عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 67 - (بابٌ هَلْ يَرْجِعُ إذَا رأى
مُنْكَرا فِي الدَّعْوَةِ؟)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ هَل يرجع الْمَدْعُو إِذا رأى
شَيْئا مُنْكرا فِي مجْلِس الدعْوَة؟ وَإِنَّمَا ذكره
بالاستفهام لمَكَان الْخلاف فِيهِ، وَلم يشر فِي الْبَاب
إِلَى ذَلِك، وَإِنَّمَا الْمَذْكُور فِي الْبَاب أَنه
إِذا رأى مُنْكرا يرجع. قلت: قَالَ صَاحب الْهِدَايَة:
إِجَابَة الدعْوَة سنة فَلَا يَتْرُكهَا لما اقْترن بهَا
من الْبِدْعَة من غَيرهَا، يَعْنِي: لَا يتْرك السّنة لأجل
حرَام اقْترن بهَا، وَهِي فِي غَيرهَا كَصَلَاة
الْجِنَازَة وَاجِب الْإِقَامَة وَإِن حضرتها نياحة
يَعْنِي: لَا يَتْرُكهَا لأجل النِّيَاحَة الَّتِي فِي
غَيرهَا، فَإِن قدر على الْمَنْع مَنعهم، يَعْنِي: إِذا
كَانَ صَاحب شَوْكَة أَو كَانَ ذَا جاه أَو كَانَ عَالما
مقتدي مسموع الْكَلِمَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْمَنْع،
وَإِن لم يقدر يصبر وَلَا يخرج لما قُلْنَا، وَإِن كَانَ
المنكرعلى الْمَائِدَة لَا يقْعد وَإِن لم يكن مقتدى،
وَهَذَا كُله بعد الْحُضُور، وَلَو علم قبل الْحُضُور لَا
يحضر لِأَن إِجَابَة الدعْوَة إِنَّمَا تلْزم إِذا كَانَت
على وَجه السّنة.
وَرَأى ابنُ مَسْعُودٍ صُورَةٍ فِي البَيْتِ فَرَجَعَ
عبد الله بن مَسْعُود، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي والأصيلي والقابسي وعبدوس، وَفِي رِوَايَة
البَاقِينَ: أَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو
الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم: وَالْأول تَصْحِيف فِيمَا
أَظن، فَإِنِّي لم أَرَ الْأَثر الْمُعَلق إلاَّ عَن أبي
مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو. قلت: إِن بعض الظَّن إِثْم
وَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته الْأَثر الْمَذْكُور إلاَّ
عَن أبي مَسْعُود أَن لَا يكون أَيْضا لعبد الله بن
مَسْعُود، مَعَ أَن هَذَا الْقَائِل قَالَ: يحْتَمل أَن
يكون ذَلِك وَقع لعبد الله بن مَسْعُود، فَإِذا كَانَ
الِاحْتِمَال مَوْجُودا كَيفَ يحكم بالتصحيف بِالظَّنِّ؟
ودَعا ابنُ عُمَرَ أَبَا أيُّوبَ فَرأى فِي البَيْتِ
سِتْرا علَى الجِدَارِ، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: غَلَبَنا
علَيْهِ النِّساءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أخْشَى علَيْهِ
فلَمْ أكُنْ أخْشَى علَيْكَ، وَالله لَا أطْعَمُ لَكُمْ
طَعَاما، فَرَجَعَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوضح هَذَا الْأَثر أَن
معنى: هَل يرجع؟ بالاستفهام جَانب الْإِثْبَات أَي: دَعَا
عبد الله بن عمر أَبَا أَيُّوب خَالِد بن زيد، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَت دَعوته فِي عرس ابْنه سَالم بن
عبد الله، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو أَيُّوب إِلَى بَيت عبد
الله رأى فِي جِدَار الْبَيْت ستارة، فَأنْكر على عبد
الله، فَقَالَ ابْن عمر: غلبنا بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة، جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول:
وَالنِّسَاء بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: فَقَالَ: (من كنت)
إِلَى آخِره أَي: إِن كنت أخْشَى على أحد يعْمل فِي بَيته
مثل هَذَا الْمُنكر مَا كنت أخْشَى عَلَيْك. وَهَذَا
الْأَثر الْمُعَلق وَصله أَحْمد فِي كتاب الْوَرع ومسدد
فِي مُسْنده، وَمن طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عبد
الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد
الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: أعرست
فِي عهد أبي، فَأذن أبي النَّاس فَكَانَ أَبُو أَيُّوب
فِيمَن أذنا، وَقد ستروا بَيْتِي ببجاد أَخْضَر، فَأقبل
أَبُو أَيُّوب فَاطلع فَرَآهُ، فَقَالَ: با عبد الله
أتسترون الْجِدَار؟ فَقَالَ أبي واستحيى: غلبنا عَلَيْهِ
النِّسَاء يَا أَبَا أَيُّوب. فَقَالَ: من خشيك أَن يغلبه
النِّسَاء، فَذكره والبجاد، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف الْجِيم: الكساء.
1815 - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ
نافِعٍ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ عائِشةَ زَوْجِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّها أخْبَرَتْهُ:
أنَّها اشْتَرَتْ نُمْرَقَةً فِيها تَصاوِيرُ، فلَمَّا
رَآهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قامَ علَى
البابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وجْهِهِ
الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله! أتُوبُ إِلَى
الله وَإِلَى رسُولهِ ماذَا أذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بالُ هاذِهِ النمْرُقَةِ؟
قالَتْ: فقُلْتُ: اشْتَرَيْتُها لَكَ لِتَقْعَدُ علَيْها
وتَوَسدَها، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّور يُعَذَّبُونَ يَوْم
القِيَامَةِ، ويُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا ماخَلقْتُمْ،
وَقَالَ: إنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا
تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ..
قيل لَا مُطَابقَة فِيهِ، لِأَن امْتنَاع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّخُول فِي بَيت عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لم يكن لأجل الْمُنكر فِي
الدعْوَة، وَإِنَّمَا كَانَ لأجل الصُّورَة، والترجمة
فِيمَا إِذا رأى مُنْكرا هَل لَهُ أَن يرجع؟ وَقَالَ
بَعضهم: مَوضِع التَّرْجَمَة
(20/163)
مِنْهُ قَوْلهَا: (قَامَ على الْبَاب وَلم
يدْخل) قلت: هَذَا مثل الأول وَلَيْسَ فِيهِ مَا يجدي فِي
وَجه الْمُطَابقَة، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: لما كَانَ
من جملَة الْمُنْكَرَات الَّتِي تَقْتَضِي جَوَاز ترك
إِجَابَة الدعْوَة وجود الصُّورَة فِيهَا، احْتَاجَ إِلَى
بَيَان كَون الصُّورَة من جملَة الْمَوَانِع عَن حُضُور
الدعْوَة، فَذكر هَذَا الحَدِيث الَّذِي فِيهِ مَا
يَقْتَضِي منع الْحُضُور فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ
الصُّورَة، سَوَاء كَانَ فِيهِ دَعْوَة أَو لَا.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث هُنَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس
عَن مَالك عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عمته عَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا. وَأخرجه فِي الْمَلَائِكَة فِي:
بَاب إِذا قَالَ أحدكُم: آمين، عَن مُحَمَّد بن مخلد عَن
ابْن جريج عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن نَافِع إِلَخ
وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (نمرقة) بِضَم النُّون، وَهُوَ الوسادة
الصَّغِيرَة وبالكسر لُغَة، والتصاوير التماثيل، كَذَا
قَالَه فِي الْمغرب قَوْله: (وتوسدها) أَي: وتتوسدها فحذفت
إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَاللَّام فِيهِ مقدرَة أَي:
لتوسدها، قَوْله: (أحيوا) الْأَمر فِيهِ للتعجيز.
77 - (بابُ قِيامِ المَرْأةِ علَى الرِّجالِ فِي العُرْسِ
وخِدْمَتِهِمْ بالنَّفْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام الْمَرْأَة على الرِّجَال
من: قَامَ فلَان على الشَّيْء إِذا ثَبت عَلَيْهِ، وَتمسك
بِهِ. قَوْله: (وَخدمَتهمْ) أَي: وعَلى خدمتهم. قَوْله:
(بِالنَّفسِ) أَي: بِنَفسِهَا.
2815 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا أبُو
غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلٍ قَالَ:
لمّا عَرَّسَ أبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابَهُ فَما صَنَعَ طَعاما وَلَا
قَرَّبَهُ إلَيْهِمْ إلاَّ امْرَأتهُ أُمُّ أُسَيْدٍ،
بَلَّتْ تَمْرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ
اللَّيْلِ، فلَمَّا فَرَغَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مِنَ الطّعامِ أَمَاثَتْهُ لهُ فَسَقَتْهُ
تُنْحِنُهُ بِذَلِكَ.
. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إلاَّ امْرَأَته
أم سيد بلت تمرات من تور) وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة
وبالنون: مُحَمَّد بن مطرف، بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَكسر
الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار
الْأَعْرَج، وَسَهل ين سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن
سهل بن عَسْكَر عَن ابْن أبي مَرْيَم.
قَوْله: (لما عرس) أَي: اتخذ عروسا. قَالَ الْجَوْهَرِي:
يُقَال: أعرس وَلَا يُقَال: عرس، وَهَذَا حجَّة عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَبُو أسيد) ، بِضَم الْهمزَة على الْأَصَح
واسْمه مَالك بن ربيعَة. قَوْله: (أم أسيد) بِضَم الْهمزَة
وَهِي مِمَّن وَافَقت كنيتها كنية تزَوجهَا، وَاسْمهَا
سَلامَة بنت وهيب. قَوْله: (بلت) ، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد اللَّام من البلل وَوَقع فِي شرح
ابْن التِّين (ثَلَاث تمرات) قيل: إِنَّه تَصْحِيف.
قَوْله: (فِي تور) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره رَاء، قَالَ الدَّاودِيّ:
التور قدح من أَي شَيْء كَانَ، وَيُقَال: إِنَاء يكون من
نُحَاس وَغَيره، وَقد بيَّن هُنَا أَنه من حِجَارَة.
قَوْله: (من اللَّيْل) يتَعَلَّق بقوله: بلت. قَوْله:
(أماثته) . بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ ابْن التِّين: وَقع
هَكَذَا رباعيا، وَأهل اللُّغَة يَقُولُونَ: ثلاثيا عاثنه
بِغَيْر ألف أَي: مرسته بِيَدِهَا، يُقَال: ماثه يموثه
ويميثه بِالْوَاو وبالياء، وَقَالَ الْخَلِيل: مثت الْملح
فِي المَاء مثا أذبته، وَقد أنماث، وَعَن الْهَرَوِيّ:
أماثه لُغَتَانِ بِالْألف وبدونها قَوْله: (لَهُ) أَي:
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ الضَّمِير
الْمَنْصُوب فِي (فسقته) وَفِي (تتحفه) يرجع إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمعنى: تتحفه من
الإتحاف تقدم لَهُ تحفة، والتحفة فِي الأَصْل طرفَة
الْفَاكِهَة، ثمَّ اسْتعْمل فِي غير الْفَاكِهَة من
الألطاف. هَذَا هَكَذَا رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: تحفة بذلك على وزن
لقْمَة، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي هَدِيَّة، وَعَن
الْأصيلِيّ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة مثل رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي، وَفِي أُخْرَى: تحفة، بِفَتْح التَّاء
وَضم الْحَاء وَالْفَاء الْمُشَدّدَة: أَي تخدمه وَتعطف
عَلَيْهِ بذلك، أَي: بِالَّذِي بلته أم أسيد، وَفِي
الْمثل: من حفنا أَو رقنا فليقتصد أَي: من خدمنا وَتعطف
علينا، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: فسقته تخصه بذلك، بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة.
فَإِن قلت: كَيفَ إعرابه فِي هَذِه الْوُجُوه
الْمَذْكُورَة؟ قلت: فِي رِوَايَة: تحفه وحفه وتخصه،
محلهَا الصب على الْحَال من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي
قَوْله: فسقته، وَيجوز إِن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مُقَدّر
تَقْدِيره: فسقته وأرادت تحفته بذك، وَيجوز أَن يكون
مَنْصُوبًا على الْحَال على معنى: فسقته حَال كَونهَا
متحفة بذلك.
وَفِيه: جَوَاز خدمَة الْمَرْأَة زَوجهَا وَمن يَدعُوهُ
عِنْد الْأَمْن
(20/164)
من الْفِتْنَة، وَجَوَاز الشّرْب بِمَا لَا
يسكر فِي الْوَلِيمَة، وَجَوَاز، إِيثَار كَبِير الْقَوْم
فِي الْوَلِيمَة بِشَيْء دون الْقَوْم.
87 - (بابُ النَّقِيعِ والشَّرَابِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ
فِي العُرْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اتِّخَاذ النقيع، وَهُوَ
التَّمْر الَّذِي ينقع فِي المَاء ليخرج حلاوته،
وَكَذَلِكَ الزَّبِيب. قَوْله: (وَالشرَاب) ، من عطف
الْعَام على الْخَاص لِأَنَّهُ أَعم من نَقِيع التَّمْر
وَغَيره. قَوْله: (الَّذِي لَا يسكر) صفة الشَّرَاب، قيد
بِهِ لِأَنَّهُ إِذا أسكر لَا يجوز شربه، وَهُوَ أَيْضا
قيد فِي النقيع.
3815 - حدَّثنا يحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا يَعْقُوبُ
بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ القارِيُّ عنْ أبي حازِمٍ قَالَ:
سَمِعْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ: أنَّ أَبَا أُسَيْدٍ
السَّاعِديَّ دَعا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لِعُرْصِهِ فَكانَتِ امْرَأتُهُ خادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ
وهْي العُروسُ، فقالَتْ: أوْ قَالَ: أتَدْرُونَ مَا
أنْقَعَتْ لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟
أنْقَعَتْ لهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سهل الَّذِي مضى فِي الْبَاب
الَّذِي قبله. والقارىء، بِالْقَافِ وَالرَّاء وَتَشْديد
الْيَاء نِسْبَة إِلَى قارة بنوا لهون بن خُزَيْمَة بن
مدركة بن الياس بن مُضر.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ: أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة
عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن
قُتَيْبَة أَيْضا. قَوْله: (لعرسه) ، أَي: لأجل عرسه.
قَوْله: (خادمهم) الْخَادِم يُطلق على الذّكر
وَالْأُنْثَى. قَوْله: (وَهِي الْعَرُوس) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (فَقَالَت أَو قَالَ) بِالشَّكِّ. فِي
غير رِوَايَة الْكشميهني، وللكشميهني: فَقَالَت:
أَتَدْرُونَ، بِلَا شكّ، وعَلى رِوَايَة غَيره مَعْنَاهُ:
فَقَالَت امْرَأَة أَو قَالَ سهل: وَتقدم فِي الرِّوَايَة
الْمَاضِيَة، قَالَ سهل: وَهِي الرِّوَايَة الْمُعْتَمدَة
لِأَن الحَدِيث من رِوَايَة سهل وَلَيْسَ لامْرَأَته أم
أسيد فِيهِ رِوَايَة، فعلى هَذَا قَوْله: (أنقعت) فِي
الْمَوْضِعَيْنِ على صِيغَة الْمَاضِي للغائبة، وعَلى قَول
الْكشميهني على صِيغَة الْمُتَكَلّم، يَعْنِي بِضَم
التَّاء، فَافْهَم.
97 - (بابُ المُدَارَاةِ مَعَ النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مداراة النِّسَاء، من داريت
زيدا أَي: جاملته ولاينته. وَهِي بِغَيْر همز، وَأما
الْهَمْز فَمَعْنَاه: دافعته وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا،
إلاَّ الْمَعْنى الأول، وَقد سوى أَبُو عُبَيْدَة بَينهمَا
فِي: بَاب مَا يهمز، والمداراة أصل الألفة واستمالة
الْقُلُوب من أجل مَا جبل الله عَلَيْهِ وطبعهم من
اخْتِلَاف الْأَخْلَاق، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مداراة النَّاس صَدَقَة.
وقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّما المَرْأةُ
كالضِّلَعِ
وَقَول: بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: المداراة، أَي: وَفِي
بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّمَا
الْمَرْأَة كالضلع) هَذَا تَعْلِيق، وَوَصله البُخَارِيّ
بِحَدِيث الْبَاب الَّذِي رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة،
والضلع بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام وَقد
تسكن اللَّام، إِنَّمَا قَالَ: كالضلع لِأَنَّهَا عوجاه
كالضلع. وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّمَا قَالَ: كالضلع،
لِأَنَّهَا خلقت من ضلع آدم. وَعَن ابْن عَبَّاس: إِن
حَوَّاء خلقت من ضلع آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
الأقصر الْأَيْسَر وَهُوَ نَائِم. وَيُقَال: نَام آدم
نومَة فاستل الْملك ضلعه فحلقت مِنْهُ حواه فَاسْتَيْقَظَ
وَهِي جالسة عِنْده فَضمهَا إِلَيْهِ.
4815 - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله قَالَ:
حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: المَرْأةُ كالضِّلَعِ إنْ أقَمْتَها كَسَرْتَها
وإنِ اسْتَمْتَعْتَ بِها اسْتَمْتَعْتَ بِها وفِيها
عِوَجٌ.
(انْظُر الحَدِيث 1333 وطرفه) .
مطابقته للشطر الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَلَكِن فِي
التَّرْجَمَة بِلَفْظ: إِنَّمَا، وَفِي حَدِيث الْبَاب
بِدُونِ لفظ: إِنَّمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ من الْوَجْه الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ
بِلَفْظ: إِنَّمَا فِي أَوله كَمَا فِي التَّرْجَمَة.
وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق خَالِد بن مخلد
بِلَفْظ: إِن الْمَرْأَة، وَكَذَا أخرجه مُسلم من رِوَايَة
سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج بِلَفْظ: إِن
الْمَرْأَة خلقت من ضلع لن تستقيم لَك
(20/165)
على طَريقَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي
وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن
هُرْمُز.
قَوْله: (الْمَرْأَة) مُبْتَدأ و (كالضلع) خَبره وَقَوله:
(إِن أقمتها) إِلَى آخِره بَيَان لقَوْله: كالضلع، وَمعنى:
إِن أقمنها إِن أردْت إِقَامَتهَا كسرتها. قَوْله: (وفيهَا
عوج) الْوَاو فِيهِ للْحَال وَهُوَ بِكَسْر الْعين وَفتح
الْوَاو، وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ بِفَتْح الْعين
فِيمَا كَانَ منتصبا كالحائط وَالْعود مَا كَانَ فِي
بِسَاط أَو دين أَو معاش فَهُوَ بِكَسْر الْعين، يُقَال
فِي دينه عوج، قَالَ الله عز وَجل: {لَا ترى فِيهَا عوجا
وَلَا أمتا} (طه: 701) وَقَالَ: هُوَ بِالْفَتْح فِي كل
شَيْء مرئي وبالكسر فِيمَا لَيْسَ بمرئي كالرأي
وَالْكَلَام، وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: هُوَ
بِالْكَسْرِ فيهمَا جَمِيعًا ومصدرهما بِالْفَتْح مَعًا،
حَكَاهُ ثَعْلَب عَنهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ
بِالْفَتْح مصدر قَوْلك: عوج، بِالْكَسْرِ فَهُوَ أعرج
وَالِاسْم العوج بِكَسْر الْعين.
08 - (بابُ الوَصاةِ بالنِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فب بَيَان الوصاة، بِفَتْح الْوَاو
وَالصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ بِمَعْنى: الْوَصِيَّة،
وَقيل: هُوَ لُغَة فِي الْوَصِيَّة، وَفِي بعض النّسخ:
بَاب الْوِصَايَة.
5815 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ نَصرٍ حَدثنَا الحُسَيْنُ
الجُعْفِيُّ عنْ زَائِدَةَ عنْ مَيْسَرَةَ عنْ أبِي حازِمٍ
عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلا
يُؤْذِي جارَه. واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرا
فإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيْء
فِي الضِّلَع أعْلاَهُ فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ
كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ،
فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرا.
