عمدة القاري شرح صحيح البخاري

1 - (بابٌ فِي فَضائِلِ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فَضَائِل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والفضائل جمع الْفَضِيلَة وَهِي خلاف النقيصة، كَمَا أَن الْفضل خلاف النَّقْص، وَالْفضل فِي اللُّغَة الزِّيَادَة من: فضل يفضل من بَاب نصر ينصر، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فضل يفضل، من بَاب علم يعلم، حَكَاهَا ابْن السّكيت، وَفِيه لُغَة مركبة مِنْهُمَا: فضِل بِالْكَسْرِ يفضُل بِالضَّمِّ، وَهُوَ شاذٌ لَا نَظِير لَهُ، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: هَذَا عِنْد أَصْحَابنَا إِنَّمَا يَجِيء على لغتين، وَفِي بعض النّسخ: بَاب فضل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده: فَضَائِل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا بِدُونِ لَفْظَة: بَاب، وَالْمرَاد بالفضائل: الْخِصَال الحميدة والخلال المرضية المشكورة، وَالْأَصْحَاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ، قَالَه الْجَوْهَرِي: وَالصَّحَابَة، بِالْفَتْح: الْأَصْحَاب وَهِي فِي الأَصْل مصدر وَجمع الْأَصْحَاب أصاحيب من صَحبه يَصْحَبهُ صُحْبَة، بِالضَّمِّ وصحابة بِالْفَتْح، وَجمع الصاحب صحب، مثل: رَاكب وَركب، وصحبة بِالضَّمِّ مثل: فاره وفرهة، وصحاب مثل: جَائِع وجياع، وصحبان مثل: شَاب وشبان.

(16/168)


وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أصْحَابِهِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَعْرِيف الصاحب، وَفِيه أَقْوَال:
الأول: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ من الْمُسلمين فَهُوَ من أَصْحَابه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي الصَّحَابِيّ مُسلم صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ، وَضمير الْمَفْعُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفَاعِل للْمُسلمِ على الْمَشْهُور الصَّحِيح، وَيحْتَمل الْعَكْس لِأَنَّهُمَا متلازمان عرفا. فَإِن قلت: الترديد يُنَافِي التَّعْرِيف. قلت: الترديد فِي أَقسَام الْمَحْدُود يَعْنِي الصَّحَابِيّ: قِسْمَانِ لكل مِنْهُمَا تَعْرِيف. فَإِن قلت: إِذا صَحبه فقد رَآهُ. قلت: لَا يلْزم، إِذْ عبد الله بن أم مَكْتُوم صَحَابِيّ اتِّفَاقًا مَعَ أَنه لم يره. انْتهى. قلت: من، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَهِي مَوْصُولَة، و: صحب، صلتها، وَقَوله: أوراه، عطف عَلَيْهِ أَو رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصاحب وَيحْتَمل الْعَكْس، كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي، لَكِن الأول أولى ليدْخل فِيهِ مثل ابْن أم مَكْتُوم. وَقَوله: (فَهُوَ من أَصْحَابه) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ، وَدخُول الْفَاء لتضمن الْمُبْتَدَأ الشَّرْط. وَقَوله: (من الْمُسلمين) قيد ليخرج بِهِ من صَحبه أَو رَآهُ من الْكفَّار، فَإِنَّهُ لَا يُسمى صحابياً، قيل: فِي كَلَام البُخَارِيّ نقص مَا يحْتَاج إِلَى ذكره، وَهُوَ: ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، والعبارة السالمة من الِاعْتِرَاض أَن يُقَال: الصَّحَابِيّ من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، ليخرج من ارْتَدَّ وَمَات كَافِرًا: كَابْن خطل وَرَبِيعَة بن أُميَّة وَمقيس بن صبَابَة وَنَحْوهم، وَمِنْهُم من اشْترط فِي ذَلِك أَن يكون حِين اجتماعه بِهِ بَالغا، وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يخرج مثل الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما، وَنَحْوه من أَحْدَاث الصَّحَابَة.
القَوْل الثَّانِي: إِنَّه من طَالَتْ صحبته لَهُ وَكَثُرت مُجَالَسَته مَعَ طَرِيق التبع لَهُ وَالْأَخْذ عَنهُ، هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ عَن الْأُصُولِيِّينَ، وَقَالَ: إِن اسْم الصَّحَابِيّ يَقع على ذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة، وَالظَّاهِر قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يطلقون إسم الصَّحَابَة على كل من روى عَنهُ حَدِيثا أَو كلمة يتوسعون حَتَّى يعدون من رَآهُ رُؤْيَة من الصَّحَابَة وَمن ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لَكِن لم يره ثَانِيًا بعد عوده، فَالصَّحِيح أَنه مَعْدُود فِي الصَّحَابَة لإطباق الْمُحدثين على عد الْأَشْعَث بن قيس وَنَحْوه مِمَّن وَقع لَهُ ذَلِك، وإخراجهم أَحَادِيثهم فِي المسانيد، وَقَالَ الْآمِدِيّ: الْأَشْبَه أَن الصَّحَابِيّ من رَآهُ وَحَكَاهُ عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب أَيْضا، لِأَن الصُّحْبَة تعم الْقَلِيل وَالْكثير، وَفِي كَلَام أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأبي دَاوُد مَا يَقْتَضِي أَن الصُّحْبَة أخص من الرُّؤْيَة، فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي طَارق بن شهَاب: لَهُ رُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، قَالَ شَيخنَا: وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) : عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن شُعْبَة عَن مُوسَى السينَانِي قَالَ: أتيت أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت: أَنْت آخر من بَقِي من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قد بَقِي قوم من الْأَعْرَاب، فَأَما من أَصْحَابه فَأَنا آخر من بَقِي، قَالَ ابْن الصّلاح: إِسْنَاده جيد.
القَوْل الثَّالِث: مَا روى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَا يعد الصَّحَابِيّ إلاَّ من أَقَامَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة أَو سنتَيْن، وغزا مَعَه غَزْوَة أَو غزوتين، وَهَذَا فِيهِ ضيق يُوجب أَن لَا يعد من الصَّحَابَة جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَمن شَاركهُ فِي فقد ظَاهر مَا اشْتَرَطَهُ فيهم مِمَّن لَا نعلم خلافًا فِي عده من الصَّحَابَة، قَالَ شَيخنَا: هَذَا عَن ابْن الْمسيب لَا يَصح، لِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف فِي الحَدِيث.
القَوْل الرَّابِع: إِنَّه يشْتَرط مَعَ طول الصُّحْبَة الْأَخْذ عَنهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن عَمْرو بن بَحر أبي عُثْمَان الجاحظ من أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة، قَالَ فِيهِ ثَعْلَب: إِنَّه غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَلَا يُوجد هَذَا القَوْل لغيره.
القَوْل الْخَامِس: أَنه من رَآهُ مُسلما بَالغا عَاقِلا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن أهل الْعلم وَالتَّقْيِيد بِالْبُلُوغِ شَاذ وَقد مر عَن قريب.
القَوْل السَّادِس: إِنَّه من أدْرك زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُسلم، وَإِن لم يره، وَهُوَ قَول يحيى بن عُثْمَان الْمصْرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَن دفن أَي بِمصْر من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن أدْركهُ وَلم يسمع مِنْهُ أَبُو تَمِيم الجيشاني، واسْمه عبد الله بن مَالك. انْتهى. وَإِنَّمَا هَاجر أَبُو تَمِيم إِلَى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِاتِّفَاق أهل السّير، وَمِمَّنْ حكى هَذَا القَوْل من الْأُصُولِيِّينَ: القرافى فِي (شرح التَّنْقِيح) وَكَذَلِكَ، إِن كَانَ صَغِيرا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ.
فَائِدَة: وتعرف الصُّحْبَة إِمَّا بالتواتر: كَأبي بكر وَعمر وَبَقِيَّة الْعشْرَة وَخلق مِنْهُم، وَإِمَّا بالإستفاضة والشهرة القاصرة عَن التَّوَاتُر: كعكاشة بن مُحصن وضمام بن ثَعْلَبَة وَغَيرهمَا، وَإِمَّا بِإِخْبَار بعض الصَّحَابَة عَنهُ أَنه صَحَابِيّ: كحميمة بن أبي حميمة

(16/169)


الدوسي الَّذِي مَاتَ بأصبهان مبطوناً، فَشهد لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكم لَهُ بِالشَّهَادَةِ، ذكر ذَلِك أَبُو نعيم فِي (تَارِيخ أَصْبَهَان) وَإِمَّا بإخباره عَن نَفسه أَنه صَحَابِيّ بعد ثُبُوت عَدَالَته قبل إخْبَاره بذلك، هَكَذَا أطلق ابْن الصّلاح تبعا للخطيب، وَقَالَ شَيخنَا: لَا بُد من تَقْيِيد مَا أطلق من ذَلِك بِأَن يكون ادعاؤه لذَلِك يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر، أما لَو ادَّعَاهُ بعد مُضِيّ مائَة سنة من حِين وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ لَا يقبل، وَإِن كَانَ قد ثبتَتْ عَدَالَته قبل ذَلِك لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح: أَرَأَيْتُم ليلتكم هَذِه، فَإِنَّهُ على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى أحد مِمَّن على وَجه الأَرْض، يُرِيد انخرام ذَلِك الْقرن، فَإِن ذَلِك فِي سنة وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد اشْترط الأصوليون فِي قبُول ذَلِك مِنْهُ أَن يكون عرفت معاصرته للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْآمِدِيّ: فَلَو قَالَ من عاصره: أَنا صَحَابِيّ مَعَ إِسْلَامه وعدالته، فَالظَّاهِر صدقه.

9463 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يقُولُ حدَّثنا أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتِي على النَّاسِ زَمانٌ فيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النًّاسِ فيَقُولُونَ أفِيكُمْ مَنْ صاحَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ لَهُمْ نعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يأتِي علَى النَّاسِ زَمانٌ فيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسَ فيُقالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صاحَبَ أصْحَابَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَأتِي على النَّاسِ زَمانٌ فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ فيُقال هَلْ فِيكُمْ مَنْ صاحبَ مَنْ صاحَبَ أصْحَابَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 7982 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من اسْتَعَانَ بالضعفاء وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِئَام) ، بِكَسْر الْفَاء: الْجَمَاعَة من النَّاس لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، والعامة تَقول: فيام، بِلَا همزَة.

0563 - حدَّثني إسْحَاقُ حدَّثنَا النَّضْرُ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بنَ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ: قالَ عِمْرَانُ فَلاَ أدْرِي أذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثَاً ثُمَّ إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَشْهَدُونَ ولاَ يُسْتَشْهَدُونَ ويَخُونُونَ ولاَ يُؤْتَمَنُونَ ويَنْذِرُونَ ولاَ يَفُونَ ويَظْهَرُ فِيهُمُ السِّمَنُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَبِذَلِك جزم ابْن السكن وَأَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِسْحَاق إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم وَإِمَّا ابْن مَنْصُور، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل مصغر الشمل بِالْمُعْجَمَةِ، مر فِي الْوضُوء، وَأَبُو جَمْرَة، بِفَتْح الْجِيم وبالراء: نضر بن عمرَان صَاحب ابْن عَبَّاس، وزهدم، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره مِيم: ابْن مضرب بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة: الْجرْمِي، بِفَتْح الْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بَاب لَا يشْهد على جور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (خير أمتِي قَرْني) أَي: أهل قَرْني، وهم الصَّحَابِيّ، والقرن أهل زمَان وَاحِد مُتَقَارب اشْتَركُوا فِي أَمر من الْأُمُور الْمَقْصُودَة وَاخْتلف فِي الْقرن من عشرَة إِلَى مائَة وَعشْرين، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه ثَلَاثُونَ سنة. قَوْله: (ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي: الْقرن الَّذِي بعدهمْ، وهم التابعون. قَوْله: (فَلَا أَدْرِي) شكّ عمرَان بعد قرنه: هَل ذكر قرنين أَو ذكر ثَلَاثَة؟ وَجَاء أَكثر طرق هَذَا الحَدِيث بِغَيْر شكّ، وروى مُسلم من حَدِيث عَائِشَة، قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! أَي النَّاس خير؟ قَالَ: الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث، وروى الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عمر يرفعهُ: خير أمتِي الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ وَالثَّانِي ثمَّ

(16/170)


الثَّالِث. وَوَقع فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ إِثْبَات الْقرن الرَّابِع، وَلَفظه: خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الْآخرُونَ أردى، وَرِجَاله ثِقَات إلاَّ أَن جعدة بن هُبَيْرَة مُخْتَلف فِي صحبته. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير أحد التَّابِعين بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليدركن الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُم لمثلكم أَو خير ثَلَاثًا، وَلنْ يخزى الله أمة أَنا أَولهَا والمسيح آخرهَا، وروى ابْن عبد الْبر من حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: أفضل الْخلق إِيمَانًا قوم فِي أصلاب الرِّجَال يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني. قلت: لَا يُقَاوم الْمسند الصَّحِيح وَالثَّانِي ضَعِيف. قَوْله: (ثمَّ إِن من بعدكم قوما) بنضب قوما عِنْد الْأَكْثَرين، ويروى: قوم، بِالرَّفْع قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لَا يكْتب الْألف فِي الْمَنْصُوب، وَيحْتَمل أَن يكون: إِن، تقريرية بِمَعْنى: نعم، وَفِيه بعد وتكلف. انْتهى. قلت: الِاحْتِمَال الأول أبعد من الثَّانِي، وَالْوَجْه فِيهِ أَن يكون ارْتِفَاع قوم على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَن بعدكم يَجِيء قوم، قَوْله: (يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون) مَعْنَاهُ: يظْهر فيهم شَهَادَة الزُّور. قَوْله: (ويخونون وَلَا يؤتمنون) قيل: يطْلبُونَ الْأَمَانَة، ثمَّ يخونون فِيهَا، وَقيل: لَيْسُوا مِمَّن يوثق بهم. قَوْله: (وينذرون) بِضَم الذَّال وَكسرهَا. قَوْله: (وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح الْمِيم، قيل: مَعْنَاهُ يكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، وَقيل: يجمعُونَ الْأَمْوَال من أَي وَجه كَانَ، وَقيل: يغفلون عَن أَمر الدّين ويقللون الاهتمام بِهِ، لِأَن الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ وَقَالُوا: المذموم مِنْهُ مَا يتكسبه، وَأما الخلقي فَلَا.

1563 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ ويَمِينُهُ شَهَادَتَهُ. قَالَ إبرَاهِيمُ وكانُوا يَضْرِبُونَا علَى الشَّهَادَةِ والعَهْدِ ونَحْنُ صِغَارٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن قيس بن عَمْرو السَّلمَانِي، بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام: الْمرَادِي، قَالَ الْعجلِيّ: هُوَ جاهلي أسلم قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ وَكَانَ أَعور.
والْحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن مضى فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب لَا يشْهد على شَهَادَة جور، وَهَذَا مُكَرر حَقِيقَة، غير أَن هُنَا لفظ: وَنحن صغَار، لَيْسَ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَيَمِينه شَهَادَته) أَي: ويسبق يَمِينه شَهَادَته، قيل: هَذَا دور، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بَيَان حرصهم على الشَّهَادَة وترويجها يحلفُونَ على مَا يشْهدُونَ بِهِ، فَتَارَة يحلفُونَ قبل أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ وَتارَة يعكسون، أَو هُوَ مثل فِي سرعَة الشَّهَادَة وَالْيَمِين وحرص الرجل عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلَّة مبالاته فِي الدّين. قَوْله: (يضربونا) وروى يضربوننا، أَي: على الْجمع بَين الْيَمين وَالشَّهَادَة، وَالْمرَاد من الْعَهْد هُنَا الْيَمين.

2 - (بابُ مَناقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وفَضْلِهِمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، والمناقب جمع منقبة، وَهُوَ ضد المثلبة والمهاجرون هم الَّذين هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة إِلَى الله تَعَالَى، وَقيل: المُرَاد بالمهاجرين من عدا الْأَنْصَار، وَمن أسلم يَوْم الْفَتْح وهلم جراً، فالصحابة من هَذِه الْحَيْثِيَّة ثَلَاثَة أَصْنَاف وَالْأَنْصَار هم الْأَوْس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم، وَسقط لفظ: بَاب فِي رِوَايَة أبي ذَر.
مِنْهُمْ أبُو بَكْرٍ عَبْدُ الله بنُ أبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَي: من الْمُهَاجِرين وَمن سادتهم أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَجزم البُخَارِيّ بِأَن اسْمه: عبد الله، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَفِي (التَّلْوِيح) : كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: عبد الْكَعْبَة، وَسمي فِي الْإِسْلَام: عبد الله، وَكَانَت أمه تَقول:
(يَا رب عبد الْكَعْبَة ... اسْتمع بِهِ يَا ربه)

(فَهُوَ بصخر أشبه)

وصخر اسْم أبي أمه، وَاسْمهَا: سلمى بنت صَخْر بن مَالك بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن

(16/171)


لؤَي بن غَالب وَكَانَت تكنى أم الْخَيْر. قَوْله: (ابْن أبي قُحَافَة) ، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف فَاء، واسْمه عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب، وَالْبَاقِي ذَكرْنَاهُ الْآن يلتقي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مرّة ابْن كَعْب، أسلم أَبَوَاهُ وَأمه أَيْضا هَاجَرت، وَذَلِكَ مَعْدُود من مناقبه لِأَنَّهُ انتظم إِسْلَام أَبَوَيْهِ وَجَمِيع أَوْلَاده، وَسمي أَيْضا الصّديق فِي الْإِسْلَام لتصديقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر ابْن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لما أسرِي بِهِ قَالَ لجبريل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن قومِي لَا يصدقوني، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: يصدقك أَبُو بكر، وَهُوَ الصّديق) ، وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يُسمى الأوَّاه، وَكَانَ يُسمى أَيْضا عتيقاً لقدمه فِي الْإِسْلَام. وَفِي الْخَيْر، وَقيل لحسنه وجماله، وَسُئِلَ أَبُو طَلْحَة لِمَ سُمي أَبُو بكر عتيقاً، فَقَالَ: كَانَت أمه لَا يعِيش لَهَا ولد، فَلَمَّا وَلدته اسْتقْبلت بِهِ الْبَيْت، ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ إِن هَذَا عتيقك من الْمَوْت فهبه لي، وَقَالَ ابْن الْمُعَلَّى، فَكَانَت أمه إِذا نقزته، قَالَت:
(عَتيق مَا عَتيق ... ذُو المنظر الأنيق)

(رشفت مِنْهُ ريق ... كالزرنب الْعَتِيق)

وَقيل: سمي بالعتيق لِأَنَّهُ عَتيق من النَّار، وَفِي (ربيع الْأَبْرَار) للزمخشري: قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ لأبي قُحَافَة ثَلَاثَة من الْوَلَد أَسمَاؤُهُم عَتيق ومعتق ومعيتق، وَفِي (الوشاح) لِابْنِ دُرَيْد: كَانَ يلقب ذُو الْخلال لعباءة كَانَ يخلها على صَدره، وَقَالَ السُّهيْلي: وَكَانَ يلقب أَمِير الشَّاكِرِينَ، وَأجْمع المؤرخون وَغَيرهم على أَنه يلقب خَليفَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حاشى ابْن خالويه فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب (لَيْسَ) : الْفرق بَين الْخَلِيفَة والخالفة أَن الخالفة الَّذِي يكون بعد الرئيس الأول، قَالُوا لأبي بكر: أَنْت خَليفَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنِّي لست خَليفَة، وَلَكِنِّي خَلِيفَته، كنت بعده، أَي بقيت بعده واستخلفت فلَانا جعلته خليفتي، وَقد ردوا عَلَيْهِ ذَلِك، وَولي أَبُو بكر الْخلَافَة بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنتَيْن وَنصفا، وَقيل: سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر إلاَّ عشر لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر إلاَّ خمس لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر وَسبع لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر واثني عشر يَوْمًا، وَقيل: عشْرين شهرا، واستكمل بخلافته سنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب فِي الْمَسْجِد وَدفن لَيْلًا فِي بَيت عَائِشَة مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنزل فِي قَبره عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثمان، وَقيل: لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ المهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله ورِضْوَانَاً ويَنْصُرُونَ الله ورَسُولَهُ أولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الْحَشْر: 8) . وَقَالَ الله تَعَالَى: {إلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} إِلَى قَوْلِهِ {إنَّ الله معَنَا} (التَّوْبَة: 04) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، الْمَجْرُور بِإِضَافَة الْبَاب إِلَيْهِ، وعَلى قَول أبي ذَر وَقَول الله، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ عطف على لفظ: مَنَاقِب الْمَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذِه مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، قَوْله تَعَالَى: للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: للْفُقَرَاء، بدل من قَوْله: لذِي الْقُرْبَى، والمعطوف وَهُوَ قَوْله: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (الْحَشْر: 7) . قَوْله: (الَّذين أخرجُوا) أَي: أخرجهم كفار مَكَّة من دِيَارهمْ. قَوْله: (يَبْتَغُونَ فضلا) أَي: يطْلبُونَ بهجرتهم فضل الله وغفرانه. قَوْله: (وينصرون الله) ، أَي: دين الله وَشرع نبيه. قَوْله: (أُولَئِكَ هم الصادقون) أَي: حققوا أَقْوَالهم بأفعالهم إِذْ هجروا دِيَارهمْ لجهاد أَعدَاء الله تَعَالَى. قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ تنصروه} يَعْنِي: إلاَّ تنصرُوا رَسُوله فَإِن الله ناصره ومؤيده وحافظه وكافيه، كَمَا تولى نَصره إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا. قَوْله: (إِلَى قَوْله: إِن الله مَعنا) ، فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، هَكَذَا: إِلَى قَوْله: إِن الله مَعنا، ويروي الْآيَة، وتمامها: {إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ وأيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى وَكلمَة الله هِيَ الْعليا وَالله عَزِيز حَكِيم} (التَّوْبَة: 04) . قَوْله: (إِذا أخرجه) ، أَي:

