عمدة القاري شرح صحيح البخاري

91 - (بابُ وفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي باين وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عِنْد أبي ذَر، وَسَقَطت من رِوَايَة النَّسَفِيّ.

6353 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلِ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُوُفِّيَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ وَقَالَ ابنُ شِهَابٍ وأخْبَرَنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ مِثْلَهُ. (الحَدِيث 6353 طرفه فِي: 6644) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده بِهِ.
قَوْله: (توفّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ) ، هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي سنه، وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي آخر الْغَزَوَات، وَترْجم عَلَيْهِ هَذِه التَّرْجَمَة أَيْضا، وَرُوِيَ أَيْضا هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أنس، وروى عَن أنس: (أَنه توفّي على رَأس السِّتين) ، وَصَححهُ الْحَاكِم فِي (الإكليل) وأسنده ابْن سعد من طَرِيقين عَنهُ، وَبِه قَالَ عُرْوَة وَيحيى بن جعدة وَالنَّخَعِيّ، وروى مُسلم من حَدِيث عمار بن أبي عَامر عَن ابْن عَبَّاس: (أَنه توفّي وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ) ، وَصَححهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أَيْضا فِي (تَارِيخه) . وَأما البُخَارِيّ فَذكره فِي (تَارِيخه الصَّغِير) : عَن عمار، ثمَّ قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَكَانَ شُعْبَة يتَكَلَّم فِي عمار وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن ابْن أبي خَيْثَمَة ذكره أَيْضا من حَدِيث عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن سعد عَن سعيد بن سُلَيْمَان عَن هشيم حَدثنَا عَليّ ... فَذكره، وَلَو أعله البُخَارِيّ مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حَمَّاد عَن عمار عَن ابْن عَبَّاس، لَكَانَ صَوَابا، لِأَن شُعْبَة، وَإِن تكلم فِيهِ فقد أثنى عَلَيْهِ غير وَاحِد. وَفِي (تَارِيخ ابْن عَسَاكِر) : ثِنْتَانِ وَسِتُّونَ سنة وَنصف، وَفِي كتاب عمر بن شُعْبَة: إِحْدَى أَو اثْنَتَانِ، لَا أرَاهُ بلغ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ. وروى الْبَزَّار من حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: توفّي فِي إِحْدَى وَعشْرين من رَمَضَان، وَلما ذكر الطَّبَرِيّ قَول الْكَلْبِيّ وَأبي محيف: أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، توفّي فِي ثامن ربيع الأول، قَالَ هَذَا القَوْل: وَإِن كَانَ خلاف قَول الْجُمْهُور فَإِنَّهُ لَا يبعد أَن كَانَت الثَّلَاثَة الْأَشْهر الَّتِي قبله كَانَت تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَهَذَا قَول أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمُحَمّد بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ والمعتمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه وَأبي معشر عَن مُحَمَّد بن قيس، قَالُوا ذَلِك أَيْضا، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن كَامِل فِي (الْبُرْهَان) . وَقَالَ السُّهيْلي فِي (الرَّوْض) : اتَّفقُوا أَنه توفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَقَالُوا كلهم: فِي ربيع الأول غير أَنهم قَالُوا، أَو قَالَ أَكْثَرهم: فِي الثَّانِي عشر من الشَّهْر أَو الثَّالِث عشر أَو الرَّابِع عشر أَو الْخَامِس عشر، لإِجْمَاع الْمُسلمين على أَن وَقْفَة عَرَفَة فِي حجَّة الْوَدَاع كَانَت يَوْم الْجُمُعَة، وَهُوَ التَّاسِع من ذِي الْحجَّة، فَدخل ذُو الْحجَّة يَوْم الْخَمِيس، فَكَانَ الْمحرم إِمَّا الْجُمُعَة وَإِمَّا السبت وَإِمَّا الْأَحَد، فَإِن كَانَ الْجُمُعَة فقد كَانَ صفر إِمَّا السبت وَإِمَّا الْأَحَد، فَإِن كَانَ السبت فقد كَانَ الرّبيع إِمَّا الْأَحَد وَإِمَّا الْإِثْنَيْنِ، وَكَيف مَا دارت الْحَال على هَذَا الْحساب فَلم يكن الثَّانِي عشر من ربيع الأول يَوْم الْإِثْنَيْنِ بِوَجْه، وَعَن الْخَوَارِزْمِيّ: توفّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول يَوْم من ربيع الأول، قَالَ: وَهَذَا أقرب إِلَى الْقيَاس، وَعَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مرض يَوْم السبت لاثْنَيْنِ وَعشْرين لَيْلَة من صفر، بَدَأَ بِهِ وَجَعه عِنْد وليدته ريحاته، وَتوفى فِي الْيَوْم الْعَاشِر) ، وَعند أبي معشر عَن مُحَمَّد بن قيس: اشْتَكَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَرْبَعَاء لإحدى عشرَة بقيت من صفر فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش، فَمَكثَ ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَعند الْوَاقِدِيّ: عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه بدىء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَعه فِي بَيت مَيْمُونَة زَوجته) ، وَقَالَ أهل الصَّحِيح بِإِجْمَاع: إِنَّه توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ، قَالَ أهل السّير: مثل الْوَقْت الَّذِي دخل فِيهِ الْمَدِينَة، وَذَلِكَ حِين ارْتَفع الضُّحَى، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت مُدَّة علته اثْنَي عشر يَوْمًا، وَقيل: أَرْبَعَة عشر يَوْمًا. قَوْله: (وَقَالَ ابْن شهَاب) ، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ (وَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب مثله) أَي: مثل مَا أخبر عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَهُوَ موصل بِالْإِسْنَادِ الأول الْمَذْكُور، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب

(16/99)


بالإسنادين مَعًا مفرقاً وَهُوَ من مُرْسل سعيد بن الْمسيب، وَيحْتَمل أَن يكون سعيد أَيْضا سَمعه من عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَالله تَعَالَى أعلم.

02 - (بابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كنية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الكنية، بِضَم الْكَاف وَسُكُون النُّون: مَأْخُوذ من الْكِنَايَة، تَقول: كنيت عَن الْأَمر بِكَذَا إِذْ ذكرته بِغَيْر مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِ صَرِيحًا، وَقد شاعت الكنى بَين الْعَرَب وَبَعضهَا يغلب على الإسم: كَأبي طَالب وَأبي لَهب وَنَحْوهَا، وَقد يكنى وَاحِد بكنية وَاحِدَة فَأكْثر وَمِنْهُم من يشْتَهر باسمه وكنيته جَمِيعًا، فالكنية وَالِاسْم واللقب كلهَا من الْأَعْلَام، وَلَكِن الكنية مَا يصدر بأب أَو أم، واللقب مَا يشْعر بمدح أَو ذمّ، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنى: بِأبي الْقَاسِم وَهُوَ أكبر أَوْلَاده، وَعَن ابْن دحْيَة: كنى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي الْقَاسِم لِأَنَّهُ يقسم الْجنَّة بَين الْخلق يَوْم الْقِيَامَة، ويكنى أَيْضا بِأبي إِبْرَاهِيم، باسم وَلَده إِبْرَاهِيم الَّذِي ولد فِي الْمَدِينَة من مَارِيَة الْقبْطِيَّة، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس: أَنه لما ولد إِبْرَاهِيم بن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَارِيَة جَارِيَته كَاد يَقع فِي نفس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَبَا إِبْرَاهِيم، وَفِي رِوَايَة يَا أَبَا إِبْرَاهِيم، وَذكره ابْن سعد أَيْضا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَله كنية ثَالِثَة وَهُوَ: أَبُو الأرامل.

7353 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السِّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا القَاسِمِ فالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سَمُّوا باسْمِي ولاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. (انْظُر الحَدِيث 0212 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق، أخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن آدم بن مَالك. وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

8353 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبرَنا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ سالِمٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَسَمَّوْا باسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسَالم هُوَ ابْن أبي الْجَعْد، والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الْخمس فِي: بَاب قَول الله عز وَجل: {فَإِن لله خمسه} (الْأَنْفَال: 14) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة؛ وَالْآخر: عَن مُحَمَّد ابْن يُوسُف عَن سُفْيَان.

9353 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ سِيريِنَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمُّوا باسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث أخرجه فِي الْأَدَب عَن عَليّ بن عبد الله أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَعَمْرو النَّاقِد وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد وَأبي بكر بن أبي شيبَة. قَوْله: (قَالَ أَبُو الْقَاسِم) ، وَفِيه نُكْتَة لَطِيفَة على مَا لَا يخفى على الفطن. قَوْله: (سموا باسمي) ، بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الْمِيم المضمومة، أَمر للْجَمَاعَة من التَّسْمِيَة، وَالله أعلم.

12 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، إِذا قَدرنَا هَكَذَا يكون معرباً، وإلاَّ فَلَا، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ فِي التَّرْكِيب، وَهَذَا وَقع كَذَا بِغَيْر تَرْجَمَة. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا لَا يصلح أَن يكون فصلا من الَّذِي قبله، بل هُوَ طرف من الحَدِيث الَّذِي بعده، وَلَعَلَّ هَذَا من تصرف الروَاة.

(16/100)


انْتهى. قلت: لَا نسلم أَنه لَا يصلح أَن يكون فصلا من الَّذِي قبله، بل هُوَ صَالح جيد لذَلِك، لِأَن الْأَلْفَاظ الَّتِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُخَاطب بهَا: يَا مُحَمَّد، يَا أَبَا الْقَاسِم، يَا رَسُول الله، وَالْأَدب بل الْأَحْسَن أَن يُخَاطب: بيا رَسُول الله، وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن هَذَا فَلهُ تعلق بِمَا قبله من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: نعم، وَجهه بعض شُيُوخنَا فَإنَّا أَشَارَ إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ ذَا أَسمَاء وكنية، لَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يُنَادى بِشَيْء مِنْهَا، يُقَال لَهُ: يَا رَسُول الله، كَمَا خاطبته خَالَة السَّائِب لما أَتَت بِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يخفى تكلفه. انْتهى. قلت: أَرَادَ بِبَعْض شُيُوخه: صَاحب (التَّوْضِيح) : الشَّيْخ سراج الدّين بن الملقن، وَقَوله: وَلَا يخفى تكلفه، تكلّف بل هُوَ قريب مِمَّا ذكرنَا، وَهُوَ تَوْجِيه حسن، وَهَذَا أحسن من نسبته إِلَى تصرف الروَاة.

0453 - حدَّثني إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخْبرَنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ رأيْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ ابنَ أرْبَعٍ وتِسْعِينَ جَلْدَاً مُعْتَدِلاً فَقَالَ قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وبَصَرِي إلاَّ بِدُعَاءِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ خالَتِي ذَهَبَتْ بِي ألَيْهِ فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ ابنَ اخْتِي شاكٍ فادْعُ الله قَالَ فدَعَا لِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

توجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين الْبَاب المترجم قبله بِمَا ذكرنَا الْآن. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَالْفضل بن مُوسَى الشَّيْبَانِيّ، وشيبان قَرْيَة من قرى مرو، الْمروزِي والجعيد، بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: الْجَعْد أَيْضا الْكِنْدِيّ الْمدنِي، والسائب بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن سعد الْكِنْدِيّ، وَيُقَال: الْأَسدي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، وَيُقَال: الْهُذلِيّ، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: هُوَ من الأزد عداده فِي كنَانَة لَهُ ولأبيه صُحْبَة، توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين، وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن إِسْحَاق لم يذكر إلاَّ هُنَا فَقَط، بِخِلَاف الحَدِيث الْآتِي على مَا نبينه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (ابْن أَربع وَتِسْعين) هَذَا يدل على أَنه رَآهُ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين، فَيكون عَاشَ بعد ذَلِك سنتَيْن، وَهُوَ الْأَشْهر. وَأبْعد من قَالَ: إِنَّه مَاتَ قبل التسعين، وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد: وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (جلدا) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام أَي: قَوِيا صلباً. قَوْله: (معتدلاً) أَي: معتدل الْقَامَة مَعَ كَونه معمراً. قَوْله: (مَا متعت بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سَمْعِي) بدل من الضَّمِير الَّذِي فِي: بِهِ (وبصري) عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (شَاك) فَاعل من الشكوى وَهُوَ الْمَرَض. قَوْله: (فَادع الله) أَي: أدع الله لَهُ، وَهَكَذَا يرْوى أَيْضا، وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب: كَانَ مقدم رَأسه أسود وَهُوَ هُوَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسحه، وَأمه علية بنت شُرَيْح الحضرمية، ومخرمة ابْن شُرَيْح خَاله.

22 - (بابُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صفة خَاتم النُّبُوَّة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَين كَتِفي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من علاماته الَّتِي كَانَ أهل الْكتاب يعرفونه بهَا.

1453 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله حدَّثنا حاتِمٌ عنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائبَ بنَ يَزيدَ قَالَ ذَهَبَتْ بِي خالَتِي إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ ابنَ أُخْتِي وَقِعُ فمَسَحَ رأسِي ودَعَا لي بالبَرَكَةِ وتَوَضَّأ فشَرِبْتُ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فنَظَرْتُ إلَى خاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَنَظَرت إِلَى خَاتم بَين كَتفيهِ) . وَمُحَمّد بن عبد الله بِالتَّصْغِيرِ أَبُو ثَابت الْمدنِي، مَشْهُور بكنيته، وَهُوَ من أَفْرَاده، وحاتم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة بعد الْألف: ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل

(16/101)


الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وَقع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف، أَي: وجع وَقد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة بِلَفْظ: وجع، وَقيل: يشتكي رجله، ويروى بِلَفْظ الْمَاضِي.
قَالَ ابنُ عُبَيْدِ الله الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيم بنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زرِّ الحَجَلَةِ
ابْن عبيد الله، هُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه فسر الحجلة الَّتِي وَقع فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن فِيهِ: فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة، على مَا يَأْتِي فِي: بَاب الدُّعَاء للصبيان، من كتاب الدُّعَاء. فَإِن قلت: لم تقع هَذِه اللَّفْظَة هُنَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، فَمَا وَجه تَفْسِيرهَا هُنَا؟ قلت: الظَّاهِر أَنه لما روى هَذَا الحَدِيث عَن شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله، وَقع السُّؤَال فِي الْمجْلس عَن كَيْفيَّة الْخَاتم؟ فَقَالَ هُوَ: أَعنِي ابْن عبيد الله، أَو غَيره، وَهُوَ مثل زر الحجلة، فَسئلَ هُوَ عَن معنى الحجلة، فَقَالَ: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فِي هَذَا وَلَيْسَ مثل مَا قَالَ بَعضهم: هَكَذَا وَقع، وَكَأَنَّهُ سقط مِنْهُ شَيْء لِأَنَّهُ يبعد من شَيْخه مُحَمَّد ابْن عبيد الله أَن يُفَسر الحجلة وَلم يَقع لَهَا فِي سِيَاقه ذكر، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة ثمَّ فَسرهَا كَذَلِك. انْتهى. قلت: قَوْله: كَأَنَّهُ سقط، لَيْسَ مَوضِع الشَّك، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي نفس حَدِيث السَّائِب بن يزِيد، وَلكنهَا لَيست بمذكورة هَهُنَا، وَهِي مَذْكُورَة فِيهِ فِي الطَّرِيق الآخر الَّذِي أخرجه فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب الدُّعَاء للصبيان، فَلَا معنى لقَوْله: وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة، لِأَنَّهُ لَا مَحل للشَّكّ، وَالْوَجْه فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ، فَافْهَم. وَمَعَ هَذَا تَفْسِيره: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ بِمَعْنى الْبيَاض، فِيهِ نظر، لِأَن الْمَعْرُوف الَّذِي بَين عَيْني الْفرس إِنَّمَا هُوَ غرَّة، وَالَّذِي فِي قوائمه هُوَ التحجيل، وَلَئِن سلمنَا أَن يكون هَذَا التَّفْسِير صَحِيحا فَلَيْسَ لَهُ معنى إِن أَرَادَ الْبيَاض، لِأَنَّهُ لَا يبْقى فَائِدَة لذكر الزر. قَوْله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة) هُوَ أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَنه روى هَذَا الحَدِيث كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور، إلاَّ أَنه خَالفه فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقَالَ: (مثل زر الحجلة) مثل مَا وَقع فِي نفس الحَدِيث، وَسَيَأْتِي عَنهُ مَوْصُولا فِي كتاب الطِّبّ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد أمعنا فِي هَذَا الْبَاب الْكَلَام فِي كتاب الطَّهَارَة، فَليرْجع إِلَيْهِ هُنَاكَ من أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَالله أعلم.

32 - (بابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: فِي خَلقه وخُلقه.

2453 - حدَّثنا أبُو عاصمٍ عنْ عُمَرَ بنَ سَعِيدِ بنِ أبِي حُسَيْنٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ ابنِ الحارِثِ قَالَ صَلَّى أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ العَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فرَأى الحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فحَمَلَهُ علَى عاتِقِهِ وَقَالَ بِأبِي شَبِيهٌ بالنَّبِيِّ لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وعَلِيٌّ يَضْحَكُ. (الحَدِيث 2453 طرفه فِي: 0573) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا بكر شبه الْحسن بِالنَّبِيِّ فِي خلقه، بِالْفَتْح وَهِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الْمَشْهُور بالنبيل. الثَّانِي: عَمْرو بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي. الثَّالِث: عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم. الرَّابِع: عقبَة بن الْحَارِث بن عَامر الْقرشِي النَّوْفَلِي أَبُو سروعة الْمَكِّيّ ...

...
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي والبقية كلهم مكيون. وَفِيه: عَن ابْن أبي مليكَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة، وَفِي أُخْرَى: حَدثنِي. وَفِيه: عَن عقبَة بن الْحَارِث، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي عقبَة بن الْحَارِث.
والْحَدِيث أخرجه

(16/102)


البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن عَبْدَانِ عَن ابْن الْمُبَارك، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد ابْن عبد الله المخرمي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ خرج يمشي) ، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة: بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بليالي، وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يمشي إِلَى جَانِبه. قَوْله: (وَقَالَ بِأبي) ، أَي: قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: بِأبي، أَي: أفديه بِأبي، أَو: هُوَ مفدى بِأبي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِأبي قسم، وَفِيه نظر. قَوْله: (شَبيه بِالنَّبِيِّ) ، أَي: هُوَ شَبيه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا شَبيه بعلي) يَعْنِي: أَبَاهُ ابْن أبي طَالب. قَوْله: (وَعلي يضْحك) جملَة حَالية، وضحكه يدل على أَنه وَافق أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَن الْحسن كَانَ يشبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ أَبُو عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ المشبهون برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة، وهم: جَعْفَر بن أبي طَالب، وَالْحسن بن عَليّ، وَقثم بن الْعَبَّاس، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث، والسائب ابْن عبيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد قيل فِي ذَلِك شعر:
(بِخَمْسَة شبه الْمُخْتَار من مُضر ... يَا حسن مَا خولوا من شبهه الْحسن)

(بِجَعْفَر وَابْن عَم الْمُصْطَفى قثم ... وسائب وَأبي سُفْيَان وَالْحسن)

وَفِي (عُيُون الْأَثر) : وَمِمَّنْ كَانَ يُشبههُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله بن عَامر بن كَعْب بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس، رَآهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَغِيرا، فَقَالَ: هَذَا يشبهنا، وَذكر فِي (الْمرْآة) : مِنْهُم مُسلم بن معتب، وَأنس بن ربيعَة بن مَالك البياضي الْبَصْرِيّ من بني أُسَامَة بن لؤَي، وَكَانَ أشبه النَّاس برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلقه وخلقه، وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا رَآهُ عانقه وَبكى، وَقَالَ: من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْينْظر إِلَى هَذَا، وَبلغ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان خَبره فاستقدمه، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَامَ واعتنقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وأقطعه مَالا وأرضاً، فَرد المَال وَقبل الأَرْض.
وَفِي الحَدِيث: فَضِيلَة أبي بكر ومحبته لآل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: ترك الصَّبِي الْمُمَيز يلْعَب لِأَن الْحسن إِذْ ذَاك كَانَ ابْن سبع سِنِين، وَقد سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحفظ عَنهُ، ولعبه مَحْمُول على مَا يَلِيق لمثله فِي ذَلِك الزَّمَان من الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة، بل يحمل على مَا فِيهِ تمرين وتنشيط وَنَحْو ذَلِك.

4453 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا ابنُ فُضَيْلٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا جُحَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ علَيْهِمَا السَّلامُ يُشْبِهُهُ قُلْتُ لأِبِي جُحَيْفَةَ صِفْهُ لِي قَالَ كانَ أبْيَض قَدْ شَمِطَ وأمَرَ لَنَا النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصاً قَالَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ أنْ نَقْبِضَهَا. (انْظُر الحَدِيث 3453) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بأتم مِنْهُ أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل بِالتَّصْغِيرِ إِلَى آخِره.
قَوْله: (قد شمط) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم: أَي صَار شعر رَأسه السوَاد مخالطاً بالبياض. قَوْله: (فَأمر لنا) أَي: لَهُ ولقومه من بني سواءة، وَكَانَ أَمر لَهُم بذلك على سَبِيل جَائِزَة الْوَفْد. قَوْله: (بِثَلَاث عشرَة) ويروى

(16/103)


بِثَلَاثَة عشر، وَقَالَ ابْن التِّين: وَكَانَ حَقه أَن يَقُول: ثَلَاث عشرَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله: (قلوصاً) بِفَتْح الْقَاف وَضم اللَّام، وَهِي الْأُنْثَى من الْإِبِل، وَقيل: هِيَ الطَّوِيلَة القوائم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الثَّنية من الْإِبِل. قَوْله: (فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل أَن نقبضها) أَي: قبل أَن نقبض تِلْكَ القلائص.
وَفِيه: إِشْعَار أَن ذَلِك كَانَ قرب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: نعم، روى الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن الفضيل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور: فذهبنا نقبضها فَأَتَانَا مَوته فَلم يعطونا شَيْئا، فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: من كَانَت لَهُ عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِدَةٌ، فليجىء، فَقُمْت إِلَيْهِ فَأَخْبَرته فَأمر لنا بهَا.

5453 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ وَهْبٍ أبي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ رَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيْتُ بَيَاضَاً منْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى العَنْفَقَةَ.

هَذَا طَرِيق آخر عَن عبد الله بن رَجَاء بن الْمثنى الفداني الْبَصْرِيّ عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي.
قَوْله: (العنفقة) ، بِالْجَرِّ على أَنه بدل من: الشّفة، وَيجوز بِالنّصب على أَن يكون بَدَلا من قَوْله: (بَيَاضًا) . قَالَ ابْن سَيّده فِي (الْمُخَصّص) : هِيَ مَا بَين الذقن وطرف الشّفة السُّفْلى كَأَن عَلَيْهَا شعر أَو لم يكن، وَقيل: هُوَ مَا كَانَ نبت على الشّفة السُّفْلى من الشّعْر، وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ تِلْكَ الْهمزَة الَّتِي بَين الشّفة السُّفْلى والذقن، وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ الشعيرات بَينهمَا، وَلذَلِك يَقُولُونَ فِي التحلية: نقي العنفقة، وَقَالَ أَبُو بكر: العنفقة خفَّة الشَّيْء وقلته، وَمِنْه اشتقاق: العنفقة، فَدلَّ هَذَا على أَن العنفقة الشّعْر، وَأَنه سمي بذلك لقلته وَخِفته، وَفِي هَذَا الحَدِيث بيَّن مَوضِع الْبيَاض والشمط.

6453 - حدَّثنا عِصامُ بنُ خالِدٍ حدَّثنا حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ أنَّهُ سَألَ عبْدَ الله بنَ بُسْرٍ صاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرَأيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ شَيْخَاً قَالَ كانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعصام، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة: ابْن خَالِد أَبُو إِسْحَاق الْحِمصِي الْحَضْرَمِيّ، مَاتَ سنة بضع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ وَلَيْسَ لَهُ عَنهُ فِي (الصَّحِيح) غَيره، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، و: حريز، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره زَاي: ابْن عُثْمَان السَّامِي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَعبد الله بن بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء.
والْحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ، الثَّالِث عشر مِنْهَا، وَمن أَفْرَاده أَيْضا.
قَوْله: (أَرَأَيْت النَّبِي) يجوز فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَأَيْت بِمَعْنى أَخْبرنِي، وَيكون لفظ: النَّبِي، مَرْفُوعا على الإبتداء. وَقَوله: (أَكَانَ شَيخا) ، خَبره على تَأْوِيل: هَل يُقَال فِيهِ: كَانَ شَيخا؟ وأعربه بَعضهم بِأَن النَّبِي مَرْفُوع على أَنه اسْم: كَانَ، وَفِيه مَا فِيهِ، وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون: أَرَأَيْت؟ استفهاماً تَقْدِيره: هَل رَأَيْت النَّبِي أَكَانَ شَيخا؟ فَيكون النَّبِي مَنْصُوبًا على المفعولية، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر عَن حريز بن عُثْمَان، قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن بسر صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحمص وَالنَّاس يسألونه، فدنوت مِنْهُ وَأَنا غُلَام، فَقلت: أَنْت رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم، قلت: أشيخ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم شَاب؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صبغ؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، لم يبلغ ذَلِك. قَوْله: (شَعرَات بيض) ، الشعرات جمع شَعْرَة، وَالْبيض بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة جمع أَبيض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: شَعرَات جمع قلَّة فَلَا يكون زَائِدا على عشرَة. قلت: سَمِعت بعد الأساتذة الْكِبَار: أَن عدد الشعرات الْبيض الَّتِي كَانَت على عنفقته سَبْعَة عشر شَعْرَة، وَالله أعلم.

7453 - حدَّثني ابنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ عنْ خالِدٍ عنْ سَعيدِ بنِ أبِي هِلالٍ عنْ رَبِيعَةَ ابنِ أبِي عبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بالطَّوِيلِ ولاَ بالْقَصِيرَ أزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بأبْيَضَ أمْهَقَ ولاَ آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطِطٍ ولاَ سَبْطٍ رَجُلٍ أُنْزِلَ علَيْهِ وهْوَ ابنُ أرْبَعِينَ فلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنَزَّلُ علَيْهِ وبالمَدِينَةِ عَشْرَ

(16/104)


سِنِينَ ولَيْسَ فِي رأسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعرَةً بَيْضَاءَ قَالَ رَبِيعَةُ فرَأيْتُ شَعَرَاً مِنْ شَعَرِهِ فإذَا هُوَ أحْمَرُ فَسَألْتُ فَقيلَ احْمَرَّ مِنَ الطَّيب.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن بِكَسْر هُوَ يحيى بن بكير تَصْغِير بكر وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جده لِأَنَّهُ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد الْمصْرِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد الجُمَحِي الإسْكَنْدراني أَبُو عبد الرَّحِيم الْفَقِيه الْمُفْتِي، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن بن فروخ الْفَقِيه الْمدنِي الْمَعْرُوف بربيعة الرَّأْي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَفِي اللبَاس عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَعَن يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ مُخْتَصرا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ ربعَة) ، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مربوعاً، والتأنيث بِاعْتِبَار النَّفس، يُقَال: رجل ربعَة وَامْرَأَة ربعَة. قَوْله: (لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير) ، تَفْسِير ربعَة، أَي: لَيْسَ بالطويل الباين المفرط فِي الطول مَعَ اضْطِرَاب الْقَامَة، قَالَ الْأَخْفَش: هُوَ عيب فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْبَراء عَن قريب أَنه كَانَ مربوعاً، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الذهلي. فِي (الزهريات) بِإِسْنَاد حسن: كَانَ ربعَة وَهُوَ إِلَى الطول أقرب. قَوْله: (أَزْهَر اللَّوْن) أَي: أَبيض مشرب بحمرة، وَقد وَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي مُسلم من حَدِيث أنس من وَجه آخر، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض مشرباً بياضه بحمرة، وَقيل: الْأَزْهَر أَبيض اللَّوْن ناصعاً. قَوْله: (لَيْسَ بأبيض أمهق) ، كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَوَقع عِنْد الدَّاودِيّ تبعا لرِوَايَة الْمروزِي: أمهق لَيْسَ بأبيض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أمهق أَبيض لَا فِي الْغَايَة، وَهُوَ معنى لَيْسَ بأبيض. وَقَالَ رؤبة: المهق خضرَة المَاء، وَلم يُوجد لفظ أمهق فِي بعض النّسخ وَهُوَ الْأَظْهر. وَفِي (الموعب) : الأمهق الْبيَاض الجصي، وَكَذَلِكَ الأمقه، وَقيل: هُوَ بَيَاض فِي زرقة، وَامْرَأَة مهقاء ومقهاء، وَقَالَ بَعضهم: هما الشديدا الْبيَاض، وَعَن ابْن دُرَيْد: هُوَ بَيَاض سمج لَا يخالطه حمرَة وَلَا صفرَة. وَفِي (التَّهْذِيب) : بَيَاض لَيْسَ بنير. وَفِي (الْجَامِع) : بَيَاض شَدِيد مفتح، وَقيل: هُوَ شدَّة الخضرة. وَقَالَ عِيَاض: من روى أَنه لَيْسَ بالأبيض وَلَا الآدم فقد وهم، وَلَيْسَ بصواب، ورد عَلَيْهِ بِأَن المُرَاد أَنه لَيْسَ بالأبيض الشَّديد الْبيَاض، وَلَا بالآدم الشَّديد الأدمة، وَإِنَّمَا يخالط بياضه الْحمرَة، وَالْعرب قد تطلق على من كَانَ كَذَلِك أسمر، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث أنس أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مَنْدَه بِإِسْنَاد صَحِيح: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ أسمر) ، وَفِي رِوَايَات كَثِيرَة مُخْتَلفَة، فَعِنْدَ النّظر يظْهر من مجموعها أَن المُرَاد بالسمرة: الْحمرَة الَّتِي تخالط الْبيَاض، وَأَن المُرَاد بالبياض الْمُثبت مَا يخالط الْحمرَة، والمنفي مَا لَا يخالطه، وَهُوَ الَّذِي تكرههُ الْعَرَب وتسميه أمهق، وَبِهَذَا يظْهر أَن رِوَايَة الْمروزِي: أمهق، لَيْسَ بأبيض، مَقْلُوبَة على أَنه يُمكن تَوْجِيهه بِمَا ذَكرْنَاهُ عَن الْكرْمَانِي آنِفا. قَوْله: (لَيْسَ بجعد قطط) ، الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، والقطط بِفتْحَتَيْنِ والجعودة فِي الشّعْر أَن لَا يتكسر وَلَا يسترسل، والقطط شَدِيد الجعودة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الشّعْر القطط شَبيه بِشعر السودَان. قَوْله: (وَلَا سبط) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: من السبوطة وَهِي ضد الجعودة، وَالْحَاصِل أَنه: وسط بَين الجعودة والسبوطة، وَيُقَال: يَعْنِي شعره لَيْسَ بِهَاتَيْنِ الصفتين وَإِنَّمَا فِيهِ جعدة بصقلة. قَوْله: (رجل) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم وَقيل بِفَتْحِهَا وَقيل بسكونها، وَهُوَ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ رجل، أَي: مسترسل، وَقيل: منسرح. وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَلم يكن بالجعد القطط وَلَا بالسبط، كَانَ جَعدًا رجلا. وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ: رجل، بِالْجَرِّ. قيل: إِنَّه وهم وَيُمكن تَوْجِيهه على أَنه جر بالمجاورة، ويروى فِي بعض الرِّوَايَات: رجل، بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْجِيم، على أَنه فعل مَاض، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَلَا يظْهر وَجه وُقُوعه هَكَذَا إلاَّ بتعسف. قَوْله: (أنزل عَلَيْهِ) ، يَعْنِي: الْوَحْي، وَفِي رِوَايَة مَالك: بَعثه الله. قَوْله: (وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة) ، جملَة حَالية يَعْنِي: وعمره أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وَقيل: أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي بعد أَرْبَعِينَ سنة وَعشرَة أَيَّام، وَقيل: وشهرين، وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من شهر رَمَضَان، وَقيل:

(16/105)


لسبع، وَقيل: لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة مِنْهُ، فِيمَا ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن أبي قلَابَة: نزل عَلَيْهِ الْوَحْي لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، وَعند المَسْعُودِيّ: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لعشر خلون من ربيع الأول، وَعند إِبْنِ إِسْحَاق: ابْتَدَأَ بالتنزيل يَوْم الْجُمُعَة من رَمَضَان بَغْتَة، وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِع شباط لسبعمائة وَأَرْبَعَة وَعشْرين عَاما من سني ذِي القرنين، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْفِيل، وَقيل: فِي أول ربيع، وَفِي (تَارِيخ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي) : على رَأس خمس عشرَة سنة من بُنيان الْكَعْبَة، وَعَن مَكْحُول: أُوحِي إِلَيْهِ بعد اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَابْن أبي عَاصِم والدولابي فِي (تَارِيخه) : نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة. وَفِي (تَارِيخ أبي عبد الرَّحْمَن العتقي) : وَهُوَ ابْن خمس وَأَرْبَعين سنة لسبع وَعشْرين من رَجَب، قَالَه الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال، وَالْأول بِأَن ذَلِك حِين حمي الْوَحْي وتتابع، وَعند الْحَاكِم مصححاً: أَن إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وكل بِهِ ثَلَاث سِنِين، قبل جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنكر ذَلِك الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أهل الْعلم ببلدنا يُنكرُونَ أَن يكون وكل بِهِ غير جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم السُّهيْلي إِن إسْرَافيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدرباً وتدريجاً لجبريل كَمَا كَانَ أول نبوته الرُّؤْيَا الصادقة. قَوْله: (فَلبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ) أَي: الْوَحْي، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه عَاشَ سِتِّينَ سنة، وَأخرج مُسلم من وَجه آخر عَن أنس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة، وَهُوَ مُوَافق لحَدِيث عَائِشَة الَّذِي مضى عَن قريب، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور، وَالله أعلم. قَوْله: (وَلَيْسَ فِي رَأسه ولحيته عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء) ، يَعْنِي: دون ذَلِك. فَإِن قلت: روى ابْن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر: (كَانَ شيب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوا من عشْرين شَعْرَة بَيْضَاء فِي مقدمه) ، فَهَذَا وَحَدِيث أنس يَقْتَضِي أَن يكون أَكثر من عشرَة إِلَى مَا دون عشْرين، وَحَدِيث عبد الله بن بسر الْمَاضِي يدل على أَنَّهَا كَانَت عشرَة، لِأَنَّهُ قَالَ: عشر شَعرَات بِصِيغَة جمع الْقلَّة، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن جمع الْقلَّة لَا يزِيد على عشرَة. قلت: التَّوْفِيق بَين هَذَا أَن حَدِيث ابْن بسر فِي شَعرَات عنفقته، وَمَا زَاد على ذَلِك يكون فِي صدغيه، كَمَا فِي حَدِيث الْبَراء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: روى ابْن سعد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن حميد عَن أنس فِي أثْنَاء حَدِيث، قَالَ: لم يبلغ مَا فِي لحيته من الشّعْر عشْرين شَعْرَة، قَالَ حميد: وَأَوْمَأَ إِلَى عنفقته سبع عشرَة، وروى أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ثَابت عَن أنس، قَالَ: (مَا كَانَ فِي رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولحيته إلاَّ سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة) ، وروى ابْن أبي خَيْثَمَة من حَدِيث حميد عَن أنس: لم يكن فِي لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء، قَالَ حميد: كن سبع عشرَة، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن أنس، قَالَ: لَو عددت مَا أقبل من شَيْبه فِي رَأسه ولحيته مَا كنت أزيدهن على إِحْدَى عشرَة. قلت: هَذِه أَربع رِوَايَات عَن أنس كلهَا تدل على أَن شعراته الْبيض لم تبلغ عشْرين شَعْرَة، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة توضح بِأَن مَا دون الْعشْرين كَانَ سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، فَيكون كَمَا ذكرنَا الْعشْرَة على عنفقته وَالزَّائِد عَلَيْهَا يكون فِي بَقِيَّة لحيته، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة: لم يكن فِي لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء، واللحية تَشْمَل العنفقة وَغَيرهَا، وَكَون الْعشْرَة على العنفقة بِحَدِيث عبد الله بن بسر، والبقية بالأحاديث الْأُخَر فِي بَقِيَّة لحيته، وَكَون حميد أَشَارَ إِلَى عنفقته سبع عشرَة لَيْسَ يفهم ذَلِك من نفس الحَدِيث، والْحَدِيث لَا يدل إلاَّ على مَا ذكرنَا من التَّوْفِيق، وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِم فَلَا تنَافِي كَون الْعشْرَة على العنفقة وَالْوَاحد على غَيرهَا، وَهَذَا الْموضع مَوضِع تَأمل. قَوْله: (قَالَ ربيعَة) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَسَأَلت) ، قيل: يُمكن أَن يكون المسؤول عَنهُ أنسا، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَاه مُحَمَّد ابْن عقيل: أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ لأنس: هَل خضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي رَأَيْت شعرًا من شعره قد لون؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا الْأَثر قد لون من الطّيب الَّذِي كَانَ يطيب بِهِ شعر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الَّذِي غير لَونه فَيحْتَمل أَن يكون ربيعَة سَأَلَ أنسا عَن ذَلِك فَأَجَابَهُ بقوله: أَحْمَر من الطّيب، يَعْنِي لم يخضب، وَالله أعلم.

8453 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبَرَنَا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ ولاَ بالقَصِيرِ وَلَا بالأبْيَضِ الأمْهَقِ ولَيْسَ بالآدَمِ ولَيْسَ بالجَعْدِ القطَطِ ولاَ بالسَّبْطِ بَعَثَهُ

(16/106)


الله علَى رأسِ أرْبَعِينَ سَنَةً فأقامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنينَ وبِالمَدِينَةِ عَشْرِ سِنينَ فتَوَفَّاهُ الله ولَيْسَ فِي رَأسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 7453 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس من رِوَايَة ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن. وَالْكَلَام فِيهِ قد مر عَن قريب، وَهَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي أَنه عَاشَ سِتِّينَ سنة، وروى مُسلم من وَجه آخر عَن أنس: أَنه عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة، وَهَذَا مُوَافق لحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عنهَا الْمَاضِي عَن قريب. وَهَذَا قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا بُد أَن يكون الصَّحِيح أَحدهمَا قلت: كِلَاهُمَا صَحِيح، وَيحمل رِوَايَة السِّتين على إِلْغَاء الْكسر.

9453 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ أبُو عَبْدِ الله حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدَّثَنا إبْرَاهِيمُ ابنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ يقُولُ كانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ النَّاسِ وجْهاً وأحْسَنَهُ خَلْقاً لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ وَلَا بالقَصِيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْمروزِي الْمَعْرُوف بالرباطي، مَاتَ يَوْم عَاشُورَاء أَو النّصْف من محرم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا وَإِسْحَاق بن مَنْصُور أَبُو عبد الله السَّلُولي الْكُوفِي وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق يروي عَن أَبِيه يُوسُف بن إِسْحَاق، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله، لِأَن إِسْحَاق يُقَال: إِنَّه مَاتَ قبل أَبِيه أبي إِسْحَاق!
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي كريب.
قَوْله: (وَأحسنه خلقا) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَضَبطه ابْن التِّين بِضَم أَوله، وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} (الْقَلَم: 4) . وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (وَأحسنه خلقا وخلقاً) . قَوْله: (الْبَائِن) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من: بَان، أَي: ظهر على غَيره أَو فَارق من سواهُ.

0553 - حدَّثنا أبُو نَعَيْمٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سألْتُ أنَسَاً هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ إنَّمَا كانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَهَمَّام بن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن أبي مُوسَى. قَوْله: (شَيْء) ، أَي: من الشيب، يُرِيد أَنه لم يبلغ الخضاب لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ شَيْء من الشيب إلاَّ قَلِيلا فِي صدغيه لم يحْتَج إِلَى التخضيب. قَوْله: (فِي صدغيه) ، الصدغ مَا بَين الْأذن وَالْعين، وَيُسمى أَيْضا الشّعْر المتدلي عَلَيْهِ صدغاً. فَإِن قلت: روى ابْن عمر فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يصْبغ من الصُّفْرَة. قلت: صبغ فِي وَقت وَتَركه فِي مُعظم الْأَوْقَات، فَأخْبر كل بِمَا رأى، وَكِلَاهُمَا صادقان. فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يدل على أَن بعض الشيب كَانَ فِي صدغيه، وَفِي حَدِيث عبد الله بن بسر: كَانَ على عنفقته؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس، قَالَ: (لم يخضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا كَانَ الْبيَاض فِي عنفقته وَفِي الصدغين وَفِي الرَّأْس نبذ، أَي: متفرق) ، فَإِن قلت: أخرج الْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (مَا شانه الله ببيضاء) . قلت: هَذَا مَحْمُول على أَن تِلْكَ الشعرات الْبيض لم يتَغَيَّر بهَا شَيْء من حسنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

1553 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرْبُوعَاً بَعيد مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أذُنِهِ رأيْتُهُ فِي حُلَّة حَمْرَاءَ لَمْ أرَ شَيْئاً قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بنُ أبِي إسْحَاقَ عنْ أبِيهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو إِسْحَاق مر الْآن، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن أبي الْوَلِيد مُخْتَصرا.

(16/107)


وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن حَفْص بن عمر بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان وَالْأَدب عَن بنْدَار بِبَعْضِه، وَفِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار بِتَمَامِهِ وَعَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عَليّ بن الْحُسَيْن وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي.
قَوْله: (مربوعاً) وَهُوَ معنى قَوْله: (ربعَة) فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة. قَوْله: (بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ) ، أَي عريض أَعلَى الظّهْر، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن سعد: رحب الصَّدْر. قَوْله: (أُذُنه) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أُذُنَيْهِ) بالتثنية، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: تكَاد جمته تصيب شحمة أُذُنَيْهِ. قَوْله: (قَالَ يُوسُف بن أبي إِسْحَاق) ، نسبه إِلَى جده لِأَنَّهُ ذكر الْأَب وَأَرَادَ الْجد مجَازًا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الضَّمِير فِي أَبِيه يرجع إِلَى إِسْحَاق لَا إِلَى يُوسُف، لِأَن يُوسُف لَا يروي إلاَّ عَن الْجد. قَوْله: (إِلَى مَنْكِبَيْه) ، أَي: يبلغ الجمة إِلَى مَنْكِبَيْه، وَهَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ قبل عَن أَحْمد بن سعد عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يُوسُف حَدثنَا أبي عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، وَلكنه اخْتَصَرَهُ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله (يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ) ، مُغَاير لقَوْله: مَنْكِبَيْه، ورد بِأَن المُرَاد أَن مُعظم شعره كَانَ عِنْد شحمة أُذُنه، وَمَا استرسل مِنْهُ مُتَّصِل إِلَى الْمنْكب، أَو يحمل على حالتين.

2553 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سُئِلَ البَرَاءُ أكانَ وجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن سُفْيَان بن وَكِيع.
قَوْله: (أَكَانَ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الإستخبار. قَوْله: (مثل السَّيْف) ، يحْتَمل أَنه أَرَادَ: مثل السَّيْف فِي الطول، قَالَ الْبَراء: لَا بل مثل الْقَمَر فِي التدوير، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ مثل السَّيْف فِي اللمعان والصقال، فَقَالَ الْبَراء: لَا بل مثل الْقَمَر الَّذِي فَوق السَّيْف فِي ذَلِك، لِأَن الْقَمَر يَشْمَل التدوير واللمعان، بل التَّشْبِيه بِهِ أبلغ لِأَن التَّشْبِيه بالقمر لوجه الممدوح شَائِع ذائع، وَكَذَا بالشمس، وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: أَن رجلا قَالَ لَهُ: أَكَانَ وَجه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا بل مثل الشَّمْس وَالْقَمَر مستديراً، وَقد أَشَارَ بقوله: مستديراً، إِلَى أَنه جمع التدوير مَعَ كَونه مثل الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْإِشْرَاق واللمعان والصقال، فَكَأَنَّهُ نبه فِي حَدِيثه أَنه جمع الْحسن والاستدارة، وَهَذَا الحَدِيث يُؤَيّد الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورين.

