عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 6 - (بابُ خَبَرِ المرْأةِ الواحِدَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان خبر الْمَرْأَة الْوَاحِدَة
هَل يعْمل بِهِ أم لَا؟ وَفِي التَّوْضِيح فِيهِ
الْإِمْسَاك على شكّ فِيهِ حَتَّى يتَيَقَّن أمره.
7267 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيدِ، حدّثنا مُحَمَدُ
بنُ جَعْفَرٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ تَوْبَةَ
العَنْبَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لي الشَّعْبيُّ: أرَأيْتَ
حَدِيثَ الحَسَنِ عنِ النَّبيِّ وقاعَدْتُ ابنَ عُمَرَ
قَرِيباً مِنْ سَنْتَيْنِ أوْ سَنَةٍ ونِصْفٍ فَلَمْ
أسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عنِ النَّبيِّ غَيْرَ هاذَا، قَالَ:
كانَ ناسٌ مِنْ أصْحابِ النبيِّ فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا
يأكُلُونَ منْ لَحْمٍ فَنَادَتْهُمُ امْرأَةٌ مِنْ بَعْضِ
أزْوَاجِ النَّبيِّ إنّهُ لَحْمُ ضبَ فأمْسَكُوا فَقَالَ
رسولُ الله كُلُوا أَو اطْعَمُوا فإنَّهُ حَلاَلٌ أوْ
قَالَ: لَا بأسَ بِهِ، شَكَ فِيهِ ولاكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
طَعَامِي
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فأمسكوا حَيْثُ
سمعُوا من كَلَام تِلْكَ الْمَرْأَة تركُوا الْأكل، فَدلَّ
ذَلِك على أَن خبر الْمَرْأَة الْوَاحِدَة العدلة يعْمل
بِهِ وَقَوله كلوا غير مُتَوَجّه إِلَى نفي كَلَامهَا بل
هُوَ إِعْلَام بِأَنَّهَا تُؤْكَل وَإِنَّمَا منعتهم
الْمَرْأَة لكَونهَا علمت أَن النَّبِي، مَا كَانَ يَأْكُل
فبنت على هَذَا ومنعتهم، وَمَا علمت أَن ترك أكل النَّبِي
من ذَلِك لكَونه يعافه بل لكَونه حَرَامًا.
وتوبة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون
الْوَاو وبالباء الْمُوَحدَة ابْن كيسَان الْعَنْبَري
نِسْبَة إِلَى بني العنبر بطن مَشْهُور من بني تَمِيم،
وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل من كبار التَّابِعين، قيل:
إِنَّه أدْرك خَمْسمِائَة صَحَابِيّ.
قَوْله: أَرَأَيْت من رُؤْيَة الْبَصَر والاستفهام
للإنكار. قَوْله: حَدِيث الْحسن أَي: الْبَصْرِيّ عَن
النَّبِي وَكَانَ الشّعبِيّ يُنكر على من يُرْسل
الْأَحَادِيث عَن النَّبِي إِشَارَة إِلَى أَن الْحَامِل
لفاعل ذَلِك طلب الْإِكْثَار من التحديث عَنهُ، وإلاَّ
لَكَانَ يَكْتَفِي بِمَا سَمعه مَوْصُولا. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: غَرَضه أَن الْحسن مَعَ أَنه تَابِعِيّ يكثر
الحَدِيث عَن النَّبِي يَعْنِي: أَنه جريء على الْإِقْدَام
عَلَيْهِ. وَعبد الله بن عمر مَعَ أَنه صَحَابِيّ يقلل
فِيهِ محتاط مُحْتَرز مَا أمكن. قَوْله: وقاعدت ابْن عمر
قَالَ بَعضهم: الْجُمْلَة حَالية. قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل
هُوَ ابْتِدَاء كَلَام لبَيَان تقليل ابْن عمر فِي
الحَدِيث أَي: جَلَست مَعَه قَرِيبا من سنتَيْن، أَو
قَرِيبا من سنة وَنصف، فَلم أسمعهُ يحدث عَن النَّبِي، صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، غير هَذَا وَأَشَارَ بِهِ
إِلَى الحَدِيث الَّذِي بعده. وَهُوَ قَوْله: كَانَ نَاس
من أَصْحَاب النَّبِي فيهم سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص.
قَوْله: فنادتهم امْرَأَة هِيَ مَيْمُونَة إِحْدَى
زَوْجَات النَّبِي، قَوْله: شكّ فِيهِ أَي: قَالَ شُعْبَة:
شكّ فِيهِ تَوْبَة الْعَنْبَري. قَوْله: لكنه أَي: لَكِن
الضَّب لَيْسَ من طَعَامي أَي: من الطَّعَام المألوف بِهِ
فأعافه.
(25/22)
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
(كِتابُ الاعْتِصامِ بِالكِتَابِ والسُّنَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاعْتِصَام، وَهُوَ افتعال
من الْعِصْمَة، وَهَذِه التَّرْجَمَة مقتبسة من قَوْله
تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً
وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ
فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إِذْ المُرَاد
بالحبل الْكتاب وَالسّنة على سَبِيل الِاسْتِعَارَة
المصرحة، والقرينة الْإِضَافَة إِلَى الله، وَالْجَامِع
كَونهمَا سَببا للمقصود الَّذِي هُوَ الثَّوَاب، كَمَا أَن
الْحَبل سَبَب للمقصود من السَّقْي وَنَحْوه، وَالْمرَاد
بِالْكتاب الْقُرْآن المتعبد بتلاوته، وبالسنة مَا جَاءَ
عَن النَّبِي من أَقْوَاله وأفعاله وَتَقْرِيره وَمَا
هَمَّ بِفِعْلِهِ.
