عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 02 - (بابُ المُحْرَمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ
ولَمْ يَأمُرِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ
يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ)
أَي: هَذَا بَاب فَيجوز إِضَافَته وَيجوز قطعه عَنْهَا
فتقدير الْكَلَام فِي الأول: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال
الْمحرم يَمُوت بِعَرَفَة، وَفِي الثَّانِي: هَذَا بَاب
يذكر فِيهِ الْمحرم يَمُوت. . إِلَى آخِره. قَوْله:
(يَمُوت بِعَرَفَة) حَال من الْمحرم، وَلم يَأْمر
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. عطف عَلَيْهِ، وَلَو
قَالَ: مَاتَ بِعَرَفَة بِصِيغَة الْمَاضِي لَكَانَ أوجه،
وَالْمرَاد بِبَقِيَّة الْحَج رمي الجمرات وَالْحلق وَطواف
الْإِفَاضَة وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا لم يَأْمر النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُؤدى عَن هَذَا الْمحرم
الَّذِي مَاتَ بِعَرَفَة أَن يُؤدى عَنهُ بَقِيَّة الْحَج
لِأَن أثر إِحْرَامه باقٍ أَلا ترى أَنه قَالَ فِي حَقه:
(فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا؟) وَقَالَ
الْمُهلب: هَذَا دَال على أَنه لَا يحجّ أحد عَن أحد
لِأَنَّهُ عمل بدني كَالصَّلَاةِ لَا تدْخلهَا
النِّيَابَة، وَلَو صحت فِيهَا النِّيَابَة لأمر النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بإتمام الْحَج عَن هَذَا.
9481 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ سَعِيدِ
بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ بَيْنا رَجُلٌ واقِفٌ معَ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَةَ إذْ وقعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ
فَوَقَصَتْهُ أوْ قَالَ فأقْعَصَتْهُ فَقَالَ النبيُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وسِدْرٍ
وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ أوْ قَالَ ثَوْبَيْهِ ولاَ
تُحَنِّطُوهُ ولاَ تُخَمِّرُوا رَأسَهُ فإنَّ الله
يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّي..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يَأْمر فِيهِ بِأَن يُؤدى عَن هَذَا الْمحرم
الَّذِي وقصته دَابَّته بَقِيَّة الْحَج، وَإِنَّمَا أَمر
بِغسْلِهِ وتكفينه، وَنهى عَن تحنيطه وتخمير رَأسه،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَاتَ على إِحْرَامه، وَلِهَذَا أخبر
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ يبْعَث يَوْم
الْقِيَامَة وَهُوَ يُلَبِّي، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث
فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ
عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، وَأخرجه فِي: بَاب الحنوط
للْمَيت عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد
بن جُبَير، وَأخرجه فِي بَاب كَيفَ يُكفن الْمحرم عَن أبي
نعْمَان عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير،
وَأخرجه أَيْضا فِيهِ عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن
عَمْرو أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه هُنَا من
ثَلَاث طرق أُخْرَى أَحدهَا عَن سُلَيْمَان ابْن حَرْب عَن
حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير،
والآخران يأتيان عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْجَنَائِز مستقصىً. قَوْله:
(أَو قَالَ) ، شكّ من الرَّاوِي، وَكَذَا قَوْله: (أَو
قَالَ ثوبيه) .
0581 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ بَيْنا
رَجُلٌ واقِفٌ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِعَرَفَةَ إذْ وقعَ عنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أوْ
قَالَ فأوْقَصَتْهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم اغْسِلُوهُ بِماءٍ وسِدْرٍ وكَفِّنُوهُ فِي
ثَوْبَيْنِ ولاَ تَمَسُّوهُ طِيبا ولاَ تُخَمِّرُوا رأسَهُ
ولاَ تُحَنِّطُوهُ فإنَّ الله يَبْعَثُهُ يَوْمَ
القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
هَذَا الطَّرِيق الثَّانِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب
أَيْضا. قَوْله: (فوقصته أَو قَالَ فأوقصته) ، هَذَا شكّ
من الرَّاوِي فِي أَن هَذِه الْمَادَّة من الثلاثي
الْمُجَرّد أَو من الْمَزِيد فِيهِ، وَقد مر أَن
الْمَعْنى: كسرت رَاحِلَته عُنُقه. قَوْله: (وَلَا تمسوه)
، بِفَتْح التَّاء من الْمس، ويروى بِضَم التَّاء من
الإمساس. قَوْله: (ملبيا) ، نصب على الْحَال.
12 - (بابُ سُنَّةِ الْمُحْرِمِ إذَا ماتَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنة الْمحرم فِي كَيْفيَّة
الْغسْل والتكفين، وَغير ذَلِك إِذا مَاتَ فِي إِحْرَامه.
1581 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا
هُشَيْمٌ قَالَ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ
(10/211)
جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رجُلاً كانَ معَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فوَقَصَتْهُ ناقَتُهُ وهُوَ محْرِمٌ فَماتَ
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ
بِماءٍ وسِدْرٍ وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ ولاَ
تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ ولاَ تُخَمِّرُوا رأسَهُ فإنَّهُ
يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
هَذَا الطَّرِيق الثَّالِث عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
الدَّوْرَقِي عَن هشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الشين الْمُعْجَمَة: السّلمِيّ الوَاسِطِيّ عَن أبي بشر،
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة،
واسْمه جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ.
22 - (بابُ الحَجِّ والنُّذُورِ عنِ المَيِّتِ والرَّجُلِ
يَحُجُّ عنِ المَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَج عَن الْمَيِّت، فِي
بَيَان حكم النّذر عَن الْمَيِّت. قَوْله: (وَالنُّذُور)
كَذَا هُوَ بِلَفْظ الْجمع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَالْمُنْذر بِلَفْظ
الْإِفْرَاد. قَوْله: (وَالرجل) ، بِالْجَرِّ عطف على
الْمَجْرُور فِيمَا قبله، أَي: فِي بَيَان حكم الرجل يحجّ
عَن الْمَرْأَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على حكمين.
2581 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنْ
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ
امْرَأَة مِنْ جُهَيْنَةَ جاءتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ
فلَمْ تَحُجَّ حَتَّى ماتَتْ أفأحجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ
حُجِّي عَنْهَا أرَأيْتِ لَوْ كانَ عَلَى أُمِّكِ ديْنٌ
أكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا الله فَالله أحَقُ بِالوَفَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: (إِن أُمِّي نذرت)
إِلَى آخِره، وَفِيه حج عَن نذر الْمَيِّت، وَهُوَ مُطَابق
للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله:
(وَالرجل يحجّ عَن الْمَرْأَة) نظر، لِأَن لفظ الحَدِيث
أَن امْرَأَة سَأَلت عَن نذر كَانَ على أَبِيهَا، فَكَانَ
حق التَّرْجَمَة أَن يَقُول: وَالْمَرْأَة تحج عَن الرجل،
ثمَّ قَالَ: وَأجَاب ابْن بطال بِأَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خَاطب الْمَرْأَة بخطاب دخل فِيهِ
الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهُوَ قَوْله: (اقضوا الله) ،
ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَالَّذِي يظْهر لي أَن
البُخَارِيّ أَشَارَ بالترجمة إِلَى رِوَايَة شُعْبَة عَن
أبي بشر فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ:
(أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن
أُخْتِي نذرت أَن تحج. .) الحَدِيث، وَفِيه: (فأقضي الله
فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ) . وَقَالَ الْكرْمَانِي:
التَّرْجَمَة فِي حج الرجل عَن الْمَرْأَة، وَهَذَا: هُوَ
حج الْمَرْأَة عَن الْمَرْأَة؟ قلت: يلْزم مِنْهُ
التَّرْجَمَة بِالطَّرِيقِ الأولى، وَفِي بعض التراجم
الْمَرْأَة تحج عَن الْمَرْأَة. قلت: فِي كل هَذَا نظر،
أما جَوَاب ابْن بطال فكاد أَن يكون بَاطِلا، لِأَن خطاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُنَا لَيْسَ للمراد
خَاصَّة، وَإِنَّمَا هُوَ خطاب لمن كَانَ حَاضرا هُنَاكَ،
وَدخُول الْمَرْأَة فِي الْخطاب لَا يَقْتَضِي
الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، وَأما جَوَاب هَذَا
الْقَائِل فأبعد من الأول، لِأَن التَّرْجَمَة فِي بَاب
لَا يُقَال بَينهَا وَبَين حَدِيث مَذْكُور فِي بَاب آخر:
إِنَّه مُطَابق لهَذِهِ التَّرْجَمَة، فَالْأَصْل أَن تكون
الْمُطَابقَة بَين تَرْجَمَة وَحَدِيث مذكورين فِي بَاب
وَاحِد، وَأما جَوَاب الْكرْمَانِي فَفِيهِ دَعْوَى
الْأَوْلَوِيَّة بطرِيق الْمُلَازمَة، فَيحْتَاج إِلَى
بَيَان بِدَلِيل صَحِيح مُطَابق، وَالْوَجْه مَا
ذَكرْنَاهُ، فَإِن قَالُوا: يلْزم من ذَلِك تَعْطِيل
الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة عَن ذكر الحَدِيث؟ قلت:
فعلى مَا ذكرُوا يلْزم تَعْطِيل الْجُزْء الثَّانِي.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح
الْعين: الوضاح الْيَشْكُرِي وَأَبُو بشر جَعْفَر بن
إِيَاس، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن
مُسَدّد، وَفِي النذور عَن آدم عَن شُعْبَة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن بنْدَار عَن غنْدر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن امْرَأَة من جُهَيْنَة) ،
بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفتح النُّون: اسْم قَبيلَة فِي قضاعة، وجهينة
بن زيد بن لَيْث بن أسود بن أسلم، بِضَم اللَّام: ابْن
ألحاف بن قضاعة بن مَالك بن حمير فِي الْيمن، وَلم يدر
(10/212)
اسْم الْمَرْأَة، وَلَكِن روى ابْن وهب عَن
عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن أَبِيه أَن غاثية
أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن
أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا نذر أَن تمشي إِلَى الْكَعْبَة،
فَقَالَ: إقضي عَنْهَا. أخرجه ابْن مَنْدَه فِي حرف
الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الصحابيات، وَجزم ابْن طَاهِر
فِي المبهمات بِأَنَّهُ اسْم لجهينة الْمَذْكُورَة فِي
حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي حرف الْغَيْن
الْمُعْجَمَة: غايثة، وَقيل: غاثية سَأَلت عَن نذر أمهَا،
أرْسلهُ عَطاء الْخُرَاسَانِي، وَلَا يثبت. وغاثية بالثاء
الْمُثَلَّثَة بعد الْألف وَبعدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَقيل: بِتَقْدِيم الْيَاء آخر الْحُرُوف على الثَّاء
الْمُثَلَّثَة، وروى النَّسَائِيّ: أخبرنَا عمرَان بن
مُوسَى بَصرِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث وَهُوَ ابْن
سعيد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو التياح واسْمه: يزِيد بن حميد
بَصرِي، قَالَ: حَدثنِي مُوسَى بن سَلمَة الهزلي أَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: أمرت امْرَأَة سِنَان ابْن سَلمَة
الْجُهَنِيّ أَن يسْأَل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَن أمهَا مَاتَت وَلم تحج أفيجزىء عَن أمهَا أَن
تحج عَنْهَا؟ قَالَ: نعم لَو كَانَ على أمهَا دين فقضته
عَنْهَا لم يكن يجزىء عَنْهَا؟ فلتحج عَن أمهَا) .
أَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الله بن خورزاد أنطاكي، قَالَ:
حَدثنَا عَليّ بن حَكِيم الأزدري، قَالَ: حَدثنَا حميد بن
عبد الرَّحْمَن الرواسِي قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد
عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن
سُلَيْمَان بن يسَار، (عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة
سَأَلت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن
أَبِيهَا مَاتَ وَلم يحجّ فَقَالَ: حجي عَن أَبِيك) .
أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان
وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن
يسَار (عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة من خثعم سَأَلت
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَدَاة جمع، فَقَالَت:
يَا رَسُول الله! فَرِيضَة الله فِي الْحَج على عباده
أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يسْتَمْسك على الرحل، أحج
عَنهُ؟ قَالَ: نعم) . فَإِن قلت: هَل يصلح أَن يُفَسر
بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذِه الْأَحَادِيث
الْمُبْهم الَّذِي فِي حَدِيث الْبَاب؟ قلت: لَا يصلح،
لِأَن فِي حَدِيث الْبَاب أَن الْمَرْأَة سَأَلت
بِنَفسِهَا، وَفِي حَدِيث النَّسَائِيّ من طَرِيق عمرَان
بن مُوسَى أَن غَيرهَا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من جِهَتهَا، وَأما السُّؤَال فِي
الْحَدِيثين الآخرين فَعَن مُطلق الْحَج وَلَيْسَ فيهمَا
التَّصْرِيح بِأَن الْحجَّة المسؤول عَنْهَا كَانَت نذرا،
فَإِن قلت: روى ابْن مَاجَه من طَرِيق مُحَمَّد بن كريب
عَن أَبِيه (عَن ابْن عَبَّاس، عَن سِنَان بن عبد الله
الْجُهَنِيّ أَن عمته حدثته أَنَّهَا أَتَت النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: إِن أُمِّي توفيت
وَعَلَيْهَا مشي إِلَى الْكَعْبَة نذرا) الحَدِيث. قلت:
إِن صَحَّ هَذَا فَيحمل على وَاقِعَتَيْنِ بِأَن تكون
امْرَأَته سَأَلت على لِسَانه عَن حجَّة أمهَا
الْمَفْرُوضَة، وَبِأَن تكون عمته سَأَلت بِنَفسِهَا عَن
حجَّة أمهَا الْمَنْذُورَة، وتفسر من فِي حَدِيث الْبَاب
بِأَنَّهَا عمَّة سِنَان وَاسْمهَا: غاثية، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (إِن أُمِّي نذرت أَن تحج) هَكَذَا وَقع فِي هَذَا
الْبَاب بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي النذور من
طَرِيق شُعْبَة عَن أبي بشر بِلَفْظ: (أَتَى رجل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: إِن أُخْتِي نذرت
أَن تحج وَأَنَّهَا مَاتَت) الحَدِيث، فَيحمل على أَن يكون
كل من الْأَخ سَأَلَ عَن أُخْته، وَالْبِنْت سؤلت عَن
أمهَا. قيل: إِن هَذَا اضْطِرَاب يُعلل بِهِ الحَدِيث، ورد
بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن الْمَرْأَة سَأَلت عَن كل من
الصَّوْم وَالْحج. قَوْله: (أفأحج عَنْهَا؟) الْهمزَة
فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (قَالَ:
نعم) ، أَي: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
نعم حجي عَنْهَا، أَي: عَن الْأُم. قَوْله: (أرأيتِ)
بِكَسْر التَّاء، أَي: أَخْبِرِينِي. قَوْله: (قاضية) ،
على وزن فاعلة، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، ويروى:
(قاضيته) ، بالضمير فِي آخِره أَي: قاضية الدّين، وَهُوَ
رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله: (اقضوا الله) أَي: اقضوا
حق الله، فَالله أَحَق بوفاء حَقه من غَيره.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز حج الْمَرْأَة
عَن أمهَا لأجل الْحجَّة الَّتِي عَلَيْهَا بطرِيق النّذر،
وَكَذَا يجوز حج الرجل عَن الْمَرْأَة وَالْعَكْس أَيْضا.
وَلَا خلاف فِيهِ إلاَّ لِلْحسنِ بن صَالح، فَإِنَّهُ
قَالَ: لَا يجوز، وَعبارَة ابْن التِّين الْكَرَاهَة
فَقَط، وَهُوَ غَفلَة، وَخُرُوج عَن ظَاهر السّنة، كَمَا
قَالَ ابْن الْمُنْذر، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أمرهَا أَن تحج عَن أمهَا وَهُوَ عُمْدَة من أجَاز الْحَج
عَن غَيره. وَقَالَت طَائِفَة: لَا يحجّ أحد عَن أحد،
رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عمر وَالقَاسِم وَالنَّخَعِيّ،
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث: لَا يحجّ أحد عَن أحد إلاَّ عَن
ميت لم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام وَلَا يَنُوب عَن فَرْضه،
فَإِن أوصى الْمَيِّت بذلك فَعِنْدَ مَالك وَأبي حنيفَة
يخرج من ثلثه، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ، وَعند الشَّافِعِي:
من رَأس مَاله، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِيه أَن الْحجَّة
لواجبة من رَأس المَال، كَالدّين، وَإِن لم يوص. وَهُوَ
قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَعَطَاء وطاووس وَابْن
سِيرِين وَمَكْحُول وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ
وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر. قلت: مَذْهَب
(10/213)
أبي حنيفَة لَيْسَ كَذَلِك، بل مذْهبه أَن
من مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام لم يلْزم الْوَرَثَة
سَوَاء أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ أَو لَا، خلافًا
للشَّافِعِيّ فَإِن أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ مُطلقًا يحجّ
عَنهُ من ثلث مَاله، فَإِن بلغ من بَلَده يجب ذَلِك، وَإِن
لم يبلغ أَن يحجّ من بَلَده فَالْقِيَاس أَن تبطل
الْوَصِيَّة. وَفِي الِاسْتِحْسَان: يحجّ عَنهُ من حَيْثُ
بلغ، وَإِن لم يُمكن أَن يحجّ عَنهُ بِثلث مَاله من مَكَان
بطلت الْوَصِيَّة وَيُورث عَنهُ. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة
الْقيَاس، وَضرب الْمثل ليَكُون أوضح وأوقع فِي نفس
السَّامع، وَأقرب إِلَى سرعَة فهمه. وَفِيه: تَشْبِيه مَا
اخْتلف فِيهِ وأشكل بِمَا اتّفق عَلَيْهِ. وَفِيه: أَنه
يسْتَحبّ للمفتي التَّنْبِيه على وَجه الدَّلِيل إِذا
ترَتّب على ذَلِك مصلحَة، وَهُوَ أطيب لنَفس المستفتي
وأدعى لإذعانه. وَفِيه: أَن وَفَاء الدّين المالي عَن
الْمَيِّت كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم مقررا، وَلِهَذَا حسن
الْإِلْحَاق بِهِ. وَفِيه: مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِيَّة
على أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ حج وَجب على وليه أَن يُجهز من
يحجّ عَنهُ من رَأس مَاله، كَمَا أَن عَلَيْهِ قَضَاء
دُيُونه، وَقَالُوا: أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم شبه الْحَج بِالدّينِ وَهُوَ مقضي وَإِن لم يوص؟
وَلم يشْتَرط فِي إِجَازَته ذَلِك شَيْئا، وَكَذَلِكَ
تشبيهه لَهُ بِالدّينِ يدل على أَن ذَلِك عَلَيْهِ من
جَمِيع مَاله دون ثلث مَاله، كَسَائِر الدُّيُون، قُلْنَا:
لَا نسلم ذَلِك، لِأَن الْمَيِّت لَيْسَ لَهُ حق إلاَّ فِي
ثلث مَاله، وَدين الْعباد أقوى لأجل أَن لَهُ مطالبا
بِخِلَاف دين الله تَعَالَى، فَلَا يعْتَبر إلاَّ من
الثُّلُث لعدم المنازع فِيهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فِي
الحَدِيث إِشْعَار بِأَن المسؤول عَنهُ خلف مَالا
فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حق الله
مقدم على حق الْعباد، وَاجِب عَلَيْهِ الْحَج عَنهُ.
وَالْجَامِع عِلّة الْمَالِيَّة، وَاعْترض بِأَنا لَا نسلم
ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم قَوْله: (أَكنت قاضية؟)
أَن يكون ذَلِك مِمَّا خَلفه، وَيجوز أَن يكون تَبَرعا،
وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
32 - (بابُ الحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ
عَلَى الرَّاحِلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَج عَن الشَّخْص
الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة، وَهِي
المركوب من الْإِبِل، وَقَالَ بَعضهم: أَي من الْإِحْيَاء،
قلت: هَذَا تَفْسِير عَبث لِأَن الأذهان قطّ لَا تتبادر
إِلَى الْأَمْوَات.
3581 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ
شِهَابٍ عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ
الْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أنَّ
امْرَأَة (ح) . حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ
حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سَلَمَةَ قَالَ حدَّثنا
ابنُ شِهَابٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَتِ
امْرَأة مِنْ خَثْعَمٍ عامَ الوَدَاعِ قالَتْ يَا رسولَ
الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ
أدْرَكَتْ أبِي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ
يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهلْ يَقْضِي عَنْهُ أنْ
أحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك
بن مخلد وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز وَابْن
شهَاب بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان) وَفِي رِوَايَة
التِّرْمِذِيّ من طَرِيق روح عَن ابْن جريج: أَخْبرنِي
ابْن شهَاب حَدثنِي سُلَيْمَان بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس،
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب الَّتِي تَأتي فِي الاسْتِئْذَان:
عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي سُلَيْمَان أَخْبرنِي عبد الله
بن عَبَّاس. قَوْله: (عَن الْفضل بن عَبَّاس) ، كَذَا
قَالَه ابْن جريج وَتَابعه معمر وَخَالَفَهُمَا مَالك
وَأكْثر الروَاة عَن الزُّهْرِيّ فَلم يَقُولُوا فِيهِ:
عَن الْفضل، وَرُوِيَ عَن التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ:
سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن هَذَا
فَقَالَ: أصح شَيْء فِيهِ مَا روى ابْن عَبَّاس عَن
الْفضل، قَالَ: فَيحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس سَمعه من
الْفضل وَمن غَيره، ثمَّ رَوَاهُ بِغَيْر وَاسِطَة.
قَوْله: (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل) فِيهِ انْتِقَال
من طَرِيق إِلَى طَرِيق آخر، وَإِنَّمَا رجح الرِّوَايَة
عَن الْفضل لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيف النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس قد تقدم
من مُزْدَلِفَة إِلَى منى مَعَ الضعفة، كَمَا سَيَأْتِي
عَن قريب، وَقد ذكر فِيمَا مضى فِي بَاب التَّلْبِيَة
وَالتَّكْبِير من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْدف الْفضل فَأخْبر
الْفضل أَنه لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى الْجَمْرَة،
فَكَأَن الْفضل حدث أَخَاهُ بِمَا شَاهده فِي تِلْكَ
الْحَالة، وَقد يحْتَمل أَن يكون سُؤال
(10/214)
الخثعمية وَقع بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة،
فحضره ابْن عَبَّاس فنقله تَارَة عَن أَخِيه لكَونه صَاحب
الْقِصَّة، وَتارَة عَمَّا شَاهده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا
وَقع عِنْد التِّرْمِذِيّ وَأحمد وَابْنه عبد الله والطبري
من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مِمَّا يدل
على أَن السُّؤَال الْمَذْكُور وَقع عِنْد النَّحْر بعد
الْفَرَاغ من الرَّمْي، وَأَن الْعَبَّاس كَانَ شَاهدا،
وَلَفظ أَحْمد من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع، (عَن
عَليّ، قَالَ: وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِعَرَفَة، فَقَالَ: هَذِه عَرَفَة وَهُوَ الْموقف) فَذكر
الحَدِيث، وَفِيه: (ثمَّ أَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا،
ثمَّ أَتَى المنحر، فَقَالَ: هَذَا المنحر وكل منى منحر،
واستفتته) . وَفِي رِوَايَة عبد الله: (ثمَّ جَاءَتْهُ
جَارِيَة شَابة من خثعم فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير قد
أَدْرَكته فَرِيضَة الله فِي الْحَج، أفيجزىء أَن أحج
عَنهُ؟ قَالَ: حجي عَن أَبِيك. قَالَ: ولوى عنق الْفضل،
فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله {لويت عنق ابْن عمك}
قَالَ: رَأَيْت شَابًّا وشابة. فَلم آمن عَلَيْهِمَا
الشَّيْطَان) . وَظَاهر هَذَا أَن الْعَبَّاس كَانَ حَاضرا
لذَلِك، فَلَا مَانع أَن يكون ابْنه عبد الله أَيْضا كَانَ
مَعَه. قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب
الَّتِي تَأتي فِي الاسْتِئْذَان: يَوْم النَّحْر، وَفِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن
شهَاب: (غَدَاة جمع) . قَوْله: (شَيخا كَبِيرا) نصب على
الِاخْتِصَاص، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شَيخا حَال، وَفِيه
نظر. قَوْله: (لَا يَسْتَطِيع) ، يجوز أَن يكون صفة لَهُ،
وَيجوز أَن يكون حَالا. قَوْله: (يقْضِي) أَي: يجزىء أَو
يَكْفِي أَو ينفذ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز النِّيَابَة عَن
الْعَاجِز، قَالَ أَصْحَابنَا: من قدر على الْحَج بِبدنِهِ
لم يجز لَهُ أَن يحجّ عَنهُ غَيره، وَلَو عجز عَنهُ عَجزا
لَا يَزُول مثل: الزمانة والعمى جَازَ أَن يحجّ عَنهُ
غَيره، وَإِن كَانَ يَزُول: كالمرض وَالْحَبْس، فَإِن
اسْتمرّ إِلَى الْمَوْت يجْزِيه وَيلْزمهُ حجَّة
الْإِسْلَام. وَفِيه: بر الْوَالِدين بِالْقيامِ بمصالحهما
من قَضَاء دين وَحج وخدمة وَغير ذَلِك. وَفِيه: جَوَاز حج
الْمَرْأَة عَن الرجل. وَفِيه: جَوَاز استفتاء الْمَرْأَة
من أهل الْعلم عِنْد الْحَاجة. وَفِيه: التَّرْغِيب إِلَى
الرحلة لطلب الْعلم. فَافْهَم. وَالله أعلم.
