الاستذكار

 (44 كِتَابُ الْقَسَامَةِ)
(1 - بَابُ تَبْدِئَةِ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ)
1625 - مَالِكٌ عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ
مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ
فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودُ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ
فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
فَكَتَبُوا إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَقَالُوا لَا
قَالَ أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ

(8/191)


عِنْدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدَّارَ قَالَ سَهْلٌ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ
قَالَ مَالِكٌ الْفَقِيرُ هُوَ الْبِئْرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي لَيْلَى شَيْخِ مَالِكٍ هَذَا فَقِيلَ عَبَدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ
وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَقِيلَ دَاوُدُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رجال من كبراء قومه
وهكذا قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حثمة وتابعه على ذلك بن وهب وبن بُكَيْرٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِ أَبِي لَيْلَى مِنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حثمة
وقال بن القاسم وبن نَافِعٍ وَمُطَرِّفٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي لَيْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ ورجال من كبراء
فروايته ورواية بن الْقَاسِمِ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ وَرِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ أَيْضًا وَمَنْ تَابَعَهُ يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِ أَبِي لَيْلَى مِنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَقَدْ قِيلَ لَمْ يَسْمَعْ أَبُو لَيْلَى مِنْ سَهْلٍ
وَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ
وَقِيلَ هُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عنه غير مالك
وقيل روى عنه بن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ
1626 - مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عبد

(8/192)


اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَقَدِمَ مُحَيِّصَةُ فَأَتَى هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْ أَخِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ فَذَكَرَا شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي إِرْسَالِهِ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ذِكْرٌ
وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ جَعَلُوهُ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَمَاعَ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ لَهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَإِنَّ مَالِكًا فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدِيثِ أَهْلِ بَلَدِهِ قَدْ أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ
وَمَا أَظُنُّ الْبُخَارِيَّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - تَرَكَ إِخْرَاجَ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ هَذَا إِلَّا لِإِرْسَالِ مَالِكٍ لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ مَنْ خَالَفَهُ وَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَسْنَدَهُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَخَرَّجَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَعْنَى مَا جَاءَ بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ مِنْ تَبْدِئَةِ السَّاعِي الْمُدَّعِي بِالْأَيْمَانِ
وَقَدْ أَخْطَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ وَذَمُّوا الْبُخَارِيَّ فِي تَخْرِيجِهِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَتَرْكِهِ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعِي بِالْأَيْمَانِ
وَمِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَبُشَيْرُ بْنُ الْفَضْلِ
وَقَالَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ

(8/193)


يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَزَادَ فِيهِ مَعَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ
وَقَالَ فِيهِ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ يَحْيَى حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ
وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي تَبْدِئَةِ الْأَنْصَارِ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ إِلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ اختلف عنه في ذلك فرواه عنه بن أَبِي عُمَرَ بِسِيَاقَةِ مَالِكٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَا أَدْرِي بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بيمين المدعين أو المدعى عَلَيْهِمْ
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ يَقُولُ وَجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ لِلْأَنْصَارِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ
فَقَالُوا وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالُوا كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ
فَبَدَأَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ
قَبْلَ أَنْ يَقُولَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ
وَهَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ سَهْلٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَرَوَاهُ سَائِرُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ تَبْدِئَةِ الْمُدَّعِي بِالْأَيْمَانِ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهُوَ أَثْبَتُ الناس في بن عُيَيْنَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَنْ قَالَ فِيهِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ تَبْدِئَةُ الْيَهُودِ بِالْأَيْمَانِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَمْ يُصِبْ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعِينَ وَهُمُ الْأَنْصَارُ بِالْأَيْمَانِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ذَكَرَ فِيهِ تَبْدِئَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ بِالْأَيْمَانِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ الرّوَايَاتِ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ مَنْ ذَكَرْنَا فَسِيَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْحَدِيثِ بِمَعْنَى مَا وَصَفْتُ عَنْهُ إِلَّا رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الَّتِي ذَكَرْنَا فَنَذْكُرُهَا هُنَا لِأَنَّا لَمْ نَذْكُرْهَا هُنَاكَ

(8/194)


حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَحَدَّثَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ وَكَانَ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُمْ يَتَّمَّارُونَ مِنْهَا تَمْرًا فَوُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ طُرِحَ فِيهَا فَأَخَذُوهُ فَغَيَّبُوهُ ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ ابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا وَكَانَ صَاحِبَ الدَّمِ وَكَانَ ذَا قَدَمٍ فِي الْقَوْمِ فَلَمَّا تَكَلَّمَ قَبْلَ ابْنَيْ عَمِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُبْرَ الْكُبْرَ
فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ هُوَ بَعْدُ فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُسَلَّمُ إِلَيْكُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ قَالَ فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ بِاللَّهِ - يَعْنِي الْيَهُودَ - خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قاتلا ثم يبرؤون مِنْ دَمِهِ
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كُنَّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ مَا فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إِثْمٍ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ بِمِائَةِ نَاقَةٍ
قَالَ سَهْلٌ فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعِينَ لِلدَّمِ بِالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ
وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ حَدِيثُ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَدْ وَصَلَهُ عَنْهُ حفاظ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ
حَكَى هَذَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَحَسْبُكَ بِأَحْمَدَ إِمَامَةً فِي الْحَدِيثِ وَعِلْمًا بِصَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي فِيهَا أَنَّ الْيَهُودَ بَدَأَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَيْمَانِ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ

(8/195)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ
قَالُوا كُلُّهُمْ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا فَوَجَدُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا فَقَالُوا لِلَّذِي وَجَدُوهُ عِنْدَهُمْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا فَقَالُوا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عِلْمنَا لَهُ قَاتِلًا قَالَ فَانْطَلَقُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَخَانَا قَتِيلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُبْرَ الْكُبْرَ وَقَالَ لَهُمْ تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ فَقَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ قَالَ فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ قَالُوا مَا نَرْضَى أَيْمَانَ يَهُودَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطل ذمه فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ
وَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ علي قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عن رجال من الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَهُودَ وَبَدَأَ بِهِمْ أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا
فَأَبَوْا فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ أَتَحْلِفُوا فَقَالُوا أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْن أَظْهُرِهِمْ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَقْتُولًا فَانْطَلَقَ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُمْ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا هُمْ يَهُودُ وَقَدْ يَجْسُرُونَ عَلَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا قَالَ فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا يَحْلِفُونَ فَأَبَوْا فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ

(8/196)


قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَّأَ الْأَنْصَارَ بِالْأَيْمَانِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الْأَنْصَارَ الْبَيِّنَةَ فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ أَرَادَ أَيْمَانَ الْيَهُودِ فَلَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ فَأَرَادَ أَيْمَانَهُمْ لِيَقْضِيَ لَهُمْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ قَوَدٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ
وَهَذِهِ قِصَّةٌ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لِإِبَاءِ الْمُدَّعِينَ مِنَ الْأَيْمَانِ وَمِنْ قَبُولِ أَيْمَانِ الْيَهُودِ وَتَبَرَّعَ بِأَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِئَلَّا يُطَلَّ دَمُ مُسْلِمٍ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَالتَّضَادِّ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ الْآثَارَ فِيهَا مُتَضَادَّةٌ مُتَدَافِعَةٌ وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَسَامَةِ وما يوجبها والأيمان فيها ومن يبدؤوا بِهَا وَهَلْ يَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ أَوْ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا غَيْرُ الدِّيَةِ وَفِي مَنْ أَثْبَتَهَا وَذَهَبَ فِيهَا إِلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَمَنْ نَفَاهَا جُمْلَةً وَلَمْ يَرَهَا
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ مَا يَضِيقُ بِتَهْذِيبِهِ وَتَلْخِيصِ وجوبه كتاب فضلا عن أن يجمعع فِي بَابٍ
وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا مَا يَكْفِي وَيَشْفِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْقَسَامَةَ فَرِيقَانِ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ يَعْتَبِرُونَ الشُّبْهَةَ لِلْبَيِّنَةِ
وَاللَّوْثِ وَاللَّطْخِ وَمَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْلِ وَالظَّنِّ فَهُمْ يَطْلُبُونَ مَا يُتَطَرَّقُ بِهِ إِلَى حِرَاسَةِ الدِّمَاءِ وَلَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الشَّهَادَةَ الْقَاطِعَةَ وَلَا الْعِلْمَ الصَّحِيحَ الْبَتِّ وَهَؤُلَاءِ وَأَصْحَابُهُمْ يُبَدِّئُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ بِالْأَيْمَانِ فِي دَعْوَى الدَّمِ
وَطَائِفَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ يُوجِبُونَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ مَا يَعْتَبِرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ وَكُلُّهُمْ يَرَى الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مَعَ الدِّيَةِ دُونَ الْمُدَّعِينَ وَكُلُّهُمْ وَاحِدٌ
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَنْزِعُ بَابًا نَشْهَدُ لَهُ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فَنَبْدَأُ بِقَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ نُرْدِفُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ بِحَوَلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ

(8/197)


قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ وَأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ الدَّمُ فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِلْمُدَّعِينَ الدَّمَ عَلَى مَنِ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ
قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبَدَّئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَالَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ
قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَدَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثِيِّينَ فِي قَتْلِ صَاحِبِهِمُ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا أَصْحَابِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ قَبْلَ مَوْتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَنَّهُ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَمْ يُتَابِعْ مَالِكًا عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَإِنَّهُ تَابَعَهُ فَقَالَ الَّذِي تُوجِبُهُ الْقَسَامَةُ أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فُلَانٌ قَتَلَنِي أَوْ يَأْتِي مِنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يُشْبِهُهُمْ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ أَنَّهُ رَأَى هَذَا حِينَ قَتَلَ هَذَا فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ مَعَ ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَا رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ فِي مَعْنَى اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ فروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ الْعَدْلَ لَوْثٌ
وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْوَاحِدَ الْعَدْلَ لوث وإن لم يكن عدلا قال وقال لِي مَالِكٌ اللَّوْثُ الْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَلَا قَاطِعٍ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ هَلْ تَكُونُ شَهَادَتُهَا لَوْثًا تُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا مِثْلُ الطَّيِّبِ مِثْلُ السَّلْبِ الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ حَكَمْتُ بِهَا وَجَعَلْتُ الدِّيَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ وَمَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل كانت خيبر دار يَهُودَ مَحْضَةً وَلَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَوُجِدَ قَتِيلًا قَبْلَ اللَّيْلِ فَيَكَادُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إِلَّا

