شرح أبي داود للعيني

236- باب: الخطبة في يوم العيد
أي: هذا باب في بيان الخطبة في يوم العيد 1111- ص- نا محمد بن العلاء، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري ح، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري قال: أخْرَجَ مَرْوانُ
المنبرَ في يَوم عيد، فَبدأ بالخُطبَة قبلَ الصلاة، فقامَ رجل فقال: يا مَرْوَانُ،
خًالَفْتَ السنةً، أخْرَجْتَ المنبرً في يَوم عيد ولم يكنْ يُخْرجُ فيه، وَبَدأتَ
بالخُطبة قبلَ الصلاة، فقال/ أبو سعيد الخَدًري: مَنْ هَذَا؟ قاَلوَا: فلانُ [2/94 - أ] ابنُ فلاَنٍ، فقال: َ أما هَذَا فقد قَضَىً ما عليهِ، سمعتُ رسولَ اللهِ

(4/483)


عليه السلام- يقولُ: (مَنْ رَأى منكم مُنكَراً فاسْتطاعَ أن يُغيرَهُ بيده فليُغيرْهُ بيده، فإن لم يَسْتَطِعْ فبلسَانِهِ، فإن لم يَستطعْ فبقَلبِهِ، وذاك أضعفُ الإِيَمَانِ) (1) .
ش- مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو عبد الملك، أو أبو القاسم،
أو أبو الحكم، وفي " صحيح مسلم ": أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم العيد مروان. وقيل: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة، ولا ينتظرون الخطبة. وقيل: بل ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُدَ منزلُه، ولا يصح عن عمر هذا. وقيل: أول من بدأ بها عثمان، ولا يصح أيضا، وقيل: أول من فعل ذلك معاوية، وقيل: إن زياداً أول من فعله، يعني: بالبصرة، وقيل: أول من فعله مروان، يعني: بالمدينة كما تقدم، وكذا ذكره الترمذي، وذلك كله في أيام معاوية لأنهما من عماله، وفعله ابن الزبير آخر أيامه. وعلل بعضهم فعل بني أمية أنهم لما أحدثوا في الخطبة من سَب من لا يحل سبه، فكان الناس يتفرقون لئلا يسمعوا ذلك، فأخروا الصلاة ليحبسوا الناس، والذي ثبت عن رسول الله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلى- رضي الله عنهم- تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وعده بعضهم إجماعاً.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب: في خبر ابن الصائد (4340) مختصراَ دون القصة، ومسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (78/ 49) ، الترمذي: كتاب الفتن، باب: ما جاء في تغير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب (2172) ، النسائي: كتاب الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان (8/ 111، 112) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1275) ، وكتاب الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4013) .

(4/484)


قوله: "أما هذا فقد قضى ما عليه " أي: ما عليه من الواجب من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأن قدرته كانت هذا المقدار، وقول أبي سعيد هذا بمحضر من الصحابة، والجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان، ويثبته أيضا احتجاجه بقوله: "سمعت رسول الله- عليه السلام- يقول" الحديث. وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان، وأن ما حُكي عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح.
فإن قيل: كيف تأخر أبو سعيد عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ قلنا: يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضراً أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهُمَا في الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضراً من الأول لكن خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يخف ذلك الرجل شيئاً لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك، أو أنه ما خاف وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا، بل مستحب، ويحتمل أن أبا سعيد هَم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد، ثم إنه جاء في الحديث الآخر الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في "باب صلاة العيد " أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان حين راَه يصعد المنبر، وكانا جاءا معاً، فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحديهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد، والله أعلم. وقوله: "فقد قضى [ما] ، عليه" تصريح بالإنكار أيضا من أبي سعيد. قوله: " فليغيره بيده " هذا أمر إيجاب بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم، فإن قيل: قال الله تعالى: "عَلَيكُمْ أنفُسكُمْ لا يَضُركم مَّا ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " (1) قلنا: هذا لا
__________
(1) سورة المائدة: (105) .

(4/485)


يخالف ما ذكرناه؛ لأن المعنى: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: "وَلا تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أخْرَى" (1) ، وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل، لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول، ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا ترك (2) الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ولا يشترط فيه أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: [2/94 - ب] أن يأمر نفسه وينهاها/، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟ ولا يختص أيضا بأصحاب الولايات، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين.
قوله: "فليغيره بيده، فإن [لم] يستطع " إلى آخره، إشارة إلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله: "فبقلبه " أي: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر، لكنه هو الذي في وسعه.
قوله: " وذاك أضعف الإيمان " معناه: أقله ثمرة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1112- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، ومحمد بن بكر قالا: أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: إن النبي- عليه السلام- قام يومَ الفطرِ فَصلي، فَبَدَأ بالصلاة قبلَ الخُطبة، عبر خَطَبَ الناسَ، فلما فَرغَ نبي اللهِ- عَليه السلام- نَزَلَ، فَأتَىَ النساءَ فَذَكرَهُن
__________
(1) سورة الإسراء: (15) .
(2) كذا.