42 - (بابُ حَجِّ المَرْأةِ عنِ الرَّجُلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز حج الْمَرْأَة عَن
الرجل، وَفِيه خلاف ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
5581 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ
عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عنْ عَبْدِ
الله بنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ
كانَ الْفَضْلُ رَديفَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجَاءَتْ امْرأةٌ مِنْ خَثْعَمَ فجَعَلَ الفَضْلُ
يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ فجَعَلَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْرِفُ وجْهَ الفَضْلِ إِلَى
الشِّقِّ الآخرِ فقالَتْ إنَّ فَرِيضَةَ الله أدْرَكَتْ
أبِي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ
أفأحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وذالِكَ فِي حَجِّةِ
الوَدَاعِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أفأحج عَنهُ؟
قَالَ: نعم) وَهُوَ يخبر بِجَوَاز حج الْمَرْأَة عَن
الرجل.
قَوْله: (كَانَ الْفضل) وَهُوَ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَخُو
عبد الله، وَكَانَ أكبر ولد الْعَبَّاس، وَبِه كَانَ يكنى،
وَكَانَ شَقِيق عبد الله، وأمهما أم الْفضل لبَابَة
الْكُبْرَى بنت الْحَارِث بن حزن الْهِلَالِيَّة، مَاتَ
فِي طاعون عمواس بِنَاحِيَة الْأُرْدُن سنة ثَمَانِي عشرَة
من الْهِجْرَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (رَدِيف النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) وَزَاد شُعَيْب فِي رِوَايَة: (على عجز
رَاحِلَته) . قَوْله: (من خثعم) ، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: قَبيلَة
مَشْهُورَة. قَوْله: (فَجعل الْفضل ينظر إِلَيْهَا) ،
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: (وَكَانَ الْفضل رجلا وضيئا) .
أَي: جميلاً. (وَأَقْبَلت امْرَأَة من خثعم وضيئة،
فَطَفِقَ الْفضل ينظر إِلَيْهَا وَأَعْجَبهُ حسنها.
قَوْله: (يصرف وَجه الْفضل) ، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب:
(فَالْتَفت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْفضل
ينظر إِلَيْهَا فأخلف بِيَدِهِ، فَأخذ بذقن الْفضل فَعدل
وَجهه عَن النّظر إِلَيْهَا) . وَوَقع فِي رِوَايَة
الطَّبَرِيّ، فِي حَدِيث عَليّ: (وَكَانَ الْفضل غُلَاما
جميلاً، فَإِذا جَاءَت الْجَارِيَة من هَذَا الشرق صرف
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجه الْفضل إِلَى
الشق الآخر، فَإِذا جَاءَت إِلَى
(10/215)
الشق الآخر صرف وَجهه عَنهُ) . وَقَالَ فِي
آخِره: (رَأَيْت غُلَاما حَدثا وَجَارِيَة حدثة، فَخَشِيت
أَن يدْخل بَينهمَا الشَّيْطَان) . قَوْله: (إِن فَرِيضَة
الله أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا) ، وَفِي رِوَايَة عبد
الْعَزِيز وَشُعَيْب: (إِن فَرِيضَة الله على عباده فِي
الْحَج) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى بن
أبي إِسْحَاق عَن سُلَيْمَان بن يشار: (إِن أبي أدْركهُ
الْحَج) واتفقت الرِّوَايَات كلهَا عَن ابْن شهَاب على أَن
السائلة كَانَت امْرَأَة، وَأَنَّهَا سَأَلت عَن أَبِيهَا
وَخَالفهُ يحيى بن أبي إِسْحَاق عَن سُلَيْمَان، فاتفق
الروَاة عِنْد عَليّ أَن السَّائِل رجل.
وَاعْلَم أَنهم اخْتلفُوا على سُلَيْمَان بن يسَار فِي
إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَمَتنه، أما إِسْنَاده فَقَالَ
هشيم عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن
عَبَّاس، وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن شهَاب عَن
سُلَيْمَان عَن الْفضل، أخرجهُمَا النَّسَائِيّ وَقَالَ
ابْن علية: عَنهُ عَن سُلَيْمَان حَدثنِي أحد ابْني
الْعَبَّاس إِمَّا الْفضل وَإِمَّا عبد الله، أخرجه
أَحْمد. وَأما الْمَتْن فَقَالَ هشيم: إِن رجلا سَأَلَ
فَقَالَ: إِن أبي مَاتَ وَقَالَ ابْن سِيرِين: فجَاء رجل
فَقَالَ: إِن أُمِّي عَجُوز كَبِيرَة، وَقَالَ ابْن علية:
فجَاء رجل فَقَالَ: إِن أبي وَأمي، وَخَالف الْجَمِيع معمر
عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق، فَقَالَ فِي رِوَايَته إِن
الْمَرْأَة سَأَلت عَن أمهَا. قَوْله: (لَا يثبت على
الرَّاحِلَة) وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز
وَشُعَيْب: (لَا يسْتَمْسك على الرحل) ، وَفِي رِوَايَة
يحيى بن أبي إِسْحَاق زِيَادَة وَهِي: (إِن شددته خشيت أَن
يَمُوت) ، وَكَذَا فِي مُرْسل الْحسن. وَفِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أخرجه ابْن خُزَيْمَة بِلَفْظ: (وَإِن شددته
بالحبل على الرَّاحِلَة خشيت أَن أَقتلهُ) . قَوْله:
(أفأحج عَنهُ؟) أَي: أَيجوزُ أَن أنوب عَنهُ؟ وَإِنَّمَا
قَدرنَا هَكَذَا لِأَن مَا بعد الْفَاء الدَّاخِلَة
عَلَيْهَا الْهمزَة معطوفة على مُقَدّر، وَفِي رِوَايَة
عبد الْعَزِيز وَشُعَيْب: (فَهَل يقْضى عَنهُ؟) وَفِي
حَدِيث عَليّ: (هَل يجزىء عَنهُ؟) قَوْله: (قَالَ: نعم) ،
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (فَقَالَ: أحجج عَن أَبِيك) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الْحَج عَن
الْغَيْر وَقد ذَكرْنَاهُ. وَفِيه: جَوَاز الارتداف.
وَفِيه: جَوَاز كَلَام الْمَرْأَة وَسَمَاع صَوتهَا
للأجانب عِنْد الضَّرُورَة كالاستفتاء عَن الْعلم والترافع
فِي الحكم والمعاملة. وَفِيه: منع النّظر إِلَى الأجنبيات
وغض الْبَصَر. وَفِيه: بَيَان مَا ركب فِي الْآدَمِيّ من
الشَّهْوَة وَمَا جبلت طباعه عَلَيْهِ من النّظر إِلَى
الصُّورَة الْحَسَنَة. وَفِيه: تواضع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: ظُهُور منزلَة الْفضل بن عَبَّاس
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: إِزَالَة
الْمُنكر بِالْيَدِ.
52 - (بابُ حَجَّةِ الصِّبْيَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر حجَّة الصّبيان فِي الْأَحَادِيث
الَّتِي يذكرهَا فِي هَذَا الْبَاب، وَقَالَ بَعضهم:
قَوْله: بَاب حجَّة الصّبيان، أَي مشروعيته. قلت: كَيفَ
يَقُول هَكَذَا على الْإِطْلَاق، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيث
الْبَاب شَيْء يدل صَرِيحًا على مَشْرُوعِيَّة حجتهم وَلَا
عدم مشروعيته؟ فَلذَلِك أطلق البُخَارِيّ كَلَامه فِي
التَّرْجَمَة وَمَا حكم بِشَيْء. فَإِن قلت: روى مُسلم من
حَدِيث كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس: (أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي ركبا
بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: من الْقَوْم قَالُوا
الْمُسلمُونَ فَقَالُوا من أَنْت قَالَ رَسُول الله فَرفعت
إِلَيْهِ امْرَأَة صَبيا فَقَالَت لهَذَا حج قَالَ نعم،
وَلَك أجر) . قلت: الظَّاهِر أَنه لَيْسَ على شَرط.
فَلذَلِك لم يُخرجهُ أَو مَا وقف عَلَيْهِ، وَقد احْتج
بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث دَاوُد وَأَصْحَابه من
الظَّاهِرِيَّة وَطَائِفَة من أهل الحَدِيث على أَن
الصَّبِي إِذا حج قبل بُلُوغه كفى ذَلِك عَن حجَّة
الْإِسْلَام، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يحجّ حجَّة أُخْرَى
عَن حجَّة الْإِسْلَام، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ،
وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَمُجاهد وَالنَّخَعِيّ
وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَآخَرُونَ من عُلَمَاء
الْأَمْصَار: لَا يجزىء الصَّبِي مَا حجه عَن حجَّة
الْإِسْلَام، وَعَلِيهِ بعد بُلُوغه حجَّة أُخْرَى.
وَفِي (أَحْكَام ابْن بزيزة) : أما الصَّبِي فقد اخْتلف
الْعلمَاء هَل ينْعَقد حجه أم لَا؟ والقائلون بِأَنَّهُ
منعقدا اخْتلفُوا هَل يُجزئهُ عَن حجَّة الْفَرِيضَة إِذا
بلغ وعقل أم لَا؟ فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد
إِلَى أَن حجه ينْعَقد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا
ينْعَقد، وَاخْتلف هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بانعقاده،
فَقَالَ دَاوُد وَغَيره: يُجزئهُ عَن حجَّة الْفَرِيضَة
بعد الْبلُوغ، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجْزِيه.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَكَانَ من الْحجَّة على هَؤُلَاءِ
أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث إلاَّ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن للصَّبِيّ حجا، وَلَيْسَ فِيهِ
مَا يدل على أَنه إِذا حج يجزىء عَن حجَّة الْإِسْلَام.
فَإِن قلت: مَا الدَّلِيل على ذَلِك؟ قلت: قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن
الصَّغِير حَتَّى يكبر) . فَإِذا ثَبت أَن الْقَلَم
مَرْفُوع عَنهُ ثَبت أَن الْحَج لَيْسَ بمكتوب عَلَيْهِ،
كَمَا أَنه إِذا صلى فرضا ثمَّ بلغ بعد ذَلِك فَإِنَّهُ
لَا يُعِيدهَا، ثمَّ إِن عِنْد أبي حنيفَة
(10/216)
إِذا أفسد الصَّبِي حجه لَا قَضَاء
عَلَيْهِ وَلَا فديَة عَلَيْهِ إِذا اصطاد صيدا. وَقَالَ
مَالك: يحجّ بِالصَّبِيِّ وَيَرْمِي عَنهُ ويجنب مَا
يجتنبه الْكَبِير من الطّيب وَغَيره، فَإِن قوي على
الطّواف وَالسَّعْي وَرمي الْجمار وإلاَّ طيف بِهِ
مَحْمُولا، وَمَا أَصَابَهُ من صيد أَو لِبَاس أَو طيب فدى
عَنهُ. وَقَالَ: الصَّغِير الَّذِي لَا يتَكَلَّم إِذا جرد
يَنْوِي بتجريده الْإِحْرَام، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم:
يُغْنِيه تجريده عَن التَّلْبِيَة عَنهُ، فَإِن كَانَ
يتَكَلَّم لبّى عَن نَفسه.