3553 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مَنْصُورٍ أبُو عَلِيٍّ حدَّثنَا حَجَّاحُ بنُ مُحَمَّدٍ الأعْوَرُ بالمَصِّيصَةِ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أبَا جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالهاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ فتَوَضَّأ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وبَيْنَ يَدَيْهِ عنْزَةٌ وزَادَ فيهِ عَوْنٌ عنْ أبِيهِ عنْ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ كانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَارَّةُ وقامَ الْنَّاسُ فجَعَلُوا يأخُذُونَ يَدَيْهِ فيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ فأخَذْتُ بِيَدِهِ فوَضَعْتُهَا علَى وَجْهِي فإذَا هِيَ أبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وأطْيَبُ رائِحَةً مِنَ المِسْكِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مَنْصُور أَبُو عَليّ الصُّوفِي الْبَغْدَادِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَلم يخرج عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ: ابْن عتيبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر غير مرّة، وَهَذَا الحَدِيث مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَمر أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة إِلَى العنزة، فَأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا عون بن أبي جُحَيْفَة، قَالَ سَمِعت أبي قَالَ: (خرج علينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بِالْمصِّيصَةِ) بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وَكسرهَا وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الصَّاد الثَّانِيَة وَفِي آخرهَا هَاء: وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة بناها أَبُو

(16/108)


جَعْفَر الْمَنْصُور على نهر جيحان وَهُوَ الَّذِي تسميه الْقَوْم جاهان. وَقَالَ الْبكْرِيّ: ثغر من ثغور الشَّام. قلت: رَأَيْتهَا فِي سفرتي إِلَى بِلَاد الرّوم وغالبها خراب، وَهِي فِي بِلَاد الأرمن بِالْقربِ من مَدِينَة تسمى أذنة، وَإِنَّمَا قَالَ: بِالْمصِّيصَةِ، لِأَن حجاج بن مُحَمَّد سكن المصيصة وَأَصله ترمذي وَمَات بِبَغْدَاد سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (بالهاجرة) ، وَهِي: نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. قَوْله: (إِلَى الْبَطْحَاء) ، وَهُوَ المسيل الْوَاسِع الَّذِي فِيهِ دقاق الْحَصَى. قَوْله: (عنزة) ، بِفَتْح النُّون: أطول من الْعَصَا وأقصر من الرمْح وَفِيه زج. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة) ، هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (وَزَاد فِيهِ عون) ، أَي: زَاد الحكم فِي إِسْنَاد الحَدِيث: حَدثنَا عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، وَيَأْتِي هَذَا فِي آخر الْبَاب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا وَقع فِي بعض النّسخ: عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، سَهْو لِأَن عوناً هُوَ ابْن أبي جُحَيْفَة، وَالصَّوَاب نقص الْأَب. قلت: فِي كتاب الصَّلَاة الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا عون ابْن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت أبي، قَالَ: خرج علينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَهنا عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، فَلفظ: عَن أَبِيه، حَشْو لَا طائل تَحْتَهُ، وَالصَّوَاب ترك هَذِه اللَّفْظَة. قَوْله: (فَإِذا هِيَ) ، أَي: يَده أبرد من الثَّلج، وَالْحكمَة فِيهِ أَن برودة يَده تدل على سَلامَة جسده من الْعِلَل والعوارض. قَوْله: (وَأطيب رَائِحَة من الْمسك) ، قَالَت الْعلمَاء: كَانَت هَذِه الرّيح الطّيبَة صفته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن لم يمس طيبا، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يسْتَعْمل الطّيب فِي كثير من الْأَوْقَات مُبَالغَة فِي طيب رِيحه لملاقاة الْمَلَائِكَة وَأخذ الْوَحْي الْكَرِيم ومجالسة الْمُسلمين، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث وَائِل بن حجر: (أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَلْو من مَاء فَشرب مِنْهُ ثمَّ مج فِي الدَّلْو ثمَّ فِي الْبِئْر، ففاح مِنْهَا ريح الْمسك) . وروى أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا مر فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة وجد مِنْهُ رَائِحَة الْمسك، فَيُقَال: مر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذِه الطَّرِيق) .

4553 - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجْوَدَ النَّاسِ وأجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رمَضَانَ حِينَ يلْقَاهُ جِبرِيلُ وكانَ جِبْرِيلُ علَيْهِ السَّلامُ يَلْقَاهُ فِي كلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ فلَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوْصُوفا بالجود. وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَهَذَا الحَدِيث مر فِي أَوَائِل: بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن عَبْدَانِ أَيْضا إِلَى آخِره، نَحوه. وَالْآخر: عَن بشر بن مُحَمَّد عَن عبد الله ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً. وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الصّيام فِي: بَاب أَجود مَا يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس ... إِلَى آخِره. قَوْله: (أَجود النَّاس) أَي: أَعْطَاهُم وَأكْرمهمْ. قَوْله: (من الرّيح الْمُرْسلَة) أَي: المبعوثة لنفع النَّاس.

555 - حدَّثنا يَحْيَى حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخبرنِي ابنُ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ علَيْهَا مَسْرُوراً تَبْرُقُ أسَارِيرُ وجْهِهِ فَقَالَ ألَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وأُسَامَةَ ورَأي أقْدَامَهُمَا إنَّ بَعْضَ هاذِهِ الأقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تبرق أسارير وَجهه) فَإِن هَذَا من جملَة صِفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحيى: إِمَّا ابْن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر ابْن أعين البيكندي، وَكِلَاهُمَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكِلَاهُمَا رويا عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.

(16/109)


والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق.
قَوْله: (مَسْرُورا) حَال، أَي: فرحان. قَوْله: (تبرق) بِضَم الرَّاء، أَي: تضيء وتستنير من الْفَرح، قَوْله: (أسارير وَجهه) الأسارير جمع الْأَسْرَار، وَهُوَ جمع السرر: وَهِي الخطوط الَّتِي تكون فِي الجبين، وبرقانها يكون عِنْد الْفَرح. قَوْله: (ألم تسمعي) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة: ألم تسمعي مَا قَالَ المدلجي؟ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم، واسْمه: مجزز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَكسر الزَّاي الأولى الْمُشَدّدَة، ونسبته إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، بطن من كنَانَة كَبِير مَشْهُور بالقيافة، والقائف هُوَ من يتتبع الْآثَار ويعرفها وَيعرف شبه الرجل بأَخيه وَأَبِيهِ، وَالْجمع: الْقَافة، يُقَال: فلَان يقوف الْأَثر ويقتافه قيافة، مثل: قفا الْأَثر واقتفاه، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تقدح فِي نسب أُسَامَة بن زيد لكَونه أسود وَزيد أَبيض، فَمر بهما مجزز وهما تَحت قطيفة قد بَدَت أقدامهما من تحتهَا، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض، فَلَمَّا قضى هَذَا الْقَائِف بإلحاق نسبه، وَكَانَت الْعَرَب تعتمد قَول الْقَائِف ويعترفون بحقية القيافة، فَرح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه زجرا لَهُم عَن الطعْن فِي النّسَب، وَكَانَت أم أُسَامَة بركَة حبشية سَوْدَاء، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل بن كَعْب بن عبد الْعُزَّى، وَأمه أم أَيمن حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُسمى حب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَاخْتلفُوا فِي الْعَمَل بقول الْقَائِف: فأثبته الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، وَالْمَشْهُور عَن مَالك إثْبَاته فِي الْإِمَاء ونفيه فِي الْحَرَائِر، ونفاه أَبُو حنيفَة مُطلقًا لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) . وَلَيْسَ فِي حَدِيث المدلجي دَلِيل على وجوب الحكم بقول الْقَافة لِأَن أُسَامَة كَانَ نسبه ثَابتا من زيد قبل ذَلِك، وَلم يحْتَج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك إِلَى قَول أحد، وَإِنَّمَا تعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجب من ظن الرجل الَّذِي يُصِيب ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يثبت الحكم بذلك، وَترك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتعاطَ فِي ذَلِك إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا.

6553 - حدَّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عنْ تبُوكَ قَالَ فلَمَّا سلَّمْتُ علَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يَبْرُقُ وجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وكانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حتَّى كأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وكُنَّا نَعْرِفُ ذالِكَ مِنْهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استنار وَجهه) إِلَى آخِره، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمَدِينِيّ، يكنى أَبَا الْخطاب، عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ رُوِيَ عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد بن غنم ابْن كَعْب بن سَلمَة السّلمِيّ الخزرجي الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: السماع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مصريان، وعقيلاً أيلي، والبقية مدنيون. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله، وَعبد الله بن كَعْب. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب عَن الْجد.
وَحَدِيث كَعْب هَذَا قِطْعَة من تَوْبَته، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْمَغَازِي. وَأخرجه فِي مَوَاضِع مُخْتَصرا وَمُطَولًا، فَفِي الْمَاضِي أخرج فِي الْوَصَايَا قِطْعَة وَفِي الْجِهَاد قِطْعَة، وَفِي الَّذِي يَأْتِي فِي وُفُود الْأَنْصَار وَفِي موضِعين من الْمَغَازِي وَفِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من التَّفْسِير وَفِي الْأَحْكَام مطولا ومختصراً، وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي الطَّاهِر وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَعَن مُحَمَّد بن جبلة وَمُحَمّد بن يحيى وَمُحَمّد بن معدان.
قَوْله: (فَلَمَّا سلمت) ، وَجَوَابه مَحْذُوف تَقْدِيره: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا. وَقَوله: (وَهُوَ يَبْرق وَجهه) ، جملَة حَالية وَمعنى: يَبْرق، يلمع. قَوْله: (إِذا سر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من السرُور. قَوْله: (استنار) ، أَي: أَضَاء وتنور، قَوْله: (كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر) ، أَي: كَأَن الْموضع الَّذِي تبين فِيهِ السرُور، وَهُوَ جَبينه قِطْعَة قمر.

(16/110)


7553 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرو عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرونِ بَنِي آدَمَ قَرْناً فَقَرْناً حتَّى كُنْتُ مِنَ القَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فيهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَونه من خير قُرُون، وَهُوَ صفة من صِفَاته، وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْقَارِي من القارة حَلِيف بني زهرَة أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَعَمْرو هُوَ ابْن أبي عَمْرو، واسْمه: ميسرَة مولى الْمطلب. والْحَدِيث لم يُخرجهُ إلاَّ هُوَ.
قَوْله: (قُرُون) جمع قرن وَهُوَ: النَّاس المجتمعون فِي عصر وَاحِد، وَقيل: مائَة سنة، وَقيل: سَبْعُونَ سنة، وَقيل: ثَلَاثُونَ سنة. قَوْله: (قرنا فقرناً) ، أَي: نقيت من خير الْقُرُون أَو أفضلهَا، واعتبرت قرنا فقرناً من أَوله إِلَى آخِره، فَهُوَ حَال للتفضيل، فَخير الْقُرُون قرنه ثمَّ قرن الصَّحَابَة ثمَّ قرن التَّابِعين. قَوْله: (كنت فِيهِ) ، ويروى: كنت مَعَه.

8553 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله ابنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَسْدُلُ شَعْرَهُ وكانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُؤُوسَهُمْ فَكانَ أهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُوسَهُمْ وكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَبُّ مُوافَقَةَ أهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأسَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه فِي الْأَخِيرَة فرق رَأسه، وَهُوَ صفة من صِفَاته، وَرِجَاله مروا عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك، وَفِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم وَمُحَمّد بن جَعْفَر، وَعَن أبي الطَّاهِر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّل عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن سُوَيْد بن نصر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (يسدل شعره) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال، وَيجوز ضمهَا أَي: يتْرك شعر ناصيته على جَبينه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: المُرَاد إرْسَاله على الجبين واتخاذه كالقصة، بِضَم الْقَاف وبالصاد الْمُهْملَة. قَوْله: (وَكَانَ الْمُشْركُونَ يفرقون) ، بِضَم الرَّاء وَكسرهَا، أَي: يلقون شعر رَأْسهمْ إِلَى جانبيه وَلَا يتركون مِنْهُ شَيْئا على جبهتهم. قَوْله: (يحب مُوَافقَة أهل الْكتاب) لأَنهم أقرب إِلَى الْحق من الْمُشْركين عَبدة الْأَوْثَان، وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورا بِاتِّبَاع شريعتهم فِيمَا لم يُوح إِلَيْهِ فِيهِ شَيْء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: احْتج بِهِ بَعضهم على أَن شرع من قبلنَا شرع لنا، وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يحب من الْمحبَّة، وَلَو كَانَ شرعهم شَرعه لكَانَتْ الْمُوَافقَة وَاجِبَة. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه ضَعِيف، لِأَن الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء قَالُوا: شرع من قبلنَا يلْزمنَا إلاَّ إِذا قصه الله بالإنكار. قَوْله: (ثمَّ فرق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأسه) أَي: شعر رَأسه، يَعْنِي أَلْقَاهُ إِلَى جَانِبي رَأسه فَلم يتْرك مِنْهُ شَيْئا على جَبهته. وَقد روى ابْن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، قَالَت: (أَنا فرقت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه) أَي: شعر رَأسه على يَافُوخه.

9553 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبِي حَمْزَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائلٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمْ يَكنِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحِشَاً ولاَ مُتَفَحِّشاً وكانَ يَقُولُ إنَّ منْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي الْمروزِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، ومسروق بن بالأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن حَفْص بن عمر وَعَن قُتَيْبَة وَعَن عمر بن حَفْص. وَأخرج حَدِيث حَفْص بن عمر فِي مَنَاقِب عبد الله بن

(16/111)


مَسْعُود. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن أبي سعيد الْأَشَج. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا) من الْفُحْش، وَأَصله الزِّيَادَة بِالْخرُوجِ عَن الْحَد. قَوْله: (وَلَا متفحشاً) أَي: وَلَا متكلفاً فِي الْفُحْش، حَاصله أَنه لم يكن الْفُحْش لَهُ لَا جبلياً وَلَا كسبياً. وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن خلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: (لم يكن فَاحِشا وَلَا متفحشاً، وَلَا سخاباً فِي الْأَسْوَاق، وَلَا يجزىء بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة، وَلَكِن يعْفُو ويصفح) . قَوْله: (أحسنكم أَخْلَاقًا) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أحاسنكم) ، وَحسن الْخلق اخْتِيَار الْفَضَائِل فِيهِ وَترك الرذائل، وَهُوَ صفة الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، والأولياء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَعند مُسلم من حَدِيث عَائِشَة (كَانَ: خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه) .

0653 - حدَّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ مَا خُيِّرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلاَّ أخَذَ أيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمَاً فَإِن كانَ إثْمَاً كانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنَفْسِهِ إلاَّ أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فيَنْتَقِمَ لله بِهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن يحيى وقتيبة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي بِهِ مُخْتَصرا.
قَوْله: (مَا خير) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَين أَمريْن) ، أَي: من أُمُور الدُّنْيَا، يدل عَلَيْهِ قَوْله: (مَا لم يكن إِثْمًا) ، لِأَن أُمُور الدّين لَا إِثْم فِيهَا. قَوْله: (أيسرهما) ، أَي: أسهلهما. قَوْله: (مَا لم يكن إِثْمًا) أَي: مَا لم يكن الأسهل إِثْمًا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يخْتَار الأشق. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يُخَيّر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمريْن أَحدهمَا إِثْم؟ قلت: التَّخْيِير إِن كَانَ من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين فَمَعْنَاه: مَا لم يؤد إِلَى إِثْم، كالتخيير فِي المجاهدة فِي الْعِبَادَة والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ ينجر إِلَى الْهَلَاك لَا تجوز. قَوْله: (وَمَا انتقم لنَفسِهِ) ، أَي: خَاصَّة. فَإِن قلت: أَمر بقتل عقبَة بن أبي معيط وَعبد الله بن خطل وَغَيرهمَا مِمَّن كَانَ يُؤْذِيه؟ قلت: كَانُوا مَعَ أذاهم لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا ينتهكون حرمات الله تَعَالَى، وَقيل: أَرَادَ أَنه لَا ينْتَقم إِذا أوذي فِي غير السَّبَب الَّذِي يخرج إِلَى الْكفْر، كَمَا عَفا عَن ذَلِك الْأَعرَابِي الَّذِي جَفا فِي رفع صَوته عَلَيْهِ، وَعَن ذَاك الآخر الَّذِي جبذ بردائه حَتَّى أثر فِي كتفه، وَحمل الدَّاودِيّ عدم الانتقام على مَا يخْتَص بِالْمَالِ، قَالَ: وَأما الْعرض فقد اقْتصّ مِمَّن نَالَ مِنْهُ. قَوْله: (إلاَّ أَن تنتهك) ، هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: لَكِن إِذا انتهكت حُرْمَة الله انتصر لله تَعَالَى وانتقم مِمَّن ارْتكب ذَلِك، وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ: (وَمَا انتقم لنَفسِهِ إلاَّ أَن تنتهك حُرْمَة الله فَإِن انتهكت حُرْمَة الله كَانَ أَشد النَّاس غَضبا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله تَعَالَى) .
وَفِي الحَدِيث: الْأَخْذ بالأسهل والحث على الْعَفو والانتصار للدّين وَأَنه يسْتَحبّ للحكام التخلق بِهَذَا الْخلق الْكَرِيم فَلَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يهمل حق الله تَعَالَى.

1653 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثَنا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا مَسِسْتُ حَرِيرَاً ولاَ دِيبَاجَاً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ شَمِمْتُ رِيحاً قَطُّ أوْ عَرْفَاً قَطُّ أطْيَبُ مِنْ رِيحِ أوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الْمَذْكُور فِيهِ من صِفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَكَذَا، والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَأخرجه مُسلم بِمَعْنَاهُ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَنهُ.
قَوْله: (مَا مسست) ، بسينين مهملتين الأولى مَكْسُورَة وَيجوز فتحهَا وَالثَّانيَِة سَاكِنة وَكَذَا الْكَلَام فِي (شممت) . قَوْله: (وَلَا ديباجاً) وَفِي (الْمغرب) : الديباج

(16/112)


الثَّوْب الَّذِي سداه وَلحمَته إبريسم، وَعِنْدهم اسْم للمنقش وَالْجمع: ديابيج. قلت: فعلى هَذَا يكون عطفه على الْحَرِير من عطف الْخَاص على الْعَام. قَوْله: (أَلين من كف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: أنعم. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارضهُ مَا روى من حَدِيث هِنْد بن أبي هَالة الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن فِيهِ أَنه كَانَ شش الْكَفَّيْنِ والقدمين، أَي: غليظهما فِي خشونة. قلت: قيل: اللين فِي الْجلد والغلظ فِي الْعِظَام فيجتمع لَهُ نعومة الْبدن مَعَ الْقُوَّة، وَيُؤَيّد مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار من حَدِيث معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أردفني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه فِي سفر فَمَا مسست شَيْئا قطّ أَلين من جلده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (أَو عرفا) ، هُوَ شكّ من الرَّاوِي، لِأَن الْعرف، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا فَاء: هُوَ الرّيح أَيْضا. قَوْله: (من ريح أَو عرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهَذَا أَيْضا شكّ من الرَّاوِي. وَقَوله: (من ريح) ، بِكَسْر الْحَاء بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُضَاف، تَقْدِيره: من ريح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو من عرفه، وَهَذَا كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
(بَين ذراعي وجبهة الْأسد)

تَقْدِيره: بَين ذراعي الْأسد وجبهته، فقد أَدخل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ شَيْئا، وَالْأَصْل عَدمه. قيل: وَوَقع فِي بعض النّسخ: أَو عرقاً، بِفَتْح الرَّاء وبالقاف، وَكلمَة: أَو، وعَلى هَذَا تكون للتنويع دون الشَّك، وَالْمَعْرُوف من الرِّوَايَة هِيَ الأولى.

2653 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي عُتْبَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشَدَّ حَياءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ صفة من صِفَاته الْعَظِيمَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبد الله بن أبي عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: مولى أنس بن مَالك، مر فِي الْحَج.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن بنْدَار عَن يحيى وَابْن مهْدي وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ بن أبي الْجَعْد وَعَن عَبْدَانِ عَن عبيد الله. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى وَأحمد بن سِنَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن بنْدَار.
قَوْله: (حَيَاء) ، نصب على التَّمْيِيز وَهُوَ تغير وانكسار عِنْد خوف مَا يعاب أَو يذم (والعذراء) الْبكر لِأَن عذرتها وَهِي: جلدَة الْبكارَة بَاقِيَة. قَوْله: (فِي خدرها) ، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة: أَي: فِي سترهَا، وَيُقَال: الخدر ستر يَجْعَل للبكر فِي جنب الْبَيْت. فَإِن قلت: مبْنى أَمر الْعَذْرَاء على السّتْر، فَمَا فَائِدَة قَوْله: (فِي خدرها؟) قلت: هَذَا من بَاب التَّعْمِيم للْمُبَالَغَة لِأَن الْعَذْرَاء فِي الْخلْوَة يشْتَد حياؤها أَكثر مِمَّا تكون خَارِجَة عَن الخدر لكَون الْخلْوَة مَظَنَّة وُقُوع الْفِعْل بهَا، ثمَّ مَحل الْحيَاء فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير حُدُود الله، وَلِهَذَا قَالَ للَّذي اعْترف بِالزِّنَا: أنكتها؟ وَلم يكنِ.
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى وابْنُ مَهْدِيٍّ قالاَ حدَّثنا شُعْبَةُ مِثْلَهُ وإذَا كَرِهَ شَيْئَاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ
هَذَا طَرِيق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار وَهُوَ عَن بنْدَار عَن يحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي كِلَاهُمَا رويا عَن شُعْبَة. قَوْله: (مثله) ، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور سنداً ومتناً. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي مُوسَى مُحَمَّد ابْن الْمثنى عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: سَمِعت عبد الله بن أبي عتبَة يَقُول: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول ... إِلَخ. . قَوْله: (وَإِذا كره شَيْئا عرف فِي وَجهه) ، هَذِه زِيَادَة مُحَمَّد بن بشار على رِوَايَة مُسَدّد الْمَذْكُورَة، وَمعنى: عرف فِي وَجهه، أَنه لَا يواجه أحدا بِمَا يكرههُ بل يتَغَيَّر وَجهه فَيعرف أَصْحَابه كَرَاهَته لذَلِك.

3653 - حدَّثني عَلِيُّ بنُ الْجَعْدِ أخبرَنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا عابَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعامَاً قَطُّ إنِ اشْتَهَاهُ أكَلَهُ وإلاَّ تَرَكَهُ. (الحَدِيث 3653 طرفه فِي: 9045) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ من جملَة صِفَاته الْحَسَنَة. وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا حَازِم سَلمَة بن دِينَار صَاحب سهل بن سعد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن

(16/113)


كثير. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن أبي كريب وَابْن الْمثنى وَعَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر بن حَرْب. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد بن حميد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أَحْمد بن مُحَمَّد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (وإلاَّ) أَي: وَإِن لم يشتهه (تَركه) وَهُوَ من جملَة خصاله الشَّرِيفَة.

4653 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عنِ الأعْرَجِ عنْ عبْدِ الله بنِ مالِكٍ بنِ بُحَيْنَةَ الأسْدِيِّ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إبْطَيْهِ قَالَ وَقَالَ ابنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا بَكْرٌ بَياضَ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 093 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَيَاض إبطَيْهِ) لِأَن هَذَا أَيْضا من صِفَاته الجميلة. والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب يُبْدِي ضبعيه ويجافي فِي السُّجُود.
قَوْله: (مَالك) ، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله: (ابْن بُحَيْنَة) ، صفة لعبد الله لَا لمَالِك، و: بُحَيْنَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: وَهُوَ اسْم أم عبد الله، فَجمع فِي نسبه بَين الْأَب وَالأُم. قَوْله: (الْأَسدي) ، بِسُكُون السِّين وَيُقَال فِيهِ: الْأَزْدِيّ بالزاي الساكنة، وَهَذَا مَشْهُور فِي هَذِه النِّسْبَة، يُقَال: بالزاي وبالسين. قَوْله: (فرج بَين يَدَيْهِ) ، يَعْنِي: فتح وَلم يضم مرفقيه إِلَيْهِ، وَهَذِه سنة السُّجُود. قَوْله: (حَتَّى نرى) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. قَوْله: (وَقَالَ ابْن بكير) ، وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (بكر) ، هُوَ بكر بن مُضر الْمَذْكُور، أَرَادَ أَن يحيى بن بكير زَاد لَفْظَة: بَيَاض، على لَفْظَة: إبطَيْهِ، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: حَتَّى نرى إبطَيْهِ، بِدُونِ لَفْظَة: بَيَاض، قيل: المُرَاد بِوَصْف إبطَيْهِ بالبياض أَنه لم يكن تحتهما شعر فَكَانَا كلون جسده، وَقيل: لدوام تعاهده لَهُ لَا يبْقى فِيهِ شعر. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة مُسلم: حَتَّى رَأينَا عفرَة إبطَيْهِ؟ قلت: لَا تنَافِي بَينهمَا لِأَن العفرة هِيَ الْبيَاض لَيْسَ بالناصع، وَهَذَا شَأْن المغابن يكون لَوْنهَا فِي الْبيَاض دون لون بَقِيَّة الْجَسَد.

5653 - حدَّثنا عبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُمْ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلاَّ فِي الاسْتِسْقَاءِ فإنَّهُ كانَ يَرْفَعُ يدَيْهِ حَتَّى يُرَي بَياضُ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 1301 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ) وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة. والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب رفع الإِمَام يَده فِي الاسْتِسْقَاء.
قَوْله: (كَانَ لَا يرفع) إِلَى آخِره، ظَاهره أَنه لم يرفع إلاَّ فِي الاسْتِسْقَاء، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل ثَبت الرّفْع فِي الدُّعَاء فِي مَوَاطِن فيؤول على أَنه لم يرفع الرّفْع البليغ فِي شَيْء من دُعَائِهِ إلاَّ فِي الاسْتِسْقَاء، فَإِنَّهُ كَانَ يرفع الرّفْع البليغ حَتَّى يُرى بَيَاض إبطَيْهِ.
وَقَالَ أبُو مُوساى دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَفَعَ يَدَيْهُ ورَأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ
أَبُو مُوسَى هُوَ مُحَمَّد بن الْمثنى يعرف بالزمن الْعَنْبَري شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَهَذَا طرف علقه من حَدِيث سَيَأْتِي مَوْصُولا فِي المناقب فِي تَرْجَمَة أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ.

6653 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ حدَّثنا مالِكُ بنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَوْنَ بنِ أبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أبِيهِ قَالَ دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ بالأبْطَحِ فِي قُبَّةِ كانَ بالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلالٌ فناداى بالصَّلاَةِ ثُمَّ دَخَلَ فأخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءٍ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقَعَ النَّاسُ علَيْهِ يأخُذُونَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ فأخْرَج العَنْزَةَ وخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وَبِيص

(16/114)


ساقَيْهِ فرَكَزَ العَنْزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهُرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمارُ والمَرْأةُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيض سَاقيه) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة: وَهُوَ البريق وزنا وَمعنى. وَالْحسن بن الصَّباح، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي بعض النّسخ: الْحسن ابْن الصَّباح الْبَزَّار، بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء، وَهُوَ واسطي سكن بَغْدَاد، وَمُحَمّد بن سَابق أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وروى عَنهُ بِدُونِ الْوَاسِطَة فِي الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق أَو الْفضل بن يَعْقُوب عَنهُ، وَمَالك بن مغول بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ابْن عَاصِم أَبُو عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي، وَأَبُو جُحَيْفَة اسْمه وهب وَقد مر عَن قريب، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس.
قَوْله: (دفعت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) على صِيغَة الْمَجْهُول، يَعْنِي: وصلت إِلَيْهِ من غير قصد. قَوْله: (وَهُوَ بِالْأَبْطح) جملَة حَالية، والأبطح أبطح مَكَّة وَهُوَ مسيل واديها وَيجمع على البطاح والأباطح. قَوْله: (فِي قبَّة) أَيْضا حَال. قَوْله: (بالهاجرة) وَهُوَ نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. قَوْله: (فَأخْرج) من الْإِخْرَاج. قَوْله: (فضل وضوء النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (فَأخْرج العنزة) وَهُوَ مثل نصف الرمْح أَو أكبر شَيْئا. وفيهَا سِنَان مثل سِنَان الرمْح، والعكازة قريب مِنْهَا.

7653 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ البَزَّارُ حدَّثنَا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُحَدِّثُ حَدِيثَاً لَوْ عَدَّهُ الْعادُّ لأحْصَاهُ. (الحَدِيث 7653 طرفه فِي: 8653) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من صِفَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن الَّذِي سمع كَلَامه لَو أَرَادَ أَن يعد كَلِمَاته أَو مفرداته أَو حُرُوفه لعَدهَا، وَالْمرَاد بذلك الْمُبَالغَة فِي الترتيل والتفهيم.
وَالْحسن بن الصَّباح هَذَا هُوَ الَّذِي مضى فِي الحَدِيث السَّابِق، وَقيل: لَا بل غَيره، لِأَن الْحسن بن الصَّباح الَّذِي قبله هُوَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، نِسْبَة إِلَى جده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الطوسي نَحوه وَذكر فِيهِ قصَّة أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (لَو عدَّهُ العادُّ) ، لَو عَدَّ الْعَاد حَدِيثه، أَي: كَلِمَات حَدِيثه، لعده أَي: لقدر على عده، فَالشَّرْط وَالْجَزَاء متحدان ظَاهرا وَلكنه من قبيل قَوْله: {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} (إِبْرَاهِيم: 47، النَّحْل: 81) . وَقد فسر: بِلَا تُطِيقُوا عدهَا وبلوغ آخرهَا.

8653 - وقالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ أنَّهُ قَالَ أخبرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ أنَّهَا قالَتْ ألاَّ يُعْجِبُكَ أبُو فُلانٍ جاءَ فجَلَسَ إِلَى جانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْمِعُنِي ذالِكَ وكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقامَ قَبْلَ أنْ أقْضِيَ سُبْحَتِي ولَوْ أدْرَكْتُهُ لرَدَدْتُ علَيْهُ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كسَرْدِكُمْ. (انْظُر الحَدِيث 7653) .

هَذَا التَّعْلِيق وَصله الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث.
قَوْله: (أَبُو فلَان) كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: أَبَا فلَان، أما الرِّوَايَة الأولى فَلَا إِشْكَال فِيهَا، وَأما الثَّانِيَة فعلى لُغَة من قَالَ: (لَا وَلَو رَمَاه بأبا قبيس، قيل: المُرَاد بِهِ أَبُو هُرَيْرَة، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس: أَلا يُعْجِبك أَبُو هُرَيْرَة جَاءَ فَجَلَسَ ... وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم وَأبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: أَلا أعْجبك من أبي هُرَيْرَة، وَوَقع للقابسي: أَتَى فلَان فَأتى، فعل مَاض من الْإِتْيَان، وَفُلَان فَاعله، وَهُوَ تَصْحِيف قَالَه بَعضهم، ثمَّ علل بقوله: لِأَنَّهُ تبين أَنه بِصِيغَة الكنية. قلت: نظر لَا يخفى. قَوْله: (وَكنت أسبح) يجوز أَن يكون على ظَاهره من التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ الذّكر، وَيجوز أَن يكون مجَازًا عَن صَلَاة التَّطَوُّع. قَوْله: (لم يكن يسْرد) أَي: لم يكن يُتَابع الحَدِيث استعجالاً، أَي: كَانَ يتَكَلَّم بِكَلَام متتابع مَفْهُوم وَاضح على سَبِيل التأني لِئَلَّا يلتبس على المستمع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس: إِنَّمَا كَانَ حَدِيث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلا يفهمهُ الْقُلُوب، وَاعْتذر عَن أبي هُرَيْرَة بِأَنَّهُ كَانَ وَاسع الرِّوَايَة كثير الْمَحْفُوظ، فَكَانَ

(16/115)


لَا يتَمَكَّن من الْمهل عِنْد إِرَادَة التحديث، كَمَا قَالَ بعض البلغاء: أُرِيد أَن أقتصر فتزدحم القوافي عَليّ.

42 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، وَهُوَ كالفصل لما قبله.
كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنامُ قَلْبُهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بنُ مِينَاءَ عنْ جابِرٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا وَصله البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن عبَادَة عَن يزِيد بن هَارُون عَن سليم بن حَيَّان عَن سعيد بن ميناء عَن جَابر فِي كتاب الِاعْتِصَام. وَسَعِيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ممدودة: أَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ.
قَوْله: (تنام عينه) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تنام عَيناهُ، بالتثنية، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب قيام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ، فِي حَدِيث عَائِشَة مطولا. وَفِيه: (فَقلت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {: أتنام قبل أَن توتر؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة} إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي) .

9653 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ سألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَيْفَ كانَتْ صَلاَةُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَانَ قالَتْ مَا كانَ يَزِيدُ فِي رمَضَانَ ولاَ فِي غَيْرِهِ علَى إحْداى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أرْبَعَ رَكْعَاتٍ فَلاَ تَسْألْ عنْ حُسْنِهِنَّ وطولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعَاً فَلاَ تَسْألْ عنْ حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً فقُلْتُ يَا رسولَ الله تَنامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ قَالَ تَنامُ عَيْنِي وَلَا يَنامُ قَلْبِي. (انْظُر الحَدِيث 7411 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن نوم عينه وَعدم نوم قلبه من الصِّفَات الْعَظِيمَة والخصال الجليلة. وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهَذَا الْمَتْن قد مضى فِي كتاب التَّهَجُّد كالحديث الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.

0753 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانَ عنْ شَرِيكِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي نَمِرٍ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُنَا عنْ لَ يْلَةَ أُسْرِيَ بالنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ جاءَ ثلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أنْ يُوحاى إلَيْهُ وهْوَ نائِمٌ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ فَقَالَ أوَّلُهُمْ أيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ وَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيرَهُمْ فَكانَتْ تِلْكَ فلَمْ يَرَهُمْ حتَّى جاؤُوا لَيْلَةً أُخْراى فِيما يَرَى قَلْبُهُ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نائِمَةٌ عَيْنَاهُ ولاَ يَنامُ قَلْبُهُ وكَذالِكَ الأنْبِيَاءُ تَنامُ أعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَتَوَلاَّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَخُوهُ أَبُو بكر بن عبد الحميد، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي.
قَوْله: (ثَلَاثَة نفر) هم الْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام. قلت: الَّذِي يظْهر لي أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانُوا: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل. لِأَنِّي رَأَيْت فِي كتب كَثِيرَة مَخْصُوصَة بالمعراج أَنهم نزلُوا عَلَيْهِ والبراق مَعَهم. قَوْله: (قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ) ، قيل: لَيْسَ فِي أَكثر الرِّوَايَات هَذِه اللَّفْظَة، وَأَن تِلْكَ مَحْفُوظَة فَلم يَأْته عقيب تِلْكَ اللَّيْلَة، بل بعْدهَا بِسنتَيْنِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أسرِي بِهِ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاثَة سِنِين، وَقيل: بِسنتَيْنِ، وَقيل: بِسنة. قَوْله: (أَيهمْ هُوَ) ، أَي: الثَّلَاثَة مُحَمَّد، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَائِما بَين اثْنَيْنِ أَو أَكثر، وَقد قيل: كَانَ نَائِما بَين عَمه حَمْزَة وَابْن عَمه جَعْفَر بن أبي طَالب. قَوْله: (وأوسطهم) هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ نَائِما بَينهمَا. قَوْله: (خُذُوا خَيرهمْ) أَي: لأجل أَن يعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء. قَوْله: (فَكَانَت تِلْكَ) أَي: كَانَت الْقِصَّة تِلْكَ الْحِكَايَة لم يَقع شَيْء آخر. قَوْله: (فِيمَا يرى قلبه) أَي: بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. فَإِن قلت: ثَبت فِي الرِّوَايَات الْأُخْرَى أَنه فِي الْيَقَظَة. قلت: أَن قُلْنَا بتعدده

(16/116)


فَظَاهر، وَإِن قُلْنَا باتحاده فَيمكن أَن يُقَال: كَانَ ذَلِك أول وُصُول الْملك إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَونه نَائِما فِي الْقِصَّة كلهَا، وَالله سبخانه وَتَعَالَى أعلم.

52 - (بابُ عَلاَماتِ النُّبُوَّةِ فِي الإسْلاَمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَلَامَات النُّبُوَّة، والعلامات جمع عَلامَة، إِنَّمَا لم يقل: معجزات النُّبُوَّة لِأَن الْعَلامَة أَعم مِنْهَا، وَمن الْكَرَامَة، وَالْفرق بَينهمَا ظَاهر، لِأَن المعجزة لَا تكون إلاَّ عِنْد التحدي بِخِلَاف الْكَرَامَة. قَوْله: (فِي الْإِسْلَام) ، أَي: فِي زمن الْإِسْلَام.

1753 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا سَلْمُ بنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أبَا رَجاءٍ قَالَ حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ أنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسِيرٍ فأدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إذَا كانَ وَجْهُ الصِّبْحِ عَرَّسُوا فغَلَبَتْهُمْ أعْيُنُهُمْ حتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَكانَ أوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ أبُو بَكْرٍ وكانَ لَا يُوقِظِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَنَامِهِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ فاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فقَعَدَ أبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأسِهِ فجَعَلَ يُكَبِّرُ ويَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَلَ وصَلَّى بِنَا الغَدَاةَ فاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا فلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا فُلانُ مَا يَمْنَعُكَ أنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا قَالَ أصَابَتْنِي جَنابَة فأمَرَهُ أنْ يَتَيَمَّمَ بالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى وجَعَلَنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وقَدْ عَطِشْنَا عَطَشَاً شَدِيداً فبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إذَا نَحْنُ بامْرَأةٍ سادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ فَقُلْنَا لَهَا أيْنَ المَاءُ فقالَتْ إيهِ لَا مَاءَ فقُلْنَا كَمْ بَيْنَ أهْلِكِ وبَيْنَ المَاءِ قالَتْ يَوْم ولَيْلَةٌ فَقُلْنَا انْطَلِقِي إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ ومَا رَسُولُ الله فلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أمْرِهَا حتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدَّثْتُهُ بِمِثْلِ الَّذِي حدَّثَتْنَا غيْرَ أنَّهَا حَدَّثَتْهُ أنَّهَا مُؤْتِمَةٌ فأمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فمَسَحَ فِي العزْلاَوَيْنِ فشَرِبْنَا عِطَاشاً أرْبَعِينَ رَجُلاً حتَّى رَوِينَا فمَلأْنا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وإدَاوَةٍ غَيْرَ أنَّهُ لَمْ نَسْق بَعِيراً وَهْيَ تَكادُ تَنِضُّ مِنَ المِلْءِ ثُمَّ قَالَ هاتُوا مَا عِنْدَكُمْ فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ والتَّمْرِ حَتَّى أتَتْ أهْلَهَا قالَتْ لَقِيتُ أسْحَرَ النَّاسِ أوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا فَهَداى الله ذَلِكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ المَرْأةِ فأسْلَمَتْ وأسْلَمُوا. (انْظُر الحَدِيث 443 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي تَكْثِير المَاء الْقَلِيل ببركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَسلم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: ابْن زرير، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى، وَقد مر فِي بَدْء الْخلق، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف عمرَان بن ملْحَان العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم بعد الْفَتْح وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب التَّيَمُّم فِي: بَاب الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم، بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فأدلجوا) ، من الإدلاج يُقَال: أدْلج الْقَوْم إِذا سَارُوا أول اللَّيْل، وَإِذا سَارُوا فِي آخر اللَّيْل يُقَال: أدلجوا، بتَشْديد الدَّال. قَوْله: (عرسوا) ، من التَّعْرِيس وَهُوَ: نزُول الْقَوْم آخر اللَّيْل يقفون فِيهِ وَقْفَة للاستراحة. قَوْله (وَكَانَ لَا يوقظ) على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: (فَجعل يكبر) أَي: فَجعل أَبُو بكر يكبر رَافعا صَوته، وَقد تقدم فِي كتاب التَّيَمُّم: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الَّذِي كَانَ يكبر وَيرْفَع صَوته حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا وَقع فِي مُسلم فِي الصَّلَاة من حَدِيث عَوْف الْأَعرَابِي عَن أبي رَجَاء: أَن عمر كَانَ رجلا جليداً، فَكبر وَرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا مُنَافَاة، إِذْ لَا منع للْجمع بَينهمَا لاحْتِمَال أَن كلاًّ مِنْهُمَا فعل ذَلِك. قَوْله: (فِي ركُوب) ، بِالضَّمِّ جمع: رَاكب، وَبِفَتْحِهَا: مَا يركب. قَوْله: (سادلة) ، أَي:

(16/117)


مُرْسلَة رِجْلَيْهَا، يُقَال: سدل ثَوْبه إِذا أرخاه. قَوْله: (مزادتين) ، تَثْنِيَة مزادة، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي: الراوية، وَسميت بهَا لِأَنَّهَا يُزَاد فِيهَا جلد آخر من غَيرهَا، وَلِهَذَا قيل: إِنَّهَا أكبر من الْقرْبَة. قَوْله: (إيه) ، بِلَفْظ الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ ويروي: أَيهَا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَيهَا، بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى: هَيْهَات، ويروى: أيهات، على وزن: هَيْهَات، وَمَعْنَاهُ. قَوْله: (مؤتمة) ، من أيتمت الْمَرْأَة إِذا صَار أَوْلَادهَا أيتاماً فَهِيَ مؤتمة، بِكَسْر التَّاء، ويروى بِفَتْحِهَا. قَوْله: (فَمسح فِي العزلاوين) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فسمح بالعزلاوين، وَهِي تَثْنِيَة: عزلاء، بِسُكُون الزَّاي وبالمد، وَهُوَ: فَم الْقرْبَة، قَالَه بَعضهم قلت: العزلاء فَم المزادة الْأَسْفَل. قَوْله: (فشربنا عطاشاً) ، أَي شربنا حَالَة كوننا عطاشا قَوْله (اربعين) بِالنّصب رِوَايَة الْكشميهني وَوجه النصب أَن بَيَان لقَوْله (عطاشا) ويروى: أَرْبَعُونَ، بِالرَّفْع أَي: وَنحن أَرْبَعُونَ نفسا. قَوْله: (حَتَّى روينَا) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْوَاو: من الرّيّ. قَوْله: (تبض) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الضَّاد الْمُعْجَمَة المثقلة: أَي تسيل وَقَالَ ابْن التِّين: تبض أَي: تَنْشَق فَيخرج مِنْهُ المَاء، يُقَال: بض المَاء من الْعين إِذا نبع، وَحكى القَاضِي عِيَاض عَن بعض الروَاة بالصَّاد الْمُهْملَة: من البصيص، وَهُوَ اللمعان، وَفِيه بعد، ويروى: تنض، بالنُّون عوض الْبَاء الْمُوَحدَة، وروى أَبُو ذَر عَن الْكشميهني: تنصب، من الانصباب، ويروى: تنضرج، من الضرج بالضاد الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْجِيم، وَهُوَ: الشق، ويروى: تيصر، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وصاد مُهْملَة وَرَاء، ذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن: أَن مَعْنَاهُ تَنْشَق. قَالَ: وَمِنْه: صير الْبَاب، أَي: شقَّه، ورده ابْن التِّين وَهُوَ أَجْدَر بِالرَّدِّ لِأَن فِيهِ تكلفاً من جِهَة الصّرْف، وَغير مَوْجُود فِي شَيْء من الرِّوَايَات. قَوْله: (ذَلِك الصرم) ، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء: وَهُوَ أَبْيَات مجتمعة نزُول على المَاء.

2753 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيُ عنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإنَاءٍ وهْوَ بالزَّوْرَاءِ فوَضَعَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ فجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصابِعِهِ فَتوَضَّأ الْقَوْمُ قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لأِنَسٍ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَلاثَمِائَةٍ أوْ زُهاءٍ ثَلاثِمِائَةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد بن أبي عدي. واسْمه إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أبي مُوسَى.
قَوْله: (وَهُوَ بالزوراء) ، جملَة حَالية، والزوراء بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْوَاو وبالراء وبالمد: مَوضِع بسوق الْمَدِينَة، وَوَقع فِي رِوَايَة همام عَن قَتَادَة عَن أنس: (شهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَصْحَابه عِنْد الزَّوْرَاء وَعند بيُوت الْمَدِينَة) . أخرجه أَبُو نعيم، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة شريك بن أبي نمر عَن أنس: أَنه هُوَ الَّذِي أحضر المَاء وَأَنه أحضرهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيت أم سَلمَة، وَأَنه رده بعد فراغهم إِلَى أم سَلمَة. قَوْله: (وَالْمَاء يَنْبع) ، إِمَّا أَنه يخرج من نفس الإصبع وينبع من ذَاتهَا، وَإِمَّا أَنه يكثر فِي ذَاته فيفور من بَين أَصَابِعه، وَهُوَ أعظم فِي الإعجاز من نبعه من الْحجر، لِأَن خُرُوج المَاء من الْحِجَارَة مَعْهُود بِخِلَاف خُرُوجه من بَين اللَّحْم وَالدَّم، وَيجوز فِي بَاء: يَنْبع، الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر. قَوْله: (زهاء) ، بِضَم الزاء ممدوداً: الْمِقْدَار.

3753 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ قَالَ رأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحَانَتْ صَلاةُ العَصْرِ فالْتُمِسَ الوَضُوءُ فلَمْ يَجِدُوهُ فأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَضُوءٍ فوَضَعَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإنَاءِ فأمَرَ النَّاسَ أنْ يَتَوَضَّؤا مِنْهُ فرَأيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أصَابِعِهِ فتَوضَّأ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس. وَقد مضى هَذَا فِي كتاب الطهار فِي: بَاب التمَاس الْوضُوء إِذا حانت الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره نَحوه. قَوْله: (من عِنْد آخِرهم) كلمة: من، هَهُنَا بِمَعْنى: إِلَى، وَهِي لُغَة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يجوز مُطلقًا وضع حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مقَام بعض.