(4/486)


وهو يَتوكأ، على يد بلالٍ، وبلال بَاسط ثوبَه يُلقينَ (1) فيه النساءُ الصَدَقةَ، قال: تُلقِي المرأةُ فَتَخًهًا، ويُلقِيَنَ ويُلقِينً، وقال ابنَ بكر: فَتَختهَا (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام.
ومحمد بن بكر بن عثمان البُرْساني- بضم الباء الموحدة- أبو عثمان،
أو أبو عبد الله، وبُرْسان من الأزد، البصري. سمع ابن جريج، وشعبة، وهشام بن حسان، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وعليه بن المديني، وابن بشار، وابن المثنى، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو داود: ثقة. وقال أحمد: هو صالح الحديث. مات بالبصرة في ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة (3) .
وعطاء بن أبي رباح.
قوله:" فذكرهن" بتشديد الكاف أي: وعظهن.
قوله: "ويُلقين (4) فيه النساء " من قبيل كلوني البراغيث.
قوله:" فتخها" " ا"فتخ": بفتح الفاء والتاء المثناة من فوق، وفي آخره خاء معجمة، جمع فَتَخَة- بالتحريك- وهي حلقة من فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، وقيل: هو الخواتيم الكبار، وقيل: الفتخة حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص كالخاتم، وقيل: جلجل لا جرس له. قال ابن السكيت: تلبس في أصابع اليد. وقال ثعلب: قد تكون في أصابع الرجل.
__________
(1) في سنن أبي داود: " تلقي".
(2) البخاري: كتاب العيدين، باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد (978) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (5 88/ 3) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5092) .
(4) كذا بالواو، وفي المتن "يلقين" بدون الواو.

(4/487)


قوله: " ويلقين ويلقين " بالتكرير، أي: ويلقين كذا، ويلقين كذا، وفيه جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف على ثلث مالها، هذا مذهب الجمهور. وقال مالك: لا تجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها. وفيه دليل أن الصدقات العامة إنما يصرفها في مصارفها الإمام، وكان النبي- عليه السلام- يفرقها على المحتاجين كما كانت عادته في الصدقات المتطوع بها.
قوله: " وقال ابن بكر " أي: قال محمد بن بكر في روايته: " فَتَخَتهَا"بالإفراد، وفي رواية عبد الرزاق: "فَتَخَها" بالجمع. والحديث: أخرجه النسائي.
1113- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة ح، ولا محمد بن كثير، أنا شعبة، أنا أيوب، عن عطاء قال: أشهدُ على ابنِ عَباس، وشَهِدَ ابنُ عَباس على رَسول الله، أنه خَرَجَ يَومَ فطر فَصَلَّى، ثم خَطَبَ، ثم أتَى النساءَ ومعه بلال. قال اَبنُ كثير: أكْبَرُ عِلم شُعبةَ: فَأمَرَهُنَّ بالصدقَةِ، فَجَعَلنَ يُلقِين" (1) . ش- أيوب السختياني، وعطاء بن أبي رباح.
قوله:" قال ابن كثير " أي: محمد بن كثير.
قوله: "يُلقين " أي: الصدقة في ثوب بلال، وفيه من الاستحباب: للإمام أن يأتيهن بعد الفراغ من خطبة العيد، ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب عليه مفسدة.
قلت: بعيد في هذا الزمان عدم ترتب الفساد، لعموم الفتنة والفساد، وقلة الخير في النساء، ولا سيما في نساء مصر.
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: عظة الإمام النساء وتعليمهن (98) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: أول الكتاب (2/ 884) ، النسائي: كتاب العيدين، باب: الخطبة في العيدين بعد ما جاء الصلاة (1568) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1273) .

(4/488)


1114- ص- نا مسدد، وأبو معمر عبد الله بن عمرو قالا: نا عبد الوارث،
عن أيوب، عن عطاء، عن ابن عباس بمعناه قال: فَظَن أنه لم يُسْمِع النساء،
فَمَشى إِليهن ومعه بِلال (1) فَوَعَظَهُن وَأَمَرَهُن بالصدقَة، فكانت المرأةُ تُلقي
القُرْطَ والخَاتَمَ في ثَوبِ بِلال (2) .
ش- مسدد بن مسرهد، وعبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد.
قوله: "بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.
قوله:" فظن أنه " أي: ظن رسول الله أنه لم يسمع النساء خطبته، فمشى إلى جهتهن.
قوله:" تُلقِي القُرط/ والخاتم " القُرْط- بضم القاف، وسكون الراء- 2/95 - أ]
ما علق في شحمة الأذن من ذهب كان أو غيره. قال ابن دريد: كل ما علق في شحمة الأذن فهو قرط، سواء كان من ذهب أو خرز، ويجمع على قِراط كرمح ورماح، وقِرَطه كخُرجْ وخِرَجة، وأقرطة جمع جمع، أي: جمع أقراط جمع قُرْط. والخاتم فيه أربع لغات: فتح التاء، وكسر ها، وخاتام، وخَيْتام.
1115- ص- نا محمد بن عبيد، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن
عطاء، عن ابن عباس في هذا الحديث قال: فَجَعَلَتِ المرأةُ تُعْطي القُرْطَ والخَاتَمَ، وجَعَلَ بلال جعَلُهُ في كسًائه، قال: فَقَسَمَهُ علَى فُقَرَاء المسلمين (3) .
ش- لأنها صدقة ومَصرفها الفقراء. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه.
__________
(1) في سنن أبي داود: "وبلال معه ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر الحديث السابق.
32 * شرح سنن أبى داوود 4

(4/489)


1116- ص- نا (1) الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا ابن عيينة، عن أي جَنَاب، عن يزيد بن البراء، عن أبيه، أنً النبي- عليه السلام- نُووِلَ يومَ العِيدِ قَوْساً فَخَطَبَ عليه (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام، وسفيان بن عيينة، وأبو جناب- بفتح الجيم والنون- الكلبي، اسمه: يحيي بن أبي حية- بالياء آخر الحروف- واسمه: حي، وقد ذكرنا ترجمته مستوفى، والله أعلم بالصواب. ويزيد ابن البراء بن عازب الأنصاري الحارثي. روى عن: أبيه. روى عنه: عدي بن ثابت، وأبو جناب. روى له: أبو داود، والنسائي.
قوله: " نُووِلَ" من المناولة، أي: أعطي قوساً فخطب وهو متوكئ عليه.
وليس هذا الحديث بثابت في بعض النسخ، وفي بعضها عقيب هذا الحديث " (3) باب يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر ".
نا هشام بن عمار، نا الوليد. ونا الربيع بن سليمان، نا عبد الله بن يوسف، نا الوليد بن مسلم، نا رجل من القرويين (4) - وسماه الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة- سمع أبا يحيي عبيد الله التيمي، يحدث عن أبي هريرة، أنه أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي- عليه السلام- صلاة العيد في المسجد، ولم يثبت هذا الباب في غالب النسخ في هذا الموضع، فكأنه هاهنا في نسخة اللؤلؤي.
* * *
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: "باب يخطب على قوس ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) يأتي برقم (244) ، نص/ 512) .
(4) في الأصل: "العدويين " خطأ.