(انْظُر الحَدِيث 1333 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اسْتَوْصُوا بِالنسَاء
خيرا) . وَإِسْحَاق ين نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، كَانَ
ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب بني سعد، وَالْحُسَيْن بِضَم
الْحَاء هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ، بِضَم
الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء، قَالَ
الرشاطي: الْجعْفِيّ فِي مذْحج ينْسب إِلَى جعفي بن سعد
الْعَشِيرَة بن مَالك، وَمَالك هُوَ جماع مذْحج وزائدة
هُوَ ابْن قدامَة، وميسرة ضد الميمنة ابْن عمار
الْأَشْجَعِيّ، وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ مرلى
عزة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُشَدّدَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي بَدْء الْخلق فِي: بَاب قَول الله
عز وَجل {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} (الْبَقَرَة: 03،
وَالْحجر: 82، وص: 17) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي
كريب ومُوسَى بن حزَام كِلَاهُمَا عَن حُسَيْن بن عَليّ
عَن زَائِدَة عَن ميسرَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) أَي:
من كَانَ يُؤمن بالمبدأ والمعاد (فَلَا يُؤْذِي جَاره)
وَمَفْهُومه من آذاه لَا يكون مُؤمنا، وَلَكِن الْمَعْنى
لَا يكون كَامِلا فِي الْإِيمَان.
قَوْله: (وَاسْتَوْصُوا) قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الاستئصاء
قبُول الْوَصِيَّة وَالْمعْنَى: أوصيكم بِهن خيرا فاقبلوا
وصيتي فِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضلع، واستعير
الضلع للعوج أَي: خُلِقْنَ خلقا فِيهِ اعوجاج فكأنهن
خُلِقْنَ من أصل معوج فَلَا يتهيأ الِانْتِفَاع بِهن إلاَّ
بمداراتهن وَالصَّبْر على اعوجاجهن. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ:
الْأَظْهر أَن السِّين للطلب مُبَالغَة أَي: اطْلُبُوا
الْوَصِيَّة من أَنفسكُم فِي حقهن بِخَير، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: السِّين للْمُبَالَغَة أَي: يسْأَلُون
أنفسهم الْفَتْح عَلَيْهِم، كالسين فِي استعجبت، وَيجوز
أَن يكون من الْخطاب الْعَام أَي: يستوصي بَعْضكُم من بعض
فِي حقهن.
وَفِيه: الْحَث على الرِّفْق وَأَنه لَا مطمع فِي
استقامتهن. قَوْله: (وَإِن أَعْوَج شَيْء فِي الضلع
أَعْلَاهُ) ذكر هَذَا لتأكيد معنى الْكسر لِأَن
الْإِقَامَة أظهر فِي الْجِهَة الْأَعْلَى أَو بَيَان
أَنَّهَا خلقت من أَعْوَج أَجزَاء الضلع، فَكَأَنَّهُ
قَالَ: خُلِقْنَ من أَعلَى الضلع وَهُوَ أعوجاجه،
وَإِنَّمَا قَالَ: أَعْلَاهُ، وَلم يقل: أَعْلَاهَا، مَعَ
أَن الضلع مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ قَوْله: (لم يزل أَعْوَج)
وَلم يقل: عوجاه، لِأَن تأنيثه لَيْسَ بحقيقي، فَإِن قيل:
العوج من الْعُيُوب فَكيف يَصح مِنْهُ أفعل التَّفْضِيل؟
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أفعل الصّفة أَو أَنه شَاذ، أَو
الِامْتِنَاع عِنْد الالتباس بِالصّفةِ، فَحَيْثُ يُمَيّز
عَنهُ بِالْقَرِينَةِ جَازَ الْبناء عَلَيْهِ. وَفِي
رِوَايَة مُسلم: لن تستقيم لَك على طَريقَة فَإِن استمتعت
بهَا استمتعت بهَا وَبهَا عوج، وَإِن ذهبت تقيمها كسرتها
وَكسرهَا طَلاقهَا. وَفِيه: إِشْعَار باستحالة تقويمها،
أَي: إِن كَا لَا بُد من الْكسر فَكَسرهَا طَلاقهَا.
قَالَ:
(هِيَ الضلع العوجاء لست تقيمها ... أَلاَ إنَّ تَقْوِيم
الضلوع انكسارها)
(20/166)
(أتجمع ضعفا واقتدارا على الْهوى ...
أَلَيْسَ عجيبا ضعفها واقتدارها)
7815 - حدَّثنا أبُو نعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ
الله بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا،
قَالَ: كُنّا نَتَّقِي الكَلاَمَ والإنْبِساطَ إِلَى
نِسائِنا علَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَيْبَةَ أنْ يَنْزِلَ فِينا شَيْءٌ، فلَمّا تُوُفِّيَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكَلْمنا وانْبَسَطْنا.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا
الحَدِيث لِأَن فِيهِ الْأَخْبَار بِأَنَّهُم كَانُوا
يَتَّقُونَ الْخَوْض فِي الْكَلَام والانبساط إِلَى
النِّسَاء فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَلَيْسَ فِيهِ مَا يتَعَلَّق بالترجمة. قلت: يُمكن أَن
تُؤْخَذ الْمُطَابقَة من قَوْله: (وانبسطنا) لِأَن
الانبساط إلَيْهِنَّ من جملَة الْوِصَايَة بِهن.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب
ذكره وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (كُنَّا نتقي) أَي: نجتنب الْكَلَام الَّذِي
يخْشَى مِنْهُ سوء الْعَاقِبَة. قَوْله: (والانبساط) أَي:
ونتقي أَيْضا الانبساط إِلَى نسائنا، وَأَرَادَ بِهِ
التَّقْصِير فِي حقهن وَترك الرِّفْق بِهن. قَوْله:
(هَيْبَة) مفعول لَهُ. لقَوْله: (تتقي) أَي: نتقي لخوف
(أَن ينزل فِينَا) أَي فِي شَأْننَا شَيْء من الْوَحْي،
وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: خوف النُّزُول. قَوْله:
(تكلمنا وانبسطنا) يُرِيد بِهِ تغبير شَأْنهمْ عَمَّا
كَانُوا عَلَيْهِ فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
أَيْضا عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور من حَدِيث أبي بن كَعْب،
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَإِنَّمَا وجهنا وَاحِد، قبض نَظرنَا هَكَذَا وَهَكَذَا،
وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث أنس بن مَالك، قَالَ: لما
كُنَّا الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَضَاء مِنْهَا كل شَيْء،
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أظلم مِنْهَا
كل شَيْء، وَمَا نفضنا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا فلوبنا.
18 - (بابٌ {قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارَا}
(التَّحْرِيم: 6)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا قوا أَنفسكُم} (التَّحْرِيم: 6) يَعْنِي: احْفَظُوا
أَنفسكُم بترك الْمعاصِي وَفعل الْخيرَات والطاعات، وقو
أَمر من: وقى يقي، أَصله: أوقيوا، لِأَنَّك تَقول: أوقِ
أوقيا أوقيوا، واستثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا
قبلهَا بعد سلب حركتها فحذفت فَصَارَ: أوقوا، وحذفت
الْوَاو تبعا لفعله الَّذِي أَخذ مِنْهُ أَعنِي: يقي،
لِأَن أَصله: يوقي، فحذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء
والكسرة واستغنت عَن الْهمزَة فَصَارَ، قوا، على وزن: عوا،
لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ، فَاء الْفِعْل ولامه، فَافْهَم.
قَوْله: {وأهليكم نَارا} (التَّحْرِيم: 6) يَعْنِي:
مُرُوهُمْ بِالْخَيرِ وانهوهم عَن الشَّرّ وعلموهم
وأدبوهم، وَقيل: وأهليكم بِأَن تأخذوهم بِمَا تأخذون بِهِ
أَنفسكُم تقوهم بذلك {نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة}
(التَّحْرِيم: 6) .
8815 - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ
وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ، فالإمامُ راعٍ وهْوَ مَسْؤُولٌ،
والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِهِ وهْوَ مَسْؤُولٌ، والمَرْأةُ
راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها وهْيَ مَسْؤُولَةُ،
والعَبْدُ راعٍ علَى مَال سَيِّدِهِ وهْوَ مَسْؤُولٌ ألاَ
فكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالرجل رَاع على
أَهله) لِأَن أهل الرجل من جملَة رَعيته، وَقَالَ زيد بن
أسلم: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالُوا: يَا رَسُول الله
{هَذَا وقينا أَنْفُسنَا، فَكيف بأهلينا؟ قَالَ: تأمرونهم
بِطَاعَة الله تَعَالَى وتنهونهم عَن معاصي الله. وَرُوِيَ
ذَلِك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَيُطلق
الْأَهْل على زَوْجَة الرجل كَقَوْل أُسَامَة فِي حَدِيث
الْإِفْك: أهلك يَا رَسُول الله} والأهل إنم يُطلق على
تلْزمهُ نَفَقَته شرعا كَقَوْل نوح (إِن ابْني من أَهلِي)
وَكَقَوْلِه فِي قصَّة أَيُّوب (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله)
وَكَانُوا زَوجته وَولده والأهل يُطلق على العَبْد قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلمَان منا أهل الْبَيْت.
وَأخرج الحَدِيث أَولا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب
الْجُمُعَة فِي الْقرى والمدن عَن بشر بن مُحَمَّد،
وَأخرجه أَيْضا فِي الاستقراض وَالْعِتْق وَغَيرهَا،
وَهَهُنَا أخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل
السدُوسِي عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ
عَن نَافِع بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير
(20/167)
مرّة.
قَوْله: (كلكُمْ رَاع) أَصله: راعي، لِأَنَّهُ من: رعى
يرْعَى رِعَايَة، استثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت فَالتقى
ساكنان فحذفت الْيَاء فَصَارَ: رَاع، على وزن: فاع، لِأَن
الْمَحْذُوف لَام الْفِعْل، وَالرِّعَايَة الْحِفْظ
وَالْأَمَانَة، يُقَال: عاك الله، أَي: حفظك، وراعي الْغنم
أَي الْحَافِظ لَهَا والأمين، وَإِذا لم يكن للرجل رعية
يكون رَاعيا على أَعْضَائِهِ وجوارحه وَقُوَّة حواسه.
28 - (بابُ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ مَعَ الأهْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حسن معاشرة الرجل مَعَ أَهله.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: المعاشرة من الْعشْرَة بِالْكَسْرِ
وَهِي الصُّحْبَة وَهِي من بَاب المفاعلة الْمَوْضُوعَة
لمشاركة اثْنَيْنِ أَحدهمَا مُتَعَلق بِالْآخرِ على مَا
عرف فِي مَوْضِعه.
9815 - حدَّثنا سُليْمانُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ وعَلِيُّ
بنُ حُجْرٍ قَالَا: أخبرنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ حَدثنَا
هِشامُ بنُ عُرْوةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُرْوَةَ عنْ
عَائِشَةَ، قالَتْ: جَلَسَ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأةً
فَتَعاهَدْنَ وتَعاقَدْنَ أنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أخْبارِ
أزْوَاجِهِنَّ شَيْئا: قالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ
جَمَلٍ غَثٍّ علَى رأْسِ جبَلٍ، لَا سهْلٍ فَيُرْتَقَى
وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ، قالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي
لَا أبُثُّ خبَرَهُ، إنِّي أخافُ أنَّ لَا أذَرَهُ إنْ
أذكُرْهُ أذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَهُ. قالتِ الثّالثَةُ:
زَوْجِي العشَنَّقُ، إنْ أنْطِقْ أُطلَّقْ وإنْ أسْكُتْ
أُعَلَّقْ؛ قالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَليلِ تِهامَةَ
لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سآمَةَ.
قالَتِ الخامِسَةُ: زَوْجِي إنْ دَخَلَ فَهِدَ وإنْ خَرَجَ
أَسد وَلَا يَسألُ عَمَّا عَهِدَ. قالَتِ السَّادِسَةُ:
زَوْجِي إنْ أكَلَ لَفَّ وإنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وإنِ
اضْطَجَعَ التَفَّ وَلَا يُولِجُ الكَف لِيَعْلَمَ البثَّ؛
قالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَياياءُ أوْ عَياياءُ
طَباقاءُ كلُّ داءَ لهُ داءٌ شَجَّكِ أوْ فَلّكِ أوْ
جَمَعَ كُلّا لَكِ؛ قالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ
مَسُّ أرْنَبٍ والرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قالَتِ
التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمادِ طَوِيلُ النِّجادِ
عَظِيمُ الرَّمادِ قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النّادِ؛ قالَتِ
العاشِرَةُ: زَوْجِي مالِكٌ وَمَا مالِكٌ مالِكٌ خَيْرٌ
مِنْ ذالِكِ، لهُ إِبلٌ كَثِيرَاتُ المَباركِ قَلِيلاَتُ
المَسارحِ، وإذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أيْقَنَّ
أنَّهُنَّ هَوَالِكُ؛ قالَتِ الحَادِيَةُ عَشْرَةَ:
زَوْجِي أبُو زَرْعِ. فَما أبُو زَرْعٍ؟ أناسَ مِنْ
حُلِيٍّ أذنَيَّ ومَلأ مِنْ شَحْمِ عَضدَيَّ وبَجَّحَني
فَبَجَحَتْ إليَّ نَفْسِي وجدَنِي فِي أهْلِ غُنَيْمَةٍ
بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أهْلِ صَهِيلٍ وأطِيطٍ ودَائِسٍ
ومُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وأرْقُدُ
فأتَصَبَّحُ، وأشْرَبُ فأتَقَمَّحُ، أمُّ أبي زَرْعٍ،
فَمَا أمُّ أبي زَرْعٍ؟ عُكومُها رَدَاحٌ، وبَيْتُها
فَساحٌ. ابنُ أبي زَرْعٍ، فَما ابنُ أبي زَرْعٍ؟
مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطَبةٍ، ويُشْبِعُهُ ذِرَاعُ
الجَفْرَةِ. بِنْتُ أبي زَرْعٍ، فَما بِنْتُ أبي زَرْعٍ؟
طَوْعُ أبِيها وطَوْعُ أُمِّها وملءُ كِسائِها وغَيْظُ
جارَتِها جارِيَةُ أبي زَرْعٍ، فَمَا جارِيَةُ أبي زَرْعٍ؟
لَا تَبُثُّ حَديثَنا تَبْثَيثا، ولاَ تُنَقِّثُ ميرتَنَا
تَنْقيثا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنا تَعْشِيشا. قالَتْ:
خَرَجَ أبُو زَرْعٍ والأوطابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأةً
مَعَها ولَدَان لَها كالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبانِ مِنْ
تَحْتِ خَصْرِها بِرُمَّانَتيْنِ، فَطَلَّقَنِي ونَكَحَها،
فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رجُلاً سَرِيّا ركب عشريا وأخَذَ
خَطِّيا وأرَاحَ عَليَّ نَعَما ثَرِيّا وأعْطانِي مِنْ
كلِّ رائِحَةٍ زَوْجا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ
ومِيرِي أهْلَكِ. قالَتْ: فَلَوْ جمَعْتُ كلَّ شَيْء
أعْطانِيهِ مَا بَلغَ أصْغَرَ آنِيَةِ أبي زَرْعٍ. قالَتْ
عائِشَةُ، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ رسولُ الله
(20/168)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُنْتُ لكِ كَأبي
زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْإِحْسَان فِي معاشرة الْأَهْل
على مَالا يخفي من الحَدِيث.
وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن بنت
شُرَحْبِيل الدِّمَشْقِي، ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة
وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَعلي بن حجر،
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالراء:
السَّعْدِيّ، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق
السبيعِي، وَوَقع كَذَا مَنْسُوبا عِنْد
الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَعبد الله بن عُرْوَة بن الزبير بن
الْعَوام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، ويروي عَنهُ أَخُوهُ
هِشَام بن عُرْوَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث عباد بن مَنْصُور
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة،
وَالْمَحْفُوظ حَدِيث هِشَام عَن أَخِيه، وَكَذَا رَوَاهُ
مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عَليّ بن حجر وَعَن أَحْمد بن
جناب، بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون: كِلَاهُمَا عَن عِيسَى
بن يُونُس عَن هِشَام: أَخْبرنِي أخي عبد الله بن عُرْوَة.
وأخره التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل، وَالنَّسَائِيّ
أَيْضا فِي عشرَة النِّسَاء جَمِيعًا عَن عَليّ بن حجر،
وَهَذَا من نَوَادِر مَا وَقع لهشام بن عُرْوَة فِي حَدِيث
أَبِيه حَيْثُ أَدخل بَينهمَا أَخا لَهُ وَاسِطَة. وَقَالَ
أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى: اخْتلف فِي سَنَد هَذَا
الحَدِيث وَرَفعه مَعَ أَنه لَا اخْتِلَاف فِي صِحَّته
وَأَن الْأَئِمَّة قبلوه وَلَا مخرج لَهُ فِيمَا انْتهى
إِلَيّ إلاَّ من رِوَايَة عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَروِيَ
من غير طَرِيق: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة من قَول سيدنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُله، هَكَذَا
رَوَاهُ عباد بن مَنْصُور والدراوردي وَعبد الله بن مُصعب
الزبيرِي وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق كلهم عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَكَذَا رَفعه جمَاعَة آخَرُونَ، وَقَالَ عِيَاض:
لَا خلاف فِي رفع قَوْله. فِي هَذَا الحَدِيث: (كنت ل
كَأَنِّي زرع لأم زرع) وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بَقِيَّته.
وَقَالَ الْخَطِيب: الْمَرْفُوع من هَذَا الحَدِيث قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كنت لم كَأبي زرع لأم زرع)
وَمَا عداهُ، فَمن كَلَام عَائِشَة.
قَوْله: (حَدثنَا سُلَيْمَان) فِي رِوَايَة أبي ذَر:
حَدثنِي سُلَيْمَان. قَوْله: (جلس إِحْدَى عشرَة امْرَأَة)
، قَالَ ابْن التِّين: التَّقْدِير: جلس جمَاعَة إِحْدَى
عشرَة، وَمثل هَذَا {وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة}
(يُوسُف: 03) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: النسْوَة اسْم
مُفْرد لجمع الْمَرْأَة وتأنيثه غير حَقِيقِيّ كتأنيث
اللمة، وَلذَلِك لم يلحقفعله تَاء التَّأْنِيث. انْتهى
قلت: كَذَلِك هُنَا (إِحْدَى عشرَة امْرَأَة) نسْوَة،
فَلذَلِك ذكَّر الْفِعْل، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة:
جَلَست، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: اجْتمعت، وَفِي رِوَايَة
أبي يعلى: اجْتَمعْنَ، على لُغَة أكلوني البراغيث. قَالَ
عِيَاض: إِن فِي بعض الرِّوَايَات إِحْدَى عشرَة نسْوَة،
قَالَ: فَإِن كَانَ بِالنّصب احْتَاجَ إِلَى إِضْمَار،
أَعنِي: أَو بِالرَّفْع فَهُوَ بدل من إِحْدَى عشرَة،
وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة
أسباطا} (الْأَعْرَاف: 061) وَقَالَ الْفَارِسِي: هِيَ بدل
من قطعناهم وَلَيْسَ بتمييز، وَكَانَ اجتماعهن وجلوسهن
بقرية من قرى الْيمن، كَذَا وَقع رِوَايَة الزبير بن بكار،
ووقَع فِي رِوَايَة الْهَيْثَم: أَنَّهُنَّ كن بِمَكَّة.
وَقَالَ عِيَاض: إنَّهُنَّ كن من خثعم، وَوَقع فِي
رِوَايَة ابْن أبي أويس عَن أَبِيه: أَنَّهُنَّ كن فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَكَذَا عِنْد النَّسَائِيّ فِي رِوَايَة.
قَوْله: (فتعاهدن وتعاقدن) ، أَي: ألزمن أَنْفسهنَّ عهدا
وعقدن على الصدْق من ضمائرهن عقدا. قَوْله: (أَن لَا
يكتمن) أَي: بِأَن لَا يكتمن، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي
أويس: (أَن يتصادقن بَينهُنَّ وَلَا يكتمن) ، وَفِي
رِوَايَة سعيد بن سَلمَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ: (أَن ينعتن
أَزوَاجهنَّ ويصدقن) ، وَفِي رِوَايَة الزبير: (فتبايعن
على ذَلِك) .