(16/172)


حِين أخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم الَّذين كفرُوا، وهم أهل مَكَّة من كفار قُرَيْش. قَوْله: (ثَانِي اثْنَيْنِ) حَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا، يُقَال: ثَانِي اثْنَيْنِ، يَعْنِي أحد الْإِثْنَيْنِ، وهما: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الصّديق، ويروى أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أمره بِالْخرُوجِ قَالَ: من يخرج معي؟ قَالَ: أَبُو بكر، وقرىء: ثَانِي اثنني، بِالسُّكُونِ قَوْله: (إِذْ هما) بدل من قَوْله (إِذْ أخرجه) والغار ثقب فِي أَعلَى ثَوْر جبل من جبال مَكَّة على مسيرَة سَاعَة قَوْله (إِذْ يَقُول) ، بدل ثَان، وَصَاحبه: هُوَ أَبُو بكر، وَقَالُوا: من أنكر صُحْبَة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كَلَام الله، وَلَيْسَ ذَلِك لسَائِر الصَّحَابَة. قَوْله: (فَأنْزل الله سكينته) أَي: تأييده وَنَصره عَلَيْهِ، أَي: على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ، وَقيل: على أبي بكر، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، قَالُوا: لِأَن الرَّسُول لم تزل مَعَه سكينَة، وَهَذَا لَا يُنَافِي تجدّد سكينَة خَاصَّة بِتِلْكَ الْحَال. قَوْله: (وأيده بِجُنُود) أَي: الْمَلَائِكَة. قَوْله: (وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى) قَالَ ابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِكَلِمَة الَّذين كفرُوا: الشّرك، وَأَرَادَ بِكَلِمَة الله: لَا إلاه إلاَّ الله. {وَالله عَزِيز} فِي انتقامه من الْكَافرين: {حَكِيم} فِي تَدْبيره.
قالَتْ عَائِشَةُ وأبُو سَعِيدٍ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم وكانَ أبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الغَارِ
أما قَول عَائِشَة فَسَيَأْتِي مطولا فِي: بَاب الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة، وَفِيه: ثمَّ لحق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَار فِي جبل ثَوْر، وَأما قَول أبي سعيد فقد أخرجه ابْن حبَان من طَرِيق أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَنهُ فِي قصَّة بعث أبي بكر إِلَى الْحَج، وَفِيه: فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت أخي وصاحبي فِي الْغَار، وَأما قَول ابْن عَبَّاس، فقد أخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم من طَرِيق عَمْرو بن مَيْمُون عَنهُ، قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يرْمونَ عليا وهم يظنون أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَفِيه: فَانْطَلق أَبُو بكر فَدخل مَعَه الْغَار.

2563 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ رجَاء حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ قَالَ اشْتَرَي أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مِنْ عازِبٍ رَحْلاً بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لِعازِبٍ مُرِ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إلَيَّ رَحْلِي فَقَالَ عازِبٌ لاَ حَتَّى تُحَدِّثَنا كَيْفَ صَنَعْتَ أنْتَ وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ والمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ قَالَ ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فأحْيَيْنَا أوْ سَرَيْنا لَيْلَتَنَا ويَوْمَنَا حتَّى أظْهَرْنا وَقَامَ قائِمُ الظَّهِيرَةِ فرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أرَى مِنْ ظِلٍّ فآوَى إلَيْهِ فإذَا صَخْرَة أتَيْتُهَا فنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ الله فاضْطَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ انْطَلَقْتُ أنْظُرُ مَا حَوْلِي هَلْ أرَي مِنَ الطَّلَبِ أحَدَاً فإذَا أَنا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أرَدْنَا فسألْتُهُ فقُلْتُ لَهُ لِمَنْ أنْتَ يَا غُلاَمُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فعَرَفْتُهُ فقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ أنْتَ حالِبٌ لَبَناً قَالَ نعَمْ فأمَرْتُهُ فاعْتَقَلَ شَاة مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أمَرْتُهُ أنْ يَنْفُضَ ضَرْعَها مِنَ الغُبارِ ثُمَّ أمَرْتُهُ أنْ ينفضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا ضرَبَ إحْدَى كَفَّيْهِ بالأخْرَى فحَلَبَ لِي كُثبَة مِنْ لَبَنٍ وقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إدَاوَةً علَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فصَبَبْتُ علَى اللَّبَنِ حتَّى بَرَدَ أسْفَلهُ فانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فقُلْتُ لَهُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله فَشَربَ حَتَّى رَضيتُ ثُمَّ قُلْتُ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رسُولَ الله قَالَ بَلَى فارْتَحَلْنَا والقَوْمُ يَطْلُبُونا فلَمْ يُدْرِكْنا أحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشَمٍ على فرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ هذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنا يَا رَسُولَ الله فَقالَ لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من حَيْثُ إِن فِيهِ فَضِيلَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. وَعبد الله بن رَجَاء، بِالْجِيم وَالْمدّ: ابْن الْمثنى

(16/173)


الفداني أَبُو عَمْرو الْبَصْرِيّ، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، واسْمه عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي، والبراء بن عَازِب بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي الأوسي.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر هُنَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
قَوْله: (أَو سرينا) شكّ من الرَّاوِي، من: السرى، وَهُوَ الْمَشْي فِي اللَّيْل قَوْله: (حَتَّى أظهرنَا) كَذَا عِنْد أبي ذَر بِالْألف، وأسقطها غَيره وَالصَّوَاب الأول، أَي: صرنا فِي وَقت الظّهْر. قَوْله: (قلت: قد آن الرحيل) أَي: دخل وقته، وَقد تقدم فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ألم يأنِ الرَّحيل؟ وَلَا مُنَافَاة لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا. قَوْله: (هَذَا الطّلب) جمع الطَّالِب. قَوْله: (إِن الله مَعنا) اقْتصر فِيهِ على هَذَا الْمِقْدَار، وَقد روى الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث عَن أبي خَليفَة عَن عبد الله بن رَجَاء شيخ البُخَارِيّ فَزَاد فِيهِ فِي آخِره: وَمضى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَة لَيْلًا، فَتَنَازَعَ الْقَوْم أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ. فَذكر الْقِصَّة مُطَوَّلَة.
تُرِيحُونَ بالْعَشِيِّ وتَسْرَحُونَ بالغَدَاةِ
هَذَا إِشَارَة إِلَى تَفْسِير قَوْله: {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} (النَّحْل: 6) . وَلَا مُنَاسبَة لذكره هُنَا أصلا إلاَّ أَنه ذكر فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده، وَالصَّوَاب أَن يذكر هَذَا عِنْد حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة الْهِجْرَة، فَإِن فِيهِ: ويرعى عَلَيْهَا عَامر بن فهَيْرَة ويريحها عَلَيْهَا، وَلَا مُنَاسبَة لَهُ فِي حَدِيث الْبَراء، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ هَذِه اللَّفْظَة.

3563 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سنانٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ ثابِتٍ البُنَانِيِّ عنْ أنَسٍ عنْ أبي بَكْر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قُلْتُ لِ لنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ي الغارِ لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ نظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ الله ثالِثُهُمَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ منقبة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمُحَمّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين بَينهمَا ألف: أَبُو بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وَهُوَ من أَفْرَاده، وهما بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ ابْن أسلم الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبنانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّفْسِير عَن عبد الله بهَا مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبد بن حميد وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن زِيَاد بن أَيُّوب.
قَوْله: (عَن ثَابت) ، فِي رِوَايَة خبان بن هِلَال فِي التَّفْسِير عَن همام: حَدثنَا ثَابت. قَوْله: (عَن أنس عَن أبي بكر) فِي رِوَايَة حبَان بن هِلَال: حَدثنَا أنس حَدثنِي أَبُو بكر. قَوْله: (قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا فِي الْغَار) ، وَفِي رِوَايَة حبَان الْمَذْكُورَة، فَرَأَيْت آثَار الْمُشْركين، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن همام، فَرفعت رَأْسِي فَإِذا أَنا بأقدام الْقَوْم. قَوْله: (مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟) أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالاثنين نَفسه وَأَبا بكر، وَمعنى ثالثهما: بِالْقُدْرَةِ والنصرة والإعانة، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أَسمَاء، فَقَالَ: أسكت يَا أَبَا بكر: إثنان الله ثالثهما، فَقَوله: إثنان، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: نَحن اثْنَان، الله ناصرهما ومعينهما، وَالله تَعَالَى أعلم.

3 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُدّوا الأبْوَابَ إلاَّ بابَ أبِي بَكْر قالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، هَذَا وَصله البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة بِلَفْظ: سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد، وَهَذَا هُنَا نقل بِالْمَعْنَى، وَلَفظه: فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد. وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن سِنَان، وَلَفظه: لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد بَاب إلاَّ سُدَّ إلاَّ بَاب أبي بكر. وَالثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ وَلَفظه: سدوا عني كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

(16/174)


4563 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أبُو عامِرٍ حدَّثنَا فُلَيْحٌ قَالَ حدَّثني سالِمٌ أبُو النَّضْرِ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خطَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاسَ وَقَالَ إنَّ الله خَيَّرَ عَبْدَاً بيْنَ الدُّنْيَا وبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ الله قَالَ فبَكَى أبُو بَكْرٍ فعَجِبْنَا لِبُكائِهِ أنْ يُخْبِرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ المُخَيَّرَ وكانَ أبُو بَكْرٍ أعْلَمَنَا بِهِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِنْ أمَنِّ النَّاسِ علَيَّ فِي صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبَا بَكْرٍ ولَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلامِ ومَوَدَّتُهُ لاَ يَبْقَيَن فِي المَسْجِدِ بابٌ إلاَّ سُدَّ إلاَّ بابَ أبِي بَكْرٍ. (انْظُر الحَدِيث 664 وطرفه) .

هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد، وَقد أخرجه عَن مُحَمَّد بن سِنَان كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَهُوَ يرْوى عَن فليح، وَهنا أخرجه: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن أبي عَامر الْعَقدي، واسْمه عبد الْملك بن عَمْرو الْبَصْرِيّ عَن فليح، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ وَكَانَ اسْمه عبد الله، وفليح لقبه، وَهُوَ يروي عَن سَالم أبي النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي عَن بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد مولى الْحَضْرَمِيّ من أهل الْمَدِينَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده) ، وَفِي لفظ: (بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَين مَا عِنْده) . قَوْله: (وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِن من أمنِّ النَّاس) ، ويروي: (إِن أَمن النَّاس) . قَوْله: (أَبَا بكر) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرُوِيَ: أَبُو بكر، بِالرَّفْع وَتكلم الشُّرَّاح فِي وَجه الرّفْع بالتعسفات فَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك، بل وَجه الرّفْع إِن صَحَّ على رِوَايَة: (إِن أَمن النَّاس) ، بِدُونِ لَفْظَة: من، وَلَفظ: أَمن، أفعل تَفْضِيل من الْمَنّ وَهُوَ الْعَطاء والبذل، والمعني: إِن أبذل النَّاس لنَفسِهِ وَمَاله، لَا من الْمِنَّة. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (مَا لأحد عندنَا يَد إلاَّ كافأناه عَلَيْهَا مَا خلا أَبَا بكر، فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة) . وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: (مَا أحد أعظم مني يدا من أبي بكر، واساني بِنَفسِهِ وَمَاله، وأنكحني ابْنَته) . وَفِي حَدِيث مَالك بن دِينَار عَن أنس رَفعه: إِن أعظم النَّاس علينا منا أَبُو بكر، زَوجنِي ابْنَته وواساني بِنَفسِهِ، وَإِن خير الْمُسلمين مَالا أَبُو بكر أعتق بِلَالًا وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة، أخرجه ابْن عَسَاكِر، وَجَاء عَن عَائِشَة مِقْدَار المَال الَّذِي أنفقهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فروى ابْن حبَان من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: أنْفق أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، وَرُوِيَ عَن الزبير بن بكار عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، أَنه: لما مَاتَ أَبُو بكر مَا ترك دِينَارا وَلَا درهما. قَوْله: (وَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا) قَالَ الدَّاودِيّ: لَا يُنَافِي هَذَا قَول أبي هُرَيْرَة وَأبي ذَر وَغَيرهمَا: أَخْبرنِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن ذَلِك جَائِز لَهُم، وَلَا يجوز لأحد مِنْهُم أَن يَقُول: أَنا خَلِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلِهَذَا يَقُول: إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، وَلَا يُقَال: الله خَلِيل إِبْرَاهِيم. وَاخْتلف فِي معنى الْخلَّة واشتقاقها، فَقيل: الْخَلِيل الْمُنْقَطع إِلَى الله تَعَالَى الَّذِي لَيْسَ فِي انْقِطَاعه إِلَيْهِ ومحبته لَهُ اختلال، وَقيل: الْخَلِيل الْمُخْتَص، وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل غير وَاحِد، وَقيل: أصل الْخلَّة الاستصفاء، وَسمي إِبْرَاهِيم خَلِيل الله لِأَنَّهُ يوالي فِيهِ ويعادي فِيهِ، وخلة الله لَهُ نَصره، وَجعله إِمَامًا لمن بعده، وَقيل: الْخَلِيل أَصله الْفَقِير الْمُحْتَاج الْمُنْقَطع، مَأْخُوذ من الْخلَّة وَهِي الْحَاجة، فَسُمي إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، خَلِيلًا لِأَنَّهُ قصر حَاجته على ربه وَانْقطع إِلَيْهِ بهمه، وَلم يَجعله قبل غَيره. وَقَالَ أَبُو بكر بن فورك: الْخلَّة صفاء الْمَوَدَّة الَّتِي توجب الِاخْتِصَاص بتخلل الْأَسْرَار، وَقيل: أصل الْخلَّة الْمحبَّة، وَمَعْنَاهَا: الْإِسْعَاف والإلطاف، وَقيل: الْخَلِيل من لَا يَتَّسِع قلبه لسواه.
وَاخْتلف الْعلمَاء أَرْبَاب الْقُلُوب أَيهمَا أرفع دَرَجَة: دَرَجَة الْخلَّة أَو دَرَجَة الْمحبَّة؟ فجعلهما بَعضهم سَوَاء، فَلَا يكون الحبيب إلاَّ خَلِيلًا، وَلَا يكون الْخَلِيل إلاَّ حبيباً، لكنه خص إِبْرَاهِيم بالخلة وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا السَّلَام، بالمحبة، وَبَعْضهمْ قَالَ: دَرَجَة الْخلَّة أرفع، وَاحْتج بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي، فَلم يَتَّخِذهُ وَقد أطلق، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،

(16/175)


الْمحبَّة لفاطمة وابنيها وَأُسَامَة وَغَيرهم. وَأَكْثَرهم جعل الْمحبَّة أرفع من الْخلَّة لِأَن دَرَجَة الحبيب نَبينَا أرفع من دَرَجَة الْخَلِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وأصل الْمحبَّة الْميل إِلَى مَا يُوَافق الْمُحب، وَلَكِن هَذَا فِي حق من يَصح الْميل مِنْهُ وَالِانْتِفَاع بالوفق وَهِي دَرَجَة الْمَخْلُوق، وَأما الْخَالِق عز وَجل فمنزه عَن الْأَعْرَاض فمحبته لعَبْدِهِ تَمْكِينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أَسبَاب الْقرب وإفاضة رَحمته عَلَيْهِ، وقصواها كشف الْحجاب عَن قلبه حَتَّى يرَاهُ بِقَلْبِه وَينظر إِلَيْهِ ببصيرته، فَيكون كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث: (فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَلسَانه الَّذِي ينْطق بِهِ) ، وَلَا يَنْبَغِي أَن يفهم من هَذَا سوى التجرد لله تَعَالَى والانقطاع إِلَيْهِ والإعراض عَن غَيره، وصفاء الْقلب وإخلاص الحركات لَهُ. وَنقل ابْن فورك عَن بعض الْمُتَكَلِّمين كلَاما فِي الْفرق بَين الْمحبَّة والخلة بِكَلَام طَوِيل ملخصه: الْخَلِيل يصل بالواسطة من قَوْله: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض} (الْأَنْعَام: 57) . والحبيب يصل لحبيبه بِهِ من قَوْله: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} (النَّجْم: 9) . والخليل الَّذِي تكون مغفرته فِي حد الطمع من قَوْله: {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} (الشُّعَرَاء: 28) . والحبيب الَّذِي مغفرته فِي حد الْيَقِين من قَوْله عز وَجل: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2) . والخليل، قَالَ: {وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} (الشُّعَرَاء: 78) . والحبيب قيل لَهُ: يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي، فابتدأ بالبشارة قبل السُّؤَال، والخليل قَالَ فِي الْمحبَّة: حسبي الله، والحبيب قيل لَهُ: {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله} (الْأَنْفَال: 46) . والخليل قَالَ: {وَاجعَل لي لِسَان صدق} (الشُّعَرَاء: 78) . والحبيب قيل لَهُ: {ورفعنا لَك ذكرك} (الشَّرْح: 4) . أعطي بِلَا سُؤال. والخليل قَالَ: {واجنبني وبنيَّ أَن نعْبد الْأَصْنَام} (إِبْرَاهِيم: 53) . والحبيب قيل لَهُ: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} (الْأَحْزَاب: 33)
قَوْله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) أخوة الْإِسْلَام مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، نَحْو: أفضل من كل أخوة، ومودة لغير الْإِسْلَام. وَقيل: وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خوة الْإِسْلَام، بِغَيْر الْألف، فَقَالَ ابْن بطال: لَا أعرف معنى هَذِه الْكَلِمَة وَلم أجد خوة بِمَعْنى خلة فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَكِن وجدت فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خلة الْإِسْلَام، وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ الْألف سَقَطت من الْكَاتِب فَإِن الْألف ثَابِتَة فِي سَائِر الرِّوَايَات، وَقَالَ ابْن مَالك فِي تَوْجِيهه: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى النُّون فحذفت الْألف، وَجوز مَعَ حذفهَا ضم نون: لَكِن، وسكونها، وَلَا يجوز مَعَ إِثْبَات الْهمزَة إلاَّ سُكُون النُّون فَقَط. انْتهى. قلت: هَذَا تَوْجِيه بعيد لَا يُوَافق الْأُصُول. قَوْله: (لَا يبْقين) ، بِفَتْح أَوله وبنون التَّأْكِيد، وَرُوِيَ بِالضَّمِّ وَإِضَافَة النَّهْي إِلَى الْبَاب: تجوز لِأَن عدم بَقَائِهِ لَازم للنَّهْي عَن إبقائه، فَكَانَ الْمَعْنى: لَا تبقوه حَتَّى لَا تبقى. قَوْله: (إلاَّ سُدَّ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إلاَّ بَاب أبي بكر) ، اسْتثِْنَاء مفرغ، وَمَعْنَاهُ: لَا تبقوا بَابا غير مسدود إلاَّ بَاب أبي بكر فاتركوه بِغَيْر سد. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي آخر هَذَا الحَدِيث: فَإِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ نورا. فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسد الْأَبْوَاب الشارعة فِي الْمَسْجِد وَترك بَاب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وَإِسْنَاده قوي، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) زِيَادَة وَهِي: فَقَالُوا يَا رَسُول الله {. سدت أبوابنا؟ فَقَالَ: مَا أَنا سددتها وَلَكِن الله سدها. وَنَحْوه عَن زيد بن أَرقم أخرجه أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس، فَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبَاب. قلت: جمع بَينهمَا بِأَن المُرَاد بِالْبَابِ فِي حَدِيث عَليّ الْبَاب الْحَقِيقِيّ. وَالَّذِي فِي حَدِيث أبي بكر يُرَاد بِهِ الخوخة، كَمَا صرح بِهِ فِي بعض طرقه. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ فِي (مُشكل الْآثَار) : بَيت أبي بكر كَانَ لَهُ بَاب من خَارج الْمَسْجِد وخوخة إِلَى دَاخله، وَبَيت عَليّ لم يكن لَهُ بَاب إلاَّ من دَاخل الْمَسْجِد. قلت: فَلذَلِك لم يَأْذَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأحد أَن يمر من الْمَسْجِد، وَهُوَ جنب إلاَّ لعَلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن بَيته كَانَ فِي الْمَسْجِد، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) وَقَالَ الْخطابِيّ وَابْن بطال وَغَيرهمَا: فِي هَذَا الحَدِيث اخْتِصَاص ظَاهر لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه: إِشَارَة قَوِيَّة إِلَى اسْتِحْقَاقه للخلافة وَلَا سِيمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك كَانَ فِي آخر حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْوَقْت الَّذِي أَمرهم فِيهِ أَن لَا يؤمهم إلاَّ أَبُو بكر، وَقد ادّعى بَعضهم أَن الْبَاب كِنَايَة عَن الْخلَافَة، وَالْأَمر بالسد كِنَايَة عَن طلبَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يطلبن أحد الْخلَافَة إلاَّ أَبَا بكر، فَإِنَّهُ لَا حرج عَلَيْهِ فِي طلبَهَا، وَإِلَى هَذَا مَال ابْن حبَان، فَقَالَ بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث. وَفِيه: دَلِيل على أَن الْخلَافَة لَهُ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ حسم بقوله: سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد أطماع النَّاس كلهم عَن أَن يَكُونُوا خلفاء بعده، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل بستاناً وَجَاء آتٍ فدق الْبَاب، فَقَالَ: يَا أنس} إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبشره بالخلافة بعدِي، قَالَ

(16/176)


فَقلت: يَا رَسُول الله {أعلمهُ؟ قَالَ: أعلمهُ، فَإِذا أَبُو بكر. فَقلت: أبشر بِالْجنَّةِ وبالخلافة من بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ثمَّ جَاءَ آتٍ فَقَالَ: يَا أنس إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبالخلافة من بعد أبي بكر. قلت: أعلمهُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَخرجت فَإِذا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فبشرته. ثمَّ جَاءَ آتٍ فَقَالَ: يَا أنس} إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبشره بالخلافة من بعد عمر، وَإنَّهُ مقتول، قَالَ: فَخرجت فَإِذا عُثْمَان، قَالَ: فَدخل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا إِنِّي وَالله مَا نسيت وَلَا تمنيت وَلَا مسست ذكري بيد بَايَعْتُك، قَالَ: هُوَ ذَاك، رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.