7268 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حَدثنَا سُفْيانُ، عنْ
مِسْعَرٍ وغَيْرِهِ عنْ قَيْس بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارِقِ
بنِ شهَاب قَالَ: قَالَ رجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ:
يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ أنَّ عَلَيْنا نَزَلَتْ
هاذِهِ الآيةُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ
إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذاَلِكُمْ فِسْقٌ
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ
لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ} لاتَّخَذْنا ذالِكَ اليَوْمَ عِيداً. فَقَالَ
عُمَرُ: إنِّي لأعْلَمُ أيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
سَمِعَ سُفْيانُ مِن مِسْعَرٍ، ومِسْعَرٌ قَيْساً وقَيْسٌ
طارِقاً.
ا
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث عقيب هَذِه التَّرْجَمَة من
حَيْثُ إِن الْآيَة تدل على أَن هَذِه الْأمة معتصمة
بِالْكتاب وَالسّنة لِأَن الله تَعَالَى منَّ عَلَيْهِم
بِهَذِهِ الْآيَة بإكمال الدّين وإتمام النِّعْمَة وبرضاه
لَهُم بدين الْإِسْلَام.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى
أحد أجداد حميد بِالضَّمِّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم ابْن كدام بِكَسْر
الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال. قَوْله: وَغَيره قيل: يحْتَمل
أَن يكون سُفْيَان الثَّوْريّ فَإِن أَحْمد أخرجه من
رِوَايَته عَن قيس بن مُسلم الجدلي بِفَتْح الْجِيم
وَالدَّال الْمُهْملَة الْكُوفِي، كَانَ عابداً ثِقَة
ثبتاً لكنه نسب إِلَى الإرجاء، وَهُوَ يروي عَن طَارق بن
شهَاب الأحمسي مَعْدُود فِي الصَّحَابَة لِأَنَّهُ رأى
النَّبِي، لَكِن لم يثبت لَهُ مِنْهُ سَماع.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب زِيَادَة
الْإِيمَان ونقصانه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يَوْم عَرَفَة هُوَ غير منصرف، وعرفات منصرف لِأَن
عَرَفَة علم للزمان الْمعِين، وعرفات اسْم جنس لَهُ.
قَوْله: سمع سُفْيَان من مسعر إِلَى آخِره، من كَلَام
البُخَارِيّ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن العنعنة
الْمَذْكُورَة من هَذَا السَّنَد مَحْمُولَة عِنْده على
السماع لاطلاعه على سَماع كل مِنْهُم من شَيْخه، فَافْهَم.
7269 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيثُ،
عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ
أنَّه سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بايَعَ المُسْلِمُونَ
أَبَا بَكْرٍ، واسْتَوَى عَلى مِنْبَرِ رسُولِ الله
تَشَهَّدَ قَبْلَ أبي بَكْرٍ فَقَالَ: أمَّا بَعْدُ
فاخْتَارَ الله لِرَسُولِهِ الّذِي عِنْدَهُ عَلى الّذي
عِنْدَكُمْ، وهاذَا الكِتابُ الَّذِي هَدَى الله بِهِ
رسُولَكُمْ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وإنَّما هَدَى الله
بِهِ رَسُولَهُ.
انْظُر الحَدِيث 7219
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَهَذَا الْكتاب
... إِلَى آخِره، يفهم من لَهُ ذوق من دقائق التراكيب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَحْكَام فِي: بَاب
الِاسْتِخْلَاف، بأتم مِنْهُ.
قَوْله: الْغَد أَي فِي الْيَوْم الثَّانِي من يَوْم
الْمُبَايعَة الأولى الْخَاصَّة بِبَعْض الصَّحَابَة.
قَوْله: الَّذِي عِنْده أَي: فِي الْآخِرَة على الَّذِي
عنْدكُمْ أَي: فِي الدُّنْيَا.
7270 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا وُهَيْبٌ،
عنْ خالدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ:
ضَمَّني إلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتابَ
ا
(25/23)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه
دَعَا لَهُ بِأَن يُعلمهُ الله الْكتاب ليعتصم بِهِ.
ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد بن عجلَان الْبَصْرِيّ يروي
عَن خَالِد الْحذاء.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب قَول
النَّبِي اللَّهُمَّ علمه الْكتاب.
7271 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ صَبَّاحٍ، حدّثنا
مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفاً أنَّ أَبَا المِنْهَال
حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: إنَّ الله
يُغْنِيكُمْ أوْ نَعَشَكمْ بالإسْلاَمِ وبِمُحَمَّدٍ.
انْظُر الحَدِيث 7112
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إغناء الله عباده
بِالْإِسْلَامِ وبنبيه وَهُوَ عبارَة عَن الِاعْتِصَام
بِالدّينِ وبرسوله
وَعبد الله بن صباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
الْعَطَّار الْبَصْرِيّ، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن
طرخان الْبَصْرِيّ، وعَوْف بِالْفَاءِ فِي آخِره هُوَ
الْمَشْهُور بعوف الْأَعرَابِي، وَأَبُو الْمنْهَال
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون سيار بن سَلامَة،
وَأَبُو بَرزَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الرَّاء وبالزاي اسْمه نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الضَّاد الْمُعْجَمَة بن عبيد الْأَسْلَمِيّ سكن
الْبَصْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْفِتَن فِي: بَاب إِذا قَالَ عِنْد
قوم شَيْئا.
