِّ
تَقَعُ فِي الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ لَيْلًا وَنَهَارًا
وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ فَلَا
مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ هُنَا
وَقَالَ مَالِكٌ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ
كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتِ الدَّابَّةُ إِلَّا
أَنْ
(8/142)
تَرْمَحَ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ وَقَدْ قَضَى عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ
بِالْعَقْلِ
قَالَ مالك فالقائد والركب وَالسَّائِقُ أَحْرَى أَنْ
يَغْرَمُوا مِنَ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا فِي
الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ
وَعَلَيْهِ جَرَى فُتْيَا أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِي
الْفُتْيَا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا
أَصَابَتْهُ بِرِجْلِهَا
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا رَكِبَ
رَجُلٌ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ
بِيَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ
إِلَّا النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ وَالنَّفْحَةَ بِالذَّنَبِ
فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا
وَكُلُّ مَا ضَمِنَ فِيهِ الرَّاكِبُ ضَمِنَ فِيهِ
الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ إِلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى
الرَّاكِبِ وَلَيْسَ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ
كَفَّارَةٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا
عَلَى دَابَّةٍ فَمَا أَصَابَتْ بِيَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا
أَوْ فِيهَا أَوْ ذَنَبِهَا مِنْ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ
فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَنْعَهَا فِي تِلْكَ
الْحَالِ مِنْ كُلِّ مَا يُتْلِفُ بِهِ شَيْئًا
قَالَ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا
وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْمُقْطَرَّةُ بِالْبَعِيرِ
لِأَنَّهُ قَائِدٌ لَهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ فِي الْحَدِيثَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجْلُ
جُبَارٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ
طُرُقَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال الرجل جبار
وقال بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتِ
الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا إِذَا كَانَ عَلَيْهَا أَوْ
قَادَهَا أَوْ سَاقَهَا كَمَا يَضْمَنُ مَا أَتَلَفَتْ
بِغَيْرِ رِجْلِهَا
كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ كَقَوْلِ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ مَا
أَصَابَتِ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ
وَيَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا وَمُقَدَّمِهَا إِذَا
كَانَ رَاكِبًا عَلَيْهَا أَوْ قَائِدًا لَهَا أَوْ
سَائِقًا
وذكر بن وهب عن يونس وبن أبي ذئب عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ
(8/143)
قَادَ هَدْيَهُ فَأَصَابَتْ طَيْرًا
فَقَتَلَتْهُ فَقَالَ إِنْ كَانَ يَقُودُهَا أَوْ
يَسُوقُهَا حَتَّى أَصَابَتِ الطَّيْرَ فَقَدْ وَجَبَ
عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا قَتَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
يَقُودُهَا وَلَا يَسُوقُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ جزاء ما
أصابت
وقال بن سِيرِينَ كَانُوا لَا يَضْمَنُونَ مِنَ
النَّفْحَةِ وَيَضْمَنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَحَمَّادٌ لَا يَضْمَنُ النَّفْحَةَ
إِلَّا أَنْ يَنْخَسَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَقَدْ رَوَى
سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الْوَاسِطِيُّ عَنِ الزُّهْرِيُّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الرِّجْلُ جُبَارٌ
إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا
سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الْوَاسِطِيُّ
وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْبَابَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لَا ضَمَانَ عَلَى
أَحَدٍ فِي جُرْحِ الْعَجْمَاءِ بِرِجْلٍ أَوْ مُقَدَّمٍ
وَلَا عَلَى حَالٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ جُرْحَهَا جُبَارًا إِلَّا أَنْ
يَحْمِلَهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُرْسِلَهَا عَلَيْهِ
فَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْآلَةِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا
أَفْسَدَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ إِلَّا
الْقَاصِدُ إِلَى الْإِفْسَادِ دُونَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ
إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيُسَلَّمُ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ
الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ
أَوْ يَصْنَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ
الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ
الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ فِي ذَلِكَ
مِنْ جُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ
عَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِهِ
خَاصَّةً وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى
الْعَاقِلَةِ وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ
لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا غُرْمَ وَمِنْ ذَلِكَ
الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ وَالدَّابَّةُ
يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ فَيَقِفُهَا عَلَى
الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَدَمُهُ هَدْرٌ
وَلَيْسَ عَلَى حَافِرِهَا فِيهِ شَيْءٌ
وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ لِأَحَدٍ
إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ
(8/144)
اللَّهُ - إِذَا حَفَرَهَا فِي مَوْضِعٍ
لَهُ حَفْرُهَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَفْرِ لَهَا فِي
ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُتَعَدِّيًا وَذَلِكَ أَنْ
يَحْفِرَهَا فِي مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا
ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غيره أو في ما لا مِلْكَ لِأَحَدٍ
فِيهِ وَلَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ وَنَحْوِ هذا
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي
الطَّرِيقِ بِئْرًا لِلْمَطَرِ وَالْمِرْحَاضُ يَحْفِرُهُ
إِلَى جَانِبِ حَائِطِهِ وَالْمِيزَابُ وَالظُّلَّةُ وَلَا
يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِذَلِكَ
قَالَ وَمَا حَفَرَهُ فِي الطَّرِيقِ مِمَّا لَا يَجُوزُ
لَهُ حَفْرُهُ ضَمِنَ مَا أَعَطَبَ بِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ
لِسَارِقٍ يَرْصُدُهُ لِيَقَعَ فِيهَا أَوْ وَضَعَ بِهِ
حِبَالَاتٍ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُتْلِفُهُ بِهِ فَعَطِبَ
بِهِ السَّارِقُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَلِكَ إِنَّ عَطِبَ
غَيْرُ السَّارِقِ
وَقَالَ اللَّيْثُ مَنْ حَفَرَ بئرا في داره أو في طَرِيقٍ
أَوْ فِي رَحْبَةٍ لَهُ فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ
فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا حَفَرَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي
رَحْبَةٍ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهَا
قَالَ فَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً عَلَى طَرِيقٍ
فَعَقَرَتْ عَلَى رِبَاطِهَا وَانْفَلَتَتْ فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهَا مَعْلُومًا فَعَسَى أَنْ يَضَمَنَ
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ منها في ماخلا
فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لَا
يَمْلِكُهَا ضَمِنَ مَا عَطِبَ بِهِ
قَالَ وَلَوْ حَفَرَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي طَرِيقٍ
وَاسِعٍ (فَعَطِبَ) بِهِ إِنْسَانٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِلْمُزَنِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
وَلَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يُوقِفَهَا فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ أَوْقَفَهَا فِي مَالِهِ
لَمْ يَضْمَنْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ أَوْقَفَ
دَابَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ مَرْبُوطَةً أَوْ غَيْرَ
مَرْبُوطَةٍ ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا
أَصَابَتْ
وَقَالُوا يَضْمَنُ كُلَّ مَا كَانَ الْعَطَبُ فِيهِ مِنْ
سَبَبِهِ وَفِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْدِثَهُ
فِيهِ أَوْ لَا يَجُوزُ
قَالُوا وَلَيْسَ يُبَرِّئُهُ مَا جَازَ إِحْدَاثُهُ لَهُ
مِنَ الضَّمَانِ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ مَا
عَطِبَ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا
وَيَسِيرَ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يَضْمَنُ
فِي مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يحدثه وإنما اختلفوا في ماله
أَنْ يُحْدِثَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ
(8/145)
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ النَّارُ جُبَارٌ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَصْلُهُ الْبِئْرُ وَلَكِنْ
مَعْمَرٌ صَحَّفَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لم يأت بن مَعِينٍ عَلَى قَوْلِهِ
هَذَا بِدَلِيلٍ وَلَيْسَ هَكَذَا تُرَدُّ أَحَادِيثُ
الثِّقَاتِ
وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حُصَيْنٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ أَحْرَقَ
رَجُلٌ تِبْنًا فِي مُرَاحٍ فَخَرَجَتْ شَرَارَةٌ مِنْ
نَارٍ حَتَّى أَحْرَقَتْ شَيْئًا لِجَارِهِ قَالَ
فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
فَكَتَبَ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَأَرَى
أَنَّ النَّارَ جُبَارٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فِي فَارِسَيْنِ اصْطَدَمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا
يَضْمَنُ الْحَيُّ لِلْمَيِّتِ
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ وَعَطَاءٍ فِيمَنِ
اسْتَعَانَ صَبِيًّا بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ
مَمْلُوكًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ
فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ فَيَجْبِذُ
الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى فَيَخِرَّانِ فِي الْبِئْرِ
فَيَهْلِكَانِ جَمِيعًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي
جَبَذَهُ الدِّيَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا أَظُنُّ فِي هَذَا خِلَافًا -
وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَّا مَا قَالَ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ
مِنْ فِعْلِهِ وَمِنْ سُقُوطِ السَّاقِطِ عَلَيْهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ
يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ
فَيَهْلِكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ
لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ غيره
قال أبو عمر قد روى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ
إِذَا حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ لِيَسْقِيَهَا أَوْ
يُمْسِكَهَا فَأَصَابَتِ الدَّابَّةُ رَجُلًا وَطِئَتْهُ
فَقَتَلَتْهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ
وَلَا تَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الصَّبِيَّ
لَوْ هَلَكَ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهُ لَرَجَعَ عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ صَاحَ بِصَبِيٍّ أَوْ
مَعْتُوهٍ فَسَقَطَ مِنْ صيحته ضمن
(8/146)
وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَزَادَ وَمَا أَرَى
الْكَبِيرَ إِلَّا كَذَلِكَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا أَرْسَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا فِي
حَاجَةٍ فَجَنَى الصَّبِيُّ فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْسَلِ
شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ أَرْسَلَ
مَمْلُوكًا فَجَنَى جِنَايَةً فَهِيَ عَلَى الْمُرْسَلِ
وَرَوَى الْمُعَافَى عَنِ الثَّوْرِيِّ مَنْ أَرْسَلَ
أَجِيرًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنِ اسْتَعْمَلَ أَجِيرًا فِي عَمَلٍ
شَدِيدٍ فَمَاتَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ضَمِنَ
وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ
يَسْتَعْمِلَ الرَّجُلُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ يَقُولُ
اسْقِنِي مَاءً وَنَاوِلْنِي وَضُوءًا وَالصَّبِيُّ
كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَنَتَ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي أَرَى فِي هَذَا كُلِّهِ وَمَا
كَانَ مِثْلَهُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ إِنْ كَانَ
مِقْدَارًا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ لَا
مُبَاشَرَةَ فِيهِ لِلْفَاعِلِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَى
ذَهَابِ النَّفْسِ قَصْدٌ وَلَا عَمْدٌ وَإِنَّمَا هُوَ
السَّبَبُ وَالسَّبَبُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَقَدْ مَضَى مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلْعُلَمَاءِ -
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ
فَيَمُوتَانِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ عَلَى
عاقلته
وقال بن خَوَازْ بَنْدَادَ وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا
السَّفِينَتَانِ تَصْطَدِمَانِ (إِذَا لَمْ يَكُنْ)
لِلنُّوتِيِّ صَرْفُ السَّفِينَةِ وَلَا الْفَارِسِ صَرْفُ
الْفَرَسِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزُفَرُ وَالشَّعْبِيُّ
فِي الْفَارِسَيْنِ إِذَا اصْطَدَمَا فَمَاتَا عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ
صَاحِبِهِ
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّفِينَتَيْنِ
وَالْفَارِسَيْنِ على كل واحد منهما الضَّمَانُ بِقِيمَةِ
مَا أَتْلَفَ لِصَاحِبِهِ كَامِلًا
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
عَقْلٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْقِلُوهُ مَعَ
الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنَ
الدِّيَاتِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ بَلَغَ
الْحُلُمَ مِنَ الرِّجَالِ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي تُلْزَمُهُ
الْعَاقِلَةُ إِنَّ شَاؤُوا وَإِنْ أَبَوْا كَانُوا أَهْلَ
دِيوَانٍ
(8/147)
أَوْ مُقْطَعِينَ وَقَدْ تَعَاقَلَ
النَّاسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ
قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ وَإِنَّمَا كَانَ
الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَيْسَ
لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ
وَمَوَالِيهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ وَلِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
قَالَ مَالِكٌ وَالْوَلَاءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي
الْعَوَاقِلِ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَا ذَكَرَهُ فِي
مُوَطَّئِهِ
وَقَالَ بن الْقَاسِمِ عَنْهُ الدِّيَةُ عَلَى
الْعَوَاقِلِ عَلَى الْغَنِيِّ قَدْرُهُ وَمَنْ دُونَهُ
قَدْرُهُ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ منهم درهم مِنْ مِائَةِ
دِرْهَمٍ وَأَكْثَرَ
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ
أُعْطِيَاتِهِمْ
وَقالَ الثَّوْرِيُّ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ فِي
ثَلَاثِ سِنِينَ أَوَّلُهَا الْعَامُ الذي أصيب فيه وتكون
عنده الْأُعْطِيَةُ عَلَى الرِّجَالِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَقْلُ عَلَى ذَوِي الْأَنْسَابِ
دُونَ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَالْخُلَفَاءِ عَلَى
الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مَنْ بَنِي أَبِيهِ ثُمَّ مِنْ
بَنِي جَدِّهِ ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّ أَبِيهِ فَإِنْ
عَجَزُوا عَنِ الْبَعْضِ حَمَلَ عَنْهُمُ الْمَوَالِي
الْمُعْتِقُونَ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ بَعْضٍ وَلَهُمْ
عَوَاقِلُ عَقَلَتْهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُمْ ذُو نسب ولا مولى أعلى (من المولى) حَمَلَ
الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ وَيَحْمِلُ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ
نِصْفَ دِينَارٍ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ رُبُعَ
دِينَارٍ لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الدِّيَةُ فِي
قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ
دِيوَانِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ يُؤْخَذُ
ذَلِكَ مِنْ أُعْطِيَاتِهِمْ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ
مِنَ الدِّيَةِ مِنْهُمْ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ
أَوْ ثَلَاثَةُ دراهم فإن
(8/148)
أَصَابَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ضَمَّ
إِلَيْهَا أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إِلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ
مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانَ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ لَيْسَ
مَنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فُرِضَتِ الدِّيَةُ عَلَى
عَاقِلَتِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فِي ثَلَاثِ
سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي فَيُؤْخَذُ
فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ
حَوْلٍ وَيُضَمُّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ
مِنْهُمْ فِي النَّسَبِ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنَ
الدِّيَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً
وَقَالَ مُحَمَّدُ بن الحسن يعقل عن الحليف خلفاؤه وَلَا
يَعْقِلُ عَنْهُ قَوْمُهُ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَيْسَ أَهْلُ الدِّيوَانِ
أَوْلَى بِهَا مِنْ سَائِرِ الْعَاقِلَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا
وَحَدِيثًا أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا
تَكُونُ إِلَّا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَكُونُ فِي
أَقَلَّ مِنْهَا
وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا عَلَى الْبَالِغِينَ مِنَ
الرِّجَالِ
وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالْخَبَرِ
أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْمِلُهَا
الْعَاقِلَةُ فَأَقَرَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يَتَعَاقَلُونَ بِالنَّظْرَةِ
ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ
حَتَّى جَعَلَ عُمَرُ الدِّيوَانَ
وَاتَّفَقَ (الْفُقَهَاءُ) عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ
وَالْقَوْلِ بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي
زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ دِيوَانٌ وَأَنَّ عُمَرَ
جَعَلَ الدِّيوَانَ وَجَمَعَ بِهِ النَّاسَ وَجَعَلَ
أَهْلَ كُلِّ جُنْدٍ يَدًا وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ
مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ
وَحَدَّ الْكُوفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي مِقْدَارِ مَا
يَحْمِلُ الْوَاحِدُ مِنَ الْعَاقِلَةِ مِنَ الدِّيَةِ مَا
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْهُمَا
وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَذَلِكَ
عِنْدَهُ عَلَى حَسَبِ طَاقَةِ الْعَاقِلَةِ وَغِنَاهَا
وَفَقْرِهَا يَحْمِلُ الْوَاحِدُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا
يُضَرُّ بِهِ وَمَا يَسْهُلُ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى مِائَةٍ
وَأَزْيَدَ إِذَا سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى أَنَّ
الْعَاقِلَةَ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهُمُ
الْعَصَبَةُ دُونَ أَهْلِ الدِّيوَانِ
وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ وَقَضَى
بِمِيرَاثِهِمْ لِلزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَقَضَى عَلَى سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ إِذْ قَتَلَ
مُسْلِمًا فَظَنَّهُ كَافِرًا بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ
وَعَلَى قَوْمِهِ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ سواء في
من يقدم الدية من الْعَاقِلَةَ مِنَ الْعَصَبَةِ
(8/149)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَقْرَبُ
فَالْأَقْرَبُ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فِي التعصيب حَتَّى
يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى الْأَقْصَى عَلَى مَا قدمنا
عنه
وروى بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ وَقَالَ لَا
يَتَوَلَّى مَوْلًى قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى
الْقَوْمِ مِنْهُمْ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ
كَالنَّسَبِ
وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ
الْحَلِيفَ يَعْقِلُ عَنْ حَلِيفِهِ فَاحْتَجَّ لَهُ
الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِلْفَ
فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا
شِدَّةً
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْمُشْرِكِ الَّذِي رَبَطَهُ في سواري المسجد أحبسك
بجريرة حُلَفَائِكَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ مَعَانِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرًا
فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَذَكَرْنَا مَسَائِلَ مِنْهُ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُ
مَالِكٍ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنَ
الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا
قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا
(8/150)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا
فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي بَابٍ مُتَرْجَمٍ
بِالْقَضَاءِ فِي مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنَ الْبَهَائِمِ
فَلَا مَعْنَى لتكراره
قال مالك في الرجل يكون عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُصِيبُ
حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ
إِلَّا الْفِرْيَةَ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ
قِيلَتْ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَا لَكَ لَمْ تَجْلِدْ مَنِ
افْتَرَى عَلَيْكَ فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمَقْتُولُ
الْحَدَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ ثُمَّ يُقْتَلَ وَلَا
أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ
إِلَّا الْقَتْلَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ
كُلِّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا هُوَ قَوْلُ بن
شِهَابٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَسَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ
وَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا
اجْتَمَعَتِ الْحُدُودُ وَالْقَتْلُ سَقَطَتْ كُلُّهَا
إِلَّا الْقَذْفَ
وَقَالَ مَعْمَرٌ سُئِلَ بن شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ سَرَقَ
ثُمَّ قَتَلَ فَقَالَ تُدْرَأُ الْحُدُودُ كُلُّهَا مَعَ
الْقَتْلِ إِلَّا الْقَذْفَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ فِيمَنْ سَرَقَ ثُمَّ قَتَلَ
يُبْدَأُ بِمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيُقْطَعُ
فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ يُقْتَلُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ
الْقِصَاصَ يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا يَجُوزُ فِي
قَطْعِ السَّرِقَةِ عَفْوٌ
قَالَ وَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ وَهُوَ مُحْصَنٌ رُجِمَ
وَلَمْ يُقْطَعْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمَّا اجْتَمَعَ
حَدَّانِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنِ
الْآخَرِ
وَقَدْ عَدَّهُ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مُنَاقَضَةً
لِقَوْلِهِ إِنَّ حَدَّ اللَّهِ لَا يُسْقِطُهُ الْعَفْوُ
فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي
الْقَطْعِ ها هنا وَلَمْ يَسْقُطْ فِي الِاجْتِمَاعِ مِنَ
الْقَتْلِ
وَقَالَ بن شُبْرُمَةَ إِذَا قَتَلَ وَزَنَى حُدَّ ثُمَّ
قُتِلَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ
سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْقِصَاصِ ثُمَّ قُطِعَتْ
رِجْلُهُ فِي السَّرِقَةِ
قَالَ وَإِنْ سَرَقَ ثُمَّ قَطَعَ يُمْنَى رَجُلٍ قُطِعَتْ
يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ وَغَرِمَ دِيَةَ الْمَقْطُوعِ
يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حُدُودٌ لِلنَّاسِ ثُمَّ
قَتَلَ أُخِذَتْ حُدُودُ النَّاسِ مِنْهُ ثُمَّ قُتِلَ
وَإِنْ
(8/151)
كَانَتْ حُدُودُهُ كُلُّهَا لِلَّهِ -
عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهَا الْقَتْلُ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا
سِوَاهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْمُرْتَدِّ يَجْنِي أَنْ يُقْتَلَ
وَتَبْطُلَ كُلُّ جناية كانت منه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى رَجُلٍ حُدُودٌ وقتل بدىء بِحَدِّ
الْقَذْفِ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ثُمَّ يُجْلَدُ
فِي الزِّنَى ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ
الْيُسْرَى لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَكَانَتْ يَدُهُ
الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعًا
وَرِجْلُهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ يَدِهِ ثُمَّ قُتِلَ
قَوَدًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ
يُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ إِنْ شَاءَ يُحَدُّ لِلزِّنَى
أَوِ السَّرِقَةِ ثُمَّ يُحَدُّ لِلشَّرَابِ أُخْرَى
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى رَجُلٍ
حُدُودٌ وَقَتْلٌ فَمَا كَانَ لِلنَّاسِ فَحُدَّهُ وَمَا
كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - فَدَعْهُ فَإِنَّ الْقَتْلَ
يَمْحُو ذَلِكَ كُلَّهُ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنْ قَطَعَ يد رجل ثم قتله فروى
بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ
يده
وهو قول بن شُبْرُمَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا قَطَعَ
يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَلِلْوَالِي
أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا
وُجِدَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ
غَيْرِهَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ
دَارًا وَلَا مَكَانًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ
الْقَتِيلُ ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ
لِيُلَطَّخُوا بِهِ فَلَيْسَ يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ
ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ
الْأَزْمَعِ قَالَ وُجِدَ قَتِيلٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَ
وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ إِلَيْهِ
فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَيْهِ أَنْ قِسْ مَا بَيْنَ
الْحَيَّيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمْ كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ
بِهِ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ
عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قُتِلَ قَتِيلٌ
بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ هَمْدَانَ بَيْنَ وَادِعَةَ
وَحَيْوَانَ فَبَعَثَ مَعَهُمْ عُمَرُ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ فَقَالَ انْطَلِقْ مَعَهُمْ فَقِسْ مَا بَيْنَ
الْقَرْيَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقْرَبَ فَأَلْحِقْ
بِهِمُ الْقَتِيلَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن
(8/152)
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيًّا
كَانَ إِذَا وَجَدَ الْقَتِيلَ مَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ
قَاسَ مَا بينهما
وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ قَالَ سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت بن
مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى
صَحْبِهِ بِلَيْلٍ وَلَا إِلَى أَمْرٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ
السُّوقِ قَالَ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَّا إِلَى السُّوقِ
فَوُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ فَأَلْزَمَهُ
الْعَقْلَ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيهَا فَإِنَّ مَالِكًا
وَالشَّافِعِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ ذَهَبُوا إِلَى
أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ
فِنَائِهِمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِهِ
حَتَّى تَكُونَ الْأَسْبَابُ الَّتِي شَرَطُوهَا فِي
وُجُوبِ الْقَسَامَةِ
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ
فِي بَابِ الْقَسَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَدْ أَوْجَبَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ
الْقَسَامَةُ مِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ
وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ
فِي قَوْمٍ بِهِ أَثَرٌ كَانَ عَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا
لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَاقِلَةِ
شَيْءٌ إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحَدٍ
قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ عِنْدَنَا
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ اعْتَبَرُوا
إِنْ كَانَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ جَعَلُوهُ عَلَى
الْقَبِيلَةِ أَوْ لَا يَكُونُ بِهِ أَثَرٌ
فَلَا يَجْعَلُهُ عَلَى أَحَدٍ
وَنَذْكُرُ مَذَاهِبَهُمْ وَغَيْرَهُمْ فِي الْمَعْنَى
وَاضِحَةً فِي بَابِ الْقَسَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ
الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا
وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَوْمٍ فَشَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ
عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَإِلَّا أَقْسَمُوا
خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَغَرِمُوا
الدِّيَةَ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ
إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ
وُجِدَ مَقْتُولًا فِي دَارِ قَوْمٍ فَقَالُوا طَرَقَنَا
لِيَسْرِقَنَا وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ بَلْ كَذَبُوا بَلْ
دَعَوْهُ إِلَى مَنْزِلِهِمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَحْلِفُ
أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ خَمْسِينَ يَمِينًا إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ مَا جَاءَ لِيَسْرِقَهُمْ وَمَا دَعَوْهُ
إِلَّا دُعَاءً ثُمَّ قَتَلُوهُ فَإِنْ حَلَفُوا أُعْطَوُا
الْقَوَدَ وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ
خَمْسُونَ بِاللَّهِ لَطَرَقَنَا لِيَسْرِقَنَا ثُمَّ
عَلَيْهِمُ الدِّيَةُ
قَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ بَرَّأَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ بِالْيَمِينِ وَهُمُ
الْمُدَّعُونَ وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ عَنْ عِرَاكِ
بْنِ مَالِكٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ رضي
(8/153)
اللَّهُ عَنْهُ وَمُوَافَقَةٌ مِنْهُ
لِحَدِيثِ الْحَارِثِيِّنَ مِنَ الْأَنْصَارِ حُوَيِّصَةَ
وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قَتِيلِهِمْ بخيبر
ذكر بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ فِي كِتَابٍ
لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا فِي
الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ أَنَّ
الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ
نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا فَإِنْ
نَكَلَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا كَانَتِ الدِّيَةُ
نِصْفَيْنِ نِصْفٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَنِصْفٌ
يُبْطِلُهُ أَهْلُ الدَّعْوَةِ إِذَا كَرِهُوا أَنْ
يَسْتَحِقُّوا بِأَيْمَانِهِمْ
قَالَ مَالِكٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا
فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ لَا
يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ إِنَّ أَحْسَنَ مَا
سُمِعَ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ الْعَقْلَ وَأَنَّ عَقْلَهُ
عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ وَإِنْ كَانَ
الْقَتِيلُ أَوِ الْجَرِيحُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ
فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ
سُمِعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا
وَالِاخْتِلَافُ أَنْ يَسْمَعَ دَعْوَى أَوْلِيَاءِ