(16/118)


4753 - حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مُبَارَكٍ حدَّثنا حَزْم قَالَ سَمِعْتُ الحَسَنَ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْضِ مَخارِجِهِ ومعَهُ نَاس مِنْ أصْحَابِهِ فانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فحَضَرَتِ الصَّلاةُ فلَمْ يَجِدُوا مَاء يتَوَضَّؤنَ فانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ ماءٍ يَسيرٍ فأخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَوَضَّأ ثُمَّ مَدَّ أصَابِعَهُ الأرْبَعَ على القَدَحِ ثُمَّ قالَ قُومُوا فَتَوَضَّؤا فَتَوَضَّأ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الوَضُوءِ وكانُوا سَبْعِينَ أوْ نَحْوَهُ. .

هَذَا الحَدِيث لأنس أَيْضا من وَجه آخر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك بن عبد الله الْعَبْسِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، ويروي عَن حزم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي: ابْن أبي حزم واسْمه مهْرَان، مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَمِائَة. وَهُوَ يروي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض مخارجه) أَرَادَ بِهِ بعض أَسْفَاره. قَوْله: (وَمَعَهُ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.

5753 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ أخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ حَضَرَتِ الصَّلاةُ فقامَ مَنْ كانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ المَسْجِدِ يَتَوَضَّأ وبَقِي قَوْمٌ فأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فيهِ ماءٌ فوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ المِخْضَبُ أنْ يَبْسُطَ فيِهِ كَفَّهُ فَضَمَّ أصَابِعَهُ فوَضَعَهَا فِي المِخْضَبِ فتَوَضَّأ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً قُلْتُ كَمْ كَانُوا قَالَ ثَمَانُونَ رَجُلاً. .

هَذَا طَرِيق رَابِع فِي حَدِيث أنس الأول عَن قَتَادَة، وَالثَّانِي عَن إِسْحَاق، وَالثَّالِث عَن الْحسن، وَالرَّابِع عَن حميد، فَفِيهَا مُغَايرَة وَاضِحَة فِي الْمَتْن وَتَعْيِين الْمَكَان وَعدد من حضر وَغير ذَلِك، فَدلَّ هَذَا كُله على تعدد الْقَضِيَّة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قصَّة نبع المَاء من أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكَرَّرت مِنْهُ فِي عدَّة مَوَاضِع فِي مشَاهد عَظِيمَة، ووردت من طرق كَثْرَة يُفِيد مجموعها الْعلم الْقطعِي الْمُسْتَفَاد من التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ، قَالَ: وَلم يسمع بِمثل هَذِه المعجزة من غير نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ نبع المَاء من بَين عصبه وعظبه ولحمه وَدَمه.
وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون: الْمروزِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون بن زادان أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بمخضب) ، بِكَسْر الْمِيم وبالمعجمتين: المركن، وَهُوَ إِنَاء من حِجَارَة يغسل فِيهَا الثِّيَاب وَيُسمى الإجانة أَيْضا.

6753 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا حُصَيْنٌ عنْ سالِمِ بنِ أبِي الجَعْدِ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ والنَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فتَوَضَّأ فجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ مَا لَكُمْ قالُوا لَيْسَ عِنْدَنا ماءٌ نَتَوَضَّأُولاَ نَشْرَبُ إلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فجَعَلَ الماءُ يَثُورُ بَيْنَ أصَابِعِهِ كأمْثَالِ العُيُونِ فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأنَا قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألْفٍ لكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم أَبُو زيد الْقَسْمَلِي الْمروزِي، سكن الْبَصْرَة، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الْكُوفِي، وَسَالم بن أبي الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: واسْمه رَافع الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يُوسُف بن عِيسَى. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَعَن رِفَاعَة ابْن الْهَيْثَم وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن الْحُسَيْن.
قَوْله: (يَوْم

(16/119)


الْحُدَيْبِيَة) ، وَهِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، وَالْحُدَيْبِيَة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة مِثَال دويهية وَهِي بِئْر على مرحلة من مَكَّة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: سميت الْحُدَيْبِيَة بشجرة حدباء كَانَت هُنَاكَ، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا لَا يُرِيد حَربًا، وَخرج مَعَه نَاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن لحق بِهِ من الْعَرَب، وَكَانَ مَعَه من الْهَدْي سَبْعُونَ بَدَنَة، وَكَانُوا خمس عشرَة مائَة على مَا ذكره جَابر. وَعَن الْبَراء: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشرَة مائَة، رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانُوا سَبْعمِائة، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِك تفقهاً من تِلْقَاء نَفسه من حَيْثُ إِن الْبدن كَانَت سبعين بَدَنَة. قَوْله: (بَين يَدَيْهِ ركوة) بِفَتْح الرَّاء وَهِي: إِنَاء صَغِير من جلد يشرب مِنْهَا المَاء، وَالْجمع: ركا. قَوْله: (فجهش النَّاس) بِفَتْح الْجِيم وَالْهَاء بعْدهَا شين مُعْجمَة، وَهُوَ فعل مَاض، وَالنَّاس فَاعله، وَمَعْنَاهُ: أَسْرعُوا إِلَى أَخذ المَاء، وَالْفَاء فِي أَوله رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِدُونِ الْفَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وجهش من الجهش وَهُوَ أَن يفزع الْإِنْسَان إِلَى غَيره وَيُرِيد الْبكاء، كَالصَّبِيِّ يفزع إِلَى أمه وَقد تهَيَّأ للبكاء. قَوْله: (يثور) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يفور، بِالْفَاءِ مَوضِع الثَّاء، وهما بِمَعْنى وَاحِد.

7753 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أرْبَعَ عَشْرَةَ مائَةً والحدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فنَزَحْنَاهَا حتَّى لَمْ نَتْرُكْ فيهَا قَطْرَةً فجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى شَفِيرِ البِئْرِ فدَعَا بِمَاءٍ فمَضْمَضَ ومَجَّ فِي البِئْرِ فمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حتَّى رَوِينَا ورَوِيَتْ أوْ صَدَرَتْ ركابُنَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله عَن الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَربع عشرَة مائَة) كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: ألفا وَأَرْبَعمِائَة، لَكِن قد يسْتَعْمل بترك الْألف وَاعْتِبَار المئات أَيْضا. وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي رِوَايَة جَابر: كُنَّا خمس عشرَة مائَة، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: ألفا وَخَمْسمِائة، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه. قَالَ: قدمنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن أَربع عشرَة مائَة، وَفِي (التَّوْضِيح) فِي قَول جَابر: كُنَّا خمس عشرَة مائَة، قَالَ ابْن الْمسيب: هَذَا وهم، وَكَانُوا أَربع عشرَة مائَة، وعَلى هَذَا مَالك وَأكْثر الروَاة. وَقيل: كَانُوا ثَلَاث عشرَة مائَة، فَإِذا كَانَ أَكثر الروَاة على أَربع عشرَة مائَة يحمل قَول من يزِيد على هَذَا مائَة أَو ينقص مائَة على عدد من انْضَمَّ إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من الْعَرَب، فَمنهمْ من جعل المضافين إِلَيْهِم مائَة، وَمِنْهُم من جعل الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثَلَاث عشرَة مائَة، وَلم يعدوا المضافين إِلَيْهِم لكَوْنهم أتباعاً. قَوْله: (على شَفير الْبِئْر) أَي: حَده وطرفه. قَوْله: (وَرويت) بِكَسْر الْوَاو. قَوْله: (أَو صدرت) أَي: رجعت. قَوْله: (رِكَابنَا) بِكَسْر الرَّاء أَي: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْقَوْم.

8753 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِك يَقُولُ أبُو طَلْحَةَ لأِمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَعِيفاً أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ فهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ قالَتْ نَعَمْ فأخْرَجَتْ أقْرَاصَاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أخْرَجَتْ خِمَارَاً لَهَا فلَفتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي ولاَ ثْتنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فوَجَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ ومعَهُ النَّاسُ فقُمْتُ علَيْهِمْ فَقَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ فقُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِطَعامٍ فقُلْتُ نعَمْ فقالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ معَهُ قُومُوا فانْطَلَقَ وانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ أبُو طَلْحَة يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قدْ جاءَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنَّاسِ ولَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ

(16/120)


فقالَتِ الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فانْطَلَقَ أبُو طَلْحَةَ حتَّى لَقِيَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقْبَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طلْحَةَ مَعَهُ فَقَالَ رسوُلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فأتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزَ فَأمَرَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفُتَّ وعَصَرَتْ أمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فأدْمَتْهُ ثُمَّ قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ مَا شاءَ الله أنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذِنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذَنْ لِعَشَرَة فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذِنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ حتَّى شَبِعُوا والقَوْمُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم وَالِدَة أنس، وَقد اتّفقت الطّرق على أَن الحَدِيث الْمَذْكُور من مُسْند أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْمَاعِيل وَفِي النذور عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى ابْن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ضَعِيفا أعرف فِيهِ الْجُوع) فِيهِ الْعَمَل بالقرائن، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طاوياً، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة بلغه أَنه لَيْسَ عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام، فَذهب فأجر نَفسه بِصَاع من شعير، فَعمل بَقِيَّة يَوْمه ذَلِك ثمَّ جَاءَ بِهِ. وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أنس، قَالَ: رأى أَبُو طَلْحَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا يتقلب ظهرا لبطن، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أنس، قَالَ: جِئْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدته جَالِسا مَعَ أَصْحَابه يُحَدِّثهُمْ وَقد عصب بَطْنه بعصابة، فَسَأَلت بعض أَصْحَابه فَقَالُوا: من الْجُوع. فَذَهَبت إِلَى أبي طَلْحَة فَأَخْبَرته، فَدخل على أم سليم، فَقَالَ: هَل من شَيْء ... الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب عَن أنس: جَاءَ أَبُو طَلْحَة إِلَى أم سليم فَقَالَ: أعندك شَيْء فَإِنِّي مَرَرْت على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقرىء أَصْحَاب الصّفة سُورَة النِّسَاء وَقد ربط على بَطْنه حجرا من الْجُوع. قَوْله: (فأخرجت أقراصاً من شعير) . وَعند أَحْمد من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن سِيرِين عَن أنس قَالَ: عَمَدت أم سليم إِلَى نصف مد من شعير فطحنته. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَأتي عَن أنس: أَن أمه أم سليم عَمَدت إِلَى مد من شعير جرشته ثمَّ عملته، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَمُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أنس: أَتَى أَبُو طَلْحَة بمدين من شعير فَأمر بِهِ فَصنعَ طَعَاما. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: لَا مُنَافَاة لاحْتِمَال تعدد الْقِصَّة: أَو أَن بعض الروَاة حفظ مَا لم يحفظه الآخر، وَقيل: يُمكن أَن يكون الشّعير من الأَصْل كَانَ صَاعا فأفردت بعضه لِعِيَالِهِ وَبَعضه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ولاثتني) ، من الإلتياث، وَهُوَ الِالْتِفَات، وَمِنْه: لاث الْعِمَامَة على رَأسه أَي: عصبها وَأَصله من: اللوث، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ اللف وَمِنْه: لاث بِهِ النَّاس إِذا استداروا حوله، وَالْحَاصِل أَنَّهَا لفت بعضه على رَأسه وَبَعضه على أبطه، وَفِي الْأَطْعِمَة للْبُخَارِيّ: عَن إِسْمَاعِيل بن أويس عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: فلفت الْخبز بِبَعْضِه ودست الْخبز تَحت ثوبي وردتني بِبَعْضِه، يُقَال: دس الشَّيْء يدسه دساً إِذا أدخلهُ فِي الشَّيْء بقهر وَقُوَّة. قَوْله: (قَالَ: فَذَهَبت بِهِ) ، أَي: قَالَ أنس: فَذَهَبت بالخبز الَّذِي أرْسلهُ أَبُو طَلْحَة وَأم سليم. قَوْله: (أرسلك أَبُو طَلْحَة) . بِهَمْزَة ممدودة للاستفهام على وَجه الاستخبار. قَوْله: (فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمن مَعَه) أَي: من الصَّحَابَة: (قومُوا) ظَاهر هَذَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم أَن أَبَا طَلْحَة استدعاه إِلَى منزله، فَلذَلِك قَالَ لمن مَعَه: قومُوا. فَإِن قلت: أول الْكَلَام يَقْتَضِي أَن أَبَا طَلْحَة وَأم سليم أرسلا الْخبز مَعَ أنس. قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بإرسال الْخبز مَعَ أنس أَن يَأْخُذهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيأكله، فَلَمَّا وصل أنس وَرَأى كَثْرَة النَّاس حول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحيى وَظهر لَهُ أَن يَدْعُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقوم مَعَه وَحده إِلَى الْمنزل. وَهنا وَجه آخر، وَهُوَ أَنه: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على رَأْي من أرْسلهُ عهد إِلَيْهِ أَنه إِذا رأى كَثِيرَة النَّاس أَن يَسْتَدْعِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحده خشيَة أَن لَا يكفيهم ذَلِك الشَّيْء، وَقد عرفُوا إِيثَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه لَا يَأْكُل وَحده، وَرِوَايَات مُسلم تَقْتَضِي: أَن أَبَا طَلْحَة استدعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْوَاقِعَة، فَفِي رِوَايَة سعد بن سعيد عَن أنس: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأدعوه، وَقد جعل لَهُ طَعَاما، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن

(16/121)


أنس: أَمر أَبُو طَلْحَة أم سليم أَن تصنع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنَفسِهِ خَاصَّة، ثمَّ أرسلتني إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس: فَدخل أَبُو طَلْحَة على أُمِّي، فَقَالَ: هَل من شَيْء؟ فَقَالَت: نعم عِنْدِي كسر من خبز، فَإِن جَاءَنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده أشبعناه، وَإِن جَاءَ أحد مَعَه قلَّ عَنْهُم. وروى أَبُو نعيم من حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس، قَالَ لي أَبُو طَلْحَة: يَا أنس إذهب فَقُمْ قَرِيبا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يتفرق أَصْحَابه ثمَّ اتبعهُ حَتَّى إِذا قَامَ على عتبَة بَابه، فَقل لَهُ: إِن أبي يَدْعُوك. وروى أَحْمد من حَدِيث النَّضر بن أنس عَن أَبِيه، قَالَت لي أم سليم: إذهب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقل لَهُ: إِن رَأَيْت أَن تغدى عندنَا فافعل، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب، فَقَالَ: (يَا بني {إذهب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَادعه وَلَا تدع مَعَه غَيره وَلَا تفضحني) . قَوْله: (وَلَيْسَ عندنَا مَا نطعمهم) ، أَي: قدر مَا يكفيهم. قَوْله: (فَقَالَت: الله وَرَسُوله أعلم) كَأَنَّهَا عرفت أَنه فعل ذَلِك عمدا لتظهر الْكَرَامَة فِي تَكْثِير ذَلِك الطَّعَام، وَدلّ ذَلِك على فطنة أم سليم ورجحان عقلهَا. قَوْله: (فَانْطَلق أَبُو طَلْحَة حَتَّى لَقِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَاسْتَقْبلهُ أَبُو طَلْحَة. فَقَالَ: (يَا رَسُول الله} مَا عندنَا إلاَّ قرص عملته أم سليم) . وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عبد الله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: إِنَّمَا هُوَ قرص. فَقَالَ: إِن الله سيبارك فِيهِ. وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب. فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا رَسُول الله! إِنَّمَا أرْسلت أنسا يَدْعُوك وَحدك وَلم يكن عندنَا مَا يشْبع من أرى. فَقَالَ: أدخِل، فَإِن الله سيبارك فِيمَا عنْدك. وَفِي رِوَايَة النَّضر بن أنس عَن أَبِيه: فَدخلت عَليّ أم سليم وَأَنا مندهش، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أَن أَبَا طَلْحَة قَالَ: يَا أنس فضحتنا. وللطبراني فِي (الْأَوْسَط) : فَجعل يرميني بِالْحِجَارَةِ. قَوْله: (هَلُمِّي يَا أم سليم) ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة: هَلُمَّ، وَهِي لُغَة حجازية، فَإِن عِنْدهم لَا يؤنث وَلَا يثنى وَلَا يجمع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} (الْأَحْزَاب: 81) . وَالْمرَاد بذلك طلب مَا عِنْدهَا. قَوْله: (عكة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: إِنَاء من جلد مستدير يَجْعَل فِيهِ السّمن غَالِبا وَالْعَسَل، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَقَالَ: هَل من سمن؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: قد كَانَ فِي العكة شَيْء، فجَاء بهَا فَجعلَا يعصرانها حَتَّى خرج، ثمَّ مسح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبابته، ثمَّ مسح القرص فانتفخ وَقَالَ: بِسم الله، فَلم يزل يصنع ذَلِك والقرص ينتفخ حَتَّى رَأَيْت القرص فِي الْجَفْنَة يتميع. قَوْله: (فأدمته) ، أَي: جعلته أداماً للمفتوت تَقول: أَدَم دلان الْخبز بِاللَّحْمِ يأدمه، بِالْكَسْرِ، وَقَالَ الْخطابِيّ: أدمته، أَي: أصلحته بالأدام. قَوْله: (إئذن لعشرة) ، أَي: إئذن بِالدُّخُولِ لعشرة أنفس، إِنَّمَا أذن لعشرة عشرَة ليَكُون أرْفق بهم، فَهَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل منزل أبي طَلْحَة وَحده، وَجَاء بذلك صَرِيحًا فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَلَفظه: فَلَمَّا انْتهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبَاب، فَقَالَ لَهُم: اقعدوا، وَدخل. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة يَعْقُوب: أَدخل عَليّ ثَمَانِيَة، فَمَا زَالَ حَتَّى دخل عَلَيْهِ ثَمَانُون رجلا، ثمَّ دَعَاني ودعا أُمِّي ودعا أَبَا طَلْحَة فأكلنا حَتَّى شبعنا. قلت: هَذَا يحمل على تعدد الْقِصَّة، وَأكْثر الرِّوَايَات: عشرَة عشرَة، سوى هَذِه، فَإِنَّهُ أدخلهم ثَمَانِيَة ثَمَانِيَة، وَالله أعلم. قَوْله: (فَأَكَلُوا) ، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَوضع يَده فِي وسط القرص، قَالَ: كلوا بِسم الله، فَأَكَلُوا من حوالي الْقَصعَة حَتَّى شَبِعُوا، وَفِي رِوَايَة بكر بن عبد الله: فَقَالَ لَهُم: كلوا من بَين أصابعي. قَوْله: (وَالْقَوْم سَبْعُونَ أَو ثَمَانُون) ، كَذَا وَقع بِالشَّكِّ، وَفِي غير هَذَا الْموضع الْجَزْم بالثمانين، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: حَتَّى أكل مِنْهُ بضعَة وَثَمَانُونَ رجلا، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: كَانُوا نيفاً وَثَمَانِينَ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن أبي طَلْحَة: وأفضلوا مَا بلغُوا جيرانهم، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عبد الله: وفضلت فضلَة فأهدينا لجيراننا، وَفِي رِوَايَة لسعد بن أبي سعيد: ثمَّ أَخذ مَا بَقِي فَجَمعه ثمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبركَةِ، فَعَاد كَمَا كَانَ.

9753 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الآياتِ بَرَكَةً وأنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفاً كُنَّا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ المَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ فَجاؤُا بإنَاءٍ فِيهِ ماءٌ قَلِيلٌ فأدْخَلَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ والبَرَكَةُ مِنَ الله فلَقَدْ رأيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وهْوَ يُؤْكَلُ.

(16/122)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي نبع المَاء من بَين أَصَابِعه وَفِي تَسْبِيح الطَّعَام بَين يَدَيْهِ وهم يسمعونه، وَأَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الزبيرِي الْأَسدي الْكُوفِي، وَقد مر غير مرّة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن الْقَيْس، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (كُنَّا نعد الْآيَات) وَهِي الْأُمُور الخارقة للْعَادَة. قَوْله: (وَأَنْتُم تعدونها تخويفاً) أَي: لأجل التخويف، فَكَأَن ابْن مَسْعُود أنكر عَلَيْهِم عد جَمِيع الْآيَات تخويفاً، فَإِن بَعْضهَا يَقْتَضِي بركَة من الله: كشبع الْخلق الْكثير من الطَّعَام الْقَلِيل، وَبَعضهَا يَقْتَضِي تخويفاً من الله: ككسوف الشَّمْس وَالْقَمَر. قَوْله: (فِي سفر) ، جزم الْبَيْهَقِيّ أَنه فِي الْحُدَيْبِيَة، لَكِن لم يخرج مَا يُصَرح بِهِ، وَعند أبي نعيم فِي (الدَّلَائِل) : أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة خَيْبَر، فَأخْرج من طَرِيق يحيى بن سَلمَة بن كهيل عَن أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة خَيْبَر، فَأصَاب النَّاس عَطش شَدِيد، فَقَالَ: يَا عبد الله إلتمس لي مَاء، فَأَتَيْته بِفضل ماءٍ فِي إداوة. قَوْله: (حَيّ على الطّهُور) أَي: هلموا إِلَى الطّهُور، وَهُوَ بِفَتْح الطَّاء، وَالْمرَاد بِهِ المَاء، وَيجوز ضمهَا وَيُرَاد الْفِعْل، أَي: تطهروا. قَوْله: (وَالْبركَة) ، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره. قَوْله: (من الله) وَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَن الإيجاد من الله تَعَالَى. قَوْله: (لقد كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل) ، أَي: فِي حَالَة الْأكل، وَذَلِكَ فِي عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

0853 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حدَّثني عامِرٌ قَالَ حدَّثني جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ أباهُ تُوُفِّيَ وعلَيْهِ دَيْنٌ فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ إنَّ أبي تَرَكَ علَيْهُ دَيْناً ولَيْسَ عِنْدِي إلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلَهُ ولاَ يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سَنَتَيْنِ مَا عَلَيْهِ فانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْلاَ يُفْحِشَ علَيَّ الغُرَمَاءُ فمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فدَعَا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ علَيْهِ فَقَالَ انْزِعُوهُ فأوْفَاهُمْ الَّذِي لَهُمْ وبَقِيَ مِثْلُ مَا أعْطَاهُمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ حُصُول الْبركَة الزَّائِدَة بمشيه حول البيادر حَتَّى بلغ مَا أخرج نخله ماعليه، وَفضل مثل ذَلِك، وَهَذِه أَيْضا من معجزاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
والْحَدِيث مضى مطولا ومختصراً فِي مَوَاضِع فِي الاستقراض وَفِي الْجِهَاد وَفِي الشُّرُوط وَفِي الْبيُوع وَفِي الْوَصَايَا وَمر الْكَلَام فِي الْجَمِيع.
قَوْله: (إلاَّ مَا يخرج نخله) من الْإِخْرَاج، وَكَذَلِكَ قَوْله: (وَلَا يبلغ مَا يخرج) من الْإِخْرَاج. قَوْله: (سنتَيْن) ، أَي: فِي مُدَّة سنتَيْن، وَهِي تَثْنِيَة سنة، ويروى بِصِيغَة الْجمع. قَوْله: (مَا عَلَيْهِ) ، مفعول قَوْله: (وَلَا يبلغ) أَي: مَا على أبي من الدّين. قَوْله: (لكيلا يفحش) ، من الإفحاش. قَوْله: (عليَّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (الْغُرَمَاء) ، بِالرَّفْع فَاعل يفحش. قَوْله: (فَمشى حول بيدر) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَقَالَ: نعم، فَانْطَلق فوصل إِلَى الْحَائِط فَمشى حول بيدر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الدَّال الْمُهْملَة: كالجرن للحب. قَوْله: (فَدَعَا) ، أَي: فِي ثمره بِالْبركَةِ. قَوْله: (ثمَّ آخر) أَي: ثمَّ مَشى حول بيدر آخر فَدَعَا. قَوْله: (فَقَالَ: انزعوه) أَي: إنزعوه من البيدر. قَوْله: (وَبَقِي مثل مَا أَعْطَاهُم) ، أَي: مثل مَا أعْطى أَصْحَاب الدُّيُون، وَفِي رِوَايَة مُغيرَة: وَبَقِي تمري كَأَنَّهُ لم ينقص مِنْهُ شَيْء، وَوَقع فِي رِوَايَة وهب بن كيسَان: فأوفاهه ثَلَاثِينَ وسْقا وفضلت لَهُ سَبْعَة عشر وسْقا. وَيجمع بِالْحملِ على تعدد الْغُرَمَاء فَكَأَن أصل الدّين كَانَ مِنْهُ لِلْيَهُودِيِّ ثَلَاثُونَ وسْقا من صنف وَاحِد فأوفاه وَفضل من ذَلِك البيدر سَبْعَة عشر وسْقا، وَكَانَ مِنْهُ لغير ذَلِك الْيَهُودِيّ أَشْيَاء أخر من أَصْنَاف أُخْرَى فأوفاهم وَفضل من الْمَجْمُوع قدر الدّين الَّذِي أوفاه.

1853 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عَن أبِيهِ حدَّثنا أبُو عُثْمَانَ أنَّهُ حدَّثَهُ عبْدُ الرِّحمانِ ابنُ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ أصْحَابَ الصُّفَةِ كانُوا أُنَاسَاً فُقَرَاءَ وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَرَّةً مَنْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ ومَنْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ أرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أوْ سادِسٍ أوْ كَما قالَ وأِنَّ أبَا بَكْرٍ جاءَ بِثَلاَثَةٍ وانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(16/123)


بِعَشَرَةٍ وأبُو بَكْرٍ وثَلاثَةٍ قَالَ فَهْوَ أَنا وأبِي وأُمِّي ولاَ أدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأتِي وخادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وبَيْنَ بَيْتِ أبِي بَكْرٍ وأنَّ أبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ لَبِثَ حتَّى صَلَّى العِشَاءَ ثُمَّ رَجَعَ فلَبِثَ حتَّى تَعَشَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله قالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ مَا حَبَسَكَ عنْ أضْيَافِكَ أوْ ضَيْفِكَ قَالَ أوَ عَشَّيْتِهِمْ قالَتْ أبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عَرَضُوا علَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ فَذَهَبْتُ فاخْتَبَأتُ فَقَالَ يَا غُنْثَر فَجَدَّعَ وسَبَّ وَقَالَ كُلُوا وَقَالَ لَا أطْعَمُهُ أبَدَاً قَالَ وايْمُ الله مَا كُنَّا نأخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إلاَّ رَبَا مِنْ أسْفَلِهَا أكْثَرُ مِنْهَا حتَّى شَبِعُوا وصارَتْ أكْثَرَ مِمَّا كانَتْ قَبْلُ فنَظَرَ أبُو بَكْرٍ فإذَا شَيءٌ أوْ أكْثَرُ قَالَ لإمْرَأتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ قالَتْ لاَ وقُرَّةِ عَيْنِي لَهْيَ الآنَ أكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلاثِ مَرَّاتٍ فأكَلَ مِنْهَا أبُو بَكْرٍ وَقَالَ إنَّمَا كانَ الشَّيْطَانُ يَعْنِي يَمينَهُ ثُمَّ أكَلَ مِنْهَا لُقْمَة ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَيّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأصْبَحَتْ عِنْدَهُ وكانَ بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فمَضَي الأجَلُ ففَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاٍ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ الله أعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجلٍ غَيْرَ أنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ قَالَ أكَلُوا مِنْهَا أجْمَعُونَ أوْ كَمَا قَالَ.
قيل: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة هُنَا، لِأَن التَّرْجَمَة فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، والْحَدِيث فِي كَرَامَة الصّديق. وَأجِيب: بِأَنَّهُ يجوز أَن تظهر المعجزة على يَد الْغَيْر، أَو أستفيد الإعجاز من آخِره حَيْثُ قَالَ: أكلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.
ومعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان وَهُوَ من صغَار التَّابِعين، وَفِي رِوَايَة أبي النُّعْمَان الَّتِي مَضَت فِي كتاب الصَّلَاة: حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان حَدثنَا أبي وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب السمر مَعَ الْأَهْل والضيف.
قَوْله: (إِن أَصْحَاب الصّفة) هِيَ مَكَان فِي مُؤخر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ مظلل أعد لنزول الغرباء فِيهِ مِمَّن لَا مأوى لَهُ وَلَا أهل، وَكَانُوا يكثرون فِيهِ ويقلون بِحَسب من يتَزَوَّج مِنْهُم أَو يَمُوت أَو يُسَافر. قَوْله: (فليذهب بثالث) ، أَي: من أهل الصّفة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فليذهب بِثَلَاثَة، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب رِوَايَة البُخَارِيّ لموافقتها لسياق بَاقِي الحَدِيث. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن حمل على ظَاهره فسد الْمَعْنى لِأَن الَّذِي عِنْده طَعَام إثنين إِذا ذهب مَعَه بِثَلَاثَة لزم أَن يَأْكُلهُ فِي خَمْسَة وَحِينَئِذٍ لَا يكفيهم وَلَا يسد رمقهم، بِخِلَاف مَا إِذا ذهب مَعَه بِوَاحِد فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْكُلهُ من ثَلَاثَة، وَأجَاب النَّوَوِيّ عَنهُ: بِأَن التَّقْدِير فليذهب بِمن يتم من عِنْده ثَلَاثَة، أَو فليذهب بِتمَام ثَلَاثَة. قَوْله: (وَأَبُو بكر وَثَلَاثَة) أَي: وَانْطَلق أَبُو بكر وَثَلَاثَة مَعَه، وَإِنَّمَا كرر بِثَلَاثَة لِأَن الْغَرَض من الأول الْإِخْبَار بِأَن أَبَا بكر كَانَ من المكثرين مِمَّن عِنْده طَعَام أَرْبَعَة فَأكْثر، وَأما الثَّانِي فَهُوَ مِمَّا يَقْتَضِي سوق الْكَلَام على تَرْتِيب الْقِصَّة، ذكره. قَوْله: (قَالَ) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر. قَوْله: (فَهُوَ أَنا) أَي: الشَّأْن أَنا وَأبي وَأمي فِي الدَّار، وَالْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان أَن فِي منزله هَؤُلَاءِ، فَلَا بُد أَن يكون عِنْده طعامهم، وَأم عبد الرَّحْمَن هِيَ أم رُومَان مَشْهُورَة بكنيتها وَاسْمهَا زَيْنَب، وَقيل: وَعلة بنت عَامر بن عُوَيْمِر كَانَت تَحت الْحَارِث بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ فَمَاتَ بعد أَن قدم مَكَّة وَخلف مِنْهَا ابْنه الطُّفَيْل، فَتَزَوجهَا أَبُو بكر فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، وَأسْلمت أم رُومَان قَدِيما وَهَاجَرت وَعَائِشَة مَعهَا، وَأما عبد الرَّحْمَن فَتَأَخر إِسْلَامه وهجرته إِلَى هدنة الْحُدَيْبِيَة، فَقدم فِي سنة سبع أَو أول سنة ثَمَان، وَاسم امْرَأَته أُمَيْمَة بنت عدي بن قيس السهمية، وَهِي وَالِدَة أكبر أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن أبي عَتيق مُحَمَّد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (وَلَا أَدْرِي هَل قَالَ) الْقَائِل هُوَ أَبُو عُثْمَان الرَّاوِي عَن عبد الرَّحْمَن، كَأَنَّهُ شكّ فِي ذَلِك. قَوْله: (وخادمي) بِالْإِضَافَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِغَيْر إِضَافَة. قَوْله: (بَين بيتنا وَبَيت أبي بكر) يَعْنِي: خدمتها مُشْتَركَة بَين بيتنا وَبَيت أبي بكر. وَقَوله: (بَين) طرف للخادم. قَوْله: (إِن أَبَا بكر تعشي عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي مُسلم، قَالَ: وَإِن أَبَا بكر، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَإِن أَبَا بكر تعشى عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ثمَّ لبث) ، أَي:

(16/124)


مكث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى صلى الْعشَاء، وَفِيمَا تقدم فِي: بَاب السمر مَعَ الْأَهْل: ثمَّ لبث حَتَّى صليت الْعشَاء الْآخِرَة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (ثمَّ رَجَعَ) ثمَّ رَجَعَ أَبُو بكر إِلَى منزله، هَذَا الَّذِي يفهم من ظَاهر الرِّوَايَة، والرواة مَا اتَّفقُوا على هَذَا، لِأَن فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ثمَّ ركع، بِالْكَاف، أَي: ثمَّ صلى النَّافِلَة، وَالْحَاصِل على هَذَا أَن أَبَا بكر مكث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صلى الْعشَاء ثمَّ صلى النَّافِلَة فَلبث أَبُو بكر عِنْده حَتَّى تعشى أَو حَتَّى نعس، يَعْنِي أَخذ فِي النّوم على مَا نذكرهُ الْآن. قَوْله: (فَلبث) مَعْنَاهُ: فَلبث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن رَجَعَ إِلَيْهِ حَتَّى تعشى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ثمَّ رَجَعَ فَلبث حَتَّى نعس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من النعاس الَّذِي هُوَ مُقَدّمَة النّوم، وَقَالَ بَعضهم: شرح الْكرْمَانِي: يَعْنِي هَذَا الْموضع بِأَن المُرَاد: أَنه لما جَاءَ بِالثَّلَاثَةِ إِلَى منزله لبث فِي منزله إِلَى وَقت صَلَاة الْعشَاء، ثمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلبث عِنْده حَتَّى تعشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا لَا يَصح، لِأَنَّهُ يُخَالف صَرِيح قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب: وَإِن أَبَا بكر تعشى عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. انْتهى. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي هَذَا مثل الَّذِي ذكره، وَإِنَّمَا قَالَ فَإِن قلت: هَذَا يشْعر بِأَن التعشي عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بعد الرُّجُوع إِلَيْهِ وَمَا تقدم بِأَنَّهُ كَانَ بعده قلت: الأول: بَيَان حَال أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي عدم احْتِيَاجه إِلَى الطَّعَام عِنْد أَهله، وَالثَّانِي: هُوَ سوق الْقِصَّة على التَّرْتِيب الْوَاقِع. أَو الأول: تعشى الصّديق وَالثَّانِي تعشى الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو الأول: من الْعشَاء، بِكَسْر الْعين، وَالثَّانِي: مِنْهُ بِفَتْحِهَا. انْتهى. هَذَا لفظ الْكرْمَانِي فَلْينْظر المتأمل هَل نِسْبَة هَذَا الْقَائِل عدم الصِّحَّة إِلَى الْكرْمَانِي صَحِيحَة أم لَا؟ وَحل تركيب هَذَا الحَدِيث يحْتَاج إِلَى دقة نظر وَتَأمل كثير. قَوْله: (أَو ضيفك) ، شكّ من الرَّاوِي، وعَلى هَذَا فالضيف كَانُوا ثَلَاثَة فَكيف قَالَ بِالْإِفْرَادِ؟ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الضَّيْف اسْم جنس يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو الضَّيْف، مصدر يتَنَاوَل الْمثنى وَالْجمع. قلت: لَا يَصح هَذَا الْفساد الْمَعْنى. قَوْله: (أوَعشيتهم؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَو مَا عشيتهم؟ بِزِيَادَة: مَا النافية، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعد الْهمزَة، ويروى: أوعشيتهم، بِالْيَاءِ الساكنة بعد تَاء الْخطاب. قَوْله: (قَالَت: أَبَوا) ، أَي: امْتَنعُوا إِلَى أَن تَجِيء رفقا بِهِ لظنهم أَنه لَا يجد عشَاء فصبروا حَتَّى يَأْكُل مَعَهم. قَوْله: (قد عرضوا) ، بِفَتْح الْعين أَي: قد عرض الْأَهْل والخدم. قَوْله: (فغلبوهم) ، أَي: إِن آل بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عرضوا على الأضياف الْعشَاء فامتنعوا، فعالجوهم فامتنعوا حَتَّى غلبوهم، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي: بَاب السمر مَعَ الْأَهْل. قَوْله: (فَذَهَبت) ، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَذَهَبت، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ: فَذَهَبت أَنا. قَوْله: (فاختبأت) ، أَي: اختفيت خوفًا مِنْهُ. قَوْله: (فَقَالَ: يَا غنثر) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره رَاء: مَعْنَاهُ الْجَاهِل، وَقيل: غنثر الذُّبَاب، وَأَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظ عَلَيْهِ حَيْثُ خاطبه بِشَيْء فِيهِ التحقير، وَقد مر فِي الصَّلَاة كَلَام كثير فِيهِ فَليرْجع إِلَيْهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فجدع) أَي: جدع أَبُو بكر، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: أَي: دَعَا بالجدع، وَهُوَ قطع الْأنف وَالْأُذن وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (وَسَب) ، أَي: شتم ظنا مِنْهُ أَن عبد الرَّحْمَن فرط فِي حق الأضياف. قَوْله: (وَقَالَ: كلوا) ، أَي: قَالَ أَبُو بكر: كلوا، وَفِي رِوَايَة الصَّلَاة: كلوا لَا هَنِيئًا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، إِنَّمَا قَالَه لما حصل لَهُ من الْحَرج والغيظ بتركهم الْعشَاء بِسَبَبِهِ، وَقيل: إِنَّه لَيْسَ بِدُعَاء إِنَّمَا هُوَ خبر أَي: لم تهنوا بِهِ فِي وقته. قَوْله: (فَقَالَ: لَا أطْعمهُ أبدا) ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: كل ذَلِك من أبي بكر على ابْنه ظنا مِنْهُ أَنه فرط فِي حق الأضياف، فَلَمَّا تبين لَهُ أَن ذَلِك كَانَ من الأضياف أدبهم. بقوله: كلوا لَا هَنِيئًا، وَحلف أَن لَا يطعمهُ، وَفِي رِوَايَة الْجريرِي، فَقَالَ: إِنَّمَا انتظرتموني؟ وَالله لَا أطْعمهُ أبدا، فَقَالَ الْآخرُونَ: وَالله لَا نطعمه أبدا حَتَّى تطعمه، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: فَقَالَ أَبُو بكر: فَمَا منعكم؟ قَالُوا: مَكَانك. قَالَ: وَالله لَا أطْعمهُ أبدا، ثمَّ اتفقَا، فَقَالَ: لم أر من الشَّرّ كالليلة، وَيْلكُمْ؟ مَا أَنْتُم؟ لم لَا تقبلون عَنَّا قراكم؟ هَات طَعَامك. فَوضع فَقَالَ: بِسم الله الأولى من الشَّيْطَان فَأكل وأكلوا. قَوْله: الأولى من الشَّيْطَان، أَرَادَ بِهِ يَمِينه. قَالَ القَاضِي: وَقيل: مَعْنَاهُ اللُّقْمَة الأولى من أجل قمع الشَّيْطَان وإرغامه ومخالفته فِي مُرَاده بِالْيَمِينِ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ أَن من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فعل ذَلِك وَكفر عَن يَمِينه، كَمَا جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. قَوْله: (وأيم الله) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: وأيم الله، هَذَا من أَلْفَاظ الْيَمين وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، أَي: وأيم الله قسمي، وهمزته همزَة وصل لَا يجوز قطعه عِنْد الْأَكْثَرين، وَقد أطلنا الْكَلَام فِيهِ فِي التَّيَمُّم فِي: بَاب

(16/125)


الصَّعِيد الطّيب. قَوْله: (إلاَّ رَبًّا من أَسْفَلهَا) ، أَي: زَاد من أَسْفَلهَا، أَي: من الْموضع الَّذِي أخذت مِنْهُ. قَوْله: (فَإِذا شَيْء) ، أَي: فَإِذا هُوَ شَيْء كَمَا كَانَ أَو أَكثر، ويروى لَهَا: فَإِذا هِيَ شَيْء، أَي الْبَقِيَّة أَو الْأَطْعِمَة. قَوْله: (قَالَ لامْرَأَته) أَي: قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأمرأته: (يَا أُخْت بني فراس) قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ: يَا من هِيَ من بني فراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، قَالَ القَاضِي: فراس هُوَ ابْن غنم بن مَالك بن كنَانَة، وَقد تقدم أَن أم رُومَان من ذُرِّيَّة الْحَارِث بن غنم، وَهُوَ أَخُو فراس بن غنم، فَلَعَلَّ أَبَا بكر نَسَبهَا إِلَى بني فراس لكَوْنهم أشهر من بني الْحَارِث، وَقد يَقع مثل هَذَا كثيرا، وَقيل: الْمَعْنى: يَا أُخْت الْقَوْم المنتسبين إِلَى بني فراس. قَوْله: (قَالَت: لَا، وقرة عَيْني) ، كلمة: لَا، زَائِدَة للتَّأْكِيد، وَيحْتَمل أَن تكون نَافِيَة، وثمة مَحْذُوف أَي: لَا شَيْء غير مَا أَقُول، وَهُوَ قَوْلهَا: وقرة عَيْني، وَالْوَاو فِيهِ للقسم، وقرة الْعين، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: يعبر بهَا عَن المسرة ورؤية مَا يحب الْإِنْسَان، وَقد طولنا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب السمر مَعَ الْأَهْل والضيف. قَوْله: (لهي الْآن أَكثر) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَقيل بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (ثَلَاث مَرَّات) وَقيل: ثَلَاث مرار. قَوْله: (فَأكل مِنْهَا) أَي: من الْأَطْعِمَة. قَوْله: (إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَان) يَعْنِي: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَان الْحَامِل على يَمِينه الَّتِي حَلفهَا، وَهِي قَوْله: (وَالله لَا أطْعمهُ) وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من الشَّيْطَان، يَعْنِي: يَمِينه، وَهَذَا أقرب. قَوْله: (فَأَصْبَحت عِنْده) أَي: أَصبَحت الْأَطْعِمَة الَّتِي فِي الْجَفْنَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَالهَا، وَإِنَّمَا لم يَأْكُلُوا مِنْهَا فِي اللَّيْل لكَون ذَلِك وَقع بعد أَن مضى من اللَّيْل مُدَّة طَوِيلَة. قَوْله: (عهد) ، أَي: عهد مهادنة، ويروى: وَكَانَت بَيْننَا، والتأنيث بِاعْتِبَار المهادنة. قَوْله: (فَمضى الْعَهْد) أَي: مَضَت مُدَّة الْعَهْد. قَوْله: (ففرقنا) من التَّفْرِيق، فالراء فِيهِ مَفْتُوحَة وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكلمَة: نَا، مَفْعُوله، و: الْفَاء، فِيهِ فَاء الفصيحة أَي: فجاؤا إِلَى الْمَدِينَة، أَي: جعل كل رجل مَعَ اثْنَي عشرَة فرقة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَعرفنَا: بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء الْمُشَدّدَة أَي: جعلنَا عرفاء نقباء على قَومهمْ. وَفِيه: دَلِيل لجَوَاز تَعْرِيف العرفاء على العساكر وَنَحْوهَا، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : العرافة حق، وَلما فِيهِ من مصلحَة النَّاس وليتيسر ضبط الجيوش على الإِمَام وَنَحْوهَا باتخاذ العرفاء. فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث: العرفاء فِي النَّار. قلت: هُوَ مَحْمُول على العرفاء الْمُقَصِّرِينَ فِي ولايتهم المرتكبين فِيهَا مَا لَا يجوز، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: فقرينا، بقاف وَرَاء وياء آخر الْحُرُوف، من الْقرى، وَهِي: الضِّيَافَة. وَقَالَ بَعضهم: وَلم أَقف على ذَلِك. قلت: لَا يلْزم من عدم وُقُوفه على ذَلِك الْإِنْكَار عَلَيْهِ، لِأَن من لم يقف على شَيْء أَكثر مِمَّن وقف عَلَيْهِ. قَوْله: (اثْنَا عشر رجلا) وَفِي رِوَايَة مُسلم: اثْنَي عشر، بِالنّصب وَهُوَ ظَاهر، وَأما رواي الرّفْع فعلى لُغَة من يَجْعَل الْمثنى بِالْألف فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِن هَذَانِ لساحران} (طه: 36) . قَوْله: (غير أَنه بعث) أَي: غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مَعَهم نصيب أَصْحَابهم إِلَيْهِم. قَوْله: (أَو كَمَا قَالَ) ، شكّ من أبي عُثْمَان، وَالْمعْنَى: أَن جَمِيع الْجَيْش أكلُوا من تِلْكَ الْأَطْعِمَة الَّتِي أرسلها أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَفْنَة، فَظهر بذلك أَن تَمام الْبركَة فِيهَا كَانَت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالَّذِي وَقع فِي بَيت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ ظُهُور أَوَائِل الْبركَة فِيهَا، والفوائد الَّتِي استفيدت من الحَدِيث الْمَذْكُور ذَكرنَاهَا فِي: بَاب السمر مَعَ الْأَهْل والضيف.