4 - (بابُ فَضْلِ أبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعد فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَيْسَ المُرَاد البعدية الزمانية، لِأَن فضل أبي بكر كَانَ ثَابتا فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

5563 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُلَيْمَانُ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثمَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهمْ. (الحَدِيث 5563 طرفه فِي: 7963) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فضل أبي بكر ثَبت فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّمِيمِي، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَرِجَال إِسْنَاده كلهم مدنيون.
قَوْله: (نخير) أَي: كُنَّا نقُول: فلَان خير من فلَان، وَفُلَان خير من فلَان، فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبعده. كُنَّا نقُول: أَبُو بكر خير النَّاس، ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان، وَفِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع الْآتِيَة فِي مَنَاقِب عُثْمَان: كُنَّا لَا نعدل بِأبي بكر أَي: لَا نجْعَل لَهُ مثلا. وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (كُنَّا نقُول وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان) ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح غَرِيب، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (كُنَّا نقُول، وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أفضل هَذِه الْأمة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، يسمع ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُنكره) ، وعَلى هَذَا أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.

5 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً قالَهُ أبُو سَعِيدٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي سبق قبل بَاب، فراجع إِلَيْهِ.

6563 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ ولَكِنْ أخِي وصاحِبِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ، ووهيب تَصْغِير وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
قَوْله: (لاتخذت أَبَا بكر) ، عدم اتِّخَاذه أَبَا بكر خَلِيلًا لعدم اتِّخَاذه خَلِيلًا من النَّاس، فَهَذَا الحَدِيث وَغَيره دلّ على نفي الْخلَّة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأحد من النَّاس. فَإِن قلت: أخرج أَبُو الْحسن الْحَرْبِيّ فِي (فَوَائده) : عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِن أحدث عهدي بنبيكم قبل مَوته بِخمْس، دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: (إِنَّه لم يكن نَبِي إلاَّ وَقد اتخذ من أمته خَلِيلًا، وَإِن خليلي أَبُو بكر ألاَ وَإِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا. فَإِن قلت: هَذَا لَا يُقَاوم الَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَلَا يُعَارضهُ، على أَنه يُعَارضهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جُنْدُب: أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل أَن يَمُوت بِخمْس: (إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى أَن يكون لي مِنْكُم خَلِيل) . فَإِن قلت: إِن ثَبت حَدِيث أبي بن كَعْب، فَمَا التَّوْفِيق بَينه وَبَين حَدِيث جُنْدُب؟ قلت: يحمل على أَنه بَرِيء من ذَلِك تواضعاً

(16/177)


لرَبه وإعظاماً لَهُ، ثمَّ أذن الله لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم لما رَآهُ من تشوفه إِلَيْهِ وإكراماً لأبي بكر بذلك فَلَا يتنافى الخبران. قَوْله: (وَلَكِن أخي وصاحبي) ، أَي: وَلَكِن هُوَ أخي فِي الدّين وصاحبي فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والحضر وَالسّفر، وَفِي رِوَايَة خَيْثَمَة فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن أَحْمد بن أبي الْأسود عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: وَلَكِن أخي وصاحبي فِي الله تَعَالَى.

7563 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ ومُوسَى قالاَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ أيُّوبَ وَقَالَ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً لاتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلاَمِ أفْضَلُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه عَن مُعلى بن أَسد ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي ... إِلَى آخِره، وَكَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات التَّبُوذَكِي، وَهُوَ الصَّوَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده: التنوخي، وَهُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل) ، قَالَ الدَّاودِيّ: لَا أرَاهُ مَحْفُوظًا، وَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه: إِن أخوة الْإِسْلَام دون المخاللة أفضل من المخاللة دون أخوة الْإِسْلَام، وَإِن لم يكن قَوْله: لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي صَحِيحا لم يجز أَن يُقَال: أخوة الْإِسْلَام أفضل، وَلَيْسَ يقْضِي فِي هَذَا بأخبار الْآحَاد.
حدَّثَنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ أيُّوبَ مِثْلَهُ
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهَذِه الطّرق الثَّلَاثَة من أَفْرَاده.

8563 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ أخبرنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ عبْدِ الله بنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبَ أهْلُ الكُوفَةِ إِلَى ابنِ الزُّبَيْرِ فِي الجَدِّ فَقَالَ أمَّا الَّذِي قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُهُ أنْزَلَهُ أبَا يَعْنِي أبَا بَكْرٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ: فضل أبي بكر حَيْثُ أجَاب بِأَن الْجد كَالْأَبِ فِي اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث. وَابْن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَقد مر عَن قريب. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كتب أهل الْكُوفَة) أَي: بعض أَهلهَا، وَهُوَ عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، وَكَانَ ابْن الزبير جعله على قَضَاء الْكُوفَة. قَوْله: (فِي الْجد) أَي: فِي مَسْأَلَة الْجد وميراثه. قَوْله: (أما الَّذِي) ، جَوَاب، أما، هُوَ قَوْله: أنزلهُ، وَالْفَاء فِيهِ محذوفة، أَي: أنزل أَبُو بكر الْجد منزلَة الْأَب فِي الْإِرْث، وَحَاصِله أَنه قَالَ فِي جوابهم: أما الَّذِي قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَقه: (لَو كنت متخذاً خَلِيلًا لاتخذته) ، جعل الْجد كَالْأَبِ وأنزله مَنْزِلَته فِي اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث، يُرِيد أَنه يَرث وَحده دون الْأُخوة كَالْأَبِ، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك، أَنه يقاسم الْإِخْوَة مَا لم ينقصهُ ذَلِك عَن الثُّلُث، وَهُوَ قَول زيد.

(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهَذَا كالفصل لما قبله.

9563 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قالاَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ مُحَمَّدِ ابنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عنْ أبِيهِ قَالَ أتَتِ امْرَأةٌ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَهَا أنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ قالَتْ أرَأيْتَ إنْ جِئْتُ ولَمْ أجِدْكَ كأنَّهَا تَقُولُ المَوْتُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إنْ لَمْ تَجِدِينِي فأتِي أبَا بَكْرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى فَضله. وَفِيه: إِشَارَة أَيْضا إِلَى أَنه هُوَ الْخَلِيفَة من بعده، وأصرح من هَذَا دلَالَة على أَنه هُوَ الْخَلِيفَة من بعده، مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عصمَة بن مَالك، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله إِلَى من ندفع صدقَات أَمْوَالنَا بعْدك؟ قَالَ: إِلَى أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه ضعف، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث سهل

(16/178)


بن أبي حثْمَة، قَالَ: بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْرَابِيًا، فَسَأَلَهُ إِن أَتَى عَلَيْهِ أَجله من يَقْضِيه؟ فَقَالَ: أَبُو بكر، ثمَّ سَأَلَهُ من يَقْضِيه بعده؟ قَالَ: عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ... الحَدِيث.
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى، وَمُحَمّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن زيد الْقرشِي الْأمَوِي، وَكِلَاهُمَا من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي الِاعْتِصَام عَن عبيد الله بن سعد، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عباد بن مُوسَى وَعَن حجاج بن الشَّاعِر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن عبد بن حميد.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (إِن جِئْت وَلم أجدك) كَأَنَّهَا كنت عَن موت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومرادها: إِن جِئْت فوجدتك قد مت، مَاذَا أعمل؟ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَإِن رجعت فَلم أجدك؟ تعررض بِالْمَوْتِ. وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي (الْأَحْكَام) كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْت. .

0663 - حدَّثني أحمدُ بنُ أبِي الطَّيِّبِ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ مُجَالِدٍ حدَّثنا بَيانُ بنُ بِشْرٍ عنْ وَبَرَةَ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ هَمَّامٍ قَالَ سَمِعْتُ عَمَّارَاً يقُولُ رأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا مَعَهُ إلاَّ خَمْسَةُ أعْبُدٍ وامْرَأتَانِ وأبُو بَكْرٍ. (الحَدِيث 0663 طرفه فِي: 7583) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي أبي بكر فَضِيلَة خَاصَّة لسبقه فِي الْإِسْلَام حَيْثُ لم يسلم أحد قبله من الرِّجَال الْأَحْرَار، وَأحمد بن أبي الطّيب، اسْمه سُلَيْمَان الْمروزِي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث، وَإِسْمَاعِيل بن مجَالد بِالْجِيم ابْن عُمَيْر الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون: ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: الْمعلم الأحمسي بالمهملتين التَّابِعِيّ، ووبرة، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا ابْن عبد الرَّحْمَن الْحَارِثِيّ، وَهَمَّام بن الْحَارِث النَّخعِيّ الْكُوفِي مر فِي الصَّلَاة. وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد، وعمار هُوَ ابْن يَاسر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي إِسْلَام أبي بكر عَن عبد الله عَن يحيى بن معِين.
قَوْله: (وَمَا مَعَه) أَي: مِمَّن أسلم. قَوْله: (إلاَّ خَمْسَة أعبد) ، وهم: بِلَال، وَزيد بن حَارِثَة، وعامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر فَإِنَّهُ أسلم قَدِيما مَعَ أبي بكر، وَأَبُو فكيهة مولى صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف، ذكر ابْن إِسْحَاق أَنه أسلم حِين أسلم بِلَال فَعَذَّبَهُ أُميَّة فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ، وَعبيد بن زيد الحبشي. وَذكر ابْن السكن فِي (كتاب الصَّحَابَة) : عَن عبد الله بن دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَرثهُ من أَبِيه هُوَ وَأم أَيمن) . وَفِي (التَّلْوِيح) : هم: عمار، وَزيد بن حَارِثَة، وبلال، وعامر بن فهَيْرَة، وشقران والمرأتان خَدِيجَة وَأم الْفضل زوج الْعَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقيل: الْمَرْأَتَانِ خَدِيجَة وَأم أَيمن أَو سميَّة. قلت: عمار بن يَاسر مولى بن مَخْزُوم وَأمه سميَّة بنت خياط، وَكَانَ هُوَ وَأَبوهُ يُعَذبُونَ فِي الله (فَمر بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم يُعَذبُونَ، وَقَالَ صبرا آل يَاسر، فَإِن مَوْعدكُمْ الْجنَّة) ، وشقران، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْقَاف: لقب واسْمه صَالح بن عدي الحبشي، وَقيل: أَوْس، وَقيل: هُرْمُز، وَرثهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أمه، وَقيل: عَن أَبِيه، وَقيل: كَانَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فوهبه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

1663 - حدَّثني هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ حدَّثنا صدَقَةُ بنُ خالِدٍ حدَّثنا زَيْدُ بنُ واقِدٍ عنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ عائِذِ الله أبِي إدْرِيسَ عنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنْتُ جالِسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ أقْبَلَ أبُو بَكْر آخِذاً بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أبْدَى عنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا صاحِبُكُمْ فَقَدْ غامَرَ فَسَلَّمَ وَقَالَ يَا رسُولَ الله إنَّهُ كانَ بَيْنِي وبَيْنَ ابنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ فأسْرَعْتُ إلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فسألْتُهُ أنْ يَغْفِرَ لِي فأبَى علَيَّ فأقْبَلْتُ إلَيْكَ فقالَ يَغْفِرُ الله لَكَ يَا أبَا بَكْر ثلاثَاً ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ فأتَى مَنْزِلَ أبِي بَكْرٍ فسَألَ أثَمَّ أبُو بَكْرٍ فقالُوا لَا فأتَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسلَمَ عَلَيْهِ فجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيُّ صلى الله

(16/179)


عَلَيْهِ وَسلم يتَمَعَّرُ حتَّى أشْفَقَ أبُو بَكْرٍ فَجَثَا علَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله وَالله أنَا كُنْتُ أظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله بعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وقالَ أبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسانِي بنَفْسِهِ ومالِهِ فَهَلْ أنْتُمْ تَارِكُو لِي صاحِبي مرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. (الحَدِيث 1663 طرفه فِي: 0464) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام بن عمار بن نصير أَبُو الْوَلِيد السّلمِيّ الدِّمَشْقِي، وَصدقَة بن خَالِد أَبُو الْعَبَّاس مولى أم الْبَنِينَ بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب أُخْت مُعَاوِيَة، وَزيد بن وَاقد، بِكَسْر الْقَاف الدِّمَشْقِي: ثِقَة قَلِيل الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة الْحَضْرَمِيّ الشَّامي، وعائذ الله، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من العوذ: ابْن عبد الله الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالنون، وكنيته أَبُو إِدْرِيس وَهَؤُلَاء كلهم شَامِيُّونَ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله، قيل: إِنَّه حَمَّاد الْأَيْلِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (عَن بسر بن عبيد الله) ، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن الْعَلَاء عِنْد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير: حَدثنِي بسر بن عبيد الله حَدثنِي أَبُو إِدْرِيس سَأَلت أَبَا الدَّرْدَاء. قَوْله: (أما صَاحبكُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أما صَاحبك، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (فقد غامر) ، بالغين الْمُعْجَمَة أَي: خَاصم ولابس الْخُصُومَة وَنَحْوهَا من الْأُمُور، يُقَال: دخل فِي غمرة الْخُصُومَة وَهِي معظمها، وغمر الْحَرْب وَنَحْوهَا، والمغامر الَّذِي يَرْمِي بِنَفسِهِ فِي الْأُمُور والحروب، وَقيل: من المعاجلة أَي: سارع. قَوْله: (فَسلم) ، بتَشْديد اللَّام من السَّلَام، وَوَقع عِنْد أبي نعيم فِي (الْحِلْية) : حَتَّى سلم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر الرَّد، وَهُوَ مِمَّا يحذف للْعلم بِهِ، وقسيم: إِمَّا مَحْذُوف نَحوه، وَأما غَيره فَلَا أعلمهُ. قَوْله: (أثَمَّ؟) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم والهمزة للاستفهام أَي: أهنا أَبُو بكر؟ قَوْله: (شَيْء) ، وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير: بيني وَبَينه محاورة، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: مُرَاجعَة. قَوْله: (نَدِمت) ، زَاد مُحَمَّد بن الْمُبَارك: على مَا كَانَ. قَوْله: (فَسَأَلته أَن يغْفر لي) وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير: أَن يسْتَغْفر لَهُ فَلم يفعل حَتَّى أغلق بَابه فِي وَجهه. قَوْله: (فَأبى عَليّ) ، زَاد مُحَمَّد بن الْمُبَارك: فتبعته إِلَى البقيع حَتَّى خرج من دَاره. قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: أعَاد هَذِه الْكَلِمَة ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (يتمعر) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة أَي: تذْهب نضارته من الْغَضَب، وَأَصله من المعر، وَهُوَ: الجدب، يُقَال: أمعر الْمَكَان إِذا أجدب، وَيُقَال: مَعْنَاهُ يتَغَيَّر لَونه من الضجر، وَيُقَال: ذهب رونقه حَتَّى صَار كالمكان الأمعر. قَوْله: (حَتَّى أشْفق أَبُو بكر) أَي: حَتَّى خَافَ أَبُو بكر أَن يكون من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر مَا يكره. قَوْله: (فَجَثَا) ، بِالْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة أَي: برك على رُكْبَتَيْهِ. قَوْله: (أَنا كنت أظلم) أَي: من عمر فِي الْقِصَّة الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ البادي. قَوْله: (مرَّتَيْنِ) أَي: قَالَ ذَلِك القَوْل مرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مرَّتَيْنِ، ظرف لقَالَ. أَو لقَوْله: كنت. قَوْله: (وواساني) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: وأوساني، وَالْأول أوجه لِأَنَّهُ من الْمُوَاسَاة. قَوْله: (تاركو لي صَاحِبي) ، وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير (تاركون لي) ، على الأَصْل. قَوْله: (لي) فصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بالجار وَالْمَجْرُور عناية بِتَقْدِيم لفظ الِاخْتِصَاص، وَذَلِكَ جَائِز كَقَوْل الشَّاعِر:
(فَرَشُني بِخَير لَا أكونن ومدحتي ... كناحت يَوْمًا صَخْرَة بعسيل)

قلت: رشني: أَمر من راش يريش، يُقَال: رَشَّتْ فلَانا: أصلحت حَاله، وَالْوَاو فِي: ومدحتي للمصاحبة، أَي: مَعَ مدحتي والاستشهاد فِيهِ فِي قَوْله: يَوْمًا، فَإِنَّهُ ظرف فصل بِهِ بَين الْمُضَاف وَهُوَ قَوْله: كناحت، وَبَين الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ: صَخْرَة، وَالتَّقْدِير: كناحت صَخْرَة يَوْمًا بعسيلٍ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة: وَهُوَ قضيب الْفِيل، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَبِهَذَا يرد على أبي الْبَقَاء حَيْثُ يَقُول إِن حذف النُّون من خطأ الروَاة، لِأَن الْكَلِمَة: لَيست مُضَافَة وَلَا فِيهَا ألف وَلَام، وَإِنَّمَا يجوز فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَا وَجه لإنكاره لوُقُوع مثل هَذِه كثيرا فِي الْأَشْعَار وَفِي الْقُرْآن أَيْضا فِي قِرَاءَة ابْن عَامر، {وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركائهم} ، بِنصب أَوْلَادهم، وجر شركائهم. قَوْله: (فَمَا أوذي بعْدهَا) أَي: فَمَا أوذي أَبُو بكر بعد هَذِه الْقَضِيَّة لأجل مَا أظهره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم من تَعْظِيمه أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد: الدّلَالَة على فضل أبي بكر على جَمِيع الصَّحَابَة، وَلَيْسَ يَنْبَغِي للفاضل أَن يغاضب من هُوَ أفضل مِنْهُ، وَجَوَاز مدح الرجل فِي وَجهه، وَمحله: إِذا أَمن عَلَيْهِ الافتتان

(16/180)


والاغترار. وَفِيه: مَا طبع عَلَيْهِ الْإِنْسَان من البشرية حَتَّى يحملهُ الْغَضَب على ارْتِكَاب خلاف الأولى. لَكِن الْفَاضِل فِي الدّين يسْرع الرُّجُوع إِلَى الأول لقَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا} (الْأَعْرَاف: 201) . وَفِيه: أَن غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو بلغ فِي الْفضل الْغَايَة، فَلَيْسَ بمعصوم. وَفِيه: اسْتِحْبَاب سُؤال الاسْتِغْفَار والتحلل من الْمَظْلُوم. وَفِيه: أَن من غضب على صَاحبه نسبه إِلَى أَبِيه أوجده وَلم يسمه باسمه، وَذَلِكَ من قَول أبي بكر لما جَاءَ وَهُوَ غَضْبَان من عمر: كَانَ بيني وَبَين ابْن الْخطاب، فَلم يذكرهُ باسمه، وَنَظِيره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا إِن كَانَ ابْن أبي طَالب يُرِيد أَن ينْكح ابنتهم. وَفِيه: أَن الرّكْبَة لَيست بِعَوْرَة.