(4/490)


237- باب: ترك الأذان في العيد
أي: هذا باب في بيان أن العيدين ليس فيهما أذان ولا إقامة.
1117- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عنِ عبد الرحمن بن عابس قال: سَألَ رجل ابنَ عَباسِ: أشَهدتَ العِيدَ مَعَ رسول الله؟ قال: نعم، ولولا مَنزِلَتِي منه ما شَهِدتُه من الصَغَرِ، فَأتَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اَلعَلَمَ الذي عندَ دارِ كَثيرِ بنِ الصلت، فَصلي ثم خَطَبَ ولم يَذْكُرْ أذَاناً ولا إِقَامةَ، قال: ثم أمَرَ بالَصدقَة، قال: فَجَعَلنَ (1) النساءَ يُشِرْنَ إلى آذَانهن وحُلُوقِهِن، قال: فَأمَرَ بلالاً فَأتَاهُن، ثم رَجَعَ إلى النبي- عليه السلام- (2) .
ش- سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن عابس النخعي الكوفي.
قوله: "أشهدت " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: "العلم الذي عند دار كثير بن الصلت " العلم- بفتح العين واللام-: المنار والجبل والراية والعلامة، وكثير بن الصلت هو أبو عبد الله، ولد في عهد رسول الله، وله دار كبيرة بالمدينة قبلة المصلى للعيدين، وكان اسمه قليلاً فسماه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كثيراً، وكان يُعد في أهل الحجار.
قوله: "فجعلن النساء " من قبيل أكلوني البراغيث.
قوله: " يُشِرْن " من الإشارة. وفيه فوائد؛ الأولى: أن الصبي إذا ملك نفسه، وضبطها عن اللعب، وعقل الصلاة، شُرعَ له حضور العيد وغيره.
__________
(1) في سنن أبي داود: "فجعل ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: عظة النساء وتعلمهن (98) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (2/ 884) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الخطبة في العيدين بعد الصلاة (3/ 184) .

(4/491)


الثانية: المستحب أن يُصلَّي العيد في الصحراء.
الثالثة: أن الخطبة بعد الصلاة.
الرابعة: ليس في العيدين أذان ولا إقامة، وهو مذهب الأئمة وجماعة الفقهاء. قال الشعبي والحكم وابن سيرين: الأذان يوم الفطر ويوم الأضحى بدعة. وقال ابن المسيب: إن أول من أحدثهما في العيد معاوية. وقيل: زياد. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا سلام أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لا أذان ولا إقامة في العيدين، ولا قراءة خلف الإمام.
الخامسة: المستحب للإمام أن يأمر بالصدقة. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي.
[2/95 - ب] 1118- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن جريج، عن الحسن/ بن مسلم، عن طاوس، عن ابنِ عباسِ: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلي العِيدَ بلا أذان ولا إِقَامةِ، وأبا بكرٍ، وعُمَر أو عثمانَ، شَك يحيى (1) .
ش- يحيي القطان، والحسن بن مسلم بن يَنَّاق المكي.
قوله: " وأبا بكر " أي: وأن أبا بكر وعمر.
قوله: "أو عثمان، شك من يحيي القطان. والحديث: أخرجه ابن ماجه مختصراً، ولم يذكر غير النبي- عليه السلام-.
1119- ص- نا عثمان بن أي شيبة، وهناد- وهذا لفظه- قالا: نا أبو الأحوص، عن سماك- يعني: ابن حرب- عن جابر بن سَمُرَةَ قال:
__________
(1) البخاري: كتاب العيدين، باب: الخطبة بعد العيد (962) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (1/ 884) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1274) .

(4/492)


صليتُ مَعَ رسولِ الله- عليه السلام- غَيرَ مَرَّة ولا مَرتينِ العِيدينِ بغيرِ أذان ولا إِقَامةٍ (1) .
ش- هناد بن السري، وأبو الأحوص سلام بن سليم. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، وصح عن جابر: لا أذان يوم الفطر، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء. هذا ظاهره يخالف ما يقوله الشافعية، أنه يستحب أن يقال: الصلاة جامعة.
* * *
238- باب: التكبير في العيدين
أي: هذا باب في بيان التكبير في صلاتي العيدين.
1120- ص- نا قتيبة، نا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن رسولَ الله- عليه السلام- كان يُكبر في الفطرِ والأضْحَى: في الأولَى سَبْعَ تكبِيرَاتٍ، وفي الثانيةِ خَمْس" تَكبَيرَات (2) " (3) .
ش- قتيبة بن سعيد، وعبد الله بن لهيعة ولا يحتج بحديثه، وعُقيل - بضم العين- بن خالد الأيلي.
اعلم أن العلماء اختلفوا في تكبيرات العيدين، فقال الشافعي: هي سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام، وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة العيدين (7/ 887) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة (532) .
(2) في سنن أبي داود: (وفي الثانية خمساً) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التكبير في العيدين (536) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1279) .