(8/198)


بَعْضُ الْيَهُودِ فَإِذَا كَانَتْ دَارَ يَهُودَ مَحْضَةً أَوْ قَبِيلَةً وَكَانُوا أَعْدَاءَ الْمَقْتُولِ فَادَّعَى الْوَلِيُّ قَتْلَهُ عَلَيْهِمْ فَلَهُمُ الْقَسَامَةُ
قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ نَفَرٌ بَيْتًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ أو كانوا فِي صَحْرَاءَ أَوْ كَانَ زِحَامٌ فَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا وَقَتِيلٌ بَيْنَهُمْ أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي نَاحِيَةٍ لَيْسَ إِلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إِلَّا بِرَجُلٍ مُخَضِّبٍ بِدَمِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ أَوْ تَأْتِي بَيِّنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى لَمْ يَجْتَمِعُوا فَيَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الانْفِرَادِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَطَّأُ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ أَوْ يَشْهَدُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ الدَّعْوَى إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِي الْأَمْوَالِ أَنْ تُؤْخَذَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَفِي دَعْوَى الدِّمَاءِ أَنْ تُسْتَحَقَّ بِهَا إِذَا كَانَ مَعَهَا مَا يَغْلِبُ عَلَى قُلُوبِ الْحُكَّامِ أَنَّهُ مُمْكِنٌ غَيْرُ مَدْفُوعٍ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي وَصَفْنَا
قَالَ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ وَفِي جُمْلَتِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِالْقَتِيلِ جُرْحٌ أَوْ أَثَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ
قَالَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ لَمْ يُقْسِمِ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَوْ إِقْرَارٍ مِنْهُ بِذَلِكَ
قَالَ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ وَقَوْلِهِ دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَلَّا يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ شَيْئًا دَمًا وَلَا غَيْرَهُ
قَالَ وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ عِنْدَهُمْ وَبِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ لَا يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ مَا يَعْلَمُ مَا غَابَ
وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ اتَّقُوا اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ وَالْيَقِينِ عَلَى مَنْ تَدَّعُونَ الدَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ أَيْمَانَهُمْ مَتَى حَلَفُوا مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ كَافِرِينَ عَلَى مُسْلِمِينَ وَعَلَى كَافِرِينَ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجِيزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحْضُرْ إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ

(8/199)


وَعَلِمَهُ بِمَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِمِثْلِهِ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَاسْتَيْقَنَهُ حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَبِهِ أَثَرٌ وَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ اسْتَحْلَفَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ خَمْسُونَ رَجُلًا بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا
يَخْتَارُهُمُ الْوَلِيُّ
فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ كُرِّرَتْ عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانُ ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ وَإِنْ نَكَلُوا عَنِ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا
وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا تَرَكَهُمْ وَلَمْ يَحْبِسْهُمْ وَجُعِلَتِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
وَقَالُوا جَمِيعًا إِنِ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَقَدْ أَبْرَأَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ
وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلا أن بن الْمُبَارَكِ رَوَى عَنْهُ إِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ أَبْرَأَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ غَيْرَهُ
وقال بن شُبْرُمَةَ إِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَقَدْ أَبْرَأَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ وَصَارَ دَمُهُ هَدَرًا إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يُسْتَحْلَفُ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ خَمْسُونَ رَجُلًا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عِلْمنَا قَاتِلَهُ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ مُخَالِفٌ لِمَا قَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْكُوفِيِّينَ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الحارث بن الْأَزْمَعِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَحْلَفَ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ عِنْدَهُمْ وَأَغْرَمَهُمُ الدِّيَةَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ الْأَزْمَعِ أَيَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ قَالَ نَعَمْ
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ الْأَحْنَفِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْكُمُ الدِّيَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ فِي فِنَائِهِمْ لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِمْ قَسَامَةٌ بِوُجُودِهِ حَتَّى تَكُونَ الْأَسْبَابُ الَّتِي شُرُوطُهَا فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُدَ

(8/200)


قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ لَا يُقْتَلُ فِيهَا اثْنَانِ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنَّ قَلَّ عَدَدُهُمْ أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ عَفْوٌ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْعَفْوُ عَنِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ بَقِيُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنِ الْأَيْمَانِ وَلَكِنَّ الْأَيْمَانَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ إِلَّا الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ حَلَفَ هُوَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَفْوِ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي مَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَنِ الدَّمِ
وَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ أَنَّ كُلَّ وَارِثٍ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ لِلدِّيَةِ وَالْمَالِ مُسْتَحِقٌّ لِلدَّمِ لِأَنَّ الدِّيَةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ عَنِ الدَّمِ وَعَفْوُ كُلِّ وَارِثٍ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ عَنِ الدَّمِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذلك ها هنا
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنَّ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ حَلَفُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَا يُسْتَحَقُّ بِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ هَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا الدَّمُ أَوِ الدِّيَةُ
فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وقال الزهري وبن أَبِي ذِئْبٍ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ مَنْ قَالَ بِالْقَوَدِ فِي الْقَسَامَةِ لَا أُعِينُهُ وَأَمَّا أَنَا فَأَذْهَبُ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُقَادُ بِالْقَسَامَةِ وَلَكِنْ تَجِبُ بِالْقَسَامَةِ الدِّيَةُ
قَالَ والذين يبدؤون عِنْدَنَا بِالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فَإِنْ نَكَلُوا عَادَتِ الْأَيْمَانُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الَّذِينَ ادُّعِيَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ وَإِنْ نَقَصُوا عَنْ خَمْسِينَ رُدَّتْ عليهم الأيمان