قَوْله: يغنيكم من الإغناء بالغين الْمُعْجَمَة وَالنُّون.
قَوْله: أَو نعشكم بنُون ثمَّ عين مُهْملَة وشين مُعْجمَة
أَي: رفعكم أَو جبركم من الْكسر أَو أقامكم من العثر.
7272 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله
بن دِينارٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى
عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ يُبايِعُهُ، وأُقِرُّ
بِذَلِكَ بالسَّمْعِ والطَّاعَةِ عَلى سُنَّةِ الله
وسُنَّةِ رسولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ.
انْظُر الحَدِيث 7203 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: على سنة الله وَسنة
رَسُوله فقد اعْتصمَ بهما.
والْحَدِيث مضى بأتم من هَذَا فِي أَوَاخِر كتاب
الْأَحْكَام فِي: بَاب كَيفَ يُبَايع الإِمَام.
قَوْله: يبايعه حَال. قَوْله: وَأقر بذلك ويروى: وَأقر
لَك، وَهُوَ عطف على مُتَقَدم عَلَيْهِ كَانَ فِي مَكْتُوب
ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: فِيمَا
اسْتَطَعْت يَعْنِي قدر استطاعتي.
1 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي بعثت بجوامع
الْكَلم أَي: بجوامع الْكَلِمَات القليلة الجامعة للمعاني
الْكَثِيرَة، وَحَاصِله أَنه كَانَ يتَكَلَّم بالْقَوْل
الموجز الْقَلِيل اللَّفْظ الْكثير الْمعَانِي، وَقيل:
المُرَاد بجوامع الْكَلم الْقُرْآن بِدَلِيل قَوْله: بعثت،
وَالْقُرْآن هُوَ الْغَايَة فِي إيجاز اللَّفْظ واتساع
الْمعَانِي.
7273 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ
المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
رسولَ الله قَالَ: بُعِثْتُ بِجَوامِعِ الكَلِمِ ونُصرْتُ
بالرُّعْبِ وبَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُني أُتِيتُ
بِمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رسُولُ الله
وأنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَو تَرْغَثُونَها أوْ كَلِمَةً
تُشْبهُهَا.
التَّرْجَمَة جُزْء من الحَدِيث وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يروي عَن مُحَمَّد
بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: ونصرت على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله:
بِالرُّعْبِ أَي: الْخَوْف أَي: بِمُجَرَّد الْخَبَر
الْوَاصِل إِلَى الْعَدو يفزعون مني ويؤمنون. قَوْله:
وَبينا أَصله بَين أشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت ألفا،
ويضاف إِلَى جملَة. قَوْله: رَأَيْتنِي بِضَم التَّاء
الْمُثَنَّاة أَي: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: أتيت على
بِنَاء الْمَجْهُول أَي: أَعْطَيْت. قَوْله: فَوضعت أَي:
مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض بهَا فتح الله على أمته،
والخزائن جمع خزانَة وَهِي الْموضع الَّذِي يخزن فِيهَا.
قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة مَوْصُول بالسند
الْمَذْكُور أَولا. قَوْله: فقد ذهب أَي: مَاتَ. قَوْله:
وَأَنْتُم تلغثونها بلام سَاكِنة وغين مُعْجمَة مَفْتُوحَة
ثمَّ بثاء مُثَلّثَة مَأْخُوذَة من اللغيث بِوَزْن عَظِيم
وَهُوَ الطَّعَام الْمَخْلُوط بِالشَّعِيرِ، ذكره صَاحب
الْمُحكم عَن ثَعْلَب، وَالْمرَاد: تأكلونها كَيفَ مَا
اتّفق، وَيُقَال: معنى تلغثونها تأكلونها، يَعْنِي:
الدُّنْيَا من اللغيت وَهُوَ طَعَام يخلط بِالشَّعِيرِ.
قَوْله: أَو ترغثونها شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مثل،
تلغثونها،
(25/24)
وَلكنه بالراء بدل اللَّام، وَمَعْنَاهُ:
ترضعونها، من رغث الجدي أمه إِذا رضعها، قَالَه الْقَزاز.
وَقَالَ أَبُو عبد الْملك. أما بِاللَّامِ فَلَا نَعْرِف
لَهُ معنى، وَأما بالراء فَمَعْنَاه: ترضعونها. يُقَال:
نَاقَة غوث، أَي: غزيرة اللَّبن وَكَذَلِكَ الشَّاة. وَفِي
الْمُنْتَهى لأبي الْمَعَالِي اللّغَوِيّ: لغث طَعَامه
ولعث بالغين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة إِذا فرقه.
قَالَ: واللغيث مَا يبْقى فِي الْكَيْل من الْحبّ، فعلى
هَذَا الْمَعْنى: وَأَنْتُم تأخذون المَال فتفرقونه بعد
أَن تحوزوه. قَوْله: أَو كلمة تشبهها أَي: أَو قَالَ كلمة
تشبه إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ المذكورتين نَحْو: تنتثلونها
من الانتثال بتاء الافتعال، أَو تنثلونها من النثل
بالنُّون والثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الاستخراج، يُقَال:
نثل كِنَانَته إِذا استخرج مَا فِيهَا من السِّهَام، وَمثل
جرابه إِذا نفض مَا فِيهِ. وَقَالَ الدَّاودِيّ:
الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الحَدِيث: تنتثلونها، وَفِي
التَّلْوِيح فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة: وَأَنْتُم
تلعقونها، بِعَين مُهْملَة ثمَّ قَاف، قَالَ بَعضهم:
وَهُوَ تَصْحِيف، وَلَو كَانَ لَهُ بعض اتجاه. قلت:
مُجَرّد دَعْوَى التَّصْحِيف لَا تسمع وَلَا يبعد لصِحَّة
الْمَعْنى.