(4/493)


وقال مالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق والزهري والأوزاعي كذلك؛ لكن سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الإحرام، رُوي ذلك عن: أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والثوري: خمس في الأولى، وأربع في الثانية. وهو قول ابن مسعود. وقال الحسن: يكبر في الأولى خمساً، وفي الأخرى ثلاثاً سوى تكبيرتي الركوع. وعن علي أنه كان يكبر في الفطر إحدى عشرة: ستاً في الأولى، وخمساً في الآخرة، يبدأ بالقراءة في الركعتين، وخمساً في الأضحى: ثلاثاً في الأولى، وثنتين في الآخرة، يبدأ بالقراءة في الركعتين. وعن ابن عباس: كان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولي، وستاً في الآخرة. واستدل الشافعي بحديث عائشة هذا، " (1) وأخرجه ابن ماجه أيضا، والحاكم في "مستدركه " (2) وقال: تفرد به ابن لهيعة. وقد استشهد به مسلم في موضعين، قال: وفي الباب عن عائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، والطرق إليهم فاسدة، وذكر الدارقطني في " علله أن فيه اضطراباً، فقيل: عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، وقيل: عنه، عن عُقيل، عن الزهري، وقيل: عنه، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة. وقيل: عنه، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال: والاضطراب فيه من ابن لهيعة. وقال الترمذي في "علله الكبرى": سألت محمداً عن هذا الحديث فضعفه وقال: لا أعلم رواه غير ابن لهيعة".
قلت: ابن لهيعة ضعفه جماعة، وقال البيهقي في " باب منع التطهر بالنبيذ": ضعيف الحديث لا يحتج به. والعجب منه أنه مع اعترافه بهذا
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 216) .
(2) (1/ 298) ، وأخرجه كذلك أحمد (6/ 1 70) ، والدارقطني (2/ 46) .

(4/494)


القدر يروى حديثه أيضا في باب الاحتجاج لمذهبه، في باب تكبيرات العيدين، ونَذكر مستند أبي حنيفة وباقي مستند الشافعي إن شاء الله تعالى عن قريب.
1121- ص- نا ابن السرح، أنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن
خالد بن يزيد، عن ابن شهاب بإسناده ومعناه، قال: سوى تكْبيرَتَي الركُوع (1) .
ش- ابن السَرْح أحمد بن عمرو بن السرح، وعبد الله بن وهب،
وعبد الله بن لهيعة، وخالد بن يزيد الإسكندراني المصري.
قوله:"بإسناده" أي: بإسناد حديث ابن شهاب ومعناه، وقال فيه: "سوى تكبيرتَي الركوع".
1122- ص- نا مسدد، نا المعتمر قال: سمعت عبد الله بن
عبد الرحمن الطائفي، يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص قال: قال نبيُ الله- عليه السلام-: " التكبيرُ في الفطرِ
سَبْع [في الأولى] (2) وخمس فَي الأخْرَى (3) ، والقراءةُ بعدهما كِلتَيْهِمَا" (4) .
/ ش- المعتمر بن سليمان [2/96 - أ] وعبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى بن كعب أبو يعلى الطائفي الثقفي.
سمع: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن الشريد، وعمرو بن شعيب، وغيرهم. روى عنه: معتمر بن سليمان، والثورة، وابن المبارك،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "الآخرة".
(4) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1278) .

(4/495)


وغيرهم. قال أبو حاتم: ليس بقوي، لين الحديث. وقال ابن معين: هو صالح. روى له: مسلم في المتابعات، والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود (1) .
(2) والحديث رواه ابن ماجه أيضا، والدارقطني (3) وزاد فيه: "وخمس في الثانية سوى تكبير الصلاة". ورواه البيهقي (4) أيضا وقال: وحديث عبد الله بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في هذا الباب صحيح. وقال النووي في "الخلاصة": قال الترمذي في " العلل ": سألت البخاري عنه فقال: هو صحيح.
قلت: هذا الحديث من جملة مستندات الشافعي، فلذلك تكلف البيهقي في صحته، ولم يلتفت إلى ما قيل في الطائفي، ولا في عمرو ابن شعيب. وقال ابن القطان: والطائفي هذا ضعفه جماعة منهم ابن معين.
1123- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع، نا سليمان- يعني: ابن حيان- عن أبي يعلى الطائفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - عليه السلام- كان يُكبر في الفِطرِ في (5) الأولَى سَبعاً، ثم يَقرأ، ثم يكبرُ، ثم يَقُومُ فيكبرُ أربعاً، ثم يقرأ، ثم يركعُ (6) .
ش- سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وأبو يعلى هو عبد الله بن عبد الرحمن المذكور آنفاً.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3388) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 216- 217) .
(3) سنن الدارقطني (2/ 48) .
(4) السنن الكبرى (3/ 215) .
(5) كلمة " في " غير موجودة في سنن أبي داود.
(6) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1278) .

(4/496)


ص- قال أبو داود: رواه وكيع، وابن المبارك قالا: سبعاً وخمساً.
ش- أي: روى الحديث المذكور وكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا وكيع، نا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - عليه السلام- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة.
1124- ص- نا محمد بن العلاء، وابن أبي زياد- المعنى، المعنى (1) قريب- قالا: نا زيد- يعني: ابن حباب، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عنه أبيه، عن مكحول، أخبرني أبو عائشةَ جليسٌ لأبى هريرةَ: أن سعيدَ بن العاصِ سَألَ أبا مُوسى الأشعري وحذيفةَ بنَ اليمان: كيفَ كان رسولُ الله يُكبرُ في الأضْحَى والفطر؟ فقال أبو مُوسى: كاَنْ يكبرُ أربعاً تكبيرَهُ على الجَنائز، فقال حذيفة: صدَقَ، فقال أبو موسى: كذلك كُنتُ أكبرُ في البصرة حيث كنتُ عليهم. قال أبو عائشةَ: وأنا حاضر سعيدَ بنَ العاصِ (2) .
ش- ابن أبي زياد: عبد الرحمن بن أبي الزياد، وريد بن الحباب الكوفي التيمي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي- بالنون- الدمشقي، وأبوه ثابت بن ثوبان الدمشقي. روى عن: أبي هريرة مرسلاَ، وسمع: ابن المسيب، وابن سيرين، والزهري، ومكحولاً، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة، وغيرهم. قال ابن معين: ضعيف. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: دمشقي لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي سنن أبي داود مرة واحدة.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 812) .

