عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 76 - (بابٌ الوَلِيمَةُ حَقٌّ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته الْوَلِيمَة حق، وَلَيْسَ فِي
أَلْفَاظ حَدِيث الْبَاب لفظ: حق وَإِنَّمَا جَاءَ لفظ:
حق، فِي حَدِيث أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن أنس مَرْفُوعا:
الْوَلِيمَة فِي أول يَوْم حق، وَفِي الثَّانِي معروص،
وَفِي الثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة. ثمَّ قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِقَوي، فِيهِ بكر بن خُنَيْس
تكلمُوا فِيهِ. قلت: قَالَ الْعجلِيّ: كُوفِي ثِقَة وَأخرج
الْحَاكِم حَدِيثه، وحسَّن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه، وَجَاء
لفظ: حق، أَيْضا فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ من
حَدِيث مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: الْوَلِيمَة
حق وَسنة الحَدِيث، وَجَاء أَيْضا فِي حَدِيث أخرجه
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَحشِي بن حَرْب رَفعه:
الْوَلِيمَة حق، وَالثَّانيَِة مَعْرُوف، وَالثَّالِثَة
فَخر. وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: شَرّ
الطَّعَام الْوَلِيمَة، يَدعِي الْغَنِيّ وَيتْرك
الْمِسْكِين، وَهِي أَحَق، أَي: ثَابت فِي الشَّرْع،
وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الْوُجُوب، خلافًا لأهل الظَّاهِر،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مَعَ الْخلاف فِيهِ فِي: بَاب
الصُّفْرَة للمتزوج.
وَقَالَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوْلِمْ ولوْ بِشاةٍ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ مطولا فِي أَو كتاب
الْبيُوع، وَالْأَمر فِيهِ للاستحباب. وَعند
الظَّاهِرِيَّة للْوُجُوب، وَبِه قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة
لظَاهِر الْأَمر، وَفِي التَّوْضِيح للشَّافِعِيّ قَول
آخر: إِنَّهَا وَاجِبَة أَي: الْوَلِيمَة، وَكَذَا رُوِيَ
عَن أَحْمد، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك قَالَه
الْقُرْطُبِيّ.
6615 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حدّثني
اللَّيْثُ عنْ عقيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخْبرَنِي
أنَسُ بنُ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ كانَ ابنَ
عَشْرَ سِنِينَ مَقْدَمَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم المَدِينَةَ فَكانَ أُمَّهاتِي يُوَاظِبْنَنِي علَى
خِدْمَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخَدَمْتُهُ
عشْرَ سِنِينَ وتُوفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَنا ابنُ عِشْرينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أعْلَمَ النَّاسِ
بِشَأْنِ الحِجاب حِينَ أُنْزِلَ، وكانَ أوَّل مَا
أُنْزِلَ فِي مُبتَنيَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، أصْبَحَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بهَا عروسا، فَدَعَا الْقَوْم فَأَصَابُوا
من الطَّعَام ثمَّ خَرجُوا، وَبَقِي رَهْط مِنْهُم عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأطالُوا المُكْثَ فقامَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَج وخَرَجْتُ مَعَهُ
لِكَيْ يَخْرُجُوا فَمشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومشيت حَتَّى جَاءَ عتبَة حجرَة عَائِشَة ثمَّ ظن أَنهم
خَرجُوا فَرَجَعَ ورجَعْتُ مَعَهُ حتَّى إِذا دَخَلَ علَى
زَيْنَبَ فإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَجَعْتُ مَعَهُ حتَّى
إذَا بلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عائِشَةَ وظَنَّ أنَّهُمْ
خَرَجُوا فَضَرَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْني
وَبيْنَهُ وأُنْزِلَ الحِجابُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدَعَا
الْقَوْم فَأَصَابُوا من الطَّعَام) كَانَ للوليمة وَلَكِن
الْمُطَابقَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة فَقَط لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ ذكر لفظ: حق، كَمَا ذكرنَا. والْحَدِيث عَن
أنس قد مضى فِي: بَاب الْهَدِيَّة للعروس عَن قريب.
قَوْله: (مقدم رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسلم) ، بِالنّصب على الظّرْف، أَي: زمَان قدومه. قَوْله:
(فَكَانَ أمهاتي) ، ويروى: كَانَ أمهاتي، من قبيل: أكلموني
البراغيث، وَالْأَصْل: وَكَانَت أمهاتي، وَأَرَادَ أمه
وَأَخَوَاتهَا يَعْنِي: خالات أنس. قَوْله: (يواظبني) من
الْمُوَاظبَة على الشَّيْء وَهُوَ الِاسْتِمْرَار
عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يواظئنني، من
المواطأة بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَهِي: وطأت نَفسِي على
الشَّيْء إِذا رَعيته وحرصت عَلَيْهِ. قَوْله: (فِي مبتني)
أَي: زمَان ابتناه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِزَيْنَب بنت جحش، وَوقت دُخُوله عَلَيْهَا. قَوْله:
(وَبَقِي رَهْط) ، وَفِي رِوَايَة: بَاب الْهَدِيَّة
للعروس: نفر، بدل: رَهْط، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النَّفر
رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته، وَهُوَ اسْم جمع يَقع على
جمَاعَة الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى
الشعرة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَقَالَ: الرَّهْط
عشيرة
(20/153)
الرجل وَأَهله، من الرِّجَال مَا دون
الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين وَلَا يكون فيهم
امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفْظَة. قَوْله: (وَأنزل
الْحجاب) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي} (الْأَحْزَاب: 35)
الْآيَة.
86 - (بابُ الوَلِيمَةِ ولوْ بِشاةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْوَلِيمَة حق وَلَو عملت بِشَاة،
وَقد ذكرنَا أَن معنى: معنى ثَابت فِي الشَّرْع، وَقَالَ
ابْن بطال: يَعْنِي أَن الزَّوْج ينْدب إِلَيْهَا، وَيجب
عَلَيْهِ وجوب سنة وفضيلة، وَهِي على قدر الْإِمْكَان
الْوُجُوب لإعلان النِّكَاح.
7615 - حدَّثنا عَليٌّ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني
حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسا، رَضِي الله عنهُ، قَالَ:
سألَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عبدَ الرَّحْمانِ
بنَ عَوْفٍ وتَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصارِ: كَمْ
أصْدَقْتَها؟ قَالَ: وزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَب.
وعنْ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ أنَسا قَالَ: لمَّا قَدِمُوا
المَدِينَةَ نَزَلَ المُهاجرُونَ علَى الأنْصارِ، فَنَزَلَ
عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ علَى سَعْدِ بنِ الربِيعِ
فَقَالَ: أقاسِمُكَ مالِي وأنْزِلُ لَكَ عنْ إحْدَى
امْرَأتَيَّ. قَالَ: بارَكَ الله لَكَ فِي أهْلِكَ
ومالِكَ، فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ فَباعَ واشْتَرَى فأصابَ
شَيْئا مِنْ أقِطٍ وسَمْنٍ، فَتَزَوَّج فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوْلِمْ ولوْ بِشاةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أولم وَلَو بِشَاة) .
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة.
قَوْله: (وَتزَوج امْرَأَة من الْأَنْصَار) جملَة حَالية
أَي: وَقد تزوج امْرَأَة وَهِي بنت أبي الحيسر بن رَافع بن
امرىء الْقَيْس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَفِي
آخِره رَاء، واسْمه أنس بن رَافع الأوسي. قَوْله: (وزن
نواة) ، بِنصب النُّون من وزن على المفعولية، أَي: أصدقت
وزن نواة، وَيجوز الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف،
وَالتَّقْدِير: الَّذِي أَصدقتهَا وزن نواة.