7274 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
اللّيْثُ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُريْرَةَ عنِ
النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنَ
الأنْبِياءِ نَبيٌّ إلاّ أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ مَا
مِثْلُهُ أوْ مِنَ أوْ: آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وإنَّما
كانَ الّذِي أُوتِيتُ وحْياً أوْحاهُ الله إليَّ فأرْجُو
أنِّي أكْثَرُهُمْ تَابعا يَوْمَ القِيامَةِ.
انْظُر الحَدِيث 4981
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِنَّمَا كَانَ
الَّذِي أُوتيت وَحيا إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ أَرَادَ
بقوله: وَحيا أوحاه الله إِلَيّ الْقُرْآن وَلَا شكّ أَن
فِيهِ جَوَامِع الْكَلم، وَهُوَ فِي الْقُرْآن كثير
مِنْهَا. قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ
حَيَواةٌ ياأُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
الْآيَة وَقَوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن
تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وَغَيرهَا الْآيَة.
وَسَعِيد هَذَا يروي عَن أَبِيه أبي سعيد المَقْبُري
واسْمه كيسَان.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن
يُوسُف.
قَوْله: إِلَّا أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: من
الْآيَات أَي: المعجزات. قَوْله: مَا مثله فِي مَحل
الرّفْع لاستناد أعطي إِلَيْهِ قَوْله: أومن بِضَم
الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْمِيم من الْأَمْن.
قَوْله: أَو: آمن شكّ من الرَّاوِي بِالْمدِّ وَفتح
الْمِيم من الْإِيمَان، وَحكى ابْن قرقول: أَن فِي
رِوَايَة الْقَابِسِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم
بِغَيْر مد من الْإِيمَان. قَوْله: عَلَيْهِ أَي:
مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، يَعْنِي: فِيهِ تضمين مَعْنَاهَا
وإلاَّ فاستعماله بِالْبَاء أَو بِاللَّامِ. قَوْله:
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيت هَكَذَا رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: أُوتِيتهُ،
بِالْهَاءِ وَمعنى الْحصْر فِيهِ أَن الْقُرْآن أعظم
المعجزات بدوامه إِلَى آخر الدَّهْر، وَلما كَانَ لَا
شَيْء يُقَارِبه فضلا عَن أَن يُسَاوِيه كَانَ مَا عداهُ
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَأَن لم يَقع، وَيُقَال:
مَعْنَاهُ أَن كل نَبِي أعطي من المعجزات مَا كَانَ مثله
لمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء فَآمن بِهِ الْبشر، وَأما
معجزتي الْعُظْمَى فَهِيَ الْقُرْآن الَّذِي لم يُعْط أحد
مثله. فَلهَذَا أَنا أَكْثَرهم تبعا. وَيُقَال: إِن
الَّذِي أُوتيت لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تخييل بِسحر وَشبهه
بِخِلَاف معجرة غَيْرِي فَإِنَّهُ قد يخيل السَّاحر
بِشَيْء مِمَّا يُقَارب صورته. كَمَا خيلت السَّحَرَة فِي
صُورَة الْعَصَا. والخيال قد يروج على بعض الْعَوام
النَّاقِصَة الْعُقُول. قَوْله: تَابعا نصب على
التَّمْيِيز.
2 - (بابُ الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رسولِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الِاقْتِدَاء بسنن رَسُول
الله وسننه أَقْوَاله وأفعاله، وَأمر الله عز وَجل عباده
بِاتِّبَاع نبيه والاقتداء بسننه فَقَالَ: {مَّا كَانَ
اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ
عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَئَامِنُواْ
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ
فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ، {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ
يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} وَقَالَ:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ
الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى
التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَالَ الَّتِى
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى
أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الْآيَة،
وتوعد من خَالف سَبيله وَرغب عَن سنته فَقَالَ: {لاَّ
تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ
بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ
يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْآيَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا}
قَالَ: أئِمَّةَ نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنا ويَقْتَدِي
بِنا مَنْ بَعْدَنا.
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على الِاقْتِدَاء. قَوْله:
أَئِمَّة، لم يعلم الْقَائِل من هُوَ وَلَكِن ذكر فِي
التَّفْسِير قَالَ مُجَاهِد أَي: اجْعَلْنَا مِمَّن نقتدي
بِمن قبلنَا حَتَّى يَقْتَدِي بِنَا من بَعدنَا. قَوْله:
أَئِمَّة يَعْنِي، اسْتعْمل الإِمَام هَذَا بِمَعْنى
الْجمع بِدَلِيل: اجْعَلْنَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: الإِمَام هُوَ المقتدى بِهِ فَمن أَيْن اسْتَفَادَ
المأمومية حَتَّى ذكر الْمُقدمَة الأولى أَيْضا؟ قلت: هِيَ
لَازِمَة إِذْ لَا يكون متبوعاً إلاَّ إِذا كَانَ تَابعا
لَهُم أَي: مَا لم يتبع الْأَنْبِيَاء لَا تتبعه
الْأَوْلِيَاء، وَلِهَذَا لم يذكر الْوَاو بَين المقدمتين.