(4/497)


ومكحول أبو عبد الله الدمشقي، وأبو عائشة مولى سعيد بن العاص لا يعرف اسمه.
وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عثمان، أو أبو عبد الرحمن. قال ابن سعد: قبض النبي- عليه السلام- وسعيد ابن تسع سنين، وكان من أشراف قريش، جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان، واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا طبرستان فافتتحها، ويقال: إنه افتتح جرجان أيضا في خلافة عثمان. سمع: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعائشة. روى عنه: ابناه يحيي وعمرو، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير. مات سنة تسع وخمسين. روى له: الترمذي (1) .
قوله: " تكبيرها" أي: كتكبيره على الجنائز.
قوله: "حيث كنت عليهم " أي: حيث كنت واليا عليهم. والحديث:
أخرجه أحمد في "مسنده" (2) ، و " (3) استدل به ابن الجوزي في التحقيق" لأصحابنا، ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان قال: قال ابن معين: هو ضعيف. وقال أحمد: لم يكن بالقوي، وأحاديثه مناكير.
قال: وليس يُروى عن النبي- عليه السلام- في تكبير العيدين حديث [2/96 - ب] صحيح. وقال في "التنقيح": عبد الرحمن بن ثوبان/ وحقه غير واحد. وقال ابن معين: ليس به بأس. ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 8) ، وأسد الغابة (2/ 1 39) والإصابة (2/ 47) .
(2) (4/ 6 1 4) ، وكذلك البيهقي (3/ 289) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 215) .

(4/498)


قلت: هذا الحديث من جملة مستندات أصحابنا، وليس فيه ما يرد الاستدلال؛ لأن عبد الرحمن بن ثوبان وثَّقه غير واحد كما قال صاحب "التنقيح "، وأما أبو عائشة فإن أبا داود أخرج له وسكت عنه، وأدنى المرتبة أن يكون حديثه حسناً، وقال البيهقي: خُولفَ رواته في موضعين: في رفعه، وفي جواب أبي موسى، والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي- عليه السلام-، كذا رواه السبيعي، عن عبد الله بن موسى، أو ابن أبي موسى، أن سعيد بن العاص أرسل ... إلى آخره.
قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع؟ لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع؛ لأنه راد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه تأدب مع ابن مسعود، فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده فيه حديث عن النبي - عليه السلام- فذكره مرة أخرى. ومن مستندات أصحابنا ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن علقمة، والأسود: أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعاً تسعاً، أربع قبل القراءة، ثم يكبر فيركع، وفي الثانية يقرأ، فإذا فرغ كبر أربعا، ثم ركع.
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدَّثنا هشيم، أنا مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات: خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين.
قلت: وقد روي عن غير واحد من الصحابة نحو هذا.
ومنها: ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا إسماعيل بن
أبي الوليد، نا خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث قال: شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات، ووالى بين القراءتين.

(4/499)


قال: وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا، فسألت خالداً: كيف فعل ابن عباس، ففسر لنا كما صنع ابن مسعود في حديث معمر والثوري، عن أبي إسحاق سواء.
قلت: هذه شواهد لرواية ثوبان المتقدمة، وذكر البيهقي عن ابن مسعود
أنه قال: التكبير في العيدين خمس في الأولى، وأربع في الثانية، ثم قال: هذا رأي من جهة عبد الله. والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولي أن يتبع.
قلت: هذا لا يثبت بالرأي. قال أبو عمر في " التمهيد": مثل هذا
لا يكون رأياً، ولا يكون إلا توقيفاً؛ لأنه لا فرق بين سبع وأقل وكثر من جهة الرأي والقياس. وقال ابن رشد في "القواعد": معلوم أن فعل الصحابة في ذلك توقيف، إذ لا يدخل القياس في ذلك. وقد وافق ابن مسعود على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، على أنه نقل عن أحمد ابن حنبل: ليس يُروى في التكبير في العيدين حديث صحيح؛ وإنما عمل المسلمون بقول ابن عباس؛ لأن أولاده الخلفاء أمَروهم بذلك، فتابعوهم خشية الفتنة لا رجوعاً عن مذاهبهم، واعتقاداً لصحة رأي ابن عباس في ذلك.
فإن قيل: ما تقول فيما " (1) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده عمرو بن عوف المزني: أن رسول الله- عليه السلام- كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة. قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء رُوي في هذا الباب. وقال في "علله الكبرى": سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول؟
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 217- 218) .