قَوْله: (قَالَت الأولى) ، أَي: الْمَرْأَة الأولى، وَلم
أَقف على اسْمهَا. قَوْله: (غث) ، بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ:
الهزيل الَّذِي يستغيث من هزاله، مَأْخُوذ من قَوْلهم: غث
الْجرْح غثا وغثيثا إِذا سَأَلَ مِنْهُ الْقَيْح، واستغثه
صَاحبه، وَمِنْه: أغث الحَدِيث، وَمِنْه: غث فلَان فِي
حلقه، وَكَذَا اسْتِعْمَاله فِي مُقَابلَة السمين،
فَيُقَال للْحَدِيث الْمُخْتَلط فِيهِ: الغث والسمين،
والغث الْفَاسِد من الطَّعَام. قَوْله: (على رَأس جبل)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تصف قلَّة خَيره وَبعده مَعَ
الْقلَّة كالشيء فِي قبَّة الْحَبل الصعب لَا ينَال إلاَّ
بالمشقة، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (على رَأس جبل
وعر) ، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار: وغث. وَهِي أوفق
للسجع. قَوْله: (وعر) ، أَي: كثير الصخر شَدِيد الغلطة
يعصب الرقي إِلَيْهِ، والوعث، بالثاء الْمُثَلَّثَة: الصعب
المرتقي بِحَيْثُ توحل فِيهِ الْأَقْدَام فَلَا يتَخَلَّص
ويشق فِيهِ المشيء، وَمِنْه: وعثاء السّفر. قَوْله: (لَا
سهل فيرتقي) ، يجوز فِيهِ أوجه ثَلَاثَة: الأول:
بِالْفَتْح بِلَا تَنْوِين، الثَّانِي: الرّفْع على أَنه
خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: لَا هُوَ سهل. الثَّالِث:
الْجَرّ على أَنه صفة جبل، وَكَذَلِكَ الْأَوْجه
الثَّلَاثَة فِي قَوْله: (وَلَا سمين) وَوَقع فِي رِوَايَة
عِنْد النَّسَائِيّ بِالنّصب منونا، فيهمَا: (لَا سهلاً
وَلَا سمينا) ، وَفِي أُخْرَى عِنْده: (لَا بالسهل وَلَا
بالسمين) ، وَقَالَ عِيَاض: أحسن الْوُجُوه الرّفْع
فيهمَا. قَوْله: (فيرتقي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي:
فَإِن يُرتقى أَي يصعد. قَوْله: (فَينْتَقل) ، بِالْفَتْح
أَي: فَإِن ينْتَقل، والانتقال هَهُنَا بِمَعْنى النَّقْل
أَي: لَا يَأْتِي إِلَيْهِ أحدا لصعوبة المسلك، وَلَا
يُؤْتى بِهِ إِلَى
(20/169)
أحد، أَي: لَا تنقله النَّاس إِلَى
بُيُوتهم لرداءته، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: (فينتقى) ، من
النقى بِكَسْر النُّون وَهُوَ المخ، أَي: يسْتَخْرج نقيه،
وَحَاصِله: أَنه قَلِيل الْخَيْر من جِهَة أَنه لحم جمل
لَا لحم غنم، وَأَنه مهزول رَدِيء وَأَنه صَعب التَّنَاوُل
لَا يُوصل إِلَيْهِ إلاَّ بِمَشَقَّة شَدِيدَة أَي: خَيره
قَلِيل ذاتا وَصفَة. وَقَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي:
لَيْسَ شَيْء أَخبث غثاثة بَين الْأَنْعَام من الْجمل
لِأَنَّهُ يجمع خبث الرّيح وخبث الطّعْم حَتَّى ضرب بِهِ
الْمثل، وصفت زَوجهَا بالبخل وَقلة الخيروبعده من أَن
ينَال خَيره مَعَ قلته كَاللَّحْمِ الهزيل المنتن الَّذِي
يزهد فِيهِ فَلَا يطْلب، فَكيف إِذا كَانَ فِي رَأس جبل
صَعب وعر لَا ينَال إلاَّ بِمَشَقَّة، وَذهب الْخطابِيّ
إِلَى أَن تمثيلها بِالْجَبَلِ الوعر هُنَا إِشَارَة إِلَى
سوء خلقه، والذهاب بِنَفسِهِ وترفعه تيها وكبرا، تُرِيدُ
أَنه: مَعَ قلَّة خَيره يتكبر على عشيرته فَيجمع إِلَى
الْبُخْل سوء الْخلق، وَهُوَ تَشْبِيه الْجَلِيّ بالخفي،
والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير.
قَوْله: (وَقَالَت الثَّانِيَة) أَي: الْمَرْأَة
الثَّانِيَة، وَهِي عمْرَة بنت عَمْرو التَّمِيمِي.
قَوْله: (لَا أبث) من البث بِالْبَاء الْمُوَحدَة والثاء
الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْإِظْهَار والإشاعة، وَفِي
رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: (لَا أنثه) . بالنُّون بدل
الْبَاء أَي: لَا أنشره وَلَا أشيعه، وَوَقع فِي رِوَايَة
الطَّبَرَانِيّ: (لَا أنم) ، بالنُّون وَالْمِيم من
النميمة. قَوْله: (إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره) فِيهِ
تَأْوِيلَانِ لِأَن الْهَاء إِمَّا عَائِدَة إِلَى
الْخَبَر أَي: خَبره طَوِيل إِن شرعت فِي تَفْصِيله لَا
أقدر على إِتْمَامه لكثرته أَو إِلَى الزَّوْج وَتَكون:
لَا، زَائِدَة أَي: أَخَاف أَن يُطلقنِي فأذره، أَي:
فأتركه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّأْوِيل الثَّالِث أَن
يُقَال: إِن مَعْنَاهُ أَخَاف أَن أبث خَبره، إِذْ عدم
التّرْك وَهُوَ الإبثاث والتبيين، وَوَقع فِي رِوَايَة
الزبير: زَوجي من لَا أذكرهُ وَلَا أبث خَبره. قَوْله:
(أذكر عُجَره وبجره) جَوَاب: إِن، والعجر، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم، والبجر بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم، وَالْمرَاد بهما: عيوبه،
وَالْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال أَن يُرَاد بِهِ
الْأُمُور كلهَا، وَقيل: العجرة نفخة فِي الظّهْر والبجرة
نفخة فِي السُّرَّة، وَيُقَال: العجر معقد الْعُرُوق
والعصب فِي الْجَسَد حَتَّى ترَاهَا ناتئة فِي الْجَسَد،
والبجر كَذَلِك إلاَّ أَنَّهَا مُخْتَصَّة بالبطن فِيمَا
ذكره الْأَصْمَعِي، وأحدها بجرة، وَمِنْه قيل: رجل أبجر
إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن، وَامْرَأَة بجراء، وَيُقَال
الفلان بجرة إِذا كَانَ ناتىء السُّرَّة عظيمها، وَقَالَ
الْأَخْفَش: العجر العقد تكون فِي سَائِر الْبدن، والبجر
تكون فِي الْقلب، وَقَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: لم
يَأْتِ أَبُو عُبَيْدَة بِالْمَعْنَى فِي هَذَا،
وَإِنَّمَا عنت أَن زَوجهَا كثير الْعُيُوب فِي أخلاقه
مُنْعَقد النَّفس عَن المكارم، وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال
فِي الْمثل: أفضيت إِلَيْهِ بعجري وبجري أَي: بأَمْري كُله
وَعَن الْأَصْمَعِي: يستعلمل ذَلِك فِي المعائب، أَي: ذكر
عيوبه، وَقَالَ يَعْقُوب: أسراره، وَعبارَة غَيره: عيوبه
الْبَاطِنَة وأسراره الكامنة، وَعَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فِي وقْعَة الْجمل: (إِلَى الله أَشْكُو
عجري وبجري) أَي: همومي وأحزاني، وَقيل: العجر ظَاهرهَا
والبجر بَاطِنهَا. قَالَ الشَّاعِر:
(لم يبْق عِنْدِي مَا يُبَاع بدرهم ... يَكْفِيك عجر حالتي
عَن بجري)
(إلاَّ بقايا مَاء وَجه صنته ... لأبيعه، فَعَسَى تكون
المُشْتَرِي)
قَوْله: (قَالَت الثَّالِثَة) ، أَي: الْمَرْأَة
الثَّالِثَة وَهِي: حييّ بنت كَعْب الْيَمَانِيّ. قَوْله:
(العشنق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والمعجمة وَفتح
النُّون الْمُشَدّدَة، وبالقاف، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة
وَجَمَاعَة: هُوَ الطَّوِيل، وَزَاد الثعالبي: المذموم
الطول، وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ طَوِيل الْعُنُق وَقَالَ
ابْن حبيب: هُوَ الْمِقْدَام على مَا يُرِيد الشرس فِي
أُمُوره، وَقيل: السيىء الْخلق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
أَرَادَت أَنه لَيْسَ عِنْده أَكثر من طوله بِلَا نفع،
وَيجمع على: عشانقة، وَالْمَرْأَة عشنقة، وَقَالَ أَبُو
سعيد الضَّرِير: الصَّحِيح أَن العشنق الطَّوِيل النجيب
الَّذِي يملك أَمر نَفسه وَلَا يحكم النِّسَاء فِيهِ، بل
يحكم فِيهِنَّ بِمَا شَاءَ، فزوجته تهابة أَن تنطق
بِحَضْرَتِهِ فَهِيَ تسكن على مضض. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
وَهِي الشكاية البليغة. قَوْله: (إِن أنطق أطلق) يَعْنِي:
إِن ذكرت عيوبه يُطلقنِي (وَإِن أسكت أعلق) يَعْنِي: إِن
أسكت عَنهُ أعلق يَعْنِي يتركني لَا عزبا وَلَا مُزَوّجَة،
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فتذروها كالمعلقة}
(النِّسَاء: 921) فَكَأَنَّهَا قَالَت: أَنا عِنْده لَا
ذَات زوج فَانْتَفع بِهِ وَلَا مُطلقَة فأتفرغ لغيره.
فَهِيَ كالمعلقة بَين الْعُلُوّ والسفل لَا تَسْتَقِر
بِأَحَدِهِمَا، وكل وَاحِد من قَوْلهَا: (أطلق) و (أعلق)
على صِيغَة الْمَجْهُول مجزومان لِأَنَّهُمَا جَوَاب
الشَّرْط.
قَوْله: (قَالَت الرَّابِعَة) ، وَهِي: مهدد، بِفَتْح
الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة
الأولى، وَيُقَال: مهرَة بالراء بنت أبي هرومة بالراء
المضمومة، وَيُقَال: أرومة. قَوْله: (كليل تهَامَة) شبهت
زَوجهَا بلَيْل تهَامَة، وتمدحه أَي: كليل أهل مَكَّة
أَصْحَاب الْأَمْن، أَو كليل ركدت الرِّيَاح فِيهِ، أَو
كليل الرّبيع وَقت تغير الْهَوَاء من الْبُرُودَة إِلَى
الْحَرَارَة وَظُهُور اعتداله،
(20/170)
وَلَيْسَ فِيهِ أَذَى بل فِيهِ رَاحَة
ولذاذة عَيْش، كليل تهَامَة لذيذ معتدل لَيْسَ فِيهِ حر
مفرط وَلَا برد، وَلَا أَخَاف لَهُ غائلة لكرم أخلاقه،
وَلَا يسامني وَلَا يستثقل بِي فيمل صحبتي، وتهامة،
بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهُوَ اسْم لكل
مَا نزل عَن نجد من بِلَاد الْحجاز، وَهُوَ من الْمُتَّهم،
بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء: وَهُوَ ركود الرّيح، وَيُقَال:
تهتم الدّهن، إِذا تغير قَوْله: (وَلَا قر) بِالضَّمِّ
وَهُوَ الْبرد. قَوْله: (وَلَا سآمة) أَي: وَلَا ملالة،
وكل وَاحِد من هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة بني بِغَيْر
تَنْوِين، وَجَاء الرّفْع مَعَ التَّنْوِين، وَهِي
رِوَايَة أبي عبيد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا بيع
فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} (الْبَقَرَة: 452) وَوَقع
فِي رِوَايَة عمر بن عبد الله عِنْد النَّسَائِيّ: وَلَا
برد، بدل: وَلَا قر، وَزَاد فِي رِوَايَة الْهَيْثَم بن
عدي، وَلَا وخامة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: لَا ثقل
عِنْده تصف زَوجهَا بذلك، أَنه لين الْجَانِب خَفِيف
الْوَطْأَة على الصاحب، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار:
والغيث، غيث غمامة، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَرَادَت
بقولِهَا: وَلَا مَخَافَة أَن أهل تهَامَة لَا يخَافُونَ
لتحصنهم بجبالها، أَو أَرَادَت أَن زَوجهَا حامي الذمار
مَانع لداره وجاره وَلَا مَخَافَة عِنْد من يأوي إِلَيْهِ،
ثمَّ وَصفته بالجود.
قَوْله: (قَالَت الْخَامِسَة) أَي: الْمَرْأَة الْخَامِسَة
وَهِي كَبْشَة. قَوْله: (إِن دخل فَهد) ، أَي: إِن دخل
الْبَيْت فَهد بِكَسْر الْهَاء أَي: فعل فعل الفهد، شبهته
بالفهد فِي كَثْرَة نَومه، يَعْنِي إِذا دخل الْبَيْت يكون
فِي الاسْتِرَاحَة معرضًا عَمَّا تلف من أَمْوَاله وَمَا
بَقِي مِنْهَا. وَقيل: معنى فَهد أَنه إِذا دخل الْبَيْت
وثب على وثوب الفهد، كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمُبَادرَة
إِلَى الْجِمَاع. قَوْله: (وَإِن خرج أَسد) أَي: وَإِن خرج
من الْبَيْت أَسد بِكَسْر السِّين يَعْنِي: فعل فعل الْأسد
تصفه بالشجاعة يَعْنِي: إِذا صَار بَين النَّاس كَانَ
الْأسد، يَعْنِي: سهل مَعَ الأحباء صَعب على الْأَعْدَاء
كَقَوْلِه تَعَالَى: {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم}
(الْفَتْح: 92) وَقَالَ ابْن السّكيت: تصفه بالنشاط فِي
الْغَزْو، وَقَالَ عِيَاض: فِيهِ مُطَابقَة لفظية بَين دخل
وَخرج، وَبَين أَسد وفهد مُطَابقَة معنوية، وَتسَمى أَيْضا
الْمُقَابلَة. قَوْله: (وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد) أَي: لَا
يتفقد مَا ذهب من مَاله وَلَا يلْتَفت إِلَى معائب
الْبَيْت وَمَا فِيهِ كَأَنَّهُ ساهٍ عَن ذَلِك. وَقَالَ
عِيَاض: وَهَذَا يَقْتَضِي تفسيرين: لعهد عهد قبل فَهُوَ
يرجع إِلَى تفقد المَال وعهد الْآن فَهُوَ بِمَعْنى
الإغضاء عَن المعائب والاختلال.
قَوْله: (قَالَ السَّادِسَة) : أَي الْمَرْأَة
السَّادِسَة، وَاسْمهَا هِنْد قَوْله: (إِن أكل لف)
بِاللَّامِ وَالْفَاء الْمُشَدّدَة فعل مَاض من اللف
وَهُوَ الْإِكْثَار من الطَّعَام مَعَ التَّخْلِيط من
صنوفه حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْئا. قَالَ عِيَاض:
حُكيَ رف، بالراء بدل اللَّام قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
قَوْله: (وَإِن شرب اشتف) من الاشتفاف بالفاءين، وَهُوَ
أَن يستوعب جَمِيع مَا فِي الْإِنَاء مَأْخُوذ من الشفافة
بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَهِي اسْم مَا بَقِي فِي
الْإِنَاء من المَال، فَإِذا شربه قيل: اشتفه، ويروى:
استف، بِالسِّين الْمُهْملَة وَهِي بمعناها. وَقَالَ
عِيَاض: رُوِيَ بِالْقَافِ بدل الشين. قَالَ الْخَلِيل:
قفاف كل شَيْء جمَاعَة واستيعابه، وَمِنْه سميت الفقة
لجمعها مَا وضع فِيهَا. قَوْله: (وَإِن اضْطجع التّلف) من
الالتفاف، يَعْنِي: إِذا نَام التّلف فِي ثِيَابه فِي
نَاحيَة، وَفِي رِوَايَة للنسائي: إِذا نَام بدل اضْطجع،
وَزَاد: وَإِذا ذبح اغتث أَي: تحرى الغث وَهُوَ الهزيل
كَمَا مضى. قَوْله: (وَلَا يولج الْكَفّ) أَي: لَا يدْخل
كَفه مَعْنَاهُ لَا يمد يَده ليعلم مَا هِيَ عَلَيْهِ من
الْحزن، وَهُوَ معنى قَوْله: (ليعلم البث) بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد يَد الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ
الْحزن وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَلَا يدْخل، بدل
وَلَا يولج، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ
وَالطَّبَرَانِيّ: فَيعلم، بِالْفَاءِ بدل اللَّام،
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يتلفف منتبذا عَنْهَا
وَلَا يقرب مِنْهَا فيولج كَفه دَاخل ثوبها فَيكون مِنْهُ
إِلَيْهَا مَا يكون من الرجل لامْرَأَته، وَمعنى البث مَا
تضمر من الْحزن على عدم الحظوة مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو
عبيد: أحسبها كَانَ بجسدها عيب أَو دَاء يحزن بِهِ،
وَكَأَنَّهُ لَا يدْخل يَده فِي ثوبها لِئَلَّا يلمس ذَلِك
فَيشق عَلَيْهَا، فوصفته بالمروءة وكرم الْخلق، ورد
عَلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة بِأَنَّهَا قد ذمَّته فِي صدر
الْكَلَام فَكيف تمدحه فِي آخِره؟ فَقَالَ ابْن
الْأَنْبَارِي: الرَّد مَرْدُود، لِأَن النسْوَة تعاقدن
لَا يكتمن شَيْئا مدحا أَو ذما، فمنهن من كَانَت أَوْصَاف
زَوجهَا كلهَا حَسَنَة فوصفته بهَا، ومنهن بِالْعَكْسِ،
ومنهن من كَانَت أَوْصَافه مختلطة مِنْهُمَا فذكرتهما
كليهمَا.
قَوْله: (قَالَت السَّابِعَة) أَي: الْمَرْأَة السَّابِعَة
وَاسْمهَا حيى بنت عَلْقَمَة قَوْله: (زَوجي عياياء)
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَبعد الْألف يَاء أُخْرَى وبالمد وَهُوَ
الَّذِي عي بِالْأَمر والمنطق وجمل عياياء إِذا لم يهتد
إِلَى الضراب. قَوْله: (أَو غياياء) شكّ من الرَّاوِي
وَهُوَ عِيسَى بن يُونُس فَإِنَّهُ شكّ هَل هُوَ
بِالْمُهْمَلَةِ أَو بِالْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: أَو تنويع من الزَّوْجَة القائلة،
وَالْأَكْثَرُونَ لم يشكوا، وَقَالُوا بِالْمُهْمَلَةِ
وَأما غياياء، بالغين الْمُعْجَمَة فَمَعْنَاه لَا
يَهْتَدِي إِلَى مَسْلَك أَو إِنَّه كالظل
(20/171)
المتكاثف المظلم الَّذِي لَا إشراق فِيهِ.