الْمَقْتُولِ ثُمَّ يَحْكُمُ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ عَلَى
كُلِّ مَذْهَبِهِ فِي مَا تُوجِبُهُ الْقَسَامَةُ مِنَ
الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَدِيٍّ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْمٍ
تَنَاضَلُوا وَأَصَابُوا إِنْسَانًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ
أَصَابَهُ قَالَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ
قال وحدثني محمد بن بكر عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ
أَتَى حَجَرٌ عَابِرٌ في إمارة مروان فأصاب بن نِسْطَاسٍ
عَمَّ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ لَا
يُعْلَمُ مَنْ صَاحِبُهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَضَرَبَ
مَرْوَانُ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَلَيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي قَتِيلِ
الزِّحَامِ بِالدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ وَهْبِ
بْنِ عُقْبَةَ الْعِجْلِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ
الْهَمْدَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
فِي الْمَسْجِدِ فِي الزِّحَامِ فَجَعَلَ عَلِيٌّ دِيَتَهُ
فِي بَيْتِ الْمَالِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ
الْأُسُودِ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ
عُمَرُ عَلِيًّا فَقَالَ مِنْ بيت المال
(8/154)
وَذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي وَهْبُ
بْنُ عُقْبَةَ وَمُسْلِمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ
سَمِعَاهُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ أَنَّ النَّاسَ
ازْدَحَمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَفْرَجُوا عَنْ قَتِيلٍ فَوَدَاهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
قَالَ وَكِيعٌ وَحَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ أَنْ رَجُلًا قُتِلَ فِي الطَّوَافِ
فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - دِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ
قَالَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَنْ قُتِلَ فِي
زِحَامٍ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَنْ
حَضَرَ ذَلِكَ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ وَدَاهُ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ
الْمَالِ فَحَسَنٌ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
(19 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ)
1617 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ
نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ
قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ وَقَالَ عُمَرُ لَوْ تَمَالَأَ
عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَ أَهْلِ
صَنْعَاءَ مَوْجُودٌ مَعْرُوفٌ
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا
قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنَا زِيَادُ
بْنُ جَبَلٍ عَمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ قَالَ كَانَتِ
امْرَأَةٌ مِنْ صَنْعَاءَ لَهَا رَبِيبٌ فَغَابَ عَنْهَا
زَوْجُهَا وَكَانَ رَبِيبُهَا عِنْدَهَا وَكَانَ لَهَا
خَلِيلٌ فَقَالَتْ إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ فَاضِحُنَا
فَانْظُرُوا كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهِ فتمالؤوا عليه وهم
سبعة مع المرأة قال قُلْتُ كَيْفَ تَمَالَؤُوا عَلَيْهِ
قَالَ لَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَعْطَاهُ
شَفْرَةً قَالَ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ
بِغُمْدَانَ
قَالَ فَفُقِدَ الْغُلَامُ فَخَرَجَتِ امْرَأَةُ أَبِيهِ
تَطُوفُ عَلَى حِمَارٍ - وَهِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ مَعَ
الْقَوْمِ وَهِيَ تَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُخْفِ دَمَ
أَصِيلٍ
قَالَ وَخَطَبَ يَعْلَى النَّاسَ فَقَالَ انْظُرُوا هَلْ
تُحِسُّونَ بِهَذَا الْغُلَامِ أَوْ يُذْكَرُ لَكُمْ
(8/155)
قَالَ فَمَرَّ رَجُلٌ بِبِئْر غُمْدَانَ
بَعْدَ أَيَّامٍ فَإِذَا هُوَ بِذُبَابٍ أَخْضَرَ يَطْلُعُ
مَرَّةً مِنَ الْبِئْرِ وَيَهْبِطُ أُخْرَى فَأَشْرَفَ
عَلَى الْبِئْرِ فَوَجْدَ رِيحًا أَنْكَرَهَا فَأَتَى
يَعْلَى فَقَالَ مَا أَظُنُّ إِلَّا قَدْ قَدَرْتُ لَكُمْ
عَلَى صَاحِبِكُمْ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ فَخَرَجَ
يَعْلَى حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْبِئْرِ وَالنَّاسُ مَعَهُ
قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي قَتَلَهُ صَدِيقُ
الْمَرْأَةِ دَلُّونِي بِحَبْلٍ فَدَلُّوهُ فَأَخَذَ
الْغُلَامَ فَغَيَّبَهُ فِي سِرْبٍ مِنَ الْبِئْرِ ثُمَّ
قَالَ ارْفَعُونِي فَرَفَعُوهُ وَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ
عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ الْقَوْمُ الرِّيحُ الْآنَ أَشَدُّ
مِنْهَا حِينَ جِئْنَا فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ دَلُّونِي
فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُدَلُّوهُ أَخَذَتِ الْآخَرَ
رِعْدَةٌ فَاسْتَوْثَقُوا مِنْهُ وَدَلُّوا صَاحِبَهُمْ
فَلَمَّا هَبَطَ فِيهَا اسْتَخْرَجَهُ فَرَفَعُوهُ
إِلَيْهِمْ ثُمَّ خَرَجَ فَاعْتَرَفَ الرَّجُلُ خَلِيلُ
الْمَرْأَةِ وَاعْتَرَفَتِ الْمَرْأَةُ وَاعْتَرَفُوا
كُلُّهُمْ فَكَتَبَ فِيهِمْ يَعْلَى إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ
إِلَيْهِ أَنِ اقْتُلْهُمْ فلو تمالأ عليه أَهْلُ
صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ قَالَ فَقَتَلَ السَّبْعَةَ
قَالَ وأخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ
بِالْيَمَنِ لَهَا سَبْعَةُ أَخِلَّاءَ فَقَالَتْ لَا
تَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تقتل بن بَعْلِهَا
فَقَالُوا أَمْسِكِيهِ لَنَا عِنْدَكِ فَأَمْسَكَتْهُ
فَقَتَلُوهُ عِنْدَهَا وَأَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ فَدَلَّ
عَلَيْهِ الذُّبَابُ فَاسْتَخْرَجُوهُ فَاعْتَرَفُوا
بِقَتْلِهِ فَكَتَبَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ بِشَأْنِهِمْ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنِ
اقْتُلِ الْمَرْأَةَ وَإِيَّاهُمْ فَلَوْ قَتَلَهُ أَهْلُ
صنعاء أجمعون قتلتهم به
وقال بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ أَنَّ حَيَّ بْنَ
يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى يُخْبِرُ هَذَا
الْخَبَرَ قَالَ اسْمُ الْمَقْتُولِ أَصِيلٌ وَذَكَرَ
مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ فِي هَذَا
الْبَابِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَلَمْ يَقُلْ
فِيهِ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ
أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ وَقَالَ لَوِ اشْتَرَكَ فِيهِ
أَهْلُ صنعاء لقتلتهم
وَلَمْ يَذْكُرْ غِيلَةً
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا
الثَّوْرِيُّ عَنِ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ رُفِعَ إِلَى عُمَرَ سَبْعَةٌ لَمْ يَقُلْ فِيهِ
أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ
وَكَذَلِكَ رواية بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ
قَالَ سُفْيَانُ وَبِهِ نَأْخُذُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
قَتْلَ غِيلَةٍ غَيْرُ مَالِكٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(8/156)
وَالْقِصَّةُ وَقَعَتْ بِصَنْعَاءَ
وَعَالِمُ صَنْعَاءَ مَعْمَرٌ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ قَدْ
ذَكَرُوا الْخَبَرَ عَلَى غَيْرِ قَتْلِ الْغِيلَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَتْلِ
الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فَقَالَ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَاللَّيْثُ وَمَالُكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمْ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ إِذَا قَتَلُوهُ
كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ إِذَا اشْتَرَكَتْ فِي
قَتْلِ الْوَاحِدِ
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالْمُغِيرَةِ
بْنِ شعبة وبن عباس رضي الله عنهم
قال بن عباس لو أن مائة قتلوا واحد قتلوا به
وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ
وَأَبُو سَلَمَةَ وَالْحَسَنُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى
وَقَالَ دَاوُدُ لَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ
وَلَا يُقْتَلُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أكثر من واحد
وهو قول بن الزبير
ذكر عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
قَالَ كَانَ بن الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا
يَقْتُلَانِ مِنْهُمْ إِلَّا وَاحِدًا وَمَا عَلِمْتُ
أَحَدًا يَقْتُلُهُمْ جَمِيعًا إِلَّا مَا قَالُوا فِي
عُمَرَ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ مُوسَى عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ
دُهْلِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لِعُمَرَ لَيْسَ
لَكَ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَيْنِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَبِهِ قَالَ محمد بن سيرين وبن شِهَابٍ وَالزُّهْرِيُّ
وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ
قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُقْتَلُ
الرَّجُلَانِ بِالرَّجُلِ وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اضْطَرَدَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ
وَدَاوُدَ فِي أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَلَا
يُقْتَلُ رَجُلَانِ بِرَجُلٍ
وَكَذَلِكَ اضْطَرَدَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ فِي أَنَّهُ
تُقْطَعُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَدَانِ وَأَكْثَرُ إِذَا
اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ الْيَدِ الواحدة كما تقتل الجماعة
بالواحد وإذا اقتلوه معا
(8/157)
وَتَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
فَقَالُوا لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ
الْأَعْضَاءِ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ
بِالْوَاحِدِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ النَّفْسَ لَا
تَتَجَزَّأُ وَالْيَدَ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ تَتَجَزَّأُ
وَإِنَّمَا قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ
الْعُضْوِ فَمُحَالٌ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ عُضْوٌ كَامِلٌ
وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَامِلًا
1618 - مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ سعد بن زُرَارَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ
دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ
قَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ
وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ
(وَلَقَدْ علموا لمن اشتره مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
خَلَاقٍ) الْبَقَرَةِ 102 فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ
إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ حَفْصَةَ وَعَنْ نافع عن بن عمر
روى بن عُيَيْنَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ نَافِعًا
يُحَدِّثُ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَتَلَتْ جَارِيَةً
لَهَا سَحَرَتْهَا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَوْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
عن بن عُمَرَ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا
وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَأَمَرَتْ بِهَا عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَتَلَهَا
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ فَقَالَ بن عُمَرَ
مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنِ امْرَأَةٍ
سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ فَسَكَتَ عُثْمَانُ
وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ
خِلَافٌ لِحَفْصَةَ إِلَّا أَنَّهُ رَمَاهُ بِآخِرَةٍ مِنْ
كِتَابِهِ فَلَيْسَ عِنْد يَحْيَى وَطَائِفَةٍ مَعَهُ مِنْ
رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ
وَأَثْبَتَ حَدِيثَ حَفْصَةَ لِأَنَّهُ الَّذِي يَذْهَبُ
إِلَيْهِ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ
رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عُمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ جَارِيَةً
لَهَا عَلَى دُبُرٍ مِنْهَا ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ
مَرِضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَدَخَلَ
عَلَيْهَا سَنَدِيُّ فَقَالَ إِنَّك مَطْبُوبَةٌ فَقَالَتْ
مَنْ طَبَّنِي فَقَالَ
(8/158)
امْرَأَةٌ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا
وَفِي حِجْرِهَا صَبِيٌّ قَدْ بَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ
ادْعُ لِي فُلَانَةَ لِجَارِيَةٍ لَهَا تَخْدِمُهَا
فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ جِيرَانٍ لَهَا فِي حِجْرِهَا
صَبِيٌّ قَدْ بَالَ فَقَالَتْ حَتَّى أَغْسِلَ بَوْلَ
الصَّبِيِّ فَغَسَلَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَقَالَتْ لَهَا
عَائِشَةُ سَحَرْتِنِي قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَتْ لِمَ
قَالَتْ أَحْبَبْتُ الْعِتْقَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ
أَحْبَبْتِ الْعِتْقَ فَوَاللَّهِ لَا تُعْتَقِنَّ أَبَدًا
فَأَمَرَتْ عائشة بن أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ
الْأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مِلْكَتَهَا ثُمَّ قَالَتْ
ابْتَعْ لِي بِثَمَنِهَا رَقَبَةً حَتَّى أُعْتِقَهَا
فَفَعَلَتْ
قَالَتْ عَمْرَةُ فَلَبِثَتْ عَائِشَةُ مَا شَاءَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ فِي
النَّوْمِ أَنِ اغْتَسِلِي مِنْ ثَلَاثِ آبَارٍ يَمُرُّ
بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فَإِنَّك تَشْفِينَ قَالَتْ عَمْرَةُ
فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ فَذَكَرَتْ لهما الذي رأت فانطلقا
إلى قباء فوجدوا آبَارًا ثَلَاثًا يَمُدُّ بَعْضُهَا
بَعْضًا فَاسْتَقَوْا مِنْ كُلِّ بِئْرٍ مِنْهَا ثَلَاثَ
شَخْبٍ حَتَّى مُلِئَ الشَّخْبُ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثُمَّ
أَتَوْا بِهِ عَائِشَةَ فَاغْتَسَلَتْ بِهِ فَشُفِيَتْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا بَيْعُ
الْمُدَبَّرِ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتِي بِهِ
فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ إِذَا تَخَلَّفَ عَنْ مَوْلَاهُ
وَأَحْدَثَ أَحْدَاثًا قَبِيحَةً لَا تُرْضَى
وَفِيهِ أَنَّ السِّحْرَ حَقٌّ وَأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي
الْأَجْسَامِ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يُؤْمَنْ مِنْهُ
ذَهَابُ النَّفْسِ
وَفِيهِ أَنَّ الْغَيْبَ تُدْرَكُ مِنْهُ أَشْيَاءُ
بِدُرُوبٍ مِنَ التَّعْلِيمِ فَسُبْحَانَ مَنْ عِلْمُهُ
بِلَا تَعَلُّمٍ وَمَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ حَقِيقَةً لَا
كَمَا يَعْلَمُهُ مَنْ يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى
تَخَرُّصًا وَتَظَنُّنًا
وَفِيهِ إِثْبَاتُ (النُّشْرَةِ) وَأَنَّهَا قَدْ
يُنْتَفَعُ بِهَا وَحَسْبُكَ مَا جَاءَ مِنْهَا فِي
اغْتِسَالِ الْعَائِنِ لِلْمُعِينِ
وَفِيهِ أَنَّ السَّاحِرَ لَا يُقْتَلُ إِذَا كَانَ
عَمَلُهُ مِنَ السِّحْرِ مَا لَا يُقْتَلُ
حَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ حِبَّانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ
سَحَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَاشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ أَيَّامًا فَأَتَاهُ
جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ عَقَدَ
لَكَ عُقَدًا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فَاسْتَخْرَجَهَا وَجَاءَ بِهَا وَجَعَلَ
كُلَّمَا حَلَّ عُقْدَةً وَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً قَالَ
فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ
(8/159)
عِقَالٍ فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا
أَرَاهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْيَهُودِيُّ لَبِيدُ بْنُ
الْأَعْصَمِ وَحَدِيثُهُ فِيهِ طُولٌ مِنْ رِوَايَةِ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فِي قَتْلِ
السَّاحِرِ فَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَيْسِ بْنِ
سَعْدٍ وجندب - رجل من الصحابة
روى بن عيينة عن سالم بن الجعد عن بن دِينَارٍ أَنَّ
قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَانَ أَمِيرًا عَلَى