(4/500)


قلنا: " (1) قال ابن القطان في "كتابه": وهذا ليس بصريح في التصحيح، فقوله: "هو أصح شيء في الباب" يعني: أشبه ما في الباب وأقل ضعفاً، قوله:"وبه أقول " يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، أي: وأنا أقول أن هذا الحديث أشبه ما في الباب. قال: ونحن وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ، ولكن أوجبه أن كثير بن عبد الله عندهم متروك، قال أحمد بن حنبل: كثير بن عبد الله/ لا يساوي شيئاً. وضرب على حديثه في " المسند "، ولم يحدث به. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي، والدارقطني: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب. وقال ابن حبان: يَرْوي عن أبيه، عن جده نسخة موضوعا لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل التعجب. وقال ابن دحية (2) في"العلم المشهور": وكم حسن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة، وأسانيد واهية، منها هذا الحديث، فإن الحسن عندهم ما نزل عن درجة الصحيح، ولا يُرَد عليه إلا من كلامه، فإنه قال فيه علله " التي في كتابه " الجامعة. والحديث الحسن عندنا ما رُوي من غير وجه، ولم يكن شاذاً ولا في إسناده من يتهم بالكذب " (3) .
* * *
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 217- 218) .
(2) في الأصل: ابن ماجه" وما أثبتناه من نصب الراية، والمشهور أن "العلم المشهور" لابن دحية لا ابن ماجه، وتتمة اسمه في " فضائل الأيام والشهور ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(4/501)


239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر
أي: هذا باب في بيان ما يُقرأ في عيد الأضحى وعيد الفطر، أي:
في صلاتيهما.
1125- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عُمَر بنَ الخطاب سَألَ أبَا واقدٍ الليثي: مَاذَا كان يَقرأ به رسولُ الله في الأضْحَى والفطرِ؟ قال: كان يَقرأ فيهما بـ {ق وَالقُرآن المًجيد} و {اقْتَرَبًت الساعَةُ وَانشَق القَمَر} (1) .ًَ
ش- أبو واقد اسمه: الحارث بن عوف على المشهور، وقيل: الحارث بن مالك. وقيل: عوف بن الحارث بن أسد بن جابر المدني، شهد بدراً، رُوي له عن النبي- عليه السلام- أربعة وعشرون حديثاً، اتفقا على حديث واحد، ولمسلم آخر. روى عنه: أبو مرة مولى عقيل، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وجماعة آخرون. وقد شهد اليرموك والجالية، وقيل: إنه وُلد في العام الذي ولد فيه ابن عباس، كذلك ذكر أبو حسان الأيادي، وفي هذا وفي شهوده بدراً نظر، جاور بمكة سنة، ومات بها سنة ثمان وستين، ودفن في مقبرة المهاجرين بفَخ. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ما يقرأ في صلاة العيدين (14/ 891) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في العيدين (535) ، النسائي: كتاب العيدين، باب: القراءة في العيدين (3/ 183- 184) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة العيدين (1282) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 215) ، وأسد الغابة (6/ 325) ، والإصابة (4/ 5 1 2) .

(4/502)


وهذا الحديث مرسل؛ لأن عبيد الله لا سماع له من عمر، والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولكن مسلماً ذكره متصلاً أيضا من رواية فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن أبي واقد قال: " سألني عمر "، وعبيد الله أدرك أبا واقد بلا شك.
فإن قيل: كيف سأل عمر عن هذا ومثله لا يخفى عليه هذا؟ قلنا: لعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا، أو يكون دخل عليه شك، أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك ب "سبح " و"الغاشية" فأراد عمر الاستشهاد عليه بما سمعه أيضا أبو واقد.
ثم الحكمة من قراءته- عليه السلام- هاتين السورتين كونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر، والله تعالى أعلم.
* * *
240- باب: الجلوس للخطبة
أي: هذا باب في بيان الجلوس لأجل الخطبة.
1126- ص- نا محمد بن الصباح البزاز، نا الفضل بن موسى السينَاني
نا ابن جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن السائب قال: شَهدتُ مع رَسُول الله العيدَ، فَلَما قَضَى الصلاةَ قال: "إِنَّا نَخطُبُ، فَمَنَ أحَبَّ أنْ يَجْلَس للخُطبَةِ فَليَجلِس، وَمَن أحَبَّ أن يَذهبَ فَليَذهبْ " (1) .
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين (185/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في انتظار الخطبة بحد الصلاة (1290) .

(4/503)


ش- من ذلك قالت العلماء: إن الخطبة في صلاة العيد ليست بشرط، حتى لو تركها لا يضر بخلاف الجمعة.
ص- قال أبو داودَ: هذا يُروي مُرْسَل (1) .
ش- معناه: أن الصواب أن يكون الحديث مرسلاً عن عطاء، عن النبي- عليه السلام-، وليس المعنى أن هذه الطريقة التي خرجه بها مرسلة، يدل عليه كلام النسائي أيضا، قال: هذا خطأ والصواب مرسل وأخرجه ابن ماجه أيضا.
* * *
241- باب: الخروج إلى العيد في طريق
ويرجع في طريق آخر (2)
أي: هذا باب في بيان مخالفة الطريق في الخروج إلي العيد.
1127- ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الله- يعني: ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ الله أخَذَ يَومَ العيد في طَريق، ثم رَجَعَ في طَرِيقِ أخْرَى (3) " (4) .
9 [2/97 - ب] ش- عبد الله بن عمر بن/ حفص العُمري، وفيه مقال كما ذكرنا، وقد أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله بن عمر، وأخرج البخاري في
"صحيحه" من حديث سعيد بن الحارث، عن جابر- وهو: ابن عبد الله-
قال: "كان النبي- عليه السلام- إذا كان يوم عيد خالف الطريق".
__________
(1) في سنن أبي داود: "هذا مرسل عن عطاء" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) كلمة "آخر" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "آخر".
(4) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الخروج يوم العيد من طريق والرجوع من غيره (1299) .