أَو أَنه غطى عَلَيْهِ أُمُوره، أَو أَنه منهمك فِي
الشَّرّ قَالَ تَعَالَى: {فَسَوف يلقون غيا} (مَرْيَم: 95)
وَقَالَ عِيَاض: قَالَ أَبُو عبيد إِن الغياياء، بالغين
الْمُعْجَمَة لَيْسَ بِشَيْء. وَلم يفسره وَتَابعه على
ذَلِك سَائِر الشُّرَّاح، فقد ظهر لي فِيهِ معنى صَحِيح
فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَذكر أَيْضا أَنه مَأْخُوذ
من الغياية. وَهِي كل مَا أظلك فَوق رَأسك من سَحَاب
وَغَيره، وَمِنْه سميت الرَّايَة غَايَة، فَكَأَنَّهُ غطى
عَلَيْهِ من جَهله وسترت مصالحة. قَوْله: (طباقاء)
بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالقاف ممدودة. وَهُوَ المطبقة عَلَيْهِ الْأُمُور حمقا،
وَقيل: الَّذِي يعجز عَن الْكَلَام، وَقَالَ ابْن حبَان:
الطباق من الرِّجَال الَّذِي فِيهِ رعونة وحمق كالمطبق
عَلَيْهِ فِي حمقه ورعونته، وَقيل: الطباق من الرِّجَال
الثقيل الصَّدْر الَّذِي لَا يطبق صَدره على صدر
الْمَرْأَة. قَوْله: (كل دَاء لَهُ دَوَاء) أَي: كل شَيْء
من أدواء النَّاس فِيهِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تَعْنِي
كل دَاء تفرق فِي النَّاس فَهُوَ فِيهِ، وَمن أدوائه أَنه
قد اجْتمعت فِيهِ المعائب. قَوْله: (شجك أَو فلّك) كلمة:
أَو للتنويع وَمعنى شجك: جرحك فِي رَأسك وجراحات الرَّأْس
تسمى شجا بالشين الْمُعْجَمَة بالشين الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الْجِيم، وَمعنى: فلك بِالْفَاءِ وَتَشْديد
اللَّام: جرحك فِي جَمِيع الْجَسَد وَقيل: الفل الطعْن،
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فلك كسرك، وَيُقَال: ذهب
بِمَالك، وَيُقَال: كسرك بخصومته، وَصفته بالحمق والتناهي
فِي جَمِيع النقائص والعيوب وَسُوء الْعشْرَة مَعَ
الْأَهْل وعجزه عَن حَاجَتهَا مَعَ ضربهَا وأذاه لَهَا
وَإِذا حدثته سبها وَإِذا مازحته شجها وَإِذا غضب إِمَّا
أَن يشجها فِي رَأسهَا أَو يكسر عضوا من أعضائها. وَزَاد
ابْن السّكيت فِي رِوَايَته: بجك، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْجِيم: أَي طعنك فِي جراحتك
فَشَقهَا، والبج شقّ القرحة، وَقيل: هُوَ الطعنة. قَوْله:
(أَو جمع كلا لَك) أَي: أَو جمع كل هَذِه الْأَشْيَاء
وَهِي: الضَّرْب وَالْجرْح وَكسر الْأَعْضَاء وَالْكَسْر
بِالْخُصُومَةِ وَالْكَلَام الموجع وَأخذ مَالهَا.
قَوْله: (قَالَت الثَّامِنَة) أَي: الْمَرْأَة الثَّامِنَة
وأسمها يَاسر بنت أَوْس بن عبد. قَوْله: (الْمس مس أرنب
وَالرِّيح ريح زرنب) وَصفته بِحسن الْخلق ولين الْجَانِب
كمس الأرنب إِذا وضعت يدك على ظَهره، لِأَن وبره ناعم جدا،
والزرنب بِوَزْن الأرنب لَكِن أَوله زَاي، وَهُوَ نبت طيب
الرّيح، وَقيل: هِيَ شَجَرَة عَظِيمَة بِالشَّام على جبل
لبنان لَا تثمر وَلها ورق بَين الخضرة والصفرة، وَكَذَا
ذكره عِيَاض، ورده أَصْحَاب الْمُفْردَات. وَقيل: هِيَ
حشيشة طيبَة الرَّائِحَة رقيقَة، وَقيل: هُوَ
الزَّعْفَرَان وَلَيْسَ بِشَيْء، وَقيل: وَهُوَ مسك،
وَالْألف وَاللَّام فِي الْمس نائبة عَن الضَّمِير لِأَن
أَصله زَوجي مَسّه. وَكَذَا فِي الرّيح أَي: رِيحه
وَفِيهِمَا حذف تَقْدِيره: زَوجي الْمس مِنْهُ كَمَا فِي
السّمن. منوان بدرهم، أَي مِنْهُ، وَقَالَ عِيَاض: هَذَا
من التَّشْبِيه بِغَيْر أَدَاة، وَفِيه حسن الْمُنَاسبَة
والموازنة والتسجيع، وَفِي رِوَايَة الزبير وَالنَّسَائِيّ
فِيهِ زِيَادَة وَهِي قَوْلهَا. وَأَنا أغلبه وَالنَّاس
يغلب، فِي رِوَايَة للنسائي وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ:
ونغلبه، بنُون الْجمع وَفِيه نوع من البديع يُسمى التتميم
لِأَنَّهَا لَو اقتصرت على قَوْلهَا: وَأَنا أغلبه لظن
أَنه جبان ضَعِيف، فَلَمَّا قَالَت: وَالنَّاس يغلب، دلّ
على أَن غلبتها إِيَّاه إِنَّمَا هُوَ من بَاب كرم سجاياه
فتممت بِهَذِهِ الْكَلِمَة الْمُبَالغَة فِي حسن
أَوْصَافه.
قَوْله: (قَالَت التَّاسِعَة) أَي: الْمَرْأَة
التَّاسِعَة: وَلم أَقف على اسْمهَا عِنْد أحد قَوْله:
(رفيع الْعِمَاد) كِنَايَة عَن وَصفه بالشرف فِي نسبه
وسؤدده فِي قومه فَهُوَ رفيع فيهم. والعماد فِي الأَصْل
عماد الْبَيْت وَهُوَ العمود الَّذِي يدعم بِهِ الْبَيْت،
تَعْنِي: أَن بَيته فِي حَسبه رفيع فِي قومه، وَيحْتَمل
أَنَّهَا أَرَادَت أَن بَيته عالٍ لحشمته وسعادته لَا
كبيوت غَيره من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، يَجعله مرتفعا
ليراه أَرْبَاب الْحَوَائِج والأضياف فيأتونه. وَهَذِه صفة
بيُوت الأجواد. قَوْله: (طَوِيل النجاد) . بِكَسْر النُّون
كِنَايَة عَن طول الْقَامَة لِأَن النجاد حمائل السَّيْف،
فَمن كَانَ طَوِيل الْقَامَة كَانَت حمائل سَيْفه
طَوِيلَة، فوصفته بالطول والجود. قَوْله: (عَظِيم الرماد)
. كِنَايَة عَن المضافية، لِأَن كَثْرَة الرماد
تَسْتَلْزِم كَثْرَة النَّار وَكَثْرَة النَّار
تَسْتَلْزِم كَثْرَة الطَّبْخ وَكَثْرَة الطَّبْخ
تَسْتَلْزِم كَثْرَة الأضياف، وَقيل: إِن ناره لَا تطفأ
فِي اللَّيْل ليهتدي بهَا الضيفان، والأجواد يعظمون
النيرَان فِي ظلام اللَّيْل ويوقدونها على التلال لاهتداء
الضَّيْف بهَا قَوْله: (قريب الْبَيْت من الناد) كِنَايَة
عَن الْكَرم والسؤدد، لِأَن النادي مجْلِس الْقَوْم وَلَا
يقرب مِنْهُ إلاَّ من هَذِه صفته، لِأَن الضيفان يقصدون
النادي، يَعْنِي: ينزل بَين ظهراني النَّاس ليعلموا
مَكَانَهُ وينزلوا عِنْده، واللئام يتباعدون مِنْهُ
فِرَارًا من نزُول الضَّيْف. وَقَالَ
(20/172)
صَاحب (التَّلْوِيح) فِي قَوْلهَا: (قريب
الْبَيْت من النادي) كَذَا هُوَ فِي النّسخ: النادي،
بِالْيَاءِ هُوَ الفصيح فِي الْعَرَبيَّة. وَلَكِن
الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة خذفها الْيُتْم السجع، وَفِي
رِوَايَة الزبير بن بكار بعد قَوْله: (قريب الْبَيْت من
الناد) لَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف، وَلَا ينَام لَيْلَة
يخَاف.
قَوْله: (وَقَالَت الْعَاشِرَة) أَي: الْمَرْأَة
الْعَاشِرَة وَاسْمهَا: كَبْشَة، مثل الْخَامِسَة بنت
الأرقم بالراء وَالْقَاف. قَوْله: (زَوجي مَالك، وَمَا
مَالك؟ مَالك خير من ذَلِك) . أردْت بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ
تَعْظِيم زَوجهَا لِأَن كلمة: مَا استفهامية وفيهَا معنى
التَّعْظِيم والتهويل، وَحَقِيقَة: مَا مَالك، أَي: مَا
هُوَ، أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعظمه وأكبره وأكرمه مثل
قَوْله عز وَجل: {الحاقة مَا الحاقة} (الحاقة: 1) {القارعة
مَا القارعة} (القارعة: 1) أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعطم
أمرهَا وأهولها. وَقَوْلها: (مَالك خير من ذَلِك) زِيَادَة
فِي التَّعْظِيم وَتَفْسِير لبَعض الْإِبْهَام وَأَنه خير
مِمَّا أُشير إِلَيْهِ من ثَنَاء وَطيب ذكرا وَفَوق مَا
أعتقده فِيهِ من سؤدد وفخر قَوْلهَا: (ذَلِك) إِشَارَة
إِلَى: مَالك، أَي: خير من كل مَالك، والتعميم يُسْتَفَاد
من الْمقَام أَو هُوَ نَحْو: تَمْرَة خير من جرادةٍ أَي كل
تَمْرَة خير من كل جَرَادَة، أَو هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا
فِي ذهن الْمُخَاطب، أَي: مَالك خير مِمَّا فِي ذهنك من
مَالك الْأَمْوَال. قَوْله: (لَهُ إبل) أَي: لزوجي إبل
(كثيرات الْمُبَارك) وَهُوَ جمع مبرك وَهُوَ مَوضِع البروك
أَرَادَت أَنه يبركها فِي مُعظم أَوْقَاتهَا بِفنَاء دَاره
لَا يوجهها تسرح إِلَّا قَلِيلا قدر الضَّرُورَة حَتَّى
إِذا نزل بِهِ الضَّيْف كَانَت الْإِبِل حَاضِرَة فيقريه
من أَلْبَانهَا ولحومها، ويروى: عظيمات الْمُبَارك، وَهُوَ
كِنَايَة عَن سمنها وَعظم جسومها فيعظم مباركها لذَلِك.
قَوْله: (قليلات المسارح) ، وَهُوَ جمع مسرح وَهُوَ
الْموضع الَّذِي تسرح إِلَيْهِ الْمَاشِيَة بِالْغَدَاةِ
المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة.
وسرحتها يَأْتِي لَازِما ومتعديا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
نصفه بِكَثْرَة الْإِطْعَام وَسقي الألبان أَي: أَن إبِله
على كثرتها لَا تغيب عَن الْحَيّ وَلَا تسرح إِلَى المراعي
الْبَعِيدَة وَلكنهَا تبرك بفنائه ليقري الضيفان من
لَبنهَا ولحمها خوفًا من أَن ينزل بِهِ ضيف وَهِي بعيدَة
عازبة، وَقيل: إِن مَعْنَاهُ أَن إبِله كَثِيرَة فِي حَال
بروكها، فَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لِكَثْرَة مَا تحرمنها
فِي مباركها للأضياف. وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم عَن
هِشَام فِي آخر هَذَا الْكَلَام: وَهُوَ إِمَام الْقَوْم
فِي المهالك. قَوْله: (وَإِذا سمعن صَوت المزهر أَيقَن
أَنَّهُنَّ هوالك) ، أَي: إِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت
المزهر، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: الْعود الَّذِي يضْرب
بِهِ أَي: إِن زَوجهَا عود الْإِبِل إِذا نزل بِهِ الضيفان
أَتَاهُم بالعيدان وَالْمَعَازِف وآلات الطّرف ونحولهم
مِنْهَا، فَإِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت المزهر علمت يَقِينا
أَنه قد جَاءَ الضيفان وأنهن منحورات هوالك، وَقَالَ أَبُو
سعيد النَّيْسَابُورِي: لم تكن تعرف الْعَرَب الْعود إلاَّ
الَّذين خالطوا الْحَضَر، وَالَّذِي يذهب إِلَيْهِ
إِنَّمَا هُوَ المزهر، يَعْنِي: بِضَم الْمِيم وَكسر
الْهَاء وَهُوَ الَّذِي يزهر النَّار للأضياف، فَإِذا سمعن
صَوت ذَلِك ومعمعان النَّار أيقنت بالعقر. وَقَالَ عِيَاض:
لَا تعرف أحدا رَوَاهُ المزهر، كَمَا قَالَ
النَّيْسَابُورِي: وَالَّذِي رَوَاهُ النَّاس كلهم المزهر،
يَعْنِي بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الصَّوَاب. وَالضَّمِير
فِي سمعهن وأيقن برجع إِلَى الْإِبِل كَمَا ذَكرْنَاهُ،
والهوالك جمع هالكة.
قَوْله: (قَالَت الْحَادِيَة عشرَة) أَي: الْمَرْأَة
الْحَادِيَة عشرَة، قَالَ النَّوَوِيّ: وَفِي بعض النسح:
الْحَادِي عشرَة، وَفِي بَعْضهَا: الْحَادِيَة عشر،
وَالصَّحِيح الأول، وَهِي: أم زرع بنت أكيمل بن سَاعِدَة
اليمنية، وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور: بِحَدِيث أم زرع.
قَوْله: (زَوجي أَبُو زرع! فَمَا أَبُو زرع؟) هُوَ كَقَوْل
الْعَاشِرَة: مَالك وَمَا مَالك؟ أخْبرت أَولا أَن زَوجهَا
أَبُو زرع، ثمَّ عظمت شَأْنه بقولِهَا: فَمَا أَبُو زرع؟
يَعْنِي: إنكن لَا تعرفنه لأنكن لم تعهدن مثله. قَوْله:
(أَبُو زرع) . فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: نكحت أَبَا زرع.
قَوْله: (فَمَا أَبُو زرع؟) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَمَا
أَبُو رزع، بِالْوَاو وَهُوَ الْمَحْفُوظ للأكثرين، وَزَاد
الطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَة: صَاحب نعم وَزرع. قَوْله:
(أنَاس من حلي أُذُنِي) أنَاس فعل مَاض من النوس وَهُوَ
الْحَرَكَة من كل شَيْء معتدل يُقَال: نَاس ينوس نوسا،
وأناسه غَيره إناسة، والحلي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء جمع: حلي، بِفَتْح
الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء، وَهُوَ اسْم
لكل مَا يتزين بِهِ من مصاغ الذَّهَب وَالْفِضَّة، (وأذني)
بتَشْديد الْيَاء، تَثْنِيَة أذن أَرَادَت: حلاني قرطة
وشنوفا يَعْنِي مَلأ أُذُنِي بِمَا جرت بِهِ عَادَة
النِّسَاء من التحلي بِهِ فِي الْأذن من القرط وَهُوَ
الْحلق من ذهب وَفِضة ولؤلؤ وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ ابْن
السّكيت: معني أنَاس: أثقل أُذُنِي حَتَّى تدلى واضطرب
قَوْله: (وملأ من شَحم عضدي) بتَشْديد الْيَاء تَثْنِيَة
عضد. وَقَالَ أَبُو عبيد: لم ترد الْعظم وَحده وَإِنَّمَا
أَرَادَت الْجَسَد كُله. لِأَن العضف إِذا سمنت سمن سَائِر
الْجَسَد، وخصت الْعَضُد لِأَنَّهَا أقرب مَا يَلِي بصر
الْإِنْسَان من جسده. قَوْله: (وبجحني) بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ بتَشْديد الْجِيم من التبجيح
وَهُوَ التفريح، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ
عظمني، وَقَالَ ابْن أبي أويس: وسع
(20/173)
عَليّ وترفني قَوْله: (فبجحت) بِسُكُون
التَّاء (وَنَفْسِي) فَاعله وإلي بتَشْديد الْيَاء
وَفَائِدَة ذكر إِلَى التَّأْكِيد، إِذْ فِيهِ التَّجْرِيد
وَبَيَان الِانْتِهَاء، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي
الرِّوَايَات. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فتبجحت من: بَاب
التفعل، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وبجح نَفسِي فتبجحت
إِلَيّ، بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ:
فبجحت، بِضَم التَّاء على صِيغَة نفس الْمُتَكَلّم من
الْمَاضِي، وإلي، بِالتَّخْفِيفِ. قَوْله: (غنيمَة) مصغر:
غنم. قَوْله: (بشق) ، بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف:
وَأهل الحَدِيث يَرْوُونَهُ بِكَسْر الشين، وَقَالَ أَبُو
عبيد: وَهُوَ بِالْفَتْح وَهُوَ اسْم مَوضِع. وَقَالَ
الْهَرَوِيّ: هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
هُوَ اسْم مَوضِع بِالْفَتْح وَالْكَسْر، وَقَالَ ابْن أبي
أويس وَابْن حبيب: بشق جبل لقلتهم، زَاد ابْن أبي أويس:
لقلَّة غَنمهمْ. وَقَالَ عِيَاض: كَأَنَّهَا تريدانهم
لقلتهم وَقلة غَنمهمْ حملهمْ على سُكْنى شقّ الْجَبَل:
(أَي) نَاحيَة الْجَبَل أَو بعضه، لِأَن الشق يَقع على
النَّاحِيَة من الشَّيْء وَيَقَع على بعضه، والشق أَيْضا
النّصْف، وَعَن نفطويه: معنى الشق بِالْكَسْرِ: الشظف من
الْعَيْش والجهد مِنْهُ، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُقَال:
هُوَ بشق وشظف من الْعَيْش أَي: بِجهْد مِنْهُ. قَوْله:
(فِي أهل صَهِيل) ، أَي: أَصْحَاب صَهِيل وَهُوَ صَوت
الْخَيل. وَقَوله: (وأطيط) . وَهُوَ أصوات الْإِبِل
يَعْنِي: أَنه ذهب بهَا إِلَى أَهله وهم أهل خير وإبل،
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: وجامل وَهُوَ جمع جمل
وَالْمرَاد اسْم فَاعل لمَالِك الْجمال كَمَا يُقَال
لِابْنِ وتامر، وَقَالَ عِيَاض: وأصل الأطيط أَعْوَاد
المحامل والرحال. وَيُشبه أَن تُرِيدُ بهَا هَذَا
الْمَعْنى، فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ أَنهم أَصْحَاب محامل
ورفاهية، لِأَن المحامل لَا يركبهَا إلاَّ أَصْحَاب
السعَة، وَكَانَت قَدِيما من مراكب الْعَرَب. قَوْله:
(ودائس) اسْم فَاعل من الدوس، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ: (ودياس) . وَقَالَ ابْن السّكيت: الدائس
الَّذِي يدوس الطَّعَام. وَقَالَ أَبُو عبيد: تَأَوَّلَه
بَعضهم من دياس الطَّعَام وَهُوَ دراسه، وَأهل الْعرَاق
يَقُولُونَ: الدياس، وَأهل الشَّام: الدراس، فَكَأَنَّهَا
أَرَادَت أَنهم أَصْحَاب زرع قَوْله (ومنق) قَالَ
الْكرْمَانِي: هُوَ الَّذِي ينقيه من التِّبْن وَنَحْوه
بالغربال، وَقَالَ بَعضهم بِكَسْر النُّون وَتَشْديد
الْقَاف، قَالَ أَبُو عبيد: لَا أَدْرِي مَعْنَاهُ،
وَأَظنهُ بِالْفَتْح من تنقية الطَّعَام. وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) : المحدثون يَقُولُونَهُ بِالْكَسْرِ،
وَقَالَ ابْن أبي أويس: المنق، بِالْكَسْرِ: نقيق أصواب
الْمَوَاشِي والأنعام، تصف كَثْرَة مَاله. وَقَالَ أَبُو
سعيد النَّيْسَابُورِي: هُوَ مَأْخُوذ من نقيقة الدَّجَاج،
أَي: أَنهم أهل طير، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا يُقَال
لشَيْء من أصوات الْمَوَاشِي نق، وَإِنَّمَا يُقَال نق
الضفدع وَالْعَقْرَب والدجاج، وَيُقَال فِي الهر: بقلة،