2853 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ وعنْ يُونُسَ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أصابَ أهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ علَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إذْ قامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رسُولَ الله هَلَكَتِ الكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ فادْعُ الله يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ ودَعَا قَالَ أنَسٌ وإنَّ السَّمَاءَ كَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيح أنْشأتْ سَحابَاً ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ المَاءَ حَتَّى أتَيْنَا مَنَازِلَنَا فلَمْ تَزَلُ تُمْتِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأخْرَى فقامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رسُولَ الله تَهَدَّمَتِ البيُوتُ فادْعُ الله يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا فنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ المَدِينَةِ كأنَّهُ إكْلِيلٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الاسْتِسْقَاء مطولا ومختصراً من عشرَة وُجُوه. الأول: عَن

(16/126)


مُحَمَّد عَن أبي ضَمرَة عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن أنس بن مَالك. وَالثَّانِي: عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن شريك عَن أنس. وَالثَّالِث: عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالرَّابِع: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن شريك عَن أنس. وَالْخَامِس: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن شريك عَن أنس. وَالسَّادِس: عَن الْحسن بن بشر عَن معافى بن عمرَان عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس. وَالسَّابِع: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن شريك عَن أنس. وَالثَّامِن: عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن مُعْتَمر عَن عبيد الله بن ثَابت عَن أنس. وَالتَّاسِع: عَن أَيُّوب بن سُلَيْمَان، مُعَلّقا عَن أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن أنس. والعاشر: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس. وَالْوَجْه الْحَادِي عشر: أخرجه فِي كتاب الْجُمُعَة عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله عَن أنس. وَالثَّانِي عشر: أخرجه فِي الْجُمُعَة أَيْضا من طَرِيقين، كَمَا أخرجه هَهُنَا نَحوه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز ابْن صُهَيْب عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن يُونُس بن عبيد الْبَصْرِيّ عَن ثَابت عَن أنس، وَالْحَاصِل أَن لحماد إسنادين: أَحدهمَا عَال، وَالْآخر نَازل، وَذكر الْبَزَّار أَن حماداً تفرد بطرِيق يُونُس بن عبيد، فَالطَّرِيقَانِ أخرجهُمَا أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
قَوْله: (قحط) ، أَي: جَدب، يُقَال: قحط الْمَطَر وقحط بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا: إِذا احْتبسَ وَانْقطع، وأقحط النَّاس إِذا لم يمطروا. قَوْله: (على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: على زَمَنه وأيامه. قَوْله: (إِذا قَامَ) ، جَوَاب بَينا. قَوْله: (رجل) ، قيل: هُوَ خَارِجَة بن حصن الْفَزارِيّ. قَوْله: (الكراع) ، بِضَم الْكَاف، وَحكى عَن رِوَايَة الْأصيلِيّ كسرهَا، وخطيء. وَالْمرَاد بِهِ: الْخَيل هُنَا لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ. (وَهَلَكت الشَّاء) وَقد يُطلق على غَيرهَا، وَالشَّاء جمع شَاة، وأصل الشَّاة، شاهة فحذفت لامها، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: جمع الشَّاة شَاءَ وشياه وشوًى. قَوْله: (كَمثل الزجاجة) ، أَي: فِي شدَّة الصفاء لَيْسَ فِيهِ شَيْء من السَّحَاب، وَمن الكدورات. قَوْله: (فهاجت) ، أَي: ثارت ريح أنشأت سحاباً. وَفِي (التَّوْضِيح) : فِيهِ نظر، إِنَّمَا يُقَال: نَشأ السَّحَاب إِذا ارْتَفع، وأنشأه الله، وَمِنْه ينشيء السَّحَاب الثقال أَي: يبديها. قَوْله: (عزاليها) ، جمع: عزلاء، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي، وَهُوَ فَم الراوية من أَسْفَلهَا، وَفِي الْجمع: يجوز كسر اللاَّم وَفتحهَا كَمَا فِي الصحارى، وَقد مر عَن قريب. قَوْله: (مَنَازلنَا) ، ويروى: منزلنا بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (فَلم تزل تمطر) ، بِضَم التَّاء أَي: لم تزل السَّمَاء تمطر، وَيجوز أَن يكون: لم نزل، بنُون الْمُتَكَلّم، وَكَذَلِكَ: نمطر، وَلَكِن على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَو غَيره) ، أَي: أَو غير ذَلِك الرجل الَّذِي قَامَ فِي تِلْكَ الْجُمُعَة، شكّ فِيهِ أنس، وَتارَة يجْزم بذلك الرجل. وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي كتاب الاسْتِسْقَاء. قَوْله: (تصدع) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: تتصدع وَهُوَ الأَصْل، وَلَكِن حذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: (إكليل) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ شبه عِصَابَة مزينة بالجواهر، وَهُوَ التَّاج، وَكَانَت مُلُوك الْفرس تستعملها.

3853 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى بنُ كَثِيرٍ أبُو غَسَّانَ حدَّثنا أبُو حَفْص واسْمُهُ عُمَرُ بنُ العَلاءِ أخُو أبِي عَمْرِو بنِ العَلاَءِ قَالَ سَمِعْتُ نافِعاً عنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ فلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فأتاهُ فمَسَحَ يَدَهُ علَيْهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي حنين الْجذع. وَيحيى بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن دِرْهَم أَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة: الْعَنْبَري، بِسُكُون النُّون: الْبَصْرِيّ، مَاتَ بعد الْمِائَتَيْنِ، وَأَبُو حَفْص بالمهملتين عمر بن الْعَلَاء بن عمَارَة الْبَصْرِيّ الْمَازِني، وَقَالَ صَاحب (الكاشف) : الْأَصَح أَنه معَاذ بن الْعَلَاء لَا عمر، وَقيل: لم تقع تَسْمِيَة أبي حَفْص بعمر بن الْعَلَاء إلاَّ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَالظَّاهِر أَنه هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بنْدَار عَن يحيى بن كثير، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو حَفْص بن الْعَلَاء فَذكر الحَدِيث وَلم يسمه، وَذكر الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي تَرْجَمَة أبي حَفْص فِي (الكنى) فساقه من طَرِيق عبد الله بن رَجَاء الفداني حَدثنَا أَبُو حَفْص بن الْعَلَاء، فَذكر حَدِيث الْبَاب وَلم يقل اسْمه عمر، ثمَّ سَاقه من طَرِيق عُثْمَان بن عمر عَن معَاذ بن الْعَلَاء بِهِ، ثمَّ

(16/127)


أخرج من طَرِيق مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن معَاذ بن الْعَلَاء أبي غَسَّان، قَالَ: وَكَذَا ذكر البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) : أَن معَاذ بن الْعَلَاء يكنى أَبَا غَسَّان، قَالَ الْحَاكِم: ألله أعلم أَهما أَخَوان أَحدهمَا يُسمى عَمْرو وَالْآخر يُسمى معَاذًا وحدثا مَعًا عَن نَافِع بِحَدِيث الْجذع، أَو إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ غير مَحْفُوظ لِأَن الْمَشْهُور أَن الْعَلَاء أَبُو عَمْرو، صَاحب القراآت وَأَبُو سُفْيَان ومعاذ، فَأَما أَبُو حَفْص عمر فَلَا أعرفهُ إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقيل: لَيْسَ لِمعَاذ وَلَا لعمر فِي البُخَارِيّ ذكر فِي هَذَا الْموضع، وَأما أَبُو عَمْرو ابْن الْعَلَاء فَهُوَ أشهر الْأُخوة وأجلهم، وَهُوَ إِمَام القراآت بِالْبَصْرَةِ وَشَيخ الْعَرَبيَّة بهَا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ أَيْضا رِوَايَة وَلَا ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَاخْتلف فِي إسمه اخْتِلَافا كثيرا، وَالْأَظْهَر أَن إسمه كنيته، وَأما أَخُوهُ أَبُو سُفْيَان بن الْعَلَاء فَأخْرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ، وَحَدِيث الْبَاب أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ الفلاس عَن عُثْمَان بن عمر وَيحيى بن كثير أبي غَسَّان الْعَنْبَري، كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن الْعَلَاء بِهِ. وَقَالَ الْمزي: وَقيل: إِن قَوْله: عمر بن الْعَلَاء، وهمٌ وَالصَّوَاب: معَاذ بن الْعَلَاء، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ.
قَوْله: (إِلَى جذع) أَي: مُسْتَندا إِلَيْهِ. قَوْله: (فَأَتَاهُ) أَي: فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْجذع فَمسح يَده عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فسكن، وَقَالَ: لَو لم أفعل لما سكن. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الدَّارمِيّ بِلَفْظ: (لَو لم أحتضنه لحنَّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) ، وَفِي حَدِيث أنس عِنْد أبي عوَانَة وَابْن خُزَيْمَة وَأبي نعيم: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو لم ألتزمه لما زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حزنا على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أَمر بِهِ فَدفن) . وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد الدَّارمِيّ: (فَأمر بِهِ أَن يحْفر لَهُ ويدفن) . فَإِن قلت: وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب: (فَأخذ أبي بن كَعْب ذَلِك الْجذع لما هدم الْمَسْجِد، فَلم يزل عِنْده حَتَّى بلي وَعَاد رفاتاً) . قلت: هَذَا لَا يُنَافِي مَا تقدم من دَفنه، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه ظهر بعد الْهدم عِنْد التَّنْظِيف، فَأَخذه أبي بن كَعْب.
وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيدِ أخْبَرَنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ أخْبَرَنَا مُعاذُ بنُ العَلاَءِ عنْ نافِعٍ بِهَذَا هَذَا التَّعْلِيق أخرجه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ فِي (مُسْنده) عَن عُثْمَان بن عمر بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَعبد الحميد مَا ترْجم لَهُ أحد من رجال البُخَارِيّ، وَلَكِن الْمزي وَمن تبعه جزموا بِأَنَّهُ: عبد بن حميد الْحَافِظ الْمَشْهُور، وَقَالُوا: كَانَ اسْمه عبد الحميد، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: عبد، بِغَيْر إِضَافَة لأجل التَّخْفِيف، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ، ومعاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن الْعَلَاء بِالْمدِّ الْمَازِني أَخُو أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.
ورَواهُ أَبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ رَوَّادٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ الْكِبَار عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو، واسْمه: مَيْمُون الْمروزِي، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن عَمْرو عَن أبي عَاصِم مطولا، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن عَليّ عَن أبي عَاصِم مُخْتَصرا.

4853 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ قالَ سَمِعْتُ أبِي عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إلَى شَجَرَةٍ أوْ نَخْلَةٍ فقالَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ أوْ رَجُلٌ يَا رسُولَ الله أَلا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرَا قالَ إنْ شِئْتُمْ فجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرَاً فلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمْعَةِ دُفِعَ إلَى المِنْبَرِ فَصاحَتِ النَّخْلَةُ صِياحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَمَّهُ إلَيْهِ تَئِنُّ أنِينَ الصَّبِيَّ الَّذِي يُسَكِّنُ قَالَ كانَتْ تَبْكِي علَى مَا كانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن وَعبد الْوَاحِد بن أَيمن ضد الْأَيْسَر المَخْزُومِي مولى أبي عَمْرو أَو مولى ابْن أبي عَمْرو الْمَكِّيّ، يروي عَن أَبِيه أَيمن الحبشي عِنْد البُخَارِيّ وَحده.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب التُّجَّار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن خَلاد بن يحيى عَن عبد الْوَاحِد بن أَيمن إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِلَى شَجَرَة أَو نَخْلَة)

(16/128)


شكّ من الرَّاوِي وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق وَكِيع عَن عبد الْوَاحِد، فَقَالَ: إِلَى نَخْلَة، وَلم يشك. قَوْله: (امْرَأَة من الْأَنْصَار أَو رجل) شكّ من الرَّاوِي، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي الْجُمُعَة. وَقَالَ مَالك: غُلَام لرجل من الْأَنْصَار، وَهُوَ غُلَام سعد بن عبَادَة، وَقَالَ غَيره: غُلَام لإمرأة من الْأَنْصَار، أَو للْعَبَّاس، وَكَانَ ذَلِك سنة سبع. وَقيل: ثَمَان. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة) أَي: وَقت الْخطْبَة. قَوْله: (دفع) بِضَم الدَّال، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم الرَّاء. قَوْله: (فضمه إِلَيْهِ) أَي: الْجذع، وَذكر الضَّمِير بِاعْتِبَار الْجذع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَضمهَا، أَي: الشَّجَرَة أَو النَّخْلَة. قَوْله: (يسكن) على صِيغَة الْمَجْهُول من التسكين.

5853 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانُ بنِ بِلاَلٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ أخْبَرَنِي حَفْصُ بنُ عُبيْدِ الله بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنهُ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ كانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفَاً علَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ وكانَ عَلَيْهِ فسَمِعْنَا لِذالِكَ الجِذْعَ صَوْتَاً كَصَوْتِ العِشَارِ حَتَّى جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَضَعَ يَدَهُ علَيْهَا فَسَكَنَتْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه أبي بكر عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال الْقرشِي التَّيْمِيّ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن حَفْص بن عبيد الله، وَرِوَايَته عَنهُ من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُ فِي طبقته.
وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَن صَحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه فِي الْجُمُعَة فِي: بَاب الْخطْبَة على الْمِنْبَر عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أبي كثير عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن أنس: أَنه سمع جَابر بن عبد الله وَلم يسمه، وَذكر أَبُو مَسْعُود أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا قَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن يحيى عَن ابْن أنس وَلم يسمه، لِأَن مُحَمَّد بن جَعْفَر يَقُول فِيهِ: عَن يحيى عَن عبيد الله بن حَفْص ابْن أنس، فَقَالَ البُخَارِيّ: عَن ابْن أنس ليَكُون أقرب إِلَى الصَّوَاب.
قَوْله: (كَانَ الْمَسْجِد مسقوفاً على جُذُوع من نخل) أَرَادَ: أَن الْجُذُوع كَانَت لَهُ كالأعمدة. قَوْله: (إِلَى جذع مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الْجُذُوع، وَكَانَ إِذا خطب يسْتَند إِلَى جذع مِنْهَا. قَوْله: (كصوت العشار) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ جمع: عشراء، وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا من يَوْم أرسل عَلَيْهَا الْفَحْل عشرَة أشهر، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد النَّسَائِيّ من (الْكُبْرَى: اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السارية كحنين النَّاقة الحلوج. انْتهى. والحلوج، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم اللَّام الْخَفِيفَة، وَآخره جِيم: النَّاقة الَّتِي انتزع مِنْهَا وَلَدهَا. وَفِي حَدِيث أنس عِنْد ابْن خُزَيْمَة فحنت الْخَشَبَة حنين الوالدة، وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى عِنْد الدَّارمِيّ: خار ذَلِك الْجذع كخوار الثور، وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد أَحْمد والدارمي وَابْن مَاجَه: فَلَمَّا جاوزه خار الْجذع حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ، وروى الدَّارمِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: اختر أغرسك فِي الْمَكَان الَّذِي كنت فِيهِ كَمَا كنت؟ يَعْنِي: قبل أَن تصير جذعاً، وَإِن شِئْت أَن أغرسك فِي الْجنَّة فَتَشرب من أنهارها فَيحسن نبتك وتثمر، فتأكل مِنْك أَوْلِيَاء الله تَعَالَى، فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْتَار أَن تغرسي فِي الْجنَّة.

6853 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ وحدَّثني بِشْرُ بنُ خَالِد حدَّثنا مُحَمَّدٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ يُحَدَّثُ عنْ حُذَيْفَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفِتْنَةِ فقالَ حُذَيْفَةُ أنَا أحْفَظُ كَما قالَ قَالَ هاتِ إنَّكَ لَجَرِيءٌ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ ومالِهِ وجارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ والصَّدَقَةُ والأمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عنِ المُنْكَرِ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ ولَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ قَالَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَأسَ عَلَيْكَ مِنْهَا إنَّ بَيْنَكَ وبَيْنَهَا بابَاً مُغْلَقَاً قَالَ يُفْتَحُ

(16/129)


البَابُ أوْ يُكْسَرُ قالَ لَا بَلْ يُكْسَرُ قالَ ذَاكَ أحْرَى أنْ لاَ يُغْلَقَ قُلْنَا عَلِمَ الْبابَ قَالَ نَعَمْ كَما أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ إنِّي حدَّثْتُهُ حَدِيثَاً لَيْسَ بالأغَالِيط فَهَبْنَا أنْ نَسْأَلَهُ وأمَرْنا مَسْرُوقَاً فسَألَهُ فَقَالَ مَنِ البابُ قالَ عُمَرُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأُمُور الْآتِيَة بعده، وَهَذَا أَيْضا معْجزَة من معجزاته.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن مُحَمَّد بن بشار وَابْن أبي عدي وَهُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي عدي أَبُو عَمْرو الْبَصْرِيّ، وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة. وَالثَّانِي: عَن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري الْفَرَائِضِي عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر الَّذِي يُقَال لَهُ غنْدر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي. والْحَدِيث مر فِي أول كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة، عَن مُسَدّد عَن يحيى ابْن سعيد، وَفِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ فلنذكر بعض شَيْء.
قَوْله: (فِي الْفِتْنَة) ، المُرَاد بالفتنة مَا يعرض للْإنْسَان من الشَّرّ أَو أَن يَأْتِي لأجل النَّاس بِمَا لَا يحل لَهُ أَو يخل بِمَا يجب عَلَيْهِ. قَوْله: (هَات) ، تَقول: هَات يَا رجل بِكَسْر التَّاء، أَي: أَعْطِنِي، وللأثنين: هاتيا مثل: آتِيَا، وللجمع: هاتوا، وللمرأة: هَاتِي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هَاتين، مثل: عاطين. قَالَ الْخَلِيل: أصل هَات من: آتِي يُؤْتِي، فقلبت الْألف: هَاء. قَوْله: (لجرىء) من الجراءة، وَهُوَ الْإِقْدَام على الشَّيْء من غير تخوف. قَوْله: (فتْنَة الرجل فِي أَهله) ، بالميل إلَيْهِنَّ أَو عَلَيْهِنَّ فِي الْقِسْمَة والإيثار. قَوْله: (وَمَاله) ، أَي: وَفِي مَاله بالاشتغال بِهِ عَن الْعِبَادَة وبحبسه عَن إِخْرَاج حق الله تَعَالَى. قَوْله: (وجاره) ، أَي: وَفِي جَاره بِالْحَسَدِ والمفاخرة والمزاحمة فِي الْحُقُوق، وَإِنَّمَا خص الرجل بِالذكر لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب صَاحب الحكم فِي دَاره وَأَهله، وإلاَّ فالنساء شقائق الرِّجَال فِي الحكم، وَذكر هُنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء ثمَّ إِنَّه ذكر ثَلَاثَة أَشْيَاء تكفرها، فَذكر من عبَادَة الْأَفْعَال: الصَّلَاة وَالصِّيَام، وَمن عبَادَة المَال الصَّدَقَة، وَمن عبَادَة الْأَقْوَال الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. قَوْله: (لَيست هَذِه) ، أَي: لَيست الْفِتْنَة الَّتِي أريدها هَذِه وَلَكِن أُرِيد الْفِتْنَة الَّتِي تموج كموج الْبَحْر، وموج الْبَحْر يكون عِنْد اضطرابه وهيجانه، وكنى بذلك عَن شدَّة الْمُخَاصمَة وَكَثْرَة الْمُنَازعَة وَمَا ينشأ عَن ذَلِك من المشاتمة والمقاتلة. وَقَوله: (الْفِتْنَة) مَنْصُوب بِلَفْظ أُرِيد الْمُقدر. قَوْله: (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ) أَي: قَالَ حُذَيْفَة لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: (لَا بَأْس عَلَيْك مِنْهَا) ، أَي: من هَذِه الْفِتْنَة الَّتِي تموج كموج الْبَحْر. قَوْله: (إِن بَيْنك وَبَينهَا) أَي: وَبَين هَذِه الْفِتْنَة بَابا مغلقاً، يَعْنِي: لَا يخرج مِنْهَا شَيْء فِي حياتك، وَفِيه تَمْثِيل الْفِتَن بِالدَّار، وحياة عمر بِالْبَابِ الَّذِي لَهَا مغلق، وَمَوته بِفَتْح ذَلِك الْبَاب، فَمَا دَامَت حَيَاة عمر مَوْجُودَة فالباب مغلق لَا يخرج مِنْهَا شَيْء، فَإِذا مَاتَ فقد انْفَتح الْبَاب فَخرج مَا فِي تِلْكَ الدَّار. قَوْله: (قَالَ: لَا بل يكسر) ، أَي: قَالَ حُذَيْفَة: لَا يفتح، بل: يكسر. قَوْله: (قَالَ ذَلِك) أَي: قَالَ عمر: ذَلِك أَحْرَى، أَي: أَجْدَر، قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَادة أَن الغلق إِنَّمَا يَقع فِي الصَّحِيح فَأَما مَا انْكَسَرَ فَلَا يتَصَوَّر غلقه حَتَّى يجْبر. انْتهى. وَقيل: إِنَّمَا قَالَ عمر ذَلِك اعْتِمَادًا على مَا عِنْده من النُّصُوص الصَّرِيحَة فِي وُقُوع الْفِتَن فِي هَذِه الْأمة وَوُقُوع الْبَأْس بَينهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَقد وَافق حُذَيْفَة على رِوَايَته هَذِه أَبُو ذَر، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات أَنه: لَقِي عمر فَأخذ بِيَدِهِ فغمزها، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَر: أرسل يَدي يَا قفل الْفِتْنَة، وَفِيه: أَن أَبَا ذَر. قَالَ: لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ فِيكُم، وَأَشَارَ إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (إِنِّي حدثته) ، من بَقِيَّة كَلَام حُذَيْفَة. قَوْله: (بالأغاليط) ، جمع أغلوطة وَهُوَ مَا يغالط بِهِ، يَعْنِي: حدثته حَدِيثا صدقا محققاً من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا عَن اجْتِهَاد، وَلَا عَن رَأْي. قَوْله: (فهبنا أَن نَسْأَلهُ) ، من كَلَام أبي وَائِل، أَي: خفنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة وأمرنا مَسْرُوق بن الأجدع فَسَأَلَهُ أَي: فَسَأَلَ مسروقٌ حُذَيْفَة، ومسروق من كبار التَّابِعين وَمن أخصاء أَصْحَاب حُذَيْفَة، وَعبد الله بن مَسْعُود وَغَيرهمَا من كبار الصَّحَابَة، وَفِي ذَلِك مَا يدل على حسن تأدبهم مَعَ كبارهم.

(16/130)


7853 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرَنَا شُعَيْبٌ حدَّثنَا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأعْيُنِ حُمُرَ الوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوف كأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ. وتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأمْرِ حتَّى يَقَعَ فِيهِ والنَّاسُ مَعادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمُ. ولَيَأْتِيَنَّ عَلَيَّ أحَدِكُمْ زَمانٌ لأنْ يَرَانِي أحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أنْ يَكُونَ لَهُ مثْلُ أهْلِهِ ومالِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْأُمُور الْآتِيَة بعده، فَوَقَعت من ذَلِك أَشْيَاء وستقع أُخْرَى.
وَأَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن.
وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن أَرْبَعَة أَحَادِيث أَولهَا: قتال التّرْك، أوردهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: قَوْله: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر) . وَالْآخر: قَوْله: (وَحَتَّى تقاتلوا التّرْك صغَار الْأَعْين حمر الْوُجُوه) إِلَى قَوْله: (المطرقة) ! وَقد مر هَذَانِ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب قتال التّرْك، و: بَاب الَّذين ينتعلون الشّعْر. الثَّانِي: هُوَ قَوْله: (وتجدون) إِلَى قَوْله: (فِيهِ) . قَوْله: (لهَذَا الْأَمر) أَي: الْإِمَارَة والحكومة. الثَّالِث: قَوْله: (وَالنَّاس معادن) إِلَى قَوْله: (فِي الْإِسْلَام) ، وَقد مر هَذَا فِي: بَاب المناقب عَن أبي هُرَيْرَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة. الرَّابِع: هُوَ قَوْله: (وليأتين) إِلَخ. ولنتكلم فِي بعض أَلْفَاظه وَإِن كَانَ مكرراً لزِيَادَة الْفَائِدَة.
قَوْله: فِي الحَدِيث الأول: (تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر) ، وَفِي الثَّانِي: (تقاتلوا التّرْك) ، وهما جِنْسَانِ من التّرْك كثيران، وَقيل: المُرَاد من الْقَوْم الأكراد، فوصف الأول بِأَن نعَالهمْ الشّعْر، وَقيل: المُرَاد تطول شُعُورهمْ حَتَّى تصير أطرافها فِي أَرجُلهم مَوضِع النِّعَال، وَقيل: المُرَاد أَن نعَالهمْ من شعر: بِأَن يجعلوها من شعر مضفور، وَفِي رِوَايَة لمُسلم (يلبسُونَ الشُّعُور) وَزعم ابْن دحْيَة: أَن المُرَاد القندس الَّذِي يلبسونه فِي الشرابيش، قَالَ: وَهُوَ جلد كلب المَاء، وَوصف الثَّانِي بصغر الْعُيُون كَأَنَّهَا مثل خرق المسلة، وبحمرة الْوَجْه كَأَن وُجُوههم مطلية بالصبغ الْأَحْمَر، وبذلافة الأنوف، فَقَالَ: (ذلف الأنوف) والذلف، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة: جمع أذلف، وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضا وَهُوَ: صغر الْأنف مستوى الأرنبة، وَقيل: الذلافة تشمير الْأنف عَن الشّفة الْعليا، وَجَاء: فطس الأنوف، والفطاسة انفراش الْأنف. قَوْله: (كالمجان) ، وَهُوَ جمع: مجن، وَهُوَ الترس والمطرقة، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الطَّاء وَفتح الرَّاء، وَقَالَ عِيَاض: الصَّوَاب فِيهِ المطرقة، بتَشْديد الرَّاء، وَذكر ابْن دحْيَة عَن شَيْخه أبي إِسْحَاق: أَن الصَّوَاب سُكُون الطَّاء وَفتح الرَّاء، وَهِي الَّتِي أطرقت بالعقب أَي: ألبست حَتَّى غلظت فَكَأَنَّهَا ترس على ترس، وَمِنْه: طارقت النَّعْل إِذا ركبت جلدا على جلد وخرزته.

0953 - حدَّثني يَحْيَى حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقَاتِلُوا خُوزاً وكِرْمَانَ مِنَ الأعَاجِمُ حُمْر الوُجُوهِ فُطْسَ الأُنُوفِ صِغَارَ الأعْيُنِ كأنَّ وُجُوهَهُمْ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ. .

هَذَا طَرِيق آخر من وَجه آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أخرجه عَن يحيى بن مُوسَى الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، أَو هُوَ يحيى بن جَعْفَر البيكندي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بتَشْديد الْمِيم: ابْن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (خوز) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي، قَالَ الْكرْمَانِي: خوز بِلَاد الأهواز، وتستر، (وكرمان) بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا، وَهُوَ الْمُسْتَعْمل عِنْد أَهلهَا: هُوَ بَين خُرَاسَان وبحر الْهِنْد وَبَين عراق الْعَجم وسجستان، وَالْمعْنَى: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا أهل خوز وَأهل كرمان. قَوْله: (من الْأَعَاجِم) يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الصِّنْفَيْنِ من الْأَعَاجِم، قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسُوا من التّرْك، ورد بِأَنَّهُ: لَا إِشْكَال

(16/131)


فِيهِ، لِأَن هَذَا الحَدِيث غير حَدِيث قتال التّرْك، وَلَا مَانع من اشْتِرَاك الصِّنْفَيْنِ فِي الصِّفَات الْمَذْكُورَة مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَانِ الإقليمان لَيْسُوا على هَذِه الصِّفَات، ثمَّ قَالَ: أما أَن بَعضهم كَانُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَاف فِي ذَلِك الْوَقْت أَو سيصيرون كَذَلِك فِيمَا بعد، وَإِمَّا أَنهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرَب كالتوابع للترك، وَقيل: إِن بِلَادهمْ فِيهَا مَوضِع، يُقَال لَهُ: كرمان، وَقيل ذَلِك لأَنهم يتوجهون من هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لَعَلَّ المُرَاد بهما صنفان من التّرْك فَإِن أحد أصُول أَحدهمَا من خوز، وَأحد أصُول الآخر من كرمان. وَقَالَ ابْن دحْيَة: خوز، قيدناه فِي البُخَارِيّ بالزاي، وَقَيده الْجِرْجَانِيّ: خور كرمان بالراء الْمُهْملَة مُضَاف إِلَى كرمان، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بالراء مَعَ الْإِضَافَة، وَحَكَاهُ عَن الإِمَام أَحْمد، وَقَالَ غَيره: تَصْحِيف، وَقيل: إِذا أضيف خور، فبالمهملة لَا غير، وَإِذا عطفت كرمان عَلَيْهِ فبالزاي لَا غير. وَفِي (التَّلْوِيح) : هما جِنْسَانِ من التّرْك، وَكَانَ أول خُرُوج هَذَا الْجِنْس متغلباً فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فعاثوا فِي الْبِلَاد وأظهروا فِي الأَرْض الْفساد، وخربوا جَمِيع الْمَدَائِن حَتَّى بَغْدَاد، وربطوا خيولهم إِلَى سواري الْجَوَامِع، كَمَا فِي الحَدِيث، وعبروا الْفُرَات وملكوا أَرض الشَّام فِي مُدَّة يسيرَة، وعزموا على دُخُولهمْ إِلَى مصر، فَخرج إِلَيْهِم ملكهَا قطز المظفر، فَالْتَقوا بِعَين جالوت فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِم من النَّصْر وَالظفر كَمَا كَانَ لطالوت، فانجلوا عَن الشَّام منهزمين، وَرَأَوا مَا لم يشاهدوه مُنْذُ زمَان وَلَا حِين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. ثمَّ إِنَّهُم فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين ملك عَلَيْهِم رجل يُسمى غازان، زعم أَنه من أهل الْإِيمَان، ملك جملَة من بِلَاد الشَّام وعاث جَيْشه فِيهَا عيث عباد الْأَصْنَام، فَخرج إِلَيْهِم الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فكسرهم كسراً لَيْسَ مَعَه انجبار، وتفلل جَيش التتار، وَذهب معظمهم إِلَى النَّار وَبئسَ الْقَرار. انْتهى كَلَام صَاحب (التَّلْوِيح) : قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ على الأَصْل وَالْوَجْه، لِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم لَيْسُوا من خوز وَلَا من كرمان، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ من أَوْلَاد جنكز خَان، وَكَانَ ابْتِدَاء ملكه فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم يزل فِي الترقي إِلَى أَن صَار يركب فِي نَحْو ثَمَان مائَة مقَاتل، وأفسد فِي الْبِلَاد وَكَانَ قد استولى على سَمَرْقَنْد وبخارى وخوارزم الَّذِي كرسيها تبريز، والري وهمدان، وَلم يكن هُوَ دخل بَغْدَاد، وَإِنَّمَا خرب بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة هلاون بن طلوخان بن خرخان الْمَذْكُور، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه، وَقتل من أَهله وقرابته خلق كثير، وَشعر بِنصب الْخلَافَة بعده، وَكَانَ قَتله فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة، ثمَّ بعد ذَلِك توجه هلاون إِلَى حلب فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة ودخلها فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة، وَبَقِي السَّيْف مبذولاً وَدم الْإِسْلَام ممطولاً سَبْعَة أَيَّام ولياليها، وَقتلُوا من أَهلهَا خلقا لَا يُحصونَ، وَسبوا من النِّسَاء والذراري زهاء مائَة ألف، ثمَّ رَحل هلاون من حلب وَنزل على حمص وَأرْسل أكبر نوابه كتيعانو مَعَ إثني عشر طومان، كل طومان عشرَة آلَاف إِلَى مصر ليأخذها، وَكَانَ صَاحب مصر حِينَئِذٍ الْملك المظفر، فتجهز وَخرج وَمَعَهُ مِقْدَار اثْنَي عشر ألف نفس مقاتلين فِي سَبِيل الله، فتلاقوا على عين جالوت، فنصره الله تَعَالَى على التتار وَهَزَمَهُمْ بعون الله ونصرته يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان من سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة، وَقتل كتيعانو فِي المعركة، وَقتل غَالب من مَعَه، وَالَّذين هربوا قَتلهمْ الْعَرَب فِي البراري والمفاوز. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) تَابعا لصَاحب (التَّلْوِيح) : إِنَّه فِي سنة ثَمَانمِائَة وَتِسْعين، وَيُسمى غازان إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قلت: هَذَا أَيْضا كَلَام فِيهِ خباط، وَهَذَا غازان، بالغين وَالزَّاي المعجمتين: يُسمى أَيْضا قازان، بِالْقَافِ مَوضِع الْغَيْن، واسْمه مَحْمُود، تولى مملكة جنكزخان فِي العراقين وَمَا والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون، وَكَانَ قتل لسوء سيرته، وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة، وَالْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاو لم يجْتَمع بقازان وَلَا حصلت بَينهمَا الملاقاة وَلَا وَقع بَينهمَا حَرْب، نعم خرج الْملك النَّاصِر لأجل حَرَكَة قازان فِي سنة سَبْعمِائة، ثمَّ عَاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط وَالْبرد الشَّديد الَّذِي قتل غَالب الغلمان والأتباع، ثمَّ خرج فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَسَبْعمائة لأجل حَرَكَة التتار، وَحصل الْقِتَال بَينه وَبَين قطلوشاه من أكبر أُمَرَاء قازان، فنصر الله تَعَالَى النَّاصِر، وَانْهَزَمَ التتار وَعَاد عَسْكَر الْمُسلمين منصوراً، قَوْله: (فطس الأنوف) بِضَم الْفَاء، جمع: أفطس، وَقد فسرناه عَن قريب.

(16/132)


تابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ عنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
أَي: تَابع غير يحيى شيخ البُخَارِيّ فِي رِوَايَته عَنهُ عَن عبد الرَّزَّاق بن همام وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه.

2953 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا جَرِير بنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمَاً يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وتُقَاتِلُونَ قَوْمَاً كانَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ. (انْظُر الحَدِيث 7292) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقِتَال مَعَ قومين قبل أَن يَقع، وَشَيْء من ذَلِك وَقع، وَشَيْء سيقع.
وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب قتال التّرْك، عَن أبي النُّعْمَان عَن جرير بن حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

(16/133)


3953 - حدَّثنا الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ أخبرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قالَ أخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ تُقاتِلُكُمُ اليَهُودُ فتُسَلَّطُونَ علَيْهِم ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ. (انْظُر الحَدِيث 5292) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَار من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَمر سيقع، وَهُوَ أَيْضا من عَلَامَات نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى نَحوه فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قتال الْيَهُود من حَيْثُ مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، وَالْحكم، بِفَتْح الْكَاف: هُوَ أَبُو الْيَمَان. قَوْله: (ثمَّ يَقُول الْحجر) ، وروى: حَتَّى يَقُول الْحجر. قَوْله: (ورائي) ، أَي: أختفى خَلْفي.

4953 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرو عنْ جَابِرٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يأتِي علَى النَّاسِ زَمانٌ يَغْزُونَ فيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحبَ الرَّسُولَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فيُفْتَحُ علَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فيُقالَ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مِنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 7982 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ، يروي عَن أبي سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من اسْتَعَانَ بالضعفاء وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5953 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الحَكَمِ أخبرَنا النَّضْرُ أخْبرَنَا إسْرَائِيلُ أخبرنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أخْبرَنا محِلُّ بنُ خَلِيفَةَ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِم قَالَ بَيْنَا أَنا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ أتَاهُ رَجلٌ فَشكا إلَيْهِ الفَاقَةَ ثُمَّ أتَاهُ آخَرُ فَشَكا إلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلَ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأيْتَ الحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أرَهَا وَقد أنبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فإنْ طالَتْ بِكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطوفَ بالْكَعْبَةِ لاَ تخَافُ أحَدَاً إلاَّ الله قُلْتُ فِيما بَيْنِي وبَيْنَ نَفْسِي فأيْنَ دُعَّارُ طَيِّىءٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا البِلادَ ولَئِنْ طالَتْ بِكَ حيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ قَالَ كِسْرَى بنُ هُرْمُزَ ولَئِنْ طالَتْ بِكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أحَدَاً يَقْبَلُهُ مِنْهُ ولَيَلْقَيَنَّ الله أحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاه ولَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تُرْجُمانٌ يُتَرْجَمُ لَهُ فَيَقُولَنَّ ألَمْ أبْعَثْ إلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ فيَقُولُ بَلَى فيَقُولُ ألَمْ أعْطِكَ مَالا وأُفْضِلَ عَلَيْكَ فيَقُولُ بَلاى فيَنْظُرُ عنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَراى إلاَّ جَهَنَّمَ وَينظر عَن يسَاره فَلَا يرى إِلَّا جَهَنَّم قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ فرَأيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بالْكعْبَةِ لاَ تَخَافُ إلاَّ الله وكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْراى بنِ هُرْمُزَ ولَئِنْ طالَتْ بِكُمْ حَياةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أبُو القَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وَمُحَمّد بن الحكم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف المفتوحتين أَبُو عبد الله الْمروزِي الْأَحول، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل بن حراشة أَبُو الْحسن الْمَازِني

(16/134)


مَاتَ أول سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَسعد أَبُو مُجَاهِد الطَّائِي وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَمحل، بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام: ابْن خَليفَة الطَّائِي.
وَفِي هَذَا السَّنَد: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والعنعنة فِي مَوضِع. وَالْبَاقِي كُله: أخبرنَا، وَإِلَى الْآن لم يَقع مثل هَذَا.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة قبل الرَّد.
قَوْله: (الْفَاقَة) أَي: الْفقر. قَوْله: (الْحيرَة) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء: بلد مَعْرُوف قَدِيما مجاور الْكُوفَة. قَوْله: (أنبئت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: أخْبرت. قَوْله: (الظعينة) بالظاء الْمُعْجَمَة: الْمَرْأَة فِي الهودج، وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم الهودج. قَوْله: (حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ) وَفِي رِوَايَة أَحْمد: من غير جوَار أحد. قَوْله: (فَأَيْنَ دعَّار طي) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْعين الْمُهْملَة: جمع داعر، وَهُوَ الشاطر الْخَبيث الْمُفْسد الْفَاسِق، وَالْمرَاد: قطاع الطَّرِيق. وَقَالَ الجواليقي: والعامة يَقُولُونَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَالْمَعْرُوف بِالْمُهْمَلَةِ، وطيء: قَبيلَة مَشْهُورَة، واسْمه: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ. قَوْله: (قد سعروا الْبِلَاد) أَي: أوقدوا نَار الْفِتْنَة فِي الْبِلَاد، وَهُوَ مستعار من: سعرت النَّار: إِذا أوقدتها. قَوْله: (لتفتحن) على صِيغَة الْمَجْهُول وبفتح اللَّام وَتَشْديد النُّون. قَوْله: (كسْرَى) بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا: علم من ملك الْفرس. قَوْله: (قَالَ كسْرَى بن هُرْمُز) أَي: قَالَ عدي مستفهماً عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِعَظَمَة كسْرَى فِي نَفسه فِي ذَلِك الْوَقْت. وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك كَانَ فِي زَمَنه. قَوْله: (لترين) على صِيغَة الْمَعْلُوم بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الْمُشَدّدَة، وَهُوَ خطاب لعدي: (وَالرجل) مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (يخرج) بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج. قَوْله: (فَلَا يجد أحدا يقبله) لعدم الْفُقَرَاء فِي ذَلِك الزَّمَان، قيل: يكون ذَلِك فِي زمن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق يَعْقُوب بن سُفْيَان بِسَنَدِهِ إِلَى عمر بن أسيد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، قَالَ: إِنَّمَا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز ثَلَاثِينَ شهرا، لَا وَالله مَا مَاتَ حَتَّى جعل الرجل يأتينا بِالْمَالِ الْعَظِيم، فَيَقُول: إجعلوا هَذَا حَيْثُ ترَوْنَ فِي الْفُقَرَاء، فَمَا نَبْرَح حَتَّى يرجع بِمَالِه يتَذَكَّر من يَضَعهُ فِيهِ فَلَا يجده، قد أغْنى عمر النَّاس. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ تَصْدِيق مَا روينَا فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. انْتهى. قيل: هَذَا أرجح من الأول لقَوْله فِي الحَدِيث: وَلَئِن طَالَتْ بك حَيَاة. قَوْله: (وليلقين) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الْمُشَدّدَة وَلَفْظَة: الله، مَنْصُوبَة بِهِ و: أحدكُم، بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (وَأفضل عَلَيْك) من الإفضال أَي: وَلم أفضل عَلَيْك مِنْهُ. قَوْله: (وَلَو بشقة تَمْرَة) بِكَسْر الشين هَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بشقة، بِالتَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة غَيره، بشق تَمْرَة، بِدُونِ التَّاء فِي: شقّ، وَهُوَ النّصْف. قَوْله: (وَلَئِن طَالَتْ بكم) إِلَى آخِره، من كَلَام عدي بن حَاتِم.
حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ أخْبَرَنَا سَعْدَانُ بنُ بِشْرٍ حدَّثنا أبُو مُجَاهِدٍ حدَّثنا مُحِلُّ بنُ خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيَّاً كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وسعدان بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: يُقَال اسْمه سعيد وسعدان لقبه، وَهُوَ الْجُهَنِيّ الْكُوفِي، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ وَلَا لشيخه وَلَا لشيخ شَيْخه غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَهَذَا السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال وتحديثه قد مر فِي الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة قبل الرَّد.

6953 - حدَّثني سَعِيدُ بنُ شُرْحَبِيلٍ حدَّثنَا لَ يْثٌ عنْ يَزِيدَ عنْ أبِي الخَيْر عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً فصَلَّى علَى أهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ على المَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطكُمْ وأنَا شَهِيدٌ علَيْكُمْ إنِّي وَالله لأنْظُرُ إلَى حَوْضِي الآنَ وإنِّي قدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنَ الأرْضُ وإنِّي وَالله مَا أخافُ بَعْدِي أنْ تُشْرِكُوا ولَكِنْ أخافُ أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من ثَلَاثَة مَوَاضِع: من قَوْله: (إِنِّي وَالله لأنظر إِلَى حَوْضِي) إِلَى آخِره، وَلَا يخفى على الفطن ذَلِك،

(16/135)


وَسَعِيد بن شُرَحْبِيل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام: الْكِنْدِيّ مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَيزِيد هُوَ من الزِّيَادَة وَهُوَ ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر وَهُوَ مرْثَد بن عبد الله وَرِجَال هَذَا الحَدِيث كلهم مصريون.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الصَّلَاة على الشُّهَدَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (إِن النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا) ، وَفِي بعض النّسخ: عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا، قيل: حذف فِيهِ لفظ: إِنَّه. قلت: يكون تَقْدِيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه خرج، وَقيل: هَذِه اللَّفْظَة تحذف كثيرا من الْخط، وَلَا بُد من التَّلَفُّظ بهَا، قَوْله: (فَرَطكُمْ) ، بِفَتْح الرَّاء: وَهُوَ الَّذِي يتَقَدَّم الْوَارِدَة فيهيء لَهُم الْإِرْشَاد والدلاء وَنَحْوهَا. قَوْله: (أَعْطَيْت مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: خَزَائِن مَفَاتِيح الأَرْض، وَالْأول أظهر. قَوْله: (أَن تنافسوا) أَصله: أَن تتنافسوا، فحذفت إِحْدَى التائين من التنافس، وَهُوَ الرَّغْبَة فِي الشَّيْء والانفراد بِهِ، وَكَذَلِكَ المنافسة.

7953 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ أُسَامَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أطُمٍ مِنَ الآطَامِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أرَى إنِّي أرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ القَطْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن أَمر مغيب على النَّاس، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَاخِر الْحَج فِي: بَاب آطام الْمَدِينَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَليّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره.
قَوْله: (على أَطَم) ، الأطم، يُخَفف ويثقل، وَالْجمع: آطام، وَهُوَ: حصون لأهل الْمَدِينَة، والتشبيه بمواقع الْقطر فِي الْكَثْرَة والعموم أَي: أَنَّهَا لكثيرة وتعم النَّاس لَا تخْتَص بهَا طَائِفَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا إِشَارَة إِلَى الحروب الْحَادِثَة فِيهَا كوقعة الْحرَّة وَغَيرهَا.

8953 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سلَمَةَ حدَّثَتْهُ أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أبِي سُفْيَانَ حدَّثَتْهَا عنْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ علَيْهَا فَزِعَاً يَقُولُ لَا إلاه إلاَّ الله ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رِدْمِ يَأجُوجَ ومَأجُوجَ مِثْلُ هَذَا وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ وبالَّتِي تَلِيهَا فقالَتْ زَيْنَبُ فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله أنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن أَمر مغيب عَن النَّاس، وَقد شَاهده هُوَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
وَفِيه: ثَلَاث صحابيات، وَهِي: زَيْنَب بنت أبي سَلمَة ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم أبي سَلمَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الْأسد، وَأم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان، وَزَيْنَب بنت جحش زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي مُسلم: روى الحَدِيث: زَيْنَب عَن حَبِيبَة عَن أمهَا عَن زَيْنَب، فاجتمعت فِيهِ أَربع صحابيات، وَقد مضى الحَدِيث فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قصَّة يَأجُوجَ ومَأجُوجَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَزعًا) أَي: خَائفًا مِمَّا أخبر بِهِ أَنه يُصِيب أمته. قَوْله: (ويل) ، كلمة تقال لمن وَقع فِي هلكة وَلَا يترحم عَلَيْهِ، و: وَيْح، كلمة تقال لمن وَقع فِي هلكة يترحم عَلَيْهِ. قَوْله: (للْعَرَب) ، يَعْنِي: للْمُسلمين، لِأَن أَكثر الْمُسلمين الْعَرَب ومواليهم. قَوْله: (من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج) ، أَي: من سدهم. قَوْله: (بإصبعه) أَي: الْإِبْهَام، وَقد صرح بِهِ فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب {ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: 38) . قَوْله: {أنهلك وَفينَا الصالحون؟} أَرَادَت: أيقع الْهَلَاك بِقوم وَفِيهِمْ من لَا يسْتَحق ذَلِك؟ (قَالَ: نعم إِذا كثر الْخبث) أَي: الزِّنَا، وَقيل: إِذا عز الأشرار وذل الصالحون.