مِصْرَ فَكَانَ سِرُّهُ يَفْشُو فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَقَالَ مَا هَذَا فَقِيلَ له إن ها هنا رَجُلًا سَاحِرًا
فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّا لَا نَعْلَمُ
مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى يُفْتَحَ فَإِذَا فُتِحَ
عَلِمْنَا مَا فِيهِ فَأَمَرَ بِهِ قَيْسٌ فَقُتِلَ
وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَعْوَرِ عن عكرمة عن
بن عَبَّاسٍ قَالَ عِلْمُ السِّحْرِ فِي قَرْيَةٍ مِنْ
قُرَى مِصْرَ يُقَالُ لَهَا الْغُرَمَاءُ
وَسُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ أَنَّ سَاحِرًا
كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ يَمْشِي عَلَى
الْجَبَلِ وَيَدْخُلُ فِي اسْتِ الْحِمَارِ وَيَخْرُجُ
مِنْ فِيهِ فَاشْتَمَلَ لَهُ جُنْدَبٌ عَلَى السَّيْفِ
فَقَتَلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ جُنْدَبٍ هَذَا
فِي قَتْلِهِ لِلسَّاحِرِ بَيْنَ يَدَيِ الْوَلِيدِ مِنْ
طُرُقٍ فِيهَا بَيَانٌ شَافٍ مِنْ كِتَابِ الصَّحَابَةِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ
بِالسَّيْفِ إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقُوِيِّ
انْفَرَدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَكَذَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدَبٍ
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ
تِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ
الْأَعْرَابِيُّ فِي مَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ سَنَةَ
أَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّيَّاحِ
الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِأَنَّهُ سَمِعَ
بَجَالَةَ قَالَ كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمر الْأَحْنَفِ
بْنِ قَيْسٍ فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ
بِسَنَةٍ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ وَفَرِّقُوا
بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث
(8/160)
سَوَاحِرَ وَجَعَلَنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَبَيْنَ حَرِيمَتِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا فَدَعَى الْمَجُوسَ
وَعَرَضَ السَّيْفَ عَلَى فَخِذِهِ فألقوا وكر بَغْلٍ أَوْ
بَغْلَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ
وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ
حَتَّى شَهِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر
وروى معمر وبن عيينة وبن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ بَجَالَةَ يُحَدِّثُ أَبَا
الشَّعْثَاءِ وَعَمْرَو بْنَ أَوْسٍ عِنْدَ صُفَّةِ
زَمْزَمَ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ
كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عمر
الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَأَتَى كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ
مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ
وَسَاحِرَةٍ وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس
وَانْهَوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ وَذَكَرَ تَمَامَ
الْخَبَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ يُقْتَلُ السَّاحِرُ اتِّبَاعًا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَبِنَحْوِ
مَا نَزَعَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَأَبَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ
وَدَاوُدُ فَقَالَا لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِلَّا أَنْ
يُقِرَّ أَنَّ مِنْ عَمَلِهِ مَاتَ الْمَسْحُورُ فَإِنْ
قَالَ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ قَالَ عَمَلِي هَذَا قَدْ
أُخْطِئُ بِهِ الْقَتْلَ وَأُصِيبُ وَقَدْ مَاتَ مِنْ
عَمَلِي قَوْمٌ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ
فَإِنْ قَالَ مَرِضَ قَوْمٌ مِنْ سِحْرِي وَلَمْ تَمُتْ
أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ
وَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ
وَقَالَ دَاوُدُ لَوْ قَالَ السَّاحِرُ أَنَا أَتَكَلَّمُ
بِكَلَامٍ أَقْتُلُ بِهِ لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ لِأَنَّ
الْكَلَامَ لَا يَقْتُلُ بِهِ أَحَدٌ أَحَدًا كَمَا لَا
يُحْيِي بِهِ أَحَدٌ أَحَدٌا وَقَدْ جَاءَ بِمُحَالٍ
خَارِجٍ عَنِ الْعَادَاتِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ السِّحْرَ لَا شَيْءَ فِي حَقِيقَتِهِ
مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَخَيُّلٌ يَتَخَيَّلُ
الْإِنْسَانُ (الشَّيْءَ) عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ بِهِ
وَاحْتَجَّ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
أَنَّهَا تَسْعَى) طه 66 وَبِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ
كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ حِينَ سَحَرَهُ لَبِيدُ بن
الأعصم
(8/161)
وَفِي تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ لَبِيدِ بْنِ
الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَحَرَهُ دَلِيلٌ
وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَتْلَ السَّاحِرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْلَى مِنْ
جِهَةِ الِاتِّبَاعِ وَأَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ
الصَّحَابَةِ إِلَّا عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لَمْ تَرَ
قَتْلَ السَّاحِرِ
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّاحِرَ يَقْلِبُ الْحَيَوَانَ
مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ فَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ
حِمَارًا أَوْ نَحْوَهُ وَيَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ
الْأَجْسَامِ وَهَلَاكِهَا وَتَبْدِيلِهَا فَإِنَّهُ يَرَى
قَتْلَ السَّاحِرِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ بِالْأَنْبِيَاءِ
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَدَّعِي مِثْلَ آيَاتِهِمْ
وَمُعْجِزَاتِهِمْ وَلَا يَتَهَيَّأُ مَعَ هَذَا عِلْمُ
صِحَّةِ النُّبُوَّةِ إِذْ قَدْ يَحْصُلُ مِثْلُهَا
بِالْحِيلَةِ
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ السِّحْرَ خِدَعٌ وَمَخَارِقُ
وَتَمْوِيهَاتٌ وَتَخَيُّلَاتٌ فَلَا يَجِبُ عَلَى
أَصْلِهِ قَتْلُ السَّاحِرِ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ
بِفِعْلِهِ أَحَدًا فَيُقْتَلُ بِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا حديث بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنِ
اقْتَبَسَ بَابًا مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ فَقَدِ اقْتَبَسَ
شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ مَا زَادَ زَادَ وَمَا زَادَ
زَادَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ كَثِيرًا
وَفِي المبسوط روى بن نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي
الْمَرْأَةِ تُقِرُّ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ
نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهَا
تُنَكَّلُ وَلَا تُقْتَلُ
قَالَ وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَدِمَاءُ الْمُؤْمِنِينَ
مَحْظُورَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِيَقِينٍ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(20 - بَابُ مَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ)
1619 - مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى
عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ
مَرْوَانَ أَقَادَ وَلِيَّ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ
بِعَصًا فَقَتَلَهُ وَلِيُّهُ بِعَصًا
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي
لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا
ضَرَبَ الرَّجُلَ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ
ضَرْبَةٍ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ
الْعَمْدُ وَفِيهِ القصاص
(8/162)
قَالَ مَالِكٌ فَقَتْلُ الْعَمْدِ
عِنْدَنَا أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ
فَيَضْرِبُهُ حَتَّى تَفِيظَ نَفْسُهُ وَمِنَ الْعَمْدِ
أَيْضًا أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلَ فِي النَّائِرَةِ تَكُونُ
بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَهُوَ حَيٌّ
فَيُنْزَى فِي ضَرْبِهِ فَيَمُوتُ فَتَكُونُ فِي ذَلِكَ
الْقَسَامَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْقَوَدُ بِعَصًا مِنَ
الْقَاتِلِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَدِيمًا الْعُلَمَاءُ
فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مَا ذَكَرَهُ بن القاسم
وبن وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ قَالَ إِنْ
قَتَلَهُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِالنَّارِ أَوْ
بِالتَّغْرِيقِ قُتِلَ بِمِثْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ
فَلَا يَزَالُ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا قَتَلَهُ
بِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِنْ زَاد عَلَى فِعْلِ الْقَاتِلِ
الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ
وَطُولٌ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ
وَبَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافٌ
فِي النَّارِ وَغَيْرِهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ
يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ
وَإِنْ حَبَسَهُ بِلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى مَاتَ
حُبِسَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ
قُتِلَ بِالسَّيْفِ
قَالَ وَكَذَلِكَ التَّغْرِيقُ إِذَا أَلْقَاهُ فِي
مَهْوَاةٍ بَعِيدَةٍ
قَالَ وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَ
بِهِ الْوَلِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنْ مات وإلا قتله
بالسيف
وقال بن شُبْرُمَةَ يُضْرَبُ مِثْلَ مَا ضَرَبَهُ وَلَا
يُضْرَبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ
الْمُثْلَةَ وَيَقُولُونَ السَّيْفُ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ
كُلِّهِ وَإِنْ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ غُمِسَ
أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ
قَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ
وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ مَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدٌ قَالَ
حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ
امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَرَضَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ بحجر
(8/163)
أَوْ قَالَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عندنا أن الرجل إذا اضرب
رَجُلًا بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَمَاتَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُوَ الْعَمْدُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ فَهَذَا
مِنْهُ نَفْيٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ
وَالْقَتْلُ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ
لَا ثَالِثَ لَهُمَا
وَقَتِيلُ الْحَجَرِ وَالْعَصَا عِنْدَهُ وَغَيْرِهِمَا
سَوَاءٌ إِذَا وَقَعَ الْعَمْدُ من الضارب بهما
قال بن الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ شِبْهُ
الْعَمْدِ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَمْدٌ وَخَطَأٌ لَمْ
أَجِدْ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَمْرُ
عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى نَفْيِهِ
وَدَفْعِهِ لِشِبْهِ الْعَمْدِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى
ذَلِكَ تَابَعَهُمَا
قَالَ مَالِكٌ الْعَمْدُ مَا عَمَدَ بِهِ إِنْسَانٌ آخَرُ
وَلَوْ ضَرَبَهُ بِأُصْبُعِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ دُفِعَ
إِلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ
إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ أَنَّهُمَا قَالَا الضَّرْبُ
بِالْحَجَرِ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَحَمَّادٍ فِي الْعَصَا
مِثْلُ ذَلِكَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ الضَّرْبُ بِالْعَصَا عَمْدٌ إِذَا
قَتَلَتْ صَاحِبَهَا قُتِلَ الضَّارِبُ
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ يَعْمِدُ الرَّجُلُ
الْآبِدُ الشَّدِيدُ إِلَى الصَّخْرَةِ أَوِ الْخَشَبَةِ
فَيَشْرُخُ بِهَا رَأْسَ الرَّجُلِ وَأَيُّ عَمْدٍ
أَعْمَدُ مِنْ هَذَا
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ يَعْتَمِدُ
أَحَدُكُمْ إِلَى أَرْضِهِ فَيَضْرِبُهُ بِمِثْلِ
(8/164)
أَكَلَةِ اللَّحْمِ لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ
فَعَلَ ذَلِكَ فَقَتَلَ إِلَّا أَقَدْتُهُ مِنْهُ
رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جَزَرَةَ بْنِ حُمَيْدٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَمِعَهُ يَقُولُ لَا
يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ بِمِثْلِ أَكَلَةِ اللَّحْمِ
ثُمَّ يَرَى أَلَّا قَوَدَ عَلَيْهِ وَاللَّهِ لَا آخُذُ
رَجُلَا فَعَلَ ذلك إلا أقدت منه
ورواه حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ وَإِسْرَائِيلُ وَشَرِيكٌ
عَنْ زَيْدِ بن حبير
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي حُمَيْدٍ جَمِيلٌ وَالصَّوَابُ
عِنْدَهُمْ حَمِيلٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ دِيَةِ
الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا شِبْهَ
الْعَمْدِ وَقَضَوْا فِيهِ بِالدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ
وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ
فِيهَا
وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ
التَّابِعِينَ فِي مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا اخْتِلَافُهُمْ
فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ الْأَشْجَعِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ شِبْهُ
الْعَمْدِ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ
بِبُنْدُقَةٍ فَيَمُوتُ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً
وَلَا قَوَدَ
وَالْعَمْدُ مَا كَانَ بِسِلَاحٍ وَفِيهِ الْقَوَدُ
قَالَ وَالنَّفْسُ تَكُونُ فِيهَا الْعَمْدُ وَشِبْهُ
الْعَمْدِ وَالْخَطَأُ وَلَا يَكُونُ فِي الْجِرَاحَاتِ
إِلَّا خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دكين عن الثوري قال
إذا أخذا عُودًا أَوْ عَظْمًا فَجَرَحَ بِهِ بَطْنَ
إِنْسَانٍ فَمَاتَ فَهَذَا شِبْهُ عَمْدٍ لَيْسَ فِيهِ
قَوَدٌ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ هُوَ أَنْ
يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ بِسَقْطٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً
فَيَمُوتُ مِنْهَا فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ
قَالَ وَإِنَّ ثَنَّى بِالْعَصَا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ
مِنَ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ
فَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنَ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ
مَكَانَهُ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا
قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي
قَالَ وَالْخَطَأُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَقَالَ أَبُو حنيفة شبه العمده كُلُّ مَا عَدَا
الْحَدِيدَ أَوْ لِيطَةَ الْقَصَبِ أَوِ النَّارَ
قَالَ فَإِنْ قَتْلَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ لِيطَةِ قَصَبٍ
أَوْ بِالنَّارِ فَهُوَ عَمْدٌ وَفِيهِ القصاص
(8/165)
وَمَا سِوَى ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ
وَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ التَّغْلِيظُ عِنْدَهُ
إِلَّا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ خَاصَّةً دُونَ عَدَدِهَا
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ
فِي بَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ
وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عِنْدَهُ شِبْهُ عَمْدٍ
وَبِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ فَجَرَحَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ
فَعَلَيْهِ القصاص إذا أمكن فإن لم يمكن فَفِيهِ الدِّيَةُ
مُغَلَّظَةً إِذَا كَانَتْ مِنَ الْإِبِلِ تُسْقِطُ مَا
يَجِبُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا
لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ كَاللَّطْمَةِ الْوَاحِدَةِ
وَالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ بِالسَّوْطِ
(قَالَا) وَلَوْ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ جُمْلَتُهُ مَا
يَقْتُلُ كَانَ عَمْدًا وَفِيهِ الْقِصَاصُ بِالسَّيْفِ
قَالَا وَكَذَلِكَ إِذَا عَرَفَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ
الْخَلَاصُ مِنْهُ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ إِلَّا أَنَّ
الْبَتِّيَّ يَجْعَلُ دِيَةَ شبه العمد في ماله
وقال بن شُبْرُمَةَ مَا كَانَ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ
فَإِنَّهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ يُبْدَأُ بِمَالِهِ
فَيُؤْخَذُ حَتَّى لَا يُتْرَكَ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ
يَتِمَّ ذَلِكَ كَانَ مَا بَقِيَ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى
عَاقِلَتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا كَانَ عَمْدًا
فِي الضَّرْبِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ
يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ عَمُودٍ خَفِيفٍ أَوْ بِحَجَرٍ
لَا يَشْرُخُ مِثْلُهُ أَوْ بِحَدِّ سَيْفٍ لَمْ
يَجْرَحْهُ بِهِ وَأَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ
قَرِيبٍ مِنَ الْبَرَهِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ
مَا الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنْ
مِثْلِهِ فَمَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى
الْعَاقِلَةِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ
عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ
ثُلُثُهَا
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ وَمَذَاهِبَهُمْ فِي
أَسْنَانِ الْإِبِلِ وَفِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي
بَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ كَثِيرًا
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَتْلُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا
أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ
حَتَّى تَفِيضَ نَفْسُهُ فَهَذَا مَا لَا خِلَافَ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ فِيهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِنَ الْعَمْدِ أَيْضًا أَنْ يَضْرِبَ
الرَّجُلَ فِي النَّائِرَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ
يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُنْزَى فِي ضَرْبِهِ
فَيَمُوتُ فَتَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةُ
فَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقَسَامَةِ وَتَأْتِي فِي
مَوْضِعِهَا إِنَّ شَاءَ اللَّهُ
(8/166)
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ
يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ
بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ وَالنِّسَاءُ
بِالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَالْعَبِيدُ بِالْعَبْدِ كَذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي
صَدْرِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ وَقَدْ
مَضَى هُنَالِكَ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ
فِيهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
(21 - بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ)
1620 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ
الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
يَذْكُرُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنِ اقْتُلْهُ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي
ارْتَكَبَهَا بِشُرْبِ الْخَمْرِ لِتُزِيلَ عَنْهُ
الْقِصَاصَ
وَقَدْ مَضَى اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ هَلْ يُقَامُ
عَلَيْهِ حَدُّ السُّكْرِ مَعَ الْقَتْلِ أَمِ الْقَتْلُ
يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ فِي السَّكْرَانِ يَسْرِقُ وَيَقْتُلُ قَالَ
تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ كُلُّهَا
قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ
الْآيَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) الْبَقَرَةِ 178
فَهَؤُلَاءِ الذُّكُورُ (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى)
الْبَقَرَةِ 178 أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بَيْنَ
الْإِنَاثِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةُ
الْحُرَّةُ تُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا يُقْتَلُ
الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْأَمَةُ تُقْتَلُ بِالْأَمَةِ كَمَا يُقْتَلُ
الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ
النِّسَاءِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْقِصَاصُ
أَيْضًا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ
بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الْمَائِدَةِ 45
فَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ بِنَفْسِ
الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) الْبَقَرَةِ 178
فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ
بِالْحُرِّ وَعَلَى أَنَّ الْأُنْثَي تُقْتَلُ بِالذَّكَرِ
(8/167)
وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ
الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ
إِنْ قَتَلَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ بِهَا
أَدَّوْا نِصْفَ الدِّيَةِ إِنْ شاؤوا وَإِلَّا أَخَذُوا
الدِّيَةَ
وَلَا يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى حَتَّى يُؤَدُّوا
نِصْفَ الدِّيَةِ
رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ) وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَلْقَ
عَلِيًّا
وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ
قَالَ إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مُتَعَمِّدًا
فَهُوَ بِهَا قَوَدٌ
وَهَذَا يُعَارِضُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ
الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا تُقْتَلُ
الْمَرْأَةُ بِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الْمَائِدَةِ 45 وَلِقَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ
وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَا رَسُولُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا
ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى
وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مُخَالَفَةً لِكِتَابِ اللَّهِ
(عَزَّ وَجَلَّ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ
عَلَى تَحْرِيفِ التَّأْوِيلِ لِكِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ
وَجَلَّ) بَلِ الْكِتَابُ وَالسَّنَّةُ بَيَّنَا مُرَادَ
قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَوْلِهِ (الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى
بِالْأُنْثَى) الْبَقَرَةِ 178 وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ
ذَلِكَ خِلَافًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ
قَالَ أَحَدٌ إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِحُرٍّ وَلَا
تُقْتَلُ أُنْثَى بِأُنْثَى وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ
لِإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَرَدٌّ لَهَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ
الْآيَةِ كَانَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَتَلَ الشَّرِيفُ مِنْهُمْ عبدا
قالوا لا يقتل به إلا حرا وَكَانَ فِيهِمُ الْقَوَدُ
وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
(عَزَّ وَجَلَّ) (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ 178 يَعْنِي الدِّيَةَ
(فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأداء إليه بإحسن ذَلِكَ
تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) الْبَقَرَةِ 178
وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَمَنْ رَوَى
عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا
يُقْتَلُ بِهَا الرَّجُلُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْلِيَاؤُهَا
نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ
دِيَةِ الرَّجُلِ فَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ
وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ
مُجْمِعُونَ أَنَّ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ لَهَا
(8/168)
أَرْشًا أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَأَخَذَ
لَهَا دِيَتَهَا أو رجله أو كان أشل أو أعور مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَأْخُذَ لِذَلِكَ شَيْئًا فَقَتَلَ رَجُلًا سَالِمَ
الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُلَ
الْأَعْوَرَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ
أَجْلِ أَنَّهُ قَتَلَ ذَا عَيْنَيْنِ وَهُوَ أَعْوَرُ
وَقَتَلَ ذَا يَدَيْنِ وَهُوَ أَشَلُّ
وَهَذَا يَدُلُّ على أن النفس مكافئة للنفس ويكافىء
الطِّفْلُ فِيهَا الْكَبِيرَ وَيُقَالُ لِقَائِلِ ذَلِكَ
إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَا تُكَافِئُهُ الْمَرْأَةُ وَلَا
يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ
دِمَاؤُهُمْ فَلِمَ قَتَلْتَ الرَّجُلَ بِهَا وَهِيَ لَا
تُكَافِئُهُ ثُمَّ أَخَذْتَ نِصْفَ الدِّيَةِ
وَالْعُلَمَاءُ أَجْمَعُوا أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجْتَمِعُ
مَعَ الْقِصَاصِ وَأَنَّ الدِّيَةَ إِذَا قُبِلَتْ حَرُمَ
الدَّمُ وَارْتَفَعَ الْقِصَاصُ فَلَيْسَ قَوْلُكُ هَذَا
بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتِجَاجُ مَالِكٍ بِآيَةِ
الْمَائِدَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
الْمَائِدَةِ 45 دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ إِنْ
كَانَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ
فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
وَلَمْ يُنَزِّلْ فِي كِتَابِنَا أَنَّهُ لَهُمْ خَاصَّةً
وَلَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَهُمْ دُونَنَا وَلَمْ يُشْرَعْ
لَنَا خِلَافَهُمْ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ إِلَّا أَنْ
يُشَرِّعَ لَهُ مِنْهَاجًا غَيْرَ مَا شَرَعَ لَهُمْ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى
الله فبهدهم اقْتَدِهِ) الْأَنْعَامِ 90
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ
لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ أَنَّهُ إِنْ
أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا
بِهِ جَمِيعًا وَإِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ مِمَّا يَضْرِبُ بِهِ النَّاسَ
لَا يَرَى أَنَّهُ عَمَدَ لِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ
الْقَاتِلُ وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ
وَيُسْجَنُ سَنَةً لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَلَا يَكُونُ
عَلَيْهِ الْقَتْلُ
قَالَ أبو عمر روى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى
قَوْلِهِ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ
يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ إِنْ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ
قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا
وقال بن جُرَيْجٍ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى
يَقُولُ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا فِي الْمُمْسِكِ
وَالْقَاتِلِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي دَمِهِ
يُقْتَلَانِ بِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ
فِيمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ آخر
(8/169)
فَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ
الْمُمْسِكِ وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ
وَقَالَ اللَّيْثُ إِنْ أَمْسَكَهُ لِيَضْرِبَهُ
فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ وَعُوقِبَ الْآخَرُ
وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ
قَالَ اللَّيْثُ وَلَوْ أَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَقْتُلَ
رَجُلًا فَقَتَلَهُ قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ لَوْ
أَمْسَكَ رَجُلٌ رَجُلًا لِآخَرَ فَذَبَحَهُ قُتِلَ بِهِ
الرَّجُلُ الذَّابِحُ دُونَ الْمُمْسِكِ كَمَا يُحَدُّ
الزَّانِيَ دُونَ الَّذِي أَمْسَكَ الْمَرْأَةَ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُمْسِكُ مُعِينٌ وَلَيْسَ
بِقَاتِلٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ
لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ الوجهين جَمِيعًا الْعَوْنَ
وَالْمُبَاشَرَةَ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ
قَتْلَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ
إسماعيل بن أمية
ورواه معمر وبن جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في رَجُلٍ أَمَسَكَ رَجُلًا وَقَتَلَهُ آخَرُ
أَنْ يُقْتَلَ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسَ الْمُمْسِكُ
وَقَالَ وَكِيعٌ حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى أَنْ
يُقْتَلَ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسَ الْمُمْسِكُ
وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
أن عليا أتي برحلين قَتَلَ أَحَدَهُمَا وَأَمْسَكَ
الْآخَرُ فَقَتَلَ الَّذِي قَتَلَ وَقَالَ لِلْمُمْسِكِ
أَمْسَكْتَهُ لِلْمَوْتِ وَأَنَا أَحْبِسُكَ فِي السِّجْنِ
حَتَّى تَمُوتَ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ
وَقَالَ بِهِ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
وَقَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الرَّجُلِ
يَمْسِكُ الرَّجُلَ وَيَقْتُلُهُ الْآخَرُ قَالَ يُقْتَلُ
الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُتَقَارِبَاتٌ
مَسْأَلَةُ الْمُمْسِكِ
وَمَسْأَلَةُ الْآمِرِ غَيْرَهُ
وَمَسْأَلَةُ الْآمِرِ عَبْدَهُ فَنَذْكُرُهُمَا هُنَا
وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ الْقَتْلُ عَلَى الْقَاتِلِ
دُونَ الْآمِرِ وَيُعَاقَبُ الْآمِرُ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ
وَسُلَيْمَانَ بن موسى
(8/170)
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ
يُقْتَلَانِ جَمِيعًا وَهُمَا شَرِيكَانِ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّجُلِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِقَتْلِ
رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ السَّيِّدُ وَبِهِ قَالَ
أَحْمَدُ وَزَادَ وَيُضْرَبُ الْعَبْدُ وَيُسْجَنُ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ يُقْتَلُ
الْعَبْدُ وَيُعَزَّرُ السَّيِّدُ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّ
وَقَالَ قَتَادَةُ يُقْتَلَانِ جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ فَصِيحًا
يَعْقِلُ قُتِلَ الْعَبْدُ وَعُوقِبَ السَّيِّدُ وَإِنْ
كَانَ أَعْجَمِيًّا فَعَلَى السَّيِّدِ الْقَوَدُ
وهذا كقول مالك سواء في رواية بن وَهْبٍ عَنْهُ
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَا يُقْتَلُ الْآمِرُ
وَلَكِنْ يُغَرَّمُ الدِّيَةَ وَيُحْبَسُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا
بِقَتْلِ رَجُلٍ وَالْمَأْمُورُ يَعْلَمُ أَنَّهُ أُمِرَ
بِقَتْلِهِ ظُلْمًا كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ وَفِي
الْمَأْمُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ
الْقَوَدَ
وَالْآخَرُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ
الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ
وَقَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنِ
الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ فَيَقْتُلُ الرَّجُلَ
فَقَالَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ وَلَيْسَ عَلَى
الْآمِرِ قَوَدٌ
وَقَالَ وَكِيعٌ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ
عَامِرٍ فِي رَجُلٍ أَمَرَ عَبْدَهُ فَقَتَلَ رَجُلًا
عَمْدًا فَقَالَ يُقْتَلُ الْعَبْدُ
وَوَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ فَيَقْتُلُ
قَالَ هُمَا شَرِيكَانِ قَالَ وَكِيعٌ هَذَا عِنْدَنَا فِي
الْإِثْمِ وَأَمَّا الْقَوَدُ فَهُوَ عَلَى الْقَاتِلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ هَذَا مَنْصُوصًا عَنْ
إبراهيم
قال أبو بكر حدثني بن سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مَنْصُورٍ قَالَ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَمِيرٍ
أَمَرَ رَجُلًا فَقَتَلَ رَجُلًا فَقَالَ هُمَا شَرِيكَانِ
فِي الْإِثْمِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ
عَنِ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ عَبْدًا لَهُ
بِقَتْلِ الرَّجُلِ قَالَ يُقْتَلُ السَّيِّدُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ
قَوْلِ الْحَسَنِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ
(8/171)
عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلِ
أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا قَالَ إِنَّمَا
هُوَ بِمَنْزِلَةِ سَوْطِهِ أَوْ سَيْفِهِ
وَقَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ
فَيَقْتُلُ رَجُلًا قَالَ يُقْتَلُ الْمَوْلَى