2663 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ المُخْتَارِ قَالَ خالِدٌ الحَذَّاءُ حدَّثنا عنْ أبِي عُثْمَانَ قَالَ حدَّثني عَمْرُو بنُ العَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ فأتَيْتُهُ فَقُلْتُ أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ عائِشَةُ فقُلْتُ مِنَ الرّجَالِ فَقَالَ أبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قالَ ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَعَدَّ رِجالاً. (الحَدِيث 2663 طرفه فِي: 8534) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَذَلِكَ لِأَن كَون أحب النَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر، يدل على أَن لَهُ فضلا كثيرا وَأَنه أفضل النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار أَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ الدّباغ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بالنُّون، وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم بصريون إلاَّ الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق بن شاهين وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِبْرَاهِيم ابْن يَعْقُوب وَبُنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي قدامَة عبيد الله بن سعيد.
قَوْله: (خَالِد الْحذاء حَدثنَا) هُوَ من تَقْدِيم الِاسْم على الصّفة، وَقد استعملوه كثيرا، تَقْدِير الْكَلَام: حَدثنَا عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا خَالِد الْحذاء عَن أبي عُثْمَان. قَوْله: (ذَات السلَاسِل) بسينين مهملتين وَالْمَشْهُور فتح الأولى على لفظ جمع السلسلة، وَضَبطه كَذَلِك أَبُو عبيد الْبكْرِيّ، وضبطها ابْن الْأَثِير بِالضَّمِّ ثمَّ فسره بِمَعْنى: السلسال، أَي: السهل، وَفَسرهُ أَبُو عبيد: بِأَنَّهُ اسْم مَكَان سمي بذلك لأَنهم كَانُوا مبعوثين إِلَى أَرض بهَا رمل ينْعَقد بعضه على بعض كالسلسلة، وَكَانَت غَزْوَة ذَات السلَاسِل سنة سبع، كَذَا صَححهُ ابْن أبي خَالِد فِي (تَارِيخه) . وَقَالَ ابْن سعد وَالْحَاكِم: فِي سنة ثَمَان فِي جمادي الْآخِرَة، وَذكر ابْن إِسْحَاق: أَن أم الْعَاصِ بن وَائِل كَانَت من بلي، فَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْعَرَب يستنفر إِلَى الْإِسْلَام يستألفهم بذلك حَتَّى إِذا كَانَ على مَاء بِأَرْض حذام يُقَال لَهُ: السلَاسِل، وَبِه سميت تِلْكَ الْغَزْوَة، ذَات السلَاسِل، على مَا يَأْتِي الْبَاقِي فِي الْمَغَازِي. وَقَالَ ابْن التِّين: سميت ذَات السلَاسِل لِأَن الْمُشْركين ارْتبط بَعضهم إِلَى بعض مَخَافَة أَن يَفروا، وَعَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ: هِيَ مَشَارِق الشَّام إِلَى بلي وَسعد الله وَمن يليهم من قضاعة وَكِنْدَة وبلقين وصحنان وكفار الْعَرَب، وَيُقَال لَهَا: بدر الْآخِرَة، وَقَالَ ابْن سعد: وَهِي وَادي الْقرى بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام. قَوْله: (فَقلت: أَي النَّاس أحب إِلَيْك؟) هَذَا السُّؤَال من عمر، وَإِنَّمَا كَانَ لما وَقع فِي نَفسه حِين أمره على الْجَيْش وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر أَنه مقدم عِنْده فِي الْمنزلَة عَلَيْهِم، فَسَأَلَهُ لذَلِك. قَوْله: (فعد رجَالًا) ، ويروى: فعدد رجَالًا يحْتَمل أَن يكون مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة ابْن الْجراح، على مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبيد الله بن شَقِيق. قَالَ: قلت لعَائِشَة: أَي أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أحب إِلَيْهِ؟ قَالَت: أَبُو بكر، قلت: ثمَّ من؟ قَالَت: عمر، قلت: ثمَّ من؟ قَالَت: أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح. قلت: ثمَّ من؟ فَسَكَتَتْ) قيل: يحْتَمل أَن يُفَسر بعض الرِّجَال الَّذين أبهموا فِي حَدِيث الْبَاب بِأبي عُبَيْدَة.

3663 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ عَوْفٍ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فأخَذَ مِنْهَا شَاة فطَلَبَهُ الرَّاعِي فالْتَفَتَ إلَيْهِ الذئْبُ فقالَ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ

(16/181)


لَهَا رَاعٍ غَيْرِي وبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قدْ حَمَلَ عَلَيْهَا فالْتَفَتَتْ إلَيْهِ فكَلَّمَتْهُ فقالَتْ إنِّي لَمْ أخْلقْ لهَذَا ولَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ قَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ الله فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَال إِسْنَاده على هَذَا النسق قد تكَرر ذكرهم جدا. والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل فِي، بَاب مُجَرّد بعد حَدِيث الْغَار، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَقد مر الْكَلَام فِي: بَيْنَمَا وَبينا، غير مرّة. قَوْله: (رَاع) ، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ متصف. بقوله: (فِي غنمه) وَخَبره هُوَ قَوْله: (عدا عَلَيْهِ الذِّئْب) . قَوْله: (يَوْم السَّبع) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، ويروى بِالسُّكُونِ، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت هُنَاكَ.

4663 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبَرنا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبرَني ابنُ المُسَيِّبِ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ بَيْنَا أنَا نائمٌ رأيْتُنِي على قلِيبٍ علَيْهَا دَلْوٌ فنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شاءَ الله ثُمَّ أخذَهَا ابنُ أبِي قُحافَةَ فنَزَعَ بِهَا ذُنوباً أَو ذَنُوبَينِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبَاً فأخَذَهَا ابنُ الخَطَّابِ فلَمْ أرَ عَبْقَرِيَّاً مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ ينْزع من القليب، وَذكره قبل عمر وَهُوَ يدل على سبق أبي بكر على عمر، وَأَن عمر من بعده، وَأما ضعفه فِي النزع فَلَا يدل على النَّقْص لِأَن أَيَّامه كَانَت قَصِيرَة على مَا ذكرنَا. وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان وَشَيْخه عبد الله بن الْمُبَارك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن حَرْمَلَة بن يحيى، وَقد مر نَظِيره فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عبد الله بن عمر، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. والقليب: بِئْر يحْفر فيقلب ترابها قبل أَن تطوى، والغرب: الدَّلْو أكبر من الذَّنوب، والعبقري: كل شَيْء يبلغ النِّهَايَة بِهِ، والعطن: مناخ الْإِبِل.

5663 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخبرنَا عبْدُ الله أخبرَنا مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إليْهِ يَومَ القِيَامَةِ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ إنَّ أحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إلاَّ أنْ أتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاءَ قَالَ مُوساى فقُلْتُ لِسالِمٍ أذَكَرَ عَبْدُ الله مَنْ جَرَّ إزَارَهُ فَقال لَمْ أسْمَعْهُ ذَكَرَ إلاَّ ثَوْبَهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّك لست تصنع ذَلِك خُيَلَاء) وَفِيه: فَضِيلَة لأي بكر حَيْثُ شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ بِمَا يُنَافِي مَا يكره، وَعبد الله شيخ شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن النُّفَيْلِي عَن زُهَيْر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عَليّ بن حجر.
قَوْله: (خُيَلَاء) ، أَي: كبرا وتبختراً، وانتصابه على أَنه مفعول لَهُ أَي: لأجل الْخُيَلَاء. قَوْله: (لم ينظر الله إِلَيْهِ) أَي: لَا يرحمه، فالنظر هُنَا مجَاز عَن الرَّحْمَة، وَأما إِذا اسْتعْمل فِي الْمَخْلُوق يُقَال: لَا ينظر إِلَيْهِ زيد، فَهُوَ كِنَايَة. قَوْله: (يسترخي) لَعَلَّ عَادَته أَنه عِنْد الْمَشْي يمِيل إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ إلاَّ أَن يحفظ نَفسه عَن ذَلِك. قَوْله: (فَقلت لسالم) الْقَائِل هُوَ مُوسَى بن عقبَة. قَوْله: (أذكر؟) فعل مَاض دخلت عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام. (وَعبد الله) فَاعله. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: فَقَالَ سَالم: لم أسمع عبد الله ذكر فِي حَدِيثه إلاَّ ثَوْبه.

(16/182)


6663 - حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي حُمَيْدُ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقولُ مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأشْيَاءِ فِي سَبِيلِ الله دُعِيَ مِنْ أبْوَابِ يَعْنِي الجَنَّةَ يَا عَبْدَ الله هذَا خَيْرٌ فَمَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصَّلاةِ ومَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بابِ الجِهَادِ ومَنْ كانَ مَنْ أهْل الصَّدَقَةِ دُعِيَ مَنْ بابِ الصَّدَقَةِ ومنْ كانَ مَنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصِّيَامُ وبابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ مَا عَلَى هذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ وقالَ هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أحَدٌ يَا رسُولَ الله قَالَ نَعَمْ وأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أبَا بَكْرٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم يَا أَبَا بكر) ورجاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاقع مُحَقّق. وَفِيه: أقوى دَلِيل على فَضِيلَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب الريان للصائمين من طَرِيق آخر عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي سَبِيل الله) أَي: فِي طلب ثَوَاب الله، وَهُوَ أَعم من الْجِهَاد وَغَيره. قَوْله: (هَذَا خير) ، يَعْنِي: فَاضل لَا بِمَعْنى أفضل، وَإِن كَانَ اللَّفْظ يحْتَمل ذَلِك. قَوْله: (بَاب الريان) بدل أَو بَيَان عَمَّا قبله، وَذكر هُنَا أَرْبَعَة أَبْوَاب من أَبْوَاب الْجنَّة. وَقَالَ بَعضهم: وَتقدم فِي أَوَائِل الْجِهَاد أَن أَبْوَاب الْجنَّة ثَمَانِيَة، وَبَقِي من الْأَركان الْحَج فَلهُ بَاب بِلَا شكّ، وَأما الثَّلَاثَة الْأُخْرَى. فَمِنْهَا: بَاب الكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس، رَوَاهُ أَحْمد عَن روح بن عبَادَة عَن الْأَشْعَث عَن الْحسن مُرْسلا: إِن لله بَابا فِي الْجنَّة لَا يدْخلهُ إلاَّ من عَفا من مظْلمَة. وَمِنْهَا: الْبَاب الْأَيْمن وَهُوَ: بَاب المتوكلين الَّذِي يدْخل مِنْهُ من لَا حِسَاب عَلَيْهِ وَلَا عَذَاب. وَأما الثَّالِث فَلهُ بَاب الذّكر، فَإِن عِنْد التِّرْمِذِيّ مَا يوميء إِلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون بَاب الْعلم. انْتهى. قلت: مَا فِيهِ من طَرِيق الظَّن والحسبان، وَلَا تَنْحَصِر الْأَبْوَاب الَّتِي أعدت للدخول مِنْهَا لأَصْحَاب الْأَعْمَال الصَّالِحَة من أَنْوَاع شَتَّى، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْأَبْوَاب الثَّمَانِية الَّتِي دلّ الْقُرْآن على أَرْبَعَة مِنْهَا، والْحَدِيث على أَرْبَعَة أُخْرَى، وَإِنَّمَا المُرَاد من تِلْكَ الْأَبْوَاب هِيَ الْأَبْوَاب الَّتِي هِيَ فِي دَاخل الْأَبْوَاب الثَّمَانِية. قَوْله: (مَا على هَذَا الَّذِي يدعى من تِلْكَ الْأَبْوَاب) أَي: من أحد تِلْكَ الْأَبْوَاب، وَفِيه إِضْمَار وَهُوَ من توزيع الْأَفْرَاد على الْأَفْرَاد، لِأَن الْجمع والموصول كِلَاهُمَا عامَّان وَكلمَة: مَا، للنَّفْي. قَوْله: (من ضَرُورَة) أَي: من ضَرَر، وَالْمَقْصُود دُخُول الْجنَّة، فَلَا ضَرَر لمن دخل من أَي بَاب دَخلهَا. فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث عمر: من تَوَضَّأ، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إلاه إلاَّ الله ... الحَدِيث. . فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة يدخلهَا من أَيهَا شَاءَ. قلت: لَا مُنَافَاة بَينه وَبَين مَا تقدم، وَإِن كَانَ ظَاهره الْمُعَارضَة، لِأَنَّهُ يفتح لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة على سَبِيل التكريم، ثمَّ عِنْد دُخُوله لَا يدْخل إلاَّ من بَاب الْعَمَل الَّذِي يكون أغلب عَلَيْهِ، وَالله أعلم.

7663 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماتَ وأبُو بَكْرٍ بالسُّنْحِ قَالَ إسْمَاعِيلُ يَعْنِي بالْعَالِيَة فقامَ عُمَرُ يَقُولُ وَالله مَا ماتَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالتْ وَقَالَ عُمَرُ وَالله مَا كانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إلاَّ ذاكَ ولَيَبْعَثَنَّهُ الله فلَيَقْطَعَنَّ أيْدِيَ رِجالٍ وأرْجُلَهُمْ فَجاءَ أبُو بَكْرٍ فكَشَفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَّلَهُ قَالَ بأبِي أنْتَ وأُمِّي طِبْتَ حَيَّاً ومَيِّتَاً وَالله الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ الله المَوْتَتَيْنِ أبَدَاً ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أيُّهَا الحَالِفُ علَى رِسْلِكَ فلَمَّا تَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ جَلَس عُمَرُ. فَحَمِدَ الله أبُو بَكْرٍ وأثْنَى علَيْهِ وَقَالَ ألاَ مَنْ كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(16/183)


فإنَّ مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ ماتَ ومَنْ كانَ يَعْبُدُ الله فإنَّ الله حَيٌّ لاَ يَمُوتُ وَقَالَ إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ علَى أعْقَابِكُمْ ومنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فلَنْ يَضُرَّ الله شيْئاً وسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ قَالَ فنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ قَالَ واجْتَمَعَتِ الأنْصارُ إِلَى سَعْدِ بنُ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أمِيرٌ ومِنْكُمْ أمِيرٌ فذَهَبَ إلَيْهِمْ أبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وأبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ فذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فأسْكَتَهُ أبُو بَكْرٍ وكانَ عُمَرُ يَقُولُ وَالله مَا أرَدْتُ بِذَلِكَ إلاَّ أنِّي قَدْ هَيَّأتُ كَلاَماً قَدْ أعْجَبَنِي خَشيتُ أنْ لاَ يَبْلُغَهُ أبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ فتَكَلَّمَ أبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ نَحْنُ الأمَرَاءُ وأنْتُمُ الوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَاب بنُ الْمُنْذِرِ لاَ وَالله لَا نَفْعَلُ مِنَّا أمِيرٌ ومِنْكُمْ أمِيرٌ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ ولَكِنَّا الأُمَرَاءُ وأنْتُمُ الوُزَرَاءُ هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ دَارَاً وأعْرَبُهُمْ أحْسَابَاً فَبايَعُوا عُمَرَ أوْ أبَا عُبَيْدَةَ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبايِعُكَ أنْتَ فأنْت سَيِّدُنَا وخَيْرُنا وأحَبُّنَا إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبايَعَهُ وبايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ الله. وقَالَ عَبْدُ الله بنُ سالِمٍ عنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ أخْبرنِي القاسِمُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ شَخَضَ بَصَرُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى ثَلاثاً وقَصَّ الحَدِيثَ قالَتْ عائِشَةُ فَما كانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِما مِنْ خُطْبَةٍ إلاَّ نَفَعَ الله بِهَا لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وإنَّ فِيهِمْ لَنِفاقاً فرَدَّهُمْ الله بِذَلِكَ. ثُمَّ لَقدْ بَصَّرَ أبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَي وعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الَّذِي علَيْهِمْ وخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ فَضِيلَة أبي بكر على سَائِر الصَّحَابَة حَيْثُ قدَّم على الْكل فَصَارَ خَليفَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر رجال الحَدِيث: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله ابْن أُخْت مَالك بن أنس. الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير ابْن الْعَوام. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
ذكر الرِّجَال الَّذين فِيهِ: أَبُو بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَسعد بن عبَادَة بن دلهم ابْن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَكَانَ نقيب بني سَاعِدَة عِنْد جَمِيعهم وَشهد بَدْرًا عِنْد الْبَعْض وَلم يُبَايع أَبَا بكر وَلَا عمر، وَسَار إِلَى الشَّام فَأَقَامَ بحوران إِلَى أَن مَاتَ سنة خمس عشرَة، وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه وجد مَيتا على مغتسله، قيل: إِن قَبره بالمنيحة، قَرْيَة من غوطة دمشق، وَهُوَ مَشْهُور يزار إِلَى الْيَوْم. وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح واسْمه عَامر بن عبد الله بن الْجراح، مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة فِي طاعون عمواس، وقبره بغور بيسان عِنْد قَرْيَة تسمى عميا. وحباب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى: ابْن الْمُنْذر بن الجموح الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، وَهُوَ الْقَائِل يَوْم السَّقِيفَة: أَنا جديلها المحنك، وعذيقها المرجب، منا أَمِير ومنكم أَمِير. مَاتَ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعبد الله بن سَالم أَبُو يُوسُف الْأَشْعَرِيّ الشَّامي، مَاتَ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة. والزبيدي، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: واسْمه مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر أَبُو الْهُذيْل الشَّامي الْحِمصِي الزبيدِيّ، وَقَالَ ابْن سعد: مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَهُوَ ابْن سبعين سنة. وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

(16/184)


ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَأَبُو بكر بالسنح) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون بعْدهَا حاء مُهْملَة، وَضَبطه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ بِضَم النُّون، وَقَالَ: إِنَّه منَازِل بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج بالعوالي، بَينه وَبَين الْمَسْجِد النَّبَوِيّ ميل، وَبِه ولد عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَكَانَ أَبُو بكر نازلاً بِهِ وَمَعَهُ أَسمَاء ابْنَته، وَسكن هُنَاكَ أَبُو بكر لما تزوج ابْنة خَارِجَة الْأَنْصَارِيَّة. قَوْله: (قَالَ إِسْمَاعِيل) ، هُوَ شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور وَهُوَ ابْن أبي أويس. قَوْله: (يَعْنِي: بِالْعَالِيَةِ) أَرَادَ تَفْسِير قَول عَائِشَة: بالسنح، الْعَالِيَة، والعوالي أَمَاكِن بِأَعْلَى أَرَاضِي الْمَدِينَة. وَأَدْنَاهَا من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال وأبعدها من جِهَة نجد ثَمَانِيَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا علوي على غير قِيَاس. قَوْله: (وَالله مَا مَاتَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، إِنَّمَا حلف عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على هَذَا بِنَاء على ظَنّه حَيْثُ أدّى اجْتِهَاده إِلَيْهِ. قَوْله: (قَالَت) أَي: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (ذَلِك) أَي: عدم الْمَوْت. قَوْله: (وليبعثنه الله) أَي: ليبْعَثن الله مُحَمَّدًا فِي الدُّنْيَا فليقطعن أَيدي رجال وأرجلهم وهم الَّذين قَالُوا بِمَوْتِهِ. قَوْله: (فجَاء أَبُو بكر) أَي: من السنح، فكشف عَن وَجه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبله، وَقد مر فِي أول الْجَنَائِز، قَالَت عَائِشَة: أقبل أَبُو بكر على فرسه من مَسْكَنه بالسنح حَتَّى نزل فَدخل الْمَسْجِد فَلم يكلم النَّاس حَتَّى دخل على عَائِشَة، فَتَيَمم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي مسجًى بِبرد حبرَة، فكشف عَن وَجهه ثمَّ أكب عَلَيْهِ فَقبله ثمَّ بَكَى. قَوْله: (بِأبي أَنْت وَأمي) أَي: أَنْت مفدى بِأبي وَأمي. قَوْله: (حَيا وَمَيتًا) أَي: فِي حَالَة حياتك وَحَالَة موتك. قَوْله: (لَا يذيقك الله الموتتين) ، بِضَم الْيَاء من الإذاقة، وَأَرَادَ بالموتتين: الْمَوْت فِي الدُّنْيَا وَالْمَوْت فِي الْقَبْر، وهما الموتتان المعروفتان المشهورتان، فَلذَلِك ذكرهمَا بالتعريف، وهما الموتتان الواقعتان لكل أحد غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي قُبُورهم، بل هم أَحيَاء، وَأما سَائِر الْخلق فَإِنَّهُم يموتون فِي الْقُبُور ثمَّ يحيون يَوْم الْقِيَامَة. وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة: أَن فِي الْقَبْر حَيَاة وموتاً فَلَا بُد من ذوق الموتتين لكل أحد غير الْأَنْبِيَاء. وَقد تمسك بقوله: (لَا يذيقك الله الموتتين) من أنكر الْحَيَاة فِي الْقَبْر، وهم الْمُعْتَزلَة وَمن نحا نحوهم، وَأجَاب أهل السّنة عَن ذَلِك بِأَن المُرَاد بِهِ نفي الْحَيَاة اللَّازِم من الَّذِي أثْبته عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بقوله: ليبعثنه الله فِي الدُّنْيَا ليقطع أَيدي الْقَائِلين بِمَوْتِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ من نفي موت عَالم البرزخ. قَوْله: (ثمَّ خرج) ، أَي: ثمَّ خرج أَبُو بكر من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (على رسلك) ، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، أَي: اتئد فِي الْحلف أَو كن على رسلك أَي: التؤدة لَا تستعجل. قَوْله: (إلاَّ من كَانَ) ، كلمة ألاَ، هُنَا للتّنْبِيه على شَيْء يَأْتِي أَو يَقُوله. قَوْله: (فنشج النَّاس) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا جِيم، يُقَال: نشج الباكي إِذا غص فِي حلقه الْبكاء، وَقيل: النشيج بكاء مَعَه صَوت، نَقله الْخطابِيّ، وَقيل: هُوَ بكاء بترجيع، كَمَا يردد الصَّبِي بكاءه فِي صَدره، وَقَالَ ابْن فَارس: نشج الباكي غص بالبكاء فِي حلقه من غير انتحاب، والنحيب بكاء مَعَ صَوت. قَوْله: (فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة) ، وَهُوَ مَوضِع سقف كالسباط كَانَ مُجْتَمع الْأَنْصَار وَدَار ندوتهم، وساعدة هُوَ ابْن كَعْب بن الْخَزْرَج، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سَاعِدَة اسْم من أَسمَاء الْأسد. قَوْله: (فَقَالُوا) ، أَي: الْأَنْصَار (منا أَمِير ومنكم أَمِير) إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك بِنَاء على عَادَة الْعَرَب أَن لَا يسود الْقَبِيلَة إلاَّ رجل مِنْهُم، وَلم يعلمُوا حِينَئِذٍ أَن حكم الْإِسْلَام بِخِلَاف ذَلِك، فَلَمَّا سمعُوا أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْخلَافَة فِي قُرَيْش) أذعنوا لذَلِك وَبَايَعُوا الصّديق. قَوْله: (خشيت أَن لَا يبلغهُ أَبُو بكر) خشيت، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الخشية وَهُوَ الْخَوْف، ويروى: (حسبت) ، بِالْحَاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ من الحسبان، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: (قد كنت زورت) ، أَي: هيأت وَحسنت مقَالَة أعجبتني أُرِيد أَن أقدمها بَين يَدي أبي بكر، وَكنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد، أَي: الحدة، فَقَالَ: على رسلك، فَكرِهت أَن أغضبهُ. قَوْله: (فَتكلم أبلغ النَّاس) ، بِنصب أبلغ على الْحَال، وأبلغ أفعل التَّفْضِيل والبلاغة فِي الْكَلَام مطابقته لمقْتَضى الْحَال مَعَ فصاحة الْكَلَام، فالحال فِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْأُمُور الداعية إِلَى الْمُتَكَلّم على الْوَجْه الْمَخْصُوص، وَيجوز الرّفْع على الفاعلية، كَذَا قَالَه بعض الشُّرَّاح، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أولى، فالتقدير: فَتكلم أَبُو بكر وَهُوَ أبلغ النَّاس، وَقَالَ السُّهيْلي: النصب أوجه ليَكُون تَأْكِيدًا لمدحه وَصرف الْوَهم عَن أَن يكون أحد مَوْصُوفا بذلك غَيره، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا ترك كلمة أعجبتني فِي تزويري إلاَّ قَالَهَا فِي بديهته وَأفضل حَتَّى سكت. قَوْله: (فَقَالَ فِي كَلَامه) ، أَي: فَقَالَ أَبُو بكر فِي جملَة كَلَامه: (نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا أَن الْإِمَارَة، أَعنِي: الْخلَافَة لَا تكون إلاَّ فِي الْمُهَاجِرين، وَأَرَادَ بقوله: (أَنْتُم الوزراء) أَنْتُم المستشارون فِي الْأُمُور تابعون للمهاجرين، لِأَن مقَام الوزارة الْإِعَانَة

(16/185)


والمشورة. والاتباع (فَقَالَ حباب بن الْمُنْذر: لَا، وَالله لَا نَفْعل) ، يَعْنِي: لَا نرضى أَن تكون الْإِمَارَة فِيكُم بل (منا أَمِير ومنكم أَمِير) أَرَادَ أَن يكون أَمِير من الْمُهَاجِرين وأمير من الْأَنْصَار، فَلم يرض أَبُو بكر بذلك، وَهُوَ معنى قَوْله: (فَقَالَ أَبُو بكر: لَا) يَعْنِي: لَا نرضى بِمَا تَقول: (لَكنا نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء) ثمَّ بَين وَجه خُصُوصِيَّة الْمُهَاجِرين بالإمارة. بقوله: (هم أَوسط الْعَرَب دَارا) أَي: قُرَيْش أَوسط الْعَرَب دَارا أَي: من جِهَة الدَّار، وَأَرَادَ بهَا مَكَّة، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ بِالدَّار أهل الدَّار، وَأَرَادَ بالأوسط الْأَخير والأشرف، وَمِنْه يُقَال: فلَان من أَوسط النَّاس. أَي: من أَشْرَفهم وأحسبهم، وَيُقَال: هُوَ من أَوسط قومه، أَي: خيارهم. قَوْله: وأعربهم أحساباً بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي: أعربهم، أَي: أشبه شمائل وأفعالاً بالعرب، ويروى (أعرَقهم) بِالْقَافِ مَوضِع الْبَاء: من العراقة، وَهِي الْأَصَالَة فِي الْحسب، وَكَذَا يُقَال فِي النّسَب والأحساب بِفَتْح الْهمزَة جمع حسب وَهُوَ الْأَفْعَال، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْحساب يَعْنِي: إِذا حسبوا مناقبهم فَمن كَانَ يعد لنَفسِهِ ولأبيه مَنَاقِب أَكثر كَانَ أَحسب. قَوْله: (فبايِعُوا عمر) ، هَذَا قَول أبي بكر، يَقُول للمهاجرين وَالْأَنْصَار: بَايعُوا عمر أَو بَايعُوا أَبَا عُبَيْدَة، إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَام حَتَّى لَا يتوهموا أَن لَهُ غَرضا فِي الْخلَافَة، وأضاف إِلَى عمر أَبَا عُبَيْدَة حَتَّى لَا يَظُنُّوا أَنه يحابي عمر، فَلَمَّا قَالَ أَبُو بكر هَذِه الْمقَالة قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: بل نُبَايِعك أَنْت، فَقَامَ وَبَايَعَهُ وَبَايع النَّاس. قَوْله: (فَقَالَ قَائِل) أَي: من الْأَنْصَار: (قتلتم سَعْدا) يَعْنِي سعد بن عبَادَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ كِنَايَة عَن الْإِعْرَاض والخذلان لَا حَقِيقَة الْقَتْل، وَقَالَ بَعضهم: يرد هَذَا مَا وَقع فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب، فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار: اتَّقوا سعد بن عبَادَة لَا تطؤه، فَقَالَ عمر: اقْتُلُوهُ قَتله الله. انْتهى. قلت: لَا وَجه قطّ للرَّدّ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد من قَول عمر: اقْتُلُوهُ، حَقِيقَة الْقَتْل، بل المُرَاد مِنْهُ أَيْضا الْإِعْرَاض عَنهُ وخذلانه، كَمَا فِي الأول وَمعنى قَول عمر (قَتله الله) دُعَاء عَلَيْهِ لعدم نصرته للحق ومخالفته للْجَمَاعَة، لِأَنَّهُ تخلف عَن الْبيعَة وَخرج من الْمَدِينَة وَلم ينْصَرف إِلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ بِالشَّام كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: (وَقَالَ عبد الله بن سَالم) قد ذَكرْنَاهُ، وَهَذَا تَعْلِيق لم يذكرهُ البُخَارِيّ إلاَّ مُعَلّقا غير تَمام وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي (مُسْند الشاميين) . قَوْله: (شخص بصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، من الشخوص وَهُوَ ارْتِفَاع الأجفان إِلَى فَوق وتحديد النّظر وانزعاجه. قَوْله: (فِي الرفيق الْأَعْلَى) ، أَي: الْجنَّة، قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) قلت: الرفيق جمَاعَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذين يسكنون أَعلَى عليين، وَهُوَ اسْم جَاءَ على فعيل وَهُوَ الْجَمَاعَة: كالصديق والخليط يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النِّسَاء: 96) . فَإِن قلت: مَا مُتَعَلق: فِي الرفيق الْأَعْلَى؟ قلت: مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق نَحْو: أدخلوني فيهم، وَذَلِكَ قَالَه حِين خير بَين الْمَوْت والحياة فَاخْتَارَ الْمَوْت. قَوْله: (وقص الحَدِيث) أَي: قصّ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ مَا قَالَه عمر من قَوْله: إِنَّه لم يمت وَلنْ يَمُوت حَتَّى يقطع أيادي رجال الْمُنَافِقين وأرجلهم، وَمَا قَالَ أَبُو بكر من قَوْله: إِنَّه مَاتَ وتلا الْآيَتَيْنِ، كَمَا مضى. قَوْله: (قَالَت) ، أَي: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (من خطبتهما) ، أَي: من خطْبَة أبي بكر وَعمر، وَكلمَة: من، للتَّبْعِيض وَمن الْأُخْرَى فِي قَوْله: (وَمن خطْبَة) زَائِدَة. قَوْله: (لقد خوف عمر) إِلَى آخِره، بَيَان الْخطْبَة الَّتِي نفع الله بهَا. قَوْله: (وَإِن فيهم لنفاقاً) ، أَي: أَن فِي بَعضهم لمنافقين، وهم الَّذين عرض بهم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قَوْله الَّذِي سبق عَن قريب. قيل: وَقع فِي رِوَايَة الْحميدِي فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : وَأَن فيهم لتقي، فَقيل: إِنَّه من إِصْلَاحه فَإِنَّهُ ظن أَن قَوْله: (وَإِن فيهم لنفاقاً) تَصْحِيف فصيره: لتقي، كَأَنَّهُ استعظم أَن يكون فِي الْمَذْكُورين نفاق. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لَا أَدْرِي هُوَ إصْلَاح مِنْهُ أَو رِوَايَة، فعلى الأول فَلَا استعظام، فقد ظهر من أهل الرِّدَّة ذَلِك، وَلَا سِيمَا عِنْد الْحَادِث الْعَظِيم الَّذِي أذهل عقول الأكابر، فَكيف بضعفاء الْإِيمَان؟ فَالصَّوَاب مَا فِي النّسخ، وَالله أعلم.

1763 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ حدَّثنا جامِعُ بنُ أبِي رَاشِدٍ حدَّثنا أبُو يَعْلَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ ل أِبِي أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرَ وخشيتُ أنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أنْتَ قَالَ مَا أنَا إلاَّ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وجامع هُوَ ابْن أبي رَاشد الصَّيْرَفِي الْكُوفِي، وَأَبُو يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف

(16/186)


وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وبالقصر: اسْمه مُنْذر من الْإِنْذَار بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل ضد الإبشار ابْن يعلى الثَّوْريّ الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة هُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، يكنى أَبَا الْقَاسِم وشهرته بِنِسْبَة أمه وَهِي من سبي الْيَمَامَة، وَاسْمهَا: خَوْلَة بنت جَعْفَر بن قيس بن مسلمة بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن ثَعْلَبَة ابْن دؤل بن حنيفَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ برضوى، وَدفن بِالبَقِيعِ، ورضوى جبل بِالْمَدِينَةِ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن شيخ البُخَارِيّ ... إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (قلت لأبي: أَي النَّاس خير؟) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُنْذر عَن مُحَمَّد بن عَليّ: قلت لأبي: يَا أبي! من خيرُ النَّاس بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أوما تعلم يَا ابْني؟ قلت: لَا، قَالَ: أَبُو بكر. قَوْله: (وخشيت) ، قيل: لِمَ خَشي من الْحق؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَعَلَّ عِنْده بِنَاء على ظَنّه أَن عليا خير مِنْهُ، وَخَافَ أَن عليا يَقُول: عُثْمَان خير مني. قَوْله: (مَا أَنا إلاَّ رجل من الْمُسلمين) ، وَهَذَا القَوْل مِنْهُ على سَبِيل الهضم والتواضع.
وَفِيه: خلاف بَين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، فَمنهمْ من فضل عليا على عُثْمَان، وَالْأَكْثَرُونَ بِالْعَكْسِ، وَمَالك توقف فِيهِ.

2763 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّهَا قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْضِ أسْفَارِهِ حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ أوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فأقامَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الْتِمَاسِهِ وأقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ولَيْسُوا علَى ماءٍ ولَيْسَ معَهُمْ ماءٌ فَأتى النَّاسُ أبَا بَكْرٍ فقالُوا ألاَ تَرَي مَا صنَعَتْ عائِشَةُ أقامَتْ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبالنَّاسِ معَهُ ولَيْسُوا علَى ماءٍ ولَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ فجَاءَ أبُو بَكْرٍ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واضِعٌ رأسَهُ علَى فَخِذِي قَدْ نامَ فقالَ حَبَسْتِ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنَّاسَ ولَيْسُوا علَى ماءٍ ولَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ قالَتْ فَعاتَبَني وقالَ مَا شاءَ الله أنْ يَقُولَ وجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خاصِرَتِي فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلاَّ مكانُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى فَخِذِي فنَامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى أصْبَحَ علَى غَيْرِ ماءٍ فأنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ فتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أبِي بَكْرٍ فقالَتْ عائِشَةُ فَبَعَثَنَا البعيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مَا هِيَ بِأول بركتكم يَا آل أبي بكر) والْحَدِيث قد مر فِي كتاب التَّيَمُّم فِي أَوله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَهنا أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، والبيداء: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: اسْم للمفازة فِي الأَصْل، وَالْمرَاد بهَا هُنَا مَوضِع خَاص قريب من الْمَدِينَة، وَكَذَلِكَ: ذَات الْجَيْش، بِالْجِيم وَالْيَاء آخر الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة، وَأسيد، بِضَم الْهمزَة مصغر أَسد وحضير، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة مصغر حضر ضد السّفر.

3763 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عنْ أبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَسُبُّوا أصْحَابِي فلَوْ أنْ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولاَ نَصِيفَهُ.

هَذَا لَا يدل على فضل أبي بكر على الْخُصُوص، وَإِنَّمَا يدل على فضل الصَّحَابَة كلهم على غَيرهم، فَلَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، إلاَّ أَنه لما دلّ على حُرْمَة سبّ الصَّحَابَة كلهم، فدلالته على الْحمة فِي حق أبي بكر أقوى وآكد، لِأَنَّهُ قد تقرر أَنه أفضل الصَّحَابَة كلهم، وَأَنه أفضل النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يُمكن أَن يُؤْخَذ وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة.
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وذكوان، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَبُو صَالح الزيات السمان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن

(16/187)


أبي سعيد الْأَشَج وَعَن أبي كريب وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عبيد الله بن معَاذ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة: عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن الْحسن بن عَليّ الْخلال وَعَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن هِشَام. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد وَعَن أبي كريب.
قَوْله: (لَا تسبوا أَصْحَابِي) ، خطاب لغير الصَّحَابَة من الْمُسلمين المفروضين فِي الْعقل، جعل من سيوجد كالموجود، ووجودهم المترقب كالحاضر، هَكَذَا قَرَّرَهُ الْكرْمَانِي، ورد عَلَيْهِ بَعضهم وَنسبه إِلَى التغفل بِأَنَّهُ وَقع التَّصْرِيح فِي نفس الْخَبَر بِأَن الْمُخَاطب بذلك خَالِد بن الْوَلِيد، وَهُوَ من الصَّحَابَة الْمَوْجُودين إِذا ذَاك بالِاتِّفَاقِ. قلت: نعم، روى مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ بَين خَالِد بن الْوَلِيد وَبَين عبد الرَّحْمَن شَيْء، فَسَبهُ خَالِد، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تسبوا أحدا من أَصْحَابِي) الحَدِيث، وَلَكِن الحَدِيث لَا يدل على أَن الْمُخَاطب بذلك خَالِد وَالْخطاب للْجَمَاعَة، وَلَا يبعد أَن يكون الْخطاب لغير الصَّحَابَة، كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي: وَيدخل فِيهِ خَالِد أَيْضا لِأَنَّهُ مِمَّن سبّ على تَقْدِير أَن يكون خَالِد إِذْ ذَاك صحابياً، وَالدَّعْوَى بِأَنَّهُ كَانَ من الصَّحَابَة الْمَوْجُودين إِذْ ذَاك بالِاتِّفَاقِ يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَلَا يظْهر ذَلِك إلاَّ من التَّارِيخ. قَوْله: (أنْفق مثل أحد ذَهَبا) أَي: مثل جبل أحد الَّذِي بِالْمَدِينَةِ، زَاد البرقاني فِي المصافحة من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش: كل يَوْم. قَوْله: (مَا بلغ مد أحدهم) أَي: الْمَدّ من كل شَيْء، وَهُوَ بِضَم الْمِيم فِي الأَصْل: ربع الصَّاع، وَهُوَ رَطْل وَثلث بالعراقي عِنْد الشَّافِعِي وَأهل الْحجاز، وَهُوَ رطلان عِنْد أبي حنيفَة وَأهل الْعرَاق، وَقيل: أصل الْمَدّ مُقَدّر بِأَن يمد الرجل يَدَيْهِ فَيمْلَأ كفيه طَعَاما، وَإِنَّمَا قدره بِهِ لِأَنَّهُ أقل مَا كَانُوا يتصدقون بِهِ فِي الْعَادة، وَقَالَ الْخطابِيّ: يَعْنِي أَن الْمَدّ من التَّمْر الَّذِي يتَصَدَّق بِهِ الْوَاحِد من الصَّحَابَة مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِ أفضل من الْكثير الَّذِي يُنْفِقهُ غَيرهم من السعَة، وَقد يرْوى: مد أحدهم، بِفَتْح الْمِيم، يُرِيد: الْفضل والطول، وَقَالَ القَاضِي: وَسبب تَفْضِيل نَفَقَتهم أَن إنفاقهم إِنَّمَا كَانَ فِي وَقت الضَّرُورَة وضيق الْحَال، بِخِلَاف غَيرهم، وَلِأَن إنفاقهم كَانَ فِي نصرته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحمايته وَذَلِكَ مَعْدُوم بعده، وَكَذَا جهادهم وَسَائِر طاعاتهم. قَوْله: (وَلَا نصيفه) فِيهِ أَربع لُغَات: نصف بِكَسْر النُّون وَبِضَمِّهَا وَبِفَتْحِهَا، ونصيف بِزِيَادَة الْيَاء، مثل الْعشْر والعشير وَالثمن والثمين، وَقيل: النّصْف هُنَا مكيال يُكَال بِهِ.
تابَعَهُ جَرِيرٌ وعبْدُ الله بنُ دَاوُدَ وأبُو مُعَاوِيَةَ ومُحَاضِرٌ عنِ الأعْمَشِ
أَي: تَابع شعبةَ جريرُ بن عبد الحميد فِي رِوَايَته عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَحَدِيث جرير عَن الْأَعْمَش قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَعبد الله بن دَاوُد أَي: وَتَابعه أَيْضا عبد الله بن دَاوُد بن عَامر بن الرّبيع الْهَمدَانِي أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بالخريبي، سكن الخريبة محلّة بِالْبَصْرَةِ وَهِي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَحَدِيثه عَن الْأَعْمَش، رَوَاهُ مُسَدّد فِي مُسْنده، رَوَاهُ عَنهُ. قَوْله: (وَأَبُو مُعَاوِيَة) أَي: تَابعه أَبُو مُعَاوِيَة بن مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين الضَّرِير، وَحَدِيثه عَن الْأَعْمَش عَن أَحْمد فِي (مُسْنده) هَكَذَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح: هُوَ ذكْوَان وَلَكِن عَن أبي هُرَيْرَة: قَوْله: (ومحاضر) أَي: وَتَابعه محَاضِر، بِضَم الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبالضاد الْمُعْجَمَة، على وزن مُجَاهِد: ابْن الْمُوَرِّع، بالراء الْمَكْسُورَة، مر فِي آخر الْحَج، وَحَدِيثه عِنْد أبي الْفَتْح الْحداد فِي (فَوَائده) من طَرِيق أَحْمد بن يُونُس الضَّبِّيّ عَن محَاضِر، فَذكره مثل رِوَايَة جرير، لَكِن قَالَ: بَين خَالِد بن الْوَلِيد وَبَين أبي بكر، بدل عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقَول جرير أصح.