6581 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ
بنُ زَيْدٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبِي يَزِيدَ قَالَ
سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
يَقُولُ بعَثَنِي أوْ قَدَّمَنِي النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
(انْظُر الحَدِيث 7761 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عَبَّاس كَانَ
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خجه وَهُوَ مَا
دون الْبلُوغ، فَدخل تَحت قَوْله: (بَاب حجَّة الصّبيان) ،
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب من قدم ضعفة أَهله، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ عَن سُفْيَان عَن عبيد الله بن
أبي يزِيد الحَدِيث. وَأخرجه أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن
حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، (عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من جمع بلَيْل) ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس
هُنَاكَ دون الْبلُوغ، وَلِهَذَا أردفه بحَديثه الآخر
الْمُصَرّح فِيهِ بِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ قد قَارب
الِاحْتِلَام، وَهَذَا يدل على أَن حجَّة الْإِسْلَام
سَقَطت عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (أَو قدمني) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (فِي
الثّقل) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف
الْمَفْتُوحَة وَهُوَ الْأَمْتِعَة، وَالْمرَاد هُنَا
آلَات السّفر ومتاع الْمُسَافِرين. قَوْله: (من جمع)
بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ: الْمزْدَلِفَة.
8581 - حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانُ بنُ يُونُسَ قَالَ
حدَّثنا حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ
عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ حُجَّ بِي معَ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابنُ سَبْعِ سِنِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الرَّحْمَن بن
يُونُس بن هَاشم أَبُو مُسلم الْمُسْتَمْلِي الرقي، مَاتَ
سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: حَاتِم بن
إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن
الْمَدِينَة. الثالت: مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله بن
يزِيد ابْن أُخْت نمر، وَأمه ابْنة السَّائِب بن يزِيد.
الرَّابِع: السَّائِب بن يزِيد بن سعد الْكِنْدِيّ،
وَيُقَال الْأَسدي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، وَيُقَال:
الْهُذلِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَتِسْعين،
وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين.
(10/217)
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث
بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي
موضِعين. وَفِيه: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف. وَفِيه:
رِوَايَة الرَّاوِي عَن جده لأمه. لِأَن مُحَمَّد بن
يُوسُف حفيد السَّائِب، وَقيل: سبطه، وَقيل: ابْن أَخِيه
عبد الله بن يزِيد.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن
قُتَيْبَة عَن حَاتِم بِهِ، وَزَاد فِي حجَّة الْوَدَاع،
وَقَالَ: حسن صَحِيح. قَوْله: (حج بِي) ، بِضَم الْحَاء
على الْبناء للْمَجْهُول، وَقَالَ ابْن سعد عَن
الْوَاقِدِيّ عَن حَاتِم: (حجت بِي أُمِّي) ، وروى الفاكهي
من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن السَّائِب (حج بِي
أبي) قيل: وَيجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ
أَبَوَيْهِ. قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ تحْتَمل
الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ الْفَاعِل
صَرِيحًا، وَقيل: فِيهِ صِحَة حج الصَّبِي وَإِن لم يكن
مُمَيّزا، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ، وَاسْتدلَّ بِهِ
بعض الشَّافِعِيَّة على أَن أم الصَّبِي تجزىء فِي
الْإِحْرَام عَنهُ. قلت: هَذَا لم يفهم من حَدِيث الْبَاب،
وَإِنَّمَا يُمكن الِاسْتِدْلَال بذلك من حَدِيث جَابر،
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن طريف
الْكُوفِي حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بن سوقة
عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر (عَن جَابر بن عبد الله،
قَالَ: رفعت امْرَأَة صَبيا لَهَا إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله!
أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر) . وروى ابْن مَاجَه
أَيْضا نَحوه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث جَابر حَدِيث
غَرِيب، وَقد ذكرنَا حَدِيث ابْن عَبَّاس لمُسلم نَحوه فِي
أول الْبَاب، قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله
تَعَالَى: وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يحرم عَنهُ الْوَلِيّ الَّذِي
يَلِيهِ مَاله وَهُوَ أَبوهُ أَو جده أَو الْوَصِيّ أَو
الْقيم من جِهَة القَاضِي أَو القَاضِي، قَالُوا: وَأما
الْأُم فَلَا يَصح إحرامها عَنهُ إلاَّ أَن تكون وَصِيَّة
أَو قيمَة من جِهَة القَاضِي، وَأَجَابُوا عَن قَوْله:
(وَلَك أجر) أَن المُرَاد أَن ذَلِك بِسَبَب حملهَا لَهُ
وتجنيبها إِيَّاه مَا يَفْعَله الْمحرم، وَأَيْضًا
فَلَعَلَّ الْمَرْأَة كَانَت وَصِيَّة عَلَيْهِ أَو قيمَة
عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنَّهَا أمه،
وَيجوز أَن يكون فِي حجرها بِنَوْع ولَايَة وَاسْتدلَّ
بِهِ بَعضهم على أَن الصَّبِي يُثَاب على طَاعَته وَيكْتب
لَهُ حَسَنَاته، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، وَرُوِيَ
ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب فِيمَا حَكَاهُ الْمُحب
الطَّبَرِيّ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) عَن
مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْجُمْهُور، وَفِي حَدِيث
السَّائِب الْمَذْكُور صِحَة سَماع الصَّبِي الْمُمَيز،
وَهُوَ كَذَلِك، وَخَالف فِي ذَلِك فرقة يسيرَة، وَأنكر
أَحْمد على الْقَائِل بذلك، وَقَالَ: قبح الله من يَقُول
ذَلِك، وَالْمَسْأَلَة مقررة فِي عُلُوم الحَدِيث.
فَإِن قلت: فِي حَدِيث السَّائِب ذكر سنّ التَّمْيِيز،
فَمَا دَلِيل من يصحح حج الصَّبِي إِذا لم يبلغ سنّ
التَّمْيِيز؟ قلت: حَدِيث جَابر الْمَذْكُور فَإِن فِيهِ:
(فَرفعت امْرَأَة صَبيا) ، وَهَذَا أَعم من أَن يكون فِي
سنّ التَّمْيِيز أَو أقل أَو أَكثر إِلَى حد الْبلُوغ،
وَعَن الْمَالِكِيَّة قَولَانِ فِي الْحَج بالرضيع، وَفِي
(التَّوْضِيح) : وَرُوِيَ أَن الصّديق حج بِابْن الزبير
فِي خرقَة، وَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أحجوا
هَذِه الذُّرِّيَّة، وَكَانَ ابْن عمر يجرد صبيانه عِنْد
الْإِحْرَام وَيقف بهم المواقف، وَكَانَت عَائِشَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، تفعل ذَلِك، وَفعله عُرْوَة بن
الزبير، وَقَالَ عَطاء: يجرد الصَّغِير ويلبي عَنهُ ويجنب
مَا يجْتَنب الْكَبِير وَيَقْضِي عَنهُ كل شَيْء إلاَّ
الصَّلَاة، فَإِن عقل الصَّلَاة صلاهَا، فَإِذا بلغ وَجب
عَلَيْهِ الْحَج.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّبِي العَبْد يُحرِمان بِالْحَجِّ
ثمَّ يَحْتَلِم الصَّبِي وَيعتق العَبْد قبل الْوُقُوف
بِعَرَفَة، فَقَالَ مَالك: لَا سَبِيل إِلَى رفض
الْإِحْرَام، ويتماديان عَلَيْهِ وَلَا يجزيهما عَن حجه
الْإِسْلَام، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا نويا بإحرامهما
الْمُتَقَدّم حجَّة الْإِسْلَام أجزأهما. وَقَالَ ابْن
عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَيّمَا غُلَام
حج بِهِ أَهله فَمَاتَ فقد قضى حجَّة الْإِسْلَام، فَإِن
أدْرك فَعَلَيهِ الْحَج، وَأَيّمَا عبد حج بِهِ أَهله
فَمَاتَ فقد قضى حجَّة الْإِسْلَام، فَإِن عتق فَعَلَيهِ
الْحَج.
9581 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ قَالَ أخبرنَا
القَاسِمُ بنُ مالِكٍ عنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ
يَقُولْ لِلْسَّائِبِ بنِ يَزِيدَ وكانَ قدْ حُجَّ بِهِ
فِي ثقَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ قد حج بِهِ) ،
فَإِن السَّائِب كَانَ صَبيا حِين حج بِهِ، والترجمة فِي
حج الصّبيان، و: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن زُرَارَة،
بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى: ابْن وَاقد
الْكلابِي النَّيْسَابُورِي، يكنى أَبَا مُحَمَّد. قَالَ
السراج: مَاتَ لعشر خلون من شَوَّال سنة ثَمَان
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَالقَاسِم بن مَالك
الْمُزنِيّ الْكُوفِي، والجعيد، بِضَم الْجِيم وَفتح
الْعين الْمُهْملَة مُصَغرًا أَو مكبرا: ابْن عبد
الرَّحْمَن بن أَوْس الْكِنْدِيّ، وَيُقَال: التَّمِيمِي
الْمدنِي، وَالَّذِي ذكر هُنَا أَن الجعيد، قَالَ: سَمِعت
عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول
(10/218)
للسائب، وَلم يذكر مقول عمر وَلَا جَوَاب
السَّائِب، وَذَلِكَ لِأَن مَقْصُوده الْإِعْلَام بِأَن
السَّائِب حج بِهِ، وَهُوَ صَغِير، وَكَانَ أصل سُؤَاله
عَن قدر الْمَدّ على مَا يَأْتِي فِي الْكَفَّارَات، عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم بن مَالك الجعيد بن
عبد الرَّحْمَن عَن السَّائِب ابْن يزِيد قَالَ: كَانَ
الصَّاع على عهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مدا
وَثلثا بمدكم الْيَوْم، فزيد فِيهِ فِي زمن عمر بن عبد
الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَوَاهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَزَاد فِيهِ:
(قَالَ السَّائِب: وَقد حج فِي ثقل النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا غُلَام) . وَقَالَ الْكرْمَانِي:
اللَّام فِي قَوْله: للسائب، بِمَعْنى لأجل، يَعْنِي:
يَقُول لأَجله وَفِي حَقه، وَالْمقول: وَكَانَ السَّائِب
... إِلَى آخِره، واستبعده بَعضهم. قلت: لَيْسَ مَا قَالَه
بِبَعِيد فَإِن ظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي مَا ذكره لَا
سِيمَا إِذا كَانَ الأَصْل مَا ذكره من غير إحالته على
شَيْء آخر. فَافْهَم.