قَوْله: (وَعَن حميد سَمِعت أنسا) عطوف على الأول قيل:
وَيحْتَمل أَن يكون مُعَلّقا، والعمدة على الأول، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني أَنه سمع أنسا مثل الَّذِي قبله،
وَصرح فِي الْكل بِسَمَاع حميد من أنس فَحصل الْأَمْن من
التَّدْلِيس. وَأخرجه الْحميدِي فِي مُسْنده وَمن طَرِيقه
أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج عَن سُفْيَان بِالْحَدِيثِ
كُله مفرقا، وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا: أَنا حميد أَنه سمع
أنسا، وَأخرجه ابْن أبي عمر فِي مُسْنده عَن سُفْيَان وَمن
طَرِيقه الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَقَالَ: عَن حميد عَن أنس وسق
الْجَمِيع حَدِيثا وَاحِدًا، وَقدم الْقِصَّة الثَّانِيَة
على الأولى كَمَا فِي رِوَايَة غير سُفْيَان،
وَالْبُخَارِيّ فرقه حديثين: فَذكر فِي الأول: سُؤال
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الرَّحْمَن عَن قدر
الصَدَاق، وَفِي الثَّانِي: أول الْقِصَّة، قَالَ: لما
قدمُوا الْمَدِينَة إِلَخ، وَرُوِيَ البُخَارِيّ هَذَا
الحَدِيث فِي أَوَائِل النِّكَاح فِي: بَاب قَول الرجل:
أنظر أَي زَوْجَتي شِئْت؟ من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ،
وَفِي: بَاب الصُّفْرَة للمتزوج من رِوَايَة مَالك، وَفِي
فضل الْأَنْصَار من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، وَفِي
أول الْبيُوع من رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة،
وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب من رِوَايَة يحيى الْقطَّان،
كلهم عَن حميد عَن أنس، وَمضى فِي: بَاب مَا يدعى للمتزوج
من رِوَايَة ثَابت، وَفِي: بَاب {وَآتوا النِّسَاء
صدقاتهن} (النِّسَاء: 4) عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب
وَقَتَادَة كلهم عَن أنس.
قَوْله: (على سعد بن الرّبيع) وَالربيع هُوَ ابْن عَمْرو
بن أبي زُهَيْر الْأنْصَارِيّ الخزرجي عَقبي بَدْرِي نقيب،
كَانَ أحد نقباء الْأَنْصَار، وَكَانَ كَاتبا فِي
الْجَاهِلِيَّة وَشهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة وَشهد
بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، وَكَانَ ذَا غنى.
قَوْله: (إِحْدَى امْرَأَتي) بِفَتْح التَّاء ويشديد
الْيَاء، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: ولي
امْرَأَتَانِ فَانْظُر أعجبهما إِلَيْك أطلقها، فَإِذا حلت
تَزَوَّجتهَا. وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
فأقسم لَك نصف مَالِي وَانْظُر أَي زوجتيّ هويت فَأنْزل
لَك عَنْهَا، فَإِذا حلت تَزَوَّجتهَا. وَنَحْوه. وَفِي
رِوَايَة يحيى بن سعيد، وَفِي لفظ: فَانْظُر أعجبهما
إِلَيْك فسمها لي أطلقها، فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا
فَتَزَوجهَا، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت
عَن أَحْمد. فَقَالَ لَهُ سعد: أَي أخي إِنَّا أَكثر أهل
الْمَدِينَة مَالا فَانْظُر شطر مَالِي فَخذه، وتحتى
امْرَأَتَانِ فَانْظُر أَيهمَا أعجب إِلَيْك حَتَّى
أطلقها. وَقيل: اسْم إِحْدَى امرأتيه عمْرَة بنت حزم
الْأَنْصَارِيَّة، وَاسم الْأُخْرَى: حَبِيبَة بنت زيد
ابْن أبي زُهَيْر. قَوْله: (أولم وَلَو بِشَاة) قَالَ
بَعضهم: كلمة: لَو، هُنَا لِلتَّمَنِّي. قلت: لَيْسَ
كَذَلِك، بل هِيَ للتقليل نَحْو: تصدقوا وَلَو بظلف محرقة.
(20/154)
8615 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ
حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: مَا أوْلَمَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى شَيْء مِنْ نِسائِهِ
مَا أوْلَمَ علَى زَيْنَبَ، أوْلَمَ بِشاةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. حَمَّاد هُوَ ابْن زيد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي الرّبيع
وَأبي كَامِل وقتيبة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة ومسدد. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
النِّكَاح عَن أَحْمد بن عَبدة.
قَوْله: (مَا أولم على زَيْنَب) أَي: زَيْنَب بنت جحش.
قَوْله: (أولم بِشَاة) هَذَا لَيْسَ للتحديد، وَإِنَّمَا
وَقع اتِّفَاقًا. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: الْإِجْمَاع
على أَنه لأحد لأكثرها، وَقَالَ بَعضهم: وَقد يُؤْخَذ من
عبارَة صَاحب التَّنْبِيه من الشَّافِعِيَّة: أَن الشَّاة
حد لأكْثر الْوَلِيمَة لِأَنَّهُ قَالَ: وأكملها شَاة.
قلت: لَم لَا يجوز أَن يكون معنى: أكملها بِالنِّسْبَةِ
إِلَى التَّمْر والأقط وَالسمن الْمَذْكُورَة فِي ولائم
النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم؟ أَو يكون
مَعْنَاهُ. أفضلهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْيَاء
الْمَذْكُورَة.
9615 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ عبْدِ الوَارِثِ عنْ
شُعَيْبٍ عنْ أنَسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أعْتَقَ صَفِيَّةَ وتَزَوَّجَها وجَعَلَ عِتْقَها
صَدَاقَها، وَأوْلَمَ علَيْها بِحَيْسٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن
سعيد الْبَصْرِيّ، وَشُعَيْب بن الحبحاب بالحاءين
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى،
أَبُو صَالح الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن زُهَيْر بن
حَرْب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن
مَنْصُور وَغَيره، وَقد مر وُجُوه فِي جعل الْعتْق
الصَدَاق، وأصحها أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا
تَبَرعا ثمَّ تزَوجهَا بِرِضَاهَا بِلَا صدَاق. قَوْله:
(بحيس) قد مر تَفْسِيره عَن قريب، فَإِن قلت: قد مضى فِي:
بَاب اتِّخَاذ السراري من طَرِيق حميد عَن أنس: أَنه أَمر
بالأنطاع فألقي فِيهَا من الأقط وَالتَّمْر وَالسمن،
فَكَانَت وَلِيمَة قلت: لَا مُخَالفَة بَينهمَا لِأَن
هَذِه من أَجزَاء الحيس.
07615 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا زُهَيْرٌ
عنْ بَيانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنْسَا يَقُولُ: نَبي النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بامْرَأةٍ فأرْسَلَنِي
فَدَعَوْتُ رِجالاٍ إِلَى الطَّعامِ..
هَذَا وَجه آخر عَن أنس بن مَالك. وَهُوَ الحَدِيث
الْخَامِس كُله عَنهُ.
وَزُهَيْر مصغر زهر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ،
وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالنون: هُوَ ابْن بشر الأحمسي.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عمر
بن إِسْمَاعِيل وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.
قَوْله: (بني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من
الْبناء وَهُوَ الدُّخُول بِزَوْجَتِهِ، وَقد ذكر غير
مرّة. قَوْله: (بِامْرَأَة) هِيَ زَيْنَب بنت جحش، قَالَه
الْكرْمَانِي. قلت: هُوَ كَذَلِك، وقط ظهر ذَلِك من
رِوَايَة التِّرْمِذِيّ لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ نزُول. قَوْله
تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت
النَّبِي} (الْأَحْزَاب: 35) الْآيَة، وَهَذَا فِي قصَّة
زَيْنَب لَا محَالة، وَمضى شرحها فِي سُورَة الْأَحْزَاب.
96 - (بابُ مَنْ أوْلَمَ علَى بَعْضِ نِسائِهِ أكْثَرَ
مِنْ بَعْضٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أولم على بعض نِسَائِهِ
أَكثر من بعض.