4763 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ أبُو الحَسَنِ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ عنْ شَرِيكِ بنِ أبِي نَمِرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ أخبرَنِي أبُو مُوساى الأشْعَرِيُّ أنَّهُ تَوَضَّأ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ لألْزَمَنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هذَا قَالَ فَجاءَ المَسْجِدَ فسَألَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالُوا خرَجَ وَوَجَّهَ هَهُنَا فخَرَجْتُ علَى إثْرِهِ أسألُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ

(16/188)


أرِيسٍ فجَلَسْتُ عِنْدَ البابِ وبابُها مِنْ جَرِيدٍ حتَّى قَضَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاجَتَهُ فتَوَضَّأ فَقُمْتُ إلَيْهِ فإذَا هُوَ جالِسٌ علَى بِئْرِ أرِيسٍ وتَوَسَّطَ قُفَّهَا وكَشَفَ عنْ ساقَيْهِ ودَلاَّهُمَا فِي البِئْرِ فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فجَلَسْتُ عِنْدَ البابِ فَقُلْتُ لأكُونَنَّ بَوَّابَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اليَوْمَ فَجَاءَ أبُو بَكْرٍ فدَفَعَ البابَ فقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ أبُو بَكْرٍ فقُلْتُ علَى رِسْلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فقُلْتُ يَا رسُولَ الله هَذَا أبُو بَكْرٍ يَسْتأذِنُ فَقَالَ ائْذِنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ فأقْبَلْتُ حتَّى قُلْتُ لأبِي بَكرٍ ادْخُلُ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَشِّرُكَ بالجَنَّةِ فدَخَلَ أبُو بَكْرٍ فجَلَسَ عنْ يَمِينِ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهُ فِي القُفِّ ودَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكشَفَ عنْ ساقَيْهِ ثُمَّ رَجَعْتُ فجَلَسْتُ وقَدْ تَرَكْتُ أخِي يتَوَضَّأُ ويلْحَقُنِي فَقُلْتُ إنْ يُرِدِ الله بِفُلانٍ خَيْرَاً يُرِيدُ أخَاهُ يأتِ بِهِ فإذَا إنْسانٌ يُحَرِّكُ البابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ ابنُ الخطَّابِ فقُلْتُ علَى رِسْلِكَ ثُمَّ جِئْتُ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَلَّمْتُ علَيْهِ فقُلْتُ هَذا عُمَرُ ابنُ الخَطَّابِ يَسْتأذِنُ فَقال ائذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ فَجِئْتُ فقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وبَشَّرَكَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجَنَّةِ فَدخل فَجَلَسَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي القت عَن يسَاره ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر ثمَّ رجعت فَجَلَست فقُلْتُ إنْ يُرِدِ الله بِفُلانٍ خَيْرَاً يأتِ بِهِ فَجاءَ إنْسَانٌ يُحَرِّكُ البابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ فقُلْتُ علَى رِسْلِكَ فَجِئْتُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ إئْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ علَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وبَشِّرَكَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجَنَّةِ علَى بلْوَى تُصِيبُكَ فَدخَلَ فوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِىءَ فجَلَسَ وُجَاهَهُ مِن الشِّقِّ الآخَرِ. قالَ شَرِيكٌ قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ فأوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ التَّصْرِيح بفضيلة هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَأَن أَبَا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بِالْجنَّةِ، ولجلوسه على يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْغَرَض من إِيرَاده فِي مَنَاقِب أبي بكر خَاصَّة الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْوَجْه.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن مِسْكين بن نميلَة اليمامي، يكنى أَبَا الْحسن وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. الثَّانِي: يحيى بن حسان بن حبَان أَبُو زَكَرِيَّاء التنيسِي، حكى البُخَارِيّ عَن حسن بن عبد الْعَزِيز أَنه مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب وَأَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ، مولى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَكَانَ بربرياً مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَمِائَة. الرَّابِع: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، أَبُو عبد الله الْقرشِي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ من أنفسهم مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جده الْخَامِس بن الْمسيب. السَّادِس: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن سعيد بن أبي مَرْيَم، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن مِسْكين بِهِ وَعَن الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي وَأبي بكر بن أبي إِسْحَاق.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لألزمن) بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة وبالنون الثَّقِيلَة للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ قَوْله: لأكونن. قَوْله: (وَجه) ، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الْجِيم على لفظ الْمَاضِي، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَمَعْنَاهُ: توجه أَو وَجه نَفسه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِسُكُون الْجِيم بِلَفْظ الِاسْم مُضَافا إِلَى الظّرْف، أَي: جِهَة كَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي، وَفِي بَعْضهَا أَي: فِي بعض الرِّوَايَة: وجهته، يَعْنِي بِالرَّفْع، وَهُوَ مُبْتَدأ

(16/189)


وَهَهُنَا خَبره. قَوْله: (أريس) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا سين مُهْملَة، وَهُوَ بُسْتَان بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوف قريب من قبا. وَفِي هَذَا الْبِئْر سقط خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصْبَع عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ منصرف، وَإِن جعلته إسماً لتِلْك الْبقْعَة يكون غير منصرف للعلمية والتأنيث. قَوْله: (وتوسط قفها) أَي: صَار فِي وسط قفها، والقف، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ حافة الْبِئْر، وَأَصله الغليظ الْمُرْتَفع من الأَرْض، وَقَالَ غَيره: القف الدكة الَّتِي جعلت حول الْبِئْر وَالْجمع: قفاف، وَيُقَال: القف الْيَابِس، وَيحْتَمل أَن يكون سمي بِهِ لِأَن مَا ارْتَفع حول الْبِئْر يكون يَابسا دون غَيره غَالِبا، قَوْله: (فدلاهما) ، أَي: أرسلهما. قَوْله: (فَقلت: لأكونن بواباً للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، ظَاهره أَنه اخْتَار ذَلِك وَفعله من تِلْقَاء نَفسه، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شريك فِي الْأَدَب، وَزَاد فِيهِ: وَلم يَأْمُرنِي بِهِ، وَقَالَ ابْن التِّين، فِيهِ أَن الْمَرْء يكون بواباً للْإِمَام، وَإِن لم يَأْمُرهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة أبي عُثْمَان الَّتِي تَأتي فِي مَنَاقِب عُثْمَان: عَن أبي مُوسَى، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَائِطا وَأمره بِحِفْظ بَاب الْحَائِط وَأخرج أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) : من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن سعيد بن الْمسيب فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى أملِك عَليّ هَذَا الْبَاب، فَانْطَلق فَقضى حَاجته وَتَوَضَّأ، ثمَّ جَاءَ فَقعدَ على قف الْبِئْر، وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي عُثْمَان عَن أبي مُوسَى، وَقَالَ لي: يَا أَبَا مُوسَى أملِك عَليّ الْبَاب فَلَا يدخلن عَليّ أحد. قلت: وَجه الْجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ لما حدث نَفسه بذلك صَادف أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يحفط عَلَيْهِ لباب. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا قَول أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لم يكن لَهُ بواب، وَقد سبق فِي كتاب الْجَنَائِز؟ قلت: مُرَاد أنس أَنه لم يكن لَهُ بواب مُسْتَمر مُرَتّب لذَلِك على الدَّوَام. قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء: على هينتك، وَهُوَ من أَسمَاء الْأَفْعَال، وَمَعْنَاهُ: اتئد، قَوْله: (وَقد تركت أخي يتَوَضَّأ ويلحقني) كَانَ لأبي مُوسَى أَخَوان: أَبُو رهم وَأَبُو بردة، وَيُقَال: إِن لَهُ أَخا آخر اسْمه: مُحَمَّد، وأشهرهم أَبُو بردة واسْمه عَامر، وَقد أخرج أَحْمد فِي (مُسْنده) عَنهُ حَدِيثا. قَوْله: (فَإِذا إِنْسَان يُحَرك الْبَاب) فِيهِ حسن الْأَدَب فِي الاسْتِئْذَان، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل أَن ينزل قَوْله تَعَالَى: {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا} (النُّور: 72) . وَاعْترض عَلَيْهِ باستبعاد مَا قَالَه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة: فجَاء رجل فَاسْتَأْذن، فَعرف من هَذَا، إِن معنى قَوْله: يُحَرك الْبَاب، يَعْنِي: مستأذناً لَا دافعاً. قَوْله: (يبشرك بِالْجنَّةِ) زَاد أَبُو عُثْمَان فِي رِوَايَته: فَحَمدَ الله تَعَالَى. قَوْله: (فَقَالَ: عُثْمَان) إِلَى قَوْله: (فَقَالَ: إئذن لَهُ) وَفِي رِوَايَة أبي عُثْمَان: ثمَّ جَاءَ آخر يسْتَأْذن فَسكت هنيهة، ثمَّ قَالَ: إئذن لَهُ. قَوْله: (على بلوى تصيبك) وَهِي البلية الَّتِي صَار بهَا شَهِيد الدَّار، وَفِي رِوَايَة أبي عُثْمَان: فَحَمدَ الله، ثمَّ قَالَ: الله الْمُسْتَعَان، وَفِي رِوَايَة عِنْد أَحْمد: فَجعل يَقُول: أللهم صبرا، حَتَّى جلس. قَوْله: (فَجَلَسَ وجاهه) بِضَم الْوَاو وَكسرهَا. أَي: مُقَابِله. قَوْله: (قتل شريك) ، هُوَ شريك بن أبي نمر الرَّاوِي، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَاضِي. قَوْله: (فَأَوَّلتهَا قُبُورهم) ، أَي: أولت هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الجالسين على الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة بقبورهم، والتأويل بالقبور من جِهَة كَون الشَّيْخَيْنِ مصاحبين لَهُ عِنْد الحفرة الْمُبَارَكَة، لَا من جِهَة أَن أَحدهمَا فِي الْيَمين وَالْآخر فِي الْيَسَار، وَأما عُثْمَان فَهُوَ فِي البقيع مُقَابلا لَهُم، وَهَذَا من الفراسة الصادقة.

5763 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى عنْ سَعِيدٍ عنْ قتادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُمْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَعِدَ أُحُدَاً وأبُو بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانُ فرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبِي وصِدِّيقٌ وشَهِيدَانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وصديق) على مَا لَا يخفى، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن مُسَدّد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد أَيْضا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي قدامَة عَن يحيى بِهِ وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى وَيزِيد ابْن زُرَيْع بِهِ.
قَوْله: (صعد أحدا) هُوَ: الْجَبَل الْمَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ. فَإِن قلت: وَقع لأبي يعلى من وَجه آخر: عَن سعيد حراء جبل بِمَكَّة، قَالَ بَعضهم: وَالْأول أصح، وَلَوْلَا اتِّحَاد الْمخْرج لجوزت تعدد الْقِصَّة. قلت: الِاخْتِلَاف فِيهِ من سعيد، فَإِن فِي (مُسْند

(16/190)


الْحَارِث بن أُسَامَة) : عَن روح بن عبَادَة عَن سعيد، فَقَالَ: أحد أَو حراء؟ بِالشَّكِّ، وَلَكِن لَا شكّ فِي تعدد الْقِصَّة فَإِن أَحْمد رَوَاهُ من طَرِيق بُرَيْدَة بِلَفْظ: حراء، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَأَبا يعلى رَوَاهُ من حَدِيث سهل بن سعد بِلَفْظ: أحد، وَإِسْنَاده صَحِيح. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَذكر أَنه كَانَ على حراء وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَغَيرهم، فَهَذَا كُله يدل على تعدد الْقِصَّة. قَوْله: (وَأَبُو بكر) ، عطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِي صعد، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ لوُجُود قَوْله: (أحدا) وَهُوَ الْحَائِل وَأما إِذا كَانَ بِغَيْر الْحَائِل فَفِيهِ خلاف بَين الْكُوفِيّين والبصريين، وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى. قَوْله: (فَرَجَفَ) أَي: اضْطربَ أحدٌ بهم. قَوْله: (إثبت) ، أَمر من ثَبت. قَوْله: (أحد) بِضَم الدَّال منادى قد حذف حرف ندائه، تَقْدِيره: يَا أحد. قَوْله: (صديق) هُوَ: أَبُو بكر. قَوْله: (وشهيدان) هما: عمر وَعُثْمَان.

6763 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ أبُو عَبْدِ الله حدَّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدَّثنا صَخْرٌ عنُ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا أنَا عَلَى بِئْرٍ أنْزِعُ مِنْهَا جاءَنِي أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فأخذَ أبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أخَذَهَا ابنُ الخَطَّابِ مِنْ يَدِ أبِي بَكْرٍ فاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً فلَمْ أرَ عَبْقَرِيَّاً مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ فنَزَعَ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ. قَالَ وَهْبً العَطَنُ مُبْرَكُ الإبِلِ يَقُولُ حَتَّى رَوِيَتِ الإبِلُ فأنَاخَتْ. .

وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْخلَافَة بعده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وتقديمه على عمر وَغَيره يدل على أَنه أفضل مِنْهُ.
وَأحمد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْمروزِي الْمَعْرُوف بالرباطي،، مَاتَ يَوْم عَاشُورَاء أَو النّصْف من محرم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا وصخر، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن جوَيْرِية، بِالْجِيم: أَبُو رَافع النميري، يعد فِي الْبَصرِيين.
والْحَدِيث مضى قبل: بَاب قَول الله تَعَالَى: {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم ... } (الْبَقَرَة: 641) . الحَدِيث فِي أَوَاخِر عَلَامَات النُّبُوَّة.
قَوْله: (بَينا أَنا على بِئْر) أَي: فِي الْمَنَام، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الْبِئْر إِشَارَة إِلَى الدّين الَّذِي هُوَ منبع مَاء حَيَاة النُّفُوس. قَوْله: (رويت) بِكَسْر الْوَاو يَعْنِي: أَن معنى قَوْله: {حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن) حَتَّى رويت الْإِبِل فأناخت.

7763 - حدَّثني الوَلِيدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا عِيسَى بنُ يُونُس حدَّثنا عُمَرُ بنُ سَعِيدِ بنِ الحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ إنِّي لَوَاقِفٌ أبي فِي قَوْمٍ فدَعَوُا الله لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وقَدْ وُضِعَ علَى سَرِيرِهِ إذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وضعَ مِرْفَقَهُ علَى مَنْكِبِي يَقُولُ رَحِمَكَ الله إنْ كُنْتُ لأرْجُو أنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ لأِنِّي كَثِيرَاً مَمَّا كُنْتُ أسْمَعُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ كُنْتُ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وفَعَلْتُ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وانْطَلَقْتُ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فإنْ كُنْتُ لأرْجُو أنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَهُمَا فالْتَفَتُّ فَإذَا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ. (الحَدِيث 7763 طرفه فِي: 5863) .

وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على فضل الشَّيْخَيْنِ، وَلَكِن الْغَرَض مِنْهُ منقبة أبي بكر لفضله على عمر وَغَيره لتقدمه فِي كل شَيْء حَتَّى فِي ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والوليد بن صَالح الفلسطيني النخاس، بالنُّون وَالْخَاء الْمُعْجَمَة: الضَّبِّيّ مَوْلَاهُم الْبَغْدَادِيّ، فِيهِ كَلَام لِأَن أَحْمد لم يكْتب عَنهُ، قيل: لِأَنَّهُ كَانَ من أَصْحَاب الرَّأْي، فَرَآهُ يُصَلِّي فَلم تعجبه صلَاته وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَعمر، بِضَم الْعين: ابْن سعيد

(16/191)


ابْن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم: هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة الْمَكِّيّ.
قَوْله: (لواقف) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد مَفْتُوحَة. قَوْله: (وَقد وضع) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (رَحِمك الله) الْخطاب فِيهِ لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (لأرجو) اللَّام فِيهِ هِيَ الفارقة بَين أَن المخففة والنافية. قَوْله: (وَأَبُو بكر) عطف على الضَّمِير الْمُتَّصِل بِدُونِ التَّأْكِيد وَفِيه خلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين، فَالْحَدِيث يرد على المانعين بِدُونِ التَّأْكِيد.

8763 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ حدَّثنا الوَلِيدُ عنِ الأوزَاعِيِّ عنْ يَحْيَى بنِ أبِي كَثَيرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ قَالَ سألْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وعنْ أشَدِّ مَا صنَعَ الْمُشْرِكِونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ عُقْبَةَ بنَ أبِي مُعَيْطٍ جاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يُصَلِّي فوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فخَنَقَهُ بِهِ خَنْقاً شَدِيدَاً فَجاءَ أبُو بَكْرٍ حتَّى دفَعَهُ عَنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وقَدْ جَاءَكُمْ بالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (غَافِر: 82) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فجَاء أَبُو بكر حَتَّى دَفعه عه) إِلَى آخِره.
وَمُحَمّد بن يزِيد من الزِّيَادَة الْبَزَّاز، بتَشْديد الزَّاي الأولى: الْكُوفِي، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، رَحمَه الله، وَقَالَ بَعضهم: قيل: هُوَ أَبُو هَاشم الرِّفَاعِي وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَقَالَ الْحَاكِم والكلاباذي: هُوَ غَيره، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن عَن الْفربرِي: مُحَمَّد بن كثير، وَهُوَ وهم نبه عَلَيْهِ أَبُو عَليّ الجياني، لِأَن مُحَمَّد بن كثير لَا تعرف لَهُ رِوَايَة عَن الْوَلِيد، وَهُوَ الْوَلِيد بن مُسلم، وَقَالَ أَبُو عَليّ: هَكَذَا هَذَا الْإِسْنَاد فِي رِوَايَة أبي زيد وَأبي أَحْمد عَن الْفربرِي مُحَمَّد بن يزِيد وَالْقَوْل قَول أبي زيد وَمن تَابعه، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو وَيحيى بن أبي كثير اليمامي الطَّائِي وَاسم أبي كثير صَالح من أهل الْبَصْرَة سكن الْيَمَامَة، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث أَبُو عبد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمَدِينِيّ مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَة.
والْحَدِيث يَأْتِي فِي: بَاب مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصابه من الْمُشْركين بِمَكَّة من وَجه آخر عَن الْوَلِيد بن مُسلم.
قَوْله: (عقبَة بن أبي معيط) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة: الْأمَوِي، قتل يَوْم بدر كَافِرًا بعد انْصِرَافه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ بِيَوْم.
وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

6 - (بابُ مَناقِبِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أبِي حَفْصٍ القُرَشِيِّ العَدَوِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عمر بن الْخطاب، وَفِي غَالب النّسخ لَيست فِيهِ لفظ: بَاب، هَكَذَا مَنَاقِب عمر بن الْخطاب أَي: هَذَا مَنَاقِب عمر بن الْخطاب، والمناقب جمع منقبة، وَقد مر بَيَانهَا، وَعمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب الْقرشِي الْعَدوي أَبُو حَفْص أَمِير الْمُؤمنِينَ، وامه حنتمة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون، وَيُقَال: خَيْثَمَة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ثمَّ بِالْمِيم، وَهُوَ الْأَشْهر، وَالْأول أصح، وَهِي بنت هَاشم ذِي الرمحين ابْن الْمُغيرَة بن عبيد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ الَّذِي كناه بِأبي حَفْص وَكَانَت حَفْصَة أكبر أَوْلَاده، ولقبه: الْفَارُوق، بالِاتِّفَاقِ قيل: أول من لقبه بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ ابْن سعد من حَدِيث عَائِشَة، وَقيل: أهل الْكتاب. أخرجه ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ وَقيل: جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذكره الْبَغَوِيّ.