وَقَالَ ابْن السراج: وَيجوز أَن يكون منق بالإسكان إِن
كَانَ رُوِيَ، أَي: وإنعام ذَات نقي أَي سمان. قَوْله:
(فَعنده أَقُول) أَي: عِنْد زَوجي أَقُول كلَاما فَلَا
أقبح على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فَلَا أنسب إِلَى
التقبيح فِي القَوْل، بل يقبل مني، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ: فَعنده أنطق، وَفِي رِوَايَة الزبير:
أَتكَلّم. قَوْله: (وأرقد فأتصبح) أَي: أَنَام الصبيحة،
وَهِي فِي أول النَّهَار، وَلَا أُوقِظ لِأَن عِنْدِي من
يَكْفِينِي الْخدمَة من الْإِمَاء وَغَيرهَا. قَوْله:
(واشرب فأتقمح) بِالْقَافِ وَتَشْديد الْمِيم أَي: أروى
حَتَّى لَا أحب الشّرْب، مَأْخُوذ من النَّاقة المقامح
وَهِي الَّتِي ترد الْحَوْض فَلَا تشرب وترفع رَأسهَا ريا،
كَذَا قَالَه أَبُو عبيد، وكل رَافع رَأسه فَهُوَ مقامح،
وَبَعض النَّاس يرويهِ. فاتقنح، بِفَتْح النُّون، وَقَالَ
أَبُو عبيد: لَا أعرف هَذَا الْحَرْف وَلَا أرى
الْمَحْفُوظ إلاَّ بِالْمِيم، وَقَالَ عِيَاض: لم نروه فِي
(صَحِيح البُخَارِيّ) (وَمُسلم) إلاَّ بالنُّون، وَكَذَا
فِي جَمِيع النّسخ وَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم:
فاتقمح بِالْمِيم، قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، وَالَّذِي
بالنُّون مَعْنَاهُ: أقطع الشّرْب وأتمهل فِيهِ، وَقيل:
هُوَ الشّرْب بعد الرّيّ، وَحكى أَبُو عَليّ القالي فِي
(البارع) و (الأمالي) يُقَال: قنحت الْإِبِل، تفتح بِفَتْح
النُّون فِي الْمَاضِي والمستقبل. قنحا بِإِسْكَان
النُّون. قَالَ شمر: إِذا تكارهت الشّرْب. وَفِي
(التَّلْوِيح) وَمن رَوَاهُ: أتفتح، بِالْفَاءِ وَالتَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق إِن لم يكن وهما فَمَعْنَاه والتكبر
والزهو والتيه، وَيكون هَذَا التكبر والتيه من الشَّرَاب
لنشوة سكره، وَهُوَ على كل حَال يرجع إِلَى عزتها عِنْده
وكثرته الْخَيْر لَدَيْهَا. وَقيل: معنى أتقنح كِنَايَة
عَن سمن جسمها واتساعه. قَوْله: (أم بِي زرع فَمَا أم أبي
زرع) الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي زَوجي أَبُو زرع،
فَمَا أَبُو زرع؟ ويروى: أم زرع وَمَا أم زرع؟ بِحَذْف
أَدَاة الكنية، الأول هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة. قَوْله:
(عكومها رداح) العكوم جمع عكم بِكَسْر الْعين وَسُكُون
الْكَاف كجلود جمع جلد، وَهِي الأعدال والأحمال الَّتِي
تجمع فِيهَا الْأَمْتِعَة، وَقيل: هِيَ نمط تجْعَل
الْمَرْأَة فِيهَا ذخيرتها، حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ،
ورداح بِكَسْر الرَّاء بِفَتْحِهَا وَآخره حاء مُهْملَة
أَي: عِظَام كَثِيرَة الحشو. قَالَه أَبُو عبيد، وَقَالَ
الْهَرَوِيّ: ثقيله، وَيُقَال للكتيبة الْكَبِيرَة: رداح
إِذا كَانَت بطيئة السّير لِكَثْرَة من فِيهَا، وَيُقَال
للْمَرْأَة إِذا كَانَت عَظِيمَة الكفل
(20/174)
ثَقيلَة الورك ورداح.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرداح مُفْرد والعكوم جمع،
يَعْنِي: كَيفَ يكون الْمُفْرد خَبرا عَن الْجمع؟ ثمَّ
أجَاب بِأَنَّهُ أَرَادَ كل عكم رداح بِكَسْر الرَّاء لَا
بِفَتْحِهَا، أَو بِكَوْن الرداح هَهُنَا مصدرا كالذهاب
قلت: أجوبة أُخْرَى: الأول: أَن يكون رداح بِكَسْر الرَّاء
لَا بِفَتْحِهَا جمع رداح كقائم وَقيام، ويخبر عَن الْجمع
بِالْجمعِ. الثَّانِي: أَن يكون ردا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف
أَي: عكومها كلهَا رداح على أَن رداح وَاحِد جمعه ردح
بِضَمَّتَيْنِ. الثَّالِث: أَن الْخَبَر عَن الْجمع قد
جَاءَ بِالْوَاحِدِ مثل: أدرع دلاص، أَي براق، وَمِنْه
{أولياؤهم الطاغوت} (الْبَقَرَة: 752) قَوْله: (وبيتها
فساخ) بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: وَاسع يُقَال: بَيت فسيح
وفساح وفياح بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَمِنْهُم من يشد الْيَاء للْمُبَالَغَة،
وَالْمعْنَى: أَنَّهَا وصفت وَالِدَة زَوجهَا بِأَنَّهَا
كَثِيرَة الْآلَات والأثاث والقماش، وَاسِعَة المَال
كَبِيرَة الْبَيْت أما حَقِيقَة فَيدل على عظم الثروة،
وَأما كِنَايَة عَن كَثْرَة الْخَيْر ورغد الْعَيْش
وَالْبر بِمن ينزل بهم لأَنهم يَقُولُونَ: فلَان رحيب
الْمنزل، أَي: يكرم من ينزل عَلَيْهِ. قَوْله: (ابْن أبي
زرع! فَمَا ابْن أبي زرع؟) لما وصفت أم أبي زرع بِمَا ذكر
شرعت تصف ابْن أبي زرع بقولِهَا: (مضجعه كمسل شطبة) المسل،
بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام
مصدر ميمي بِمَعْنى: المسلول، أَو اسْم مَكَان
وَمَعْنَاهُ: كمسلول الشطبة، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي
أَرَادَت بمسل الشطبة سَيْفا سل من عمده، فمضحعه الَّذِي
ينَام فِيهِ فِي الصغر كَقدْر مسل شطبة وَاحِدَة. وَقَالَ
أَبُو عبيد: وأصل الشطبة مَا يشطب من جريد النّخل فَيشق
مِنْهُ قضبان رقاق تنسج مِنْهَا الْحصْر، وَيُقَال
للْمَرْأَة الَّتِي تفعل ذَلِك: الشاطبة، أخْبرت أَنه
مهفهف ضرب اللَّحْم، شبهته بِتِلْكَ الشطبة. وَقَالَ أَبُو
سعيد النَّيْسَابُورِي: تُرِيدُ كَأَنَّهُ سيف مسلول من
غمده، وسيوف الْيمن كلهَا ذَات شطب، وَهِي الطرائق الَّتِي
فِي متن السَّيْف، وَقد شبهت الْعَرَب الرِّجَال
بِالسُّيُوفِ إِمَّا لخشونة الْجَانِب وَشدَّة المهابة،
وَإِمَّا لجمال الرونق وَكَمَال اللألاء، وَإِمَّا لكَمَال
صورتهَا فِي اعتدالها واستوائها. قَوْله: (ويشبعه ذِرَاع
الجفرة) ويروى: ويكفيه ذِرَاع الجفرة، وَهِي بِفَتْح
الْجِيم وَسُكُون الْفَاء وبالراء: الْأُنْثَى من أَوْلَاد
الضَّأْن، وَقيل: من أَوْلَاد الْمعز، وَالذكر جفر وَهِي
الَّتِي مر لَهَا من عمرها أَرْبَعَة أشهر، وأرادت بِهِ
أَنه قَلِيل الْأكل، وَزَاد بعد هَذَا فِي رِوَايَة
لِابْنِ الْأَنْبَارِي: وترويه فيقة اليعرة. (ويميس فِي حق
النترة) . قَوْله: (وتروية) من الإرواء، والفيقة بِكَسْر
الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا قَاف مَا
يجْتَمع فِي الضَّرع بَين الحلبتين، والفواق بِضَم
الْفَاء: الزَّمَان الَّذِي بَين الحلبتين، واليعرة
بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء العناق، واليعر الجدي. قَوْله:
(ويميس) أَي يتبختر، والنترة بِفَتْح النُّون وَسُكُون
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الدرْع اللطيفة أَو
القصيرة، وَقيل: اللينة الملمس، وَقيل: الواسعة.
وَالْحَاصِل أَنَّهَا وَصفته بهيف الْقد وَأَنه لَيْسَ
ببطين وَلَا جافي قَلِيل الْأكل وَالشرب ملازم لآلة الْحر،
يختال فِي مَوضِع الْحَرْب والقتال، وكل ذَلِك مِمَّا
يتمادح بِهِ الْعَرَب قَوْله: (بنت أبي زرع فَمَا بنت أبي
زرع) هَذَا فِي مدح بنت أبي زرع بعد مدح ابْن أبي زرع،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمَا بنت أبي زرع؟ بِالْوَاو.
قَوْله: (طوع أَبِيهَا) أَي: هِيَ طوع أَبِيهَا وطوع أمهَا
يَعْنِي: بارة بهما لَا تخرج عَن أَمرهمَا، وَفِي رِوَايَة
الزبير. وزين أَهلهَا ونسائها. أَي: يتجملون بهَا، وَفِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ: زين أمهَا وزين أَبِيهَا، بدل لفظ
طوع، فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة للطبراني: وقرة
عين لأَبِيهَا وَأمّهَا وزين لأَهْلهَا، وَفِي رِوَايَة
لِابْنِ السّكيت: قبَاء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عنكاء
فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة مقنعة. قلت: قبَاء،
بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد
خميصة الْبَطن، وهضيمة الحشا من الهضم بِالتَّحْرِيكِ
وَهُوَ انضمام الجنبين، يُقَال: رجل أهضم وَامْرَأَة
هضماء، والحشا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة مَقْصُورا،
وَهُوَ مَا انضمت عَلَيْهِ الضلوع، وجائلة الوشاح، بِكَسْر
الْوَاو وبالشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة،
وَهُوَ شَيْء ينسج عريضا من أَدَم، وَرُبمَا رصع بالجوهر
والخرز وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها وَيُقَال
فِيهِ: إشاح، والحائلة، بِالْجِيم من الجولان يَعْنِي:
يَدُور وشاحها لضمور بَطنهَا، وعكناء، بِفَتْح الْعين
المعملة وَسُكُون الْكَاف وبالنون وَالْمدّ أَي: ذَات
عُكَن وَهِي الطيات فِي بَطنهَا، وفعماء بفح الْفَاء
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالمد أَي: ممتلئة
الْأَعْضَاء: ونجلاء بِفَتْح النُّون وَسُكُون وبالمد، أَي
وَاسِعَة الْعَينَيْنِ، ودعجاء من الدعج، وَهِي شدَّة
سَواد الْعين فِي شدَّة بياضها، وزجاء بالزاي وَالْجِيم
الْمُشَدّدَة من الزجج وَهُوَ تقوس فِي الْحَاجِب مَعَ طول
فِي أَطْرَافه وامتداده، وَقيل بالراء وَتَشْديد الْجِيم
أَي: كَبِير الكفل ترتج من عظمه، وقنواء، بِفَتْح الْقَاف
وَسُكُون النُّون من القنو، وَهُوَ طول
(20/175)
فِي الْأنف ودقة الأرنبة مَعَ جَدب فِي
وَسطه، ومؤنقة بالنُّون وَالْقَاف من الشَّيْء الأنيق
وَهُوَ المعجب ومقنعة مغطاة الرَّأْس بالقناع، وَقيل:
مونقة، بتَشْديد النُّون ومعنقة بوزنه أَي: مغذية بالعيش
الناعم. قَوْله: (وملء كسائها) كِنَايَة عَن امتلاء جسمها
وسمنها. قَوْله: (وغيظ جارتها) ، المُرَاد بالجارة الضرة
أَي: يغيظها مَا ترى من حسنها وجمالها وأدبها وعفتها،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: وعقر جارتها، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف أَي: دهشها أَو قَتلهَا،
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وحير
جارتها، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف من الْحيرَة، وَفِي أُخْرَى لَهُ: وَحين جارتها،
بالنُّون عوض الرَّاء وَهُوَ الْهَلَاك، وَفِي رِوَايَة
الْهَيْثَم بن عدي: وَعبر جارتها، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة من الْعبْرَة
بِالْفَتْح أَي: تبْكي حسدا لما ترَاهُ مِنْهَا، أَو
بِالْكَسْرِ، أَي: تعْتَبر بذلك، وَفِي رِوَايَة سعيد بن
سَلمَة: وَخبر نسائها، فَاخْتلف فِي ضَبطه فَقيل
بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَة من التحبير، وَقيل
بِالْمُعْجَمَةِ وَالْيَاء آخر الْحُرُوف من
الْخَيْرِيَّة. قَوْله: (جَارِيَة أبي زرع {فَمَا جَارِيَة
أبي زرع) وصفت أَولا زَوجهَا، ثمَّ وصفت حماتها وَهِي أم
أبي زرع، ثمَّ ابْن أبي زرع، ثمَّ بنته، ثمَّ وصفت هُنَا
جَارِيَة أبي زرع بقولِهَا: (جَارِيَة أبي زرع} فَمَا
جَارِيَة أبي زرع؟) وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا ذكرنَا عِنْد
قَوْلهَا زَوجي أَبُو زرع. قَوْله: (لَا تبث) من بَث
الحَدِيث إِذا أظهره وأفشاه. ومادته: بَاء مُوَحدَة وثاء
مُثَلّثَة. ويروى: لَا تنث، بالنُّون مَوضِع الْبَاء
وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَقيل: بالنُّون فِي الشَّرّ، وَفِي
رِوَايَة الزبير: وَلَا تخرج حَدِيثا. قَوْله: (تبثيثا)
مصدر من بثث على وزن فعل بِالتَّشْدِيدِ، وَهَذَا فِيهِ
مَا لَيْسَ فِي بَث من الْمُبَالغَة، وَهَذَا على غير أصل
فعله لِأَن مصدر بَث الْخَبَر بثا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي
بَث الْخَبَر وأبثه بِمَعْنى، أَي نشرة، وبثث الْخَبَر
بِالتَّشْدِيدِ للْمُبَالَغَة وَقَالَ: نث الحَدِيث فِي
بَاب النُّون ينثه نَثَا إِذا أفشاه. قَوْله: (وَلَا تنقث)
بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح النُّون
وَتَشْديد الْقَاف الْمَكْسُورَة بعْدهَا الثَّاء
الْمُثَلَّثَة أَي: لَا تسرع فِي الْميرَة بالخيانة.
والميرة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالراء: الزَّاد. وَأَصله مَا يحصله البدوي من الْحَضَر
ويحمله إِلَى منزله لينْتَفع بِهِ، وَضَبطه عِيَاض فِي
مُسلم بِفَتْح أَوله وَسُكُون النُّون وَضم الْقَاف،
وَالْمعْنَى: لَا تَأْخُذ الطَّعَام فتذهب بِهِ، تصفها
بالأمانة. قَوْله: (تنقيثاً) مصدر على أصل الضَّبْط الأول،
وعَلى ضبط عِيَاض على غير أَصله وَيَجِيء الْمصدر على غير
أصل فعله نَحْو: {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} (نوح:
71) وَالْأَصْل أَن يُقَال: إنباتا، وَقد وَقع فِي
رِوَايَة الْمُسلم نَحْو الضَّبْط الأول، والتنقيث
إِخْرَاج مَا فِي منزل أَهلهَا إِلَى غَيرهم، قَالَه أَبُو
سعيد، وَقَالَ ابْن حبيب: لَا تفسده، وَفِي رِوَايَة أبي
عبيد: وَلَا تنقل، وَكَذَا للزبير عَن عَمه مُصعب، وَلأبي
عوَانَة: وَلَا تنْتَقل، وَفِي رِوَايَة ابْن
الْأَنْبَارِي: وَلَا تعت، بِالْعينِ الْمُهْملَة
والفوقانية، أَي تفْسد، وَأَصله من العتة بِالضَّمِّ وَهِي
السوسة، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وَلَا تفش ميرتنا تفشيشا،
بفاء ومعجمتين من الإفشاش وَهُوَ طلب الْأكل من هُنَا
وَهنا، وَيُقَال: فش مَا على الخوان إِذا أكله أجمع،
وَوَقع عِنْد الْخطابِيّ: وَلَا تفْسد ميرتنا تغشيشا،
بالمعجمات، وَقَالَ: مَأْخُوذ من غشيش الْخبز إِذا فسد،
وَضَبطه الزَّمَخْشَرِيّ بِالْفَاءِ الثَّقِيلَة بدل
الْقَاف، وَقَالَ فِي شَرحه: التفث والتفل بِمَعْنى،
وأرادات الْمُبَالغَة فِي براءتها من الْخِيَانَة. قَوْله:
(وَلَا تملأ بيتنا تعشيشا) بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالشين
المعجمتين أَي: لَا ترك الكناسة وَالْقُمَامَة فِي
الْبَيْت مفرقة كعش الطَّائِر، بل هِيَ مصلحَة للبيت
معتنية بتنظيفه، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تخوننا فِي طعامنا
فتخبئه فِي زَوَايَا الْبَيْت كأعشاش الطير، وَرُوِيَ
بإعجام الْغَيْن من الْغِشّ فِي الطَّعَام، وَقيل: من
النميمة أَي: لَا تَتَحَدَّث بهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ:
التغشيش من قَوْلهم: غشش الْخَبَر إِذا انكدح وَفَسَد أَي:
أَنَّهَا تحسن مُرَاعَاة الطَّعَام وتعهده بِأَن تطعم
أَولا فأولاً لَا تغفل عَن أمره فيتكدح. وَيفْسد فِي
الْبَيْت، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَلَا تعش
بيتنا تعشيشا، وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم عَن هِشَام: ضيف
أبي زرع {وَمَا ضيف أبي زرع؟ فِي شبع وروى ورتع. طهاة أبي
زرع} فَمَا طهاة أبي زرع؟ لَا تفتر وَلَا تعدى، تقدح قدر
أَو تنصب أُخْرَى فتلحق الْآخِرَة بِالْأولَى، مَال أبي
زرع! فَمَا مَال أبي زرع؟ على الجمم معكوس وعَلى العفاة
مَحْبُوس. قَوْله: وري بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: (ورتع) بِفَتْح الرَّاء الْمُثَنَّاة أَي: تنعم
قَوْله: طهاة جمع طاه وَهُوَ الطباخ من طهي الرجل إِذا طبح
قَوْله: لَا تفتر، بِالْفَاءِ الساكنة وبالتاء
الْمُثَنَّاة من فَوق المضمومة أَي: لَا تسكن وَلَا تضعف
قَوْله: (وَلَا تعدى) بِضَم التَّاء وَتَشْديد الدَّال
أَي: لَا تتْرك ذَلِك وَلَا تتجاوز عَنهُ. قَوْله: (تقدح)
أَي: تغرف قدرا وتنصب قدرا أُخْرَى، يُقَال: قدح الْقدر
إِذا غرف مَا فِيهَا بالمقدحة، وَهِي الغرفة. قَوْله:
فتلحق
(20/176)
الْآخِرَة، أَي: تلْحق الْقُدْرَة
الْآخِرَة بِالْقُدْرَةِ الأولى الَّتِي غرف مَا فِيهَا،
وَحَاصِله أَنَّهَا لم تزل فِي الطَّبْخ والغرف، وَلَا
تعدى عَن ذَلِك قَوْله: (على الجمم) بِضَم الْجِيم
وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى: جمع جمة، وهم الْقَوْم
يسْأَلُون فِي الدِّيَة قَوْله: (معكوس) أَي: مَرْدُود
وَالْعَكْس فِي اوصل ردك آخر الشَّيْء إِلَى أَوله.
قَوْله: العفاة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْفَاء، جمع عاف. كالقضاة جمع قَاض، وهم السائلون.