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا
أَوْ يَفْقَأُ عَيْنَهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ أو
تفقأ عين الفاقىء قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ
لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَإِنَّمَا كَانَ
حَقُّ الَّذِي قُتِلَ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي
الشَّيْءِ بِالَّذِي ذَهَبَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ
بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا ثُمَّ
يَمُوتُ الْقَاتِلُ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّمِ إِذَا
مَاتَ الْقَاتِلُ شَيْءٌ دِيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ
وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لَا يَمْلِكُ نَفْسَ
الْمَقْتُولِ فَيَطْلُبُ بَدَلَهَا مِنْ قَاتِلِهِ
وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ
وَكَذَلِكَ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ عَمْدًا فَإِذَا
ذَهَبَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْقِصَاصِ بطل الدم
وهذا قول بن الْقَاسِمِ
وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنْ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ
لَيْسَ مُخَيَّرًا فِي الْقِصَاصِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ
وَإِنَّمَا لَهُ الْقِصَاصُ فَقَطْ إِلَّا أَنْ
يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ فِي تَخْيِيرِ
وَلِيِّ الْمَقْتُولِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ
أَخَذَ الدِّيَةَ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الدِّيَةُ
إِنْ شَاءَ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي وَإِنْ شاء قتله
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ
عَمْدًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَتَلَ الْقَاتِلَ عَمْدًا قِيلَ
لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ أَرْضُوا أَوْلِيَاءَ
الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ وَخُذُوا قَاتِلَ قَاتِلِكُمْ
فَاصْنَعُوا بِهِ مَا شِئْتُمْ فَإِنْ أَرْضَوْا
أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا دُفِعَ
الثَّانِي إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ
يَصْنَعُوا بِهِ مَا أَحَبُّوا
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ
الْأَوَّلُ فَلَا حَقَّ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ
الْأَوَّلِ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
وَلَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ
قَتَلَ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا شَيْءَ
لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ
(8/172)
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُقْتَلُ
الَّذِي قَتَلَهُ وَبَطَلَ دَمُ الْأَوَّلِ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَقَوْلِ
الشَّافِعِيِّ فِيهَا كَرِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى
الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ الْقِصَاصَ إِلَّا أن يشاؤوا
أخذ الدية
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ فَقَأَ عَيْنَ
رَجُلٍ عَمْدًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ
قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ أَوْ قُطِعَتْ فِي
سَرِقَةٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ
وَلَا لِلَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِصَارُ هَذَا الْبَابِ أَنْ
نَقُولَ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَقُتِلَ قَاتِلُهُ
فِي حِرَابَةٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ
لِوَلِيِّهِ وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَقُطِعَتْ
يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ أَوْ ذَهَبَتْ بِآفَةٍ مِنَ اللَّهِ
(عَزَّ وَجَلَّ) فَلَا حَقَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ
مَالٍ وَلَا قِصَاصٍ
وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي النَّفْسِ
وَخَالَفَهُ فِي الْأَعْضَاءِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ الدِّيَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ
جميعا في النفس والأعضاء
قال مَالِكٌ فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْقَاطِعِ عَمْدًا
كَانَ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ عَلَى
الْقَاطِعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِيَدِهِ
مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قَطْعَهَا خَطَأً فَعَلَى الْقَاطِعِ
الثَّانِي دِيَةُ الْيَدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْمَقْطُوعِ
الْأَوَّلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إِنَّمَا يَخْرُجُ عَلَى
رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ
يَدَ رَجُلٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَقُطِعَتْ
يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ أَوْ فِي قِصَاصٍ لِآخَرَ فَلِلْآخَرِ
عَلَيْهِ أَرْشُ يَدِهِ وَإِنْ قَطَعَهَا إِنْسَانٌ
بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ
شَيْءٌ
وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ قَطَعَ
الثَّانِيَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ
وَرَوَى قَتَادَةُ وَفِرْقَةٌ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا
عَمْدًا فَحُبِسَ الْقَاتِلُ لِلْقَوَدِ فَجَاءَ رَجُلٌ
فَقَتَلَهُ عَمْدًا قَالَ لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ
قَتَلَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ قَالَ هَذَا قَاسَهُ عَلَى مَنْ
وَجَبَ الْقَتْلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ
كَالْمُرْتَدِّ أَوْ كَالْمُحْصَنِ الزَّانِي إِذَا حُبِسَ
أَحَدُهُمَا لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ
عَمْدًا
وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ من وجب عليه حق لله
(عَزَّ وَجَلَّ) لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ خِيَارٌ
وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ الْحَقُّ لِلْأَوْلِيَاءِ فَلَهُمُ
الْعَفْوُ وَالْقِصَاصُ وَلَهُمْ أَيْضًا أَخْذُ الدِّيَةِ
عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ عَمْدًا
فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ تِلْكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ منه
(8/173)
أَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَذَهَبَتْ تِلْكَ
الْيَدُ مِنْهُ هَلْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ
عَيْنَهُ الْأُخْرَى أَوْ يَدَهُ الْأُخْرَى
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وأصحابهم لا
تأخذ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى
بِالْيُمْنَى لَا فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْيَدِ وَلَا
تُؤْخَذُ السِّنُّ إلا بمثلها من الجاني
وقال بن شُبْرُمَةَ تُفْقَأُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى
بِالْيُسْرَى وَالْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَكَذَلِكَ
الْيَدُ وَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالضِّرْسِ وَالضِّرْسُ
بِالثَّنِيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ
(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)
الْمَائِدَةِ 45
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إِذَا قُطِعَ
أُصْبُعٌ مَنْ كَفٍّ فَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاطِعِ مِنْ
تِلْكَ الْكَفِّ مِثْلُ تِلْكَ الْأُصْبُعِ قُطِعَ مِنْ
تِلْكَ الْكَفِّ أُصْبُعٌ مِثْلُهَا تَلِيهَا وَلَا
تُقْطَعُ أُصْبُعُ كَفٍّ بِأُصْبُعِ كَفٍّ أُخْرَى
قَالَ وَكَذَلِكَ تُقْلَعُ السِّنُّ الَّتِي تَلِيهَا
إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْقَاطِعِ سِنٌّ مِثْلُهَا وَإِنْ
بَلَغَ ذَلِكَ الْأَضْرَاسَ
قَالَ وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى
وَالْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَلَا تُؤْخَذُ الْيَدُ
الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى
قَالَ أَبُو عمر أجمعوا على أن عين الفاقىء إذا كانت صحيحة
لم يكن للمفقئ عَيْنُهُ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهَا فَدَلَّ
عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ) الْمَائِدَةِ 45 مَا قَابَلَهَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَوَدٌ
فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ
بِالْحُرِّ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يُقْتَلُ
الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ
أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِصَاصِ
بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فَاتَّفَقَ مَالِكٌ
وَاللَّيْثُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ
وَأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ
وَخَالَفَهُ اللَّيْثُ فِي الْقِصَاصِ فِي أَعْضَاءِ
الْعَبْدِ بِالْحُرِّ فَقَالَ إِذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى
الْحُرِّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَالْحُرُّ مُخَيَّرٌ
إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ كَانَتِ
الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ
وَقَدْ نَاقَضَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ خِيَارًا لِلرَّجُلِ
فِي جِنَايَةِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ فِي أَعْضَائِهِ
وَهِيَ نَاقِصَةٌ عَنْهُ فِي الدِّيَةِ
(8/174)
وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ
يُقْتَلُ بِالْمُؤْمِنِ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُؤْمِنُ
وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ
الْحُرُّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ
الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الْجِرَاحِ
وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قِصَاصٌ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ الْحُرُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ
الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدَ إِلَّا فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ
يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ
بِالْحُرِّ وَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي شيء من الجراح
والأعضاء
وقال بن أَبِي لَيْلِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الْحُرِّ
وَالْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَفِي كُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ
فِيهِ الْقِصَاصُ مِنَ الْأَعْضَاءِ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ
تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ
فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة
إلى) النِّسَاءِ 92 فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا
يَدْخُلُ الْعَبِيدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا
أَرَادَ بِهَا الْأَحْرَارَ
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُسْلِمُونَ
تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ دُونَ
الْعَبِيدِ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قِصَاصٌ بَيْنَ الْعَبِيدِ
وَالْأَحْرَار فِي مَا دُونَ النَّفْسِ فَالنَّفْسُ
أَحْرَى بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)
الْبَقَرَةِ 178 وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ فِي قَتْلِ
الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ لَكَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الْأُنْثَى
بالأنثى
واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وبن أَبِي لِيَلِيَ
وَدَاوُدُ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ
كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِهِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن علي وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ
ذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ
بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ عَنِ الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ عَمْدًا
قَالَ اقْتُلْهُ بِهِ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ
الْيَمَنِ قَتَلْتُهُمْ به
(8/175)
وقال مالك والليث والشافعي وبن شُبْرُمَةَ
لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَالشَّعْبِيِّ
قَالَ وَكِيعٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ
عَمْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ
وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولَانِ
يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ وَلَا يُقْتَلُ
بِعَبْدِهِ
قَالَ سُفْيَانُ كَمَا لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ
بِهِ وَأَرَى أَنْ يُعَزَّرَ
وَقَدْ نَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ
فِي آرَائِهِمْ مَنْ قَطَعَ يَدَ الْحُرِّ بِيَدِ
الْعَبْدِ وَهُوَ يَقْتُلُهُ بِهِ وَالنَّفْسُ أَعْظَمُ
حُرْمَةً فَإِذَا لَمْ يُكَافِئْهُ فِي الْيَدِ فَأَحْرَى
أَلَّا يُكَافِئَهُ فِي النَّفْسِ
وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِهِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي عَبْدٍ لِقَوْمٍ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ
لِقَوْمٍ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ قِصَاصًا لَا حُجَّةَ فِيهِ
وَلَوْ تَأَمَّلَهُ الْمُحْتَجُّ لَهُمْ مَا احْتَجَّ بِهِ
وَكَذَلِكَ حُجَّتُهُمْ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتَلَ
عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ
لَا تَقُومُ لَهُمْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
سَمُرَةَ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا عَنِ الْحَسَنِ
مَا كَانَ خَالَفَهُ فَقَدْ كَانَ يُفْتِي بِأَنْ لَا
يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ بِهِ
قَالَ ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ نَسِيَ هَذَا الْحَدِيثَ
بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ يَقُولُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ
بِعَبْدٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ
قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
سَمُرَةَ
(8/176)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ
جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ وَقَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ
عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ قَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ يَقُولُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَا
أَذْهَبُ إِلَيْهِ
قَالَ وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ عِنْدِي صَحِيحٌ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنْ قَالُوا لَمَّا كَانَ
أَمَانُ الْعَبْدِ كَأَمَانِ الْحُرِّ وَتَحْرِيمُ دَمِهِ
كَتَحْرِيمِ دَمِ الْحُرِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا
لَهُ فِي الْقِصَاصِ
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ قَدْ أَتَتْ
بِبُطْلَانِهَا السُّنَّةُ لِأَنَّ دَمَ الذِّمِّيِّ
مُحَرَّمٌ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ سَمُرَةَ وَإِنْ كَانَ
فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِضَعْفِهِ
وَسُوءُ نَقْلِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَظْهَرُ بِهِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ
بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي
فَرْوَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ عَبْدَهُ عَمْدًا فَجَلَدَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِائَةً وَنَفَاهُ سَنَةً وَمَحَا اسْمَهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقِدْ مِنْهُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ لَا
يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ
وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُحْرَمُ سَهْمُهُ وَكَانَا لَا
يَقْتُلَانِ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ
فَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنِي
مَحْبُوبُ بْنُ
(8/177)
مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ
الْفَزَارِيُّ عَنِ بن أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لَمَّا كَانَ
يَوْمُ الْفَتْحِ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى
جِدَارِ الْكَعْبَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ
وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَعْقِدُ
عَلَيْهِمْ أُولَاهُمْ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ
وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي
عَهْدِهِ
(22 - بَابُ الْعَفْوِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ)
1621 - مَالِكٌ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَوْصَى أَنْ
يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا إِنَّ ذَلِكَ
جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ
مِنْ أَوْلِيَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ
إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ دَمِهِ
الْعَمْدِ وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً جَازَ لَهُ الْعَفْوُ عَنِ
الدِّيَةِ فِي ثُلُثِهِ إِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثَ وَإِلَّا
فَمَا حَمَلَ مِنْهَا الثُّلُثَ وَأَنَّ دِيَتَهُ
كَسَائِرِ مَالِهِ يُورَثُ عَنْهُ وَأَنَّ الْمَقْتُولَ
عَمْدًا أولى بدمه من أوليائه ما دام حَيًّا فِي الْعَفْوِ
عَنْهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ)
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ
دَمِهِ وَيَجُوزَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَوَرَثَتِهِ
كَقَوْلِ مَالِكٍ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ
الْيَمَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ بِالْعِرَاقِ عَفْوُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ
(عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّهِ فَلَهُ
الْعَفُوُّ وَالْقِصَاصُ إِنْ شَاءَ أَوِ الدِّيَةُ وَلَا
يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَوْتِهِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ
الرَّجُلَ فَيَعْفُو عَنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ
لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ وَذَلِكَ لِأَوْلِيَائِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ فِي الْعِرَاقِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَلِيَّ
لَا يَقُومُ إِلَّا بِمَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ الْقِيَامُ
بِهِ وَلَوْلَا
(8/178)
اسْتِحْقَاقُ الْمَقْتُولِ بِدَمِ نَفْسِهِ
مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْقِيَامُ فِيهِ قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ
لَهُ) الْمَائِدَةِ 45
وَلَمْ يختلف العلماء أن المتصدق ها هنا هُوَ الْمَقْتُولُ
يَتَصَدَّقُ بِدَمِهِ عَلَى قَاتِلِهِ أَيْ يَعْفُو عَنْهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ
(كَفَّارَةٌ لَهُ) الْمَائِدَةِ 45 فَقَالَ بَعْضُهُمْ
كَفَّارَةٌ لِلْمَقْتُولِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَفَّارَةٌ لِلْقَاتِلِ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَنِ اسْتُقِيدَ مِنْهُ أَوْ
عُفِيَ عَنْهُ أَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَهُوَ
كَفَّارَةٌ له
وروى بن عُيَيْنَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ
عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ أَوْ
دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى
يَوْمِ تَصَدَّقَ
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ
عَنْ عُبَادَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايِعُونِي فَقَرَأَ
عَلَيْهِمُ الْآيَةَ قَالَ فمن عفى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ
عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ
فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ومن أصابه من ذلك
شيئا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ
(عَزَّ وَجَلَّ) إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ
لَهُ
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْعَفْوُ كَفَّارَةٌ
لِلْجَارِحِ وَالْمَجْرُوحِ
قَالَ سُفْيَانُ كَانَ يُقَالُ إِنْ قُتِلَ فَهِيَ
تَوْبَتُهُ وَإِنْ أَعْطَى الدِّيَةَ فَهِيَ تَوْبَتُهُ
وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ فَهِيَ تَوْبَتُهُ فِي الرَّجُلِ
عَمْدًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
وَمُجَاهِدٍ وَفِرْقَةٍ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عن بن عباس والأشهر عنه وعن زيد وبن
عُمَرَ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنِ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالَ
مَالِكٌ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بَقِيٌّ قَالَ
حَدَّثَنِي
(8/179)
أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ
أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ دَعَا
قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَرَمَاهُ رَجُلٌ
مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَمَاتَ فعفى عَنْهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَجَازَ عَفْوَهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ كَصَاحِبِ يَاسِينَ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ فِي
الَّذِي يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا ثُمَّ يَعْفُو
قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي
الثُّلُثِ
وَمَعْمَرٌ وبن جريج عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدَمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ قُلْتُ
فِي الثُّلُثِ قَالَ بل في ماله كله
ورواه بن عُيَيْنَةَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ طَاوُسٍ مَا
كَانَ أَبُوكَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِدَمِهِ
عَلَى قَاتِلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ كَانَ يَقُولُ هُوَ
جَائِزٌ قُلْتُ خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا قَالَ خَطَأً
كَانَ أَوْ عَمْدًا
قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي العفو عن الجراحات وما يؤول
إِلَيْهِ إِذَا مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهَا
فَقَالَ مَالِكٌ إذا عفى عَنِ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ كَانَ
لِأَوْلِيَائِهِ الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ وَلَوْ قَالَ
قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْجِرَاحَةِ وما تؤول إِلَيْهِ أَوْ
قَالَ إِنْ مِتُّ مِنْهَا فَقَدْ عَفَوْتُ
صَحَّ عَفْوُهُ وَلَمْ يُتْبَعِ الْجَانِي بِشَيْءٍ
وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا عَفَا عَنِ
الْجِرَاحَةِ وَمَاتَ فَلَا حَقَّ له والعفو على الجراحة
عفو لما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا عَفَا عَنِ الْجِرَاحَةِ
وَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ وَيُؤْخَذُ بِمَا فَضَلَ من الدية
وهو أحد قولي الشافعي كان الْجِرَاحَةَ كَانَتْ مُوضِحَةً
فَسَقَطَ بِعَفْوِهِ عَنْهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ
وَالْآخَرُ عَفْوُهُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ إِلَى الْوَلِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَقَالَ أبو حنيفة من قطعت يده فعفى ثُمَّ مَاتَ بَطَلَ
الْعَفْوُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ إِذَا قَالَ قَدْ عَفَوْتُ
عَنِ الْجِرَاحَةِ وَعَنْ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا مَنْ
عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا فَلَا سَبِيلَ إِلَى
الْقَوَدِ وَيُنْظَرُ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَقَالَ
فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَفْوَهُ جَائِزٌ مِنْ
ثُلُثِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ
وَيُؤْخَذُ بِالْبَاقِي مِنَ الدية
(8/180)
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ
بِجَمِيعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا صارت نفسا وهذا قائل لَا
تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ
الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ لَهُ
إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ عَقْلٌ يَلْزَمُهُ إِلَّا
أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ
عِنْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَا دِيَةَ عِنْدَهُمْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ
إِلَّا بِاشْتِرَاطِهَا وَالصُّلْحِ عَلَيْهَا
وَمِثْلُ هذا رواية بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ
فَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ بَيْنَ
خيرتين لم تُوجَبْ لَهُ الدِّيَةُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ
لَهَا وَاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهَا
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ مَنْ عَفَا فَلَهُ الدِّيَةُ
إِلَّا أَنْ يَقُولَ عَفَوْتُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ قَبْلَهُ
وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ لِأَنَّ اللَّهَ
(عَزَّ وَجَلَّ) قَدْ أَوْجَبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ
الدِّيَةَ إِذَا عَفَا الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ (عَزَّ
وَجَلَّ) (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إليه بإحسن)
الْبَقَرَةِ 178 وَلَوْ كَانَ لِلْعَاقِلِ إِذَا عَفَا
لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مَا
يُتْبِعُهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ
مَا يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا إِذَا عُفِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ عَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ عَلَى مَنْ عُفِيَ عَنْهُ جَلْدًا
وَلَا عُقُوبَةً
قَالَ عَطَاءٌ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مَرْيَمَ 64
وقاله عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
يُعْرَفُ بِالشَّرِّ فَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى
قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَرْدَعُهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَمَا قَالَ
مَالِكٌ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ ضَرَبَ حُرًّا قَتَلَ عَبْدًا
مِائَةً ونفاه عاما
وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل
عمدا ويعفا عنه يسجن سنة ويضرب مائة
(8/181)
قال بن جريج وقال بن شِهَابٍ لَا قَوَدَ
بَيْنَ الْحُرِّ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَلَكِنَّ
الْعُقُوبَةَ وَالنَّكَالَ بِالْجَلْدِ الْوَجِيعِ
وَالسَّجْنِ وَغُرْمِ مَا أَصَابَ وَيُعْتِقُ رَقَبَةً
وَيُغَرَّبُ سَنَةً
وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ صَامَ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَقَامَتْ
عَلَى ذلك البينة وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ
فَعَفَا الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ
فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا
أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ
بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَكَرَ بن وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنِ
اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ عَفْوُ
الْعَصَبَةِ عَنِ الدَّمِ وَيَبْطُلُ حَقُّ الْبَنَاتِ
قَالَ وَلَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ وَلَا قَسَامَةَ لَهُنَّ
يَعْنِي فِي الْعَمْدِ
قَالَ وهو قول مالك
وذكر بن الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ
لِلْبَنَاتِ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْقِصَاصِ شَيْءٌ
إِنَّمَا هُوَ لِلرِّجَالِ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ
وَيَجُوزُ عَفْوُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا
يَجُوزُ عَفْوُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ
قَالَ ملك وليس للأخوة من الأم عفو عن الْقِصَاصِ قَالَ
فَإِنْ عَفَا الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ
فَالدِّيَةُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ
مَوَارِيثِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَفْوَ النِّسَاءِ
جَائِزٌ
وَالْأَوَّلُ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا
اخْتِلَافَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ
اخْتِلَافِهِمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا
وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبُهُ مِنَ الْقِصَاصِ
وَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى
غَيْرِهِ فِي إِبْطَالِ حَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ
وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ
سواء
وقال بن أَبِي لَيْلَى الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَارِثٍ إِلَّا
الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ
الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْعَقْلَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ
كَانَ كُلُّ وَارِثٍ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ زَوْجَةً كَانَتْ
أَوِ ابْنَةً أَوْ أُخْتًا وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ
مَنْ وِلَايَةِ الدَّمِ وَلَا يُقْتَلُ إِلَّا
بِاجْتِمَاعِهِمْ وَحَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ مِنْهُمْ
وَيَبْلُغَ الطِّفْلُ وَأَيُّهُمْ عفا
(8/182)
عَنِ الْقِصَاصِ كَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنَ
الدِّيَةِ وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَانَ
الْبَاقُونَ عَلَى حِصَصِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ عَفَا مِنْ
وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْ رَجُلٍ أَوِ
امْرَأَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ
مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ
امْرَأَةً فَعَفَا زَوْجُهَا عَنِ الْقَاتِلِ فَلَا
سَبِيلَ إِلَى الْقِصَاصِ وَلِمَنْ سِوَى الْعَافِي مِنَ
الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنَ الدِّيَةِ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ عَفَا مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ
عَنِ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ إِلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ
وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً
وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ مَالِكٍ خِلَافَ
الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُ
حَكَى الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَتِيلِ إِذَا
قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى قَاتِلِهِ هَلْ لِلنِّسَاءِ
اللَّاتِي يَرِثْنَهُ عَفْوٌ إِنْ أَرَادَ الرِّجَالُ
قَتْلَهُ قَالَ الْأَخْذُ بِالْقَوَدِ وَالْعَفْوِ إِلَى
أَوْلِيَائِهِ مِنَ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَجُلًا وجد مع امرأته رجلا
فقتلهما أو قتلها فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فَعَفَا بَعْضُ
إِخْوَةِ الْمَرْأَةِ فَأَعْطَى عمر لمن يَعْفُ مِنْهُمُ
الدِّيَةَ
(23 - بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ)
1622 - مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ
عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا عَمْدًا
أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يَعْقِلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْيَدُ وَالذِّرَاعُ
وَالرِّجْلُ وَالسَّاقُ فَإِذَا قُطِعَتِ الْيَدُ أَوِ
الرِّجْلُ مِنَ الْمَفْصِلِ عَمْدًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا السَّاقُ وَالذِّرَاعُ فَفِيهِمَا يَقَعُ
الْكَسْرُ
وَفِي سَائِرِ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ
فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ
عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَرَ فِي كَسْرِ الْفَخِذِ قَوَدًا
(8/183)
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وهو رأي أبيه
قال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عِظَامُ الْجَسَدِ مِثْلُ
الْعَجُزِ وَمَا أَشْبَهَهُ كُلُّهَا فِيهَا الْقَوَدُ
إِلَّا مَا كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ مِثْلَ الْفَخِذِ
وَمَا أَشْبَهَهُ
قَالَ وَلَيْسَ فِي الْهَاشِمَةِ وَلَا الْمُنَقِّلَةِ
وَلَا الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ
قَالَ وَأَمَّا الذِّرَاعَانِ وَالْعَضُدَانِ
وَالسَّاقَانِ وَالْقَدَمَانِ فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا
كُسِرَ شَيْءٌ مِنْهُ الْقَوَدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي
الْمَأْمُومَةِ وَشِجَاجِ الرَّأْسِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ
هَذَا الْكِتَابِ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ لَا
قِصَاصَ فِي عَظْمٍ مِنَ الْعِظَامِ لَمْ يُكْسَرْ وَلَمْ
يُشِنْهَا شَيْئًا وَلَا ضِرْسًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا
قِصَاصَ فِي عَظْمٍ مَا خَلَا السِّنَّ