(16/136)


9953 - وعَنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ أنَّ أُمَّ سلَمَةَ قالَتِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سُبْحَانَ الله ماذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ وماذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ.
هُوَ عطف على الزُّهْرِيّ فِي الحَدِيث السَّابِق مُتَّصِل بِهِ فِي الْإِسْنَاد، وَأوردهُ مُخْتَصرا، وَتَمَامه يَأْتِي فِي الْفِتَن عَن أبي الْيَمَان الْمَذْكُور آنِفا. قَوْله: (مَاذَا أنزل من الخزائن؟) قَالَ الدَّاودِيّ: الخزائن الْكُنُوز، والفتن هَهُنَا: الْقِتَال الَّذِي يكون بَين الْمُسلمين، وَقيل: خَزَائِن الله: علم غيوبه الَّتِي لَا يعلمهَا إلاَّ هُوَ.

0063 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سلَمَةَ بن الماجِشُونِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أبِي صَعْصَعَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ لِي إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وتَتَّخِذُهَا فأصْلِحْهَا وأصْلِحْ رُعَامَها فَإنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يأتِي على النَّاسِ زَمانٌ تَكُونُ الغَنَمُ فيهِ خَيْر مالِ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ أوْ سَعَفَ الجِبَالِ. فِي مَوَاقِعِ القَطْرِ يَفرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَأْتِي على النَّاس زمَان) إِلَى آخِره، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة هُوَ عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن أبي سَلمَة، وَاسم أبي سَلمَة دِينَار، والماجشون، بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَضمّهَا، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة بن الْمَاجشون، بِزِيَادَة لَفْظَة: ابْن، بعد: أبي سَلمَة، وَالصَّوَاب عَدمه، وَجَاز فِيهِ ضم النُّون لِأَنَّهُ صفة لعبد الْعَزِيز، وَيجوز كسرهَا لِأَنَّهُ صفة لأبي سَلمَة. قلت: وَقَالَ ابْن سعد: يَعْقُوب بن أبي سَلمَة هُوَ الْمَاجشون، فَسُمي بذلك هُوَ وَولده، فيعرفون جَمِيعًا بالماجشون، وَسمي بذلك لِأَن وجنتيه كَانَتَا حمراوان، فَسُمي بِالْفَارِسِيَّةِ: الماً يكون فِيهِ خمر، شبه وجنتاه بِالْخمرِ، فعربه أهل الْمَدِينَة، فَقَالُوا: الْمَاجشون، وَيَعْقُوب بن أبي سَلمَة: هُوَ عَم عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي صعصعة، ينْسب إِلَى جده، وَرِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه لَا عَن أبي صعصعة. فَافْهَم.
وَأول الحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر الْجِنّ وثوابهم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي صعصعة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَقَوله: (يَأْتِي على النَّاس زمَان) إِلَى آخِره، فِي: بَاب خير مَال الْمُسلم غنم، وَلَكِن فِيهَا بعض زِيَادَة وَنقص فِي الْمَتْن يعرف عِنْد النّظر. وَقَوله: (رعامها) بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة، وَهُوَ: المخاط، يُقَال: شَاة رعوم، بهَا مَاء: يسيل من أنفها، الرعام، أَي: نح الرعام مِنْهَا، ويروى: رعاتها، جمع الرَّاعِي، نَحْو: الْقُضَاة وَالْقَاضِي. قَوْله: (شعف الْجبَال) بالشين الْمُعْجَمَة. قَوْله: (أَو سعف الْجبَال) بِالسِّين الْمُهْملَة، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ جمع سعفة فِي رَأس الْجَبَل، وَالشَّكّ إِمَّا فِي حَرَكَة الْعين وسكونها، وَإِمَّا فِي السِّين الْمُهْملَة أَو الْمُعْجَمَة، وَهِي غُصْن النّخل، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: غُصْن النّخل إِذا يبس يُسمى سعفة، بِالسِّين الْمُهْملَة، وَإِذا كَانَ رطبا فَهِيَ: شطبة، والشعف بالشين الْمُعْجَمَة رَأس جبل من الْجبَال، وَمِنْه قيل لأعلى شعر الرَّأْس: شعفة.

1063 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ الأوَيْسِيُّ حدَّثَنا إبْرَاهِيمُ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسَانَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ وأبِي سلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ والْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي والمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِيَ ومَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ ومنْ وَجَدَ مَلْجَأ أوْ مَعاذَاً فلْيَعُذْ بِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن فتن ستقع، وَهَذَا من عَلَامَات النُّبُوَّة، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن عبد الله ابْن يحيى أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي الأويسي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره سين مُهْملَة، نِسْبَة

(16/137)


إِلَى أويس أحد أجداده، وَهُوَ من أَفْرَاده. وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين إثنان مِنْهُم مذكوران بالابن، وَالثَّالِث بالكنية. والْحَدِيث أخرجه مُسلم.
قَوْله: (فتن) ، بِكَسْر الْفَاء: جمع فتْنَة. قَوْله: (وَمن يشرف) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف، من: الإشراف، وَهُوَ الانتصاب للشَّيْء والتطلع إِلَيْهِ والتعرض لَهُ، ويروى: من تشرف على وزن تفعل من الْمَاضِي، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (تستشرفه) ، أَي: تغلبه وتصرعه، وَقيل: هُوَ من الإشراف على الْهَلَاك، أَي: تستهلكه، وَقيل: من طلع لَهَا بشخصه طالعته بِشَرَفِهَا. قَوْله: (ملْجأ) أَي: موضعا يلتجىء إِلَيْهِ فليعذ بِهِ، وَهُوَ أَمر للْغَائِب من عاذ بِهِ. قَوْله: (أَو معَاذًا) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ بِمَعْنى ملْجأ أَيْضا.
وَفِيه: الْحَث على تجنب الْفِتَن والهرب مِنْهَا، وَأَن شَرها يكون بِحَسب التَّعَلُّق بهَا.

2063 - وَعَنْ ابنِ شِهَابٍ حدَّثنِي أبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ مُطَيعِ ابنِ الأسْوَدِ عنْ نَوْفَلِ بنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إلاَّ أنَّ أبَا بَكْرٍ يَزِيدُ مِنَ الصَّلاةِ صَلاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فكَأنَّمَا وُتِرَ أهْلَهُ ومَالَهُ.

هُوَ بِإِسْنَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَى الزُّهْرِيّ، وَشَيخ الزُّهْرِيّ هُوَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم المَخْزُومِي الْمدنِي الضَّرِير، وَيُقَال لَهُ: رَاهِب قُرَيْش لِكَثْرَة صلَاته، وَيُقَال: اسْمه أَبُو بكر وكنيته أَبُو عبد الرَّحْمَن، وَعبد الرَّحْمَن بن مُطِيع بن الْأسود بن حَارِثَة يكنى أَبَا عبد الله، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا تَابِعِيّ على الصَّحِيح وَذكره ابْن حبَان وَابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة، وَأَخُوهُ عبد الله بن مُطِيع الَّذِي ولي الْكُوفَة مَذْكُور فِي الصَّحَابَة، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَنَوْفَل بن مُعَاوِيَة بن عُرْوَة الْكِنَانِي الديلِي وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح، عَاشَ إِلَى خلَافَة يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَيُقَال: إِنَّه جَاوز الْمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ خَال عبد الرَّحْمَن بن مُطِيع الرَّاوِي عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن عَمْرو النَّاقِد وَالْحسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد.
قَوْله: (مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى الحَدِيث السَّابِق الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة. قَوْله: (إلاَّ أَن أَبَا بكر) ، أَي: شيخ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (يزِيد من الصَّلَاة) إِلَى آخِره، قيل: يحْتَمل أَن يكون زَاده مُرْسلا، وَيحْتَمل أَن يكون بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور عَن عبد الرَّحْمَن بن مُطِيع. قَوْله: (من الصَّلَاة) ، المُرَاد بهَا صَلَاة الْعَصْر، وَقد صرح بذلك النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته. قَوْله: (أَهله وَمَاله) ، بِالنّصب فيهمَا وَهُوَ من وَتَرَهُ حَقه أَي: نَقصه.

3063 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَتَكُونُ أُثْرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ الله فَما تَأمُرُنَا قَالَ تُؤدُّونَ الحَقَّ الَّذِي علَيْكُمْ وَتَسْألُونَ الله الَّذِي لَكُمْ. (الحَدِيث 3063 طرفه فِي: 2507) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن الْأُمُور الَّتِي ستقع، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن مُسَدّد، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي سعيد الْأَشَج وَعَن أبي كريب وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، الْكل عَن الْأَعْمَش. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى بن سعيد بِهِ.
قَوْله: (أَثَرَة) ، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وبضم الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء أَي: استبداد واختصاص بالأموال فِيمَا حَقه الِاشْتِرَاك. قَوْله: (تؤدون الْحق الَّذِي عَلَيْكُم) ، قيل: المُرَاد بِالْحَقِّ السّمع وَالطَّاعَة للأئمة وَلَا يخرج عَلَيْهِم. قَوْله: (وتسألون الله الَّذِي لكم) .

(16/138)


4063 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّيَّاحِ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ قالُوا فَمَا تأمُرُنَا قَالَ لَوْ أنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن المغيبات، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الملقب بصاعقة مر فِي الْوضُوء، وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْهُذلِيّ الْهَرَوِيّ الْبَغْدَادِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وروى البُخَارِيّ عَنهُ هَهُنَا بِوَاسِطَة، وَهُوَ صَاعِقَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن أُسَامَة، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، وَأَبُو التياح لقبه وكنيته أَبُو حَمَّاد، وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء: اسْمه هرم بن عَمْرو بن حريز بن عبد الله البَجلِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي.
قَوْله: (يهْلك) ، بِضَم الْيَاء من الإهلاك، (وَالنَّاس) بِالنّصب مَفْعُوله. وَقَوله: (هَذَا الْحَيّ) بِالرَّفْع فَاعله، يَعْنِي: بِسَبَب وُقُوع الْفِتَن والحروب بَينهم يتخبط أَحْوَال النَّاس. قَوْله: (لَو أَن النَّاس) ، جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: لَكَانَ خيرا، وَنَحْو ذَلِك، وَيجوز أَن تكون: لَو، لِلتَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب.
قَالَ مَحْمُودٌ حدَّثنا أبُو دَاوُدَ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّياحِ سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ
مَحْمُود بن غيلَان هُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ الْمَشْهُورين، وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ، وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ إلاَّ اسْتِشْهَادًا وَأَرَادَ بذلك تَصْرِيح أبي التياح بِسَمَاعِهِ من أبي زرْعَة.

5063 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ حدَّثَنَا عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عنْ جَدِّهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وأبِي هُرَيْرَةَ فسَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُولُ هَلاكُ أُمَّتِي علَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ غِلْمَةً قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ إنْ شِئْتَ أنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلاَن وبَنِي فُلاَنٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد الْأَزْرَقِيّ الْمَكِّيّ، وَيُقَال: الزرقي الْمَكِّيّ، وَعَمْرو بن يحيى ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ أَبُو أُميَّة الْقرشِي، سمع جده سعيد بن عَمْرو أَبَا عُثْمَان الْقرشِي الْكُوفِي، وروى لَهُ مُسلم أَيْضا إلاَّ أَن ابْن ابْنه عَمْرو من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكَذَلِكَ أَحْمد بن مُحَمَّد من أَفْرَاده.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (الصَّادِق فِي نَفسه) ، والمصدوق من عِنْد الله والمصدق من عِنْد النَّاس. قَوْله: (غلمة) ، بِكَسْر الْغَيْن: جمع غُلَام جمع قلَّة، والغلام الطارَّ الشَّارِب، وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الْكرْمَانِي: تعجب مَرْوَان من وُقُوع ذَلِك من غلمة، فَأَجَابَهُ أَبُو هُرَيْرَة: إِن شِئْت صرحت بِأَسْمَائِهِمْ. انْتهى. وَكَأَنَّهُ غفل عَن الطَّرِيق الْمَذْكُورَة فِي الْفِتَن فَإِنَّهَا ظَاهِرَة فِي أَن مَرْوَان لم يوردها مورد التَّعَجُّب، فَإِن لَفظه هُنَاكَ، فَقَالَ مَرْوَان: لعنة الله عَلَيْهِم غلمة، فَظهر أَن فِي هَذِه الطَّرِيق اختصاراً. انْتهى. قلت: لَا مَانع من تعجبه من ذَلِك مَعَ لَعنه عَلَيْهِم، فَلَا وَجه لنسبته إِلَى التغفل. قَوْله: (إِن شِئْت) ، خطاب لمروان، ويروى: إِن شِئْتُم، خطاب لَهُ وَلمن كَانَ مَعَه، أَو يكون لَهُ للتعظيم.

6063 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُوساى حدَّثني الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنِي الوَلِيدُ قَالَ حدَّثني ابنُ جَابِرٍ قَالَ حدَّثني بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ الله الحَضْرَمِيُّ قَالَ حدَّثني أبُو إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيُّ أنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمَانِ يَقُولُ كانَ النَّاسُ يَسْألُونَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الخَيْرِ وكُنْتُ أسْألُهُ عنِ الشَّرِّ

(16/139)


مَخَافَةَ أنْ يُدْرِكَنِي فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنَّا كُنَّا فِي جاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ فجَاءَنَا الله بِهَذَا الخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعاةٌ إِلَى أبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رسُولَ الله صِفْهُمْ لَنا فقالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ويَتَكَلَّمُونَ بألْسِنَتِنَا قُلْتُ فَما تأمُرُنِي إنْ أدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ قُلْتُ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إمَامٌ قَالَ فاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ولَوْ أنْ تَعَضَّ بأصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأنْتَ علَى ذَلِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِيمَا قبل. وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، والوليد هُوَ ابْن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، وَابْن جَابر هُوَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر مر فِي الصَّلَاة، وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن عبيد الله، بِضَم الْعين مصغر الْحَضْرَمِيّ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَأَبُو إِدْرِيس إسمه عَائِذ الله، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة: من العوذ ابْن عبد الله الْخَولَانِيّ، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة شَامِيُّونَ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ. وَأخرجه مُسلم، قَالَ الْمزي فِي الْفِتَن: وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أخرجه فِي كتاب الْإِمَارَة وَالْجَمَاعَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن عَليّ بن مُحَمَّد بِبَعْضِه.
قَوْله: (مَخَافَة) ، نصب على التَّعْلِيل وَكلمَة: أَن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (دخن) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ الدُّخان، وَالْمعْنَى: لَيْسَ خيرا خَالِصا، وَلَكِن يكون مَعَه شوب وكدورة بِمَنْزِلَة الدُّخان فِي النَّار، وَقيل: الدخن الْأُمُور الْمَكْرُوهَة، قَالَه ابْن فَارس، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : الدخن الحقد، وَقَالَ أَبُو عبيد: تَفْسِيره فِي الحَدِيث الآخر، وَهُوَ قَوْله: لَا ترجع قُلُوب قوم على مَا كَانَت عَلَيْهِ، وَفِي (الْجَامِع) : هُوَ فَسَاد فِي الْقلب وَهُوَ مثل الدغل، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد من الدخن أَن لَا تصفو الْقُلُوب بَعْضهَا لبَعض وَلَا ترجع إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الصفاء. قَوْله: (بِغَيْر هدي) ، بِالتَّنْوِينِ، ويروى بِغَيْر هدى، بِضَم الْهَاء وتنوين الدَّال، ويروى: بِغَيْر هَدْيِي، بِإِضَافَة الْهَدْي إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. قَوْله: (تعرف مِنْهُم وتنكر) ، قَالَ القَاضِي عِيَاض: الْخَيْر بعد الشَّرّ أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز، وَالَّذِي يعرف مِنْهُم وينكر الْأُمَرَاء بعده، وَمِنْهُم من يَدْعُو إِلَى بِدعَة أَو ضَلَالَة كالخوارج وَنَحْوهم. قَوْله: (دعاة) ، بِضَم الدَّال: جمع دَاع. قَوْله: (من جلدتنا) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي من الْعَرَب، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي من أَنْفُسنَا وقومنا، وَالْجَلد غشاء الْبدن واللون إِنَّمَا يظْهر فِيهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: من بني آدم، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن: أَرَادَ أَنهم فِي الظَّاهِر مثلنَا مَعنا، وَفِي الْبَاطِن مخالفون لنا فِي أُمُورهم، وجلدة الشَّيْء ظَاهره. قَوْله: (وَلَو أَن تعض) أَي: وَلَو كَانَ الاعتزال بِأَن تعض بِأَصْل شَجَرَة حَتَّى يدركك الْمَوْت وَأَنت على ذَلِك العض بالأسنان، وَهُوَ من بَاب عضض يعضض مثل: مس يمس، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} (الْفرْقَان: 72) . فأدغمت الضَّاد فِي الضَّاد، فَصَارَ: عض يعَض، وَحكى الْقَزاز ضم الْعين فِي الْمُضَارع مثل: شدّ يشد. قَوْله: (وَأَنت على ذَلِك) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.

7063 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ إسْمَاعِيلَ حدَّثنِي قَيْسٌ عنْ حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ تَعَلَّمَ أصْحَابِي الخَيْرَ وتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ. (انْظُر الحَدِيث 6063 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث حُذَيْفَة أخرجه مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ الْكُوفِي عَن قيس بن أبي حَازِم عَنهُ.
قَوْله: (تعلَّم) ، على وزن تفعَّل، مَاض من التَّعَلُّم. (وأصحابي) فَاعله (وَالْخَيْر) بِالنّصب مَفْعُوله، (وتعلمت) من بَاب التفعل أَيْضا أَي: وتعلمت أَنا الشَّرّ، وَالْمعْنَى: أَصْحَابِي كَانُوا يسْأَلُون عَن أَبْوَاب الْخَيْر ويتعلمون الْخَيْر، وَإِنَّا كنت

(16/140)


أَخَاف على نَفسِي من إِدْرَاك الشَّرّ، وتعلمت من ذَلِك مَا يجلب الْخَيْر وَيدْفَع الشَّرّ.

8063 - حدَّثنا الحَكَمُ بنُ نافِع حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَقْتَتِلَ فِئتانٌ دَعْوَاهُمَا واحِدَةٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَن الْغَيْب.
قَوْله: (فئتان) ، بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة تَثْنِيَة: فِئَة، وَهِي الْجَمَاعَة. قَالَ بَعضهم: المُرَاد بهما من كَانَ مَعَ عَليّ وَمُعَاوِيَة لما تحاربا بصفين. قَوْله: (دعواهما) أَي: دينهما وَاحِد، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا كَانَ يتسمى بِالْإِسْلَامِ أَو المُرَاد: أَن كلاًّ مِنْهُمَا كَانَ يَدعِي أَنه المحق، وَذَلِكَ أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ إِذْ ذَاك إِمَام الْمُسلمين وأفضلهم يَوْمئِذٍ بِاتِّفَاق أهل السّنة، وَلِأَن أهل الْحل وَالْعقد بَايعُوهُ بعد قتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وتخلف عَن بيعَته أهل الشَّام، وَقَالَ الْكرْمَانِي: دعواهما وَاحِدَة، أَي: يَدعِي كل مِنْهُمَا أَنه على الْحق وخصمه مُبْطل، وَلَا بُد أَن يكون أَحدهمَا مصيباً وَالْآخر مخطئاً، كَمَا كَانَ بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الْمُصِيب ومخالفه مخطىء مَعْذُور فِي الْخَطَأ، لِأَنَّهُ بالإجتهاد، والمجتهد إِذا أَخطَأ لَا إِثْم عَلَيْهِ، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا أَخطَأ فَلهُ أجر) . انْتهى. وَفِيه نظر، وَهُوَ مَوضِع التَّأَمُّل، بل الْأَحْسَن السُّكُوت عَن ذَلِك.

113 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يقتتل فتيَان فَيكون بَينهمَا مقتلة عَظِيمَة دَعْوَاهَا وَاحِدَة وَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يبْعَث دجالون كذابون قَرِيبا من ثَلَاثِينَ كلهم يزْعم أَنه رَسُول الله) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور وَفِيه زِيَادَة وَهِي قَوْله تكون بَينهمَا مقتلة عَظِيمَة وَقَوله وَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يبْعَث إِلَى آخِره قَوْله مقتلة عَظِيمَة المقتلة بِفَتْح الْمِيم مصدر ميمي أَي قتل عَظِيم فَإِن كَانَ المُرَاد من الفئتين فِئَة عَليّ وَفِئَة مُعَاوِيَة كَمَا زَعَمُوا فقد قتل بَينهمَا وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم عَن أبي الْحسن الْبَراء قَالَ قتل بصفين سَبْعُونَ ألفا خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا من أهل الْعرَاق وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا من أهل الشَّام فَمن أَصْحَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَدْرِيًّا وَكَانَ الْمقَام بصفين مائَة يَوْم وَعشرَة أَيَّام وَكَانَت فِيهِ تسعون وقْعَة وَحكى عَن ابْن سيف أَنه قَالَ أَقَامُوا بصفين تِسْعَة أَو سَبْعَة أشهر وَكَانَ الْقِتَال بَينهم سبعين زحفا قَالَ وَقَالَ الزُّهْرِيّ بَلغنِي أَنه كَانَ يدْفن فِي الْقَبْر الْوَاحِد خَمْسُونَ رجلا قَوْله حَتَّى يبْعَث على صِيغَة الْمَجْهُول أَي حَتَّى يخرج وَيظْهر وَلَيْسَ المُرَاد بِالْبَعْثِ الْإِرْسَال الْمُقَارن للنبوة بل هُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين قَوْله دجالون جمع دجال واشتقاقه من الدجل وَهُوَ التَّخْلِيط والتمويه وَيُطلق على الْكَذِب فعلى هَذَا قَوْله كذابون تَأْكِيد قَوْله " قَرِيبا " نصب على الْحَال من النكرَة الموصوفة وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد قريب بِالرَّفْع على أَنه صفة بعد صفة قَوْله من ثَلَاثِينَ أَي ثَلَاثِينَ نفسا كل وَاحِد مِنْهُم يزْعم أَنه رَسُول الله وعد مِنْهُم عبد الله بن الزبير ثَلَاثَة وهم مُسَيْلمَة وَالْأسود الْعَنسِي وَالْمُخْتَار رَوَاهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الله بن الزبير بِلَفْظ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ كذابا مِنْهُم مُسَيْلمَة والعنسي وَالْمُخْتَار (قلت) وَمِنْهُم طليحة بن خويلد وسجاح التميمية والْحَارث الْكذَّاب وَجَمَاعَة فِي خلَافَة بني الْعَبَّاس وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ من ادّعى النُّبُوَّة مُطلقًا فَإِنَّهُم لَا يُحصونَ كَثْرَة لكَون غالبهم من نشأة جُنُون أَو سَوْدَاء غالبة وَإِنَّمَا المُرَاد من كَانَت لَهُ شَوْكَة وسول لَهُم الشَّيْطَان بِشُبْهَة قلت خرج مُسَيْلمَة بِالْيَمَامَةِ وَالْأسود بِالْيمن فِي آخر زمن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقتل الْأسود قبل أَن يَمُوت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقتل مُسَيْلمَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَخرج طليحة فِي خلَافَة أبي بكر ثمَّ تَابَ وَمَات على الْإِسْلَام على الصَّحِيح فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل أَن سجَاح تابت وَالْمُخْتَار بن عبيد الله الثَّقَفِيّ غلب على الْكُوفَة فِي أول خلَافَة ابْن الزبير

(16/141)


ثمَّ ادّعى النُّبُوَّة وَزعم أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْتِيهِ وَقتل فِي سنة بضع وَسِتِّينَ والْحَارث خرج فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان فَقتل
114 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يقسم قسما إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخوَيْصِرَة وَهُوَ رجل من بني تَمِيم فَقَالَ يَا رَسُول الله اعْدِلْ فَقَالَ وَيلك وَمن يعدل إِذا لم أعدل قد خبت وخسرت إِن لم أكن أعدل فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَأَضْرب عُنُقه فَقَالَ دَعه فَإِن لَهُ أصحابا يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ يقرؤن الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية ينظر إِلَى نصله فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر إِلَى رصافه فَمَا يُوجد فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر إِلَى نضيه وَهُوَ قدحه فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر إِلَى قذذه فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء قد سبق الفرث وَالدَّم آيَتهم رجل أسود إِحْدَى عضديه مثل ثدي الْمَرْأَة أَو مثل الْبضْعَة تدَرْدر وَيخرجُونَ على حِين فرقة من النَّاس قَالَ أَبُو سعيد فَأشْهد أَنِّي سَمِعت هَذَا الحَدِيث من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأشْهد أَن عَليّ بن أبي طَالب قَاتلهم وَأَنا مَعَه فَأمر بذلك الرجل فالتمس فَأتي بِهِ حَتَّى نظرت إِلَيْهِ على نعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي نَعته) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم وَفِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة (ذكر مَعْنَاهُ) الْكَلَام فِي بَيْنَمَا قد مر غير مرّة قَوْله وَهُوَ يقسم الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله أَتَاهُ ذُو الْخوَيْصِرَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وبالراء وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ بَينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقسم غَنَائِم هوَازن جَاءَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي أصل الْخَوَارِج فَقَالَ اعْدِلْ قَالَ هَذَا غير ذِي الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي كتاب الأذواء ذُو الْخوَيْصِرَة رجل صَحَابِيّ من بني تَمِيم وَهُوَ الَّذِي قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قسم قسمه اعْدِلْ انْتهى وَلما ذكره السُّهيْلي عقبه بقوله وَيذكر عَن الْوَاقِدِيّ أَنه حرقوص بن زُهَيْر الكعبي من سعد تَمِيم وَكَانَ لحرقوص هَذَا مشَاهد كَثِيرَة مَشْهُورَة محمودة فِي حَرْب الْعرَاق مَعَ الْفرس أَيَّام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ صَار خارجيا قَالَ وَلَيْسَ ذُو الْخوَيْصِرَة هَذَا هُوَ ذُو الثدية الَّذِي قَتله عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بالنهروان ذَاك اسْمه نَافِع ذكره أَبُو دَاوُد وَقيل الْمَعْرُوف أَن ذَا الثدية اسْمه حرقوص وَهُوَ الَّذِي حمل على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى ليَقْتُلهُ فَقتله عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " قد خبت " بِلَفْظ الْمُتَكَلّم وبالخطاب أَي خبت أَنْت لكونك تَابعا ومقتديا لمن لَا يعدل وَالْفَتْح أشهر وأوجه قَوْله " فَقَالَ عمر " أَي ابْن الْخطاب وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد ائْذَنْ لي فِي قَتله وَلَا مَانع أَن يكون كل مِنْهُمَا اسْتَأْذن فِي ذَلِك قَوْله " فَإِن لَهُ أصحابا " الْفَاء فِيهِ لَيْسَ للتَّعْلِيل فِي ترك الْقَتْل فِي كَون الْأَصْحَاب لَهُ وَإِن اسْتحق

(16/142)


الْقَتْل بل لتعقيب الْأَخْبَار أَي قَالَ دَعه ثمَّ عقب مقَالَته بقصتهم وَغَايَة مَا فِي الْبَاب أَن حكمه حكم الْمُنَافِق وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يقتلهُمْ لِئَلَّا يُقَال أَن مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقتل أَصْحَابه قَوْله " لَا يُجَاوز تراقيهم " التراقي جمع ترقوة وَهُوَ عظم وَاصل مَا بَين ثغرة النَّحْر والعاتق وَفِي رِوَايَة " لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ " قَوْله " يَمْرُقُونَ " من المروق وَهُوَ الْخُرُوج وَإِن كَانَ المُرَاد بِالدّينِ الْإِسْلَام فَهُوَ حجَّة لمن يكفر الْخَوَارِج وَإِن كَانَ المُرَاد الطَّاعَة لَا يكون فِيهِ حجَّة وَإِلَى هَذَا مَال الْخطابِيّ قَوْله " من الرَّمية " على وزن فعيلة بِمَعْنى مفعولة وَهُوَ الصَّيْد المرمي شبه مروقهم من الدّين بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيب الصَّيْد فَيدْخل فِيهِ وَيخرج مِنْهُ من شدَّة سرعَة خُرُوجه لقُوَّة الرَّامِي لَا يعلق من جَسَد الصَّيْد بِشَيْء قَوْله " إِلَى نصله " وَهُوَ حَدِيدَة السهْم قَوْله " إِلَى رصافه " بِكَسْر الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة ثمَّ بِالْفَاءِ وَهُوَ العصب الَّذِي يلوى فَوق مدْخل النصل والرصاف جمع رصفة بالحركات الثَّلَاث قَوْله " إِلَى نضيه " بِفَتْح النُّون وَحكى ضمهَا وبكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفد فسره فِي الحَدِيث بالقدح بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ عود السهْم قبل أَن يراش وينصل وَقيل هُوَ مَا بَين الريش والنصل قَالَه الْخطابِيّ وَقَالَ ابْن فَارس سمي بذلك لِأَنَّهُ يرى حَتَّى عَاد نضوا أَي هزيلا وَحكى الْجَوْهَرِي عَن بعض أهل اللُّغَة أَن النضي النصل وَالْأول أولى قَوْله " إِلَى قذذه " بِضَم الْقَاف وبذالين معجمتين الأولى مَفْتُوحَة وَهُوَ جمع قُذَّة وَهِي وَاحِدَة الريش الَّذِي على السهْم يُقَال أشبه بِهِ من القذة بالقذة لِأَنَّهَا تحذى على مِثَال وَاحِد قَوْله " قد سبق الفرث " أَي قد سبق السهْم بِحَيْثُ لم يتَعَلَّق بِهِ شَيْء من الفرث وَالدَّم وَلم يظْهر أثرهما فِيهِ والفرث السرجين مادام فِي الكرش وَيُقَال الفرث مَا يجْتَمع فِي الكروش مِمَّا تَأْكُله ذَوَات الكروش وَقَالَ القَاضِي يَعْنِي نفذ السهْم فِي الصَّيْد من جِهَة أُخْرَى وَلم يتَعَلَّق شَيْء مِنْهُ بِهِ قَوْله " آيَتهم " أَي علامتهم قَوْله " أَو مثل الْبضْعَة " بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي مثل قِطْعَة اللَّحْم قَوْله " تدَرْدر " بدالين وراءين مهملات أَي تضطرب وَهُوَ فعل مضارع من الدردرة وَهُوَ صَوت إِذا انْدفع سمع لَهُ اخْتِلَاط وَقيل تدَرْدر تَجِيء وَتذهب وَمِنْه دردر المَاء قَوْله " على خير فرقة " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء أَي على أفضل فرقة أَي طَائِفَة وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره على حِين فرقة بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ نون وَفرْقَة بِضَم الْفَاء على هَذِه الرِّوَايَة أَي على زمَان فرقة أَي افْتِرَاق وَقَالَ القَاضِي خير فرقة أَي أفضل طَائِفَة هم عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَصْحَابه وَخير الْقُرُون وَهُوَ الصَّدْر الأول قَوْله " فالتمس " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي فَطلب قَوْله " على نعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي على وَصفه الَّذِي وَصفه وَالْفرق بَين الصّفة والنعت هُوَ أَن النَّعْت يكون بالحلية نَحْو الطَّوِيل والقصير وَالصّفة بالأفعال نَحْو خَارج وضارب فعلى هَذَا لَا يُقَال الله منعوت بل يُقَال مَوْصُوف وَقيل النَّعْت مَا كَانَ لشَيْء خَاص كالعرج والعمى والعور لِأَن ذَلِك يخص موضعا من الْجَسَد وَالصّفة مَا لم تكن لشَيْء مَخْصُوص كالعظيم والكريم (قلت) فَلذَلِك قَالَ أَبُو سعيد رَحمَه الله تَعَالَى هُنَا على نعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَافْهَم فَإِن فِيهِ دقة -
0163 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يَقْسِمُ قَسَمَاً إِذْ أتاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ وهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فقالَ يَا رَسُولَ الله اعْدِلْ فَقَالَ وَيْلَكَ ومَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ قَدْ خبْتَ وخَسِرْتَ إنْ لَمْ أكُنْ أعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ الله إئْذِنْ لِي فِيهِ فأضْرِبَ عُنُقَهُ فقَالَ دَعْهُ فإنَّ لَهُ أصْحَابَاً يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ وصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَؤُنَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ يُنْظَرُ إلَى نِصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى نِضِّيهِ وهْوَ قِدْحُهُ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أسْوَدُ إحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْي المَرْأةِ أوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ويَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ أبُو سَعِيدٍ فأشْهَدُ أنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَديثَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأشْهَدُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ قاتَلَهُمْ وأنَا مَعَهُ فأمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهِ علَى نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي نَعَتَهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم وَفِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: الْكَلَام فِي: بَيْنَمَا، قد مر غير مرّة. قَوْله: (وَهُوَ يقسم) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أَتَاهُ ذُو الْخوَيْصِرَة) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وبالراء، وَفِي (تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ) : بَينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقسم غَنَائِم هوَازن، جَاءَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي أصل الْخَوَارِج، فَقَالَ: إعدل. قَالَ: هَذَا غير ذِي الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (كتاب الأدواء) : ذُو الْخوَيْصِرَة رجل صَحَابِيّ من بني تَمِيم، وَهُوَ الَّذِي قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قسم قسمه: إعدل. انْتهى. وَلما ذكره السُّهيْلي عقبه بقوله: وَيذكر عَن الْوَاقِدِيّ: أَنه حرقوص بن زُهَيْر الكعبي من سعد تَمِيم، وَكَانَ لحرقوص هَذَا مشَاهد كَثِيرَة مَشْهُورَة محمودة فِي حَرْب الْعرَاق مَعَ الْفرس أَيَّام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ صَار خارجياً. قَالَ: وَلَيْسَ ذُو الْخوَيْصِرَة هَذَا هُوَ ذُو الثدية الَّذِي قَتله عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بالنهروان، ذَاك اسْمه نَافِع، ذكره أَبُو دَاوُد، وَقيل: الْمَعْرُوف أَن ذَا الثدية اسْمه حرقوص، وَهُوَ الَّذِي حمل على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ليَقْتُلهُ فقلته عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (قد خبت) ، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم وبالخطاب أَي: خبت أَنْت لكونك تَابعا ومقتدياً لمن لَا يعدل، وَالْفَتْح أشهر وأوجه. قَوْله: (فَقَالَ عمر) ، أَي: ابْن الْخطاب، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر، فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد: إئذن لي فِي قَتله، وَلَا مَانع أَن يكون كل مِنْهُمَا اسْتَأْذن فِي ذَلِك. قَوْله: (فَإِن لَهُ أصحاباً) الْفَاء فِيهِ لَيْسَ للتَّعْلِيل فِي ترك الْقَتْل فِي كَون الْأَصْحَاب لَهُ، وَإِن اسْتحق الْقَتْل، لتعقيب الْأَخْبَار أَي: قَالَ دَعه ثمَّ عقب مقَالَته بقصتهم وَغَايَة مَا فِي الْبَاب أَن حكمه حكم الْمُنَافِق، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتلهُمْ لِئَلَّا يُقَال: إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقتل أَصْحَابه. قَوْله: (لَا يُجَاوز تراقيهم) ، التراقي جمع ترقوة، وَهُوَ عظم وَاصل مَا بَين ثغرة النَّحْر والعاتق، وَفِي رِوَايَة: (لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ) . قَوْله: (يَمْرُقُونَ) ، من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، وَإِن كَانَ المُرَاد بِالدّينِ الْإِسْلَام فَهُوَ حجَّة لمن يكفر الْخَوَارِج، وَإِن كَانَ المُرَاد الطَّاعَة لَا يكون فِيهِ حجَّة، وَإِلَى هَذَا مَال الْخطابِيّ. قَوْله: (من الرَّمية) ، على وزن فعيلة بِمَعْنى مفعولة وَهُوَ الصَّيْد المرمي، شبه مروقهم من الدّين بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيب الصَّيْد فَيدْخل فِيهِ وَيخرج مِنْهُ من شدَّة سرعَة خُرُوجه لقُوَّة الرَّامِي، لَا يعلق من جَسَد الصَّيْد بِشَيْء. قَوْله: (إِلَى نصله) ، وَهُوَ حَدِيدَة السهْم. قَوْله: (إِلَى رصافه) ، بِكَسْر الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة ثمَّ بِالْفَاءِ: وَهُوَ العصب الَّذِي يلوى فَوق مدْخل النصل، والرصاف جمع رصفة بالحركات الثَّلَاث. قَوْله: (إِلَى نضيه) ، بِفَتْح النُّون وَحكي ضمهَا وبكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقد فسره فِي الحَدِيث: بالقدح، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة: وَهُوَ عود السهْم قبل أَن يراش وينصل، وَقيل: هُوَ مَا بَين الريش والنصل، قَالَه الْخطابِيّ، وَقَالَ ابْن فَارس: سمي بذلك لِأَنَّهُ يرى حَتَّى عَاد نضواً أَي: هزيلاً، وَحكى الْجَوْهَرِي عَن بعض أهل اللُّغَة: أَن النضي النصل، وَالْأول أولى. قَوْله: (إِلَى قذذه) ، بِضَم الْقَاف وبذالين معجمتين الأولى مَفْتُوحَة، وَهُوَ جمع قُذَّة وَهِي وَاحِدَة الريش الَّذِي على السهْم، يُقَال: أشبه بِهِ من القذة بالقذة، لِأَنَّهَا تحذى على مِثَال وَاحِد. قَوْله: (قد سبق الفرث) ، أَي: قد سبق السهْم بِحَيْثُ لم يتَعَلَّق بِهِ شَيْء من الفرث وَالدَّم وَلم يظْهر أثرهما فِيهِ، والفرث السرجين مَا دَامَ فِي الكرش، وَيُقَال: الفرث مَا يجْتَمع فِي الكروش مِمَّا تَأْكُله ذَوَات الكروش، وَقَالَ القَاضِي: يَعْنِي نفذ السهْم فِي الصَّيْد من جِهَة أُخْرَى وَلم يتَعَلَّق شَيْء مِنْهُ بِهِ. قَوْله: (آيَتهم) ، أَي: علامتهم. قَوْله: (أَو مثل الْبضْعَة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مثل قِطْعَة اللَّحْم. قَوْله: (تدَرْدر) بدالين وراءين مهملات، أَي: تضطرب، وَهُوَ فعل مضارع من الدردرة، وَهُوَ صَوت إِذا انْدفع سمع لَهُ اخْتِلَاط. وَقيل: تدَرْدر تَجِيء وَتذهب، وَمِنْه دردر المَاء. قَوْله: (على خير فرقة) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: أَي: على أفضل فرقة، أَي: طَائِفَة، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: على حِين فرقة، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ نون، وَفرْقَة، بِضَم الْفَاء على هَذِه الرِّوَايَة أَي: على زمَان فرقة أَي: افْتِرَاق، وَقَالَ القَاضِي: خير فرقة، أَي: أفضل طَائِفَة هم عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَصْحَابه، وَخير الْقُرُون وَهُوَ الصَّدْر الأول. قَوْله: (فالتمس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فَطلب قَوْله: (على نعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وَصفه الَّذِي وَصفه، وَالْفرق بَين الصّفة والنعت هُوَ أَن النَّعْت يكون بالحلية، نَحْو: الطَّوِيل والقصير، وَالصّفة بالأفعال نَحْو: خَارج وضارب، فعلى هَذَا لَا يُقَال: الله منعوت، بل يُقَال: مَوْصُوف، وَقيل: النَّعْت مَا كَانَ لشَيْء خَاص: كالعرج والعمى والعور، لِأَن ذَلِك يخص موضعا من الْجَسَد، وَالصّفة مَا لم تكن لشَيْء مَخْصُوص: كالعظيم والكريم. قلت: فَلذَلِك قَالَ أَبُو سعيد، رَحمَه الله تَعَالَى، هُنَا: على نعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَافْهَم، فَإِن فِيهِ دقة.

1163 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرَنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ خيْثَمَة عنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلأنْ أخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أحَبُّ إلَىَّ مِنْ أنْ أكْذِبَ عَلَيْهِ وإذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ فإنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يأتِي فِي آخِرِ االزَّمَانِ قَوْمٌ حدَثاءُ الأسْنَانِ سُفَهَاءُ الأحْلاَم يَقُولُونَ منْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ يَمُرُقُونَ منَ الإسْلاَمِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يُجَاوِزُ إيْمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فأيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ فَإنَّ قَتْلَهُمْ أجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وخيثمة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف

(16/143)


وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ الْكُوفِي، ورث مِائَتي ألف وأنفقها على أهل الْعلم، وسُويد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن غَفلَة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء، وَقد مر فِي أول كتاب اللّقطَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان أَيْضا وَفِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين عَن عمر بن حَفْص، وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَأبي سعيد الْأَشَج وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأبي بكر بن أبي كريب وَزُهَيْر وَعَن أبي بكر بن نَافِع وَمُحَمّد بن أبي بكر، الْكل عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُحَمَّد بن كثير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن بشار، وَلم يذكر صدر الحَدِيث.
قَوْله: (فَلإِن أخرّ) من الخرور وَهُوَ الْوُقُوع والسقوط، قَوْله: (خدعة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضمّهَا وَكسرهَا، وَالظَّاهِر إِبَاحَة الْكَذِب فِي الْحَرْب، لَكِن الِاقْتِصَار على التَّعْرِيض أفضل. قَوْله: (حدثاء الْأَسْنَان) أَي: الصغار، وَقد يعبر عَن السن بالعمر، والحدثاء جمع: حَدِيث السن، وَكَذَا يُقَال: غلْمَان حدثان بِالضَّمِّ، قَوْله: (سُفَهَاء الأحلام) أَي: ضعفاء الْعُقُول، والسفهاء جمع سَفِيه وَهُوَ خَفِيف الْعقل. قَوْله: (يَقُولُونَ من قَول خير الْبَريَّة) أَي: من السّنة، وَهُوَ قَول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الخليقة، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: من خير قَول الْبَريَّة، أَي: من الْقُرْآن، وَيحْتَمل أَن تكون الْإِضَافَة من بَاب مَا يكون الْمُضَاف دَاخِلا فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُرَاد بِهِ السّنة لَا الْقُرْآن، هُوَ كَمَا قَالَ الْخَوَارِج: لَا حكم إلاَّ لله، فِي قَضِيَّة التَّحْكِيم، وَكَانَت كلمة حق وَلَكِن أَرَادوا بهَا بَاطِلا. قَوْله: (يَمْرُقُونَ) أَي: يخرجُون وَقد مر عَن قريب. قَوْله: (حَنَاجِرهمْ) جمع حنجرة وَهِي رَأس الغلصمة حَيْثُ ترَاهُ ناتئاً من خَارج الْحلق. قَوْله: (فَإِن قَتلهمْ أجر لمن قَتلهمْ) هَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَإِن فِي قَتلهمْ أجرا لمن قَتلهمْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأجر فِي قَتلهمْ لأَنهم يشغلون عَن الْجِهَاد ويسعون بِالْفَسَادِ لافتراق كلمة الْمُسلمين.

2163 - حدَّثني محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْماعِيلَ حدَّثَنا قَيْسٌ عنْ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ قُلْنَا لهُ ألاَ تَسْتَنْصِرُ لَنا ألاَ تَدْعُو الله لَنا قَالَ كانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عنْ دِينِهِ ويُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ وَالله لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إلاَّ الله أوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَقيس بن أبي حَازِم البَجلِيّ، وخباب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن الْأَرَت، بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، كَانَ سادس سِتَّة فِي الْإِسْلَام مَاتَ بِالْكُوفَةِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِكْرَاه عَن مُسَدّد وَفِي مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحميدِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن عون وَعَن خَالِد بن عبد الله. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن عَبدة ابْن عبد الرَّحْمَن وَفِي الزِّينَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَابْن الْمثنى بِبَعْضِه.
قَوْله: (وَهُوَ مُتَوَسِّد) وَالْوَاو فِيهِ للْحَال (وبردة) مَنْصُوبَة بِهِ وَهِي نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف، وَكَذَلِكَ الْبرد. قَوْله: (أَلا تَسْتَنْصِر) أَي: أَلا تطلب النُّصْرَة من الله لنا على الْكفَّار، وَهَذَا بَيَان لقَوْله: شَكَوْنَا، وَكلمَة: ألاَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ للحث والتحريض. قَوْله: (بِالْمِنْشَارِ) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون: وَهُوَ آلَة نشر الْخشب، وَيُقَال أَيْضا: الميشار، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الساكنة مَوضِع النُّون، من نشرت الْخَشَبَة إِذا قطعتها. قَوْله: (مَا دون لَحْمه) ، أَي: تَحت لَحْمه أَو عِنْد لَحْمه. قَوْله: (لَيتِمَّن) ، بِفَتْح اللَّام وبالنون الثَّقِيلَة. قَوْله: (من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت) ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَصَنْعَاء بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وَسُكُون النُّون وبالمد: قَاعِدَة الْيمن ومدينته الْعُظْمَى، و: حَضرمَوْت، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْمِيم: بَلْدَة أَيْضا بِالْيمن، وَجَاز فِي مثله بِنَاء الإسمين وَبِنَاء الأول وإعراب الثَّانِي. فَإِن قلت: لَا مُبَالغَة فِيهِ لِأَنَّهُمَا بلدان متقاربان.