(8/201)


وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ لَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ وَلَا يُقْتَلُ بِهَا اثْنَانِ فَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ لِأَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ بِالْوَاحِدِ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ عَمْدًا لَا يُوجِبُونَ قَوَدًا بِالْقَسَامَةِ وَإِنَّمَا يُوجِبُونَ الدِّيَةَ
وَالزُّهْرِيُّ وَدَاوُدُ لَا يَقْتُلَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ كَمَا لَا تُقْطَعُ عِنْدَ الْجَمِيعِ يَدَانِ بِيَدٍ
وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا
ذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقَادَا بِالْقَسَامَةِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ القسامة يقاد بها
وبن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَهُ وَزَادَ وَلَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَا قَوَدَ فِي الْقَسَامَةِ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِلَّا الدِّيَةُ
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا لَمْ يُقِيدَا بِالْقَسَامَةِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ حَكَمَ بِهَا عُمَرُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْخُلَفَاءَ وَالْجَمَاعَةَ الْأُولَى لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ بِالْقَسَامَةِ
قَالَ وَحَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ القسامة توجب العقل ولا تشيط بالدم
قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْقَسَامَةُ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ جَوْرٌ
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْقَسَامَةُ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ وَلَا يُقَادُ بِهَا
وَقَالَ الْحَسَنُ الْقَتْلُ بِالْقَسَامَةِ جَاهِلِيَّةٌ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

(8/202)


أَعَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ قَالَ لَا
قُلْتُ فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ لَا
قُلْتُ فَعُمَرُ قَالَ لَا
قلت فكيف تجترئون عَلَيْهَا فَسَكَتَ
قَالَ فَقُلْتُ ذَلِكَ لِمَالِكٍ فَقَالَ لَا تَضَعْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَتْلِ لَوِ ابْتُلِيَ بِهَا لأقاد بها
وقال عبد الرزاق أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَعْجَبُ مِنَ الْقَسَامَةِ يَأْتِي الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ لَا يَعْرِفُ الْقَاتِلَ مِنَ الْمَقْتُولِ ثُمَّ يُقْسِمُ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتِيلِ خَيْبَرَ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الناس يجترئون عَلَيْهَا مَا قَضَى بِهَا
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلُوا أَوْ نَكَلَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ مِنْهُمْ رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ
فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُمَا وَاللَّيْثَ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ يَقُولُونَ يَبْدَأُ الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ
إِلَّا أَنَّ دَاوُدَ لَا يَقْضِي بِالْقَسَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ يَدَّعُونَ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ هُمْ أَعْدَاءٌ لَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ وَلِيَّهُمْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَا يُقْضَى بِالْقَسَامَةِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُقْضَى بِهَا فِي دَعْوَى قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا فِي شَيْءٍ يُشْبِهُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمَقْتُولِ وَأَوْلِيَائِهِ وَبَيْنَ الْقَاتِلِ وَأَهْلِ مَوْضِعِهِ فَاشْتَرَطَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَرْطِ مَالِكٍ فِيمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مُعَلَّى قَالَ حَدَّثَنِي بن الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ حَدِيثُ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ عَدَاوَةٌ وَشَحْنَاءُ كَمَا كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ فَوُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ
وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ يُبَدِّئُونَ فِي الْقَسَامَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا بَرُّوا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ الدِّيَةَ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ

(8/203)


وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال بن شِهَابٍ يَقُولُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عليهم إذا كانوا جماعة أو على الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ يُؤْخَذُ بِهَا فَإِنْ نَكَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ رُدَّتْ قَسَامَتُهُمْ وَوَلِيَهَا الْمُدَّعُونَ فَيَحْلِفُونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ اسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ وَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ وَرَجَعَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يُعْطَوُا الدِّيَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ ما تقدم عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يوجب بها ها هنا إِلَّا الدِّيَةَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عن رجال مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَهُودَ بَدْءًا بِهِمْ قَالَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا
فَأَبَوْا
فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ أَتَحْلِفُونَ فَقَالُوا لَا نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ لِلثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْيَهُودِ فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا فَرَدَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ وَجَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى الْيَهُودِ
قَالَ وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْأَنْصَارِ وَقَالَ لَهُمْ احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا فَقَالَ أَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ مَا يُبَالِي الْيَهُودُ أَنْ يَحْلِفُوا فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهَا
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ وشبابة بن سوار عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(8/204)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمَعْنُ بن عيسى عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ
قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَصْحَابًا لَهُمْ يُحَدِّثُونَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَدَّأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ ثم ضمنهم العقل
قال وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُطِيعٍ عَنْ فُضَيْلِ بن عمرو عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ
يروى من أخبار الآحاد عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَا حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن عَبَّاسٍ فِي امْرَأَتَيْنِ أَخْرَجَتْ إِحْدَاهُمَا يَدَهَا تَشْخُبُ دَمًا فَقَالَتْ أَصَابَتْنِي هَذِهِ وَأَنْكَرَتِ الْأُخْرَى قَالَ فكتب إلى بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ أُعْطُوا بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ ادْعُهَا فَاقْرَأْ عَلَيْهَا (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمنهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) آلِ عِمْرَانَ 77 فَقَرَأْتُ عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَسَرَّهُ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ أَخْبَرَنَا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد عن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قِبْطِيٍّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَايْمُ اللَّهِ مَا كَانَ سَهْلٌ