62 - (بابُ حَجِّ النِّسَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي باين صفة حج النِّسَاء، هَل هِيَ مثل
حج الرِّجَال أم تغايره فِي شَيْء؟
وَقَالَ لي أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ عنْ
أبيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ أذِنَ عمَرُ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ لأِزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
آخِر حَجَّةٍ حَجَّهَا فبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بنَ
عَفَّانَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حج النِّسَاء،
وَلَكِن فِيهِ زِيَادَة على حج الرِّجَال وَهُوَ
الِاحْتِيَاج إِلَى إِذن من يتَوَلَّى أمرهن فِي خروجهن،
على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حَدِيث أبي
سعيد، وَهُوَ قَوْله: (أَربع سَمِعتهنَّ من رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: (لَا تُسَافِر
امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو
محرم) . وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور: (مَا خرجت أَزوَاج
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْحَج إلاَّ
بعد إِذن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب لَهُنَّ،
وَأرْسل مَعَهُنَّ من يكون فِي خدمتهن، وَكَانَ عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، متوقفا فِي ذَلِك أَولا، ثمَّ طهر
لَهُ الْجَوَاز، فَأذن لَهُنَّ، وَتَبعهُ على ذَلِك
جمَاعَة من غير نَكِير) وروى ابْن سعد من مُرْسل أبي
جَعْفَر الباقر، قَالَ: منع عمر أَزوَاج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْحَج وَالْعمْرَة، وروى أَيْضا من طَرِيق
أم درة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت:
منعنَا عمر الْحَج وَالْعمْرَة حَتَّى إِذا كَانَ آخر عَام
فَأذن لنا، وَهَذَا مُوَافق لحَدِيث الْبَاب، وَيدل على
أَن عمر كَانَ يمْنَع أَولا ثمَّ أذن.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد بن
الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد الْأَزْرَقِيّ، وَيُقَال: الزرقي
الْمَكِّيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. الثَّانِي:
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي.
الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم. الرَّابِع: جده
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَالضَّمِير فِي
جده يرجع إِلَى إِبْرَاهِيم لَا إِلَى الْأَب قَالَه
الْكرْمَانِي: وَقَالَ الْحميدِي فِي (الْجمع بَين
الصَّحِيحَيْنِ) : قَالَ البرقاني: إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: وَفِي هَذَا نظر. قَالَ
(صَاحب التَّلْوِيح) : الَّذِي قَالَه الْحميدِي لَهُ
وَجه، وَلقَوْل البرقاني: وَجه أما قَول البرقاني فَيحمل
على جد إِبْرَاهِيم الأول وإنكار الْحميدِي صَحِيح،
كَأَنَّهُ قَالَ: كَيفَ يكون إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن نَفسه يروي عَنهُ شيخ
البُخَارِيّ؟ وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَنه من رِوَايَة
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَمن ذكر مَعَه وإدراكه كَذَلِك
مُمكن، لِأَن عمره إِذْ ذالك كَانَ أَكثر من عشر سِنِين،
وَقد أثبت سَمَاعه من عمر يَعْقُوب بن شيبَة. قلت: يُقَال:
إِنَّه ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَشهد الدَّار مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَدخل على عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَغِير وَسمع مِنْهُ، وروى ابْن
سعد هَذَا الحَدِيث عَن الْوَاقِدِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن
سعد عَن أَبِيه عَن جده (عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
قَالَ: أَرْسلنِي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) .
وَقيل: الْوَاقِدِيّ لَا يُحتج بِهِ. قلت: مَا
لِلْوَاقِدِي وَهُوَ إِمَام فِي هَذَا الْفَنّ، وَهُوَ أحد
مَشَايِخ الشَّافِعِي؟
قَوْله: (وَقَالَ لي أَحْمد) أَي: قَالَ البُخَارِيّ:
قَالَ لي أَحْمد. وَهَذَا أسْندهُ الْبَيْهَقِيّ عَن
الحكم: أَنبأَنَا الْحسن بن حَلِيم الْمروزِي حَدثنَا
أَبُو الموجه أَنبأَنَا عَبْدَانِ أَنبأَنَا إِبْرَاهِيم
يَعْنِي: ابْن سعد عَن أَبِيه عَن جده أَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أذن لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْحَج، فَبعث مَعَهُنَّ عُثْمَان وَعبد
الرَّحْمَن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَنَادَى
النَّاس عُثْمَان: ألاَ لَا يدنو مِنْهُنَّ
(10/219)
أحد وَلَا ينظر إلَيْهِنَّ إلاَّ مد
الْبَصَر، وَهن فِي الهوادج على الْإِبِل، وأنزلهن صدر
الشّعب وَنزل عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف
بِذَنبِهِ، فَلم يقْعد إلَيْهِنَّ أحد، قَالَ: رَوَاهُ،
يَعْنِي البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) عَن أَحْمد بن
مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن سعد مُخْتَصرا: (أذن فِي
خروجهن لِلْحَجِّ) ، أَي: فِي سفرهن لأجل الْحَج. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن لم
يَكُونَا محرمين لَهُنَّ فَكيف أجَاز لَهُنَّ؟ وَفِي
الحَدِيث: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا
أَو ذُو محرم) ؟ قلت: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام
الْمحرم، أَو الرِّجَال كلهم محارم لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَكَيف لَا وحد الْمحرم صَادِق
عَلَيْهَا؟
وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمحرم من حرم نِكَاحهَا على
التأييد بِسَبَب مُبَاح لحرمتها، وَاحْترز بِقَيْد التأييد
عَن أُخْت الْمَرْأَة، وبسبب مُبَاح عَن أم الْمَوْطُوءَة
بِشُبْهَة، وَبِقَوْلِهِ: لحرمتها عَن الْمُلَاعنَة لِأَن
تَحْرِيمهَا لَيْسَ لحرمتها بل عُقُوبَة وتغليظا. وَقَالَ
الشَّافِعِي: لَا يشْتَرط الْمحرم بل يشْتَرط الْأَمْن على
نَفسهَا حَتَّى إِذا كَانَت آمِنَة مطمئنة فلهَا أَن تسير
وَحدهَا فِي جملَة الْقَافِلَة، وَلَعَلَّه نظر إِلَى
الْعلَّة فعمم الحكم. انْتهى كَلَام الْكرْمَانِي قلت:
قَوْله: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام الْمحرم، مصادمة
للْحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سعيد: (لَا
تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا
زَوجهَا أَو ذُو محرم) ، على مَا يَأْتِي عَن قريب،
وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه مُسلم مَرْفُوعا:
(لَا يحل لأمرأة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا
ذُو محرم مِنْهَا) . قَوْله: أَو الرِّجَال كلهم محارم
لَهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. هَذَا
جَوَاب أبي حنيفَة لحكام الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ:
سَأَلت أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل
تُسَافِر الْمَرْأَة بِغَيْر محرم؟ فَقَالَ: لَا، نهى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُسَافِر
امْرَأَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إلاَّ
وَمَعَهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا. قَالَ حكام:
فَسَأَلت الْعَرْزَمِي؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك. حَدثنِي
عَطاء أَن عَائِشَة كَانَت تُسَافِر بِلَا محرم، فَأتيت
أَبَا حنيفَة فَأَخْبَرته بذلك، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لم
يدر الْعَرْزَمِي مَا روى، كَانَ النَّاس لعَائِشَة محرما،
فَمَعَ أَيهمْ سَافَرت فقد سَافَرت بِمحرم، وَلَيْسَ
النَّاس لغَيْرهَا من النِّسَاء كَذَلِك، وَلَقَد أحسن
أَبُو حنيفَة فِي جَوَابه هَذَا لِأَن أَزوَاج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلهنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
وهم محارم لَهُنَّ، لِأَن الْمحرم من لَا يجوز لَهُ
نِكَاحهَا على التأييد، فَكَذَلِك أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
حرَام على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة. والعرزمي هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله
بن أبي سُلَيْمَان الرَّاوِي الْكُوفِي، فِيهِ مقَال،
فَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة، وَعَن أَحْمد:
لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه، نزل جبانة عَرْزَم
بِالْكُوفَةِ فنسب إِلَيْهَا، وعرزم بِتَقْدِيم الرَّاء
على الزَّاي.
قَوْله: وَقَالَ الشَّافِعِي ... إِلَى آخِره، كَذَلِك
مصادمة للأحاديث الصَّحِيحَة، لِأَن كَلَام النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يدل قطعا على اشْتِرَاط الْمحرم،
وَالَّذِي يَقُول لَا يشْتَرط خلاف مَا يَقُول النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَوله: بل يشْتَرط الْأَمْن
على نَفسهَا، دَعْوَى بِلَا دَلِيل، فَأَي دَلِيل دلّ على
هَذَا فِي هَذَا الْبَاب، وَاشْتِرَاط الْأَمْن على
النَّفس لَيْسَ بمخصوص فِي حق الْمَرْأَة خَاصَّة، بل فِي
حق الرِّجَال وَالنِّسَاء كلهم. قَوْله: وَلَعَلَّه نظر
... إِلَى آخِره، من كَلَام الْكرْمَانِي، حمله على هَذَا
أريحية العصبية، فَإِنَّهُ لَو أنصف لرجع إِلَى الصَّوَاب.
1681 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ
قَالَ حَدثنَا حَبِيبُ بنُ أبِي عَمْرَةَ قَالَ حدَّثَتْنا
عائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قُلْتُ يَا رسولَ الله
ألاَ نَغْزُو أوْ نُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَالَ لَكُنَّ
أحْسَنُ الجِهَادِ وأجْمَلُهُ الحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ
فقالَتْ عَائِشَةُ فَلاَ أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ
سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم عَن عَائِشَة
مثله فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بَاب فضل الْحَج المبرور
أخرجه: عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْمُبَارك عَن خَالِد عَن
حبيب بن أبي عمْرَة عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة
أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهنا
أخرجه: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي
الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (أَلا نغزو؟) أَلا، كلمة تسْتَعْمل فِي مثل هَذَا
الْموضع للعرض والتحضيض، وَيجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي،
لِأَنَّهُ من جملَة موَاضعهَا الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا.
قَوْله: (أَو نجاهد؟) شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ مُسَدّد
شيخ البُخَارِيّ، وَقد رَوَاهُ أَبُو كَامِل عَن أبي
عوَانَة شيخ مُسَدّد بِلَفْظ: (أَلا نغزو مَعكُمْ؟) أخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَهُ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت:
الْغَزْو وَالْجهَاد هما لفظان بِمَعْنى وَاحِد، فَمَا
الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: ليسَا بِمَعْنى وَاحِد،
(10/220)
فَإِن الْغَزْو الْقَصْد إِلَى الْقِتَال؟
وَالْجهَاد هُوَ بذل الْمَقْدُور فِي الْقِتَال، وَذكر
الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ. وَقَالَ بَعضهم:
وَأغْرب الْكرْمَانِي ثمَّ نقل كَلَامه، ثمَّ قَالَ:
وَكَأَنَّهُ ظن أَن الْألف تتَعَلَّق بنغزو بِالْوَاو،
أَو جعل: أَو، بِمَعْنى: الْوَاو. انْتهى. قلت: لم
يظنّ الْكرْمَانِي ذَلِك، وَإِنَّمَا اعْتمد فِي
كَلَامه على نسخه لَيْسَ فِيهَا كلمة الشَّك، وَفرق
بَين الْغَزْو وَالْجهَاد، وَهُوَ فرق حسن. وَأخرج
النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق جرير عَن حبيب
بِلَفْظ: (أَلا نخرج فنجاهد مَعَك؟) وَأخرج ابْن
خُزَيْمَة من طَرِيق زَائِدَة عَن حبيب مثله، وَزَاد:
(فَإنَّا نجد الْجِهَاد أفضل الْعَمَل) . وَأخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن
حبيب بِلَفْظ: (لَو جاهدنا مَعَك؟) قَالَ: لَا، جهادكن
حج مبرور) ، وَلَفظ البُخَارِيّ من طَرِيق خَالِد
الطَّحَّان عَن حبيب: (نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل) .
قَوْله: (لكنَّ) بتَشْديد النُّون جمَاعَة
الْمُؤَنَّث، وَهُوَ خبر لأحسن، وَالْحج بدل مِنْهُ،
وَحج بدل الْبَدَل، وَيجوز أَن يكون ارْتِفَاع: حج،
على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ حج مبرور،
وَقَالَ التَّيْمِيّ: لَكِن، بتَخْفِيف النُّون
وسكونها، و: أحسن، مُبْتَدأ، وَالْحج خَبره، وَفِي
رِوَايَة جرير: (حج الْبَيْت حج مبرور) ، وَسَيَأْتِي
فِي الْجِهَاد من وَجه آخر: عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة
بِلَفْظ: (استأذنته نساؤه فِي الْجِهَاد، فَقَالَ:
يكفيكن الْحَج) . وروى ابْن مَاجَه من طَرِيق مُحَمَّد
بن فُضَيْل عَن حبيب، (قلت: يَا رَسُول الله! على
النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم، جِهَاد، لَا قتال
فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة) . وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى
أَنهم اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْحَجِّ المبرور،
فَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من مأثم، وَقيل:
هُوَ المتقبل، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ
وَلَا سمعة وَلَا رفث وَلَا فسوق، وَقيل: الَّذِي لم
تتعقبه مَعْصِيّة. قَوْله: (فَلَا أدع) أَي: فَلَا
أترك.