(16/144)


قلت: الْغَرَض بَيَان انْتِفَاء الْخَوْف من الْكفَّار على الْمُسلمين، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بهَا صنعاء الرّوم أَو صنعاء دمشق: قَرْيَة فِي جَانبهَا الغربي فِي نَاحيَة الربوة. قَالَ الْجَوْهَرِي: حَضرمَوْت اسْم قَبيلَة أَيْضا. انْتهى كَلَامه. قلت: قَالَ ياقوت فِي (الْمُشْتَرك) : صنعاء الْيمن أعظم مدنها وأجلها تشبه دمشق فِي كَثْرَة الْبَسَاتِين والمياه، وَصَنْعَاء قَرْيَة على بَاب دمشق من نَاحيَة بَاب الفراديس واتصلت حيطانها بالعقبية وَهِي محلّة فِي ظَاهر دمشق. قلت: قَوْله لِأَنَّهُمَا بلدان متقاربان، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن بَين عدن وَصَنْعَاء ثَلَاث مراحل، وَبَين حَضرمَوْت والشحر أَرْبَعَة أَيَّام، وَبَينه وَبَين عدن مَسَافَة بعيدَة، فعلى هَذَا يكون بَين صنعاء وحضرموت أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام. قَوْله: (أَو الذِّئْب) عطف على الِاسْم الْأَعْظَم، وَإِن أحتمل أَن يعْطف على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الْمُقدر. قَوْله: (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون) وَحَاصِل الْمَعْنى: لَا تستعجلوا فَإِن من كَانَ قبلكُمْ قاسوا مَا ذكرنَا فصبروا، وَأخْبرهمْ الشَّارِع بذلك ليقوى صبرهم على الْأَذَى.
3163 - حَدثنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أزْهَرُ بنُ سعْدٍ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ أنْبَأنا مُوسَى ابنُ أنَسٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَقَدَ ثابِتَ بنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رسُولَ الله أَنا أعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فأتَاهُ فوَجَدَهُ جالِسَاً فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسَاً رأسَهُ فَقَالَ مَا شَأنُكَ فَقَالَ شَرٌّ كانَ يَرْفِعُ صَوْتُهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهْوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ فأتَى الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ أنَّهُ قَالَ كذَا وَكَذَا فقالَ مُوسَى بنُ أنَسٍ فرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ إلَيْهُ فقُلْ لَهُ إنَّكَ لَسْتَ مِنْ أهْلِ النَّارِ ولَكِنْ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. (الحَدِيث 3163 طرفه فِي: 6484) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لست من أهل النَّار وَلَكِن من أهل الْجنَّة) ، لِأَن هَذَا أَمر لَا يطلع عَلَيْهِ إلاَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يعِيش حميدا وَيَمُوت شَهِيدا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة ثَبت حَتَّى قتل، وروى ابْن أبي حَاتِم فِي (تَفْسِيره) : من طَرِيق سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس، وَفِي قصَّة ثَابت بن قيس، فَقَالَ فِي آخرهَا: قَالَ أنس: قُلْنَا: نرَاهُ يمشي بَين أظهرنَا وَنحن نعلم أَنه من أهل الْجنَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة كَانَ فِي بَعْضنَا بعض الانكشاف، فَأقبل وَقد تكفن وتحنط فقاتل حَتَّى قتل.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. وأزهر، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي: ابْن سعد الْبَاهِلِيّ السمان الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ. وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان أَبُو عون الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. ومُوسَى بن أنس بن مَالك قَاضِي الْبَصْرَة، وَأنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنبأَنَا مُوسَى بن أنس) ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة وَرِوَايَة عبد الله بن أَحْمد عَن ابْن عون عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس بدل مُوسَى بن أنس، وَأخرجه أَبُو نعيم عَن الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عون عَن مُوسَى بن أنس قَالَ: لما نزلت: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} (الحجرات: 2) . قعد ثَابت بن قيس فِي بَيته ... الحَدِيث، وَهَذَا صورته مُرْسل إلاَّ أَنه يُقَوي أَن الحَدِيث لِابْنِ عون عَن مُوسَى لَا عَن ثُمَامَة. قَوْله: (افْتقدَ ثَابت بن قيس) ، وَقيس بن شماس بن زُهَيْر بن مَالك بن امرىء الْقَيْس بن مَالك، وَهُوَ الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب ابْن الْخَزْرَج، وَكَانَ خطيب الْأَنْصَار وخطيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكرنَا أَنه قتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا. قَوْله: (فَقَالَ رجل) ، قيل: هُوَ سعد بن معَاذ، لما روى مُسلم من وَجه آخر من طَرِيق حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس، فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعد بن معَاذ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو مَا شَأْن ثَابت؟ اشْتَكَى؟ فَقَالَ سعد: إِنَّه لجاري وَمَا علمت لَهُ شكوى، فَإِن قلت: الْآيَة الْمَذْكُورَة نزلت فِي سنة الْوُفُود بِسَبَب الْأَقْرَع بن حَابِس وَغَيره، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة تسع، وَسعد بن معَاذ مَاتَ قبل ذَلِك فِي بني قُرَيْظَة، وَذَلِكَ فِي سنة خمس؟ قلت: أُجِيب عَن ذَلِك بِأَن الَّذِي نزل فِي قصَّة ثَابت مُجَرّد رفع الصَّوْت، وَالَّذِي نزل فِي قصَّة الْأَقْرَع أول السُّورَة، وَهُوَ قَوْله: {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} (الحجرات: 1) . وَقيل: الرجل الْمَذْكُور هُوَ سعد بن عبَادَة لما روى ابْن الْمُنْذر فِي (تَفْسِيره) من طَرِيق سعيد بن بشر عَن قَتَادَة عَن أنس فِي هَذِه الْقِصَّة، فَقَالَ سعد بن عبَادَة: يَا رَسُول الله هُوَ جاري. . الحَدِيث،

(16/145)


قيل: هُوَ أشبه بِالصَّوَابِ، لِأَن سعد بن عبَادَة من قَبيلَة ثَابت بن قيس، فَهُوَ أشبه أَن يكون جَاره من سعد بن معَاذ لِأَنَّهُ من قَبيلَة أُخْرَى. قَوْله: (أَنا أعلم لَك) ، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كلمة أَلاَ، للتّنْبِيه أَو تكون الْهمزَة فِي: أَلاَ للاستفهام وَفِي بَعْضهَا: أَنا أعلم. قلت: كَأَن النّسخ الَّتِي وَقعت عِنْدهم أَلا أعلم، مَوضِع: أَنا أعلم، فَلذَلِك قَالَ كلمة: أَلا، للتّنْبِيه، أَو تكون الْهمزَة فِي ألاَ للاستفهام، ثمَّ أَشَارَ إِلَى رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهِي: أَنا أعلم، بقولهْ: وَفِي بَعْضهَا أَنا أعلم قَوْله: (لَك) أَي: لِأَجلِك. قَوْله: (علمه) أَي: خَبره. قَوْله: (فَأَتَاهُ) أَي: فَأتى الرجل الْمَذْكُور ثَابت بن قيس فَوَجَدَهُ جَالِسا فِي بَيته. وَقَوله: (جَالِسا ومنكساً) حالان مُتَرَادِفَانِ أَو متداخلان، (وَرَأسه) مَنْصُوب بقوله: مُنَكسًا. قَوْله: (مَا شَأْنك) أَي: مَا حالك؟ قَوْله: (فَقَالَ: شَرّ) أَي: فَقَالَ ثَابت حَالي شَرّ. قَوْله: (كَانَ يرفع صَوته) هَذَا الْتِفَات وَمُقْتَضى الْحَال إِن يَقُول: كنت أرفع صوتي، وَلكنه الْتفت من الْحَاضِر إِلَى الْغَائِب، قَوْله: (فقد حَبط عمله) أَي: بَطل، وَكَانَ الْقيَاس فِيهِ أَيْضا أَن يَقُول؛ فقد حَبط عَمَلي، وَكَذَا قَوْله: (وَهُوَ من أهل النَّار) وَالْقِيَاس فِيهِ: وَأَنا من أهل النَّار. قَوْله: (فَأتى الرجل فَأخْبرهُ) أَي: فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَنه قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ ثَابت لما نزلت {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} (الحجرات: 2) . جلس فِي بَيته وَقَالَ: أَنا من أهل النَّار، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَقَالَ ثَابت: أنزلت هَذِه الْآيَة، وَلَقَد علمْتُم أَنِّي من أرفعكم صَوتا. قَوْله: (فَقَالَ مُوسَى بن أنس) ، وَهُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور عَن أَبِيه أنس. قَوْله: (فَرجع الْمرة الْآخِرَة) أَي: فَرجع الرجل الْمَذْكُور، ويروى: الْمرة الْأُخْرَى، قَوْله: (بِبِشَارَة) بِضَم الْبَاء وَكسرهَا وَالْكَسْر أشهر، وَهِي: الْخَبَر السار سميت بذلك لِأَنَّهَا تظهر طلاقة الْإِنْسَان وفرحه. قَوْله: (فَقَالَ: إذهب إِلَيْهِ) بَيَان الْبشَارَة أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الْمَذْكُور، إذهب إِلَى ثَابت بن قيس فَقل لَهُ ... إِلَى آخِره. فَإِن قلت: فِيهِ زِيَادَة الْعدَد على المبشرين بِالْجنَّةِ. قلت: التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يُنَافِي الزَّائِد، أَو المُرَاد بِالْعشرَةِ الَّذين بشروا بهَا دفْعَة وَاحِدَة، أَو بِلَفْظ الْبشَارَة، وَكَيف لَا وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْجنَّة قطعا؟ وَنَحْوهم.

2163 - حدَّثني محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْماعِيلَ حدَّثَنا قَيْسٌ عنْ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ قُلْنَا لهُ ألاَ تَسْتَنْصِرُ لَنا ألاَ تَدْعُو الله لَنا قَالَ كانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عنْ دِينِهِ ويُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ وَالله لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إلاَّ الله أوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَقيس بن أبي حَازِم البَجلِيّ، وخباب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن الْأَرَت، بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، كَانَ سادس سِتَّة فِي الْإِسْلَام مَاتَ بِالْكُوفَةِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِكْرَاه عَن مُسَدّد وَفِي مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحميدِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن عون وَعَن خَالِد بن عبد الله. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن عَبدة ابْن عبد الرَّحْمَن وَفِي الزِّينَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَابْن الْمثنى بِبَعْضِه.
قَوْله: (وَهُوَ مُتَوَسِّد) وَالْوَاو فِيهِ للْحَال (وبردة) مَنْصُوبَة بِهِ وَهِي نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف، وَكَذَلِكَ الْبرد. قَوْله: (أَلا تَسْتَنْصِر) أَي: أَلا تطلب النُّصْرَة من الله لنا على الْكفَّار، وَهَذَا بَيَان لقَوْله: شَكَوْنَا، وَكلمَة: ألاَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ للحث والتحريض. قَوْله: (بِالْمِنْشَارِ) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون: وَهُوَ آلَة نشر الْخشب، وَيُقَال أَيْضا: الميشار، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الساكنة مَوضِع النُّون، من نشرت الْخَشَبَة إِذا قطعتها. قَوْله: (مَا دون لَحْمه) ، أَي: تَحت لَحْمه أَو عِنْد لَحْمه. قَوْله: (لَيتِمَّن) ، بِفَتْح اللَّام وبالنون الثَّقِيلَة. قَوْله: (من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت) ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَصَنْعَاء بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وَسُكُون النُّون وبالمد: قَاعِدَة الْيمن ومدينته الْعُظْمَى، و: حَضرمَوْت، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْمِيم: بَلْدَة أَيْضا بِالْيمن، وَجَاز فِي مثله بِنَاء الإسمين وَبِنَاء الأول وإعراب الثَّانِي. فَإِن قلت: لَا مُبَالغَة فِيهِ لِأَنَّهُمَا بلدان متقاربان. قلت: الْغَرَض بَيَان انْتِفَاء الْخَوْف من الْكفَّار على الْمُسلمين، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بهَا صنعاء الرّوم أَو صنعاء دمشق: قَرْيَة فِي جَانبهَا الغربي فِي نَاحيَة الربوة. قَالَ الْجَوْهَرِي: حَضرمَوْت اسْم قَبيلَة أَيْضا. انْتهى كَلَامه. قلت: قَالَ ياقوت فِي (الْمُشْتَرك) : صنعاء الْيمن أعظم مدنها وأجلها تشبه دمشق فِي كَثْرَة الْبَسَاتِين والمياه، وَصَنْعَاء قَرْيَة على بَاب دمشق من نَاحيَة بَاب الفراديس واتصلت حيطانها بالعقبية وَهِي محلّة فِي ظَاهر دمشق. قلت: قَوْله لِأَنَّهُمَا بلدان متقاربان، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن بَين عدن وَصَنْعَاء ثَلَاث مراحل، وَبَين حَضرمَوْت والشحر أَرْبَعَة أَيَّام، وَبَينه وَبَين عدن مَسَافَة بعيدَة، فعلى هَذَا يكون بَين صنعاء وحضرموت أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام. قَوْله: (أَو الذِّئْب) عطف على الِاسْم الْأَعْظَم، وَإِن أحتمل أَن يعْطف على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الْمُقدر. قَوْله: (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون) وَحَاصِل الْمَعْنى: لَا تستعجلوا فَإِن من كَانَ قبلكُمْ قاسوا مَا ذكرنَا فصبروا، وَأخْبرهمْ الشَّارِع بذلك ليقوى صبرهم على الْأَذَى.
3163 - حَدثنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أزْهَرُ بنُ سعْدٍ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ أنْبَأنا مُوسَى ابنُ أنَسٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَقَدَ ثابِتَ بنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رسُولَ الله أَنا أعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فأتَاهُ فوَجَدَهُ جالِسَاً فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسَاً رأسَهُ فَقَالَ مَا شَأنُكَ فَقَالَ شَرٌّ كانَ يَرْفِعُ صَوْتُهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهْوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ فأتَى الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ أنَّهُ قَالَ كذَا وَكَذَا فقالَ مُوسَى بنُ أنَسٍ فرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ إلَيْهُ فقُلْ لَهُ إنَّكَ لَسْتَ مِنْ أهْلِ النَّارِ ولَكِنْ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. (الحَدِيث 3163 طرفه فِي: 6484) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لست من أهل النَّار وَلَكِن من أهل الْجنَّة) ، لِأَن هَذَا أَمر لَا يطلع عَلَيْهِ إلاَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يعِيش حميدا وَيَمُوت شَهِيدا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة ثَبت حَتَّى قتل، وروى ابْن أبي حَاتِم فِي (تَفْسِيره) : من طَرِيق سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس، وَفِي قصَّة ثَابت بن قيس، فَقَالَ فِي آخرهَا: قَالَ أنس: قُلْنَا: نرَاهُ يمشي بَين أظهرنَا وَنحن نعلم أَنه من أهل الْجنَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة كَانَ فِي بَعْضنَا بعض الانكشاف، فَأقبل وَقد تكفن وتحنط فقاتل حَتَّى قتل.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. وأزهر، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي: ابْن سعد الْبَاهِلِيّ السمان الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ. وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان أَبُو عون الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. ومُوسَى بن أنس بن مَالك قَاضِي الْبَصْرَة، وَأنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنبأَنَا مُوسَى بن أنس) ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة وَرِوَايَة عبد الله بن أَحْمد عَن ابْن عون عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس بدل مُوسَى بن أنس، وَأخرجه أَبُو نعيم عَن الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عون عَن مُوسَى بن أنس قَالَ: لما نزلت: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} (الحجرات: 2) . قعد ثَابت بن قيس فِي بَيته ... الحَدِيث، وَهَذَا صورته مُرْسل إلاَّ أَنه يُقَوي أَن الحَدِيث لِابْنِ عون عَن مُوسَى لَا عَن ثُمَامَة. قَوْله: (افْتقدَ ثَابت بن قيس) ، وَقيس بن شماس بن زُهَيْر بن مَالك بن امرىء الْقَيْس بن مَالك، وَهُوَ الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب ابْن الْخَزْرَج، وَكَانَ خطيب الْأَنْصَار وخطيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكرنَا أَنه قتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا. قَوْله: (فَقَالَ رجل) ، قيل: هُوَ سعد بن معَاذ، لما روى مُسلم من وَجه آخر من طَرِيق حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس، فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعد بن معَاذ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو مَا شَأْن ثَابت؟ اشْتَكَى؟ فَقَالَ سعد: إِنَّه لجاري وَمَا علمت لَهُ شكوى، فَإِن قلت: الْآيَة الْمَذْكُورَة نزلت فِي سنة الْوُفُود بِسَبَب الْأَقْرَع بن حَابِس وَغَيره، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة تسع، وَسعد بن معَاذ مَاتَ قبل ذَلِك فِي بني قُرَيْظَة، وَذَلِكَ فِي سنة خمس؟ قلت: أُجِيب عَن ذَلِك بِأَن الَّذِي نزل فِي قصَّة ثَابت مُجَرّد رفع الصَّوْت، وَالَّذِي نزل فِي قصَّة الْأَقْرَع أول السُّورَة، وَهُوَ قَوْله: {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} (الحجرات: 1) . وَقيل: الرجل الْمَذْكُور هُوَ سعد بن عبَادَة لما روى ابْن الْمُنْذر فِي (تَفْسِيره) من طَرِيق سعيد بن بشر عَن قَتَادَة عَن أنس فِي هَذِه الْقِصَّة، فَقَالَ سعد بن عبَادَة: يَا رَسُول الله هُوَ جاري. . الحَدِيث، قيل: هُوَ أشبه بِالصَّوَابِ، لِأَن سعد بن عبَادَة من قَبيلَة ثَابت بن قيس، فَهُوَ أشبه أَن يكون جَاره من سعد بن معَاذ لِأَنَّهُ من قَبيلَة أُخْرَى. قَوْله: (أَنا أعلم لَك) ، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كلمة أَلاَ، للتّنْبِيه أَو تكون الْهمزَة فِي: أَلاَ للاستفهام وَفِي بَعْضهَا: أَنا أعلم. قلت: كَأَن النّسخ الَّتِي وَقعت عِنْدهم أَلا أعلم، مَوضِع: أَنا أعلم، فَلذَلِك قَالَ كلمة: أَلا، للتّنْبِيه، أَو تكون الْهمزَة فِي ألاَ للاستفهام، ثمَّ أَشَارَ إِلَى رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهِي: أَنا أعلم، بقولهْ: وَفِي بَعْضهَا أَنا أعلم قَوْله: (لَك) أَي: لِأَجلِك. قَوْله: (علمه) أَي: خَبره. قَوْله: (فَأَتَاهُ) أَي: فَأتى الرجل الْمَذْكُور ثَابت بن قيس فَوَجَدَهُ جَالِسا فِي بَيته. وَقَوله: (جَالِسا ومنكساً) حالان مُتَرَادِفَانِ أَو متداخلان، (وَرَأسه) مَنْصُوب بقوله: مُنَكسًا. قَوْله: (مَا شَأْنك) أَي: مَا حالك؟ قَوْله: (فَقَالَ: شَرّ) أَي: فَقَالَ ثَابت حَالي شَرّ. قَوْله: (كَانَ يرفع صَوته) هَذَا الْتِفَات وَمُقْتَضى الْحَال إِن يَقُول: كنت أرفع صوتي، وَلكنه الْتفت من الْحَاضِر إِلَى الْغَائِب، قَوْله: (فقد حَبط عمله) أَي: بَطل، وَكَانَ الْقيَاس فِيهِ أَيْضا أَن يَقُول؛ فقد حَبط عَمَلي، وَكَذَا قَوْله: (وَهُوَ من أهل النَّار) وَالْقِيَاس فِيهِ: وَأَنا من أهل النَّار. قَوْله: (فَأتى الرجل فَأخْبرهُ) أَي: فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَنه قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ ثَابت لما نزلت {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} (الحجرات: 2) . جلس فِي بَيته وَقَالَ: أَنا من أهل النَّار، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَقَالَ ثَابت: أنزلت هَذِه الْآيَة، وَلَقَد علمْتُم أَنِّي من أرفعكم صَوتا. قَوْله: (فَقَالَ مُوسَى بن أنس) ، وَهُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور عَن أَبِيه أنس. قَوْله: (فَرجع الْمرة الْآخِرَة) أَي: فَرجع الرجل الْمَذْكُور، ويروى: الْمرة الْأُخْرَى، قَوْله: (بِبِشَارَة) بِضَم الْبَاء وَكسرهَا وَالْكَسْر أشهر، وَهِي: الْخَبَر السار سميت بذلك لِأَنَّهَا تظهر طلاقة الْإِنْسَان وفرحه. قَوْله: (فَقَالَ: إذهب إِلَيْهِ) بَيَان الْبشَارَة أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الْمَذْكُور، إذهب إِلَى ثَابت بن قيس فَقل لَهُ ... إِلَى آخِره. فَإِن قلت: فِيهِ زِيَادَة الْعدَد على المبشرين بِالْجنَّةِ. قلت: التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يُنَافِي الزَّائِد، أَو المُرَاد بِالْعشرَةِ الَّذين بشروا بهَا دفْعَة وَاحِدَة، أَو بِلَفْظ الْبشَارَة، وَكَيف لَا وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْجنَّة قطعا؟ وَنَحْوهم.

4163 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ سَمِعْتُ البَرَاءَ ابنَ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قرَأ رَجُلٌ الكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّة فجَعَلَتْ تَنْفِرُ فسَلَّمَ فَإذَا ضَبابَةٌ أوْ سَحابَةٌ غَشِيَتْهُ فذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اقْرَأ فُلانُ فإنَّها السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ أوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إخْبَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نزُول السكينَة عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَعَن أبي مُوسَى عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأَبُو دَاوُد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (قَرَأَ رجل) هُوَ أسيد بن حضير. قَوْله: (الْكَهْف) ، أَي: سُورَة الْكَهْف. قَوْله: (تنفر) ، بِكَسْر الْفَاء: من النفرة. قَوْله: (فَسلم) ، أَي: دَعَا بالسلامة، كَمَا يُقَال: أللهم سلم، أَو فوض الْأَمر إِلَى الله وَرَضي بِحكمِهِ، أَو قَالَ: سَلام عَلَيْك. قَوْله: (ضَبَابَة) هِيَ سَحَابَة تغشى الأَرْض كالدخان، وَقَالَ ابْن فَارس الضبابة: كل شَيْء كالغبار، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قريب من السَّحَاب وَهُوَ الْغَمَام الَّذِي لَا يكون فِيهِ مطر. قَوْله: (أَو سَحَابَة) ، شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (غَشيته) أَي: أحاطت بِهِ. قَوْله: (فلَان) أَي: يَا فلَان، مَعْنَاهُ: كَانَ يَنْبَغِي أَن تستمر على الْقرَان وتغتنم مَا حصل لَك من نزُول الرَّحْمَة وتستكثر من الْقِرَاءَة. قَوْله: (فَإِنَّهَا) أَي: فَإِن الضبابة الْمَذْكُورَة هِيَ السكينَة. وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهَا، فَقيل: هِيَ ريح هفافة وَلها وَجه كوجه الْإِنْسَان، وَقيل: هِيَ الْمَلَائِكَة وَعَلَيْهِم السكينَة، وَالْمُخْتَار: أَنَّهَا شَيْء من مخلوقات الله تَعَالَى فِيهِ طمأنينة وَرَحْمَة وَمَعَهُ مَلَائِكَة يَسْتَمِعُون الْقُرْآن.

5163 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُف حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يَزِيدَ بنِ إبْرَاهِيمَ أبُو الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ حَدثنَا زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ حدَّثنا أَبُو إسحاقَ سَمِعْتُ البرَاءَ بنَ عازِبٍ يَقُولُ جاءَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إِلَى أبي فِي مَنْزِلِهِ فاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِ عازِبٍ ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ وخَرَجَ أبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ فَقَالَ لَهُ أبِي يَا أبَا بَكْر حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حينَ سرَيْتَ معَ رَسُولِ الله

(16/146)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَعَمْ أسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا ومِنَ الغَدِ حتَّى قامَ قائِمُ الظَّهِيرَةِ وخلاَ الطَّريقُ لَا يَمُرُّ فيهِ أحَدٌ فَرُفِعَتْ لَنا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَها ظِلٌّ لَمْ تأتِ علَيْهِ الشَّمْسُ فنَزَلْنَا عِنْدَهُ وسَوَّيْتُ للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكَاناً بِيَدِي يَنامُ علَيْهِ وبَسَطْتُ فيهِ فَرْوَةً وقُلْتُ نمْ يَا رسُولَ الله وأنَا أنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ فَنامَ وخَرَجْتُ أنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فإذَا أَنا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أرَدْنَا فقُلْتُ لِمَنْ أنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ لرَجُلٍ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ أوْ مَكَّةَ قُلْتُ أفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أفَتَحْلُبُ قَالَ نَعَمْ فأخَذَ شَاة فقُلْتُ انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ والشَّعَرِ والقَذَى قَالَ فرأيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ إحْدَى يَدَيْهِ علَى الأخْرَى يَنْفُضُ فحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ومَعِي إدَاوَةٌ حَمَلْتُها لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْتَوِي مِنْهَا يَشْرَبُ ويتَوَضَّأ فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكَرِهْتُ أنْ أوقِظَهُ فوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ فصَبَبْتُ مِنَ المَاءِ على اللَّبَنِ حتَّى برَدَ أسْفَلُهُ فقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله قَالَ فَشَرِبَ حتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قالَ ألَمْ يأنِ للْرَّحِيلِ قلْتُ بَلَى قَالَ فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مالَتِ الشَّمْسُ واتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ فقُلْتُ أُتِينَا يَا رسُولَ الله فَقَالَ لَا تَحْزَنْ إنَّ الله معَنا فدَعَا علَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارْتَطَمَتْ بِهِ فرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَي فِي جَلَدٍ مِنَ الأرْضِ شَكَّ زُهَيْرٌ فَقَالَ إنِّي أُرَاكما قَدْ دَعَوْتُما عَلَيَّ فادْعوَا لِي فَالله لَكُما أنْ أرُدَّ عَنْكُما الطَّلَبَ فدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَجَا فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أحَدَاً إلاَّ قَالَ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا فلاَ يَلْقَى أحَداً إلاَّ رَدَّهُ قَالَ ووفَى لَنَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ معْجزَة ظَاهِرَة لَا تخفى على متأمل.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، سكن بَغْدَاد وَهُوَ من أَفْرَاده وصغار شُيُوخه، وَشَيْخه الآخر مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ أكبر من هَذَا وأقدم سَمَاعا، وَقد أَكثر البُخَارِيّ عَنهُ. الثَّانِي: أَحْمد بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي، يعرف بالورتنيسي، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد النُّون الْمَكْسُورَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة. قلت: الورتنيس أحد أجداده وَهُوَ إِبْرَاهِيم أَبُو أَحْمد الْحَاكِم اسْم الورتنيس إِبْرَاهِيم. الثَّالِث: زُهَيْر بن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة الْجعْفِيّ. الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. الْخَامِس: الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِي رِوَايَة: أخبرنَا أَحْمد بن يزِيد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن أَحْمد بن يزِيد انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ دون الْخَمْسَة. وَفِيه: أَن زُهَيْر بن حَرْب هُوَ الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث تَاما عَن أبي إِسْحَاق وَأَبوهُ خديج وَإِسْرَائِيل وروى شُعْبَة مِنْهُ قصَّة اللَّبن خَاصَّة، وَقد رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق مطولا أَيْضا حفيدة يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق وَهُوَ فِي: بَاب الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة، لكنه لم يذكر مِنْهُ قصَّة سراقَة، وَزَاد فِيهِ قصَّة غَيرهَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (إِلَى أبي) هُوَ عَازِب بن الْحَارِث بن عدي الأوسي من قدماء الْأَنْصَار. قَوْله: (فَاشْترى مِنْهُ رحلاً) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ للناقة كالسرج للْفرس، وَقيل: الرحل أَصْغَر من القتب، وَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثَة عشر درهما. قَوْله: (فَقَالَ لعازب إبعث ابْنك يحملهُ) أَي: يحمل الرحل معي. قَوْله: (قَالَ: فَحملت مَعَه) أَي: قَالَ الْبَراء: فَحملت الرحل مَعَه، وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل الَّتِي تَأتي فِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن عازباً امْتنع من

(16/147)


إرْسَال ابْنه مَعَ أبي بكر حَتَّى يحدثه أَبُو بكر بِالْحَدِيثِ، وَهِي زِيَادَة ثِقَة مَقْبُولَة. قَوْله: (وَخرج أبي ينْتَقد ثمنه) أَي: يَسْتَوْفِيه. قَوْله: (حِين سريت) سرى وَأسرى لُغَتَانِ بِمَعْنى: السّير فِي اللَّيْل، قَالَ الله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} (الْإِسْرَاء: 1) . وَقَالَ: {وَاللَّيْل إِذا يسر} (الْفجْر: 4) . قَوْله: (أسرينا ليلتنا) يَعْنِي: سرينا لَيْلًا، وَذَلِكَ حِين خرجا من الْغَار وَكَانَا لبثا فِي الْغَار ثَلَاث لَيَال ثمَّ خرجا. قَوْله: (وَمن الْغَد) أَي: بعض الْغَد، والعطف فِيهِ كَمَا فِي قَوْله:
(علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا)

إِذْ الْإِسْرَاء إِنَّمَا يكون بِاللَّيْلِ. قَوْله: (حَتَّى قَامَ قَائِم الظهيرة) أَي: نصف النَّهَار، وَهُوَ اسْتِوَاء حَالَة الشَّمْس، وَسمي: قَائِما، لِأَن الظل لَا يظْهر حِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ قَائِم وَاقِف، وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: أسرينا ليلتنا ويومنا حَتَّى أظهرنَا، أَي: دَخَلنَا فِي وَقت الظهيرة. قَوْله: (وخلا الطَّرِيق) هَذَا يدل على أَنه كَانَ فِي زمن الْحر، وَقيل فِي قَوْله: على حِين غَفلَة من أَهلهَا، أَي: نصف من النَّهَار. قَوْله: (فَرفعت لنا صَخْرَة) أَي: ظَهرت لأبصارنا، وَرفعت على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (وَبسطت فِيهِ فَرْوَة) وَهُوَ الْجلد الَّذِي يلبس، وَقيل: المُرَاد بهَا قِطْعَة حشيش مجتمعة، وَيُقَوِّي الْمَعْنى الأول مَا فِي رِوَايَة أبي يُوسُف بن أبي إِسْحَاق: ففرشت لَهُ فَرْوَة معي. قَوْله: (وَأَنا أنفض لَك مَا حولك) يَعْنِي: من الْغُبَار وَنَحْو ذَلِك حَتَّى لَا يثيره عَلَيْهِ الرّيح، وَقيل: معنى النفض هُنَا الحراسة، يُقَال: نفضت الْمَكَان إِذا نظرت جَمِيع مَا فِيهِ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله: فِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: ثمَّ انْطَلَقت أنظر مَا حولى هَل أرى من الطّلب أحدا، والنفضة: قوم يبعثون فِي الأَرْض ينظرُونَ هَل بهَا عَدو أَو خوف. قَوْله: (لرجل من أهل الْمَدِينَة أَو مَكَّة) هَذَا شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ أَحْمد بن يزِيد، فَإِن مُسلما أخرجه من طَرِيق الْحسن بن مُحَمَّد بن أعين عَن زُهَيْر فَقَالَ فِيهِ لرجل من أهل الْمَدِينَة، وَلم يشك، وَوَقع فِي رِوَايَة خديج: فَسمى رجلا من أهل مَكَّة وَلم يشك، فَإِن قلت: كَيفَ وَجه هَذَا؟ قلت: المُرَاد من الْمَدِينَة فِي رِوَايَة مُسلم: هِيَ مَكَّة، وَلم يرد بِهِ الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لم تكن تسمى الْمَدِينَة، وَإِنَّمَا كَانَ يُقَال لَهَا: يثرب، وَأَيْضًا فَلم تجرِ الْعَادة للرعاء أَن يبعدوا فِي المراعي هَذِه الْمسَافَة الْبَعِيدَة، وَوَقع فِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: فَقَالَ لرجل من قُرَيْش، سَمَّاهُ فعرفته، وَهَذَا يُؤَيّد هَذَا الْوَجْه لِأَن قُريْشًا لم يَكُونُوا يسكنون الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِذْ ذَاك. قَوْله: (أَفِي غنمك لبن؟) بِفَتْح اللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَحكى عِيَاض أَن فِي رِوَايَة: لبن، بِضَم اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: لِابْنِ، أَي: هَل فِي غنمك ذَوَات لبن. قَوْله: (أفتحلب؟ قَالَ: نعم) أَي: أحلب، وَأَرَادَ بِهَذَا الِاسْتِفْهَام: أَمَعَك إِذن من صَاحب الْغنم فِي الْحَلب لمن يمر بهَا على سَبِيل الضِّيَافَة؟ فَبِهَذَا ينْدَفع إِشْكَال من يَقُول: كَيفَ استجاز أَبُو بكر أَخذ اللَّبن من الرَّاعِي بِغَيْر إِذن مَالك الْغنم؟ وَأجِيب: هُنَا بِجَوَاب آخر، وَهُوَ: أَن أَبَا بكر عرف مَالك الْغنم وَعرف رِضَاهُ بذلك لصداقته لَهُ أَو لإذنه الْعَام بذلك. وَقيل: كَانَ الْغنم لحربي لَا أَمَان لَهُ، وَقيل: كَانُوا مضطرين. قَوْله: (إنفض الضَّرع) أَي: ثدي الشَّاة. قَوْله: (والقذى) ، بِفَتْح الْقَاف وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة مَقْصُورا، وَهُوَ الَّذِي يَقع فِي الْعين، يُقَال: قذت عينه إِذا وَقع فِيهَا القذى، كَأَنَّهُ شبه مَا يصير فِي الضَّرع من الأوساخ بالقذى فِي الْعين. قَوْله: (فِي قَعْب) ، هُوَ الْقدح من الْخشب. قَوْله: (كثبة) ، بِضَم الْكَاف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: أَي: قِطْعَة من لبن قدر ملْء الْقدح، وَقيل: قدر حلبة خَفِيفَة، وَقَالَ الْهَرَوِيّ والقزاز: كل مَا جمعته من طَعَام أَو لبن أَو غَيرهمَا فَهِيَ كثبة. قَالَ الْهَرَوِيّ: بعد أَن يكون قَلِيلا. قَوْله: (إداوة) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَهِي تعْمل من جلد يستصحبه الْمُسَافِر. قَوْله: (يرتوي مِنْهَا) أَي: يَسْتَقِي. قَوْله: (يشرب) ، حَال قَوْله: (فوافقته حَتَّى اسْتَيْقَظَ) ، أَي: وَافق إتياني وَقت استيقاظه، ويروى: حَتَّى تأنيت بِهِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ. قَوْله: (حَتَّى برد) ، بِفَتْح الرَّاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِي بضَمهَا. قَوْله: (حَتَّى رضيت) أَي: طابت نَفسِي لِكَثْرَة مَا شرب. قَوْله: (ألم يأنِ للرحيل؟) ، أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ألم يأنِ وَقت الارتحال؟ قَوْله: (وَاتَّبَعنَا سراقَة ابْن مَالك بن جعْشم) ، وَاتَّبَعنَا، بِفَتْح الْعين فَاعل ومفعول، و: سراقَة، بِالرَّفْع فَاعله، وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: فارتحلنا وَالْقَوْم يطلبوننا فَلم يدركنا غير سراقَة. قَوْله: (أَتَيْنَا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: (فارتطمت بِهِ) أَي: بسراقة فرسه، وَمعنى: ارتطمت: غاصت قَوَائِمهَا فِي تِلْكَ الأَرْض الصلبة، وارتطم فِي الوحل أَي: دخل فِيهِ وَاحْتبسَ، ورطمت الشَّيْء إِذا أدخلته فارتطم. قَوْله: (أرى) بِضَم الْهمزَة أَي: أَظن، وَهُوَ لفظ زُهَيْر الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَة مُسلم الشَّك من زُهَيْر يَعْنِي: هَل قَالَ هَذِه اللَّفْظَة أم لَا؟ قَوْله: (فِي جلد) بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام، وَهُوَ الصلب من الأَرْض المستوي. قَوْله: (فَقَالَ: إِنِّي أراكما) ، أَي: قَالَ سراقَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلأبي بكر: إِنِّي أراكما (قد دعوتما عَليّ، فَادعوا لي فَالله لَكمَا) . قَوْله: (فَالله) بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَقَوله: (لَكمَا) خَبره أَي: نَاصِر لَكمَا. قَوْله: (أَن أرد عنكما) أَي: أَدْعُو لِأَن أرد فَهُوَ عِلّة للدُّعَاء، ويروى بِنصب لَفظه: الله، أَي:

(16/148)


فَأشْهد الله لأجلكما أَن أرد عنكما الطّلب، وَقيل: بِالْجَرِّ أَيْضا بِنَزْع الْخَافِض، وَالتَّقْدِير: إقسم بِاللَّه لَكمَا بِأَن أرد الطّلب، وَهُوَ جمع طَالب، وَفِي (شرح السّنة) : أقسم بِاللَّه لَكمَا على الرَّد. قَوْله: (فنجا) ، أَي: من الارتطام. قَوْله: (أَلا قَالَ: كفيتكم) ، ويروى: كفيتم. قَوْله: (مَا هُنَا) ، يَعْنِي: مَا هُنَا الَّذِي تطلبونه. قَوْله: (فَلَا يلقى أحدا إِلَّا رده) ، بَيَان قَوْله: مَا هُنَا. قَوْله: (ووفى لنا) ، أَي: وَفِي سراقَة بِمَا وعده من رد الطّلب.
وَفِي هَذَا الحَدِيث معْجزَة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وفضيلة لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: خدمَة التَّابِع للمتبوع واستصحاب الركوة فِي السّفر، وَفضل التَّوَكُّل على الله تَعَالَى، وَأَن الرجل الْجَلِيل إِذا نَام يدافع عَنهُ. وَقَالَ الْخطابِيّ: اسْتدلَّ بِهِ بعض شُيُوخ السوء من الْمُحدثين على الْأَخْذ فِي الحَدِيث، لِأَن عازباً لم يحمل الرحل حَتَّى يحدثه أَبُو بكر بالقصة، وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال صَحِيحا، لِأَن هَؤُلَاءِ اتَّخذُوا الحَدِيث بضَاعَة يبيعونها وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهَا أجرا وَأما مَا التمسه أَبُو بكر من تحميل الرحل فَهُوَ من بَاب الْمَعْرُوف وَالْعَادَة المقررة أَن تلامذة التُّجَّار يحملون الأثقال إِلَى بَيت المُشْتَرِي، وَلَو لم يكن ذَلِك لَكَانَ لَا يمنعهُ إِفَادَة الْقِصَّة، قَالَ تَعَالَى: {اتبعُوا من لَا يسألكم أجرا وهم مهتدون} (ي س: 12) .

6163 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ مُخْتَارٍ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخَلَ علَى أعْرَابِيٍّ يعُودُهُ قَالَ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَخَلَ علَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ لَا بَأسَ طَهُورٌ إنْ شاءَ الله فَقَالَ لَهُ لَا بَأسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ الله قَالَ قُلْتَ طَهُورٌ كَلاَّ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أوْ تَثُورُ علَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ القُبُور فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنعَمْ إذَاً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَنعم إِذا) من حَيْثُ إِن الْأَعرَابِي لما رد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (لَا بَأْس طهُور، إِن شَاءَ الله) مَاتَ على وفْق مَا قَالَه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا من معجزاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: وَوجه دُخُوله فِي هَذَا الْبَاب أَن فِي بعض طرقه زِيَادَة تَقْتَضِي إِيرَاده فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَغَيره من رِوَايَة شُرَحْبِيل، وَالِد عبد الرَّحْمَن، فَذكر نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي آخر: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِذا أَبيت فَهِيَ كَمَا تَقول، وَقَضَاء الله كَائِن، فَمَا أَمْسَى من الْغَد إلاَّ مَيتا. انْتهى. قلت: الَّذِي ذكرنَا أوجه لِأَن الَّذِي ذكره هُوَ حَاصِل قَوْله: (فَنعم إِذا) وتوجيه الْمُطَابقَة من نفس الحَدِيث أوجه من توجيهها من حَدِيث آخر، هَل البُخَارِيّ وقف عَلَيْهِ أم لَا؟ وَهل هُوَ على شَرطه أم لَا؟ وَعبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: الْأنْصَارِيّ الدّباغ، مر فِي الصَّلَاة، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن إِسْحَاق عَن خَالِد، وَفِي التَّوْحِيد عَن مُحَمَّد بن عبد الله. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن سوار بن عبد الله.
قَوْله: (على أَعْرَابِي) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (ربيع الْأَبْرَار) : اسْم هَذَا الْأَعرَابِي، قيس، فَقَالَ فِي: بَاب الْأَمْرَاض والعلل: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قيس بن أبي حَازِم يعودهُ، فَذكر الْقِصَّة، وَقَالَ بَعضهم: لم أر تَسْمِيَته لغيره فَهَذَا إِن كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ غير قيس بن أبي حَازِم أحد المخضرمين، لِأَن صَاحب الْقِصَّة مَاتَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيس لم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته قلت عدم رُؤْيَته ذَلِك لَا يُنَافِي رُؤْيَة غَيره مَعَ أَن بَعضهم رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب. قَوْله: (يعودهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) جملَة حَالية. قَوْله: (إِن شَاءَ الله) بِمَعْنى الدُّعَاء. قَوْله: (قَالَ: قلت) أَي: قَالَ الْأَعرَابِي مُخَاطبا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: طهُور. قَوْله: (كلا) أَي: لَيْسَ بِطهُور. فَأبى وَسخط فَلَا جرم، أَمَاتَهُ الله. قَوْله: (أَو تثور) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (تزيره) ، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من أزاره إِذا حمله على الزِّيَارَة. قَوْله: (فَنعم إِذا) أَي: نعم بإزارة الْقُبُور حِينَئِذٍ، وَيجوز أَن يكون الشَّارِع قد علم أَنه سيموت من مَرضه. فَقَوله: (طهُور إِن شَاءَ الله) دُعَاء لَهُ بتكفير ذنُوبه، وَيجوز أَن يكون أخبر بذلك قبل مَوته بعد قَوْله.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِي قَوْله: (لَا بَأْس طهُور) فِيهِ دلَالَة على أَن الطّهُور هُوَ المطهر خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله: الطّهُور هُوَ الطَّاهِر. قلت: لَيْت شعري من نقل هَذَا عَن أبي حنيفَة، وَكَيف يَقُول ذَلِك وَالطهُور صِيغَة مُبَالغَة فَإِذا كَانَ بِمَعْنى طَاهِر يفوت الْمَقْصُود.

(16/149)


121 - (حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا عبد الْعَزِيز عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رجل نَصْرَانِيّا فَأسلم وَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَكَانَ يكْتب للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَاد نَصْرَانِيّا فَكَانَ يَقُول مَا يدْرِي مُحَمَّد إِلَّا مَا كتبت لَهُ فأماته الله فدفنوه فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه لما هرب مِنْهُم نبشوا عَن صاحبنا فألقوه فَحَفَرُوا لَهُ فأعمقوا فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه نبشوا عَن صاحبنا لما هرب مِنْهُم فألقوه خَارج الْقَبْر فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا لَهُ فِي الأَرْض مَا اسْتَطَاعُوا فَأصْبح قد لفظته الأَرْض فَعَلمُوا أَنه لَيْسَ من النَّاس فألقوه) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ ظَهرت معْجزَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي لفظ الأَرْض إِيَّاه مَرَّات لِأَنَّهُ لما ارْتَدَّ عاقبه الله تَعَالَى بذلك لتقوم الْحجَّة على من يرَاهُ وَيدل على صدق الشَّارِع وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة الْبَصْرِيّ وَهَؤُلَاء كلهم بصريون والْحَدِيث من إِفْرَاده قَوْله " نَصْرَانِيّا " مَنْصُوب على أَنه خبر كَانَ ويروى نَصْرَانِيّ بالرافع على أَن كَانَ تَامَّة وَلم يدر اسْمه لَكِن فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ثَابت عَن أنس كَانَ منا رجل من بني النجار قَوْله " فَعَاد نَصْرَانِيّا " فِي رِوَايَة ثَابت فَانْطَلق هَارِبا حَتَّى لحق بِأَهْل الْكتاب فَرَفَعُوهُ قَوْله " فَكَانَ يَقُول " أَي فَكَانَ هَذَا النَّصْرَانِي يَقُول مَا يدْرِي مُحَمَّد إِلَّا مَا كتبت لَهُ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ كَانَ يَقُول مَا أرى يحسن مُحَمَّد إِلَّا مَا كنت أكتب لَهُ وروى ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه قَوْله " فأماته الله " وَفِي رِوَايَة ثَابت " فَمَا لبث أَن قَصم الله عُنُقه فيهم " قَوْله " وَقد لفظته الأَرْض " أَي رمته من الْقَبْر إِلَى الْخَارِج ولفظته بِكَسْر الْفَاء وَبِفَتْحِهَا وَقَالَ الْقَزاز فِي جَامعه كل مَا طرحته من يدك فقد لفظته وَلَا يُقَال بِكَسْر الْفَاء وَإِنَّمَا يُقَال بِالْفَتْح -
8163 - حدَّثني يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ وَأَخْبرنِي ابنُ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذا هلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ والَّذِي نفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن حَرْمَلَة بن يحيى، والْحَدِيث قد مر فِي الْخمس من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أحلّت لكم الْغَنَائِم) ، وَقد مر فِي أَوَائِل الْكتاب الْكَلَام فِي كسْرَى وَقَيْصَر، وَالْمعْنَى: لَا يبْقى كسْرَى بالعراق وَقَيْصَر بِالشَّام، وَلما فتحت عراق وَالشَّام فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، انفقت كنوزهما فِي سَبِيل الله مثل مَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

9163 - حدَّثنا قَبيصَةُ حدَّثنا سُفيانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ جابِرِ بنِ سَمُرَةَ رفَعَهُ قَالَ إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وذَكَرَ وَقَالَ لَتُنْفِقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ الله. (انْظُر الحَدِيث 1213 وطرفه) .