(25/25)
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلاَثٌ أحِبُّهُنَّ
لِنَفْسِي ولإخْوَاني: هَذِهِ السُّنَّة أنْ يَتَعلّمُوها
ويَسْألُوا عَنْها، والقُرْآنُ أنْ يَتَفَهَّمُوهُ
ويَسألُوا عَنْهُ، ويَدَعُوا النَّاسَ إلاّ مِنْ خَيْرٍ.
أَي: وَقَالَ عبد الله بن عَوْف الْبَصْرِيّ من صغَار
التَّابِعين، وَوصل تَعْلِيقه هَذَا مُحَمَّد بن نصر
الْمروزِي فِي كتاب السّنة والجوزقي من طَرِيقه، قَالَ
مُحَمَّد بن نصر: حَدثنَا يحيى بن يحيى حَدثنَا سليم بن
أحضر سَمِعت ابْن عَوْف يَقُول غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ
وَلَا ثَلَاث: ثَلَاث أحبهنَّ لنَفْسي ... الخ. قَوْله:
ولإخواني، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد ولأصحابي. قَوْله: هَذِه
السّنة، أَشَارَ إِلَى طَريقَة النَّبِي إِشَارَة نوعية
لَا شخصية. وَقَالَ فِي الْقُرْآن: يتفهموه، وَفِي السّنة:
يتعلموها، لِأَن الْغَالِب على حَال الْمُسلم أَن
يتَعَلَّم الْقُرْآن فِي أول أمره فَلَا يحْتَاج إِلَى
الْوَصِيَّة بتعلمه، فَلهَذَا أوصى بفهم مَعْنَاهُ
وَإِدْرَاك منطوقه وفحواه. قَوْله: أَن يتفهموه، وَفِي
رِوَايَة يحيى: فيتدبروه، قَوْله: ويدعوا النَّاس، بِفَتْح
الدَّال أَي: يتْركُوا النَّاس، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني بِسُكُون الدَّال من الدُّعَاء، وَفِي
رِوَايَته ويدعوا النَّاس إِلَى خير، قَالَ الْكرْمَانِي:
فِي قَوْله: ويدعوا النَّاس أَي يتْركُوا النَّاس، أَي:
لَا يتَعَرَّضُوا لَهُم، رحم الله امْرَءًا شغله خويصة
نَفسه عَن الْغَيْر، نعم إِن قدر على إِيصَال خير فبها
ونعمت، وَإِلَّا تركُ الشَّرّ أَيْضا خير.
7275 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاس، حدّثنا عبْدُ
الرَّحْمان، حدَّثنا سُفْيانُ، عنْ واصِلٍ، عنْ أبي وائِلٍ
قَالَ: جَلَستُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هاذَا المَسْجِدِ،
قَالَ: جَلَسَ إليَّ عُمَرُ فِي مَجْلسِكَ هاذَا فَقَالَ:
لَقدْ هَمَمْتُ أنْ لَا أدَعَ فِيها صَفْرَاءَ وَلَا
بَيْضَاءَ، إلاَّ قَسَمْتُها بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: مَا أنْت بِفاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ
يَفْعَلْهُ صاحِباكَ. قَالَ: هُما المَرْآنِ يُقْتَدَى
بِهما.
انْظُر الحَدِيث 1594
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: هما المرآن
يقْتَدى بهما أَي بِالنَّبِيِّ وبأبي بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، والاقتداء بِالنَّبِيِّ اقْتِدَاء بسنته.
وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن عَبَّاس بِالْبَاء
الْمُوَحدَة الْأَهْوَازِي، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وواصل هُوَ ابْن حَيَّان
بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، وَأَبُو وَائِل
بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف شَقِيق بن سَلمَة.
قَوْله: إِلَى شيبَة بِفَتْح الشين وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن عُثْمَان الحَجبي
الْعَبدَرِي أسلم بعد الْفَتْح وَبَقِي إِلَى زمَان يزِيد
بن مُعَاوِيَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي
مُسلم إلاَّ هَذَا الحَدِيث. قَوْله: فِي هَذَا الْمَسْجِد
أَي: الْمَسْجِد الْحَرَام. قَوْله: لقد هَمَمْت أَي: قصدت
أَن لَا أدع أَي: أَن لَا أترك فِيهَا، أَي: فِي
الْكَعْبَة صفراء أَي: ذَهَبا، وَلَا بَيْضَاء أَي: فضَّة.
قَوْله: قلت: الْقَائِل هُوَ شيبَة. قَوْله: مَا أَنْت
بفاعل أَي: مَا أَنْت تفعل ذَلِك. قَوْله: قَالَ: لم؟ أَي:
قَالَ عمر: لم لَا أفعل؟ قَوْله: لم يَفْعَله صاحباك
أَرَادَ بهما النَّبِي، وَأَبا بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لفَعَلت، ولكنهما مَا
فعلاه. فَقَالَ عمر: هما المرآن يقْتَدى بهما وَقَالَ ابْن
بطال: أَرَادَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قسْمَة
المَال فِي مصَالح الْمُسلمين. فَلَمَّا ذكر شيبَة أَن
النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَأَبا
بكر بعده لم يتعرضا لَهُ لم يَسعهُ خلافهما، وَرَأى أَن
الِاقْتِدَاء بهما وَاجِب، فَرُبمَا يهدم الْبَيْت أَو
يحْتَاج إِلَى ترميمه فَيصْرف ذَلِك المَال فِيهِ، وَلَو
صرف فِي مَنَافِع الْمُسلمين لَكَانَ كَأَنَّهُ قد خرج عَن
وَجهه الَّذِي عين فِيهِ.