قَالَ أبو عمر روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ
فِي الْعِظَامِ قِصَاصٌ
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ
والحسن البصري وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ
ذَلِكَ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ يُونُسَ قَالَ
حَدَّثَنِي بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ
عَنْ عطاء قال إذا كسرت اليد أو الساق فَلَيْسَ عَلَى
كَاسِرِهَا قَوَدٌ وَلَكِنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ
قَالَ عَطَاءٌ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لَا نُقِيدُ مِنَ الْعِظَامِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ كَتَبَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا كَانَ مِنْ كَسْرٍ فِي
عَظْمٍ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ قَالَا لَيْسَ فِي عَظْمٍ
قِصَاصٌ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي
مُلَيْكَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ فِي الْعِظَامِ
قِصَاصٌ
قَالَ وحدثني بن إِدْرِيسَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِظَامِ
قِصَاصٌ إِلَّا الْوَجْهَ والرأس
(8/184)
قَالَ وَحَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُغِيرَةَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ
مَرْفُوعَانِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ لَا مَقَالَ فِي
إِسْنَادِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ قِصَّةُ ثَنِيَّةِ
الرُّبَيِّعِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ
حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ
الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْقِصَاصِ
فِي السِّنِّ وَقَالَ كِتَابُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)
الْقِصَاصُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ وَلَيْسَ
فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
السِّنُّ قُلِعَتْ أَوْ سَقَطَتْ مِنْ ضَرْبَةٍ فَإِذَا
كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي الْقِصَاصِ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)
الْمَائِدَةِ 45 وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السِّنِّ
تُكْسَرُ هَلْ فِيهَا قِصَاصٌ أَمْ لَا وَحَدِيثُ أَنَسٍ
هَذَا مَحْفُوظٌ فِي كَسْرِ السِّنِّ وَالْقِصَاصِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ
بْنُ قَاسِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ
حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ
عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا
إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا
فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ
فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ
الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا
تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ
الْقِصَاصُ ثُمَّ أَرْضَى الْقَوْمَ فَكَفُّوا فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن من
عِبَادِ اللَّهِ مِنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لِأَبَرَّهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ
وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي
السِّنِّ إِذَا كُسِرَتْ وَهِيَ عَظْمٌ فَسَائِرُ
الْعِظَامِ كَذَلِكَ إِلَّا عَظْمًا اجْتَمَعُوا عَلَى
أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِخَوْفِ ذَهَابِ النَّفْسِ
مِنْهُ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ
فِيهِ إِلَى مِثْلِ الْجِنَايَةِ بِالسَّوَاءِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي يَنْفِي الْقِصَاصَ
فِي الْعِظَامِ فَحَدَّثْنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زهيد قال حدثنا
(8/185)
مُحَمَّدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ دَهْثَمِ بْنِ قُرَّانَ
عَنْ نَمِرَانِ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا
ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى سَاعِدِهِ بِالسَّيْفِ مِنْ غَيْرِ
الْمَفْصِلِ فَقَطَعَهَا فَاسْتَعْدَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِالدِّيَةِ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْقِصَاصَ
فَقَالَ خُذِ الدِّيَةَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا
وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِالْقِصَاصِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ
هَذَا الْإِسْنَادِ وَدَهْثَمُ بْنُ قُرَّانَ الْعُكْلِيُّ
ضَعِيفٌ أَعْرَابِيٌّ لَيْسَ حَدِيثُهُ مِمَّا يُحْتَجُّ
بِهِ
وَنَمِرَانُ بْنُ جَارِيَةَ أَعْرَابِيٌّ أَيْضًا
وَأَبُوهُ جَارِيَةُ بْنُ ظَفَرٍ مَذْكُورٌ فِي
الصَّحَابَةِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُقَادُ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى تَبْرَأَ
جِرَاحُ صَاحِبِهِ فَيُقَادُ مِنْهُ فَإِنْ جَاءَ جُرْحُ
الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِثْلَ جُرْحِ الْأَوَّلِ حِينَ
يَصِحُّ فَهُوَ القود وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات
فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَقِيدِ
شَيْءٌ وَإِنْ بَرَأَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ
وَشُلَّ الْمَجْرُوحُ الْأَوَّلُ أَوْ بَرَأَتْ جِرَاحُهُ
وَبِهَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ فَإِنَّ
الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ لَا يَكْسِرُ الثَّانِيَةَ وَلَا
يُقَادُ بِجُرْحِهِ
قَالَ وَلَكِنَّهُ يُعْقَلُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ
يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَسَدَ مِنْهَا وَالْجِرَاحُ فِي
الْجَسَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ لَا يُقَادُ مِنْ
جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ فَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ ذَلِكَ
إِذَا رَضِيَ بِهِ الْمَجْرُوحُ وَطَلَبَهُ عَلَى
إِسْقَاطِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ جُرْحُهُ مِنَ الْقَتْلِ
وَالْعَيْبِ
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا مَعْنَى
لِإِعَادَتِهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ
مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَقِيدِ شَيْءٌ فَقَدِ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مِنَ
الْجِرَاحِ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ
عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَا الْحَقُّ قَتَلَهُ لَا
دِيَةَ لَهُ
(8/186)
وهو قول الحسن وبن سِيرِينَ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَدَاوُدُ
وقال أبو حنيفة وبن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ إِذَا
اقْتُصَّ مِنْ يَدٍ أَوْ شَجَّةٍ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ
مِنْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ
وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَطَاوُسٍ
وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَارِثِ
الْعُكْلِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ إِلَّا أَنَّ
الشَّعْبِيَّ قَالَ الدِّيَةُ هُنَا عَلَى الْعَاقِلَةِ
وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَالِهِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِي الَّذِي يَقْتُلُهُ
الْقِصَاصُ يَدْفَعُ الَّذِي اقْتُصَّ لَهُ قَدْرَ تِلْكَ
الْجِرَاحَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ دِيَتِهِ فَفِي مَالِ
الْمُقْتَصِّ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَمَا بَقِيَ مِنْ
ثَمَنِهِ فَفِي مَالِهِ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ
عُتَيْبَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
السَّارِقَ لَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ أَنَّهُ لَا
شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ بِحَقٍّ وَكَذَلِكَ
الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْقِيَاسِ
وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِبَاحَةَ الْأَخْذِ لَا
تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي الْمَالِ كَمَا لَوْ رَمَى
غَرَضًا مُبَاحًا فَأَصَابَ إِنْسَانًا أَوْ أَدَّبَ
امْرَأَتَهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ
مَوْتُهَا أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الدِّيَةَ عَنْهُ
وَكَذَلِكَ الْمُقْتَصُّ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا عَمَدَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ
فَفَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَ يَدَهَا أَوْ قَطَعَ
إِصْبَعَهَا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ
فَإِنَّهَا تُقَادُ مِنْهُ وَأَمَّا الرَّجُلُ يَضْرِبُ
امْرَأَتَهُ بِالْحَبْلِ أَوْ بِالسَّوْطِ فَيُصِيبُهَا
مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يُرِدْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ
فَإِنَّهُ يَعْقِلُ مَا أَصَابَ مِنْهَا عَلَى هَذَا
الْوَجْهِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَئِمَّةُ الْفُتْيَا وَقَدْ
ذَكَرَ مَالِكٌ فِي بَابِ عقل المرأة من الموطأ أنه سمع بن
شِهَابٍ يَقُولُ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا
أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ
ذَلِكَ الْجُرْحِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ ثُمَّ فَسَّرَهُ
بِنَحْوِ مَا فَسَّرَهُ هُنَا
(8/187)
وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزَّهْرِيِّ
قَالَ لَا تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فِي
الْأَدَبِ
يَقُولُ لَوْ ضَرَبَهَا فَشَجَّهَا وَلَكِنْ إِذَا
اعْتَدَى عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا كَانَ الْقَوَدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضًا
الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ
الْأَصْلُ الْأَدَبَ
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ يَرَوْنَ
الدِّيَةَ إِذَا تَوَلَّدَتِ الشَّجَّةُ مِنْ أَدَبِهِ
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَا ذَلِكَ
فِي أَدَبِهِ
1623 - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَقَادَ مِنْ كَسْرِ
الْفَخِذِ
وَهَذَا تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
(24 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ السَّائِبَةِ
وَجِنَايَتِهِ)
1624 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج فقتل بن رَجُلٍ مِنْ
بَنِي عَائِذٍ فَجَاءَ الْعَائِذِيُّ أَبُو الْمَقْتُولِ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَطْلُبُ دِيَةَ ابْنِهِ
فَقَالَ عُمَرُ لَا دِيَةَ لَهُ فَقَالَ الْعَائِذِيُّ
أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلَهُ ابْنِي فَقَالَ عُمَرُ إِذًا
تُخْرِجُونَ دِيَتَهُ فَقَالَ هُوَ إِذَا كَالْأَرْقَمِ
إِنْ يَتْرُكْ يَلْقَمْ وَإِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ
أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ
يَحْيَى صِفَةُ قَتْلِهِ وَقَتْلُهُ كَانَ خَطَأً لَا
خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ
الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ إِلَّا عَقْلَ الْخَطَأِ
وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ سَائِبَةً عَاقِلَةٌ
لَمْ يُوجِبْ لَهُ عُمَرُ شَيْئًا وَالْعُلَمَاءُ
مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ
(8/188)
وَأَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَدَاوُدُ
وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ لَا عَاقِلَةَ عِنْدَهُمْ
إِلَّا الْعَصَبَةُ خَاصَّةً دُونَ الْمَوَالِي وَدُونَ
الْخُلَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً وَلَا عَصَبَةَ لَهُ فَلَا
شَيْءَ عِنْدَهُمْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ
وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَمَنْ قَالَ إِنَّ
وَلَاءَ السَّائِبَةِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ جَعَلَ
الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَصَبَتِهِ لِأَنَّهُمْ
يَرِثُونَ عَنْهُ ولاءه وَيَرِثُونَ مَوَالِيَهُ فَهُمْ
عَاقِلَتُهُ
وَمَنْ قَالَ وَلَاءُ السَّائِبَةِ لِجَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ يَرَى الدِّيَةَ فِي بَيْتِ مَالِ
الْمُسْلِمِينَ
وَمَنْ قَالَ إِنَّ لِلسَّائِبَةِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ
شَاءَ رَأَى أَنَّ الَّذِي يُوَالِيهِ يَقُومُ مَقَامَ
مُعْتِقِهِ وَحُكْمُهُ وَحُكْمُ عَصَبَتِهِ حُكْمُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ اخْتِلَافَ
الْعُلَمَاءِ فِي وَلَاءِ الْمُعْتَقِ سَائِبَةً
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِذَلِكَ الْبَابِ
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
وَقَدْ رُوِيَ عن عمر خلاف ما روى عنه سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ
حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ
سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى
عُمَرَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ قِبَلَنَا وَلَيْسَ لَهُ
رَحِمٌ وَلَا وَلَاءٌ
قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنْ تَرَكَ ذَا رَحِمٍ
فَالرَّحِمُ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ وَإِلَّا فَبَيْتُ
مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ
وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَلَيْسَ لَهُ
مَوْلًى قَالَ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ
عَلَيْهِمْ
قَالَ وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ
مِثْلَهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِذَا أَسْلَمَ
الرَّجُلُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ فَلَهُ مِيرَاثُهُ
وَيَعْقِلُ عَنْهُ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ فِي السَّائِبَةِ يَعْقِلُ عَنْهُ
الْمُسْلِمُونَ وَيَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ
مَوَالِيهِ مِنْهُ فِي شَيْءٍ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ الْمُعْتَقُ سَائِبَةً يَعْقِلُ عَنْهُ
مَوْلَاهُ وَيَرِثُهُ مَوْلَاهُ
وَقَالَ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ سَأَلْتُ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ سَائِبَةٍ قَتَلَ رَجُلًا
عَمْدًا قَالَ يُقْتَلُ بِهِ وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً نُظِرَ
هَلْ عَاقَدَ أَحَدًا فَإِنْ كَانَ عَاقِدًا أحدا أخذ
(8/189)
أَهْلُ عَقْدِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَاقِدْ
أَحَدًا أُدِّيَ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يسار أن سائبة
أعتقه بعض الْحَاجِّ فَكَانَ يَلْعَبُ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ
بَنِي عَائِذٍ فَقَتَلَ السَّائِبَةُ الْعَائِذِيَّ
فَجَاءَ أَبُوهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَطْلُبُ دَمَ
ابْنِهِ فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَدِيَهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ
مَالٌ فَقَالَ الْعَائِذِيُّ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ ابْنِي
قَتَلَهُ قَالَ عُمَرُ إِذَنْ تُخْرِجُونَ دِيَتَهُ قَالَ
فَهُوَ إِذَنْ كلأرقم إِنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ وَإِنْ
يُقْتَلْ يَنْقَمْ
فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي قَوْلِهِ فَكَانَ
يَلْعَبُ هُوَ وَرَجُلٌ مَنْ بَنِي عَائِذٍ مَا يَدُلُّ
عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَتْلِ الْخَطَأِ
قَالَ وأخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ لِي عَطَاءٌ أَنَّ
سَائِبَةً مِنْ سِيَبِ مَكَّةَ أَصَابَ إِنْسَانًا فَجَاءَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ
فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ شَجَجْتُهُ قَالَ إِذَنْ آخُذُ
لَهُ مِنْكَ حَقَّهُ قَالَ وَلَا تَأْخُذُ لِي مِنْهُ
قَالَ لَا قَالَ هُوَ إِذَنْ كَالْأَرْقَمِ قَالَ إِنْ
تَتْرُكُونِي أَلْقَمْ وَإِنْ تَقْتُلُونِي أَنْقَمْ
فَقَالَ عُمَرُ هُوَ كَالْأَرْقَمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَرْقَمُ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ
الْعَادِي عَلَى النَّاسِ إِنْ تَرَكَهُ الَّذِي يَرَاهُ
الْتَقَمَهُ وَإِنْ قَتَلَهُ انْتَقَمَ لَهُ الذي انتقم
للفتى الشاب من الحية المقتولة الَّتِي وَجَدَهَا عَلَى
فِرَاشِهِ فَغَرَزَ رُمْحَهُ فِيهَا وَرَفَعَهَا
فَجَعَلَتْ تَضْطَرِبُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ
الْفَتَى مَيِّتًا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ صَيْفِيٍّ
وَيَأْتِي فِي الْجَامِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وجل
(8/190)
|