قبيصَة هُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن عبد الْملك عَن جَابر بن سَمُرَة.
قَوْله: (رَفعه) ، ويروي: (يرفعهُ) ، أَي: يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (إِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده) هَذَا الْمِقْدَار هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بعده: (وَإِذا هلك

(16/150)


قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده) قَوْله: (وَذكر) أَي: وَذكر بعد قَوْله: (إِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده) ، وَقَالَ: (لتنفقن كنوزهما فِي سَبِيل الله) 7 أَي: فِي أَبْوَاب الْبر والطاعات.

0263 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي حُسَيْنٍ حدَّثنا نَافعُ بنُ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ علَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ يَقُولُ إنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فأقْبَلَ إلَيْهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ حتَّى وقَفَ علَى مُسَيْلَمَةَ فِي أصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سألْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أعْطَيْتُكَها ولَنْ تَعْدُو أمْرَ الله فِيكَ ولَئِنْ أدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ الله وإنِّي لأرَاكَ الَّذي أُرِيتُ فيكَ مَا رَأيْتُ. فأخْبَرَنِي أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا أنَا نائِمٌ رأيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فأهَمَّنِي شأنُهُمَا فأُوحِيَ إلَيَّ فِي المَنَامِ أنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فأوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يخْرُجَانِ بَعْدِي فَكانَ أحَدُهُمَا العنْسِيَّ والآخَرُ مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابَ صاحِبَ اليَمَامَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابين) إِلَى آخِره، لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْر قد وَقع بعضه فِي أَيَّامه وَبَعضه بعده، فَإِن الْعَنسِي قتل فِي أَيَّامه ومسيلمة قتل بعده فِي وقْعَة الْيَمَامَة، قَتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: قَالَ: يخرجَانِ بعدِي، ومسيلمة خرج بعده، وَأما الْعَنسِي فَإِنَّهُ خرج فِي أَيَّامه؟ قلت: معنى قَوْله بعدِي: يَعْنِي بعد ثُبُوت نبوتي، أَو بعد دعواي النُّبُوَّة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَعبد الله بن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي، مر فِي البيع، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم مر فِي الْوضُوء.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْيَمَان أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن سهل عَن أبي الْيَمَان بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي عَن أبي الْيَمَان بِقصَّة الرُّؤْيَا دون قصَّة مُسَيْلمَة، وَقَالَ: غَرِيب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن أبي الْيَمَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قدم مُسَيْلمَة الْكذَّاب على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: على زَمَنه، وَكَانَ قدومه فِي سنة تسع من الْهِجْرَة، وَهِي سنة الوفودات، قَالَ ابْن اسحاق: قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفد بني حنيفَة فيهم مُسَيْلمَة بن حبيب، وَقَالَ ابْن هِشَام: هُوَ مُسَيْلمَة بن ثُمَامَة ويكنى أَبَا ثُمَامَة، وَقَالَ السُّهيْلي: هُوَ مُسَيْلمَة بن ثُمَامَة بن كَبِير ابْن حبيب بن الْحَارِث بن عبد الْحَارِث بن همان بن ذهل بن الدول بن حنيفَة، ويكنى: أَبَا ثُمَامَة، وَقيل: أَبَا هَارُون، وَكَانَ قد تسمى بالرحمان، وَكَانَ يُقَال لَهُ: رحمان الْيَمَامَة، وَكَانَ يعرف أبواباً من النيرنجات فَكَانَ يدْخل الْبَيْضَة فِي القارورة، وَهُوَ أول من فعل ذَلِك، وَكَانَ يقص جنَاح الطير ثمَّ يصله وَيَدعِي أَن ظَبْيَة تَأتيه من الْجَبَل فيحلب لَبنهَا. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ وَفد بني حنيفَة بضعَة عشر رجلا عَلَيْهِم سلمى بن حَنْظَلَة وَفِيهِمْ طلق بن عَليّ وَعلي بن سِنَان ومسيلمة بن حبيب الْكذَّاب، فأنزلوا فِي دَار رَملَة بنت الْحَارِث وأجريت عَلَيْهِم الضِّيَافَة، فَكَانُوا يُؤْتونَ بغداء وعشاء مرّة خبْزًا وَلَحْمًا وَمرَّة خبْزًا ولبناً وَمرَّة خبْزًا وَسمنًا وَمرَّة تَمرا ينثر لَهُم، فَلَمَّا قدمُوا الْمَسْجِد وَأَسْلمُوا وَقد خلفوا مُسَيْلمَة فِي رحالهم، وَلما أردوا الِانْصِرَاف أَعْطَاهُم جوائزهم خمس أَوَاقٍ من فضَّة، وَأمر لمُسَيْلمَة بِمثل مَا أَعْطَاهُم لما ذكرُوا أَنه فِي رحالهم، فَقَالَ: إِمَّا أَنه لَيْسَ بشركم مَكَانا، فَلَمَّا رجعُوا إِلَيْهِ أَخْبرُوهُ بِمَا قَالَ عَنهُ، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ عرف أَن الْأَمر لي من بعده، وبهذه الْكَلِمَة تشبث قبحه الله حَتَّى ادّعى النُّبُوَّة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ انصرفوا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما انْتَهوا إِلَى الْيَمَامَة ارْتَدَّ عَدو الله، وتنبأ وَتكذب لَهُم، وَقَالَ: إِنِّي اشتركت مَعَه

(16/151)


فِي الْأَمر، ثمَّ جعل يسجع لَهُم السجعات مضاهياً لِلْقُرْآنِ، فأصعقت على ذَلِك بَنو حنيفَة، وَقتل فِي أَيَّام أبي بكر الصّديق فِي وقْعَة الْيَمَامَة، قَتله وَحشِي، قَاتل حَمْزَة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ عمره حِين قتل مائَة وَخمسين سنة. قَوْله: (فَأقبل إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) تَالِفا لَهُ ولقومه رَجَاء إسْلَامهمْ وليبلغ مَا أنزل إِلَيْهِ، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يحْتَمل أَن سَبَب مَجِيئه أَن مُسَيْلمَة قَصده من بَلَده للقائه فَجَاءَهُ مُكَافَأَة، قَالَ: وَكَانَ مُسَيْلمَة حِينَئِذٍ يظْهر الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا ظهر كفره بعد ذَلِك قَوْله: (وَمَعَهُ ثَابت بن قيس بن شماس) خطيب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُجَاوب الْوُفُود عَن خطبهم. قَوْله: (وَفِي يَد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (لن تعدوَ أَمر الله فِيك) أَي: خيبتك فِيمَا أملته من النُّبُوَّة وهلاكك دون ملكك، أَو فِيمَا سبق من قَضَاء الله تَعَالَى وَقدره فِي شقاوتك، ويروى: لن تعد، بِحَذْف الْوَاو للجزم، والجزم: بلن، لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي. قَوْله: (وَلَئِن أَدْبَرت) أَي: عَن طَاعَتي (ليَعْقِرنك الله) أَي: ليقتلنك ويهلكك، وَأَصله من عقر الْإِبِل ضرب قَوَائِمهَا بِالسَّيْفِ وجرحها، وَكَانَ كَذَلِك قَتله الله عز وَجل يَوْم الْيَمَامَة. قَوْله: (وَإِنِّي لأرَاك) بِضَم الْهمزَة أَي: لأظنك الشَّخْص الَّذِي رَأَيْت فِي الْمَنَام فِي حَقك مَا رَأَيْته.
قَوْله: (فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: أَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، وَفِي مُسلم: وَإِنِّي لأرَاك الَّذِي أريت قبل مَا أريت، وَهَذَا ثَابت يجيبك عني ثمَّ انْصَرف عَنهُ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَسَأَلت عَن قَول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي لأرَاك الَّذِي أريت، فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت فِي يَدي سِوَارَيْنِ ... الحَدِيث، وَهَذَا يعد من مُسْند أبي هُرَيْرَة دون ابْن عَبَّاس، فَلذَلِك ذكره الْحَافِظ الْمزي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (سِوَارَيْنِ من ذهب) بِضَم السِّين وَكسرهَا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أهل اللُّغَة: أسوار أَيْضا بِضَم الْهمزَة وَفِيه ثَلَاث لُغَات. وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْله: من ذهب للتَّأْكِيد، لِأَن السوار لَا يكون إلاَّ من ذهب، فَإِن كَانَ من فضَّة فَهُوَ: قلب، قَوْله: (فَأَهَمَّنِي شَأْنهمَا) أَي: أحزنني أَمرهمَا. قَوْله: (أَن أَنْفُخَهُمَا) أَي: أنفخ السوارين، وَهُوَ أَمر من النفخ، فَلَمَّا أَمر بالنفخ نفخهما، وَتَأْويل نفخهما أَنَّهُمَا قتلا بريحه، أَي: أَن الْأسود ومسيلمة قتلا بريحه، وَالذَّهَب زخرف يدل على زخرفهما، ودلا بلفظهما على ملكَيْنِ لِأَن الأساورة هم الْمُلُوك، وَفِي النفخ دَلِيل على اضمحلال أَمرهمَا، وَكَانَ كَذَلِك. قَوْله: (فَأَوَّلْتهمَا) أَي: السوارين. قَوْله: (يخرجَانِ بعدِي) قَالَ النَّوَوِيّ: أَي: يظهران شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النُّبُوَّة، وإلاَّ فقد كَانَا فِي زَمَنه. انْتهى. وَقد ذكرنَا أَن المُرَاد بعد دعواي النُّبُوَّة، أَو بعد ثُبُوت نبوتي. قَوْله: (فَكَانَ أَحدهمَا) أَي: أحد السوارين فِي التَّأْوِيل: الْعَنسِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة، وَهُوَ نِسْبَة الْأسود الصَّنْعَانِيّ الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة، وَقيل: اسْمه عبلة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن كَعْب، وَكَانَ يُقَال لَهُ: ذُو الْخمار، لِأَنَّهُ زعم أَن الَّذِي يَأْتِيهِ ذُو الْخمار، قَتله فَيْرُوز الصَّحَابِيّ الديلِي بِصَنْعَاء، دخل عَلَيْهِ فحطم عُنُقه، وَهَذَا كَانَ فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ على الْأَصَح وَالْمَشْهُور، وَبشر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة بذلك، ثمَّ بعده حمل رَأسه إِلَيْهِ، وَقيل: كَانَ ذَلِك فِي زمن الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والعنسي نِسْبَة إِلَى عنس، قَالَ الرشاطي: اسْمه زيد بن مَالك بن أدد، وَمَالك هُوَ جماع مذْحج، قَالَ ابْن دُرَيْد: العنس النَّاقة الصلبة. قَوْله: (وَالْآخر) أَي: السوار الْأُخَر فِي التَّأْوِيل مُسَيْلمَة الْكذَّاب. قَوْله: (الْيَمَامَة) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الميمين: وَهِي مَدِينَة بِالْيمن على أَربع مراحل من مَكَّة، شرفها الله، ومرحلتين من الطَّائِف، قيل: سميت بذلك باسم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، يُقَال: هُوَ أبْصر من زرقاء الْيَمَامَة، فسميت الْيَمَامَة لِكَثْرَة مَا أضيف إِلَيْهَا، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: يمامي.

2263 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى أُرَاهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أنَّهَا اليَمَامَةُ أوْ هَجَرُ فإذَا هَيَ المَدِينَةُ يَثرِبُ ورَأيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفاً فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ بأُخْرَى فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ

(16/152)


الْمُؤْمِنينَ ورَأيْتُ فِيها بَقَرا وَالله خَيْرٌ فإذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ وثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا الله بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن رُؤْيَاهُ الصدْق ووقوعها مثل مَا عبرها بِهِ، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ دَال مُهْملَة: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، يروي عَن جده أبي بردة واسْمه الْحَارِث، وَقيل: عَامر، وَقيل: اسْمه كنيته ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع من الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن أبي كريب وَعبد الله بن براد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، أربعتهم عَن أبي أُسَامَة عَنهُ بِهِ.
قَوْله: (أرَاهُ) بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ. قَوْله: (وهلي) بِفَتْح الْهَاء يَعْنِي: وهمي واعتقادي، وَيجوز فِيهِ إسكان الْهَاء مثل نهر ونهر، يُقَال: وهلت إِلَى الشَّيْء إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ، يُقَال: وَهل يهل وهلاً. وَعَن أبي زيد: وهلت فِي الشَّيْء. وَعنهُ أهل وهلاً: إِذا نسيت وغلطت فِيهِ، وَضَبطه بِكَسْر الْهَاء. قَوْله: (أَو الهجر) ، بِفَتْح الْجِيم، وَهِي مَدِينَة بِالْيمن وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين، وَيُقَال بِدُونِ الْألف وَاللَّام، بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل. قَوْله: (فَإِذا هِيَ الْمَدِينَة) كلمة: إِذا، للمفاجأة وَهِي ترجع إِلَى أَرض بهَا نخل، و: هُوَ، مُبْتَدأ، و: الْمَدِينَة، بِالرَّفْع خَبره، قَوْله: (يثرب) بِالرَّفْع أَيْضا عطف بَيَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء ثمَّ بَاء مُوَحدَة، وَالنَّهْي الَّذِي ورد عَن تَسْمِيَة الْمَدِينَة بِيَثْرِب إِنَّمَا كَانَ للتنزيه، وَإِنَّمَا جمع بَين الإسمين هُنَا لأجل خطاب من لَا يعرفهَا، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقد نهى عَن التَّسْمِيَة بِيَثْرِب حَتَّى قيل: من قَالَهَا وَهُوَ عَالم كتبت عَلَيْهِ خَطِيئَة، وَسَببه مَا فِيهِ من معنى التثريب، والشارع من شَأْنه تَغْيِير الْأَسْمَاء القبيحة إِلَى الْحَسَنَة، وَيجوز أَن يكون هَذَا قبل النَّهْي، كَمَا أَنه سَمَّاهَا فِي الْقُرْآن إِخْبَارًا بِهِ عَن تَسْمِيَة الْكفَّار لَهَا قبل أَن ينزل تَسْمِيَتهَا. قَوْله: (وثواب الْفَتْح) ، أَرَادَ بِالْفَتْح فتح مَكَّة، أَو هُوَ مجَاز عَن اجْتِمَاع الْمُؤمنِينَ وَإِصْلَاح حَالهم. قَوْله: (بقرًا) قَالَ النَّوَوِيّ: قد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات هَكَذَا: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا إِذا نحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة بِأحد. قَوْله: (وَالله خير) قَالَ القَاضِي: ضبطناه، وَالله خير، بِرَفْع الْهَاء وَالرَّاء على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، قيل مَعْنَاهُ ثَوَاب الله خير أَي: صنع الله بالمقتولين خير لَهُم من مقامهم فِي الدُّنْيَا، وَالْأولَى قَول من قَالَ: إِنَّه من جملَة الرُّؤْيَا، فَإِنَّهَا كلمة سَمعهَا فِي الرُّؤْيَا عِنْد رُؤْيَاهُ الْبَقر بِدَلِيل تَأْوِيله لَهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ) قَوْله: (وثواب الصدْق) إِلَى آخِره، يُرِيد بِهِ بعد أحد وَلَا يريدها كَانَ قبل أحد. قَوْله: (بعد يَوْم بدر) قَالَ القَاضِي، بِضَم دَال، بعد، وبنصب: يَوْم، قَالَ: وَرُوِيَ بِنصب الدَّال وَمَعْنَاهُ: مَا جَاءَ الله بِهِ بعد بدر الثَّانِيَة من تثبيت قُلُوب الْمُؤمنِينَ لِأَن النَّاس جمعُوا لَهُم وخوفوهم فَزَادَهُم ذَلِك إِيمَانًا: {قَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} (آا عمرَان: 371) . وتفرق البدو عَنْهُم هَيْبَة لَهُم.

3263 - حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكرِيَّاءُ عنْ فِرَاسٍ عنْ عامِرٍ عنْ مسْرُوق عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ أقْبَلَتْ فاطِمَةُ تَمْشِي كأنَّ مَشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرْحَباً بابْنَتِي ثُمَّ أجْلَسَهَا عنْ يَمِينِهِ أوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثاً فبَكَتْ فقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثاً فَضَحكت فقُلْتُ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ فرَحَاً أقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسألْتُهَا عَمَّا قَالَ فقالَتْ مَا كُنْتُ لأِفْشِي سِرَّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَألْتُهَا فقَالَتْ أسَرَّ إلَيَّ أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ فِي كلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وإنَّهُ عارَضَنِي العامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إلاَّ حَضَرَ أجَلِي وإنَّكَ أوَّلُ أهْلِ بَيْتِي لَحاقَاً بِي فَبَكَيْتُ فَقَالَ أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِساءِ أهْلِ الجَنِّةِ أوْ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ فضَحِكْتُ لِذَلِكَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه أخبر عَن حُضُور أَجله، وَمن حَيْثُ إِنَّه أخبر أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة. وَأَبُو نعيم

(16/153)


الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وفراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَبعد الْألف سين مُهْملَة: ابْن يحيى الْمكتب، مر فِي الزَّكَاة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَفِي بعض النّسخ لفظ الشّعبِيّ مَذْكُور، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كَامِل الجحدري وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة عَن مُحَمَّد بن معمر وَفِي المناقب عَن عَليّ بن حجر وَفِي أَوله زِيَادَة.
قَوْله: (كَأَن مشيتهَا) بِكَسْر الْمِيم، لِأَن الفعلة بِالْكَسْرِ للحالة وبالفتح للمرة. قَوْله: (مشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر: كَأَن، بِالتَّشْدِيدِ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَشى كَأَنَّهُ ينحدر من صبب أَي: من مَوضِع منحدر. قَوْله: (أَو شِمَاله) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (يعارضني الْقُرْآن) من الْمُعَارضَة: وَهِي الْمُقَابلَة، وَمِنْه: عارضت الْكتاب بِالْكتاب أَي: قابلت بِهِ. قَوْله: (مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ فَرحا أقرب من حزن) أَي: كَانَ الْفَرح قريب الْحزن. قَوْله: (لأفشي) من الإفشاء وَهُوَ الْإِظْهَار. قَوْله: (حَتَّى قبض) مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي: لم يقل حَتَّى قبض. قَوْله: (وَلَا أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي) بِضَم الْهمزَة أَي: وَلَا أَظُنهُ إلاَّ أَن موتِي قرب، وبكاؤها فِي هَذِه الرِّوَايَة كَانَ من أجل قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَاهُ إلاَّ حضر أَجلي، وضحكها كَانَ لأجل إخْبَاره لَهَا أَنَّهَا سيدة نسَاء أهل الْجنَّة، أَو سيدة نسَاء الْمُسلمين، وَأما بكاؤها فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي الْآن كَانَ لأجل قَوْله: إِنَّه يقبض فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، وضحكها كَانَ لأجل أَنه قَالَ: فَأَخْبرنِي أَنِّي أول أهل بَيته أتبعه، وَمَاتَتْ فَاطِمَة بعد أَبِيهَا بِسِتَّة أشهر، قَالَت عَائِشَة: وَذَلِكَ فِي رَمَضَان عَن خمس وَعشْرين سنة، وَقيل: مَاتَت بعده بِثَلَاثَة أشهر.
وَفِيه: أَن الْمَرْء لَا يحب الْبَقَاء بعد محبوبه، قَالَ ابْن عمر فِي عَاصِم:
(فلَيت المنايا كن خلفن عَاصِمًا فعشن جَمِيعًا أَو ذهبن بِنَا مَعًا)

وَفِيه: أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة، قَالَ الْكرْمَانِي: فَهِيَ أفضل من خَدِيجَة وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قلت: الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، وَلَكِن اللَّازِم من الحَدِيث ذَلِك إلاَّ أَن يُقَال: إِن الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، والمتبادر إِلَى الذِّهْن من لفظ الْمُؤمنِينَ غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفا، وَدخُول الْمُتَكَلّم فِي عُمُوم كَلَامه مُخْتَلف فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ.

5263 - حدَّثني يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ دَعا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فيهِ فَسارَّهَا بِشَيْءٍ فبَكَتْ ثُمَّ دَعاهَا فسارَّهَا فضَحِكَتْ قالَتْ فسَألْتُهَا عنْ ذَلِكَ. .

7263 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ كانَ عُمْرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُدْنِي ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ إنَّ لَنا أبْناً مِثْلَهُ فَقَالَ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ فسألَ عُمَرُ ابنَ عبَّاسٍ عنْ هاذِهِ الآيَةِ {إذَا جاءَ

(16/154)


نَصْرُ الله والفَتْحُ} (الْفَتْح: 1) . فَقَالَ أجَلُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْلَمَهُ إيَّاهُ قَالَ مَا أعْلَمُ مِنْهَا إلاَّ مَا تَعْلَمُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أعلمهُ إِيَّاه) أَي: أعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَبَّاس أَن هَذِه السُّورَة فِي أجَل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا إِخْبَار قبل وُقُوعه، وَوَقع الْأَمر كَذَلِك، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي النُّعْمَان وَفِي التَّفْسِير عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عرْعرة أَيْضا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَعَن عبد بن حميد، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَوْله: (يدني) أَي: يقرب وَفِيه الْتِفَات. قَوْله: (إِن لنا إبناً مثله) أَي: مثل ابْن عَبَّاس فِي الْعُمر، وغرضه: أننا شُيُوخ وَهُوَ شَاب فَلم تقدمه علينا وتقربه من نَفسك؟ قَالَ: أقربه وأقدمه من جِهَة علمه.
(وَالْعلم يرفع كل من لم يرفع)

قَوْله: (من حَيْثُ تعلم) أَي: من أجل أَنَّك تعلم أَنه عَالم، وَكَانَ ذَلِك ببركة دُعَائِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل. قَوْله: (أجَلُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: مَجِيء النَّصْر وَالْفَتْح وَدخُول النَّاس فِي الدّين عَلامَة وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر الله رَسُوله بذلك.

8263 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سُلَيْمانَ بنِ حَنْظَلَةَ بنُ الغَسِيلِ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسماءَ حَتَّى جَلَسَ علَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى علَيْهِ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ ويَقِلُّ الأنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ المِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئاً يَضُرُّ فِيهِ قَوْمَاً ويَنْفَعُ فيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويَتَجَاوَزْ عنْ مُسِيئِهِمْ فَكانَ ذَلِك آخِرَ مَجْلِس جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 729 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه أخبر بِكَثْرَة النَّاس وَقلة الْأَنْصَار بعده، وَأَن مِنْهُم من يتَوَلَّى أُمُور النَّاس وَأَنه وصّى إِلَيْهِم بِمَا ذكر فِيهِ. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن حَنْظَلَة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وباللام: ابْن أبي عَامر الراهب، قد مر فِي الْجُمُعَة قَوْله: (ابْن الغسيل) ويروى: حَنْظَلَة الغسيل بِدُونِ لفظ: الابْن، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَلَكِن بِشَرْط أَن يرفع الإبن على أَنه صفة لعبد الرَّحْمَن، فَافْهَم، وحَنْظَلَة من سَادَات الصَّحَابَة وَهُوَ مَعْرُوف بغسيل الْمَلَائِكَة، فسألوا امْرَأَته فَقَالَت: سمع الهيعة وَهُوَ جنب فَلم يتَأَخَّر للاغتسال، وَكَانَ يَوْم أحد فَقَالَت حَتَّى قتل، قَتله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب، وَقَالَ: حَنْظَلَة بحنظلة يَعْنِي بِابْنِهِ حَنْظَلَة الْمَقْتُول ببدر، فَلَمَّا قتل شَهِيدا أخبر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الْمَلَائِكَة غسلته، فَسُمي حَنْظَلَة الغسيل.
والْحَدِيث أخرجه فِي الْجُمُعَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبان عَن ابْن الغسيل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بعصابة دسماء) قَالَ الْخطابِيّ: أَي بعصابة سَوْدَاء. قَوْله: (بِمَنْزِلَة الْملح) ، وَجه التَّشْبِيه الْإِصْلَاح بِالْقَلِيلِ دون الْإِفْسَاد بالكثير، كَمَا فِي قَوْلهم: النَّحْو فِي الْكَلَام كالملح فِي الطَّعَام، أَو كَونه قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر أَجزَاء الطَّعَام. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك آخر مجْلِس) إِلَى آخِره، من كَلَام ابْن عَبَّاس، قَوْله: (جلس بِهِ) ويروى: جلس فِيهِ.

9263 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ حدَّثنا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ عنْ أبي مُوسَى عنِ الحَسَنِ عنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ يَوْمٍ الحَسَنَ فصَعِدَ بِهِ علَى المِنْبَرِ فَقَالَ ابْني هَذَا سَيِّدٌ ولَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِأَن الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يصلح بِهِ بَين الفئتين من الْمُسلمين، وَقد وَقع مثل مَا أخبر فَإِنَّهُ ترك الْخلَافَة لمعاوية وارتفع النزاع بَين الطَّائِفَتَيْنِ.
وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان

(16/155)


الْكُوفِي صَاحب الثَّوْريّ، وحسين بن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء: نِسْبَة إِلَى جعفى ابْن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، قَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، وَأَبُو مُوسَى إِسْرَائِيل بن مُوسَى الْبَصْرِيّ نزل الْهِنْد، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصُّلْح، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (ذَات يَوْم) مَعْنَاهُ: قِطْعَة من الزَّمَان ذَات يَوْم. قَوْله: (ابْني) دَلِيل على أَن ابْن الْبِنْت يُطلق عَلَيْهِ الإبن، وَلَا اعْتِبَار بقول الشَّاعِر:
(بنونا بَنو أَبْنَائِنَا، وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد)

قَوْله: (فئتين) أَي: طائفتين.

0363 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنُ أنَسِ بنِ مالِك رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى جَعْفَراً وزَيْدَاً قَبْلَ أنْ يَجِيءَ خبَرُهُمْ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بقتل جَعْفَر بن أبي طَالب وَزيد بن حَارِثَة، بمؤته قبل أَن يَجِيء خبرهما، وَهَذَا من عَلَامَات النُّبُوَّة، وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي غَزْوَة مُؤْتَة مفصلا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن هِلَال بن هُبَيْرَة أَبُو نصر الْبَصْرِيّ.
وَمضى الحَدِيث فِي الْجَنَائِز عَن أبي معمر عبد الله بن عَمْرو، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (خبرهم) ، ويروى: خبرهما، أَي: خبر جَعْفَر وَزيد، وَالضَّمِير فِي الرِّوَايَة الأولى يرجع إِلَيْهِمَا وَإِلَى من قتل مَعَهُمَا، أَو المُرَاد أهل مُؤْتَة وَمَا جرى بَينهم. قَوْله: (وَعَيناهُ) الْوَاو فِيهِ للْحَال، أَي: وعينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَذْرِفَانِ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة، يَعْنِي تسيلان دمعاً.

1363 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثنا ابنُ مَهْدِيُ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلْ لَكُمْ مِنْ أنْمَاطٍ قُلْتُ وأنَّى يَكُونُ لَنَا الأنْمَاطُ قَالَ أمَا إنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأنْمَاطُ فَأَنا أقُولُ لَهَا يَعْنِي امْرَأتَهُ أخِّرِي عَنِّي أنْمَاطَك فتَقُولُ ألَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهَا ستَكُونُ لَكُمُ الأنْمَاطُ فأدَعُهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِأَنَّهُ سَيكون لَهُم الأنماط، وَقد كَانَ ذَلِك، وَهِي جمع: نمط، بِفَتَحَات وَهُوَ: بِسَاط لَهُ خمل رَقِيق.
وَعَمْرو بن عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة: أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ من أَفْرَاده، يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، يروي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (هَل لكم من أنماط؟) إِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لجَابِر لما تزوج. قَوْله: (وأنَّى يكون؟) أَي: وَمن أَيْن يكون لنا الأنماط؟ قَوْله: (أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَهِي: من مُقَدمَات الْيَمين وطلائعه كَقَوْل الشَّاعِر:
(أما وَالَّذِي لَا يعلم الْغَيْب غَيره)

وَلما ذكر ابْن هِشَام: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف، وَذكر أَنْوَاعهَا قَالَ: واختها: أما من مُقَدمَات الْيَمين وطلائعه. قَوْله: (فَأَنا أَقُول لَهَا) ، أَي: قَالَ جَابر: أَنا أَقُول لَهَا يَعْنِي لامْرَأَته، قَوْله: (فَتَقول) أَي: امْرَأَته. قَوْله: (فأدعها) أَي: اتركها بِحَالِهَا مفروشة.

2363 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ عَمْرٍ وبنِ مَيْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرَاً قَالَ فنَزَلَ عَلى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ أبِي صَفْوَانَ وكانَ أُمَيَّةُ إذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأمِ فَمَرَّ بالمَدِينَةِ نَزَلَ عَلى سَعْدٍ فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتَ

(16/156)


فَطُفْتَ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إذَا أبُو جَهْلٍ فقالَ مَنْ هذَا الَّذِي يَطُوفُ بالكَعْبَةِ فَقَالَ سعْدٌ أنَا سَعْدٌ فقالَ أبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بالْكَعْبَةِ آمِنَاً وقَدْ أوَيْتُمْ مُحَمَّداً وأصْحَابَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَتَلاحَيَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أبِي الحَكَمُ فإنَّهُ سَيِّدُ أهْلِ الوَادِي ثُمَّ قالَ سَعْدً وَالله لَئِنْ مَنَعْتَني أنْ أطُوفَ بالبَيْتِ لأقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بالشَّأمِ قَالَ فجَعَلَ أُمَيَّةُ يقُولُ لِسَعْدَ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ وجَعَلَ يُمْسِكُهُ فغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ دَعْنَا عَنْكَ فإنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَزْعُمُ أنَّهُ قاتِلكَ قَالَ إيَّايَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَالله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إذَا حَدَّثَ فرَجَعَ إِلَى امْرَأتِهِ فَقَالَ أمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أخِي اليَثْرِبِيُّ قالَتْ وَمَا قالَ قَالَ زَعَمَ أنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَاً يَزْعُمُ أنَّهُ قَاتِلِي قالتْ فَوَالله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ قَالَ فلَمَّا خَرَجُوا إلَى بَدْرٍ وجاءَ الصَّرِيخُ قالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ أمَا ذَكَرْتَ مَا قالَ لَكَ أخُوكَ اليَثْرِبِيُّ قَالَ فأرَادَ أنْ لَا يَخْرُجْ فَقَالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ إنَّكَ مِنْ أشْرَافِ الوَادِي فَسِرْ يَوْمَاً أوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ يَوْمَيْنِ مَعَهُمْ فقَتَلَهُ الله. (الحَدِيث 2363 طرفه فِي: 0593) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بقتل أُميَّة بن خلف فَقتل فِي وقْعَة بدر، قَتله رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن، وَقَالَ ابْن هِشَام: قَتله معَاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشْتَركُوا فِيهِ، وَهُوَ أُميَّة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: أَحْمد بن إِسْحَاق بن الْحصين بن جَابر أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري، وسرمار قَرْيَة من قرى بُخَارى. الثَّانِي: عبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ. الثَّالِث: إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي. الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. الْخَامِس: عَمْرو بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة. السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي أول الْمَغَازِي فِي: بَاب ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يقتل ببدر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سعد بن معَاذ) بن النُّعْمَان بن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن النبيت، وَهُوَ عَمْرو بن مَالك الْأَوْس الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي، يكنى أَبَا عَمْرو، وَأسلم بِالْمَدِينَةِ بَين الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة على يَدي مُصعب بن عُمَيْر، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، فَرمي يَوْم الخَنْدَق بِسَهْم فَعَاشَ شهرا ثمَّ انتفض جرحه فَمَاتَ مِنْهُ. قَوْله: (مُعْتَمِرًا) نصب على الْحَال وَكَانُوا يعتمرون من الْمَدِينَة قبل أَن يعْتَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَنزل) أَي: سعد بن معَاذ حِين دخل مَكَّة لأجل الْعمرَة (على أُميَّة ابْن خلف) بن وهب يكنى بِأبي صَفْوَان من كبار الْمُشْركين. قَوْله: (وَكَانَ أُميَّة إِذا انْطلق إِلَى الشَّام) ، يَعْنِي: لأجل التِّجَارَة. (فَمر بِالْمَدِينَةِ) لِأَنَّهَا على طَرِيقه، فَنزل على سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ مؤاخياً مَعَه قَوْله: (وَقَالَ أُميَّة لسعد: إنتظر حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وغفل النَّاس) لِأَنَّهُ وَقت غَفلَة وقائله (انْطَلَقت فطفت) بِالتَّاءِ الْمَفْتُوحَة فيهمَا لِأَنَّهُ خطاب أُميَّة لسعد، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي: أول الْمَغَازِي: فَلَمَّا قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة انْطلق سعد مُعْتَمِرًا فَنزل على أُميَّة بِمَكَّة، فَقَالَ لأمية: أنظر لي سَاعَة خلْوَة لعَلي أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ، فَخرج بِهِ قَرِيبا من نصف النَّهَار. قَوْله: (فَبَيْنَمَا سعد يطوف إِذا أَبُو جهل) يَعْنِي: قد حضر، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي: فَإِذا بِهِ، أَي: فَخرج أَبُو أُميَّة بِسَعْد قَرِيبا من نصف النَّهَار فلقيهما أَبُو جهل، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان، يَعْنِي: يَقُول لأمية، من هَذَا مَعَك؟ قَالَ: فَقَالَ: هَذَا سعد، فَقَالَ أَبُو جهل، يَعْنِي لسعد: ألاَ أَرَاك تَطوف بِمَكَّة آمنا؟ يَعْنِي: حَال كونك آمنا؟ وَقد أويتم الصباة، وزعمتم أَنكُمْ تنصرونهم وتغيثونهم، أما وَالله لَو أَنَّك مَعَ أبي صَفْوَان مَا رجعت إِلَى أهلك سالما، قَوْله (الصباة) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: صابيء، مثل قَضَاهُ جمع قاضٍ، وَكَانُوا يسمون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه الَّذين هَاجرُوا

(16/157)


إِلَى الْمَدِينَة: صباة من صَبأ إِذا مَال عَن دينه. قَوْله: (فتلاحيا) أَي: تخاصما وتنازعا، وَقيل: تسابا يَعْنِي: سعد بن معَاذ وَأَبُو جهل. قَوْله: (على أبي الحكم) ، بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ عَدو الله أَبُو جهل، واسْمه: عَمْرو بن هِشَام المَخْزُومِي وكناه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِأبي جهل. قَوْله: (فَإِنَّهُ سيد أهل الْوَادي) أَي: فَإِن أَبَا جهل سيد أهل الْوَادي، أَرَادَ بِهِ: أهل مَكَّة. قَوْله: (ثمَّ قَالَ سعد) أَي: لأبي جهل: (وَالله لَئِن منعتني من أَن أَطُوف) أَي: من طواف الْبَيْت. (لأقطعن متجرك بِالشَّام) أَي: تجارتك، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي: أما وَالله لَئِن منعتني هَذَا لأمنعنك مَا هُوَ أَشد عَلَيْك مِنْهُ، طريقك على الْمَدِينَة. قَوْله: (قَالَ: دَعْنَا عَنْك) أَي: فَقَالَ سعد لأمية بن خلف، دَعْنَا عَنْك، أَي: أترك محاماتك لأبي جهل، فَإِنِّي سَمِعت مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قَاتلك، وَالْخطاب لأمية، وَفِي الْمَغَازِي: دَعْنَا عَنْك يَا أُميَّة، فوَاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (أَنه قَاتلك) ، وَفِي رِوَايَة: (إِنَّهُم قاتلوك) . قَالَ: بِمَكَّة؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَوْله: (قَالَ: إيَّايَ؟) أَي: قَالَ أُميَّة: إيَّايَ؟ قَالَ سعد: نعم إياك. قَوْله: (فَرجع إِلَى امْرَأَته) ، أَي: فَرجع أُميَّة إِلَى امْرَأَته، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي، فَفَزعَ لذَلِك أُميَّة فَزعًا شَدِيدا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهله قَالَ: يَا أم صَفْوَان: ألم تري مَا قَالَ لي سعد؟ وَهنا قَالَ لَهَا: أتعلمين مَا قَالَ لي أخي اليثربي؟ أَرَادَ بِهِ سَعْدا، فنسبه إِلَى يثرب مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: أخي، يَعْنِي: فِي المصاحبة دون النّسَب وَلَا الدّين. قَوْله: (قَالَ: فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد) ، أَي: قَالَ أُميَّة: مَا يكذب مُحَمَّد، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفا عِنْدهم بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَإِن كَانُوا لَا يصدقونه. قَوْله: (فَلَمَّا خَرجُوا) ، أَي: أهل مَكَّة إِلَى بدر، وَجَاء الصَّرِيخ. قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَهُوَ أَن الصَّرِيخ جَاءَهُم فَخَرجُوا إِلَى بدر، أخْبرهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه خَرجُوا إِلَى عير أبي سُفْيَان، فَخرجت قُرَيْش أشرين بطرين موقنين عِنْد أنفسهم أَنهم غالبون، فَكَانُوا ينحرون يَوْمًا عشرَة من الأبل، وَيَوْما تِسْعَة، والصريخ: فعيل من الصُّرَاخ، وَهُوَ صَوت المستصرخ أَي: المستغيث. قَوْله: (فَأَرَادَ أَن لَا يخرج) ، أَي: أَرَادَ أُميَّة أَن لَا يخرج من مَكَّة مَعَ قُرَيْش إِلَى بدر، وَفِي الْمَغَازِي: فَقَالَ أُميَّة: وَالله لَا أخرج من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر اسْتنْفرَ أَبُو جهل النَّاس فَقَالَ: أدركوا عِيركُمْ، فكره أُميَّة أَن يخرج، فَأَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان {إِنَّك مَتى يراك النَّاس قد تخلفت وَأَنت سيد أهل الْوَادي تخلفوا مَعَك فَلم يزل بِهِ أَبُو جهل حَتَّى قَالَ: أما إِذا غلبتني فوَاللَّه لأشترين أَجود بعير بِمَكَّة، ثمَّ قَالَ أُميَّة: يَا أم صَفْوَان} جهزيني. فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَان! أونسيت مَا قَالَ لَك أَخُوك اليثربي؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيد أَن أجوز مَعَهم إلاَّ قَرِيبا، فَلَمَّا خرج أُميَّة جعل لَا ينزل منزلا إِلَّا عقل بعيره، فَلم يزل بذلك حَتَّى قَتله الله، عز وَجل، ببدر، وَإِنَّمَا سقت مَا فِي الْمَغَازِي لِأَنَّهُ كالشرح لما هُنَا، وَقد ذكر الْكرْمَانِي هُنَا شَيْئا بِغَيْر نظر وَلَا تَأمل، حَتَّى نسب بذلك إِلَى التغفل عِنْد بعض الشُّرَّاح، وَهُوَ أَنه قَالَ: فَإِن قلت: أَيْن مَا أخبر بِهِ سعد من كَون أبي جهل قَاتله أَي قَاتل أُميَّة؟ قلت: أَبُو جهل كَانَ السَّبَب فِي خُرُوجه، فَكَأَنَّهُ قَتله، إِذْ الْقَتْل كَمَا يكون مُبَاشرَة قد يكون تسبباً. انْتهى. وَإِنَّمَا حمله على هَذَا الْأَمر العجيب لِأَنَّهُ فهم أَن قَول سعد لأمية: إِنَّه قَاتلك، أَي: إِن أَبَا جهل قَاتلك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أَرَادَ سعد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يقتل أُميَّة، فَلَمَّا فهم هَذَا الْفَهم اسْتشْكل ذَلِك بِكَوْن أبي جهل على دين أُميَّة، ثمَّ تعسف بِالْجَوَابِ كَذَلِك.

3363 - حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ شَيْبَةَ حدَّثنا عبْدُ الرحْمانِ بنُ الْمُغِيرَةِ عنْ أبِيهِ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سَالِمِ بنِ عبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعينَ فِي صَعيدٍ فقامَ أبُو بَكْرٍ فنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغفِرُ لَهُ ثُمَّ أخَذَهَا عُمَرُ فاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْباً فلَمْ أرَ عَبْقَرِياً فِي النَّاسِ يَفْري فَرْيَهُ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ وَقَالَ هَمَّامٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَعَ أبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر عَمَّا رَآهُ فِي الْمَنَام فِي أَمر خلَافَة الشَّيْخَيْنِ، وَقد وَقع مثل مَا قَالَ على مَا نذكرهُ، ورؤيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حق بِلَا خلاف.
وَعبد الرحمان بن شيبَة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن شيبَة أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم الْمدنِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خَالِد بن حزَام بن خويلد أَبُو الْقَاسِم الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، يروي عَن أَبِيه

(16/158)


الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، وَهُوَ يروي عَن مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ الإِمَام، وَهُوَ يروي عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أَحْمد بن يُونُس بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يُوسُف ابْن سعيد.
قَوْله: (فِي صَعِيد) ، هُوَ فِي اللُّغَة وَجه الأَرْض. قَوْله: (ذنوباً) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدَّلْو الممتليء مَاء، وَقَالَ ابْن فَارس: هُوَ الدَّلْو الْعَظِيم. قَوْله: (أَو ذنوبين) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (وَفِي بعض نَزعه) ، أَي: فِي استقائه. قَوْله: (ضعف) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَضمّهَا لُغَتَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ حط من فَضِيلَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن حَال ولَايَته، فَإِنَّهُ اشْتغل بِقِتَال أهل الرِّدَّة فَلم يتفرغ لفتح الْأَمْصَار وجباية الْأَمْوَال، ولقصر مدَّته فَإِنَّهَا سنتَانِ وَثَلَاثَة أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَكَذَلِكَ قَوْله: (وَالله يغْفر لَهُ) لَيْسَ فِيهِ تنقيص لَهُ وَلَا إِشَارَة إِلَى ذَنْب، وَإِنَّمَا هِيَ كلمة يدعمون بهَا كَلَامهم، ونعمت الدعامة. قَوْله: (ثمَّ أخدها) أَي: الذُّنُوب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي فَأخذ الْخلَافَة. قلت: لفظ الْخلَافَة غير مَذْكُور، وَإِنَّمَا الذُّنُوب الَّتِي استحالت غرباً كِنَايَة عَن خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فاستحالت بِيَدِهِ غرباً) ، أَي: تحولت من الصغر إِلَى الْكبر، والغرب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء: الدَّلْو الْعَظِيم يسقى بِهِ الْبَعِير، فَهِيَ أكبر من الذُّنُوب، وهيه الْحَال إِنَّمَا حصله لَهُ لطول أَيَّامه وَمَا فتح الله لَهُ من الْبِلَاد وَالْأَمْوَال والغنائم فِي عَهده، وَأَنه مصَّر الْأَمْصَار، ودوَّن الدَّوَاوِين، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الْمَنَام مِثَال لما جرى للخليفتين من ظُهُور آثارهما وانتفاع النَّاس بهما، وكل ذَلِك مَأْخُوذ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ هُوَ صَاحب الْأَمر، فَقَامَ بِهِ أكمل قيام وَقرر الْقَوَاعِد، ثمَّ خَلفه أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنتَيْن فقاتل أهل الرِّدَّة وَقطع دابرهم، ثمَّ خَلفه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاتسع الْإِسْلَام فِي زَمَنه، فقد شبه أَمر الْمُسلمين بقليب فِيهِ المَاء الَّذِي بِهِ حياتهم وصلاحهم، وسقيهما قيامهما بمصالحهم، وسقيه هُوَ قِيَامه بمصالحهم، قَوْله: (عبقرياً) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، والعبقري: هُوَ الحاذق فِي عمله، وَهَذَا عبقري قومه أَي سيدهم، وَقيل: أصل هَذَا من عبقر وَهِي أَرض يسكنهَا الْجِنّ، فَصَارَ مثلا لكل مَنْسُوب إِلَى شَيْء غَرِيب فِي جودة صَنعته وَكَمَال رفعته، وَقيل: عبقر قَرْيَة يعْمل فِيهَا الثِّيَاب الْحَسَنَة فينسب إِلَيْهَا كل شَيْء جيد. وَقَالَ الْخطابِيّ: العبقري كل شَيْء يبلغ النِّهَايَة فِي الْخَيْر وَالشَّر. قَوْله: (يفري فريه) ، يفري: بِكَسْر الرَّاء، و: فريه، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، ويروى: فريه، بِفَتْح الْفَاء وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: يعْمل عملا مصلحاً وَيقطع قِطْعَة مجيداً، يُقَال: فلَان، يفري فريه، إِذا كَانَ يَأْتِي بالعجب فِي عمله، وَقَالَ الْخَلِيل: يُقَال فِي الشجاع: مَا يفري أحد فريه، مُخَفّفَة الْيَاء وَمن شدد أَخطَأ، يُقَال: مَعْنَاهُ مَا كل أحد يفري على عمله. قَوْله: (حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن) ، والعطن مبرك الْإِبِل حول موردها لتشرب عللاً بعد نهل، وتستريح مِنْهُ. وَقَالَ القَاضِي: ظَاهر لفظ: (حَتَّى ضرب النَّاس) أَنه عَائِد إِلَى خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: يعود إِلَى خِلَافَتهمَا، لِأَن بتدبيرهما وقيامهما بمصالح الْمُسلمين تمّ هَذَا الْأَمر، لِأَن أَبَا بكر جمع شملهم وابتدأ الْفتُوح وتكامل فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (وَقَالَ همام) أَي: همام بن مُنَبّه (عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذنوبين) يَعْنِي: من غير شكّ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّعْبِير من هَذَا الْوَجْه من غَيره.