2681 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍ وعنْ أبِي مَعْبَدٍ
مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لاَ تُسَافِرِ المَرْأةُ إلاَّ مَعَ
ذِي مَحْرَمٍ ولاَ يَدْخلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلاَّ
وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رجُلٌ يَا رسولَ الله
إنِّي أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وكَذَا
وامْرَأتِي تُريدُ الحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اخْرُج مَعهَا)
لِأَنَّهُ يدل على جَوَاز حج النِّسَاء وخروجهن إِلَى
الْحَج مَعَ زوج أَو محرم.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان
مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي. الثَّانِي: حَمَّاد بن
زيد. الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع: أَبُو
معبد، بِفَتْح الْمِيم، واسْمه نَافِذ. الْخَامِس: عبد
الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان، وَإِن عمرا
مكي ونافذا حجازي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان عَن
عَمْرو بن دِينَار عَن أبي معبد بِهِ، وَفِي النِّكَاح
عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بِهِ، وَلم يذكر:
(لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلاَّ مَعَ ذِي محرم) .
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي
عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة
وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ،
وَعَن ابْن أبي عمر.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْمَرْأَة لَا
تُسَافِر إلاَّ مَعَ ذِي محرم، وَعُمُوم اللَّفْظ
يتَنَاوَل عُمُوم السّفر، فَيَقْتَضِي أَن يحرم سفرها
بِدُونِ ذِي محرم مَعهَا، سَوَاء كَانَ سفرها قَلِيلا
أَو كثيرا لِلْحَجِّ أَو لغيره، وَإِلَى هَذَا ذهب
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وطاووس والظاهرية،
وَاحْتج هَؤُلَاءِ أَيْضا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ
بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ: (لَا
تُسَافِر الْمَرْأَة إلاَّ وَمَعَهَا ذُو محرم) .
أخرجه الطَّحَاوِيّ، وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي
هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر سفرا، لَا أَدْرِي كم؟
قَالَ: إلاَّ وَمَعَهَا ذُو محرم) . وَسَيَجِيءُ
الْخلاف فِيهِ مَعَ الْجَواب عَن هَذَا، وَفِيه أَن
عُمُوم لفظ: (ذِي محرم) يتَنَاوَل ذَوي الْمَحَارِم
جَمِيعهَا إلاَّ أَن مَالِكًا كره سفرها مَعَ ابْن
زَوجهَا وَإِن كَانَ ذَا محرم مِنْهَا لفساد النَّاس،
وَأَن الْمَحْرَمِيَّة فِي هَذَا لَيست فِي المراعاة
كمحرمية النّسَب. وَفِيه: حُرْمَة اختلاء الْمَرْأَة
مَعَ الأحنبي، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ. وَفِيه:
دلَالَة على أَن حج الرجل مَعَ امْرَأَته إِذا
أَرَادَت حجَّة الْإِسْلَام أولى من سَفَره إِلَى
الْغَزْوَة
(10/221)
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أخرج
مَعهَا) ، يَعْنِي إِلَى الْحَج، مَعَ كَونه قد كتب
فِي الْغَزْو. وَفِيه: دلَالَة على اشْتِرَاط الْمحرم
فِي وجوب الْحَج على الْمَرْأَة، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل
هُوَ شَرط الْوُجُوب أَو شَرط الْأَدَاء؟ وَسَيَأْتِي
بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن
النِّسَاء كُلهنَّ سَوَاء فِي منع الْمَرْأَة عَن
السّفر، إلاَّ مَعَ ذِي محرم، إِلَّا مَا نقل عَن أبي
الْوَلِيد الْبَاجِيّ أَنه: خصّه بِغَيْر الْعَجُوز
الَّتِي لَا تشْتَهى. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد:
الَّذِي قَالَه الْبَاجِيّ تَخْصِيص للْعُمُوم
بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى، يَعْنِي مُرَاعَاة الْأَمر
الْأَغْلَب، وَتعقب بِأَن لكل سَاقِطَة لاقطة. فَإِن
قلت: يُمكن أَن يحْتَج للباجي فِيمَا قَالَه بِحَدِيث
عدي بن حَاتِم مَرْفُوعا: (يُوشك أَن تخرج الظعينة من
الْحيرَة تؤم الْبَيْت لَا جوارٍ مَعهَا) الحَدِيث فِي
البُخَارِيّ قلت: هَذَا يدل على جوده لَا على جَوَازه،
وَأجَاب بَعضهم عَن هَذَا بِأَنَّهُ خبر فِي سِيَاق
الْمَدْح وَرفع منار الْإِسْلَام، فَيحمل على
الْجَوَاز قلت: هَذَا إِخْبَار من الشَّارِع بِقُوَّة
الْإِسْلَام وَكَثْرَة أَهله وَوُقُوع الْأَمْن فَلَا
يسْتَلْزم ذَلِك الْجَوَاز. وَقَالَ ابْن دَقِيق
الْعِيد: هَذِه الْمَسْأَلَة تتَعَلَّق بالعامين إِذا
تَعَارضا، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه على
النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}
(آل عمرَان: 79) . عَام فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء،
فمقتضاه أَن الِاسْتِطَاعَة على السّفر إِذا وجدت وَجب
الْحَج على الْجَمِيع. وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلاَّ مَعَ ذِي محرم)
عَام فِي كل سفر، فَيدْخل فِيهِ الْحَج، فَمن أخرجه
عَنهُ خص الحَدِيث بِعُمُوم الْآيَة، وَمن أدخلهُ
فِيهِ خص الْآيَة بِعُمُوم الحَدِيث، فَيحْتَاج إِلَى
التَّرْجِيح من خَارج، وَقد رجح الْمَذْهَب الثَّانِي
بِعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تمنعوا
إِمَاء الله مَسَاجِد الله) ، وَفِيه نظر لكَون
النَّهْي عَاما فِي الْمَسَاجِد، فَيخرج عَنهُ
الْمَسْجِد الَّذِي يحْتَاج إِلَى السّفر بِحَدِيث
النَّهْي. وَفِيه: مَا قَالَه ابْن الْمُنِير يُؤْخَذ
من قَوْله: إِنِّي أُرِيد أَن أخرج فِي جَيش كَذَا
وَكَذَا، إِن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع،
فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْحَج على التَّرَاخِي، إِذْ
لَو كَانَ على الْفَوْر لما تَأَخّر الرجل مَعَ رفقته
الَّذين عينوا فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، ورد بِأَنَّهُ
لَيْسَ بِلَازِم لاحْتِمَال أَن يَكُونُوا قد حجُّوا
قبل ذَلِك مَعَ من حج فِي سنة تسع مَعَ أبي بكر
الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: مَا
أَخذه بَعضهم بِظَاهِر قَوْله: (أخرج مَعهَا) وجوب
السّفر على الزَّوْج مَعَ امْرَأَته إِذا لم يكن لَهَا
غَيره، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ وَجه
للشَّافِعِيَّة، وَالْمَشْهُور أَنه لَا يلْزمه كالولي
فِي الْحَج عَن الْمَرِيض، فَلَو امْتنع إلاَّ
بِأُجْرَة لَزِمَهَا، لِأَنَّهُ من سَبِيلهَا فَصَارَ
فِي حَقّهَا كالمؤونة. وَفِيه: تَقْدِيم الأهم من
الْأُمُور المتعارضة، فَإِن الرجل لما عرض لَهُ
الْغَزْو وَالْحج رجح الْحَج، لِأَن امْرَأَته لَا
يقوم غَيره مقَامه فِي السّفر مَعهَا، بِخِلَاف
الْغَزْو. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه
لَيْسَ للزَّوْج منع امْرَأَته من الْحَج الْفَرْض،
وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة،
وَالأَصَح عِنْدهم أَن لَهُ منعهَا لكَون الْحَج على
التَّرَاخِي. فَإِن قلت: روى الدَّارَقُطْنِيّ من
طَرِيق إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَن نَافِع عَن ابْن عمر
مَرْفُوعا، فِي امْرَأَة لَهَا زوج وَلها مَال وَلَا
يَأْذَن لَهَا فِي الْحَج: لَيْسَ لَهَا أَن تَنْطَلِق
إلاَّ بِإِذن زَوجهَا قلت: هُوَ مَحْمُول على حج
التَّطَوُّع، عملا بِالْحَدِيثين، وَنقل ابْن
الْمُنْذر الْإِجْمَاع على أَن للرجل منع زَوجته من
الْخُرُوج إِلَى الْأَسْفَار كلهَا، وَإِنَّمَا
اخْتلفُوا فِيمَا كَانَ وَاجِبا.
3681 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا يَزيدُ بنُ
زُرَيْعٍ قَالَ أخبرنَا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ عَنْ
عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا رجعَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنْ حَجَّتِهِ قالَ لأِمِّ سِنانٍ
الأنْصَارِيَّةِ مَا منَعَكِ مِنَ الحَجِّ قالَتْ أبُو
فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كانَ لَهُ ناضِحَانِ حَجَّ
عَلَى أحَدِهِمَا والآخَرُ يَسْقِي أرْضا لَنَا قَالَ
فإنَّ عُمْرَةً فِي رمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي.
(انْظُر الحَدِيث 2871) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مَا مَنعك
من الْحَج؟) فَإِنَّهُ يدل على أَن للنِّسَاء أَن
يحججن، والترجمة فِي حج النِّسَاء، والْحَدِيث قد مضى
فِي أَوَائِل بَاب الْعمرَة فِي: بَاب عمْرَة فِي
رَمَضَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن
يحيى عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس ...
إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن عَبْدَانِ، وَهُوَ لقب
عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة بن أبي رواد الْمروزِي
عَن يزِيد بن زُرَيْع مصغر الزَّرْع أبي الْحَارِث عَن
حبيب ضد الْعَدو الْمعلم، بِلَفْظ الْفَاعِل من
التَّعْلِيم، وَهُوَ ابْن أبي قريبَة، بِضَم الْقَاف
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه زيد، وَقيل:
زَائِدَة، وَهُوَ غير حبيب بن أبي عمْرَة الْمَذْكُور
فِي ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب.
(10/222)
قَوْله: (على أَحدهمَا) أَي: أحد الناضحين.
قَوْله: (وَالْآخر) أَي: الناضح الآخر. قَوْله: (تقضي
حجَّة) يَعْنِي: ثَوَاب الْعمرَة مثل ثَوَاب الْحَج،
وَإِن كَانَ ظَاهره يشْعر بِأَن الْعمرَة تقع عَن
قَضَاء الْحجَّة فرضا أَو نفلا.
رَوَاهُ ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ
ابنَ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الْملك بن جريج عَن
عَطاء بن أبي رَبَاح وَأَرَادَ بِهَذَا تَقْوِيَة
طَرِيق حبيب الْمعلم بمتابعة ابْن جريج لَهُ عَن
عَطاء، وَفِيه زِيَادَة فَائِدَة وَهِي: تَصْرِيح
عَطاء بِسَمَاعِهِ من ابْن عَبَّاس حَيْثُ قَالَ:
سَمِعت ابْن عَبَّاس، وَقد تقدم طَرِيق ابْن جريج
مَوْصُولا فِي: بَاب عمْرَة فِي رَمَضَان.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ
عَطَاءٍ عنْ جابِرٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
عبيد الله بتصغير عبد هُوَ ابْن عَمْرو الرقي عَن عبد
الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن عَطاء بن رَبَاح عَن
جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق
وَصله ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة،
قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد، قَالَ:
حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن عبد الْكَرِيم عَن
عَطاء (عَن جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة) .
وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) قيل: أَرَادَ
البُخَارِيّ بِهَذَا بَيَان الِاخْتِلَاف فِيهِ على
عَطاء، فَإِن الرَّاوِي عَن عَطاء فِي الْمَوْصُول
هُوَ حبيب، وَفِي الْمُعَلق عبد الْكَرِيم، وَفِي
الْمُتَابَعَة ابْن جريج، وَلَكِن ترتيبه يدل على
تَرْجِيح رِوَايَة ابْن جريج على مَا لَا يخفى.