1715 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ
قَالَ: ذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ عِنْدَ
أنَسٍ، فَقَالَ: مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أوْلَمَ علَى أحَدٍ مِنْ نِسائِهِ مَا أوْلَمَ
علَيْها! أوْلَمَ بِشاةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم
أَيْضا وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ السِّرّ فِي أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على زَيْنَب أَكثر كَانَ
شكرا لنعمة الله عز وَجل، لِأَنَّهُ زوجه، إِيَّاهَا
بِالْوَحْي إِذا قَالَ تَعَالَى: قَوْله: {فَلَمَّا قضى
زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} (الْأَحْزَاب: 73) قَالَ
ابْن بطال: لم يَقع ذَلِك قصدا لتفضيل بعض النِّسَاء على
بعض، بل بِاعْتِبَار مَا اتّفق، وَأَنه لَو وجد الشَّاة
فِي كل مِنْهُنَّ لأولم بهَا. لِأَنَّهُ كَانَ أَجود
النَّاس، وَلَكِن كَانَ لَا يُبَالغ فِي أُمُور الدُّنْيَا
كالتأنق، وَقيل: كَانَ ذَلِك لبَيَان الْجَوَاز، وَقَالَ
صَاحب التَّوْضِيح: لَا شكّ أَن من زَاد فِي وليمته فَهُوَ
أفضل لِأَن ذَلِك زِيَادَة فِي الإعلان واستزادة من
الدُّعَاء بِالْبركَةِ فِي الْأَهْل وَالْمَال. قلت:
الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ أحسن
(20/155)
الْوُجُوه. فَإِن قلت: قد نفي أنس أَن يكون
أولم على غير زَيْنَب بِأَكْثَرَ مِمَّا أولم عَلَيْهَا،
وَقد أولم على مَيْمُونَة بنت الْحَارِث لما تزَوجهَا فِي
عمْرَة الْقَضِيَّة بِمَكَّة بِأَكْثَرَ من شَاة. قلت:
فَفِيهِ مَحْمُول على مَا انْتهى إِلَيْهِ علمه، أَو لما
وَقع من الْبركَة فِي وليمتها حَيْثُ أشْبع الْمُسلمين
خبْزًا وَلَحْمًا من الشَّاة الْوَاحِدَة. وَلِأَن
قَضِيَّة مَيْمُونَة كَانَت بعد فتح خَيْبَر، وَكَانَت
التَّوسعَة مَوْجُودَة فِي ذَلِك الْوَقْت بالتوسعة
الْحَاصِلَة من فتح خَيْبَر.
07 - (بابُ منْ أوْلَمَ بأقَلَّ مِنْ شاةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أولم بِأَقَلّ من شَاة،
وَإِنَّمَا ذكر هَذَا للتنصيص الَّذِي وَقع فِيهِ وَإِن
كَانَ هَذَا مستفادا من الْأَحَادِيث الَّتِي قبلهَا.
2715 - حدَّثنا مُحَمدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ
مَنْصُورِ بنِ صَفِيَّةَ عنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ
شَيْبَةَ قالَتْ: أوْلَمَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
علَى بَعْضِ نِسائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ
الْفرْيَابِيّ كَمَا جزم بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو
نعيم فِي مستخرجيهما وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون مُحَمَّد
بن يُوسُف البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة لِأَن
كلا من المحمدين رُوِيَ عَن السفيانين، وَلَا قدح فِي
الْإِسْنَاد بِهَذَا الالتباس لِأَن كلّا مِنْهُمَا
بِشَرْط البُخَارِيّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن
بن طَلْحَة بن الْحَارِث بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة عبد
الله بن عبد الْعُزَّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّار بن قصي
بن كلاب الْعَبدَرِي الحَجبي الْمَكِّيّ، قَالَ أَبُو
حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَكَانَ خَاشِعًا بكَّاء، قتل جده
الْحَارِث كَافِرًا يَوْم أحد، قَتله قزمان، وَصفِيَّة بنت
شيبَة بن عُثْمَان بن أبي طَلْحَة مُخْتَلف فِي صحبتهَا
وَكَانَت أحاديثها مُرْسلَة، وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي:
وَالصَّحِيح فِي رِوَايَة صَفِيَّة عَن أَزوَاج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ أَبُو الْحسن رَحمَه الله:
انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ عَن صَفِيَّة عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي من
الْأَحَادِيث الَّتِي تعد فِيمَا أخرج من الْمَرَاسِيل.
وَقد اخْتلف فِي رؤيتها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ البرقاني: وَصفِيَّة هَذِه لَيست بصحابية فحديثها
مُرْسل. وَقَالَ البرقاني: وَمن الروَاة من غلط فِيهِ
فَقَالَ: عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة عَن صَفِيَّة بنت حييّ
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما ذكره
الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه قَالَ: هَذَا غلط لَا شكّ
فِيهِ، وَقَالَ البرقاني: روى هَذَا الحَدِيث عبد
الرَّحْمَن بن مهْدي ووكيع بن الْيَمَان عَن الثَّوْريّ
فجعلوه من رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة، وَرَوَاهُ أَبُو
أَحْمد الزبيرِي ومؤمل بن إِسْمَاعِيل وَيحيى بن
الْيَمَان، عَن الثَّوْريّ فَقَالُوا فِيهِ: عَن صَفِيَّة
بنت شيبَة عَن عَائِشَة، قَالَ: وَالْأول أصح فَإِن قلت:
ذكر الْمزي فِي الْأَطْرَاف أَن البُخَارِيّ أخرج فِي كتاب
الْحَج، عقيب حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس فِي
تَحْرِيم مَكَّة، قَالَ: وَقَالَ أبان بن صَالح: عَن
الْحسن بن مُسلم عَن صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... مثله، قَالَ:
وَوَصله ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه قلت: قَالَ الْمزي
أَيْضا: لَو صحَّ هَذَا لَكَانَ صَرِيحًا فِي صحبتهَا،
لَكِن أبان بن صَالح ضَعِيف، وَكَذَا ضعفه ابْن عبد الْبر
فِي التَّمْهِيد قلت يحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو
زرْعَة وَآخَرُونَ وثقوه، وَذكر الْمزي أَيْضا حَدِيث
صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت: طَاف النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على بعير يسْتَلم الرُّكْن بمحجن وَأَنا
أنظر إِلَيْهِ أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَقَالَ
الْمزي: وَهَذَا يضعف قَول من أنكر أَن يكون لَهَا رُؤْيَة
فَإِن إِسْنَاده حسن، قيل: إِذا ثَبت رؤيتها فَمَا
الْمَانِع أَن تسمع خطبَته. وَلَو كَانَت صَغِيرَة.
قَوْله: (على بعض نِسَائِهِ) ، لم يدر تَعْيِينهَا
صَرِيحًا، قيل: أقرب مَا يُفَسر بِهِ أم سَلمَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، فقد أخرج ابْن سعد عَن
الْوَاقِدِيّ بِسَنَد لَهُ إِلَى أم سَلمَة، قَالَت: لما
خطبني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر قصَّة
تَزْوِيجه بهَا، قَالَت أم سَلمَة: فَأَدْخلنِي بَيت
زَيْنَب بنت خُزَيْمَة فَإِذا جرة فِيهَا شَيْء من شعير،
فَأَخَذته فطحتنه ثمَّ عصدته فِي البرمة وَأخذت شَيْئا من
إهالة فأدمته، فَكَانَ ذَلِك طَعَام رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بمدين من شعير) ، وهما نصف صَاع
لِأَن الْمَدِين تَثْنِيَة مد. وَالْمدّ ربع الصَّاع.
وَفِيه: أَن الْوَلِيمَة تكون على قدر الْمَوْجُود واليسار
وَلَيْسَ فِيهَا أحد لَا يجوز الِاقْتِصَار على دونه.