4363 - حدَّثني عَبَّاسُ بنُ الوَلِيدَ النَّرْسِيُّ حدَّثنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أبِي حدَّثنا أبُو عُثْمَانَ قَالَ أُنْبِئْتُ أنْ جِبْرِيلَ علَيْهِ السَّلامُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدَهُ أُمّ سَلَمَةَ فجَعلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاُِمِّ سلَمَةَ مَنْ هاذا أوْ كَما قَالَ قَالَ قَالَتْ هَذا دِحْيَةُ قالَتْ أُمُّ سلَمَةَ أيْمُ الله مَا حَسِبْتُهُ إلاَّ إيَّاهُ حتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخَبَرِ جِبْرِيلَ أوْ كَما قَالَ قَالَ فقُلْتُ لأبِي عُثمانَ مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذا قَالَ مِنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغيبات، فَكَانَ علما من أَعْلَام نبوته، وعباس، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْوَلِيد أَبُو الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ

(16/159)


وَمِائَتَيْنِ، والنرسي، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة، قَالَ الكلاباذي: نرس لقد أحد أجداد عَبَّاس الْمَذْكُور، وَكَانَ اسْمه: نصر، فَقَالَ لَهُ بعض النبط: نرس، بدل نصر فَبَقيَ لقباً عَلَيْهِ، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَكَانَ رَأْسا فِي الْعلم وَالْعِبَادَة كأبيه، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَأَبوهُ سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ من السَّادة تَابِعِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَأَبُو عُثْمَان اسْمه عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون، ولد فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَهَذَا الحَدِيث يَأْتِي فِي فَضَائِل الْقُرْآن. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (أنبئت) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: أخْبرت، وَهَذَا مُرْسل لكنه صَار مُسْندًا مُتَّصِلا حَيْثُ قَالَ فِي آخر الحَدِيث: سمعته من أُسَامَة بن زيد. قَوْله: (وَعِنْده أم سَلمَة) جملَة حَالية، وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة إِحْدَى زَوْجَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (فَجعل) أَي: جِبْرِيل يحدث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَامَ. قَوْله: (أَو كَمَا قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قَالَ: قَالَت) أَي: قَالَ أَبُو عُثْمَان: قَالَت أم سَلمَة: هَذَا دحْيَة، بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَفتحهَا: ابْن خَليفَة الْكَلْبِيّ الصَّحَابِيّ، وَكَانَ من أجمل النَّاس وَكَانَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْتِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صورته وَيظْهر لغيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صورته، وَرُبمَا لَا يرَاهُ إلاَّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِخَبَر جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، ويروي: يخبر جِبْرِيل، على لفظ الْمُضَارع من أخبر، ويروي أَيْضا: خبر جِبْرِيل، بِدُونِ يَاء الْجَرّ. قَوْله: (قَالَ: فَقلت لأبي عُثْمَان) أَي: قَالَ سُلَيْمَان بن طرخان وَالِد مُعْتَمر الْمَذْكُور لأبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور (وَمِمَّنْ سَمِعت هَذَا) أَي: هَذَا الحَدِيث، قَالَ: سمعته (من أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة) وَأمه أم أَيمن حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُسمى: حب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة، وَتُوفِّي فِي آخر أَيَّام مُعَاوِيَة سنة ثَمَان أَو تسع وَخمسين بِالْمَدِينَةِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بِسم الله الرحْمان الرَّحيم

62 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ وإنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ} (الْبَقَرَة: 641) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من ذكر قَول الله تعال: {يعرفونه} (الْبَقَرَة: 641) . الْآيَة وَأول الْآيَة {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه} (الْبَقَرَة: 641) . الْآيَة، أخبر الله تَعَالَى أَن عُلَمَاء أهل الْكتاب يعْرفُونَ صِحَة مَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعرف أحدهم وَلَده، وَالْعرب كَانَت تضرب الْمثل فِي صِحَة الشَّيْء بِهَذَا، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: ويروى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لعبد الله بن سَلام: أتعرف مُحَمَّدًا كَمَا تعرف ابْنك؟ قَالَ: نعم وَأكْثر، نزل الْأمين من السَّمَاء بنعته فعرفته، وإنني لَا أَدْرِي مَا كَانَ من أمه، وَقيل: يعْرفُونَ مُحَمَّدًا كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم من بَين أَبنَاء النَّاس، لَا يشك أحد وَلَا يتمارى فِي معرفَة ابْنه إِذا رَآهُ من بَين أَبنَاء النَّاس كلهم، ثمَّ أخبر الله تَعَالَى أَنهم مَعَ هَذَا التحقق والإيقان العلمي {ليكتمون الْحق} أَي: ليكتمون النَّاس مَا فِي كتبهمْ من صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. {وهم يعلمُونَ} أَي: وَالْحَال أَنهم يعلمُونَ الْحق. فَإِن قلت: مَا وَجه دُخُول هَذَا الْبَاب المترجم فِي أَبْوَاب عَلَامَات النُّبُوَّة الْمَذْكُورَة؟ قلت: من جِهَة أَنه أَشَارَ فِي الحَدِيث إِلَى حكم التَّوْرَاة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُمْ عَمَّا فِي التَّوْرَاة فِي حكم من زنى، وَالْحَال أَنه لم يقْرَأ التَّوْرَاة وَلَا وقف عَلَيْهَا قبل ذَلِك، فَظهر الْأَمر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضا من أعظم عَلَامَات النُّبُوَّة.

5363 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ اليَهُودَ جاؤُا إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذَكَرُوا لَهُ أنَّ رجُلاً مِنْهُم وامْرَأةً زَنَيا فَقَالَ لَهُم رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شأنِ الرَّجْمِ فَقَالَ نَفْضَحُهُمْ ويُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ كذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فأتَوْا بالتَّوْرَاةِ فنَشَرُوهَا فوَضَعَ أحَدُهُمْ يَدَهُ علَى آيَةِ الرَّجْمِ فقَرَأ مَا قَبْلَها وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله بنُ سَلامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فرَفَعَ يَدَهُ فإذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فقالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فيهَا آيةُ الرَّجْمِ فأمَرَ بِهِمَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ الله فرَأيْتُ الرَّجُلَ يَحْنَأُ عَلَى المَرْأةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ. .

(16/160)


وَجه الْمُطَابقَة قد ذَكرْنَاهُ الْآن. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي الطَّاهِر، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معمر عَنهُ بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن قُتَيْبَة عَنهُ بِتَمَامِهِ.
قَوْله: (فَذكرُوا لَهُ) أَي: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَن رجلا مِنْهُم) أَي: من الْيَهُود (وَامْرَأَة زَنَيَا) وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم فِي الزِّنَا يهوديين: رجل وَامْرَأَة زَنَيَا، فَأَتَت الْيَهُود إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهما ... الحَدِيث. قَوْله: (مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة؟) هَذَا السُّؤَال لَيْسَ لتقليدهم، وَلَا لمعْرِفَة الحكم مِنْهُم، وَإِنَّمَا هُوَ لإلزامهم بِمَا يعتقدونه فِي كِتَابهمْ، وَلَعَلَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أُوحِي إِلَيْهِ أَن الرَّجْم فِي التَّوْرَاة الْمَوْجُودَة فِي أَيْديهم لم يغيروه كَمَا غيروا أَشْيَاء، أَو أَنه أخبرهُ بذلك من أسلم مِنْهُم، وَلذَلِك لم يخف عَلَيْهِ حِين كتموه. قَوْله: (فِي شَأْن الرَّجْم) أَي: فِي أمره وَحكمه. قَوْله: (فَقَالُوا: نفضحهم) أَي: نكشف مساويهم، وَالِاسْم الفضيحة من: فَضَح فلَان فلَانا إِذا كشف مساويه، وَبَينهمَا للنَّاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (نسوّد وُجُوههمَا ونحملهما وَنُخَالِف بَين وُجُوههمَا وَيُطَاف بهما) . قَوْله: (ونحملهما) ، بِالْحَاء واللاّم فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي بَعْضهَا: (نجملهما) بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة، وَفِي بَعْضهَا: (نحممهما) ، بميمين وَكله مُتَقَارب، فَمَعْنَى: نحملهما يَعْنِي على الْجمل، وَمعنى الثَّانِي: نجعلهما جَمِيعًا على الْجمل، وَمعنى الثَّالِث: نسود وُجُوههمَا بالحمم، بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وَهُوَ: الفحم. قَوْله: (فَقَالَ عبد الله بن سَلام) ، بتَخْفِيف اللاّم: ابْن الْحَارِث وَهُوَ إسرائيلي من بني قينقاع وَهُوَ من ولد يُوسُف الصّديق وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة الْحصين فغيروه، وَكَانَ حَلِيف الْأَنْصَار، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فِي ولَايَة مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ، شهد لَهُ الشَّارِع بِالْجنَّةِ. قَوْله: (أَن فِيهَا) أَي: أَن فِي التَّوْرَاة (الرَّجْم على الزَّانِي) قَوْله: (فَوضع أحدهم) أَي أحد الْيَهُود، هُوَ عبد الله بن صوريا الْأَعْوَر، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه ابْن صوري، وَقَيده بَعضهم بِكَسْر الصَّاد. قَوْله: (يحنأ) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وبالهمزة فِي آخِره، قَالَ الْخطابِيّ: من حنيت الشَّيْء أحنيه إِذا غطيته، وَالْمَحْفُوظ بِالْجِيم والهمزة من: جنأ الرجل على الشَّيْء يجنأ إِذا أكب عَلَيْهِ، قيل: فِيهِ سبع رِوَايَات كلهَا رَاجِعَة إِلَى الْوِقَايَة. قَوْله: (يَقِيهَا) ، من وقى يقي وقاية، وَهُوَ الْحِفْظ من وُصُول الْحِجَارَة إِلَيْهَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فَمِنْهُ: أَن الشَّافِعِي وَأحمد احتجا بِهِ أَن الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط فِي الْإِحْصَان، وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف، وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد: من شُرُوط الْإِحْصَان الْإِسْلَام، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن) ، وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث أَن ذَلِك كَانَ يحكم التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، فَصَارَ مَنْسُوخا بهَا. وَمِنْه: وجوب حد الزِّنَا على الْكَافِر وَمِنْه أَن الْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرْع وَفِيه خلاف فَقيل لَا يخاطبون بهَا وَقيل هم مخاطبون بِالنَّهْي دون الْأَمر وَمِنْه: أَن الْكفَّار إِذا تحاكموا إِلَيْنَا حكم القَاضِي بَينهم بِحكم شرعنا، قَالَه النَّوَوِيّ. قلت: اخْتلف الْعلمَاء فِي الحكم بَينهم إِذا ارتفعوا إِلَيْنَا أواجب علينا أم نَحن فِيهِ مخيرون؟ فَقَالَت جمَاعَة من فُقَهَاء الْحجاز وَالْعراق: إِن الإِمَام أَو الْحَاكِم مُخَيّر، إِن شَاءَ حكم بَينهم إِذا تحاكموا إِلَيْهِ بِحكم الْإِسْلَام، وَإِن شَاءَ أعرض عَنْهُم، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَهُوَ قَول عَطاء وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِن جاؤك} (الْمَائِدَة: 24) . قَالَ: نزلت فِي بني قُرَيْظَة، وَهِي محكمَة: قَالَ عَامر وَالنَّخَعِيّ: إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ لم يحكم، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن تحاكم أهل الذِّمَّة إِلَى حَاكم الْمُسلمين وَرَضي الخصمان بِهِ جَمِيعًا فَلَا يحكم بَينهمَا إلاَّ بِرِضا من أساقفهما، فَإِن كره ذَلِك أساقفهم، فَلَا يحكم بَينهم، وَكَذَلِكَ إِن رَضِي الأساقفة وَلم يرض الخصمان أَو أَحدهمَا لم يحكم بَينهمَا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت النسة أَن يرد أهل الذِّمَّة فِي حُقُوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إِلَى أهل دينهم إلاَّ أَن يَأْتُوا راغبين فِي حكمنَا فنحكم بَينهم بِكِتَاب الله تَعَالَى. وَقَالَ آخَرُونَ: وَاجِب على الْحَاكِم أَن يحكم بَينهم إِذا تحاكموا إِلَيْهِ بِحكم الله تَعَالَى، وَزَعَمُوا أَن قَوْله تَعَالَى: {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 94) . نَاسخ للتَّخْيِير فِي الحكم بَينهم فِي الْآيَة الَّتِي قبل هَذِه، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس من حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن، وَالْحكم عَن مُجَاهِد عَنهُ، وَمِنْهُم من يرويهِ عَن سُفْيَان وَالْحكم عَن مُجَاهِد، قَوْله: وَهُوَ صَحِيح عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَعمر ابْن عبد الْعَزِيز وَالسُّديّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، إلاَّ أَن أَبَا حنيفَة، قَالَ إِذا جَاءَت الْمَرْأَة وَالزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحكم بَينهمَا بِالْعَدْلِ، وَإِن جَاءَت الْمَرْأَة وَحدهَا وَلم يرض الزَّوْج لم يحكم، وَقَالَ صَاحِبَاه: يحكم، وَكَذَا أختلف أَصْحَاب مَالك.

(16/161)


72 - (بابُ سُؤال المُشْرِكِينَ أنْ يُرِيَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سُؤال الْمُشْركين من أهل مَكَّة أَن يُرِيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة، أَي: معْجزَة خارقة للْعَادَة، فَأَرَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْشِقَاق الْقَمَر، وَهِي معْجزَة عَظِيمَة محسوسة خَارِجَة عَن عَادَة المعجزات، وَقَالَ الْخطابِيّ: انْشِقَاق الْقَمَر آيَة عَظِيمَة لَا يعادلها شَيْء من آيَات الْأَنْبِيَاء، لِأَنَّهُ ظهر فِي ملكوت السَّمَاء، والخطب فِيهِ أعظم والبرهان بِهِ أظهر لِأَنَّهُ خَارج عَن جملَة طباع مَا فِي هَذَا الْعَالم من العناصر.

7363 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا يُونُسُ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعيدٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ حَدَّثَهُمْ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سألُوا رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فأرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ. .

(16/162)


أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن يُونُس هُوَ ابْن مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ عَن شَيبَان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالثَّانِي: عَن خَليفَة بن خياط عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء: العيشي الْبَصْرِيّ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبد بن حميد. قَوْله: (إِن أهل مَكَّة) أَرَادَ بِهِ: الْكفَّار من قُرَيْش.

8363 - حدَّثني خلَفُ بنُ خَالِدٍ القُرَشِيُّ حدَّثنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ القَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمانِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. خلف بن خَالِد الْقرشِي الْمصْرِيّ يروي عَن بكر بن مُضر بن مُحَمَّد الْقرشِي الْمصْرِيّ ثمَّ الْكِنَانِي الْمدنِي، ويروي عَن جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي الْمصْرِيّ يروي عَن عرَاك بن مَالك الْغِفَارِيّ ثمَّ الْكِنَانِي الْمدنِي يروي عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، يروي عَن عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن يحيى بن بكير وَفِي انْشِقَاق الْقَمَر عَن عُثْمَان بن صَالح. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن مُوسَى بن قُرَيْش، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت أخرج البُخَارِيّ فِي انْشِقَاق الْقَمَر هُنَا عَن ثَلَاثَة من الصَّحَابَة: أحدهم: عبد الله بن مَسْعُود وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيثه مُخْتَصرا وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِحُضُور ذَلِك، وَأوردهُ فِي التَّفْسِير من طَرِيق إِبْرَاهِيم عَن أبي معمر بِتَمَامِهِ، وَفِيه: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْهَدُوا، وروى أَبُو نعيم فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق عتبَة بن عبد الله ابْن عتبَة عَن عبيد الله بن عبد الله بن مَسْعُود: فَلَقَد رَأَيْت أحد شقيه على الْجَبَل الَّذِي بمنى وَنحن بِمَكَّة. وَالثَّانِي: أنس بن مَالك فَإِنَّهُ لم يحضر ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِنَحْوِ خمس سِنِين، وَكَانَ أنس إِذْ ذَاك ابْن أَربع أَو خمس سِنِين بِالْمَدِينَةِ. وَالثَّالِث: ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَيْضا لم يحضر ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك لم يكن ولد.
وَفِي الْبَاب عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة: مِنْهُم: عبد الله بن عمر، أخرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَنهُ، قَالَ: (انْفَلق الْقَمَر على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اشْهَدُوا) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَمِنْهُم: جُبَير بن مطعم، أخرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار فرْقَتَيْن على هَذَا الْجَبَل وعَلى هَذَا الْجَبَل، فَقَالُوا: سحرنَا مُحَمَّد، فَقَالَ بَعضهم لبَعض: لَئِن كَانَ سحرنَا مَا يَسْتَطِيع أَن يسحر النَّاس كلهم، وَعند عِيَاض: وَذَلِكَ بمنى، فَرَأَيْت الْجَبَل بَين فرجتي الْقَمَر، وَمِنْهُم: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر وَنحن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهُم: حُذَيْفَة بن الْيَمَان، روى عَنهُ أَيْضا كَذَلِك.

82 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع فِي الْأُصُول: بَاب، بِغَيْر تَرْجَمَة وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَقَالَ بَعضهم: كَانَ حق هَذَا الْبَاب أَن يكون قبل كل من الْبَابَيْنِ اللَّذين قبله. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْكَلَام وَلَا الِاعْتِذَار عَنهُ، لِأَن الْبَابَيْنِ اللَّذين قبله من عَلَامَات النُّبُوَّة أَيْضا، وَهَذَا الْبَاب الْمُجَرّد فِي نفس الْأَمر مُلْحق بِمَا ألحق بِهِ البابان اللَّذَان قبله.

9363 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا مُعاذٌ قَالَ حدَّثني أبِي عنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحَابِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ومَعَهُمَا مِثلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيآنِ بَيْنَ أيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرَقَا صارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا واحِدٌ حتَّى أتَى أهْلَهُ. (انْظُر الحَدِيث 564 وطرفه) .

كَرَامَة أحد من الصَّحَابَة وَمِمَّنْ كَانَ بعدهمْ من معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيلْحق بهَا. وَمُحَمّد بن الْمثنى يروي عَن معَاذ بن هِشَام

(16/163)


وَهُوَ يروي عَن أَبِيه هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي، وَاسم أبي عبد الله سنبر، وَهُوَ يروي عَن قَتَادَة. والْحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مر فِي بَاب مُجَرّد بَين أَبْوَاب الْمَسَاجِد، وَمثل هَذَا هُوَ المكرر حَقِيقَة، وَهُوَ قَلِيل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَالرجلَانِ فِي الحَدِيث: أسيد بن حضير، وَعباد بن بشر.

0463 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْودِ حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا قَيْسٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يَزَالُ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي ظاهِرِينَ حتَّى يأتِيَهُمْ أمُرُ الله وهُمْ ظاهِرُونَ.
هَذَا مُلْحق بِأَبْوَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، وَفِيه معْجزَة ظَاهِرَة، فَإِن هَذَا الْوَصْف مَا زَالَ يحمد الله تَعَالَى فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْآن، وَلَا يَزُول حَتَّى يَأْتِي أَمر الله الْمَذْكُور فِي الحَدِيث.
وَعبد الله بن أبي الْأسود، وَاسم أبي الْأسود، حميد بن الْأسود الْبَصْرِيّ، وَيحيى الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس بن أبي حَازِم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن عبيد الله بن مُوسَى، وَفِي التَّوْحِيد عَن شهَاب بن عباد، وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن ابْن أبي عمر.
قَوْله: (ظَاهِرين) من ظَهرت أَي: عَلَوْت، وَالْوَاو فِي قَوْله: (وهم ظاهرون) للْحَال، واحتجت بِهِ الْحَنَابِلَة على أَنه لَا يجوز خلو الزَّمَان عَن الْمُجْتَهد. قَوْله: (حَتَّى يَأْتِيهم أَمر الله) قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الرّيح الَّذِي يَأْتِي فَيَأْخُذ روح كل مُؤمن ومؤمنة، ويروى: حَتَّى تقوم السَّاعَة أَي: تقرب السَّاعَة، وَهُوَ خُرُوج الرّيح، ويروى: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي، وَهُوَ فِي مُسلم كَذَلِك، قَالَ البُخَارِيّ: وَأما هَذِه الطَّائِفَة فهم أهل الْعلم، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: إِن لم يَكُونُوا أهل الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من هم قَالَ القَاضِي: إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَمن يعْتَقد مَذْهَب أهل الْحق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن هَذِه الطَّائِفَة مفرقة من أَنْوَاع الْمُؤمنِينَ، فَمنهمْ شجعان مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُم فُقَهَاء، وَمِنْهُم محدثون، وَمِنْهُم زهاد، وَمِنْهُم آمرون بِالْمَعْرُوفِ وناهون عَن الْمُنكر، وَمِنْهُم أَنْوَاع إخرى من أهل الْخَيْر، وَلَا يلْزم أَن يَكُونُوا مُجْتَمعين بل قد يَكُونُوا مُتَفَرّقين فِي أقطار الأَرْض. قَالَ: وَفِيه دَلِيل لكَون الْإِجْمَاع حجَّة، وَهُوَ أصح مَا يسْتَدلّ بِهِ من الحَدِيث. وَأما حَدِيث: (لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة) فضعيف.

1463 - حدَّثنا الْحُمَيْدِيُّ حدَّثَنا الوَلِيدُ قَالَ حدَّثني ابنُ جابِرٍ قَالَ حدَّثنِي عُمَيْرُ بنُ هانىءٍ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قائِمَةٌ بِأمْرِ الله لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خذَلَهُمْ ولاَ مَنْ خالَفَهُمْ حتَّى يَأتِيَهُمْ أمْرُ الله وهُمْ علَى ذَلِكَ. قالَ عُمَيْرٌ فَقَالَ مالِكُ بنُ يُخَامِرَ قَالَ مُعاذٌ وهُمْ بالشَّأمِ فَقَالَ مُعاوِيَةُ هَذَا مالكٌ يَزْعُمُ أنَّهُ سَمِعَ مُعاذَاً يَقُولُ وهُمْ بالشَّأمِ. .

الْكَلَام فِي مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الْكَلَام فِي الحَدِيث الْمَاضِي، والْحميدِي، بِضَم الْحَاء: عبيد الله بن الزبير بن عِيسَى نِسْبَة إِلَى حميد أحد أجداده، والوليد هُوَ ابْن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي الدِّمَشْقِي، وَابْن جَابر هُوَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن جَابر الْأَزْدِيّ الشَّامي، وَعُمَيْر مصغر عَمْرو بن هانىء، بالنُّون بعد الْألف: الشَّامي، مر فِي التَّهَجُّد، وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْأمَوِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن الْحميدِي عَن الْوَلِيد، وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم.
قَوْله: (عُمَيْر) هُوَ ابْن هانىء الرَّاوِي. قَوْله: (فَقَالَ مَالك بن يخَامر) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالخاء الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة وَبعد الْألف مِيم مَكْسُورَة: الشَّامي من كبار التَّابِعين، وَقيل: إِن لَهُ صُحْبَة وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (قَالَ معَاذ) هُوَ معَاذ بن جبل. قَوْله: (وهم بِالشَّام) هَذَا مقول معَاذ، أَي: الْأمة الْقَائِمَة بِأَمْر الله مستقرون بِالشَّام. قَوْله: (فَقَالَ مُعَاوِيَة) هُوَ ابْن أبي سُفْيَان. قَوْله: (هَذَا مَالك) هُوَ مَالك بن يخَامر الْمَذْكُور. قَوْله: (سمع معَاذًا) يَعْنِي ابْن جبل، وَحَدِيث مَالك هَذَا غير مَرْفُوع.

(16/164)


2463 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله أخْبَرَنَا سُفْيَانُ حدَّثنا شَبِيبُ بنُ غَرْقَدَة قَالَ سَمِعْتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ عنْ عُرْوَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَاهُ دِينارَاً يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاة فاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَباعَ إحْدَاهُمَا بدِينَار وجاءَهُ بِدِينارٍ وشاةٍ فدَعَا لَهُ بالبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وكانَ لوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ قَالَ سُفْيَانُ كانَ الحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ جاءَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ فأتَيْتُهُ فقالَ شَبِيبٌ إنِّي لَمْ أسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ قَالَ سَمِعْتُ الحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ ولَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ الخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيَ الخَيْلِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ قَالَ وقَدْ رأيْتُ فِي دارِهِ سَبْعِينَ فرَسَاً: قَالَ سُفْيَانُ يَشْتَرِي لَهُ شَاة كأنَّهَا أضْحِيَةٌ.
فِيهِ من عَلَامَات النُّبُوَّة مَا فِي قَوْله: (فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِي بَيْعه وَكَانَ لَو اشْترى التُّرَاب لربح فِيهِ) يظْهر ذَلِك عِنْد التَّأَمُّل.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: شبيب، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة أُخْرَى: ابْن غرقدة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف: السّلمِيّ الْكُوفِي من صغَار التَّابِعين الثِّقَات وَمَاله فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث. الرَّابِع: عُرْوَة بن الْجَعْد أَو ابْن أبي الْجَعْد الْبَارِقي، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى بارق جبل بِالْيمن، الصَّحَابِيّ، قَالَ الشّعبِيّ: أول من قضى على الْكُوفَة عُرْوَة بن الْجَعْد الْبَارِقي، وَيُقَال: إِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اسْتَعْملهُ على الْكُوفَة قبل أَن يستقضي شريحاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الْخَامِس: الْحسن بن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن المضرب البَجلِيّ الْكُوفِي الْفَقِيه، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد فِي خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة، وَقَالَ بَعضهم: الْحسن بن عمَارَة أحد الْفُقَهَاء الْمُتَّفق على ضعف حَدِيثهمْ. قلت: سُفْيَان الثَّوْريّ من أقرانه، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق بن همام وَأَبُو يُوسُف القَاضِي وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَآخَرُونَ من أكَابِر الْمُحدثين، وَفِي (التَّهْذِيب) : قَالَ عِيسَى بن يُونُس الرَّمْلِيّ الفاخوري: سَمِعت أَيُّوب بن سُوَيْد يَقُول: كنت عِنْد سُفْيَان الثَّوْريّ فَذكر الْحسن بن عمَارَة فغمزه، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عبد الله! هُوَ عِنْدِي خير مِنْك. وَقَالَ: وَكَيف ذَاك؟ قلت: جَلَست مِنْهُ غير مرّة فَيجْرِي ذكرك فَمَا يذكرك إلاَّ بِخَير. قَالَ أَيُّوب: مَا ذكر سُفْيَان الْحسن بن عمَارَة بعد ذَلِك إلاَّ بِخَير حَتَّى فارقته، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْمُؤمن الْمروزِي، قَالَ: سَمِعت عَليّ ابْن يُونُس الْمروزِي يَقُول: سَمِعت جرير بن عبد الحميد، يَقُول: مَا ظَنَنْت أَنِّي أعيش إِلَى دهر يحدث فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ويسكت فِيهِ عَن الْحسن بن عمَارَة.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن مُسَدّد وَعَن الْحسن بن الصَّباح. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد ابْن سعيد الدَّارمِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن أَحْمد بن سعيد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأما حَدِيث الْخَيل فقد أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد وَفِي الْخمس وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سَمِعت الْحَيّ) ، أَي: قبيلته المنسوبين إِلَى بارق، نزله بَنو سعد بن عدي بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر مزيقاء، وَهَذِه الْعبارَة تَقْتَضِي أَن يكون سَمعه من جمَاعَة وَأَقلهمْ ثَلَاثَة. وَقَالَ الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَآخَرُونَ: هَذَا الحَدِيث غير مُتَّصِل لِأَن أحدا من الْحَيّ لم يسم. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِيه جَهَالَة الْحَيّ كَمَا ترى، فَهُوَ غير مُتَّصِل، وَالشَّافِعِيّ توقف فِيهِ فِي: بيع الْفُضُولِيّ، وَقَالَ: إِن صَحَّ قلت بِهِ، كَذَا فِي الْبُوَيْطِيّ، وَحكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت عِنْده، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا ضعفه الشَّافِعِي لِأَن شبيب بن غرقدة رَوَاهُ عَن الْحَيّ وهم غير معروفين، وَفِي مَوضِع آخر: إِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي لما فِي إِسْنَاده من الْإِرْسَال، وَهُوَ أَن شبيب بن غرقدة لم يسمعهُ من عُرْوَة الْبَارِقي، إِنَّمَا سَمعه من الْحَيّ يخبرونه عَنهُ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْحَيّ الَّذِي أخبر شبيب ابْن غرقدة عَن عُرْوَة لَا نعرفهم، وَلَيْسَ هَذَا من شَرط أَصْحَاب الحَدِيث فِي قبُول الْأَخْبَار، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي (اختصاره للسنن) :

(16/165)


تَخْرِيج البُخَارِيّ لهَذَا الحَدِيث فِي صدر حَدِيث: الْخَيْر مَعْقُود فِي نواصي الْخَيل، يحْتَمل أَن يكون سَمعه من عَليّ بن الْمَدِينِيّ على التَّمام فَحدث بِهِ كَمَا سَمعه، وَذكر فِيهِ إِنْكَار شبيب سَمَاعه من عُرْوَة حَدِيث الشَّاة، وَإِنَّمَا سَمعه من الْحَيّ عَن عُرْوَة. وَإِنَّمَا سمع من عُرْوَة. قولهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْخَيْر مَعْقُود بنواصي الْخَيل) ، وَيُشبه أَن الحَدِيث لَو كَانَ على شَرطه لأخرجه فِي الْبيُوع وَالْوكَالَة كَمَا جرت عَادَته فِي الحَدِيث الَّذِي يشْتَمل على أَحْكَام أَن يذكرهُ فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تصلح لَهُ، وَلم يُخرجهُ إلاَّ هُنَا، وَذكر بعده حَدِيث الْخَيل من رِوَايَة ابْن عمر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَدلَّ ذَلِك على أَن مُرَاده حَدِيث الْخَيل فَقَط، إِذْ هُوَ على شَرطه، وَقد أخرج مُسلم حَدِيث شبيب بن غرقدة عَن عُرْوَة مُقْتَصرا على ذكر الْخَيل، وَلم يذكر حَدِيث الشَّاة. انْتهى. قلت: قَوْله: فَدلَّ ذَلِك أَن مُرَاده حَدِيث الْخَيل فَقَط، إِذْ هُوَ على شَرطه، فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَمَا ذكره يُعَكر عَلَيْهِ ذكره بَين أَبْوَاب عَلَامَات النُّبُوَّة لعدم الْمُنَاسبَة من كل وَجه، وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: فَالْحَدِيث من رِوَايَة المجاهيل إِذا لحي مَجْهُول. قلت: إِذا علم أَن شبيباً لَا يروي إلاَّ عَن عدل فَلَا بَأْس بِهِ، أَو لما كَانَ ذَلِك ثَابتا بِالطَّرِيقِ الْمعِين الْمَعْلُوم اعْتمد على ذَلِك فَلم يبال بِهَذَا الْإِبْهَام، أَو أَرَادَ نَقله بِوَجْه آكِد، إِذْ فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ لم يسمع من رجل وَاحِد فَقَط، بل من جمَاعَة مُتعَدِّدَة رُبمَا يُفِيد خبرهم الْقطع بِهِ. انْتهى. قلت: كَلَامه يدل على أَن الحَدِيث الْمَذْكُور مُتَّصِل عِنْده، وَأَن الْجَهَالَة بِهَذَا الْوَجْه غير مَانِعَة من القَوْل بالاتصال، وَأَن الرَّاوِي إِذا كَانَ مَعْرُوفا عِنْدهم بِأَنَّهُ لَا يروي إلاَّ عَن عدل فَإِذا روى عَن مَجْهُول لَا يضرّهُ ذَلِك، وَأَن الرِّوَايَة عَن جمَاعَة مجهولين لست كالرواية عَن مَجْهُول وَاحِد. قَوْله: (أعطَاهُ دِينَارا) أَي: أعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعروة دِينَارا ليَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَغَيره عَن عُرْوَة بن الْجَعْد، قَالَ: عرض للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلبٌ فَأَعْطَانِي دِينَارا، فَقَالَ: أَي عُرْوَة أئت الجلب فاشتر لنا شَاة، قَالَ: فَأتيت الجلب فساومت صَاحبه فاشتريت مِنْهُ شَاتين بِدِينَار. قَوْله: (فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِي بَيْعه) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد، فَقَالَ: (أللهم بَارك لَهُ فِي صفقته) . قَوْله: (وَكَانَ لَو اشْترى التُّرَاب لربح فِيهِ) . وَفِي رِوَايَة أَحْمد، قَالَ: (لقد رَأَيْتنِي أَقف بكناسة الْكُوفَة فأربح أَرْبَعِينَ ألفا قبل أَن أصل إِلَى أَهلِي) قَالَ: وَكَانَ يَشْتَرِي الْجَوَارِي وَيبِيع.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ، يَعْنِي: ابْن عُيَيْنَة، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (كَانَ الْحسن بن عمَارَة جَاءَنَا بِهَذَا الحَدِيث) ، أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور عَنهُ، أَي: عَن شبيب بن غرقدة، وَقد ذكرنَا عَن قريب تَرْجَمَة الْحسن وَمَا لِلْحسنِ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: الْحسن بن عمَارَة سَمعه شبيب عَن عُرْوَة. قَوْله: (فَأَتَيْته) ، أَي: قَالَ سُفْيَان: أتيت شبيباً، فَلَمَّا جَاءَ سَأَلَهُ قَالَ شبيب: إِنِّي لم أسمعهُ أَي: الحَدِيث من عُرْوَة، قَالَ: أَي عُرْوَة، سَمِعت الْحَيّ يخبرونه عَنهُ أَي: يخبرون الحَدِيث عَن عُرْوَة، وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ البُخَارِيّ بذلك بَيَان ضعف رِوَايَة الْحسن بن عمَارَة، وَأَن شبيباً لم يسمع الْخَبَر من عُرْوَة، وَإِنَّمَا سَمعه من الْحَيّ وَلم يسمع عَن عُرْوَة، فَالْحَدِيث بِهَذَا ضَعِيف للْجَهْل بحالهم. انْتهى. قلت: لم تجر عَادَة البُخَارِيّ أَن يذكر فِي (صَحِيحه) حَدِيثا ضَعِيفا ثمَّ يُشِير إِلَيْهِ بالضعف، وَلَو ثَبت عِنْده ضعفه لاكتفى بِحَدِيث الْخَيل كَمَا اكْتفى بِهِ مُسلم فِي (صَحِيحه) وَالْكَلَام فِي سَمَاعه من الْحَيّ قد مر عَن قريب، على أَنه قد وجد لَهُ متابع من رِوَايَة أَحْمد وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق سعيد بن زيد عَن الزبير ابْن الخريت عَن أبي لبيد، قَالَ: حَدثنِي عُرْوَة الْبَارِقي، قَالَ: (دفع إِلَيّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا لأشتري لَهُ شَاة، فاشتريت لَهُ شَاتين، فَبِعْت إِحْدَاهمَا بِدِينَار وَجئْت بِالشَّاة وَالدِّينَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَذكر لَهُ مَا كَانَ من أمره فَقَالَ لَهُ: (بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك) الحَدِيث. فَإِن قلت: سعيد بن زيد ضَعِيف ضعفه يحيى الْقطَّان، وَأَبُو الْوَلِيد لَيْسَ بِمَعْرُوف الْعَدَالَة. قلت: سعيد بن زيد من رجال مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَوَثَّقَهُ حماعة، وَأَبُو لبيد اسْمه لمازة، بِضَم اللَّام: ابْن زبار، بِفَتْح الزاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد ذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة. وَقَالَ: سمع من عَليّ وَكَانَ ثِقَة، وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْحسن بن عمَارَة كَاذِب يكذب، فَكيف جَازَ النَّقْل عَنهُ؟ قلت مَا أثبت شَيْء بقوله من هَذَا الحَدِيث مَعَ احْتِمَال أَنه قَالَ ذَلِك بِنَاء على ظَنّه! انْتهى. قلت: قد أبشع فِي الْعبارَة فَلم يكن من دأب الْعلم أَن يذكر شخصا عَالما باتفاقهم فَقِيها مُتَقَدما فِي زَمَانه علماأ ورئاسة بهذ الْعبارَة الْفَاحِشَة، وَلَكِن الدَّاعِي فِي ذَلِك لَهُ ولأمثاله أريحية التعصب بِالْبَاطِلِ، وَقد ذكرنَا عَن قريب مَا قَالَه جرير بن عبد الحميد من الثَّنَاء عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان: يَشْتَرِي لَهُ شَاة) أَي: قَالَ

(16/166)


سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَيْضا، وَهُوَ أَيْضا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول. قَوْله: (فِي دَاره) أَي: فِي دَار عُرْوَة، وَالْقَائِل بِالرُّؤْيَةِ هُوَ شبيب. قَوْله: (لَهُ) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (كَأَنَّهَا أضْحِية) ، الظَّاهِر أَن هَذِه اللَّفْظَة مدرجة من سُفْيَان، وَقد احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَأَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ على جَوَاز بيع الْفُضُولِيّ، لِأَن عُرْوَة لم يكن وَكيلا إلاَّ فِي الشِّرَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْجَوَاب عَنهُ احْتِمَال أَن يكون وَكيلا مُطلقًا فِي البيع وَالشِّرَاء. انْتهى. قلت: هَذَا عَجِيب يتْرك الظَّاهِر حَقِيقَة وَيعْمل بِالِاحْتِمَالِ، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي بيع الْفُضُولِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَاخْتلف قَول الْمَالِكِيَّة فِيمَا إِذا أَمر بشرَاء سلْعَة بِكَذَا فَوجدَ سلعتين فِي صفة مَا أَمر بِهِ، وثمنهما مَا أَمر أَن يَشْتَرِي بِهِ وَاحِدَة، وَقد رَضِي بشرَاء وَاحِدَة بِهِ، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: الْآمِر مُخَيّر إِن شَاءَ أَخذ وَاحِدَة بحصتها من الثّمن وَيرجع بِبَقِيَّة الثّمن على الْمَأْمُور، وَإِن شَاءَ أخذهما جَمِيعًا، وَقَالَ إصبغ: عِنْد ابْن حبيب تلزمان الْآمِر جَمِيعًا، وَقَالَ عبد الْملك فِي (مبسوطه) إِن شَاءَ الْآمِر أخذهُما جَمِيعًا أَو تَركهمَا جَمِيعًا.

4463 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخبَرَنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَواصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. (انْظُر الحَدِيث 9482) .

مطابقته للتَّرْجَمَة كَمَا قبله من أَن فِيهِ عَلامَة من عَلَامَات النُّبُوَّة، وَهُوَ إخْبَاره عَن أَمر مُسْتَمر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب. والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن نَافِع ... إِلَى آخِره نَحوه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5463 - حدَّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا خالِدُ بنُ الحَارِثِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي التَّيَّاحِ قالَ سَمِعْتُ أنَسَاً عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَواصِيَهَا الخَيْرُ. (انْظُر الحَدِيث 1582) .

مطابقته لما قبله ظَاهِرَة، وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده. وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد، وَقد مر الحَدِيث فِي الْجِهَاد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة عَن أبي التياح عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبركَة فِي نواصي الْخَيل) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.

6463 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أجْرٌ ولِرَجُلٍ سِتْرٌ وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فأمَّا الَّذِي لَهُ أجْرٌ فرَجُلٌ رَبَطَها فِي سَبيلِ الله فأطالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ وَمَا أصابَتْ فِي طِيَلِها مِنَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ كانَتْ لَهُ حسَنَاتِ ولَوْ أنَّهَا قطَعَتْ طِيَلَهَا فاسْتَنَّتْ شَرَفَاً أوْ شَرَفَيْنِ كانَتْ أرْوَاثُهَا حَسَناتٍ ولَوْ أنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فشَرِبَتْ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَسْقِيَهَا كانَ ذَلِكَ حَسَناتٍ لَهُ ورَجُلٌ رَبَطَهَا تغَنِّيَاً وسِتْرَاً وتَعَفُّفَاً ولَمْ يَنْسَ حَقَّ الله فِي رِقَابِهَا وظُهُورِهَا فَهْيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ ورَجل رَبَطَهَا فَخْرَاً ورِياءً ونِوَاءً لأِهْلِ الإسْلاَمِ فَهْيَ وِزْرٌ وسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الحُمْرِ فَقَالَ مَا أُنْزِلَ علَيَّ فِيهَا إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الفاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ} (الزلزلة: 7 8) . .

وَجه الْمُطَابقَة فِي ذكره عقيب أَبْوَاب عَلَامَات النُّبُوَّة يُمكن أَن يُقَال فِيهِ: إِن فِيهِ من جملَة مَا أخبر بِهِ مَا وَقع كَمَا أخبر، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك، وبعين هَذَا الْمَتْن فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْخَيل لثَلَاثَة، وَهَذَا هُوَ المكرر الْحَقِيقِيّ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، والمرج، بِالْجِيم الْموضع الَّذِي يرْعَى فِيهَا الدَّوَابّ، والطيل بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْحَبل الَّذِي يطول للدابة ترعى فِيهِ، والاستنان الْعَدو والشرف الشوط، وَأَصله الْمَكَان العالي. قَوْله: (أرواثها) .

(16/167)


وَفِي كتاب الشّرْب آثارها، وَفِي الْجِهَاد جمع بَينهمَا، والنواء، بِكَسْر النُّون وبالمد: المناوأة وَهِي الْعَدَاوَة، والحمر، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة جمع الْحمار، قَالَ الْكرْمَانِي: وَكَثِيرًا يصحفون بِالْخمرِ بِالْمُعْجَمَةِ أَي: فِي صَدَقَة الْخمر.

7463 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ صَبَّحَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً وقَدْ خَرَجُوا بالمَساحِي فلَمَّا رَأوْهُ قالُوا مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ وأحَالُوا إِلَى الحِصْنِ يَسْعَوْنَ فرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ الله أكْبرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ. .

وَجه الْمُطَابقَة فِيهِ مثل مَا ذكرنَا أَنه أخبر عَن خراب خَيْبَر فَوَقع كَمَا أخبر، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب التَّكْبِير عِنْد الْحَرْب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَالْخَمِيس) ، أَي: الْجَيْش وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام: الميمنة والميسرة والمقدمة والساقة وَالْقلب. قَوْله: (وأحالوا) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: أَقبلُوا، وَقيل: تحولوا، قَالَ أَبُو عبد الله: يُقَال: أحَال الرجل إِلَى مَكَان كَذَا تحول إِلَيْهِ، وَقَالَ الْخطابِيّ: حلت عَن الْمَكَان تحولت عَنهُ، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أبي ذَر بِالْجِيم، قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : وَلَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وأحالوا، بِالْحَاء الْمُهْملَة: أَقبلُوا، وبالجيم من الجولان. قَوْله: (يسعون) ، حَال. قَوْله: (فَرفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ) ، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ البُخَارِيّ: لفظ (فَرفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ) غَرِيب أخْشَى أَن يكون مَحْفُوظًا. قَوْله: (خربَتْ خَيْبَر) أَي: ستخرب فِي توجهنا إِلَيْهَا.

8463 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ الْمُنْذِرِ حدَّثنا ابنُ أبِي الفُدَيْكِ عنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ عنِ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قُلْتُ يَا رسُولَ الله إنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حدِيثاً كَثِيراً فأنْساهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابسُطْ رِدَاءَكَ فبَسَطْتُهُ فغَرَفَ بِيَدِهِ فيهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَ فضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ حَدِيثاً بَعْدُ. .

وَجه الْمُطَابقَة فِيهِ أَن فِيهِ عَلامَة من عَلَامَات النُّبُوَّة على مَا لَا يخفى. وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي فديك هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، وَاسم أبي فديك، بِضَم الْفَاء: دِينَار الديلمي الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، واسْمه هِشَام الْمدنِي، والمقبري، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ سعيد بن أبي سعيد، وَاسم أَبِيه كيسَان الْمَدِينِيّ، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من حفظ الْعلم عَن أبي مُصعب عَن أَحْمد بن أبي بكر عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (فَمَا نسيت حَدِيثا بعد) ، وَهُنَاكَ: (فَمَا نسيت شَيْئا بعده) .