176 - (حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا عبد الْعَزِيز الْمَاجشون حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَيْتنِي دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بالرميصاء امْرَأَة أبي طَلْحَة وَسمعت خشفة فَقلت من هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلَال وَرَأَيْت قصرا بفنائه جَارِيَة فَقلت لمن هَذَا فَقَالَ لعمر فَأَرَدْت أَن أدخلهُ فَأنْظر إِلَيْهِ فَذكرت غيرتك فَقَالَ عمر بأمي وَأبي يَا رَسُول الله أعليك أغار)

(16/192)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَرَأَيْت قصرا إِلَى آخِره وحجاج بن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون السّلمِيّ الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن عبد الله بن أبي سَلمَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون بِزِيَادَة لفظ ابْن وَقد مر تَفْسِير الْمَاجشون وَهُوَ لقب جده ويلقب بِهِ أَوْلَاده والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الْفرج وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن نصير بن الْفرج قَوْله " رَأَيْتنِي " أَي رَأَيْت نَفسِي وَدخلت الْجنَّة جملَة حَالية قَوْله " فَإِذا " كلمة إِذا المفاجأة قَوْله " بالرميصاء " وَهُوَ مصغر الرمصاء مؤنث الأرمص بالراء وَالصَّاد الْمُهْملَة ولقبت بهَا لرمص كَانَ بِعَينهَا وَاسْمهَا سهلة وَقيل رميلة وَقيل غير ذَلِك وَقيل هُوَ اسْمهَا وَيُقَال فِيهِ بالغين الْمُعْجَمَة بدل الرَّاء وَهِي بنت ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ابْن خَالِد بن زيد الْأَنْصَارِيَّة زَوْجَة أبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ وَهِي أم أنس بن مَالك خَالَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الرضَاعَة وَهِي أُخْت أم حرَام بنت ملْحَان وَقَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ اسْم أُخْت أم سليم من الرضَاعَة وَجوز ابْن التِّين أَن يكون المُرَاد امْرَأَة أُخْرَى لأبي طَلْحَة قَوْله " خشفة " بِفَتْح المعجمتين وَالْفَاء أَي حَرَكَة وزنا وَمعنى قَالَه بَعضهم وَفِي التَّوْضِيح هُوَ بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الشين وَحكى شمر فتحهَا أَيْضا وَقَالَ الْكرْمَانِي بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الشين الْحس وَالْحَرَكَة وَقَالَ أَبُو عبيد الخشفة الصَّوْت لَيْسَ بالشديد يُقَال خشف يخشف خشفا إِذا سَمِعت لَهُ صَوتا أَو حَرَكَة وَقيل وَأَصله صَوت دَبِيب الْحَيَّات وَقَالَ الْفراء الخشفة الصَّوْت للْوَاحِد والخشفة الْحَرَكَة إِذا وَقع السَّيْف على اللَّحْم وَمعنى الحَدِيث هُنَا مَا يسمع من حس وَقع الْقدَم قَوْله " فَقَالَ هَذَا بِلَال " الْقَائِل يحْتَمل أَن يكون جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو ملكا من الْمَلَائِكَة وَيحْتَمل أَن يكون بِلَالًا نَفسه قَوْله " بفنائه " بِكَسْر الْفَاء وبالمد مَا امْتَدَّ مَعَ الْقصر من جوانبه من خَارج وَقَالَ الدَّاودِيّ قد يُقَال للقصر نَفسه فنَاء قَوْله " فَقَالَ لعمر " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " فَقَالُوا " الْقَائِل أما جِبْرِيل كَمَا قُلْنَا والقائلون جمع من الْمَلَائِكَة ويروى فَقَالَت أَي الْجَارِيَة قَوْله " بِأبي وَأمي " أَي أَنْت مفدى بهما أَو أفديك بهما قَوْله " أعليك أغار " هَذَا من الْقلب لِأَن الأَصْل أعليها أغار مِنْك وَقَالَ الْكرْمَانِي وَالْأَصْل أَن يُقَال أمنك أغار عَلَيْهَا ثمَّ أجَاب بِأَن لفظ عَلَيْك لَيْسَ مُتَعَلقا بقوله أغار بل مَعْنَاهُ أمستعليا عَلَيْك أغار عَلَيْهَا مَعَ أَن كَون الأَصْل ذَلِك مَمْنُوع فَلَا مَحْظُور فِيهِ -
0863 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ أخْبرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثَني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ قالَ بَيْنَا أنَا نَائِمٌ رَأيْتُنِي فِي الجَنَّةِ فإذَا امْرَأةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هاذَا القَصْرُ فقالُوا لِعُمَرَ فذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فوَلَّيْتُ مُدْبِرَاً فبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أعلَيْكَ أغَارُ يَا رسُولَ الله. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين. والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

2863 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ نُمَيْرٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ حدَّثنا عُبَيْدُ الله قَالَ حدَّثني أبُو بَكْرِ بنُ سالِمٍ عنْ سالِمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ

(16/193)


أُرِيتُ فِي المَنَامِ أنِّي أنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ علَى قَلِيبٍ فَجاءَ أبُو بَكْرٍ فنَزَعَ ذَنُوبَاً أوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعَاً ضَعِيفاً. وَالله يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ جاءَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فاسْتَحَالَتْ غَرْبَاً فلَمْ أرَ عَبْقَرِيَّاً يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وضَرَبُوا بِعَطَنٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَأَبُو بكر بن سَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، وَهُوَ من أَقْرَان الرَّاوِي عَنهُ وهما مدنيان من صغَار التَّابِعين. وَأما أَبُو سَالم فمعدود من كبارهم وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَلَيْسَ لأبي بكر بن سَالم فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الْموضع، وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَلَا يعرف لَهُ راوٍ إلاَّ عبيد الله بن عمر الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي المتابعات.
والْحَدِيث مضى من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم. وَمضى فِي فضل أبي بكر من طَرِيق صَخْر عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَمضى فِيهِ أَيْضا من طَرِيق ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه.
قَوْله: (بِدَلْو بكرَة) بِإِضَافَة الدَّلْو إِلَى البكرة بِإِسْكَان الْكَاف وَحكي فتحهَا، وَقيل: بكرَة، مُثَلّثَة الْبَاء، قلت: البكرة بِإِسْكَان الْكَاف على أَن المُرَاد نِسْبَة الدَّلْو إِلَى الْأُنْثَى من الْإِبِل، وَهِي: الشَّابَّة أَي: الدَّلْو الَّتِي يَسْتَقِي بهَا، وَأما بتحريك الْكَاف فَالْمُرَاد: الْخَشَبَة المستديرة الَّتِي تعلق فِيهَا الدَّلْو.
قَالَ ابنُ جُبَيْرٍ العَبْقَرِيُّ عِتاقُ الزَّرَابِيِّ: وَقَالَ يَحْيَى الزَّرَابِيُّ الطَّنافِسُ لَهَا خَمْلٌ رَقِيقٌ مبْثُوثَةٌ كَثِيرَةٌ
ابْن جُبَير، هُوَ سعيد بن جُبَير، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله عبد بن حميد من طَرِيقه. قَوْله: (عتاق الزرابي) ، أَي: حسان الزرابي، وَهُوَ جمع عَتيق وَهُوَ الْكَرِيم الرائع من كل شَيْء، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَبَعض النّسخ عَن أبي ذَر هُنَا: قَالَ ابْن نمير، وَالْمرَاد بِهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، شيخ البُخَارِيّ فِيهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ أولى إِذْ هُوَ الرَّاوِي لَهُ. قَوْله: (وَقَالَ يحيى) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: الْقطَّان إِذْ هُوَ أَيْضا رَاوِي هَذَا الحَدِيث، وَمر آنِفا فِي مَنَاقِب أبي بكر، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ يحيى بن زِيَاد الْفراء، ذكر ذَلِك فِي (كتاب مَعَاني الْقُرْآن) لَهُ، وَظن الْكرْمَانِي أَنه يحيى بن سعيد الْقطَّان فَجزم بذلك، واستند إِلَى كَون الحَدِيث ورد فِي رِوَايَته كَمَا تقدم فِي مَنَاقِب أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: استناد الْكرْمَانِي أقوى، وَلَا يلْزم من ذكر الْفراء: الزرابي، فِي كِتَابه أَن يكون يحيى الْمَذْكُور هَا هُوَ الْفراء، بل الْأَقْرَب مَا قَالَه الْكرْمَانِي، لِأَن كثيرا من الروَاة يفسرون مَا وَقع فِي أَلْفَاظ الْأَحَادِيث الَّتِي يروونها. قَوْله: (الطنافس) جمع طنفسة بِكَسْر الطَّاء وَالْفَاء وبضمهما وبكسر الطَّاء وَفتح الْفَاء الْبسَاط الَّذِي لَهُ خمل رَقِيق، والخمل بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمِيم بعْدهَا لَام: الْأَهْدَاب. قَوْله: (رَقِيق) أَي: غير غَلِيظَة. قَوْله: (مبثوثة) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وزرابي مبثوثة} (الغاشية: 61) . وفسرها بقوله: (كَثِيرَة) وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بَقِيَّة كَلَام يحيى بن زِيَاد الْمَذْكُور. قلت: هَذِه دَعْوَى بِلَا دَلِيل، بل الظَّاهِر أَنه من كَلَام البُخَارِيّ، وَلِهَذَا قَالَ: هُوَ، ثمَّ استطرد المُصَنّف كعادته فَذكر معنى صفة الزرابي الْوَارِدَة فِي الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {وزرابي مبثوثة} (الغاشية: 61) . وَكَلَامه هَذَا يدل على أَنه من كَلَام البُخَارِيّ، وَأَنه يرد عَلَيْهِ نسبته إِلَى يحيى. فَافْهَم.

3863 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شهابٍ أخبرنِي عَبْدُ الحَمِيدِ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ سَعْدٍ أخْبَرَهُ أنَّ أبَاهُ قَالَ حدَّثني عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ زَيْدٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ عنْ أبِيهِ قَالَ اسْتأذن عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ ويَسْتَكْثِرْنَهُ عالِيَةٌ أصْوَاتُهُنَّ علَى صَوْتِهِ فلَمَّا اسْتأذَنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الحِجابَ فأذِنَ لَهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَخَلَ

(16/194)


عُمَرُ ورَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَضْحَكُ فَقَالَ عُمَرُ أضْحَكَ الله سِنَّكَ يَا رسُولَ الله فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَجِبْتُ مِنْ هاؤُلاءِ الَّلاتِي كُنَّ عِنْدِي فلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ فَقَالَ عُمَرُ فأنْتَ أحَقُّ أنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ الله ثُمَّ قالَ عُمَرُ يَا عَدُوَّاتِ أنْفُسِهِنَّ أتَهَبْنَنِي ولاَ تَهَبْنَ رسُولَ الله تصلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَ نَعَمْ أنْتَ أفَظُّ وأغْلَظُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيْهاً يَا ابْنَ الخَطَّابِ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سالِكَاً فَجا قَطُّ إلاَّ سلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ. (انْظُر الحَدِيث 4923 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) إِلَى آخِره.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح ابْن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، كَانَ والياً لعمر ابْن عبد الْعَزِيز على الْكُوفَة، يروي عَن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص، وَكلهمْ مدنيون. وَفِيه: أَرْبَعَة من التَّابِعين على نسق، وهم: صَالح وَابْن شهَاب وهما قريبان وَعبد الحميد وَمُحَمّد بن سعد وهما قريبان، وَقد مر الحَدِيث بِهَذَا الطَّرِيق فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده. وَالطَّرِيق الآخر: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد الْمَذْكُور عَن صَالح بن كيسَان إِلَى آخِره.
قَوْله: (وعندن نسْوَة من قُرَيْش) هن من أَزوَاجه، وَيحْتَمل أَن يكون مَعَهُنَّ من غَيْرهنَّ، لَكِن قرينَة كونهن يستكثرنه يُؤَيّد الأول، وَالْمرَاد أَنَّهُنَّ يطلبن مِنْهُ أَكثر مِمَّا يعطيهن، كَذَا قَالَه بَعضهم: وَقَالَ النَّوَوِيّ: يستكثرنه، أَي: يطلبن كثيرا من كَلَامه وَجَوَابه لجوابهن. وَفِي (التَّوْضِيح) : يستكثرنه يردن الْعَطاء، وَقد أبان فِي مَوضِع آخر ذَلِك: أَنَّهُنَّ يردن النَّفَقَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد أَنَّهُنَّ يكثرن الْكَلَام عِنْده، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَرْدُود بِمَا وَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم: أَنَّهُنَّ يطلبن النَّفَقَة. قلت: الَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ أظهر لِأَن الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: يستكثرنه، يرجع إِلَى الْكَلَام الَّذِي يدل عَلَيْهِ: يكلمنه، وثمة قرينَة تؤيد هَذَا وَهُوَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يكن يرى بِالْخِطَابِ لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: أَي عدوات أَنْفسهنَّ، فِي حَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل الظَّاهِر أَنَّهُنَّ غير أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جئن لأجل حوائجهن كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ، وأكثرن الْكَلَام كَمَا قَالَه الدَّاودِيّ، ورد كَلَامه لَيْسَ لَهُ وَجه وَلَا يصلح أَن يكون حَدِيث جَابر مؤيداً لما ذهب إِلَيْهِ هَذَا الْقَائِل، لِأَن حَدِيث سعيد غير حَدِيث جَابر، وَلَئِن سلمنَا أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا فَلَا يلْزم من قَوْله: يطلبن النَّفَقَة، أَن تكون تِلْكَ النسْوَة أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال أَن تكون أَزوَاج تِلْكَ النسْوَة غائبين وَلم يكن عِنْدهن شَيْء، فجئن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وطلبن مِنْهُ النَّفَقَة، وَأَيْضًا لفظ النَّفَقَة غير مَخْصُوص بِنَفَقَة الزَّوْجَات على مَا لَا يخفى. قَوْله: (عالية) ، بِالنّصب على الْحَال، وَيجوز بِالرَّفْع على أَن يكون صفة لنسوة، وَأما علو أصواتهن فإمَّا أَنه كَانَ قبل نزُول قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم} (الحجرات: 2) . وَإِمَّا أَنه كَانَ بِاعْتِبَار اجْتِمَاع أصواتهن، لَا أَن كَلَام كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بانفرادها أَعلَى من صَوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فبادرن) ، أَي: أسرعن، قَوْله: (أضْحك الله سنك) ، لم يرد بِهِ الدُّعَاء بِكَثْرَة الضحك، بل أَرَادَ لَازمه وَهُوَ السرُور والفرح. قَوْله: (يهبنني) ، بِفَتْح الْهَاء، أَي: يُوقرنني وَلَا يوقرن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أفظ وَأَغْلظ) ، من الفظاظة والغلاظة، وهما من أفعل التَّفْضِيل، وَهُوَ يَقْتَضِي الشّركَة فِي أصل الْفِعْل. فَإِن قلت: كَيفَ ذَاك فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: بِاعْتِبَار الْقدر الَّذِي فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من إغلاظه على الْكفَّار وعَلى المنتهكين لحرمات الله تَعَالَى. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَو كنت فظاً غليظ الْقلب لانفضوا من حولك} (آل عمرَان: 3) . قلت: الَّذِي فِي الْآيَة يَقْتَضِي أَن لَا يكون ذَلِك صفة لَازِمَة فَلَا يسْتَلْزم مَا فِي الحَدِيث ذَلِك، بل يُوجد ذَلِك عِنْد الْإِنْكَار على الْكفَّار كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَجوز بَعضهم أَن يكون الأفظ هُنَا بِمَعْنى الْفظ، وَفِيه نظر للتصريح بالترجيح الْمُقْتَضِي لكَون أفعل على بَابه. قلت: أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ قَالَ هَكَذَا، وَلَيْسَ بِمحل للنَّظَر فِيهِ، لِأَن هَذَا الْبَاب وَاسع فِي كَلَام الْعَرَب. قَوْله: (إيهاً) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالهاء الْمَفْتُوحَة المنونة، ويروى: إيه، بِكَسْر الْهمزَة وَكسر الْهَاء

(16/195)


المنونة، وَالْفرق بَينهمَا أَن معنى الأول: لَا تبتدئنا بِحَدِيث، وَمعنى الثَّانِي: زِدْنَا حَدِيثا مَا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى، وَهِي: إيه، بِكَسْر الْهمزَة وَالْهَاء بِغَيْر تَنْوِين، وَمَعْنَاهُ: زِدْنَا مِمَّا عهدنا. وَال الْجَوْهَرِي: إيه، يَعْنِي بِكَسْر الْهمزَة وَالْهَاء بِغَيْر تَنْوِين: اسْم يُسمى بِهِ الْفِعْل، لِأَن مَعْنَاهُ الْأَمر تَقول للرجل إِذا استزدته من حَدِيث أَو عمل: إيه، بِكَسْر الْهَاء، وَقَالَ ابْن السّكيت: فَإِن وصلت نونت، فَقلت: إيه، حَدِيثا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي أَيْضا: وَإِن أردْت التبعيد قلت: إيهاً بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى: هَيْهَات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: إيه، كلمة يُرَاد بهَا الاستزادة، وَهِي مَبْنِيَّة على الْكسر، فَإِذا وصلت نونت. فَقلت إيهٍ حَدِيثا، وَإِذا قلت: إيهاً، بِالنّصب فَإِنَّمَا يُرَاد بهَا: نأمره بِالسُّكُوتِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْأَمر بتوقير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَطْلُوب لذاته تحمد الزِّيَادَة مِنْهُ، فَكَأَن قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيه، استزادة مِنْهُ فِي طلب توقيره وتعظيم جَانِبه، فَلذَلِك عقبه بقوله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ يشْعر بِأَنَّهُ رَضِي مقَالَته وَحمد فعاله. قَوْله: (فجاً) أَي: طَرِيقا وَاسِعًا.
وَفِيه: فَضِيلَة عَظِيمَة لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن هَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَن لَا سَبِيل للشَّيْطَان عَلَيْهِ إلاَّ أَن ذَلِك لَا يَقْتَضِي وجوب الْعِصْمَة، إِذْ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ فرار الشَّيْطَان من أَن يُشَارِكهُ فِي طَرِيق يسلكها، وَلَا يمْنَع ذَلِك من وسوسته لَهُ بِحَسب مَا تصل إِلَيْهِ قدرته، هَكَذَا قَرَّرَهُ بَعضهم. قلت: هَذَا مَوضِع التَّأَمُّل، لِأَن عدم سلوكه الطَّرِيق الَّذِي يسْلك فِيهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا كَانَ لأجل خَوفه لَا لأجل معنى آخر، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث حَفْصَة بِلَفْظ: إِن الشَّيْطَان لَا يلقى عمر مُنْذُ أسلم إلاَّ خر لوجهه. انْتهى. فَالَّذِي يكون حَاله مَعَ عمر هَكَذَا، كَيفَ لَا يمْنَع من الْوُصُول إِلَيْهِ لأجل الوسوسة؟ وَتمكن الشَّيْطَان من وَسْوَسَة بني آدم مَا هُوَ إلاَّ بِأَنَّهُ يجْرِي فِي عروق بني آدم مثل مَا يجْرِي الدَّم، فَالَّذِي يهرب مِنْهُ ويخر على وَجهه إِذا رَآهُ كَيفَ يجد طَرِيقا إِلَيْهِ؟ وَمَا ذَاك إلاَّ خَاصَّة لَهُ وَضعهَا الله فِيهِ، فضلا مِنْهُ، وكرماً، وَبِهَذَا لَا ندعي الْعِصْمَة، لِأَنَّهَا من خَواص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.