17 - (بابُ إجابَةِ الوَلِيمَةِ والدَّعْوَةِ ومَنْ
أوْلَمَ سَبْعَةَ أيَّامٍ ونَحْوَهُ ولَمْ يُوَقِّتِ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْما وَلَا يَوْمَيْنِ)
(20/156)
أَي: هَذَا فِي بَاب بَيَان إِجَابَة
الْوَلِيمَة، وَفِي بعض النّسخ: بَاب حق إِجَابَة
الْوَلِيمَة، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب أَن
الْوَلِيمَة طَعَام الْعرس والأملاك، وَقيل: طَعَام الْعرس
خَاصَّة، وَقَالَ أَبُو عمر: أَجمعُوا على وجوب
الْإِتْيَان إِلَى الْوَلِيمَة فِي الْعرس، وَاخْتلفُوا
فِيمَا سوى ذَلِك.
قَوْله: (والدعوة) ، بِفَتْح الدَّال وَبِضَمِّهَا فِي
الْحَرْب، وبكسرها فِي النّسَب، وَعطف الدعْوَة على
الْوَلِيمَة من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن الْوَلِيمَة
مُخْتَصَّة بِطَعَام الْعرس، وَقد وَردت أَحَادِيث
كَثِيرَة فِي إِجَابَة الدعْوَة. مِنْهَا: حَدِيث أبي
مُوسَى الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَكَذَا حَدِيث الْبَراء
فِيهِ. قَوْله: (وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) ، عطف على
قَوْله: إِجَابَة الدعْوَة، أَي: وَفِي بَيَان من أولم
سَبْعَة أَيَّام وَنَحْوهَا ... أَي: نَحْو سَبْعَة
أَيَّام، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: نَحْوهَا، قيل: إِن
البُخَارِيّ ترْجم على جَوَاز الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام
وَلم يَأْتِ فِيهِ بِحَدِيث، فاستدل على جَوَاز سَبْعَة
أَيَّام وَنَحْوهَا بِإِطْلَاق الْأَمر بإجابة الدَّاعِي
من غير تَقْيِيد، فاندرج فِيهِ السَّبْعَة الْمُدَّعِي
أَنَّهَا مَمْنُوعَة. وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح كَأَن
البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ بقوله:
(وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث وهيب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد:
حَدَّثتنِي حَفْصَة أَن سِيرِين عرس بِالْمَدِينَةِ فأولم،
فَدَعَا النَّاس سبعا، فَكَانَ فِيمَن دعى أبي بن كَعْب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَائِم فَدَعَا لَهُم
بِخَير وَانْصَرف، وَكَذَا ذكره حَمَّاد بن زيد إلاَّ أَنه
لم يذكر حَفْصَة فِي إِسْنَاده وَقَالَ معمر عَن أَيُّوب:
ثَمَانِيَة أَيَّام، وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ ابْن أبي
شيبَة أَيْضا من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين، قَالَت: لما
تزوج أبي دَعَا الصَّحَابَة سَبْعَة أَيَّام، فَلَمَّا
كَانَ يَوْم الْأَنْصَار دَعَا أبي بن كَعْب وَزيد بن
ثَابت وَغَيرهمَا فَكَانَ أبي صَائِما فَلَمَّا طعموا
دَعَا أبي وَأثْنى. قَوْله: (وَلم يُوَقت) أَي: لم يعين
النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، للوليمة
يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ للْإِيجَاب أَو للاستحباب،
وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاق وَيمْنَع التَّحْدِيد
إلاَّ بِحجَّة يجب التَّسْلِيم لَهَا. فَإِن قلت: رُوِيَ
أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن عُثْمَان
الثَّقَفِيّ عَن رجل أَعور من بني ثَقِيف، كَانَ يُقَال
لَهُ زُهَيْر مَعْرُوف أَي: يُثنى عَلَيْهِ خيرا، وَإِن لم
يكن اسْمه زُهَيْر بن عُثْمَان فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة
أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالْيَوْم الثَّالِث
رِيَاء وسَمعه. انْتهى. فَكيف يَقُول البُخَارِيّ: وَلم
يُوَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا لَا
يَوْمَيْنِ؟ قلت: قَالُوا إِنَّه لم يَصح عِنْده وَقَالَ
فِي تَارِيخه الْكَبِير: لَا يَصح إِسْنَاده وَلَا يعرف
لَهُ صُحْبَة، وَلما ذكره أَبُو عمر تبع البُخَارِيّ
فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، يُقَال: إِن حَدِيثه مُرْسل
وَلَيْسَ لَهُ غَيره. وَلَكِن قَالَ غَيره: هَذَا حَدِيث
صَحِيح سَنَده حسن مَتنه، وَإِذا لم يعرفهُ هُوَ فقد عرفه
غَيره، وَقَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة: لَهُ
صُحْبَة، وَذكره فِي جُمْلَتهمْ من غير تردد جمَاعَة
كَثِيرَة مِنْهُم ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه
الْأَوْسَط وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالتِّرْمِذِيّ فِي
تَارِيخه وَابْن السكن وَابْن قَانِع وَأَبُو عَمْرو
الفلاس وَأَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ فِي كِتَابه المخزون
والبغويان أَحْمد فِي مُسْنده الْكَبِير وَابْن بنته،
وَقَالَ: لَا أعلم لزهير غير هَذَا: وَأَبُو حَاتِم
الرَّازِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه الأصبهانيان
وَمُحَمّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَذكر غير وَاحِد أَن
الْحسن رُوِيَ عَنهُ فَإِن قلت: دخل بَينهمَا عبد الله بن
عُثْمَان قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْدُود أَيْضا
فِي جملَة الصَّحَابَة عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ،
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي: أدْرك النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتشْهدَ باليرموك. فَإِن قلت:
رُوِيَ النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. قلت: لَا يضر ذَلِك الحَدِيث
لِأَن الْحسن صَاحب فَتْوَى وَفقه، فَرُبمَا يسْأَل عَن
شَيْء يكون مُسْندًا فيذكره بِغَيْر سَنَد، وَرُبمَا ينشط
فيذكر سَنَده، وَهَذِه عَاده أشباهه من أَصْحَاب
الْفَتْوَى، وَلَئِن سلمنَا للْبُخَارِيّ فِي إرْسَاله
فالاصطلاح الحديثي: أَن الْمُرْسل إِذا جَاءَ نَحوه
مُسْندًا من وَجه آخر قوى حَتَّى لَو عَارضه حَدِيث صَحِيح
لَكَانَ الرُّجُوع إِلَيْهِمَا أولى، وَقد مر أَن لمتنه
أصلا فَلذَلِك حكمُوا على الْمَتْن بالْحسنِ، من ذَلِك مَا
رَوَاهُ عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، قَالَ: طَعَام أول يَوْم
حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي سنة، وَطَعَام يَوْم
الثَّالِث سمعة وَمن سمع سمع الله بِهِ، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ، وَقَالَ: لَا نعرفه
مَرْفُوعا إلاَّ من حَدِيث زِيَاد بن عبد الله وَهُوَ كثير
الغرائب والمناكير، وَمِنْه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي
مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَفِي سَنَده عبد
الْملك بن حُسَيْن النَّخعِيّ الوَاسِطِيّ تكلم فِيهِ غير
وَاحِد، وَمِنْه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف،
وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح:
سَنَده صَحِيح فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ
هَذَا الحَدِيث بقوى وَفِيه بكير بن خُنَيْس تكلمُوا
فِيهِ. قلت: أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد بن
صَالح
(20/157)
الْعجلِيّ، قَالَ: كُوفِي ثِقَة، وَقَالَ
البرقي عَن يحيى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ، وَخرج
الْحَاكِم حَدِيثه فِي الْمُسْتَدْرك.