(4/504)


وقال: تابعه يونس بن محمد، عن فليح، عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح.
اختلف في معنى مخالفة الطريق، فقيل: ليشهد له الطريقان. وقيل: ليتصدق على أهلهما. وقيل: لأن الزحام كان في الطريق الأعظم وهو الذي مضى فيه؛ لأنهم كانوا يرصدونه فيه، فأراد أن يخفف على الناس. وقيل: لأن الطريق الذي يغدو فيه أطول؛ لأن الثواب يكثر بطول الطريق إلى العبادة. وقيل: كان يحب أن يساوي بين أهل الطريقين ليتبركون به، ويسرون بمشاهدته، وينتفعون بمسألته. وقيل: كان يقصد بذلك غيظ المنافقين، ويريهم كثرة عدد المسلمين. قال الشافعي: وأحِب ذلك للإمام والمأموم.
واختلف في فعل ذلك بعد الرسول- عليه السلام-، فقيل: إذا عقلنا معنى ما فعله رسول الله، وكان المعنى باقياً، أو لم نعقل معناه، فإنا نقتدي به فيه، فأما إذا عقلنا معناه ولم يكن باقياً لم نفعله. وقيل: بل نقتدي به فيه وإن زال معناه. وقد وقع في بعض النسخ الحديث الذي يأتي في الباب الذي يأتي.
1128- ص- نا حمزة بن نُصَير، نا ابن أبي مريم، نا إبراهيم بن سويد،
نا أنيْس بن أبي يحيي، أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي، أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري أنه قال: كُنتُ أغْدو مع أصحابِ رَسول الله إلى المُصلي يَومَ الفِطرِ ويومَ الأضْحَى، فَنَسْلُكُ بَطنَ بَطحَانَ حَتى نًأتِيً المُصلي، فَنُصلي مع رسول الله، ثم نَرْجِعُ من بَطنِ بَطحَانَ إلى بُيُوتِنَا (1) .َ
ش- لم يذكره عبد العظيم في "مختصر السنن " إلا في "باب إذا لم
__________
(1) تفرد به أبو داود.
33. شرح سنن أبي داود 4

(4/505)


يخرج الإمام للعيد" (1) ، وليس بمناسب، بل المناسب ما ذكرناه كما هو وقع في النسخ الصحيحة، وأخرجه البيهقي في "سننه" وابن منده في "معرفة الصحابة" والبكري في "معجمه".
حمزة بن نُصير بن الفرج أبو عبد الله. روى عن: ابن أبي مريم. روى عنه: أبو داود، والنسائي. مات سنة خمس وخمسين ومائتين (2) .
وابن أبي مريم: سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد المصري.
وإبراهيم بن سويد بن حَيَّان المديني. روى عن: هلال بن زيد، وعبد الرحمن بن مخبر، ويزيد بن أبي عبيد، وغيرهم. روى عنه: ابن أبي مريم، وابن وهب. قال أبو زرعة: ليس به بأس. روى له: البخاري، وأبو داود (3) .
وأنَيْس بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم أبو يونس المدني، واسم أبي يحيي سمعان، وقال البخاري: هو أخو محمد وعبد الله. سمع: أباه، وصفوان بن عيسى، وإسحاق بن سالم. سمع منه: مكي بن إبراهيم، ويحي القطان وكان يُثبتُه. وروى عنه: إبراهيم بن سويد،
__________
(1) وكذا في سنن أبي داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1518/7) وفيه: "حمزة بن نصير بن حمزة بن نصير الأسلمي المصري" وقال محققه: وقال المؤلف متعقبا الحافظ ابن عساكر في حاشية نسخته: قال صاحب النبل: حمزة بن نصير بن الفرج أبو عبد الله، روى عنه دن. والصحيح في نسبه ما ذكرناه، هكذا نسبه ابن يونس في تاريخه. وقال أبو داود في أواخر العيدين: "حدثنا حمزة ابن نصر المصري". ونصير بن الفرج طرسوسي، وهو من أقران حمزة بن نصير هذا، ولا يصح أن يكون أباه" ا. هـ.
(3) المصدر السابق (2/ 180) .

(4/506)


وغيره. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست وأربعين ومائة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وإسحاق بن سالم مولى بني نوفل بن عدي، روى عن: أبي هريرة.
وسمع: بكر بن مبشر الأنصاري، والمغيرة بن نوفل. روى عنه: أنَيْس
ابن أبي يحيي. روى له: أبو داود (2) .
وبكر بن مبشر بن جبر (3) الأنصاري المديني. روى عنه: إسحاق بن
سالم. قال عبد الرحمن: له صحبة. روى له: أبو داود (4) .
قوله: "بطن بطحان " بطحان- بفتح الباء الموحدة، وسكون الطاء-:
اسم وادي للمدينة، والبطحانيون منسوبون إليه، وكثرهم يضمون الباء.
قال ابن الأثير: ولعله الأصح. وفي بعض النسخ: " فنسلك طريق بطحان، ثم نرجع من بطن بطحان"، فإن كان طريقها من غير بطنها يكون فيه اختلاف الطريق، وان كان هو هو فليس فيه اختلاف الطريق، وكذا في النسخة الأولى ليس فيه اختلاف الطريق.
* * *
242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد
أي: هذا باب في بيان ما إذا لم يخرج الإمام إلى المصلى لصلاة
العيد، لعدم ثبوته في أول النهار، يخرج من غده إلى المصلي ويصلي ولا
يترك.
/ 1129- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية [2/98 - أ]
__________
(1) المصدر السابق (3/571) .
(2) المصدر السابق (2/ 353) .
(3) تصحف في أسد الغابة والإصابة إلى "خير".
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 165) ، وأسد الغابة (1/ 241) ، والإصابة (1/ 164) .