7276 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ
قَالَ: سألْتُ الأعْمَشَ فَقَالَ: عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ
سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: حدّثنا رسولُ الله أنَّ
الأمانَةَ نَزَلَتْ من السَّماءِ فِي جَذْر قُلوبِ
الرِّجالِ، ونَزَلَ القُرْآنَ فَقَرأُوا القُرْآنَ
وعَلِمُوا مِنَ السُّنَةِ
انْظُر الحَدِيث 6497 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث، وَهُوَ ظَاهر.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سلميان، وَزيد بن وهب
الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى
النَّبِي، فَقبض النَّبِي وَهُوَ فِي
(25/26)
الطَّرِيق، سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي الرقَاق وَفِي الْفِتَن عَن
مُحَمَّد بن كثير عَن الثَّوْريّ.
قَوْله: الْأَمَانَة قيل: المُرَاد بهَا الْإِيمَان
وشرائعه. قَوْله: جذر بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الذَّال
الْمُعْجَمَة الأَصْل، وَالرِّجَال الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْله: وَنزل الْقُرْآن يَعْنِي: كَانَ فِي طباعهم
الْأَمَانَة بِحَسب الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس
عَلَيْهَا، ووردت الشَّرِيعَة بذلك فَاجْتمع الطَّبْع
وَالشَّرْع فِي حفظهَا.
7277 - حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسٍ، حدّثنا شُعْبَةُ،
أخبرنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ مُرَّةَ
الهَمْدانِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الله: إنَّ أحْسَنَ
الحَدِيثِ كِتابُ الله، وأحْسَنَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ
وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتها، {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ
لأَتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}
انْظُر الحَدِيث 6098
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَأحسن الْهَدْي هدي
مُحَمَّد، لِأَن الْهَدْي هُوَ السمت والطريقة، وَهِي من
سنَن النَّبِي،
وَعَمْرو بن مرّة الْجملِي بِفَتْح الْجِيم وَتَخْفِيف
الْمِيم، وَمرَّة شَيْخه ابْن شرَاحِيل، وَيُقَال لَهُ:
مرّة الطّيب بِالتَّشْدِيدِ، وَعبد الله هُوَ ابْن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب.
قَوْله: وَأحسن الْهَدْي بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون
الدَّال، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني بِضَم الْهَاء وَفتح الدَّال مَقْصُورا وَهُوَ
ضد الضلال. قَوْله: وَشر الْأُمُور إِلَى آخِره، زِيَادَة
على الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْأَدَب،
وَالْبُخَارِيّ اخْتَصَرَهُ هُنَاكَ. وَظَاهر سِيَاق هَذَا
الحَدِيث أَنه مَوْقُوف لَكِن الْقدر الَّذِي لَهُ حكم
الرّفْع مِنْهُ: وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد، فَإِن
فِيهِ إِخْبَارًا عَن صفة من صِفَاته وَهُوَ أحد أَقسَام
الْمَرْفُوع على مَا قَالُوهُ، وَلَكِن جَاءَ هَذَا عَن
ابْن مَسْعُود مُصَرحًا فِيهِ بِالرَّفْع من وَجه آخر
أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، لَكِن لَيْسَ هُوَ
على شَرط البُخَارِيّ. قَوْله: محدثاتها جمع محدثة
وَالْمرَاد بِهِ مَا أحدث وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي الشَّرْع،
وَسمي فِي عرف الشَّرْع بِدعَة، وَمَا كَانَ لَهُ أصل يدل
عَلَيْهِ الشَّرْع فَلَيْسَ ببدعة. قَوْله: {تِلْكَ
أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا
كَسَبْتُم وَلاَ تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
إِلَى آخِره، من كَلَام ابْن مَسْعُود أَخذه من الْقُرْآن
للموعظة الَّتِي تناسب الْحَال.
7278 -، 7279 حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا سُفْيانُ، حَدثنَا
الزُّهْرِيُّ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ
وَزَيْدِ بنِ خالدٍ قَالَ: كُنّا عِنْدَ النَّبيِّ
فَقَالَ: لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتابِ الله
اما
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله، بِكِتَاب الله
أَن السّنة يُطلق عَلَيْهَا كتاب الله لِأَنَّهَا بوحيه،
فَإِذا كَانَ المُرَاد هُوَ السّنة يدْخل فِي
التَّرْجَمَة.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن
مُسلم، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن
مَسْعُود، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث العسيف وَالَّذِي
اسْتَأْجرهُ، وَقد مر بِتَمَامِهِ غير مرّة. قَوْله:
بَيْنكُمَا الْخطاب لوالد العسيف، وَالَّذِي اسْتَأْجرهُ
وَلَيْسَ خطابا لأبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد، لِأَنَّهُ
قد يتَوَهَّم ذَلِك ظَاهرا.
7280 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ، حَدثنَا فُلَيْحٌ،
حَدثنَا هِلاَلُ بنُ عَلِيَ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنْ
أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله قَالَ: كُلُّ أُمَّتي
يَدْخُلُونَ الجَنّةَ، إلاّ مَنْ أبَى قَالُوا: يَا رسُول
الله ومَنْ يأْبى؟ قَالَ: مَنْ أطاعَني دَخَلَ الجنةَ،
ومَنْ عَصانِي فَقَدْ أَبى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: من أَطَاعَنِي
لِأَن من أطاعه يعْمل بسنته.