3715 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ
نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: إِذا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ
فَلْيأتها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه فِي
النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْأَطْعِمَة عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْوَلِيمَة عَن أبي قدامَة عبيد الله بن سعيد. قَوْله:
(فليأتها) أَي: فليحضرها. وَقيل: فليأت مكاتبها. أَي:
مَكَان الْوَلِيمَة، وَاخْتلف فِي هَذَا الْأَمر فَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَالأَصَح أَنه إِيجَاب، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ فِيمَا مضى عَن قريب.
4715 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ
قَالَ: حدّثني مَنْصُورٌ عَن أبي وائِلٍ عنْ أبي مُوسَى
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فُكُّوا
العانِيَ وأجِيبُوا الدَّاعِيَ وعُودُوا المَريضَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأجيبوا الدَّاعِي)
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن
سَلمَة، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب فكاك الْأَسير.
قَوْله: (العاني) أَي: الْأَسير وَقَالَ ابْن التِّين:
(وأجيبوا الدَّاعِي) يُرِيد إِلَى وَلِيمَة الْعرس.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدَّاعِي أَعم من أَن يكون إِلَى
وَلِيمَة الْعرس أَو إِلَى غَيرهَا. وَلكنه خص بإجابة
صَاحب الْوَلِيمَة لما فِيهِ من الإعلان بِالنِّكَاحِ
وَإِظْهَار أمره. فَإِن قلت: فَالْأَمْر مُسْتَعْمل
بِإِطْلَاق وَاحِد فِي الْإِيجَاب وَالنَّدْب وَذَلِكَ
مَمْنُوع عِنْد الْأُصُولِيِّينَ. قلت: جوزه الشَّافِعِي
وَأما عِنْد غَيره فَيحمل على عُمُوم الْمجَاز. قَوْله:
(وعودوا الْمَرِيض) ويروى: وعوداو المرضى بِالْجمعِ.
5715 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ حدَّثنا أبُو
الأحْوَصِ عنِ الأشْعَثِ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ سُوَيْدٍ،
قَالَ: قَالَ البَرَاءُ بنُ عازِب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: أمَرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِسَبْعٍ ونَهانا عنْ سَبْعٍ: أمَرَنا بِعيادَةِ المَرِيضِ
واتِّباعِ الجَنازَةِ وتَشْمِيتِ العاطسِ وإبْرارِ
القَسَمِ ونَصْرِ المَظْلُومِ وإفْشاءِ السَّلاَمِ
وإجابَةِ الدَّاعِي، ونَهانا عنْ خَواتِيمِ الذَّهَب وعنْ
آنِيَةِ الفِضَّةِ وَعَن المَياثِرِ والقَسِّيَّةِ
الإسْتَبْرَقِ والدِّيباجِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإجَابَة الدَّاعِي) .
وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ مولى بني
حنيفَة، والأشعث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء بِالْمُثَلثَةِ
فِيهَا وَاسم أبي الشعْثَاء سليم الْمحَاربي، وَمُعَاوِيَة
بن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو.
وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون، والبراء أَيْضا نزل
الْكُوفَة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب اتِّبَاع
الْجَنَائِز.
قَوْله: (وتشميت الْعَاطِس) بالشين الْمُعْجَمَة وبالمهملة
أَيْضا، وَالْأول أفْصح اللغتين وَهُوَ الدُّعَاء
بِالْخَيرِ وَالْبركَة. قَوْله: (وإبرار الْقسم) هُوَ
تَصْدِيق من أقسم عَلَيْك، وَهُوَ أَن تفعل مَا سَأَلَهُ،
يُقَال: أبر الْقسم إِذا صدقه وَقيل: المُرَاد أَنه لَو
حلف أحد على أَمر مُسْتَقْبل وَأَنت تقدر على تَصْدِيق
يَمِينه كَمَا لَو أقسم. أَن لَا يفارقك حَتَّى تفعل كَذَا
وَأَنت تَسْتَطِيع فعله فافعله لِئَلَّا يَحْنَث، ويروى:
وإبراز الْمقسم على صيفه اسْم الْفَاعِل من أقسم قَوْله:
(وَإجَابَة الدَّاعِي) وَرُوِيَ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث
إِسْرَائِيل عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله،
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَقبلُوا
الْهَدِيَّة وأجيبوا الدَّاعِي، وَعند مُسلم عَن جَابر
يرفعهُ: إِذا دعِي أحدكُم فليجب فَإِن كَانَ صَائِما
فَليصل، وَإِن كَانَ مُفطرا فليطعم. وَفِي لفظ: إِن شَاءَ
طعم وَإِن شَاءَ ترك، وَعند أَحْمد عَن أنس: أَن
يَهُودِيّا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
خبز شعير وإهالة سنخة فَأَجَابَهُ، وَعِنْده أيضال من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك
عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج عَنهُ: شَرّ الطَّعَام
طَعَام الْوَلِيمَة تدعى لَهَا الْأَغْنِيَاء وتترك
الْفُقَرَاء، وَمن ترك الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله.
قَوْله: (وَعَن المياثر) . جمع الميثرة بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء: وَهِي فرَاش صَغِير من الْحَرِير
محشو بالقطن يَجعله الرَّاكِب تَحْتَهُ. قَوْله: (والقسية)
بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد
الْيَاء آخر
(20/158)
الْحُرُوف: ضرب من ثِيَاب كتَّان مخلوط
بحرير ينْسب إِلَى قَرْيَة بالديار المصرية. قلت: القسي،
بَلْدَة كَانَت على سَاحل الْبَحْر بِالْقربِ من دمياط ركب
عَلَيْهَا الْبَحْر فاندرست وَكَانَ ينسج فِيهَا القماش من
الْحَرِير وَلَا يُوجد لَهُ نَظِير من حسنه، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَقيل: هُوَ القز وَهُوَ الرَّدِيء من
الْحَرِير أبدلت الزَّاي سينا. قَوْله: (والاستبرق) وَهُوَ
مَا غلظ من الْحَرِير. وَهِي لَفْظَة أَعْجَمِيَّة معربة
لأصلها باستبره (والديباج) الثِّيَاب المتخذة من الإبر
يسم، فَارسي مُعرب وَقد يفتح أَوله وَيجمع على ديابيح
وديابيج بِالْيَاءِ وَالْبَاء لِأَن أَصله دباج
بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمنْهِي
عَنْهَا سِتّ لَا سبع؟ قلت: السَّابِع هُوَ الْحَرِير،
وَسَيَجِيءُ صَرِيحًا فِي كتاب اللبَاس.
تابَعَهُ أبُو عَوَانَةَ والشَّيْبَانِيُّ عنْ أشْعَثَ فِي
إفْشاءِ السّلاَمِ
أَي: تَابع أَبَا الْأَحْوَص سَلام بن سليم المذكورأبو
عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله
الْيَشْكُرِي فِي رواي عَن أَشْعَث الْمَذْكُور فِي إفشاء
السَّلَام، يَعْنِي فِي رِوَايَة بِلَفْظ: إفشاء
السَّلَام. لِأَن غَيره رُوِيَ رد السَّلَام وَهُوَ
رِوَايَة شُعْبَة عَن أَشْعَث كَمَا مر فِي الْجَنَائِز
فَإِن فِيهَا ورد السَّلَام، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة
البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب آنِية
الْفضة حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو
عوَانَة عَن الْأَشْعَث إِلَى آخِره، وَلَفظه: وإفشاء
السَّلَام. قَوْله: (والشيباني) أَي: تَابع أَبَا
الْأَحْوَص أَيْضا أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان
الشَّيْبَانِيّ، فِي رِوَايَة عَن أَشْعَث بِلَفْظ: إفشاء
السَّلَام، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا
فِي كتاب الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة عَن جرير عَن
الشَّيْبَانِيّ عَن أَشْعَث إِلَى آخِره: وإفشاء
السَّلَام.