قَوْله: مَحْبُوس أَي مَوْقُوف عَلَيْهِم. قَوْله:
(قَالَت: خرج أَبُو زرع) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:
خرج من عِنْدِي، وَفِي رِوَايَة الْحَارِث ابْن أبي
أُسَامَة ثمَّ خرج من عِنْدِي قَوْله: (والأوطاب تمخض)
الْوَاو فِيهِ للْحَال، والأوطاب جمع وطب وَهُوَ سقاء
اللَّبن خَاصَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ جمع على غير
قِيَاس، وَكَذَا قَالَ أَبُو سعيد: إِن فعلا لَا يجمع على
أَفعَال، بل يجمع على فعال. قلت: يرد قَوْلهمَا قَول
الْخَلِيل: جمع وطب على وطاب وأوطاب، كَمَا جمع: فَرد على
أَفْرَاد. قَوْله: (تمحض) من المخض وَهُوَ أَخذ الزّبد من
اللَّبن، وَعَن عِيَاض: رَأَيْت فِي رِوَايَة حَمْزَة عَن
النَّسَائِيّ: والأطاب، بِغَيْر وَاو، فَإِن كَانَ مضبوطا
فَهُوَ على إِبْدَال الْوَاو همزَة، كَمَا قَالُوا: أكاف
ووكاف ثمَّ إِن قَول أم زرع هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: إِنْكَار خُرُوجه من منزلهَا غدْوَة وَعِنْدهم
خير كثير وَلبن غزير يشرب صَرِيحًا ومخيضا ويفضل عِنْدهم
مَا يمخضوه فِي الأوطاب، وَالْآخر: أَنَّهَا أَرَادَت أَن
خُرُوجه كَانَ فِي اسْتِقْبَال الرّبيع وطيبه، وَأَن
خُرُوجه إِمَّا السّفر أَو غَيره، فَلم تدر مَا ترَتّب
عَلَيْهَا بِسَبَب خُرُوجه من تزوج غَيرهَا وَالظَّاهِر
أَنه لما رأى أم زرع تعبت من مخض اللَّبن واستقلت لتستريح
خرج، فَرَأى امْرَأَة فَتَزَوجهَا، وَهُوَ معنى قَوْلهَا:
(فلقي امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين) وَفِي
رِوَايَة لِابْنِ الْأَنْبَارِي: كالصقرين، وَفِي رِوَايَة
لغيره: كالشبلين، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس:
سارين حسنين نفيسين، وَسبب وصفهَا لَهما التَّنْبِيه على
سَبَب تَزْوِيج أبي زرع لَهَا، لِأَن الْعَرَب كَانَت ترغب
فِي كَون الْأَوْلَاد من النِّسَاء النجيبات فِي الْخلق
والخلق. وتظاهرت الرِّوَايَات على أَن الغلامين كَانَا
ابْنَيْنِ للْمَرْأَة الْمَذْكُورَة إلاَّ مَا رَوَاهُ
أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام: أَنَّهُمَا كَانَا أخويها،
وَقَالَ عِيَاض: يتَأَوَّل بِأَن المُرَاد أَنَّهُمَا
ولداها ولكنهما جعلا أخويها فِي حسن الصُّورَة. قَوْله:
(يلعبان من تَحت حضريها برمانتين) أَرَادَت بِهَذَا أَن
هَذِه الْمَرْأَة كَانَت ذَات كفل عَظِيم فَإِذا اسْتَقَلت
على ظهرهَا ارْتَفع كفلها بهَا من الأَرْض حَتَّى تصير
تحتهَا فجوة يجْرِي فِيهَا الرُّمَّان. وَفِي رِوَايَة
الْحَارِث: من تَحت درعها. وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم: من
تَحت صدرها، وَعَن ابْن أبي أويس: أَن الرمانتين هما
الثديان. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه،
وَلَا سِيمَا وَقد رُوِيَ: من تَحت درعها برمانتين،
وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَهِي
مستقلية على قفاها وَمَعَهَا رمانة يرميان بهَا من تحتهَا
فَتخرج من الْجَانِب درعها برمانتين، وَيُؤَيِّدهُ مَا
وَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَهِي مستلقية على
قفاها وَمَعَهَا رمانة يرميان بهَا من تحتهَا فَتخرج من
الْجَانِب الآخر من عظم إليتيها. قَوْله: (فطلقني ونكحها)
وَفِي رِوَايَة الْحَارِث: فَأَعْجَبتهُ فطلقني، وَفِي
رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: فَخَطَبَهَا أَبُو زرع
فَتَزَوجهَا فَلم تزل بِهِ حَتَّى طلق أم زرع، وَفِي
رِوَايَة الْهَيْثَم: فاستبدلت بعده وكل بدل أَعور، وَهُوَ
مثل مَعْنَاهُ: أَن الْبَدَل من الشَّيْء غَالِبا لَا يقوم
مقَام الْمُبدل مِنْهُ، بل هُوَ دونه وَأنزل مِنْهُ،
وَالْمرَاد بالأعور الْمَعِيب. وَقَالَ ثَعْلَب:
الْأَعْوَر الرَّدِيء من كل شَيْء كَمَا يُقَال: كلمة
عوراء أَي: قبيحة. قَوْله: (رجلا سريا) بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف أَي سيدا شريفا من قَوْلهم: فرس سري أَي:
خِيَار، وَمِنْه: هَذَا من سراة المَال أَي: خِيَاره.
قَوْله: (ركب شربا) بالشين الْمُعْجَمَة أَي فرسا شريا
وَهُوَ الَّذِي يستشري فِي سيره أَي يلج ويمضي بِلَا فتور
وَقَالَ عِيَاض عَن ابْن السّكيت شريا بالشين الْمُعْجَمَة
يَعْنِي: سيدا سخيا ركب شريا، بِالْمُعْجَمَةِ فَقَط.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فرسا شريا بِالْمُعْجَمَةِ
بالِاتِّفَاقِ. قلت: مَا ذكرنَا الْآن يردهُ، وَفِي
رِوَايَة الْحَارِث: ركب فرسا عَرَبيا، وَفِي رِوَايَة
الزبير: أعوجيا، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى أَعْوَج فرس
مَشْهُور تنْسب إِلَيْهِ الْعَرَب خِيَار الْخَيل، كَانَت
لبني كِنْدَة ثمَّ لبني سليم ثمَّ لبني هِلَال. قَوْله:
(وَأَخذه خطيا) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الطَّاء الْمُهْملَة أَي: أَخذ رمحا خطيا أَي: مَنْسُوبا
إِلَى الْخط، وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بنواحي الْبَحْرين
تجلب الرماح مِنْهُ، وَقيل: أَصْلهَا من الْهِنْد تحمل فِي
الْبَحْر إِلَى الْخط، الْمَكَان الْمَذْكُور، ثمَّ تفرق
مِنْهُ فِي الْبِلَاد. قَوْله: (وأراح) من الإراحة وَهُوَ
السُّوق إِلَى مَوضِع الْمبيت بعد الزَّوَال. قَوْله:
(على) بِالتَّشْدِيدِ. قَوْله: (نعما ثريا) بِفَتْح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء الْخَفِيفَة
وَتَشْديد الْيَاء، وَهُوَ الْكثير من المَال وَمن
الْإِبِل وَغَيرهَا، وَهُوَ صفة: نعما، وَإِنَّمَا ذكر
لأجل السجع، وَقَالَ عِيَاض: النعم الْإِبِل خَاصَّة،
وَكَذَا قَالَه ابْن بطال وَابْن التِّين، وَقَالَ غَيرهم:
النعم الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، قَالَ تَعَالَى: {وَمن
الْأَنْعَام حمولة وفرشا} (الْأَنْعَام: 241) ثمَّ قَالَ:
{ثَمَانِيَة أَزوَاج} (الزمر: 6) فَذكر أَنْوَاع
الْمَاشِيَة،
(20/177)
ويروى نعما، بِكَسْر النُّون جمع: نعْمَة،
وَالْأول هُوَ الْأَشْهر. قَوْله: (وَأَعْطَانِي من كل
رَائِحَة زوجا) أَي: من كل مَا يروح من النعم وَالْعَبِيد
وَالْإِمَاء زوجا. أَي: اثْنَيْنِ وَيحْتَمل أَنَّهَا
أَرَادَت صنفا وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَأَعْطَانِي من كل
ذابحة أَي مذبوحة. مثل {عيشة راضية} (الحاقة: 12) أَي:
مرضية، وَحَاصِل المعني: أَعْطَانِي من كل شَيْء يذبح
زوجا، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَأَعْطَانِي من كل
سَائِمَة، والسائمة الراعية، والرائحة الْآتِيَة وَقت
الرواح وَهُوَ آخر النَّهَار قَوْله: (وميري أهلك) بِكَسْر
الْمِيم أَي: صلى أهلك بالميرة وَهِي الطَّعَام قَوْله:
(قَالَت) أَي أم زرع. قَوْله: (كل شَيْء أعطانيه) ، أَي:
الزَّوْج الثَّانِي الَّذِي تزوج بهَا بعد أبي زرع.
قَوْله: (مَا بلغ) خبر لقَوْله: (كل شَيْء) وَفِي رِوَايَة
مُسلم أَعْطَانِي، بِلَا هَاء. وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ: مَا بلغت أناء، وَفِي رِوَايَة
الطَّبَرَانِيّ: فَلَو جمعت كل شَيْء أصبته مِنْهُ فَجعلت
فِي أَصْغَر وعَاء من أوعية أبي زرع مَا ملاه.
قَوْله: (قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت لَك كَأبي زرع
لأم زرع) قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تطبيبا لنَفسهَا، وإيضاحا لحس عشرته إِيَّاهَا، ثمَّ
اسْتثْنى من ذَلِك الْأَمر الْمَكْرُوه مِنْهُ أَنه
طَلقهَا، وَإِنِّي لَا أطلقك، تتميما لطيب نَفسهَا
وإكمالاً لطمأنينة قَلبهَا ورفعا للإبهام لعُمُوم
التَّشْبِيه بجملة أَحْوَال أبي زرع إِذا لم يكن فِيهَا
مَا تذمه سوى طَلَاقه لَهَا، وَقَول عَائِشَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: بِأبي أَنْت وَأمي، بل أَنْت خير لي من
أبي زرع، جَوَاب مثلهَا فِي فَضلهَا، فَإِن سيدنَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخْبرهَا أَنه لَهَا
كَأبي زرع لأم زرع، لفرط محبَّة أم زرع لَهُ وإحسانه
لَهَا، أخْبرته هِيَ أَنه عِنْدهَا أفضل وَهِي لَهُ أحب من
أم زرع لأبي زرع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ هِيَ
زَائِدَة أَي: أَنا لَك. قلت: يُؤَيّد قَوْله: فِي
زِيَادَة كَانَ، رِوَايَة الزبير: أَنا لَك كَأبي زرع لأم
زرع، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: (كنت لَك) مَعْنَاهُ
أَنا لَك، وَهَذَا نَحْو قَوْله عز وَجل: {كُنْتُم خير
أمة} (آل عمرَان: 011) أَي أَنْتُم خير أمة. قَالَ:
وَيُمكن بَقَاؤُهَا على ظَاهرهَا، أَي: كنت لَك فِي علم
الله السَّابِق، وَيُمكن أَن يُرِيد بِهِ مِمَّا أُرِيد
بِهِ الدَّوَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَكَانَ الله سمعيا
بَصيرًا} (النِّسَاء: 852) [/ ح.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: ذكر محَاسِن
النِّسَاء للرِّجَال إِذا كن مجهولات بِخِلَاف المعينات،
فَهَذَا مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
وَلَا تصف الْمَرْأَة الْمَرْأَة لزَوجهَا حَتَّى
كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا. وَمِنْهَا: جَوَاز إِعْلَام
الرجل بمحبته للْمَرْأَة إِذا أَمن عَلَيْهَا من هجر
وَشبهه. وَمِنْهَا: مَا يدل على التَّكَلُّم بالألفاظ
الْعَرَبيَّة والأسجاع، وَإِنَّمَا يكره من ذَلِك
التَّكَلُّف. وَمِنْهَا: مَا قَالَه الْمُهلب فِيهِ:
التأسي بِأَهْل الْإِحْسَان من كل أمة. أَلا يرى أَن أم
زرع أخْبرت عَن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثله النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ عِيَاض: وَهَذَا عِنْدِي غير
مُسلم. لأَنا لَا نقُول إِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إقتدى بِأبي زرع، بل أخبر أَنه لَهَا كَأبي
زرع. وَأعلم أَن حَاله مَعهَا مثل حَاله ذَلِك لَا على
التأسي بِهِ، وَأما قَوْله بِجَوَاز التأسي بِأَهْل
الْإِحْسَان من كل أمة فَصَحِيح مَا لم تصادمه
الشَّرِيعَة. وَمِنْهَا: شكر الْمَرْأَة إِحْسَان زَوجهَا،
وَكَذَا ترْجم عَلَيْهِ النَّسَائِيّ، وَخرج مَعَه فِي
الْبَاب حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا:
لَا ينظر الله إِلَى امْرَأَة لَا تشكر زَوجهَا.
وَمِنْهَا: مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ إِذا علم أَن
ذَاك غير مُفسد لَهُ وَلَا مغير نَفسه، وَالنَّبِيّ، صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، مَظَنَّة كل مدح ومستحق كل
ثَنَاء، وَأَن من أثنى بِمَا أثنى فَهُوَ فَوق ذَلِك كُله.
وَمِنْهَا: أَن كنايات الطَّلَاق لَا يَقع بهَا الطَّلَاق
إلاَّ بِالنِّيَّةِ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: كنت لَك كَأبي زرع، وَمن جملَة أَفعَال أبي
زرع أَنه طلق امْرَأَته أم زرع، وَلم يَقع على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلَاق لتشبهه لكَونه لم ينْو
الطَّلَاق وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة إِلَّا أَن أَبَا زرع
طلق أم زرع، وَأَنا لم أطلقك.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ سَعيدُ بنُ سَلَمَةَ عنْ
هِشَامٍ وَلاَ تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشا.
قَالَ أبُو عبد الله: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أتَقَمَّحُ،
بِالْمِيم وهاذَا أصَحُّ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا إِلَى آخِره
لَيْسَ فِي بعض النّسخ. قَالَ الْكرْمَانِي: صَوَابه فِي
هَذِه الْمُتَابَعَة كَمَا فِي بعض النّسخ هُوَ: قَالَ
أَبُو سَلمَة عَن سعيد بن سَلمَة إِلَى آخِره، وَأَبُو
سَلمَة هَذَا هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي،
وَسَعِيد بن سَلمَة بالفتحات ابْن أبي الحسام الْعَدوي
الْمَدِينِيّ، مولى آل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، يكنى أَبَا عَمْرو وَمن رجال مُسلم، روى
عَنهُ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد:
حَدِيث أم زرع، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا
الْموضع، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، روى عَنهُ
سعيد بن سَلمَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقد وَصله مُسلم عَن
الْحسن بن عَليّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن سعيد بن
سَلمَة عَن هِشَام
(20/178)
بن عُرْوَة، وَلكنه لم يسق فِيهِ لَفظه
بِتَمَامِهِ. قَوْله: (وَلَا تعشش بيتنا تعشيشا) قد مر
الِاخْتِلَاف فِي ضَبطه عَن قريب، فَقيل بِالْعينِ
الْمُهْملَة وَقيل بِالْمُعْجَمَةِ قَوْله: (قَالَ أَبُو
عبد الله) . هُوَ البُخَارِيّ أَيْضا، قَالَ بَعضهم:
أتقمح، بِالْمِيم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي قَوْله:
قَالَت الْحَادِيَة عشرَة، وَهِي أم أبي زرع. قَوْله:
(وَهَذَا أصح) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه وَقع فِي أصل
رِوَايَة أتقنح، بالنُّون، وبالميم أصح.
0915 - حدّثنا عبد الله بن مُحمَّدٍ حَدثنَا هشامٌ أخبرَنا
مَعْمَرٌ عنِ الزُّهريِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشةَ قالَتْ:
كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أنْظُرُ، فَما
زلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أَنا أنْصَرِفُ، فاقدُرُوا
قَدْرَ الجارِيَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي اشتماله على ذكر حسن المعاشرة.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي،
وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح
الميمين هُوَ ابْن رَاشد.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب صَلَاة الْعِيد، والحبش هُوَ
الجيل الْمَعْرُوف من السودَان، والحراب جمع حَرْبَة.
قَوْله: (فاقدروا) بِضَم الدَّال وَكسرهَا، لُغَتَانِ أَي:
اقدروا رغبتها فِي ذَلِك إِلَى أَن تَنْتَهِي. قَوْله:
(الحديثة السن) أَي: الشَّابَّة، وَأَنَّهَا تحب اللَّهْو
والتفرج وَالنَّظَر إِلَى اللّعب حبا بلغيا وتحرص عل
إِقَامَته مَا أمكنها وَلَا تمل ذَلِك إلاَّ بعد زمَان
طَوِيل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَذكرنَا أَنَّهَا
كَانَت يَوْمئِذٍ بنت خمس عشرَة سنة أَو أَزِيد، وَقَالَ
بَعضهم، هُوَ مَنْسُوخ بِالْقُرْآنِ وَالسّنة، أما
الْقُرْآن فَقَوله عز وَجل: {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع}
(النُّور: 63) وَالسّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ) ،
وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون مَنْسُوخا، لِأَن نظر
النِّسَاء إِلَى الرِّجَال وَإِلَى اللَّهْو فِيهِ مَا
فِيهِ.
38 - (بابُ مَوْعِظَةِ الرجُلِ ابْنَتَهُ بِحال زَوْجها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان موعظة الرجل ابْنَته بِحَال
زَوجهَا. ويروى: لحَال زَوجهَا، بِاللَّامِ أَي: لأجل حَال
زَوجهَا، وَالْمَوْعِظَة اسْم للوعظ وَهُوَ النصح والتذكير
بالعواقب.
1915 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخبرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ
الله بنِ أبي ثَوْرٍ عنْ عبْدِ الله بنُ عَبَّاس، رَضِي
الله عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ أزَلْ حَرِيصا على أنْ أسألَ
عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ عنِ المَرْأتيْنِ منْ أزْوَاجِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اللَّتَيْتنِ قَالَ الله
تَعَالَى: { (66) إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت
قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) حَتَّى حَجَّ وحَجَجْتُ
معَهُ، وعَدَلَ وعدَلْتُ معَهُ بأدَوَاةٍ، فَتَبرَّزَ
ثُمَّ جاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأ
فقُلْتُ لهُ: يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ المَرْأتنِ
مِنْ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اللَّتانِ
قَالَ الله تَعَالَى: { (66) تنوبا إِلَى الله فقد صنعت
قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) قَالَ: وَاعَجَبَا لَكَ يَا
ابنَ عبَّاسٍ، هُما عائِشَةُ وحَفْصَةُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ
عُمَرُ الحَدِيثَ يَسُوقُهُ. قَالَ: كُنْتُ أَنا وجارٌ لِي
مِنَ الأنْصارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بن زَيْدٍ وهُمْ مِنْ
عَوَالِي المَدِينَةِ وكُنَا نَتَناوَبُ النُّزُول عَلى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْزِلُ يَوْما
وأَنْزِلُ يَوْما، فإذَا نَزَلتُ جِئْتُهُ بِما حدَثَ مِنْ
خَبرِ ذالِكَ اليَوْم مِنَ الوَحْيِ أوْ غَيْرِهِ، وَإِذا
نَزَلَ فَعلَ مِثْلَ ذالِكَ، وكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ
نَغْلِبُ النِّساءِ فلَمَّا قَدِمْنا عَلى الأنْصَار إِذا
قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِساؤُنا
يأخُذْنَ مِنْ أدَبِ نساءِ الأنْصَارِ فصَخِبْتُ على
امْرَأَتي فراجعتني، فأنكرت أتراجعني، قَالَت: وَلم تنكر
أَن أراجعك. فوَاللَّه إِن أَزوَاج النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وإنَّ إحْدَاهُنَّ
لَتَهْجُرُهُ اليَوْمَ حَتَّى اللَّيْل، فأفْرَغَنِي
ذالِكَ وقُلْتُ لَها: قد خابَ مَنْ فَعَلَ ذالِكَ
منْهُنَّ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيابِي فنَزَلْتُ
فدَخَلْتُ عَلى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ لَها:
(20/179)
أَي حَفْصَةُ {أتُغَاضِبُ إحْدَاكُنَّ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اليَوْمَ حتَّى اللَّيْل؟
قَالَت: نعَمْ فقُلْتُ: قَدْ خِبْتُ وخَسِرْتِ
أفَتَأْمَنِينَ أَن يَغْضَبَ الله لِغَضَبِ رسولِهِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فتَهْلِكِي؟ لَا تَسْتَكْثِري النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تُرَاجِعيهِ فِي شَيْءٍ
وَلَا تَهْجُرِيهِ، وسَلِيْني مَا بَدَا لَكِ، وَلَا
يَغُرَنَّكِ أنْ كانَتْ جارَتُكِ أوضأ مِنْكِ وأحَبَّ
إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ عائِشَةَ
قَالَ عُمَرُ: وكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أنَّ غَسَّانَ
تُنْعِلُ الخَيْلَ لِغَزْونا، فنَزَلَ صاحِبِي الأنصارِيُّ
يوْمَ نْوَبَتِهِ فرَجَعَ إليْنا عِشاءً فَضَرَبَ بَابي
ضَرْبا شَدِيدا وَقَالَ: أثمَّ هُوَ؟ فَفَزِعُتُ
فَخَرَجْتُ إليْهِ، فَقَالَ: قدْ حَدَثَ اليَوْمَ أمْرٌ
عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ أجاءَ غَسانُ؟ قَالَ: لَا بَلْ
أعْظَمْ مِنْ ذالِكَ وأهْوَلُ طلَّقَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نِساءَهُ. فقُلْتُ: خابَتْ حَفْصَةُ
وخسِرَتْ، قدْ كنْتُ أظُنُّ هاذَا يُوشِكُ أنْ يَكُون.
فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابي فَصلَّيْتُ صَلاَةَ الفَجْرِ
معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فدَخَلَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَشْرُبَةً لهُ فاعْتَزَلَ فِيها،
ودَخَلْتُ عَلى حَفْصَةَ فإذَا هِيَ تَبْكِي. فَقُلْتُ مَا
يُبْكِيكِ؟ ألَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هاذا؟ أطَلَّقَكُنَّ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَتْ: لَا أدْرِي،
هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي المَشْرُبَةِ، فخرَجْتُ
فجِئْتُ إِلَى المنْبَرِ فَإِذا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي
بَعْضُهُمْ، فجَلَسْتُ معَهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ غَلَبَنِي
مَا أجدُ فجِئْتُ المَشْرُبَةَ الَّتي فِيهَا النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فقُلْتُ لِغُلاَمٍ لهُ أسوَدَ
اسْتأْذِنْ لِعُمَرَ فدَخَللَ الغُلاَمُ فكلَّمَ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رجَعَ، فَقَالَ: كَلَّمْتُ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذَكَرْتُك لَهُ فصَمَتَ،
فانْصَرَفْتُ حتَّى جلَسْتُ معَ الرَّهْطِ الّذِينَ عنْدَ
المِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أجدُ فجئْتُ فقُلْتُ
لِلْغُلاَمِ اسْتَأْذَنَ لِعُمَر، فدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ
فَقَالَ: قد ذكَرْتُكَ لَهُ فصَمَتَ، فرَجَعْتُ فجَلَسْتُ
معَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ المِنْبَرِ، ثُمَّ
غَلَبَنِي مَا أجدُ فجِئتُ الغُلاَمَ، فقُلْتُ: اسْتأذِنْ
لِعُمَرَ فدَخَلَ ثُمَّ رجَعَ إلَيَّ فَقَالَ: قدْ
ذكَرْتُكَ لهُ فصَمَتَ فَلمَّا ولَّيْتُ مُنْصَرِفا،
قَالَ: إِذا الغُلاَمُ يدْعُونِي، فَقَالَ: قدْ أذِنَ لَكَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى
رِمالِ حصيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ فِرَاشٌ قدْ
أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِهِ مُتَّكِئا علَى وسادَةٍ مِنْ
أدَمِ حَشْوُها لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ علَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ
وَأَنا قائِمٌ: يَا رَسُول الله} أطلَّقْتَ نِساءَكَ؟
فرَفَعَ إليَّ بَصَرَهُ فَقَالَ: لَا. فقُلْتُ: الله أكبر،
ثُمَّ قُلْتُ وَأَنا قائِم: أسْتَأْنِسُ يَا رسولَ الله؟
لوْ رأيْتَنِي وكُنا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ
النَّساءَ، فلَمّا قَدِمْنا المدينَةَ إِذا قَوْمٌ
تَغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فتَبسَّمَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رسولَ الله {لوْ
رأيْتَنِي ودَخَلْتُ عَلى حَفْصَةَ فقُلْتُ لَها لَا
يَغُرنَّكِ أَن كانَتْ جارَتُكِ أوْضأ مِنْكِ وأحَبَّ
إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُرِيدُ عائِشَةَ،
فَتَبَسَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبَسُّمَةً
أُخْرَى، فجَلَسْتُ حِينَ رأيْتُهُ تبَسَّمَ فرَفَعْتُ
بَصَرِي فِي بيْتِهِ، فوَاللَّه مَا رأيْتُ فِي بيْتِهِ
شَيئا يرُدُّ البَصر غيْرَ أهَبَةٍ ثَلاثَةٍ، فقُلْتُ: يَا
رسولَ الله} ادْعُ الله فَلْيُوَسِّعْ علَى أمَّتِكَ،
فإنَّ فارِسا والرُّومَ قدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وأعْطُوا
الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ الله، فجَلَسَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُتَّكِئا فَقَالَ: أوَ
فِي هاذا أنْتَ يَا ابنَ الخَطَّابِ؟ إنَّ أُولئِكَ قَوْمٌ
عُجِّلوا طَيِّباتِهِمْ فِي الحَياةِ الدُّنْيا، فقُلْتُ:
يَا رسولَ الله! اسْتَغْفِرْ لِي. فاعْتَزَلَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نساءَهُ مِنْ
(20/180)
أجْلِ ذالِكَ الحَديثِ حِينَ أفْشَتْهُ
حَفْصَةُ إِلَى عائِشَةَ تِسْعا وعِشْرينَ لَيْلَةً، وكانَ
قَالَ: مَا أَنا بَدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرا مِنْ
شِدَّةِ مَوْجِدَتهِ علَيْهِنَّ حِينَ عاتبَهُ الله،
فلَمَّا مَضت تِسْعٌ وعِشْرُونَ ليْلَةً دَخَلَ علَى
عائِشَةَ فبَدَأَ بِها، فقالَتْ لهُ عائِشَةُ: يَا رسولَ
الله {إنَّكَ كُنْتَ قدْ أقْسَمْتَ أنْ لَا تَدْخُلَ
علَيْنَا شَهْرا، وإنّما أصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وعِشْرِينَ
ليْلَةً أعُدُّها عَدًّا} ! فَقَالَ: الشّهْرُ تِسْعٌ
وعِشْرُونَ، فكانَ ذالِكَ الشّهْرُ تِسْعا وعِشْرينَ
ليْلَةً، قالَتْ عائِشَةُ: ثُمَّ أنْزَلَ الله تَعَالَى
آيةَ التّخْيِيرِ، فبَدَأ بِي أول امْرَأةٍ منْ نسائهِ
فاختَرْتُهُ ثمَّ خَيْرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ، فَقُلْنَ
مِثْلَ مَا قالَتُ عائِشَةُ رضيَ الله عَنْهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدخلت على
حَفْصَة فَقلت: أَي حَفْصَة) إِلَى قَوْله: (يُرِيد
عَائِشَة) .
وَأَبُو الْيَمَان هُوَ الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ
ابْن أبي حَمْزَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر
غير مرّة.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم، وَمضى
أَيْضا مطولا فِي كتاب الْمَظَالِم فِي: بَاب الغرفة
والعلية المشرفة، وَمضى أَيْضا مُخْتَصرا فِي كتاب الْعلم
أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَمضى الْكَلَام
فِيهِ فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة، فالناظر فِيهِ
يعْتَبر التَّفَاوُت من حَيْثُ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
فِي الْإِسْنَاد والمتن.
قَوْله: (عدل) أَي: عَن الطَّرِيق الجادة المسلوكة إِلَى
طَرِيق لَا يسْلك غَالِبا ليقضي حَاجته، وَوَقع فِي
رِوَايَة عبيد: فَخرجت مَعَه، فَلَمَّا رَجعْنَا وَكُنَّا
بِبَعْض الطَّرِيق عدل، إِلَى الْأَرَاك لحَاجَة لَهُ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم أَن الْمَكَان الْمَذْكُور هُوَ مر
الظهْرَان. قَوْله: (فَتبرز) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي ذهب
إِلَى الْبَزَّار لقَضَاء الْحَاجة قلت: تبرز أَي قضى
حَاجته لِأَن قَوْله: فَعدل هُوَ فِي نفس الْأَمر بِمَعْنى
خرج إِلَى البرَاز، لقَضَاء الْحَاجة (قلت) تبرز: أَي قضى
حَاجته لِأَن قَوْله: فَعدل هُوَ فِي نفس الْأَمر
بِمَعْنى: خرج إِلَى البرَاز نعم هُوَ من الْبَزَّار،
وَهُوَ الْمَكَان الْخَالِي البارز عَن الْبيُوت، وَلكنه
أطلق على نفس الْفِعْل. قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من
الْإِدَاوَة. قَوْله: (اللَّتَان) ، كَذَا فِي الْأُصُول
بالتثنية وَوَقع عِنْد ابْن التِّين الَّتِي،
بِالْإِفْرَادِ قَالَ: وَالصَّوَاب اللَّتَان بالتثنية
قَوْله: (إِن تَتُوبَا إِلَى الله) ، أَي: عَن التعاون على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فقد صغت
قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) قَوْله: (وَاعجَبا لَك) ؟
يجوز فِيهِ التَّنْوِين وَتَركه على مَا قَالَه ابْن
مَالك، إِن كَانَ منونا فَهُوَ اسْم فعل بِمَعْنى: أعجب
قلت يجوز أَن يكون مَنْصُوبًا، بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره
أعجب عجبا، وَإِن كَانَ غير منون فَالْأَصْل فِيهِ:
واعجبي، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة معمر على الأَصْل
فأبدلت الكسرة فَتْحة فَصَارَت ألفا كَمَا فِي قَوْله: يَا
أسفا وَيَا حسرتا، وَكلمَة، واهنا اسْم لأعجب كَمَا فِي
قَوْله:
(وبابي أَنْت وفوك الأشنب)
وَالْأَصْل فِي وَا، أَن يسْتَعْمل فِي المنادى
الْمَنْدُوب، وَقد يسْتَعْمل فِي غَيره كَمَا هُنَا،
وَإِلَيْهِ ذهب الْمبرد وَمن النُّحَاة من مَنعه وَهُوَ
حجَّة عَلَيْهِ. قَوْله: (هما عَائِشَة وَحَفْصَة) ، كَذَا
فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن
سَلمَة وَحده: (حَفْصَة وَأم سَلمَة) ، كَذَا حَكَاهُ
عَنهُ مُسلم، إِنَّمَا تعجب عمر من ابْن عَبَّاس مَعَ
شهرته بِعلم التَّفْسِير كَيفَ خَفِي عَلَيْهِ هَذَا
الْقدر؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَأَنَّهُ كره مَا
سَأَلَهُ عَنهُ، وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيّ: كره وَالله
مَا سَأَلَهُ عَنهُ وَلم يَكْتُمهُ، ذكر مُسلم عَنهُ فِي
هَذِه الْقِصَّة. قَوْله: (ثمَّ اسْتَقل) من
الِاسْتِقْلَال بِالْأَمر وَهُوَ الاستبداد بِهِ،
وَيُقَال: اسْتَقل بِالْأَمر إِذا تفرد بِهِ دون غَيره.
قَوْله: (يَسُوقهُ) حَال أَرَادَ الْقِصَّة الَّتِي كَانَت
سَبَب تَزُول الْآيَة المسؤول عَنْهَا. قَوْله: (فِي بني
أُميَّة) بن زيد بن مَالك بن عَمْرو بن عَوْف من الْأَوْس
قَوْله: (عوالي الْمَدِينَة) يَعْنِي: السكان والعوالي جمع
عالية وَهِي الْقرى الَّتِي بِأَعْلَى الْمَدِينَة على
أَرْبَعَة أَمْيَال وَأكْثر وَأَقل، وَهِي مِمَّا يَلِي
الْمشرق وَكَانَت منَازِل الْأَوْس. قَوْله: (وَكُنَّا
نتناوب النُّزُول) أَي: كُنَّا نجعله نوبَة، يَوْمًا ينزل
فِيهِ عمر وَيَوْما ينزل فِيهِ جَار لَهُ. واسْمه أَوْس بن
خولى بن عبد الله بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ، وَقيل:
عتْبَان بن مَالك، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
آخى بَينه وَبَين عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَالْأول هُوَ الْأَصَح، وَلَا يلْزم من المؤاخاة التجاور
قَوْله: (معشر قُرَيْش) مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص.
قَوْله: (نغلب النِّسَاء) أَي: نحكم عَلَيْهِنَّ وَلَا
يحكمن علينا، بِخِلَاف الْأَنْصَار فَإِن النِّسَاء كن
يحكمن عَلَيْهِم. قَوْله: (إِذا) كلمة مفاجأة. قَوْله:
(فَطَفِقَ نساؤنا) بِكَسْر الْفَاء، وَقد تفتح وَهُوَ من
أَفعَال المقاربة الَّذِي مَعْنَاهُ: الْأَخْذ والشروع فِي
الشَّيْء. قَوْله: (من أدب نسَاء الْأَنْصَار) أَي: من
طريقتهن وسيرتهن. قَوْله: (فصخبت) بِفَتْح الصَّاد
الْمُهْملَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة من الصخب وَهُوَ
الصياح، وَهُوَ بالصَّاد رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره
(20/181)
بِالسِّين الْمُهْملَة وهما بِمَعْنى
وَاحِد، ويروى: فَصحت قَوْله: فراجعتني من الْمُرَاجَعَة
هِيَ المراددة فِي القَوْل. قَوْله: (وَلم) بِكَسْر
اللَّام وَفتح الْمِيم يَعْنِي: لماذا تنكر عَليّ أَن
أراجعك أَي مراجعتك. قَوْله: (ليراجعنه) بِكَسْر الْجِيم
وَسُكُون الْعين وَفتح النُّون. قَوْله: (لتهجره الْيَوْم
إِلَى اللَّيْل) اللَّام فِي لتهجره للتَّأْكِيد
وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْيَوْم نصب على الظّرْف،
وَاللَّيْل مجرور بِكَلِمَة حَتَّى الَّتِي بِمَعْنى
إِلَى، للغاية وَيجوز فِيهِ النصب على أَن حَتَّى حرف عطف
وَهُوَ قَلِيل. قَوْله: (فأفزعني) من الْفَزع وَهُوَ
الْخَوْف. قَوْله: (ثمَّ جمعت على ثِيَابِي) أَي: هيأت
مشمرا سَاق الْعَزْم. قَوْله: (فَدخلت على حَفْصَة)
يَعْنِي: ابْنَته بَدَأَ بهَا لمنزلتها مِنْهُ. قَوْله:
(أَي حَفْصَة!) يَعْنِي: يَا حَفْصَة: قَوْله: (أتغاضب؟)
الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله:
(أَن يغْضب الله؟) كلمة: أَن مَصْدَرِيَّة، أَي: عضب الله
قَوْله: (فتهلكي) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَوَقع فِي رِوَايَة عقيل: (فتهلكين) وَفِي رِوَايَة عبيد
بن حنين: (فيهلكن) ، بِسُكُون الْكَاف على صِيغَة جمَاعَة
النِّسَاء الغائبة. وَقَالَ بَعضهم على خطاب جمَاعَة
النِّسَاء. قلت جمَاعَة النِّسَاء الغائبات بِالْيَاءِ آخر
الْحُرُوف وَإِن كَانَ للحاضرات فبالتاء الْمُثَنَّاة من
فَوق، وَهَذَا الْقَائِل لم يُمَيّز بَينهمَا. قَوْله:
(لَا تستكثري) أَي: لَا تطلبي مِنْهُ الْكثير من حوائجك،
وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة يزِيد بن رُومَان: (لَا تكلمي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا تسأليه فَإِن
رَسُول الله لَيْسَ عِنْده دَنَانِير وَلَا دَرَاهِم،
فَإِن كَانَ لَك من حَاجَة حَتَّى دهنة فسليني. قَوْله:
(وَلَا تراجعيه فِي شَيْء) أَي: لَا ترادديه فِي الْكَلَام
وَلَا تردي عَلَيْهِ قَوْله: (وَلَا تهجريه) أَي: لَا
تهجري النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو هجرك
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مَا بدا لَك)
أَي: مَا ظهر لَك مِمَّا تريدين قَوْله: (إِن كَانَت) ،
بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا. قَوْله: (جارتك) أَي: ضرتك،
وَيجوز أَن يكون على حَقِيقَته لِأَنَّهَا كَانَت مجاورة
لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكَانَ ابْن
سِيرِين يكره تَسْمِيَتهَا ضرَّة، وَيَقُول: إِنَّهَا لَا
تضر وَلَا تَنْفَع وَلَا تذْهب من رزق الْأُخْرَى بِشَيْء،
وَإِنَّمَا هِيَ جَارة، وَالْعرب تسمي صَاحب الرجل وخليطه
جارا، وَتسَمى الزَّوْجَة أَيْضا جَارة لمخالطتها الرجل،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتَار عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، تَسْمِيَتهَا جَارة أدبا مِنْهُ أَن يُضَاف لفظ
الضَّرَر إِلَى إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. قَوْله:
(أوضأ مِنْك) من الْوَضَاءَة وَهُوَ الْحسن وَوَقع فِي
رِوَايَة معمر: (أوسم) من الوسامة وَهِي الْجمال. قَوْله:
(وَأحب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
الْمَعْنى: لَا تغتري بِكَوْن عَائِشَة تفعل مَا نهيتك
عَنهُ فَلَا يؤاخذها بذلك، فَإِنَّهَا تدل بجمالها ومحبة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا فَلَا تغتري أَنْت
بذلك لاحْتِمَال أَن لَا تَكُونِي عِنْده بِتِلْكَ
الْمنزلَة، وَفِي رِوَايَة عبيد بن حنين الَّتِي مَضَت فِي
سُورَة التَّحْرِيم: وَلَا يغرنك هَذِه الَّتِي أعجبها
حسنها حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاهَا،
وَوَقع فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عِنْد مُسلم:
أعجبها حسنها وَحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بواو الْعَطف، وَقيل فِي رِوَايَة عبد بن حنين
الْمَذْكُورَة حذف الْوَاو تَقْدِيره: (وَحب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَمنعه السُّهيْلي وَقَالَ: هُوَ
مَرْفُوع على الْبَدَل، بَيَانه أَن قَوْله: هَذِه فَاعل
قَوْله: لَا يغرنك، وَقَوله: الَّتِي أعجبها صفة وَقَوله
حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدل اشْتِمَال
كَمَا فِي قَوْلك: أعجبني يَوْم الْجُمُعَة صَوْم فِيهِ،
وَجوز عِيَاض بدل الاشتمال وَحذف وَاو الْعَطف، وَقَالَ
ابْن التِّين: حب فَاعل وحسنها بِالنّصب مفعول لأَجله،
وَالتَّقْدِير: أعجبها حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِيَّاهَا من أجل حسنها. قَالَ: وَالضَّمِير الَّذِي
يَلِي أعجبها مَنْصُوب فَلَا يَصح بدل الْحسن مِنْهُ وَلَا
الْحبّ. قَوْله: (أَن غَسَّان) قَالَ الْكرْمَانِي:
غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الْمُهْملَة ملك من مُلُوك الشَّام قلت: لَيْسَ كَذَلِك،
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ قَبيلَة غَسَّان وملكهم فِي ذَلِك
الْوَقْت الْحَارِث بن أبي شمر وَأَن غَسَّان فِي الأَصْل
مَاء بسد مأرب كَانَ شربا لولد مَازِن فسموا بِهِ،
وَيُقَال غَسَّان مَاء بالمشلل قريب من الْجحْفَة،
وَالَّذين شربوا مِنْهُ سموا بِهِ قبائل من ولد مَازِن
جماع غَسَّان، فَمن نزل من بنيه ذَلِك المَاء فَهُوَ
غساني، وأنشىء مِنْهُم مُلُوك فَأول من نزل مِنْهُم
بِبِلَاد الشَّام جَفْنَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة وَآخرهمْ
جبلة بن الْأَيْهَم وَهُوَ الَّذِي أسلم فِي خِلَافه عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ عَاد إِلَى الرّوم
وَتَنصر، وَقد اخْتلفُوا فِي مُدَّة ملك الغسانية، فَقيل:
أَرْبَعمِائَة سنة، وَقيل: سِتّمائَة سنة، وَقيل غير
ذَلِك، وَقيل: إِنَّهُم سبع وَثَلَاثُونَ ملكا أَو لَهُم
جَفْنَة وَآخرهمْ جبلة. قَوْله: (تنعل الْخَيل) ، بِضَم
أَوله، قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال أنعلت الدَّابَّة،
وَلَا تقل: نعلت، وَحكى عِيَاض فِي تنعيل الْخَيل
وَجْهَيْن، وَهُوَ كِنَايَة عَن استعدادهم لِلْقِتَالِ
مَعَ أهل الْمَدِينَة. قَوْله: (فَفَزِعت) أَي: خفت.