وفليح بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان الْمدنِي، وهلال بن عَليّ
هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن أبي مَيْمُونَة، وهلال ابْن
هِلَال، وهلال بن أُسَامَة الْمدنِي، وَعَطَاء بن يسَار ضد
الْيَمين.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: إِلَّا من أَبى أَي: امْتنع عَن قبُول الدعْوَة
أَو عَن امْتِثَال الْأَمر، فَإِن قلت: العَاصِي يدْخل
الْجنَّة أَيْضا، إِذْ لَا يبْقى مخلداً فِي النَّار؟ قلت:
يَعْنِي لَا يدْخل فِي أول الْحَال، أَو المُرَاد بالإباء
الِامْتِنَاع عَن الْإِسْلَام.
7281 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبادَةَ، أخبرنَا يَزِيدُ،
حدّثنا سَلِيمُ بنُ حَيَّانَ، وأثْناى عَلَيْهِ، حدّثنا
سَعيدُ
(25/27)
بنُ مِيناءَ، حدّثنا أوْ سَمِعْتُ جابِرَ
بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: جاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النبيِّ
وهْوَ نائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ نائِمٌ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إنَّ العَيْنَ نائِمَةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ.
فقالُوا: إنَّ لِصاحِبِكُمْ هاذا مَثَلاً، فاضْرِبُوا لهُ
مَثَلاً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ نائِمٌ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إنَّ العَيْنَ نائِمَةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ.
فقالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارا، وجَعَلَ
فِيها مأْدُبَةً وبَعَثَ داعِياً، فَمَنْ أجابَ الدَّاعِيَ
دَخَلَ الدَّارَ وأكلَ مِنَ المْأْدُبَةِ، ومَنْ لَمْ
يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ. ولَم يأْكُلْ
مِنَ المْأْدُبَةِ. فقالُوا: أوِّلُوها لهُ يَفْقَهْها،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنهُ نائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إنَّ العَيْنَ نائِمةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ، فقالُوا:
فالدَّارُ الجَنَّةُ والدَّاعِي مُحَمَّدٌ فَمَنْ أطاعَ
مُحَمَّداً فَقَدْ أطاعَ الله، ومَنْ عَصى مُحَمَّداً
فَقَدْ عَصاى الله، ومُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَمن أطَاع
مُحَمَّدًا فقد أطَاع الله لِأَن من أطاعه يعْمل بسنته.
وَمُحَمّد بن عبَادَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة
الوَاسِطِيّ، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا
الحَدِيث وَآخر مضى فِي كتاب الْأَدَب، وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن هَارُون، وسليم بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة على وزن كريم ابْن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. قَوْله:
وَأثْنى عَلَيْهِ أَي: على سليم بن حَيَّان، الْقَائِل
بِهَذَا هُوَ مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ، وفاعل: أثنى، هُوَ
يزِيد. قَوْله: قَالَ حَدثنَا أَو سَمِعت الْقَائِل ذَاك
سعيد بن ميناء والشاك هُوَ سليم بن حَيَّان شكّ فِي أَي
الصيغتين قَالَهَا شَيْخه سعيد، وَيجوز فِي جَابر النصب
وَالرَّفْع، أما النصب فعلى تَقْدِير: سَمِعت جَابِرا،
وَأما الرّفْع فعلى تَقْدِير: حَدثنَا جَابر.
قَوْله: جَاءَت مَلَائِكَة لم يدر أساميهم، وَجَاء فِي
رِوَايَة التِّرْمِذِيّ على مَا نذكرهُ عَن قريب أَن
الَّذين حَضَرُوا فِي هَذِه الْقِصَّة: جِبْرِيل
وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَلَفظه: خرج علينا
النَّبِي يَوْمًا فَقَالَ، إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام
كَأَن جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رجْلي.
قَوْله: إِن لصاحبكم أَي: لسيدنا مُحَمَّد قَوْله: فاضربوا
لَهُ مثلا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَر قَالَ: فاضربوا لَهُ،
وَسقط لفظ: قَالَ فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: مثله
بِفَتْح الْمِيم والمثلثة أَي: صفته، وَيُمكن أَن يُرَاد
بِهِ مَا عَلَيْهِ أهل الْبَيَان وَهُوَ مَا نَشأ من
الاستعارات التمثيلية. قَوْله: مأدبة بِسُكُون الْهمزَة
وَضم الدَّال بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَحكى الْفَتْح فِي
الدَّال، وَقَالَ ابْن التِّين: عَن أبي عبد الْملك الضَّم
وَالْفَتْح لُغَتَانِ فصيحتان، وَقَالَ أَبُو مُوسَى
الحامض: من قَالَ بِالضَّمِّ أَرَادَ الْوَلِيمَة، وَمن
قَالَ بِالْفَتْح أَرَادَ بِهِ أدب الله الَّذِي أدب بِهِ
عباده، وَيتَعَيَّن الضَّم هُنَا. قَوْله: أولوها أَي:
فسروها واكشفوها كَمَا هُوَ تَعْبِير الرُّؤْيَا حَتَّى
يفهم الْحق، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّشْبِيه
يَقْتَضِي أَن يكون مثل الْبَانِي هُوَ مثل النَّبِي
حَيْثُ قَالَ: مثله كَمثل رجل بنى دَارا لَا مثل
الدَّاعِي. قلت: هَذَا لَيْسَ من بَاب تَشْبِيه الْمُفْرد
بالمفرد، بل تَشْبِيه الْمركب بالمركب من غير مُلَاحظَة
مُطَابقَة الْمُفْردَات من الطَّرفَيْنِ، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا
كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ
نَبَاتُ الاَْرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ
وَالاَْنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الاَْرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ
نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ
بِالاَْمْسِ كَذالِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ} قَوْله: فرق بِفَتْح الرَّاء الْمُشَدّدَة
على أَنه فعل مَاض، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة غَيره بِسُكُون الرَّاء وبتنوين الْقَاف
بِمَعْنى: فَارق بَين الْمُطِيع والعاصي. قَوْله:
وَمُحَمّد مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ، و: فرَّق أَو فرقٌ،
على الْوَجْهَيْنِ خَبره.