6715 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا عبْدُ
العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ
سَعْدٍ قَالَ: دَعا أبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُرْسِهِ، وكَانَتِ
امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خادِمَهُمْ وهْيَ العَرُوسُ قَالَ
سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ أنْقَعتْ لهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ،
فلَمَّا أكلَ سَقَتْهُ إيَّاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِن فِيهِ دَعْوَة أبي
أسيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإجَابَة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، وَاسم أبي حَازِم سَلمَة
بن دِينَار يروي عَن سهل بن سعد ويروي عَنهُ ابْنه عبد
الْعَزِيز. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروي عبد الْعَزِيز بن
أبي حَازِم عَن سهل وَهُوَ سَهْو إِذْ لَا بُد أَن يكون
بَينهمَا أَبوهُ أَو رجل آخر.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن
عَليّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن
الصَّباح.
قَوْله: (أَبُو أسيد) بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين: مصغر
أَسد، وَقيل بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين، وَالصَّوَاب
الأول واسْمه مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ، وَقيل: إِنَّه
آخر من مَاتَ من الْبَدْرِيِّينَ سنة سِتِّينَ أَو خمس
وَسِتِّينَ، لَهُ عقب بِالْمَدِينَةِ وبغداد. قَوْله:
(وَكَانَت امْرَأَته) أَي: امْرَأَة أبي أسيد، وَاسْمهَا
سَلامَة ابْنة وهب بن سَلامَة بن أُميَّة. قَوْله:
(خادمهم) لفظ الْخَادِم يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى،
وَكَانَ ذَلِك قبل نزُول الْحجاب. قَوْله: (وَهِي
الْعَرُوس) أَي: وَكَانَت خادمهم امْرَأَة أبي أسيد هِيَ
الْعَرُوس. وَقد مر أَن الْعَرُوس يُطلق على كل من
الزَّوْجَيْنِ، قَالَ صَاحب الْعين: رجل عروس فِي رجال عرس
وَامْرَأَة عروس فِي نسَاء عرس، قَالَ: والعروس نعت
اسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث مَا داما فِي تعريسهما،
أما إِذا عرس أَحدهمَا بِالْآخرِ فَالْأَحْسَن أَي يُقَال
للرجل: معرس لِأَنَّهُ قد أعرس أَي: اتخذ عروسا. قَوْله:
(تَدْرُونَ) همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة أَي:
أَتَدْرُونَ؟ قَوْله: (مَا سقت) أَي: امْرَأَة أبي أسيد
الْعَرُوس. قَوْله: (أنقعت) على لفظ الغائبة من الْمَاضِي
من أنقعت الشَّيْء فِي المَاء، وَيُقَال: طَال إنقاع
المَاء واستنقاعه ومادته نون وقاف وَعين مُهْملَة. قَوْله:
(فَلَمَّا أكل) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(الطَّعَام سقته إِيَّاه) أَي: سقت نَقِيع النَّبِي الله
صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِيه: إِجَابَة الدعْوَة وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ
إِذا كَانَت لغير الْعرس من الدَّعْوَات، فَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَمَالك: يجب إتْيَان
وَلِيمَة الْعرس وَلَا يجب إتْيَان غَيرهَا من
الدَّعْوَات، وَمن شَرط الْإِجَابَة أَن لَا يكون هُنَاكَ
مُنكر، وَقد رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم. لما رَأيا تصاوير ذَات الْأَرْوَاح.
27 - (بابُ مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله
ورسولَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من ترك الدعْوَة أَي:
إِجَابَة الدعْوَة، وَظَاهره يَقْتَضِي أَن يكون الْمَعْنى
من ترك دَعْوَة النَّاس وَلم يدع
(20/159)
أحدا، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْعِصْيَان
عِنْد ترك الْإِجَابَة لدلَالَة الحَدِيث عَلَيْهِ. فَإِن
قلت: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيمَة حق،
يَقْتَضِي الْعِصْيَان عِنْد ترك الدعْوَة. قلت: قد ذكرنَا
أَن معنى: حق، غير بَاطِل وَلَا خلاف أَن الْوَلِيمَة فِي
الْعرس سنة مَشْرُوعَة وَلَيْسَت بواجبة وَمَا ورد فِيهِ
من الْأَمر فَمَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب.
7715 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ
ابنِ شِهابٍ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رضيَ الله
عَنهُ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ
الوَلِيمةِ يُدْعَى لَهَا الأغْنِياءُ ويُتْرَكُ
الفُقَرَاءُ، ومَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَضَى الله
ورسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والأعرج عبد الرَّحْمَن بن
هُرْمُز، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الزُّهْرِيّ يروي عَن
الرجلَيْن كِلَاهُمَا أعرج واسمهما عبد الرَّحْمَن:
أَحدهمَا: عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْهَاشِمِي.
وَالثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن سعد المَخْزُومِي،
وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الأول لَا الثَّانِي. وَفِي
رجال البُخَارِيّ: أعرج آخر ثَالِث يروي عَن أبي هُرَيْرَة
اسْمه ثَابت بن عِيَاض الْقرشِي، وَيُقَال لَهُ:
الْأَحْنَف. قلت: كَأَن الْكرْمَانِي: يستغرب هذاحتى ذكره،
وَمثل هَذَا الَّذِي تتفق أَسمَاؤُهُم وَأَسْمَاء
آبَائِهِم فِي الروَاة كثير، فَيحصل التَّمْيِيز بَينهم
بالقرائن.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى
وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن
القعْنبِي عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
النِّكَاح عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي وَهَذَا
مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ أَبُو عمرَان: رجل
رُوَاة مَالك لم يصرحوا بِرَفْعِهِ، وَقَالَ فِيهِ روح بن
الْقَاسِم عَن مَالك بِسَنَدِهِ. قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي
غرائب مَالك من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن مسلمة بن قعنب عَن
مَالك، وَقَالَ ابْن بطال: أول هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف
وَآخره يَقْتَضِي رَفعه لِأَن مثله لَا يكون رَأيا.