قَوْله: (خابت حَفْصَة وخسرت) إِنَّمَا حضها بِالذكر
لمكانتها مِنْهُ لكَونهَا ابْنَته. قَوْله: (يُوشك)
بِكَسْر الشين
(20/182)
بِمَعْنى: يقرب لِأَنَّهُ من أَفعَال
المقاربة قَوْله: (مشربَة) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتحهَا، وَهِي الغرفة.
قَوْله: (ثمَّ غلبني مَا أجد) أَي: من شغل قلبِي أَي: من
اعتزال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ وَأَن
ذَلِك لَا يكون إلاَّ من غضب مِنْهُ قَوْله: (لغلام لَهُ
أسود) واسْمه رَبَاح بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاب
الْمُوَحدَة وَآخره حاء مُهْملَة. قَوْله: (على رمال)
بِكَسْر الرَّاء، وَقد يضم، وَفِي رِوَايَة معمر: على رمل،
بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ المنسوج من الْحَصِير، يُقَال:
رملت الْحَصِير أَي: نسجته قَوْله: (من أَدَم)
بِفتْحَتَيْنِ جمع أَدِيم. قَوْله: (استأنس) أَي:
اسْتَأْذن الْجُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم والمحادثة مَعَه وأتوقع عوده إِلَى الرِّضَا
وَزَوَال غَضَبه. قَوْله: (غير أهبة) بِفَتَحَات واحده أهب
وَهِي الْجلد مَا لم يدبغ، والأهب بِفتْحَتَيْنِ جمع على
غير قِيَاس وَقيل بِالضَّمِّ وَهُوَ الْقيَاس. قَوْله:
(أَو فِي هَذَا أَنْت؟) الْهمزَة للاستفهام وَالْوَاو
للْعَطْف على مُقَدّر بعد الْهمزَة أَي: أَأَنْت فِي مقَام
استعظام التجملات الدنياوية واستعجالها؟ قَوْله: (استعفر
لي) أَي عَن جراءتي بِهَذَا القَوْل بحضرتك أَو عَن
اعتقادي أَن التجملات الدنياوية مَرْغُوب فِيهَا أَو عَن
إرادتي مَا فِيهِ المشابهة للْكفَّار فِي ملابسهم
ومعايشهم. قَوْله: (من أجل ذَلِك الحَدِيث) وَهُوَ
إِشَارَة إِلَى مَا روى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلى
بمارية الْقبْطِيَّة فِي يَوْم عَائِشَة وَعلمت بِهِ
حَفْصَة فأفشته حَفْصَة إِلَى عَائِشَة. قَوْله: (تسعا
وَعشْرين لَيْلَة) رَاجع إِلَى قَوْله: (فاعتزل) قَوْله:
(من شدَّة موجدته) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَكسر
الْجِيم، أَي: من شدَّة حزنه، وعاتبه الله تَعَالَى بقوله:
{لم تحرم مَا أحل الله لَك} (التَّحْرِيم: 1) وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحفصة: لَا
أَعُود إِلَيْهَا فَاكْتُمِي عَليّ فَإِنِّي حرمتهَا على
نَفسِي. قَوْله: (من تسع) وَفِي رِوَايَة عقيل: لتسْع
بِاللَّامِ وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: بتسع، بِالْبَاء
الْمُوَحدَة قَوْله: (آيَة التَّخْيِير) وَهِي قَوْله عز
وَجل: {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن
الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} إِلَى قَوْله: {أجرا
عَظِيما} (الْأَحْزَاب: 82، 92) [/ ح.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد فِيهِ: بذل الرجل المَال
لابنته لتحسين عشرَة زَوجهَا، لِأَن ذَلِك صِيَانة لعرضها
وعرضها. وبذل المَال فِي صِيَانة الْعرض وَاجِب فِيهِ:
تَعْرِيض الرجل لابنته بترك الاستكثار من الزَّوْج، إِذا
كَانَ ذَلِك يُؤْذِيه ويحرجه. وَفِيه: سُؤال الْعَالم عَن
بعض أُمُور أَهله وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة
إِذا كَانَ فِي ذَلِك سنة تنقل وَمَسْأَلَة تحفظ. وَفِيه:
توقير الْعَالم ومهابته عَن استفسار مَا يخْشَى من تغيره
عِنْد ذكره. وَفِيه: ترقب خلوات الْعَالم ليسأل عَمَّا
لَعَلَّه لَو سُئِلَ عَنهُ بِحَضْرَة النَّاس أنكرهُ على
السَّائِل. وَفِيه: أَن شدَّة الْوَطْأَة على النِّسَاء
مذمومة. فَإِن قلت: روى ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: علق
سَوْطك حَيْثُ يرَاهُ الْخَادِم، وروى أَبُو ذَر: أخف أهلك
فِي الله وَلَا ترفع عَنْهُم عصاك. قلت: أسانيدها واهية،
وَضرب الْمَرْأَة لغير الهجر فِي المضجع لَا يجوز بل حرَام
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ
وَالْمُؤْمِنَات} (الْأَحْزَاب: 85) الْآيَة. وَفِيه:
الْبَحْث فِي الْعلم فِي الطّرق والخلوات وَفِي حَال
الْقعُود وَالْمَشْي. وَفِيه: الصَّبْر على الزَّوْجَات
والإغضاء عَن خطئهن والصفح عَمَّا يَقع مِنْهُنَّ من زلل
فِي حق الْمَرْء دون مَا يكون من حق الله. وَفِيه: جَوَاز
اتِّخَاذ الْحَاكِم عِنْد الْخلْوَة بوابا يمْنَع من دخل
إِلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة
الاسْتِئْذَان على الْإِنْسَان وَإِن كَانَ وَحده
لاحْتِمَال أَن يكون على حَالَة يكره الِاطِّلَاع
عَلَيْهَا. وَفِيه: جَوَاز تكْرَار الاسْتِئْذَان لمن لم
يُؤذن لَهُ إِذا رجى حُصُول الْإِذْن وَلَا يتَجَاوَز بِهِ
ثَلَاث مَرَّات. وَفِيه: أَن لكل لَذَّة أَو شَهْوَة
قَضَاهَا الْمَرْء فِي الدُّنْيَا فَهُوَ استعجال لَهُ من
نعيم الْآخِرَة وَفِيه أَن الْإِنْسَان إِذا رأى صَاحبه
مهموما اسْتحبَّ لَهُ أَن يحدث بِمَا يزِيل همه ويطيب
نَفسه. وَفِيه: جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْوضُوء بالصب
على يَد المتوضىء. وَفِيه: خدمَة الصَّغِير للكبير وَإِن
كَانَ الصَّغِير أشرف نسبا من الْكَبِير. وَفِيه: تذكير
الْحَالِف بِيَمِينِهِ إِذا وَقع مِنْهُ مَا ظَاهره
نسيانها. وَفِيه: التناوب فِي مجَالِس الْعلمَاء إِذا لم
يَتَيَسَّر الْمُوَاظبَة على حُضُوره لشاغل شَرْعِي من
أَمر ديني أَو دُنْيَوِيّ. وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد
وَلَو كَانَ الْآخِذ فَاضلا والمأخوذ عَنهُ مفضولاً.
وَرِوَايَة الْكَبِير عَن الصَّغِير. وَفِيه: أَن الْغَضَب
والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التاني المألوف مِنْهُ.
وَفِيه: شدَّة الْفَزع والجرع للأمور المهمة. وَفِيه:
جَوَاز نظر الْإِنْسَان نواحي بنت صَاحبه وَفِيه: كَرَاهَة
تسخط النِّعْمَة واحتقار مَا أنعم الله بِهِ وَلَو كَانَ
قَلِيلا. وَفِيه: المعاتبة على إفشاء مَا لَا يَلِيق لمن
أفشاه. وَفِيه: حسن تلطف ابْن عَبَّاس وَشدَّة حرصه على
الِاطِّلَاع على فنون التَّفْسِير. وَفِيه: إِن سُكُوته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِذْن فِي تِلْكَ الْحَال
الرِّفْق بالأصهار وَالْحيَاء مِنْهُم. وَفِيه: جَوَاز ضرب
الْبَاب ودقه إِذا لم يسمع الدَّاخِل بِغَيْر ذَلِك.
وَفِيه: دُخُول الْآبَاء على الْبَنَات بِغَيْر إِذن
الزَّوْج والتفحص عَن أحوالهن، لَا سِيمَا فِيمَا
يتَعَلَّق بالزوجات.
(20/183)
48 - (بابُ صَوْمِ المَرْأةِ بإذْنِ
زَوْجِها تَطَوُّعا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَوْم الْمَرْأَة حَال
كَونهَا ملتبسة بِإِذن زَوجهَا فِي صَومهَا. قَوْله:
(تَطَوّعا) يجوز أَن يكون بِمَعْنى متطوعة فَيكون نصبا على
الْحَال وَيجوز أَن يكون صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: صوما
تَطَوّعا، وَإِنَّمَا قيد بِإِذن الزَّوْج لِأَنَّهَا لَا
تَصُوم التَّطَوُّع إلاَّ بِإِذْنِهِ لِأَن حَقه مقدم على
صَوْم التَّطَوُّع، بِخِلَاف رَمَضَان فَإِنَّهُ لَا
يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْإِذْن لِأَنَّهُ أَيْضا صَائِم،
وَالْخلاف فِي صَوْم قَضَاء رَمَضَان فَمنهمْ من قَالَ:
لَيْسَ لَهَا ذَلِك بل تؤخره إِلَى شعْبَان، وَمِنْهُم من
قَالَ: لَهَا ذَلِك.
2915 - حدّثنا مُحَمَّد بن مُقاتِلٍ أخبرنَا عبْدُ الله
أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن هَمَّامِ بن مْنَبِّهٍ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
لَا تصُومُ المَرْأةُ وبَعْلِها شاهِدٌ إلاَّ بإذْنه.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهَا الحكم بِالْجَوَازِ وبعدم الْجَوَاز.
وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد،
وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن مُنَبّه على
صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التَّنْبِيه.
قَوْله: (لَا يَصُوم) وَالنَّفْي لَا يجْزم وَزعم ابْن
التِّين، أَن الصوب: لَا تصم، لِأَنَّهُ نهي وَهُوَ مجزوم
وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَاتفقَ الْعلمَاء مثل مَا
بوب البُخَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا، وَفِي لفظ لَا يحل
للْمَرْأَة أَن تَصُوم مَكَان لَا تَصُوم، وَفِي لفظ أبي
دَاوُد لَا تصومن امْرَأَة يَوْمًا سوى شهر رَمَضَان
وَزوجهَا شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
أَيْضا وَلَفظه: لَا تَصُوم الْمَرْأَة وَزوجهَا شَاهد
يَوْمًا من غير شهر رَمَضَان إلاَّ بِإِذْنِهِ. وَقَالَ:
حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن. وَأخرجه ابْن حبَان
وَصَححهُ.
قَوْله: (وبعلها) أَي: زَوجهَا: (شَاهد) أَي: حَاضر،
يَعْنِي مُقيم فِي الْبَلَد إِذْ لَو كَانَ مُسَافِرًا
فلهَا الصَّوْم لِأَنَّهُ لَا يتأتي مِنْهُ الِاسْتِمْتَاع
بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ أَصْحَابنَا: النَّهْي
للتَّحْرِيم. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) :
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يكره فَلَو صَامت بِغَيْر إِذْنه
صَحَّ وأثمت. وَقَالَ الْمُهلب: النَّهْي على التَّنْزِيه
لَا للإلزام.
58 - (بابُ إِذا باتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ
زَوْجِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا إِذا باتت الْمَرْأَة
مهاجرة أَي: تاركة فرَاش زَوجهَا ومعرضة عَنهُ، وَلم يذكر
جَوَاب إِذا الَّذِي هُوَ الحكم اعْتِمَادًا على مَا يفهم
من حَدِيث الْبَاب وَهُوَ عدم الْجَوَاز لِأَن فِيهِ
اسْتِحْقَاقهَا اللَّعْنَة من الْمَلَائِكَة فَلَا
تسْتَحقّ ذَلِك إِلَّا بِمُبَاشَرَة أَمر مَحْظُور.
3915 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بشّار حَدثنَا ابنُ أبي
عدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ عنْ أبي حَازِم عَن
أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عنهُ، عَن النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتهُ
إِلَى فِرَاشِهِ فأبَتْ أنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا
المَلائِكةُ حتّى تُصْبِحَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي تَرْجَمَة
الْبَاب الَّذِي قبله قَوْله: (مُحَمَّد بن بشار) هُوَ
بنْدَار، وَذكر أَبُو عَليّ الجياني أَنه وَقع فِي بعض
النّسخ مُحَمَّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف النُّون الأولى وَهُوَ غلط، وَابْن عدي،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة،
وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وبالزاي: هُوَ سُلَيْمَان الْأَشْجَعِيّ مولى
عزة الأشجعية.
والْحَدِيث قد مر فِي بَدْء الْخلق فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش إِلَى
آخِره.
قَوْله: (إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته إِلَى فرَاشه) ،
كِنَايَة عَن الْجِمَاع. قَوْله: (فَأَبت) أَي: امنتعت.
قَوْله: (أَن تَجِيء) كلمة: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: عَن
الْمَجِيء قَوْله: (حَتَّى تصبح) ، ظَاهره اخْتِصَاص
اللَّعْن بِمَا إِذا وَقع ذَلِك مِنْهَا لَيْلًا وَلَيْسَ
ذَلِك بِقَيْد، وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك لِأَن مَظَنَّة ذَلِك
غَالِبا بِاللَّيْلِ وَإِلَّا فَهُوَ عَام فِي اللَّيْل
وَالنَّهَار، يُوضح ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ مُسلم
من حَدِيث يزِيد بن كيسَان عَن أبي حَازِم عَن أبي
هُرَيْرَة بِلَفْظ: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا من
رجل يَدْعُو امْرَأَته إِلَى فراشها فتأبى عَلَيْهِ إلاَّ
كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء ساخطا عَلَيْهَا حَتَّى يرضى
عَنْهَا، وَمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من
حَدِيث جَابر رَفعه: (ثَلَاثَة لَا تقبل لَهُم صَلَاة
وَلَا يصعد لَهُم إِلَى السَّمَاء حَسَنَة: العَبْد
الْآبِق حَتَّى يرجع، والسكران حَتَّى يصحو، وَالْمَرْأَة
الساخط
(20/184)
عَلَيْهَا زَوجهَا حَتَّى يرضى) فَهَذَا الْإِطْلَاق
يتَنَاوَل اللَّيْل وَالنَّهَار، وروى ابْن الْجَوْزِيّ
فِي (كتاب النِّسَاء) من حَدِيث مُحَمَّد بن ربيعَة:
حَدثنَا يحيى بن الْعَلَاء حَدثنَا الْعَلَاء بن عبد
الرَّحْمَن عَن أَبِيه: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: لعن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسوفة والمغلسة،
أما المسوفة فَهِيَ الْمَرْأَة الَّتِي إِذا أرادها
زَوجهَا قَالَت: سَوف، والمغلسة فِي لفظ المغسلة، هِيَ
الَّتِي إِذا أرادها زَوجهَا قَالَت: إِنِّي حَائِض،
وَلَيْسَ بحائض، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث لَيْث عَن
عبد الْملك عَن عَطاء عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله! مَا حق
الزَّوْج على الْمَرْأَة؟ قَالَ: لَا تَمنعهُ نَفسهَا،
وَإِن كَانَت على ظهر قتب. وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (كتاب
الْعشْرَة) من حَدِيث يحيى بن الْعَلَاء بِلَفْظ: لَا
تَمنعهُ نَفسهَا وَإِن كَانَت على رَأس تنور، وَرَوَاهُ
ابْن عدي، وَلَفظه: على رَأس تنور أَو ظهر بَيت، وَيحيى بن
الْعَلَاء ضَعِيف، وَفِي حَدِيث الْبَاب: إِن
الْمَلَائِكَة تَدْعُو لأهل الطَّاعَة إِذا كَانُوا على
طاعتهم وَتَدْعُو على أهل الْمعْصِيَة إِذا كَانُوا فِي
مَعْصِيّة.
وَفِيه: جَوَاز لعن العَاصِي الْمُسلم إِذا كَانَ على
سَبِيل الإرهاب عَلَيْهِ لِئَلَّا يواقع الْفِعْل فَإِذا
واقعه فَإِنَّمَا يدعى لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْهدى.
4915 - حدّثنا محمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ
قَتَادَةَ عنْ زُرَارَةَ عنْ أبي هُرَيُرَةَ، قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا باتَتِ المرْأةُ
مُهاجِرَةً فِراش زَوْجِها لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتّى
تَرْجِعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوضح المُرَاد من
التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة مُطلقَة، وزرارة بِضَم الزَّاي
وبتكرير الرَّاء المخففة: ابْن أوفى بِالْوَاو وَالْفَاء
مَقْصُورا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار.
قَوْله: (مهاجرة) من بَاب المفاعلة فِي الأَصْل وَلَكِن
هُنَا بِمَعْنى: هاجرة لِأَن فَاعل قد يَأْتِي بِمَعْنى
فعل نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من
ربكُم} (آل عمرَان: 331) أَي: اسرعوا، وتوضحه رِوَايَة
مُسلم: إِذا باتت الْمَرْأَة هاجرة، وَهُوَ اسْم فَاعل من
هجر ومهاجرة اسْم فَاعل من هَاجر، وَإِذا كَانَ الهجر
مِنْهُ فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا شَيْء من ذَلِك.
قَوْله: (حَتَّى ترجع) أَي: عَن الْهِجْرَة (فَإِن قلت)
هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة هم الْحفظَة أَو غَيرهم؟ (قلت)
قيل: يحْتَمل الْأَمريْنِ وَأَنا أَقُول إِن الله عز وَجل
خلق الْمَلَائِكَة على أَنْوَاع شَتَّى: مِنْهُم مرصدون
لأمور كالموكلين بالقطر والرياح والسحب، والموكلين بمساءلة
من فِي الْقُبُور، والسياحين فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ
مجَالِس الذّكر، والموكلين بِقَذْف الشَّيَاطِين
بِالشُّهُبِ، والموكلين بِأُمُور قَالَ فيهم: {لَا يعصون
الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون} (التَّحْرِيم: 6)
وَيحْتَمل أَن تكون الْمَلَائِكَة الَّذين يلعنون نَاسا من
بني آدم على أُمُور محظورة تقع مِنْهُم من هَذَا النَّوْع،
وَهُوَ الظَّاهِر.
وَفِيه: الْإِرْشَاد إِلَى مساعدة الزَّوْج وَطلب مرضاته.
وَفِيه: أَن صَبر الرجل على ترك الْجِمَاع أَضْعَف من صَبر
الْمَرْأَة. وَفِيه: أَن أقوى التشويشات على الرجل
دَاعِيَة النِّكَاح. وَلذَلِك حض الشَّارِع النِّسَاء على
مساعدة الرجل فِي ذَلِك. |