(4/507)


عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من أصحاب النبي- عليه السلام-: أن رَكْباً جَاءوا إلى النبي- عليه السلام- يشْهَدُونَ أنهم رَأوُ الهِلالَ بالأمْسِ، فأمَرَهُم أن يُفْطِرُوا، وإذا أصبَحُوا أن يَغْدُوا إلى مُصَلاهُم (1)
ش- أبو عُمَيْر هو عبد الله بن أنس بن مالك- رضي الله عنه-.
قوله: "عن عمومة" العمومة جمع عم، كالخؤولة جمع خال. والركب جمع راكب، والمراد منه: الجماعة، ويقال: الركب اسم من أسماء الجمع كالنفر والرهط.
ويستفاد من الحديث فائدتان: الأولى: إذا شهد جماعة برؤية الهلال بالأمس وجب الإفطار.
والثانية: يصلون صلاة العيد من الغد.
وقال صاحب الهداية: فإن غم الهلال، وشهدوا عند الإمام بالهلال بعد الزوال، صلى العيد من الغد؛ لأن هذا تأخير بعذر وقد ورد فيه الحديث، فإن حدث عذر يمنع الناس من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى إلا أنا تركناه بالحديث، وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر.
قلت: أشار بقوله: "وقد ورد فيه الحديث " إلى حديث أبي عمير هذا. " (2) وأخرجه أبن ماجه أيضا، ورواه الدارقطني وقال: إسناده حسن. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه "، والنسائي أيضا، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث سعيد بن عامر، ثنا سعيد، عن
__________
(1) النسائي: كتاب العيدين، باب: الخروج إلى العيدين من الغد (3/ 180) ، ابن ماجه: كتاب الصيام، باب: ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال (1653) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 211- 212) .

(4/508)


قتادة، عن أنس بن مالك: " أن عمومة له شهدوا عند النبي- عليه السلام- على رؤية الهلال، فأمرهم النبي- عليه السلام- أن يخرجوا للعيد من الغد " قال الدارقطني في "علله": هذا حديث اختلف فيه، فرواه سعيد بن عامر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، وخالفه غيره من أصحاب شعبة، فرووه عن شعبة، عن أبي بشر، عن أبي عمير ابن أنس، عن عمومته، عن النبي- عليه السلام-، وكذلك رواه أبو عوانة، وهشيم، عن أبي بشر، وهو الصواب. وقال ابن القطان في "كتابه": وعندي أنه حديث يجب النظر فيه، ولا يُقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير، فإنه لا يعرف له كثير شيء، وإنما له حديثان أو ثلاثة لم يروها عنه غير أبي بشر، ولا أعرف أحداً عرف من حاله ما يوجب قبول روايته، ولا هو من المشاهير المختلف في ابتغاء مزيد العدالة على إسلامهم، وقد ذكر الباوردي حديثه هذا وسماه في " سَنده" (1) : عبدَ الله، وهذا لا يكفي في التعريف بحاله، وفيه مع الجهل بحال أبي عمير كون عمومته لم يُسمّوا، فالحديث جدير بأن لا يقال فيه صحيح. والجواب عن هذا: ما قاله النووي في "الخلاصة": هو حديث صحيح، وعمومة أبي عمير صحابة لا تضر جهالة أعيانهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول، واسم أبي عُمير: عبد الله، وهو أكبر أولاد أنس- رضي الله عنه- " (2) .
وقال الخطابي (3) : "وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب، وإلى هذا ذهب الأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق في الرجل لا
__________
(1) في نصب الراية: "مسنده".
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) معالم السنن (1/ 218) .

(4/509)


يعلم بيوم الفطر إلا بعد الزوال. وقال الشافعي: إن علموا بذلك قبل الزوال خرجوا وصلى الإمام بهم صلاة العيد، وإن لم يعلموا إلا بعد الزوال لم يصلوا يومهم، ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت إذا جار ذلك الوقت لم يعمل في غيره: وكذلك قال مالك، وأبو ثور، ثم قال الخطابي: سُنَة رسول الله أولى.
قلت: أشار بهذا إلى تضعيف قول الشافعي، وأن السُنة هي الأوْلى للاتباع والعمل.
* * *
243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة التطوع بعد صلاة العيد.
1130- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، نا عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابنِ عباسِ- رضي الله عنهما- قال: خَرجَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَومَ فطر فَصلي ركعتين لم يُصَل قَبْلَهَا ولا بَعْدَهَا (1) ، ثم أتَى النساءَ ومعَهُ بلالَ، ً فَأمَرَهُن بالصدقَة، فَجَعَلَتِ المَرْأةُ تُلقِي خُرصهَا وسِخَابَهَا (2) .َ
__________
(1) في سنن أبي داود: "قبلهما ولا بعدهما".
(2) البخاري: كتاب العيدين، باب: الخطبة بعد العيد (964) ، كتاب العيدين، باب: الصلاة قبل العيد وبعدها (989) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ترك الصلاة قبل العيد ويعدها في المصلى (13/ 884) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء لا صلاة قبل العيد ولا بعدها (537) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الصلاة قبل العيدين وبعدها (193/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل العيد ويعدها (1291) .

(4/510)


ش- الخُرص- بضم الخاء المعجمة، وسكون الراء، وبصاد مهملة-: حلقة صغيرة، وهي من حُلي/ الأذن يكون من الذهب [2/98 - ب] والفضة، وقيل: هو القرط يكون فيه حبة واحدة في حلقة واحدة. وفيه لغة أخرى: "خِرص" بكسر الخاء. والسخاب- بكسر السين المهملة، وبعدها خاء معجمة، وبعد الألف باء موحدة- قال البخاري: القلادة من طيب أو مسك. وقيل: هو خيط يُنظم فيه خرز، ويلبسه الصبيان والجواري، وفيه قلادة من مسك (1) وقرنفل ومحلب ليس فيها من الجوهر شيء. والحديث: أخرجه الجماعة، واستدل به مالك في أنه تكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين، وقال الشافعي وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها. وقال الأوزاعي، وأبو حنيفة، والكوفيون: لا تكره بعدها وتكره قبلها. وقال الشيخ محيي الدين: ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها، والأصل: أن لا منع حتى يثبت. قلت: روى ابن ماجه في "سننه" بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. ورواه البيهقي أيضاً.
* * *
(1) في الأصل: " سك" كذا.

(4/511)