قَوْله: (شَرّ الطَّعَام) ، قَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى
قَوْله: شَرّ مُطلقًا، وَقد يكون بعض الْأَطْعِمَة شرا
مِنْهَا، ثمَّ أجَاب بِأَن المُرَاد شَرّ أَطْعِمَة
الولائم طَعَام وَلِيمَة يدعى لَهَا الْأَغْنِيَاء وَيتْرك
الْفُقَرَاء، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: أَي من
شَرّ الطَّعَام، كَمَا يُقَال: شَرّ النَّاس من أكل وَحده،
أَي: من شرهم، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شرا لما ذكر عَقِيبه
فَكَأَنَّهُ قَالَ: شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة الت
شَأْنهَا ذَلِك، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شيخ شَيْخي
التَّعْرِيف فِي الْوَلِيمَة للْعهد الْخَارِجِي إِذْ
كَانَ من عَادَتهم دَعْوَة الْأَغْنِيَاء وَترك
الْفُقَرَاء. قَوْله: (يَدعِي) إِلَى آخِره اسْتِئْنَاف
بَيَان لكَونهَا شَرّ الطَّعَام فَلَا يحْتَاج إِلَى
تَقْدِير: من لِأَن الرِّيَاء شرك خَفِي. قَوْله: (وَمن
ترك الدعْوَة) ، حَال وَالْعَامِل يدعى يَعْنِي: يدعى
الْأَغْنِيَاء. لَهَا وَالْحَال أَن الْإِجَابَة وَاجِبَة
فيجيب الْمَدْعُو وَيَأْكُل شَرّ الطَّعَام، وَوَقع فِي
لفظ مُسلم: بئس الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة، وَفِي لفظ
لَهُ مثل لفظ البُخَارِيّ. قَوْله: (وَيتْرك الْفُقَرَاء)
، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معن بن
عِيسَى بن مَالك: الْمَسَاكِين، بدل: الْفُقَرَاء. قَوْله:
(وَمن ترك الدعْوَة) ، وَفِي لفظ مُسلم: فَمن لم يَأْتِ
الدعْوَة، وَفِي لفظ: (وَمن لم يجب الدعْوَة) . قَوْله:
(يَدعِي لَهَا) ، ويروي: يَدعِي إِلَيْهَا، وَالْجُمْلَة
حَالية، وَفِي رِوَايَة ثَابت الْأَعْرَج: يمْنَعهَا من
يَأْتِيهَا وَيَدعِي إِلَيْهَا من يأباها، وَفِي رِوَايَة
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: بئس الطَّعَام
طَعَام الْوَلِيمَة يَدعِي إِلَيْهِ الشبعان وَيحبس عَنهُ
الجيعان. قَوْله: (وَمن ترك الدعْوَة) أَي: إِجَابَة
الدعْوَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي التَّرْجَمَة،
وَوَقع فِي رِوَايَة لِابْنِ عمر: (من دعى إِلَى وَلِيمَة
فَلم يأتها فقد عصى الله وَرَسُوله) . فَهَذَا دَلِيل وجوب
الْإِجَابَة لِأَن الْعِصْيَان لَا يُطلق إلاَّ على ترك
الْوَاجِب، وَقَالَ ابْن بطال: لَا خلاف بَين الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ فِي وجوب الْإِجَابَة إِلَى دَعْوَة
الْوَلِيمَة إلاَّ مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه
قَالَ: (نهينَا أَن نجيب دَعْوَة من يَدْعُو الْأَغْنِيَاء
وَيتْرك الْفُقَرَاء) . وَقد دَعَا ابْن عمر فِي دَعوته
الْأَغْنِيَاء والفقراء، فَجَاءَت قُرَيْش وَالْمَسَاكِين
مَعَهم، فَقَالَ ابْن عمر للْمَسَاكِين: هَهُنَا اجلسوا
لَا تفسدوا عَلَيْهِم ثِيَابهمْ فَإنَّا سنطعمكم مِمَّا
يَأْكُلُون. وَقَالَ ابْن حبيب: وَمن فَارق السّنة فِي
وَلِيمَة فَلَا دَعْوَة لَهُ وَلَا مَعْصِيّة فِي ترك
إجَابَته، وَقد حَدثنِي ابْن الْمُغيرَة أَنه سمع سُفْيَان
الثَّوْريّ يَقُول: إِنَّمَا تَفْسِير إِجَابَة الدعْوَة
إِذا دعَاك من لَا يفْسد عَلَيْك دينك وَلَا قَلْبك،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَوله أَي: أول الحَدِيث
مرغب عَن حُضُور الْوَلِيمَة بل محرم وَآخره مرغب فِيهِ،
بل مُوجب. قلت: الْإِجَابَة
(20/160)
لَا تَسْتَلْزِم الْأكل فيحضر وَلَا
يَأْكُل، فالترغيب فِي الْإِجَابَة والتحذير عَن الْأكل
انْتهى. قلت: الْمحرم فعل صَاحب الطَّعَام وَلَيْسَ يحرم
الطَّعَام لدَعْوَة الْأَغْنِيَاء وَترك الْفُقَرَاء.
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يَقُول: أَنْتُم
العاصون فِي الدعْوَة، تدعون من لَا يَأْتِي وتَدَعون من
يأتيكم وَقَوله: والتحذير عَن الْأكل فِيهِ نظر لِأَن
الْأكل مَأْمُور بِهِ إلاَّ إِذا كَانَ صَائِما لحَدِيث
أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه مُسلم: إِذا دعِي أحدكُم
فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فليطعم، وَإِن كَانَ صَائِما
فَليصل أَي: فَليدع، وَفعله ابْن عمر وَمد يَده وَقَالَ:
بِسم الله، كلوا. فَلَمَّا مد الْقَوْم أَيْديهم، قَالَ:
كلوا فَإِنِّي صَائِم. وَقَالَ قوم: ترك الْأكل مُبَاح
وَإِن لم يصم إِذا أجَاب الدعْوَة، وَقد أجَاب عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يَأْكُل. قلت:
إِبَاحَة ترك الْأكل على زعم هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا
يسْتَلْزم التحذير عَنهُ كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي فِيمَا
مضى الْآن، وَالتَّرْغِيب عَن الْأكل. وَيُمكن أَن عليا
ترك الْأكل لكَونه صَائِما، وَهَذَا ابْن عمر صرح
بِأَنَّهُ صَائِم وَتَركه الْأكل كَانَ لكَونه صَائِما
لوُجُوب التحذير عَنهُ.
37 - (بابُ مَنْ أجابَ إِلَى كُرَاعٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أجَاب إِلَى دَعْوَة فِيهَا
كرَاع، وَفِي بعض النّسخ: بَاب من دعِي إِلَى كرَاع،
والكراع، بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء وبالعين
الْمُهْملَة: مستدق السَّاق من الرجل وَمن حد الرسغ من
الْيَد وَهُوَ من الْبَقر وَالْغنم بِمَنْزِلَة الوظيف من
الْفرس وَالْبَعِير. وَقيل: الكراع مَا دون الكعب من
الدَّوَابّ، وَقَالَ ابْن فَارس: كرَاع كل شَيْء طرفه.
8715 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عنِ الأعْمشِ
عنْ أبي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ
لأجَبْتُ ولَوْ أهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ.
(انْظُر الحَدِيث 8652) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن
عُثْمَان بن جبلة، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي الْمروزِي،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان بن مهْرَان، وَأَبُو حَازِم
سلمَان الْأَشْجَعِيّ، جَالس أَبَا هُرَيْرَة خمس سِنِين
وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب
الْقَلِيل من الْهِبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْوَلِيمَة عَن بشر بن خَالِد العسكري.
قَوْله: (لَو دعيت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(إِلَى كرَاع) المُرَاد بِهِ كرَاع الشَّاة، وَقد مر
تَفْسِير الكراع آنِفا، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض
الشُّرَّاح أَن المُرَاد بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الحَدِيث
الْمَكَان الْمَعْرُوف بكراع الغميم بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة،
وَزعم أَنه أطلق ذَلِك على سَبِيل الْمُبَالغَة فِي
الْإِجَابَة، وَلَو بعد الْمَكَان. انْتهى. قلت: هَذَا
نفلة الْكرْمَانِي فِي شَرحه حَيْثُ قَالَ: فِي كرَاع،
المُرَاد عِنْد الْجُمْهُور كرَاع الشَّاة، وَقيل: هُوَ
كرَاع الغميم بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع
على مراحل من الْمَدِينَة من جِهَة مَكَّة، هَذَا كَلَامه
فِي شَرحه وَهُوَ نقل هَذَا بقوله، وَقيل: وَمَا زعم
وَهُوَ بذلك فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: وَزعم بعض
الشُّرَّاح؟ وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَنقل بعض
الشُّرَّاح كَذَا وَكَذَا. قَوْله: (لَو أهدي) على صِيغَة
الْمَجْهُول من الإهداء وَاللَّام فِي (لَأَجَبْت) وَفِي
(لقبلت) للتَّأْكِيد، وَصرح الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء
بِأَنَّهُ كرَاع الغميم حَيْثُ قَالَ: وَلَو دعيت إِلَى
كرَاع الغميم، وَكَانَ يَنْبَغِي لهَذَا الْقَائِل أَن
يناقشه فِي هَذِه الزِّيَادَة، زِيَادَة على قَوْله، وَلَا
أصل لهَذِهِ الزِّيَادَة.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: دَلِيل على حسن خلقه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه وجبره لقلوب النَّاس، وعَلى قبُول
الْهَدِيَّة وَإِن كَانَت قَليلَة، وَإجَابَة من يَدْعُو
الرجل إِلَى منزله، وَلَو أعلم أَن الَّذِي يَدعُوهُ
إِلَيْهِ قَلِيل، وَقَالَ الْمُهلب: لَا باعث على الدعْوَة
إِلَى الطَّعَام إلاَّ صدق الْمحبَّة وسرور الدَّاعِي
بِأَكْل الْمَدْعُو من طَعَامه والتحبب إِلَيْهِ بالمواكلة
وتوكيد الذمام مَعَه بهَا، فَلذَلِك حض النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على الْإِجَابَة وَلَو كَانَ الْمَدْعُو
إِلَيْهِ نزرا.