4863 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا قَيْسٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله مَا زِلْنَا أعِزَّةً مُنْذُ أسْلَمَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (الحَدِيث 4863 طرفه فِي: 3683) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي إِسْلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان.
قَوْله: (مَا زلنا أعزة) إِلَى آخِره لما فِيهِ من الْجلد وَالْقُوَّة فِي أَمر الله تَعَالَى، وروى ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: كَانَ إِسْلَام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رَحْمَة، وَالله مَا استطعنا أَن نصلي حول الْبَيْت ظَاهِرين حَتَّى أسلم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

5863 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرَنَا عَبْدُ الله حدَّثنا عُمَرُ بنُ سَعِيدٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وُضِعَ عُمَرُ علَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ ويُصَلُّونَ قَبْلَ أنْ يُرْفَعَ وَأَنا فِيهِمْ فلَمْ يَرُعْنِي إلاَّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فإذَا علَيُّ فتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أحَدَاً أحَبَّ إلَيَّ أنْ ألْقَى الله بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وأيْمُ الله إنْ كُنْتُ لأظُنُّ أنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صاحِبَيْكَ وحَسِبْتُ أنِّي كُنْتُ كَثِيرَاً أسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ ذَهَبْتُ أنَا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ ودَخَلْتُ أنَا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وخَرَجْتُ أنَا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ. (انْظُر الحَدِيث 7763) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ذهبت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر) إِلَى آخِره. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: عبد الله بن أبي مليكَة، وَقد مر هَؤُلَاءِ غير مرّة.
والْحَدِيث مر عَن قريب فِي مَنَاقِب أبي بكر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْوَلِيد بن صَالح عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عمر بن سعيد

(16/196)


إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وضع عمر على سَرِيره) ، يَعْنِي: لأجل الْغسْل. قَوْله: (فتكنفه النَّاس) ، بالنُّون وَالْفَاء، أَي: أحاطوا بِهِ من جَمِيع جوانبه، والأكناف النواحي. قَوْله: (فَلم يرُعني) بِضَم الرَّاء، أَي: لم يخوفني وَلم يفجأني. قَوْله: (آخذ) على وزن فَاعل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَخذ، بِلَفْظ الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: (فَإِذا عَليّ) أَي: فَإِذا هُوَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكلمَة: إِذا للمفاجأة. قَوْله: (أحب) ، بِالنّصب وَالرَّفْع، قَالَه الْكرْمَانِي وَغَيره، وَلم يذكر أحد وجههما. قلت: أما النصب فعلى أَنه صفة لأحد، وَأما الرّفْع فعلى أَنه يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. قَوْله: (وأيم الله) أَي: يَمِين الله. قَوْله: (مَعَ صاحبيك) ، أَرَادَ بهما: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر. قَوْله: (وحسبت أَنِّي) ، يجوز بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا، وَأما الْفَتْح فعلى أَنه مفعول: حسبت، وَأما الْكسر فعلى الِاسْتِئْنَاف التعليلي، أَي: كَانَ فِي حسابي لأجل سَمَاعي قَول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

6863 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ قَالَ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنا مُحَمَّدُ ابْن سَوَاءٍ وكَهْمَسُ بنُ المِنْهَالِ قالاَ حدَّثنا سَعيدٌ عنْ قتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أُحُدٍ ومَعَهُ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ فرَجَفَ بِهِمْ فضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَما عَلَيْكَ إلاَّ نَبِيٌّ أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدَانِ. (انْظُر الحَدِيث 5763 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي ذكر عمر وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُسَدّد بن مسرهد عَن يزِيد بن زُرَيْع، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالْآخر: بطرِيق المذاكرة عَن خَليفَة بن خياط أحد شُيُوخه عَن مُحَمَّد بن سَوَاء، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالمد: الضريري، السدُوسِي مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة. يروي هُوَ وكهمس بن الْمنْهَال كِلَاهُمَا عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس، وَلَيْسَ لكهمس فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الْموضع، وَسقط جَمِيع ذَلِك من رِوَايَة أبي ذَر، وَاقْتصر فِيهِ على طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع.
وَقد مر الحَدِيث فِي مَنَاقِب أبي بكر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى عَن سعيد عَن قَتَادَة.
قَوْله: (إثبت أحْدُ) يَعْنِي: يَا أُحد. قَوْله: (أَو شَهِيد) ، كَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول: شهيدان، وَلَكِن مَعْنَاهُ: مَا عَلَيْك غير هَؤُلَاءِ الْأَجْنَاس، أَي: لَا يَخْلُو عَنْهُم، وَقيل: شَهِيد، فعيل يَسْتَوِي فِيهِ الْمثنى وَالْجمع، ويروى إلاَّ نَبِي وصديق بِالْوَاو أَو شَهِيد، بِأَو، لِأَن فِيهِ تَغْيِير الأسلوب للإشعار بمغايرة حَالهمَا، لِأَن النُّبُوَّة والصديقية حاصلتان حِينَئِذٍ، بِخِلَاف الشَّهَادَة والأولان حَقِيقَة وَالثَّانِي مجَاز، ويروى بِلَفْظ: أَو، فيهمَا كَمَا فِي الْمَتْن هُنَا، وَقيل: أَو، بِمَعْنى الْوَاو.

7863 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ هُوَ ابنُ مُحَمَّدٍ أنَّ زَيْدَ بنَ أسْلَمَ حدَّثَهُ عنْ أبِيهِ قالَ سألَنِي ابنُ عُمَرَ عنْ بَعْضِ شأنِهِ يَعْنِي عُمَرَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَا رأيْتُ أحَدَاً قَطُّ بَعْدَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ حِينَ قُبِضَ كانَ أجَدَّ وأجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا رَأَيْت أحدا) إِلَى آخِره.
وَيحيى بن سُلَيْمَان، أَبُو سعيد الْجعْفِيّ سكن مصر، وَابْن وهب هُوَ عبد الله ابْن وهب الْمصْرِيّ، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَزيد بن أسلم أَبُو أُسَامَة يروي عَن أَبِيه أسلم مولى عمر بن الْخطاب، يكنى أَبَا خَالِد كَانَ من سبي الْيمن. قَالَ الْوَاقِدِيّ: أَبُو زيد الحبشي البجاوي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْجِيم وبالواو: من بجاوة من سبي الْيمن، اشْتَرَاهُ عمر بن الْخطاب بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشرَة لما بَعثه أَبُو بكر الصّديق ليقيم للنَّاس الْحَج، مَاتَ قبل مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ صلى عَلَيْهِ، وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة وَمِائَة سنة.
قَوْله: (عَن بعض شَأْنه) أَي عَن بعض شَأْن عمر، قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: ابْن عمر. قَوْله: (بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: بعده فِي هَذِه الْخِصَال، أَو بعد مَوته. قَوْله: (أحد) بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال، أفعل التَّفْضِيل من: جد، إِذا اجْتهد يَعْنِي: أجد فِي الْأُمُور قَوْله: (وأجود) أفعل أَيْضا من الْجُود، يَعْنِي:

(16/197)


وَلَا أَجود فِي الْأَمْوَال. قَوْله: (حَتَّى انْتهى من عمر بن الْخطاب) يَعْنِي: حَتَّى انْتهى إِلَى آخر عمره، حَاصله أَنه لم يكن أحد أجدَّ مِنْهُ وَلَا أَجود فِي مُدَّة خِلَافَته.

8863 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رَجُلاً سألَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ السَّاعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ وماذَا أعْدَدْتَ لَهَا قَالَ لَا شَيْءَ إلاَّ أنِّي أحِبُّ الله ورسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ قَالَ أنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيءٍ فَرحنا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ قَالَ أنَسٌ فأنَا أُحِبَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وأرْجُو أنْ أكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إيَّاهُمْ وإنْ لَمْ أعْمَلْ بِمِثْلِ أعْمَالِهِمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَول أنس، فَإِنَّهُ قرن أَبَا بكر وَعمر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَمَل.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي الرّبيع.
قَوْله: (أَن رجلا) ، قيل: هَذَا الرجل هُوَ ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَزعم ابْن بشكوال أَنه أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَو أَبُو ذَر، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب من طَرِيق آخر عَن أنس: أَن السَّائِل هُنَا أَعْرَابِي، وَوَقع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن الْأَعرَابِي الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد قَالَ: يَا مُحَمَّد! مَتى السَّاعَة فَقَالَ وَمَا أَعدَدْت لَهَا؟ قَالَ بَعضهم: فَدلَّ على أَن السَّائِل فِي حَدِيث أنس هُوَ الْأَعرَابِي الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد. قلت: لَا دَلِيل وَاضح هُنَا لاحْتِمَال تعدد السَّائِلين. قَوْله: (فَمَا فرحنا) ، بِكَسْر الرَّاء بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: (فرحنا) ، بِفَتْح الرَّاء والحاء مصدر أَي: كفرحنا، وانتصابه بِنَزْع الْخَافِض. قَوْله: (مَعَهم) ، أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر. فَإِن قلت: الدَّرَجَات مُتَفَاوِتَة، فَكيف يكون أنس فِي دَرَجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ؟ قلت: المُرَاد الْمَعِيَّة فِي الْجنَّة، أَي: أَرْجُو أَن أكون فِي دَار الثَّوَاب لَا الْعقَاب، وَنحن أَيْضا نحبهمْ وَنَرْجُو ذَلِك من الله الْكَرِيم.

9863 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَدْ كانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فإنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أحَدٌ فإنَّهُ عُمَرُ. زَادَ زَكَرِيَّاءُ بنُ أبِي زَائِدَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَدْ كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ رِجالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أنْ يَكُونُوا أنْبِيَاءَ فإنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أحَدٌ فَعُمَرُ. (انْظُر الحَدِيث 9643) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يروي عَن أَبِيه سعد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمضى هَذَا فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره، وَأَصْحَاب إِبْرَاهِيم بن سعد كلهم رووا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي هُرَيْرَة إلاَّ عبد الله بن وهب فَإِنَّهُ خالفهم، فَقَالَ: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة، قَالَ أَبُو مَسْعُود: لَا أعلم أحدا تَابع ابْن وهب على هَذَا، وَالْمَعْرُوف: عَن أبي هُرَيْرَة، لَا: عَن عَائِشَة. وزكرياء بن أبي زَائِدَة، ذكره كَمَا ذكره البُخَارِيّ كَمَا يَأْتِي الْآن. فَإِن قلت: قَالَ مُحَمَّد بن عجلَان: عَن سعيد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة، أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ؟ قلت: قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَهُوَ مَشْهُور عَن ابْن عجلَان، فَكَانَ أَبَا سَلمَة سَمعه من عَائِشَة وَمن أبي هُرَيْرَة جَمِيعًا. قَوْله: (زَاد زَكَرِيَّاء) ، إِلَى آخِره، مُعَلّق، وَفِي رِوَايَته زيادتان: إِحْدَاهمَا: بَيَان كَونهم من بني إِسْرَائِيل. وَالْأُخْرَى: تَفْسِير المُرَاد بالمحدث فِي رِوَايَة غَيره، فَإِنَّهُ قَالَ: بدلهَا: يكلمون من غير أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء، وَتَعْلِيق زَكَرِيَّاء وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجيهما) .
قَوْله: (محدثون) ، ويروى: نَاس محدثون، وَقد مر تَفْسِير: محدثون، هُنَاكَ. قَوْله: (لقد كَانَ

(16/198)


قبلكُمْ) ، ويروى: لقد كَانَ فِيمَن كَانَ قبلكُمْ. قَوْله: (يكلمون) ، قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي الْمَلَائِكَة تكلمهم، فعلى هَذَا يكلمون على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَإِن يكن من أمتِي) ، ويروى: فِي أمتِي. قَوْله: (أحد) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من أحدٍ. قَوْله: (فعمر) ، أَي: فَهُوَ عمر، وَكلمَة: إِن، لَيست للشَّكّ، فَإِن أمته أفضل الْأُمَم، فَإِذا كَانَ مَوْجُودا فبالأولى أَن يكون فِي هَذِه الْأمة، بل للتَّأْكِيد، كَقَوْل الْأَجِير: إِن عملت لَك فوفني حَقي.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما مَا مِنْ نَبِيٍّ ولاَ مُحَدِّثٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قِرَاءَة ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إلاَّ إِذا تمنَّى ... } (الْحَج: 25) . الْآيَة فَإِنَّهُ زَاد فِيهَا: وَلَا مُحدث، وَأخرجه عبد بن حميد من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ: وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي وَلَا مُحدث.

0963 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ حَدَّثَنا عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَعِيدٍ ابنِ المُسَيَّبِ وأبِي سلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ قالاَ سَمِعْنَا أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ فأخَذَ مِنْهَا شَاة فطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا فالْتَفَتَ إلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ الله فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنِّي أُومِنُ بِهِ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَمَا ثَمَّ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ. هَذَا الحَدِيث مضى فِي مَنَاقِب أبي بكر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَذكر فِيهِ قصَّة الْبَقَرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

1963 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنَا أَنا نَائِمٌ رأيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا علَيَّ وعلَيْهِمْ قُمُصٌ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ ومِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذلِكَ وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ قالُوا فَما أوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ الله قَالَ الدِّينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ فَضِيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان فِي الْأَعْمَال، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قمص) ، بِضَم الْمِيم وسكونها: جمع قَمِيص. قَوْله: (الثدي) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الدَّال وَتَشْديد الْيَاء جمع: ثدي. قَوْله: (اجتره) ، يَعْنِي يسحبه لطوله. قَوْله: (قَالُوا) أَي: الْحَاضِرُونَ من الصَّحَابَة، وَسَيَأْتِي فِي التَّعْبِير: أَن السَّائِل فِي ذَلِك أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن قلت: يلْزم مِنْهُ أَن يكون عمر أفضل من أبي بكر؟ قلت: خص أَبُو بكر من عُمُوم قَوْله: عرض عَليّ النَّاس، وَيحْتَمل أَن أَبَا بكر لم يكن فِي الَّذين عرضوا، وَالله أعلم.

2963 - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أيُّوبُ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ قَالَ لَ مَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يألَمُ فَقَالَ لَهُ ابنُ عبَّاسٍ وكأنَّهُ يُجَزِّعُهُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ ولَئِنْ كانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فارَقْتَهُ وهْوَ عَنْكَ راضٍ ثُمَّ صَحِبْتَ أبَا بَكْرٍ فأحْسَتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فارَقْتَهُ وهْوَ عَنْكَ رَاضٍ ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فأحْسَنْتَ صَحْبَتَهُمْ ولَئِنْ فارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وهُمْ عنْكَ رَاضُونَ قَالَ أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ

(16/199)


رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورِضَاهُ فإنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ الله تعالَى مَنَّ بِهِ علَيَّ وأمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أبِي بَكْرٍ ورِضَاهُ فإنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ الله جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وأمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهْوَ مِنْ أجْلِك وأجْلِ أصْحَابِكَ وَالله لَوْ أنَّ لِي طِلاَعَ الأرْضِ ذَهَبَاً لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أنْ أرَاهُ قالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ حدَّثنَا أيُّوبُ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بِهَذَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لقد صَحِبت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى قَوْله: (أما مَا ذكرت من صُحْبَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَذَلِكَ أَن لَهُ فضلا عَظِيما من حَيْثُ إِنَّه صحب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفارقه وَهُوَ عَنهُ راضٍ، وَكَذَلِكَ مَعَ أبي بكر وَبَقِيَّة الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والصلت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو همام الخاركي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالراء: الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، وَعليَّة بِضَم الْعين أمه، وَقد مرت غير مرّة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: هُوَ عبد الله، والمسور بن مخرمَة، بِكَسْر الْمِيم فِي الإبن وَفتحهَا فِي الْأَب، وَلَهُمَا صُحْبَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لما طعن عمر) ، طعنه أَبُو لؤلؤة عبد الْمُغيرَة بن شُعْبَة، ضربه فِي خاصرته وَهُوَ فِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين. قَوْله: (وَكَأَنَّهُ يجزعه) ، أَي: وَكَأن ابْن عَبَّاس يجزعه، بِضَم الْيَاء وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الزَّاي، أَي: ينْسبهُ إِلَى الْجزع ويلومه، وَقيل: مَعْنَاهُ يزِيل عَنهُ الْجزع، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا فُزِّعَ عنْ قُلُوبِهِمْ} (سبإ: 32) . أَي: أزيل عَنْهُم الْفَزع. قَوْله: (وَلَئِن كَانَ ذَاك) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَلَا كل ذَلِك، أَي: لَا تبالغ فِي الْجزع فِيمَا أَنْت فِيهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَا كَانَ ذَلِك، هَكَذَا قَالَه، ثمَّ قَالَ: هَذَا دُعَاء، أَي: لَا يكون مَا تخَاف مِنْهُ من الْعَذَاب وَنَحْوه، أَو لَا يكون الْمَوْت بِهَذِهِ الطعنة. قَوْله: (ثمَّ فارقته) ، أَي: ثمَّ فَارَقت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. ثمَّ فَارَقت، بِحَذْف الضَّمِير الْمَنْصُوب. قَوْله: (وَهُوَ عَنْك رَاض) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (ثمَّ صَحِبت صحبتهم) ، بِفَتْح الصَّاد والحاء وَهُوَ جمع: صَاحب، وَأَرَادَ بِهِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، قَالَ بَعضهم: هَذَا فِي رِوَايَة بَعضهم، وَفِيه نظر للإتيان بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع التَّثْنِيَة. قلت: لَا يتَوَجَّه النّظر فِيهِ أصلا، بل الْموضع مَوضِع ذكر الْجمع لِأَن المُرَاد أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر، وَقَالَ عِيَاض: يحْتَمل أَن يكون الأَصْل: ثمَّ صحبتهم، فزيد فِيهِ صُحْبَة الَّذِي هُوَ الْجمع. قَوْله: (فَإِن ذلكَ مَنْ) ، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد النُّون أَي: عَطاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فَإِنَّمَا ذَلِك. قَوْله: (فَهُوَ من أَجلك) ، أَي: جزعي من أَجلك وَأجل أَصْحَابك، قَالَ ذَلِك لما شعر من فتن تقع بعده، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: أصيحابك، بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (طلاع الأَرْض) ، بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام أَي: ملْء الأَرْض، قَالَ الْهَرَوِيّ: أَي: مَا يمْلَأ الأَرْض حَتَّى يطلع ويسيل، وَقَالَ ابْن سَيّده: طلاع الأَرْض مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، وَكَذَا قَالَه ابْن فَارس، وَقَالَ الْخطابِيّ: طلاعها ملؤُهَا، أَي: مَا يطلع عَلَيْهَا ويشرق فَوْقهَا من الذَّهَب. قَوْله: (قبل أَن أرَاهُ) أَي: الْعَذَاب، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لغَلَبَة الْخَوْف الَّذِي وَقع لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت من خشيَة التَّقْصِير فِيمَا يجب عَلَيْهِ من حُقُوق الرّعية. قَوْله: (قَالَ حَمَّاد بن زيد) إِلَى آخِره، مُعَلّق وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة القواريري عَن حَمَّاد بن زيد.

3963 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ قَالَ حدَّثنِي عُثْمَانُ بنُ غِياثٍ حدَّثنا أبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائِطٍ مِنْ حِيطانِ المَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ ففَتَحْتُ لَهُ فإذَا هُوَ أبُو بَكْرٍ فَبَشِّرْهُ بِمَا قالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمِدَ الله ثُمَّ جاءَ رَجُلٌ فاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ ففَتَحْتُ لَهُ فإذَا هُوَ عُمَرُ فأخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمِدَ الله ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ

(16/200)


فقالَ لِي افْتَحْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ علَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فإذَا عُثْمَانُ فأخْبَرْتُهُ بِمَا قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمِدَ الله ثُمَّ قالَ الله المُسْتَعَانُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ وَعُثْمَان بن غياث، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء وَبعد الْألف ثاء مُثَلّثَة: الرَّاسِبِي، وَيُقَال: الْبَاهِلِيّ من أهل الْبَصْرَة، وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون: عبد الرَّحْمَن بن مل. والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي مَنَاقِب أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مطولا من غير هَذَا الْوَجْه، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (الْمُسْتَعَان) اسْم مفعول يُقَال: اسْتَعَانَ بِهِ واستعان إِيَّاه.

4963 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي حَيْوةُ قَالَ حدَّثني أبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ أنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ الله بنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَخذ الْيَد دَلِيل على غَايَة الْمحبَّة، وَكَمَال الْمَوَدَّة والاتحاد، وَلَوْلَا أَن فِي عمر فضلا عَظِيما لما أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده.
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان أَو سبع، وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وحيوة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْوَاو بَينهمَا يَاء سَاكِنة آخر الْحُرُوف ابْن شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة، أَبُو زرْعَة الْحَضْرَمِيّ الْمصْرِيّ الْفَقِيه العابد الزَّاهِد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة، وَأَبُو عقيل، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: زهرَة، بِضَم الزَّاي على الْمَشْهُور وَقيل: بِفَتْحِهَا وَإِسْكَان الْهَاء ابْن معبد، بِفَتْح الْمِيم: الْقرشِي الْمصْرِيّ، وجده عبد الله بن هِشَام بن زهرَة بن عُثْمَان، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَأخرجه أَيْضا فِي النذور عَن يحيى ابْن سُلَيْمَان أَيْضا بأتم مِنْهُ.