4681 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنُ عَبْدِ المَلِك بنِ عُمَيْرٍ عنْ
قَزَعَةَ مَوْلَى زِيادٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ
وقَدْ غَزَا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ أرْبَعٌ
سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أوْ قَالَ يُحَدِّثُهُنَّ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأعْجَبْنَنِي وآنَقْنَنِي أنْ لَا
تُسَافُرُ امْرَأةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيسَ
مَعَهَا زوْجُهَا أوْ ذُو مَحْرَمٍ ولاَ صَوْمَ
يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ والأضْحَى ولاَ صَلاَةَ بَعْدَ
صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ وبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ ولاَ تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلَى ثلاثَةِ
مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ ومَسْجِدي ومَسْجِدِ
الأقْصَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا
تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا
زَوجهَا أَو محرم) ، وَجه ذَلِك أَنه إِذا منعت من
السّفر هَذِه الْمدَّة بِهَذَا الشَّرْط فالسفر أَعم
من أَن يكون لِلْحَجِّ أَو غَيره، وَقد مضى هَذَا
الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب مَسْجِد بَيت
الْمُقَدّس، فَأخْرجهُ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة
عَن عبد الْملك إِلَى آخِره، وَفِيه بعض نُقْصَان،
فالناظر يعتبره. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى
هُنَاكَ.
قَوْله: (يحدثهن) ، وَوَقع عِنْد الْكشميهني بِلَفْظ:
(أَو قَالَ: أخذتهن) ، بِالْخَاءِ والذال المعجمتين من
الْأَخْذ، وَمَعْنَاهُ: حملتهن عَنهُ. قَوْله:
(وآنقنني) بِفَتْح النونين وَسُكُون الْقَاف، بِلَفْظ
جمع مؤنث ماضٍ من بَاب الإفعال أَي: أعجبنني
الْكَلِمَات الْأَرْبَع. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كرر
الْمَعْنى باخْتلَاف اللَّفْظ، وَالْعرب تفعل ذَلِك
كثيرا للْبَيَان والتوكيد كَقَوْلِه تَعَالَى:
{أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة}
(الْبَقَرَة: 751) . قَوْله: (أَو ذُو محرم) ، كَذَا
هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَعَن أبي ذَر فِي بعض
النّسخ: (أَو ذُو محرم محرم) ، الأول: بِفَتْح الْمِيم
وَتَخْفِيف الرَّاء الْمَفْتُوحَة، وَالثَّانِي: بِضَم
الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة أَي: محرم
عَلَيْهَا.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام.
الأول: سفر الْمَرْأَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
الثَّانِي: منع صَوْم الْفطر والأضحى، وَسَيَأْتِي بحث
ذَلِك فِي كتاب الصّيام. الثَّالِث: منع الصَّلَاة بعد
الصُّبْح وَالْعصر، وَقد تقدم بَحثه فِي أَوَاخِر كتاب
الصَّلَاة. الرَّابِع: منع شدّ الرحل إِلَى غير
الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوفى فِي: بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس.
قَوْله: (أَن لَا تُسَافِر) بِالرَّفْع لَا غير، لِأَن
كلمة: أَن، مسفرة لَا ناصبة. قَوْله: (لَيْسَ مَعهَا
زَوجهَا) ، وَفِي حَدِيث أبي معبد: (لَا تُسَافِر
(10/223)
الْمَرْأَة إلاَّ مَعَ ذِي محرم) فمفهومه
أَنَّهَا لَا تُسَافِر مَعَ الزَّوْج وَلَا يعْتَبر
هَذَا الْمَفْهُوم، لِأَنَّهُ مَفْهُوم الْمُخَالفَة،
وَهُوَ سَاقِط إِذا كَانَ للْكَلَام مَفْهُوم
الْمُوَافقَة، وَهَهُنَا السّفر مَعَ الزَّوْج بطرِيق
الأولى. قَوْله: (وَلَا صَوْم يَوْمَيْنِ) صَوْم اسْم
لَا ويومين خَبره أَي: لَا صَوْم فِي هذَيْن
الْيَوْمَيْنِ، وَيجوز أَن يكون صَوْم مُضَافا إِلَى
يَوْمَيْنِ، وَالتَّقْدِير: لَا صَوْم يَوْمَيْنِ
ثَابت أَو مَشْرُوع.
ذكر اخْتِلَاف مُدَّة السّفر الممنوعة: فَفِي،
رِوَايَة أبي سعيد فِي حَدِيث الْبَاب: (مسيرَة
يَوْمَيْنِ) ، وروى عَنهُ: (لَا تُسَافِر ثَلَاثًا)
وروى عَنهُ أَيْضا: (لَا تُسَافِر فَوق ثَلَاث) ،
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة: (لَا تُسَافِر ثَلَاثًا)
، وَرُوِيَ عَنهُ: (لَا تُسَافِر يَوْمًا وَلَيْلَة) ،
وَرُوِيَ عَنهُ: (لَا تُسَافِر يَوْمًا) ، وَرُوِيَ:
(لَا تُسَافِر بريدا) ، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر: (لَا
تُسَافِر ثَلَاثًا) وَرُوِيَ عَنهُ: (لَا تُسَافِر
فَوق ثَلَاث) ، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ: (لَا تُسَافِر ثَلَاثًا) . رَوَاهُ
الطَّحَاوِيّ والعدني فِي (مُسْنده) وَقَالَ القَاضِي
عِيَاض: هَذَا كُله لَيْسَ بتنافر وَلَا يخْتَلف، وَقد
يكون هَذَا فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل
مُتَفَرِّقَة، فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا
وَشَاهده، وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث مَرَّات بهَا
على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا، وَقد يُمكن أَن يلفق
بَينهَا بِأَن الْيَوْم الْمَذْكُور مُفْرد أَو
اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة مُفْردَة، بِمَعْنى الْيَوْم
وَاللَّيْلَة المجموعين لِأَن الْيَوْم من اللَّيْل
وَاللَّيْل من الْيَوْم، وَيكون ذكره يَوْمَيْنِ
مُدَّة مغيبها فِي هَذَا السّفر فِي السّير
وَالرُّجُوع، فَأَشَارَ مرّة بمسافة السّفر وَمرَّة
بِمدَّة المغيب، وَهَكَذَا ذكر الثَّلَاث، فقد يكون
الْيَوْم الْوسط بَين السّير وَالرُّجُوع الَّذِي
يقْضِي حَاجَتهَا بِحَيْثُ سَافَرت لَهُ، فتتفق على
هَذَا الْأَحَادِيث، وَقد يكون هَذَا كُله تمثيلاً
لأَقل الْأَعْدَاد للْوَاحِد إِذْ، الْوَاحِد أول
الْعدَد وَأقله، والإثنان أول التكثير وَأقله،
وَالثَّلَاث أول الْجمع، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى
أَن مثل هَذَا فِي قلَّة الزَّمن لَا يحل لَهَا السّفر
فِيهِ مَعَ غير ذِي محرم، فَكيف بِمَا زَاد؟ وَلِهَذَا
قَالَ فِي الحَدِيث الآخر: (ثَلَاثَة أَيَّام
فَصَاعِدا) . وبحسب اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات
اخْتلف الْفُقَهَاء فِي تَقْصِير الْمسَافَة وَأَقل
السّفر. انْتهى.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدِيث الثَّلَاث وَاجِب
اسْتِعْمَاله على كل حَال، وَمَا خَالفه فقد يجب
اسْتِعْمَاله إِن كَانَ هُوَ الْمُتَأَخر، وَلَا يجب
إِن كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم، فَالَّذِي وَجب علينا
اسْتِعْمَاله وَالْأَخْذ بِهِ فِي كلا الْوَجْهَيْنِ
أولى مِمَّا يجب اسْتِعْمَاله فِي حَال وَتَركه فِي
حَال. فَإِن قلت: فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَة ابْن
عَبَّاس غير مضطربة، وَرِوَايَة غَيره مِمَّن
ذَكَرْنَاهُمْ الْآن مضطربة، فَكَانَ الْأَخْذ
بِرِوَايَة من روى عَنهُ سالما من الِاضْطِرَاب أولى
من رِوَايَة من اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنهُ،
فَحِينَئِذٍ الْأَخْذ بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس أولى
لما ذهب إِلَيْهِ النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ، وَقد ذكرنَا
أَن مَذْهَب هذَيْن وَمذهب طَاوُوس واالظاهرية عدم
جَوَاز سفر الْمَرْأَة مُطلقًا، سَوَاء كَانَ السّفر
قَرِيبا أَو بَعيدا، إلاَّ وَمَعَهَا ذُو محرم لَهَا.
قلت: رِوَايَة غير ابْن عَبَّاس زَادَت على رِوَايَة
ابْن عَبَّاس، فالأخذ بِالزَّائِدِ أولى، وَلَكِن
الزَّائِد فِي نَفسه مُخْتَلف، فرجح خبر الثَّلَاث لما
ذكره الطَّحَاوِيّ الَّذِي مضى الْآن.
72 - (بابُ مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إلَى الْكَعْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نذر أَن يمشي إِلَى
الْكَعْبَة: هَل يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بذلك أَو لَا؟
وَإِذا وَجب وَترك مَا نَذره قَادِرًا على الْوَفَاء
أَو عَاجِزا عَن ذَلِك، فَمَاذَا يلْزمه؟ وَكَذَلِكَ
إِذا نذر بذلك إِلَى كل مَكَان مُعظم؟ وَإِنَّمَا أطلق
وَلم يبين الْجَواب لِأَن فِي كل حكم من ذَلِك خلافًا
وتفصيلاً، ولنذكر بعض شَيْء فِي هَذَا الْبَاب،
وَسَيَجِيءُ بَيَانه مفصلا فِي كتاب النّذر، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
5681 - حدَّثنا ابنُ سَلامٍ قَالَ أخبرنَا
الْفَزَارِيُّ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ حدَّثني
ثابِتٌ عنْ أنسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى شَيْخا يُهَادَى
بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ مَا بالُ هَذا قالُوا نَذَر
أنْ يَمْشِي قَالَ إنَّ الله عَنْ تَعْذِيبِ هَذا
نَفْسَهُ لَغَنِى أمْرَهُ أنْ يَرْكَبَ.
(الحَدِيث 5681 طرفه فِي: 1076) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه جَوَاب لَهَا
وَبَيَان لإبهامها.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والفزاري، بِفَتْح
الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء: هُوَ مَرْوَان بن
مُعَاوِيَة، وَقد مر فِي فضل صَلَاة الْعَصْر، وَقَالَ
ابْن حزم: الْفَزارِيّ هَذَا هُوَ أَبُو إِسْحَاق
الْفَزارِيّ، أَو مَرْوَان، كِلَاهُمَا ثِقَة إِمَام،
وَأما خلف وَأَبُو نعيم والطرقي وَغَيرهم من أَصْحَاب
(الْأَطْرَاف) و (المستخرجات) فَذكرُوا أَنه مَرْوَان،
وَرَوَاهُ مُسلم
(10/224)
فِي النذور عَن ابْن أبي عمر، حَدثنَا
مَرْوَان حَدثنَا حميد فَذكره.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن يزِيد بن
زُرَيْع وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان
وَالنُّذُور عَن مُسَدّد عَن يحيى. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن ابْن الْمثنى عَن خَالِد بن
الْحَارِث، قَالَ حميد: عَن ثَابت (عَن أنس، قَالَ: مر
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بشيخ كَبِير
يهادى بَين إبنيه، فَقَالَ: مَا بَال هَذَا؟ قَالُوا:
نذر يَا رَسُول الله أَن يمشي. قَالَ: إِن الله
لَغَنِيّ عَن تَعْذِيب هَذَا نَفسه، فَأمره أَن يركب)
. وَقَالَ: حَدثنَا عبد القدوس بن مُحَمَّد الْعَطَّار
الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم عَن
عمرَان الْقطَّان عَن حميد (عَن أنس، قَالَ: نذرت
امْرَأَة أَن تمشي إِلَى بَيت الله تَعَالَى، فَسئلَ
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك،
فَقَالَ: إِن الله لَغَنِيّ عَن مشيها، مروها فلتركب)
. وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن ابْن الْمثنى عَن خَالِد،
وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن حَمَّاد بن مسْعدَة
عَن حميد بِهِ.