(8/205)


بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ إِنَّهُ قَالَ مَا كَانَ الشَّأْنُ هَكَذَا وَلَكِنَّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إِلَى يَهُودَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْن أَظْهُرِكُمْ فَدُوهُ فَكَتَبُوا لَهُ يَحْلِفُونَ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا فَوَدَاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عِنْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ لَا تُدْفَعُ بِالْإِنْكَارِ لَهَا لِأَنَّ الْإِنْكَارَ لَهَا جَهْلٌ بِهَا وَسَهْلٌ قَدْ شَهِدَ بِمَا عَلِمَ وَحَضَرَ الْقِصَّةَ وَرَكَدَتْهُ مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ وَالْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَايَنَ الرَّجُلَ اسْتَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ قَتْلَ الرَّجُلِ لَمْ يَقْتُلْهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ قَالَ فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْقَسَامَةُ إِلَّا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ عُمِلَ فِيهَا كَمَا يُعْمَلُ فِي الْحُقُوقِ هَلَكَتِ الدِّمَاءُ وَاجْتَرَأَ النَّاسُ عَلَيْهَا إِذَا عَرَفُوا الْقَضَاءَ فِيهَا وَلَكِنْ إِنَّمَا جُعِلَتِ القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون بِهَا فِيهَا لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنِ الدَّمِ وَلِيَحْذَرَ الْقَاتِلُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ السُّنَّةُ إِذَا ثَبَتَتْ فَهِيَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ عِبَادَةٌ يَدْنُو الْعَامِلُ بِهَا مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ وَيَنَالُ الْمُسْلِمُ بِهَا دَرَجَةَ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ وَالِاعْتِلَالُ لَهَا ظَنٌّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ أَصْلًا عِنْدَهُ لَقَاسَ عَلَيْهِ أَشْبَاهَهُ وَيُصَدَّقُ الَّذِي يَدَّعِي قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَلَبَهُ وَقَتَلَ وَلَيَّهُ في طريق لِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ وَيَسْتَتِرُ لِمَا يَفْعَلُهُ جَهْرَةً
وَلَيْسَ يَقُولُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مُدَّعِيَ السَّرِقَةِ أَوِ الْقَطْعِ فِي الطَّرِيقِ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ وَيَأْخُذُ بِيَمِينِهِ مَا ادَّعَاهُ
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مَنْ سُلِبَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ عَلَى مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ
إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسْلُوبِينَ إِذَا شَهِدُوا عَلَى السَّالِبِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قُبِلُوا وَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ لِمَا ادَّعَى
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَكَذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ أنه سرق منه في الوضع الحالي

(8/206)


وقد يجترئ الناس على الأموال كما يجترئون عَلَى الدِّمَاءِ
وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَوْلُهُ إِنَّمَا جُعِلَتِ الْقَسَامَةُ إِلَى ولاة المقتول يبدؤون فِيهَا لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنِ الدِّمَاءِ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ وَالْيَمِينَ عَلَى الْيَهُودِ
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ الْأَثْبَاتِ
وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ إِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ يَأْتِي لَوْثٌ يشهدون له وإن كان لا يُؤْخَذُ بِهِمْ حَقٌّ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ وَوَلِيَّهُ لَمْ يدع على أحد وقال دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ يَأْتُونَ بِلَوْثٍ
قَالُوا فَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ سُنَّةَ مَا لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَاهُ وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يُبَدَّأَ الْمُدَّعُونَ في الأيمان في القسامة وأنها تَجِبُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقُولَ المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً
قَالَ فَكَيْفَ قَالَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ في القديم والحديث وبن شِهَابٍ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَّأَ الْيَهُودَ بِالْأَيْمَانِ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَثْبَتُ وَأَجَلُّ مِنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ روايته فمن رواية عن بن شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلْجُهَيْنِيِّ الَّذِي ادَّعَى دَمَ وَلَيِّهِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ كان أجرى فرسه فوطىء عَلَى أُصْبُعِ الْجُهَيْنِيِّ فَنُزِيَ مِنْهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ لِلَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِمْ أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا فَقَالَ لِلْمُدَّعِينَ احْلِفُوا فَأَبَوْا فَقَضَى بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ
قَالُوا فَأَيُّ أَئِمَّةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَى مَا قَالَ وَلَمْ يَرَوْا فِيمَا قَالَ فِي ذَلِكَ وَلَا في قول

(8/207)


الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَدِينَةِ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ وَلَا أَحَدٌ يَعْلَمُ قَوْلَهُ مِمَّا يُرْوَى قَوْلُهُ
وَقَدِ احْتَجَّ أصحابنا لقوله دمي عند فلان بقتل بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ أَحْيَاهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فقال قَتَلَنِي فُلَانٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ
وَهَذِهِ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ شَعْوَذَةٌ لِأَنَّ الَّذِي ذُبِحَتِ الْبَقَرَةُ مِنْ أَجْلِهِ وَضُرِبَ بِبَعْضِهَا كَانَتْ فِيهِ آيَةٌ لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا الْيَوْمَ فَلَا تَصِحُّ إِلَّا لِنَبِيٍّ أَوْ بِحَضْرَةِ نَبِيٍّ
وَقَتِيلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَلَا بِخَمْسِينَ
وَمَالِكٌ لَا يُعْطِي أَحَدًا بِقَوْلِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ شَيْئًا دُونَ قَسَامَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مُدَّعِي الدَّمِ شَيْئًا دُونَ قَسَامَةٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّ شَرِيعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَسُنَّتَهُمْ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ لَا يُقْضَى فِيهَا بِالدَّعَاوَى الْمُجَرَّدَةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ لَوْ قَالَ حِينَئِذٍ وَلِي عَلَيْهِ مَعَ هَذَا أَوْ عَلَى غَيْرِهِ دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ فَأَيُّ سُنَّةٍ فِي قَوْلِ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ
بَلِ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحُكْمَ بِالْقَسَامَةِ وَدَفَعُوهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَقْضُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا
وَمِمَّنْ أَنْكَرَهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةٌ عَنْ قَتَادَةَ
وَهُوَ قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ وَفُقَهَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بن عُلَيَّةَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي مَوْلًى لِأَبِي قِلَابَةَ قَالَ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ نَاشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا أَبَا قِلَابَةَ لَا تُشْمِتْ بِنَا الْمُنَافِقِينَ فَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَكَرُوا الْقَسَامَةَ فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ أَهْلِ الشَّامِ وَوَجْهُمْ عِنْدَكَ أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ شَهِدُوا أَنْ فُلَانًا سَرَقَ بِأَرْضِ كَذَا وَهُمْ عِنْدَكَ أَكُنْتَ قَاطِعَهُ قَالَ لَا
قَالَ فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ شرب خمرا بأرض كذا وهم عندك ها هنا أَكُنْتَ حَادَّهُ بِقَوْلِهِمْ قَالَ لَا قَالَ فَمَا

(8/208)


بَالُهُمْ إِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِأَرْضِ كَذَا وَهُمْ عِنْدَكَ أَقَدْتَهُ قَالَ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْقَسَامَةِ إِنْ أَقَامُوا شَاهِدَيْ عَدْلٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فَأَقِدْهُ وَلَا تَقْبَلْ شَهَادَةَ وَاحِدٍ مِنَ الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَأَضَبَّ الْقَوْمُ قَالُوا نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ قَدْ أَقَادَ بِهَا الْخُلَفَاءُ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ وَتُفْتِي لِلنَّاسِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ أَشْرَافُ العرب ورؤوس الْأَجْنَادِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ قَالَ لَا قُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ أَنَّهُ سَرَقَ وَلَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ قال لا
قال وحدثني بن عُلَيَّةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ وَقَدْ تَيَسَّرَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ لِيَحْلِفُوا فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ سَالِمٌ يَا آلَ عِبَادِ اللَّهِ! لقوم يحلفون على ما يَرَوْهُ وَلَمْ يَحْضُرُوهُ وَلَمْ يَشْهَدُوهُ وَلَوْ كَانَ لِي أَوْ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَعَاقَبْتُهُمْ أَوْ لَنَكَلْتُهُمْ أَوْ لَجَعَلْتُهُمْ نَكَالًا وَمَا قَبِلْتُ لَهُمْ شَهَادَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الَّذِينَ دَفَعُوا الْقَسَامَةَ جُمْلَةً وَأَنْكَرُوهَا وَلَمْ يَقُولُوا بِهَا فَإِنَّمَا رَدُّوهَا بِآرَائِهِمْ لِخِلَافِهَا لِلسُّنَّةِ بِخِلَافِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ
وَالِاعْتِرَاضُ بِهَذَا عَلَى رَدِّ الْقَسَامَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الَّذِي سَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ فِي الْأَمْوَالِ هُوَ الَّذِي خَصَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقَسَامَةِ وَبَيَّنَهُ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى الدِّمَاءِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَتْ سُنَّةً بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي سَنَّ فِيهَا يَمِينًا وَاحِدَةً
وَالْأُصُولُ لَا يُرَدُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَا يُقَاسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بَلْ يُوضَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَوْضِعَهُ كَالْعَرَايَا وَالْمُزَابَنَةِ وَكَالْمُسَاقَاةِ وَكَالْقِرَاضِ مَعَ الْإِجَارَاتِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ التَّسْلِيمُ فِي كُلِّ مَا سَنَّ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ دَعَانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

(8/209)


فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدَعَ الْقَسَامَةَ يَأْتِي رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ كَذَا وَآخَرُ مِنْ أَرْضِ كَذَا فَيَحْلِفُونَ فَقُلْتُ لَهُ لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَأَنْتَ إِنْ تَرَكَتْهَا أَوْشَكَ رَجُلٌ أَنْ يُقْتَلَ عِنْدَ بَابِكَ فَيُطَلُّ دَمُهُ وَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْقَسَامَةِ حَيَاةً
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمُ الْعَدَدُ يُتَّهَمُونَ بِالدَّمِ فَيَرُدُّ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَفَرٌ لَهُمْ عَدَدٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُقْطَعُ الأيمان عليهم بقدر عددهم ولا يبرؤون دُونَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ إِنْسَانٍ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الدِّمَاءِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا إِلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا لَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ مَنْ رَأَى أَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّمَاءُ إِلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا
وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ الَّذِي وَصَفَهُ هُوَ عِنْدَهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعَ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ إِلَّا خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعُونَ وَإِنْ كَانَ الْكُوفِيُّونَ لَا مَدْخَلَ عِنْدَهُمْ لِلْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ بِحَدِيثِ بن عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَدُوهُ وَلِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى اليهود لأنه وجد بين أظهرهم ولحديث بن أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَوْلُهُ إِمَّا أَنْ تَفْدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ وَلِقَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِنَحْوِ ذَلِكَ إِذْ حَلَّفَ الْهَمْدَانِيِّينَ وَأَغْرَمَهُمُ الدِّيَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْلِفُ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ قُصِدَ قَصْدُهُ بِالدَّعْوَى فَإِنِ ادَّعَوْا عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانَ حَلَفُوا عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَإِنِ ادَّعَوْا عَلَى سِتِّينَ رَجُلًا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ يَمِينٌ وَإِنِ اسْتُحَقَّ غَرِمَ الدِّيَةَ عَنِ الدَّمِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَحُضُورٌ وَغُيَّبٌ حَلَفَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْغُيَّبِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الدِّيَةِ فَإِذَا كَبِرَ الصَّغِيرُ أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ حَلَفَ مِنَ الْأَيْمَانِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَلَا يَحْلِفُ مِنَ الْمُدَّعِينَ إِلَّا الْوَرَثَةُ رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً فَإِنِ امْتَنَعَ الْغَائِبُ وَالصَّغِيرُ مِنَ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِؤُوا فَإِنْ نَكَلُوا غَرَمُوا

(8/210)


قَالَ وَإِنِ ادَّعَوْا عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ
(2 - بَابُ مَنْ تَجُوزُ قَسَامَتُهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ)
1627 - قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَنْ لَهُ الْعَفْوُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ
وَأَمَّا مَنْ لَهُ الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَكُلَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا يُقَادُ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ وَارِثٍ لِلْمَقْتُولِ يُقْسِمُ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ وَيَرِثُونَ الدِّيَةَ
وَمَنْ لَا يَرَى أَنْ يُقْسِمَ الْأَوْلِيَاءُ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَيَغَرَمُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَخِلَافُهُمْ أَبْعَدُ
وَيَحْيَى عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِي قِيَاسَةٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا أَنَّهُ إِذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَرَادَ النِّسَاءُ أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُنَّ الْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الدَّمَ وَحَلَفُوا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَفْوِ وَبِالَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا أَنَّ سَائِرَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ وَارِثٍ لَهُ الْعَفْوُ وَهُوَ وَلِيُّ الدَّمِ
وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ أَنَّ الْعَقْلَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْعَصَبَةِ دُونَ مَنْ كَانَ مِنَ الْوَرَثَةِ كَانُوا أَوْلَى بِالدَّمِ وَبِالْعَفْوِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا وَقَضَى بِهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَلَيْسَ مِنْ

(8/211)


عَاقِلَتِهِ فَالْقِيَاسُ عَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْعَقْلُ لَازِمًا لَهُ كَانَ وَلِيًّا لِلدَّمِ وَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ دُونَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا دِيَةٌ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهَا كَانَ وَلِيًّا لَهَا وَجَازَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَعَنْ نَصِيبِهِ مِنْهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّ عَفَتِ الْعَصَبَةُ أَوِ الْمَوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا نَدْعُ قَاتِلَ صَاحِبِنَا فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إِذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَكُمْ في القصاص حيوة) الْبَقَرَةِ 179
وَفِيهِ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالتَّشْدِيدِ مَا فِيهِ فَكَانَ الْقَائِمُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنْ عُفِيَ عَنْهُ
وَاللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَعْلَمُ
وَحُجَّةُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقَوَدِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ دِيَةٍ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا بَابًا وَأَوْضَحْنَا فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ 178 وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْمُدَّعِينَ إِلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدِ اسْتَحَقَّا الدَّمَ
وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ لِأَخِي الْمَقْتُولِ عبد الرحمن بن سهل ولا بني عَمِّهِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْأَخِ وَحْدَهُ تَحْلِفُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَخَ يَحْجُبُ ابْنَيْ عَمِّهِ عَنْ مِيرَاثِ أَخِيهِ
وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَحْلِفُ إِلَّا الْوَرَثَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَحُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ
وَأَمَّا الكوفيين فَلَا يَحْلِفُ عِنْدَهُمُ الْمُدَّعُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ بِمَا لَا مَعْنَى لِتَكْرَارِهِ

(8/212)


قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا ضَرَبَ النَّفَرُ الرَّجُلَ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا فَإِنْ هُوَ مَاتَ بَعْدَ ضَرْبِهِمْ كَانَتِ الْقَسَامَةُ وَإِذَا كَانَتِ الْقَسَامَةُ لَمْ تَكُنْ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً كَانَتْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ لَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ
وَهُوَ يَرَى الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ كَمَا يَرَى مَالِكٌ
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْعَمْدِ وَيَقْتُلُونَ بِالْقَسَامَةِ كَمَا يَقْتُلُونَ بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ
قَالَ الْمُغِيرَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ
وَلِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَلَا قَوَدَ عِنْدَهُمْ فِي الْقَسَامَةِ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ وَيُقْسَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ وَتُسْتَحَقُّ الدِّيَةُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ
وَأَمَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَحْلِفُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَيَغْرَمُونَ وَقَالُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ إِنَّهُمْ إِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فَرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا مَاتَ مِنْهَا
وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً
وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ قَاتِلًا لَهُ حَتَّى يَقُولُوا إِنَّهُ إِذْ ضَرَبَهُ نَهَرَ دَمَهُ وَرَأَيْنَا دَمَهُ سَائِلًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قُاتِلًا وَلَا جَارِحًا
وَلَا يُكَلِّفُ الشَّافِعِيُّ وَلَا الْكُوفِيُّونَ الشُّهُودَ أَنْ يَقُولُوا مَاتَ مِنْهَا
وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ مَا شَرَطُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ يَقُولَانِ إِذَا شَهِدَ وَلِيٌّ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَبَقِيَ بَعْدَ الضَّرْبِ مَغْمُورًا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَفِقْ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَعَاشَ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَيَحْلِفُ الْمُقْسِمُونَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ

(8/213)


(3 بَابُ الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ)
1628 - قَالَ مَالِكٌ الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ يُقْسِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدم ويستحقونه بقسامتهم يحلفون خمسون يَمِينًا تَكُونُ عَلَى قَسْمِ مَوَارِيثِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَيْمَانِ كُسُورٌ إِذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ نُظِرَ إِلَى الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ تِلْكَ الْأَيْمَانِ إِذَا قُسِمَتْ فَتُجْبَرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْيَمِينُ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يَكُونُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِتَبْدِئَةِ الْمُدَّعِينَ بِالدَّمِ كَقَوْلِ مَالِكٍ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ تُجْبَرُ الْيَمِينُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَى مَنْ سَهْمُهُ قَلِيلٌ كَمَا تُجْبَرُ عَلَى صَاحِبِ السَّهْمِ الْكَبِيرِ
وَعِنْدَ مالك وبن القاسم تجبر على الذي تصيبه أَكْثَرُ
وَاتَّفَقُوا أَنَّ الدِّيَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ نِسَاءً كَانُوا أَوْ رِجَالًا وَأَنَّ النِّسَاءَ يَحْلِفْنَ إِنِ انْفَرَدْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ عَلَى مَوَارِيثِهِنَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعُونَ لِقَتْلِ الْخَطَأِ عَنِ الْأَيْمَانِ هَلْ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَمْ لَا عَلَى مَا قَدْ رَسَمْنَاهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَاللَّهِ أَعْلَمُ
(4 بَابُ الْمِيرَاثِ فِي الْقَسَامَةِ)
1629 - قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَبِلَ وُلَاةُ الدَّمِ الدِّيَةَ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَرِثُهَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ شَذُّوا فَجَعَلُوا الدِّيَةَ لِلْعَصَبَةِ خَاصَّةً عَلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ بِمَا حَدَّثَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ
وَأَفْتَى بِهِ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ إِلَّا مِمَّنْ لَا يَسْتَحِي مِنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عَصَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَفَّقَنَا لِمَا يَرْضَاهُ

(8/214)


وَلَا يَصِحُّ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ
وَالصَّحِيحُ عَنْهُ تَوْرِيثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ مِنَ الدِّيَةِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ
وَكَانَ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ لَفْظَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَسَوَاءٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ
(5 بَابُ الْقَسَامَةِ فِي الْعَبِيدِ)
1630 - قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إِذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ وَلَيْسَ فِي الْعَبِيدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأً وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَالِكٍ شَهَادَةٌ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ الْخِلَافَ فِي قَسَامَةِ الْعَبِيدِ وَأَنَّهُ قَدِ اسْتَحْسَنَ مَا وَصَفَ فِي ذَلِكَ وَاخْتِصَارُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَبِيدِ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ إِذَا وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ قَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ غُرْمُ دمه ولا قسامة فيه
وقال بن شُبْرُمَةَ لَيْسَ فِي الْعَبْدِ قَسَامَةٌ إِذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي قَبِيلَةٍ وَهُوَ كَالدَّابَّةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي قَبِيلَةٍ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِهَا الدِّيَةَ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَمَرَّةً قَالَ فِي عَبْدٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ قَوْمٍ هُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ قَسَامَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَمَرَّةً قَالَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِلَا قَسَامَةٍ وَمَرَّةً قَالَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِالْقَسَامَةِ
وَقَالَ زُفَرُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا الْعَبْدُ قَتِيلًا الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ
وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً

(8/215)


وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنَ الْبَهَائِمِ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْأَمْوَالِ فَكَانَ الْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي ذَلِكَ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالسِّلْعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَسَامَةُ كَذَلِكَ وَقِيمَتُهُ كَدِيَةِ الْحُرِّ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ قَسَامَةً فَلِأَنَّهُ قَالَ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ يُسْتَحَقُّ بِمَا تُسْتَحَقُّ الْأَمْوَالُ مِنَ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ عِنْدَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي جِرَاحِهِ وَفِيمَا يُصَابُ بِهِ مِمَّا يُنْقِصُهُ
وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ
كمل كتاب القسامة بحمد الله وعونه

(8/216)