47 - (بابُ إجابَةِ الدَّاعِي فِي العُرْسِ وغَيْرِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِجَابَة الدَّاعِي، أَي: فِي
إِجَابَة الْمَدْعُو الدَّاعِي. والمصدر مُضَاف إِلَى
مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل. قَوْله: (فِي الْعرس)
بِضَم الرَّاء وسكونهاوهو طَعَام الْوَلِيمَة، وَهُوَ
الَّذِي يعْمل عِنْد الْعرس يُسمى عرسا باسم سَببه.
قَوْله: (وَغَيره) أَي: وَغير الْعرس أَي: وَإجَابَة
الدَّاعِي فِي غير الْعرس نَحْو طَعَام الْخِتَان وَطَعَام
قدوم الْمُسَافِر وَنَحْو ذَلِك، وَرُوِيَ مُسلم من حَدِيث
الزبيدِيّ عَن نَافِع
(20/161)
عَن عبد الله بن عر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من دعِي إِلَى عرس وَنَحْوه
فليجب.
9715 - حدَّثنا عَليُّ بنُ عبْدِ الله بنِ إبْرَاهِيمَ
حَدثنَا الحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابنُ
جُرَيْجٍ: أخبرَني مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ عبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أجِيبُوا هاذِهِ الدَّعْوَة إذَا دُعِيتُمْ لَها، قَالَ:
وكانَ عبْدُ الله يأْتي الدَّعْوَةَ فِي العُرْسِ وغَيْرِ
العُرْسِ وهْوَ صائِمٌ.
(انْظُر الحَدِيث 3715) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فيقوله: (وَكَانَ عبد الله) إِلَى
آخِره. وَعلي بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ
أخرج البُخَارِيّ عَنهُ هُنَا فَقَط، وَسُئِلَ البُخَارِيّ
عَنهُ فَقَالَ: متقن، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز بن جريج.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح: حَدثنِي
هَارُون بن عبد الله حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن
جريج قَالَ: أَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع قَالَ:
سَمِعت عبد الله بن عمر إِلَى آخِره نَحوه، وَفِي آخِره:
ويأتيها وَهُوَ صَائِم.
قَوْله: (هَذِه الدعْوَة) أَي: دَعْوَة الْوَلِيمَة.
قَوْله: (قَالَ) الْقَائِل هُوَ نَافِع قَوْله: (وَهُوَ
صَائِم) الْوَاو فِيهِ لحَال، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن
الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْر فِي ترك الْإِجَابَة، وَفَائِدَة
حُضُوره إِرَادَة صَاحب الْوَلِيمَة التَّبَرُّك بِهِ
والتجمل بِهِ وَالِانْتِفَاع بدعائه وَنَحْو ذَلِك.
وَهل يسْتَمر على صَوْمه أَو يسْتَحبّ لَهُ أَن يفْطر إِن
كَانَ صَوْمه تَطَوّعا فَعِنْدَ أَكثر الشَّافِعِيَّة
وَبَعض الْحَنَابِلَة: إِن كَانَ يشق على صَاحب الدعْوَة
صَوْمه فَالْأَفْضَل الْفطر وإلاَّ فالصوم، وَأطلق
الرَّوْيَانِيّ اسْتِحْبَاب الْفطر، وَقَالَ أَصْحَابنَا:
يَنْبَغِي للرجل أَن يُجيب دَعْوَة الْوَلِيمَة وَإِن لم
يفعل فَهُوَ آثم. وَإِن كَانَ صَائِما أجَاب ودعا، وَإِن
كَانَ غير صَائِم أكل.
57 - (بابُ ذَهابِ النِّساءِ والصِّبْيانِ إِلَى العُرْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز ذهَاب النِّسَاء
وَالصبيان إِلَى وَلِيمَة الْعرس، وَعقد هَذِه
التَّرْجَمَة لِئَلَّا يتخيل عدم جَوَاز ذَلِك.
0815 - حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ المُبَارَكِ حَدثنَا
عبد الْوَارِث حَدثنَا عبدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عنْ
أنَسٍ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عنهِ، قَالَ: أبْصَرَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِساءً وصِبْيانا
مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فقامَ مُمْتَنّا فَقَالَ:
اللهُمَّ! أنْتُمْ مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ.
(انْظُر الحَدِيث 5873) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الرَّحْمَن بن
الْمُبَارك بن عبد الله العيشي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة،
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: يكنى أَبَا مُحَمَّد، وَقيل: أَبَا
بكر، مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد.
وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم بصريون.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْأَنْصَار فِي: بَاب قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار: أَنْتُم
أحب النَّاس إِلَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي معمر
عَن عبد الْوَارِث إِلَى آخِره.
قَوْله: (أبْصر) وَفِي فَضَائِل الْأَنْصَار: رأى، مَوضِع:
أبْصر، قَوْله: (مُقْبِلين) نصب على الْحَال. قَوْله:
(فَقَامَ ممتنا) بِضَم الْمِيم الأولى وَسُكُون
الثَّانِيَة الْمُثَنَّاة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَتَشْديد النُّون أَي: قَامَ قيَاما قَوِيا مَأْخُوذ
من المتنة بِضَم الْمِيم وَهُوَ الْقُوَّة، وَحَاصِل
الْمَعْنى: قَامَ قيَاما مسرعا مشتدا فِي ذَلِك فَرحا بهم،
وَيُقَال: ممتنا من الامتنان أَي: منعما متفضلاً مكرما
لَهُم، هَكَذَا فسره أَبُو مَرْوَان بن سراج وَمَال
إِلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ، وَقَالَ: لِأَن من قَامَ لَهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأكرمه بذلك فقد امتن
عَلَيْهِ بِشَيْء لَا أعظم مِنْهُ، وَنقل ابْن بطال عَن
الْقَابِسِيّ، قَالَ: قَوْله: (ممتنا) يَعْنِي: متفضلاً
عَلَيْهِم بذلك فَكَأَنَّهُ قَالَ: يمتن عَلَيْهِم بمحبته،
ويروي متينا، على وزن كريم أَي: قَامَ قيَاما مستويا
منتصبا طَويلا وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: فَقَامَ
يمشي، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ تَصْحِيف، وَوَقع فِي رِوَايَة
فَضَائِل الْأَنْصَار: فَقَامَ ممثلاً بِضَم الْمِيم
الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة
الْمَكْسُورَة أَي: منتصبا قَائِما متكلفا نَفسه، وَضَبطه
أَيْضا: ممثلاً بِضَم الْمِيم الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة
وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَقد تفتح. وَقَالَ ابْن
التِّين: وَأَصله فِي اللُّغَة من: مثل يمثل من بَاب كرم
يكرم، وَمثل يمثل من بَاب نصر ينصر مثولاً، فَهُوَ مائل
إِذا انتصب قَائِما وَوَقع فِي رِوَايَة الأسماعيلي:
مثيلا، على وزن كريم فعيل بِمَعْنى فَاعل. قَوْله:
(اللَّهُمَّ) ذكره تبركا، وَكَأَنَّهُ اسْتشْهد بِاللَّه
فِي ذَلِك تَأْكِيدًا لصدقه.
وَفِي التَّوْضِيح وَفِيه: اسْتِحْسَان شُهُود النِّسَاء
وَالصبيان للأعراس لِأَنَّهَا شَهَادَة لَهُم علينا
ومبالغة فِي الإعلان بِالنِّكَاحِ.
(20/162)
|