قَوْله: (حَدثنِي ثَابت) ، هَكَذَا قَالَ أَكثر
الروَاة عَن حميد، وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا صرح بِهِ
حميد فِيهِ بالواسطة بَينه وَبَين أنس، وَقد حَدثهُ
فِي وَقت أخر فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى
بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن
أبي عدي، كِلَاهُمَا جَمِيعًا عَن حميد بِلَا
وَاسِطَة، وَيُقَال: إِن غَالب رِوَايَة حميد عَن أنس
بِوَاسِطَة، لَكِن قد أخرج البُخَارِيّ من حَدِيث حميد
عَن أنس أَشْيَاء كَثِيرَة بِغَيْر وَاسِطَة، مَعَ
الاعتناء بِبَيَان سَمَاعه لَهَا عَن أنس، وَقد وَافق
عمرَان الْقطَّان عَن حميد الْجَمَاعَة على إِدْخَال
ثَابت بَينه وَبَين أنس لَكِن خالفهم فِي الْمَتْن،
أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيقه بِلَفْظ: نذرت
امْرَأَة، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (يهادى) ،
بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف على صِيغَة الْمَجْهُول،
من المهاداة وَهِي: أَن يمشي بَين اثْنَيْنِ
مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ
من طَرِيق خَالِد بن الْحَارِث عَن حميد: يتهادى،
بِفَتْح الْيَاء ثمَّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق
من بَاب التفاعل، وَالْأول من بَاب المفاعلة. وَفِي
(التَّلْوِيح) : الرجل الَّذِي يهادي، قَالَ
الْخَطِيب: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: اسْمه قيس، وَقيل: قَيْصر، انْتهى.
قَالَ: وَلم أر مُسَمّى بِهِ فِي الصَّحَابَة. قَوْله:
(مَا بَال هَذَا؟) أَي: مَا شَأْنه؟ وَكَذَا وَقع فِي
رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (قَالُوا نذر) ، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: (قَالَ إبناه: يَا رَسُول الله، كَانَ
عَلَيْهِ نذر) . قَوْله: (أَن يمشي) كلمة: أَن،
مَصْدَرِيَّة أَي: نذر الْمَشْي. قَوْله: (أمره أَن
يركب) ، ويروى: (وَأمره أَن يركب) . أَي: بالركوب،
لِأَن: أَن، مَصْدَرِيَّة.
وَاحْتج أهل الظَّاهِر بِهَذَا الحَدِيث وَبِحَدِيث
عقبَة الْآتِي فِيهِ، فَقَالُوا: من عجز عَن الْمَشْي
فَلَا هدي عَلَيْهِ وَلَا يثبت فِي ذمَّته إلاَّ
بِيَقِين، وَلَيْسَ الْمَشْي مِمَّا يُوجب نذرا،
وَلِأَن فِيهِ تَعب الْأَبدَان، وَلَيْسَ الْمَاشِي
فِي حَال مَشْيه فِي حُرْمَة إِحْرَامه فَلم يجب
عَلَيْهِ الْمَشْي، وَلَا بدل مِنْهُ.
وَسَائِر الْفُقَهَاء لَهُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
أَقْوَال غير هَذَا القَوْل: الأول: رُوِيَ عَن عَليّ
وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: (من نذر
الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى فعجز عَنهُ أَنه
يمشي مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذا عجز ركب وَأهْدى شَاة) .
وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَكَذَا إِن
ركب وَهُوَ غير عَاجز، وَيكفر عَن يَمِينه لحنثه،
حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْهَدْي
فِي هَذِه احْتِيَاط من قبل أَنه: من لم يطق شَيْئا
سقط عَنهُ، وحجتهم قَوْله: (فلتركب ولتهد) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: يعود ثمَّ يحجّ مرّة أُخْرَى،
ثمَّ يمشي مَا ركب، وَلَا هدي عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول
ابْن عمر، ذكره مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) وَرُوِيَ عَن
ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَالنَّخَعِيّ وَابْن
جُبَير. وَالْقَوْل الثَّالِث: يعود فَيَمْشِي مَا ركب
وَعَلِيهِ الْهَدْي، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَيْضا، وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ وَابْن الْمسيب،
وَهُوَ قَول مَالك: جمع عَلَيْهِ الْأَمريْنِ الْمَشْي
وَالْهَدْي احْتِيَاطًا.
6681 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا
هِشَامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخبرَهُمْ
قَالَ أخبرَنِي سَعِيدُ بنُ أبي أيُّوبَ أنَّ يَزيدَ
بنَ أبِي حَبيبٍ أخبرَهُ أنَّ أبَا الخَيْرِ حدَّثَهُ
عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِر قَالَ نَذَرَتْ أُخْتِي أنْ
نَمْشِيَ إلَى بَيْتِ الله وأمَرَتْنِي أنْ
أسْتَفْتِيَ لَهَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فاسْتَفْتَيْتُهُ فقالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِتَمْشِ
ولْتَرْكَبْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث
السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى ابْن يزِيد التَّمِيمِي الْفراء أَبُو
إِسْحَاق. الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف بن عبد
الرَّحْمَن، من الْأَبْنَاء. الثَّالِث: عبد الْملك بن
جريج.
(10/225)
الرَّابِع: سعيد بن أبي أَيُّوب
الْخُزَاعِيّ، وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص. الْخَامِس:
يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب أَبُو رَجَاء
وَاسم أبي حبيب: سُوَيْد. السَّادِس: أَبُو الْخَيْر
واسْمه: مرْثَد بن عبد الله. السَّابِع: عقبَة بن
عَامر الْجُهَنِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع
وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل
فِي موضِعين. وَفِيه: عَن عقبَة بن عَامر، وَوَقع
عِنْد مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا: عَن عقبَة بن عَامر
هُوَ الْجُهَنِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه رازي وَأَن
هشاما يماني قَاضِي الْيمن وَأَن ابْن جريج مكي وَأَن
سعيد بن أبي أَيُّوب وَيزِيد بن أبي حبيب وَأَبا
الْخَيْر مصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي النذور: عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج،
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى
الْمصْرِيّ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع وَعَن مُحَمَّد بن
حَاتِم وَعَن مُحَمَّد بن أَحْمد. وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِيهِ عَن مخلد بن خَالِد السعيدي عَن عبد
الرَّزَّاق.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نذرت أُخْتِي) ، قَالَ
الْمُنْذِرِيّ وَابْن الْقُسْطَلَانِيّ وَالشَّيْخ قطب
الدّين الْحلَبِي وَآخَرُونَ: هِيَ أم حبَان، بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
بنت عَامر الْأَنْصَارِيَّة، قَالَ بَعضهم: نسبوا
ذَلِك لِابْنِ مَاكُولَا، فوهموا، وَقَالَ: وَقد كنت
تبِعت من ذكرت. يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الَّذين
ذَكَرْنَاهُمْ. ثمَّ رجعت. قلت: لَيْسَ ذَاك بوهم،
فَإِن الذَّهَبِيّ قَالَ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) :
أم حبَان بنت عَامر الْأَنْصَارِيَّة أُخْت عقبَة،
حَدِيثهَا فِي النّذر، وَقَوله: حَدِيثهَا فِي النّذر،
يدل على أَنَّهَا أُخْت عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ،
وَأما قَوْله: الْأَنْصَارِيَّة، وَهِي لَيست بأنصارية
فِي زعم هَذَا الْقَائِل فَيحْتَمل أَن تكون هِيَ من
جِهَة الْأُم الْأَنْصَارِيَّة، وَمن جِهَة الْأَب
جهنية، وَإِطْلَاق نسبتها إِلَى الْأَنْصَار يكون من
هَذِه الْجِهَة، وَلَا مَانع من ذَلِك. قَوْله: (أَن
تمشي إِلَى بَيت الله) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أَن
تمشي إِلَى بَيت الله حافية) . وَفِي رِوَايَة أَحْمد
وَأَصْحَاب السّنَن، من طَرِيق عبد الله بن مَالك (عَن
عقبَة ابْن عَامر الْجُهَنِيّ: أَن أُخْته نذرت أَن
تمشي حافسة غير مختمرة) ، وَفِي رِوَايَة
الطَّحَاوِيّ: (نذرت أَن تمشي إِلَى الْكَعْبَة حافية
حَاسِرَة) . وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: (حافية
متحسرة) ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق
إِسْحَاق بن سَالم (عَن عقبَة بن عَامر: وَهِي
امْرَأَة ثَقيلَة وَالْمَشْي يشق عَلَيْهَا) . وَفِي
رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق قَتَادَة عَن عِكْرِمَة
(عَن ابْن عَبَّاس: أَن عقبَة بن عَامر سَأَلَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن
أُخْتِي نذرت أَن تمشي إِلَى الْبَيْت، وشكا إِلَيْهِ
ضعفها) . قَوْله: (لتمش ولتركب) ، وَفِي رِوَايَة عبد
الله بن مَالك: (مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثَلَاثَة
أَيَّام) . وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: (مروها
فلتختمر ولتركب ولتحج) . وَفِي رِوَايَة عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس الْمَذْكُورَة: (فلتركب ولتهد بَدَنَة) .
قَالَ: وكانَ أبُو الخَيْرِ لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ
أَي: قَالَ يزِيد بن أبي حبيب: وَكَانَ أَبُو
الْخَيْر، وَهُوَ مرْثَد بن عبد الله، وَأَرَادَ بذلك
أَن سَماع أبي الْخَيْر لَهُ من عقبَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ يَحْيَء
بنِ أيُّوبَ عنْ يَزِيدَ عنْ أبِي الخَيْرِ عنْ
عُقْبَةَ فذَكَرَ الحَدِيثَ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَأَبُو عَاصِم
النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج عبد
الْملك، وَيحيى بن أَيُّوب أَبُو الْعَبَّاس الغافقي
الْمصْرِيّ، مر فِي آخر الْوضُوء، وَيزِيد هُوَ ابْن
حبيب الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، كَذَا
رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن يحيى ابْن
أَيُّوب، وَوَافَقَهُ روح بن عبَادَة فِي رِوَايَة
مُسلم، قَالَ: وحدثنيه مُحَمَّد بن حَاتِم وَابْن أبي
خلف، قَالَا: حَدثنَا روح بن عبَادَة حَدثنَا ابْن
جريج أخبرنَا يحيى بن أَيُّوب أَن يزِيد بن أبي حبيب
أخبرهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَكِلَاهُمَا جعلا شيخ ابْن جريج
فِي هَذَا الحَدِيث يحيى بن أَيُّوب، وَخَالَفَهُمَا
هِشَام بن يُوسُف حَيْثُ جعل شيخ ابْن جريج فِيهِ سعيد
بن أبي أَيُّوب
(10/226)
والإسماعيلي رجح الأول لِاتِّفَاق أبي عَاصِم وروح على
خلاف مَا قَالَ هِشَام، قيل: يُعَكر عَلَيْهِ أَن عبد
الرَّزَّاق وَافق هشاما، وَهُوَ عِنْد مُسلم، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق
أخبرنَا ابْن جريج أخبرنَا سعيد بن أبي أَيُّوب أَن
يزِيد بن أبي حبيب أخبرهُ أَن أَبَا الْخَيْر حَدثهُ
الحَدِيث، وَكَذَلِكَ أخرجه أَحْمد، وَوَافَقَهُمَا
مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج وحجاج بن مُحَمَّد
عِنْد النَّسَائِيّ، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة حفاظ،
رَوَوْهُ عَن ابْن جريج عَن سعيد بن أبي أَيُّوب،
فَإِن كَانَ التَّرْجِيح بالأكثرية فروايتهم أولى،
وَقد عرفت بذلك أَن البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى أَن
لِابْنِ جريج فِيهِ شيخين وهما: يحيى بن أَيُّوب
وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب.
|