تابَعَهُ قُتَيْبَةُ عنْ لَيْثٍ عنْ خالِدٍ عنْ سَعِيدِ
بنِ أبي هِلالٍ عنْ جابرٍ: خَرَجَ عَلَيْنا النبيُّ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن عبَادَة قُتَيْبَة بن سعيد
كِلَاهُمَا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَلَيْث هُوَ ابْن
سعد، وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد أَبُو عبد الرَّحِيم
الْمصْرِيّ أحد الثِّقَات، وَسَعِيد بن أبي هِلَال
اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وروى التِّرْمِذِيّ هَذِه
الْمُتَابَعَة: حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث
عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال أَن جَابر بن
عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: خرج علينا النَّبِي يَوْمًا
فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن جِبْرِيل
عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رجْلي، يَقُول أَحدهمَا
لصَاحبه: اضْرِب لَهُ مثلا. فَقَالَ: اسْمَع سَمِعت
أُذُنك، واعقل
(25/28)
عقل قَلْبك، إِنَّمَا مثلك وَمثل أمتك
كَمثل ملك اتخذ دَارا ثمَّ بنى فِيهَا بَيْتا ثمَّ جعل
فِيهَا مائدة ثمَّ بعث رَسُولا يَدْعُو النَّاس إِلَى
طَعَامه، فَمنهمْ من أجَاب الرَّسُول وَمِنْهُم من تَركه،
فَالله هُوَ الْملك، وَالدَّار الْإِسْلَام، وَالْبَيْت
الْجنَّة، وَأَنت يَا مُحَمَّد رسولٌ من أجابك دخل
الْإِسْلَام وَمن دخل الْإِسْلَام دخل الْجنَّة وَمن دخل
الْجنَّة أكل مِمَّا فِيهَا هَذَا حَدِيث مُرْسل لِأَن
سعيد بن أبي هِلَال لم يدْرك جَابر بن عبد الله. انْتهى.
قيل: فَائِدَة إِيرَاد البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة
لرفع توهم من يظنّ أَن طَرِيق سعيد بن ميناء مَوْقُوف
لِأَنَّهُ لم يُصَرح بِرَفْع ذَلِك إِلَى النَّبِي وَذكر
هَذِه الْمُتَابَعَة لتصريحها بِالرَّفْع.
7282 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفيْانُ عَن
الأعْمشِ عنْ إبْراهِيمَ، عنْ هَمَّامٍ عنْ حُذَيْفَةَ
قَالَ: يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ
سَبِقْتُمْ سَبْقاً بَعِيداً، فإنْ أخَذْتُمْ يَمِيناً
وشِمالاً لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالاً بَعِيداً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اسْتَقِيمُوا لِأَن
الاسْتقَامَة هِيَ الِاقْتِدَاء بسنن الرَّسُول
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم
هُوَ النَّخعِيّ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم هُوَ ابْن
الْحَارِث. وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون.
قَوْله: يَا معشر الْقُرَّاء بِضَم الْقَاف قارىء،
وَالْمرَاد بهم الْعلمَاء بِالْقُرْآنِ وَالسّنة والعباد
وَكَانَ فِي الصَّدْر الأول إِذا أطْلقُوا الْقُرَّاء
أَرَادوا بهم الْعلمَاء. قَوْله: اسْتَقِيمُوا أَي: اسلكوا
طَرِيق الاسْتقَامَة، وَهُوَ كِنَايَة عَن التَّمَسُّك
بِأَمْر الله فعلا وتركاً. قَوْله: فقد سبقتم على صِيغَة
الْمَجْهُول يَعْنِي: لازموا الْكتاب وَالسّنة فَإِنَّكُم
مسبوقون سبقاً بَعيدا، أَي: قَوِيا مُتَمَكنًا، فَرُبمَا
يلحقون بهم بعض اللحوق. قَوْله: فَإِن أَخَذْتُم يَمِينا
وَشمَالًا أَي: خالفتم الْأَمر وأخذتم غير طَرِيق
الاسْتقَامَة، فقد ضللتم ضلالا بَعيدا، أَي: قَوِيا
مُتَمَكنًا. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنَّ هَاذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذاَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
7283 - حدّثنا أبُو كُرَيْبٍ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ
بُرَيْدٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى عَن النَّبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ
مَا بَعَثَنِي الله بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً،
فَقَالَ: يَا قَوْمِ إنِّي رَأيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ
وإنِّي أَنا النَّذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ، فأطاعَهُ
طائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فأدْلَجُوا فانْطَلَقُوا عَلى
مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وكَذَّبَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
فأصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ
فأهْلَكَهُمْ واجْتاحَهُمْ، فَذالِكَ مَثَلُ مَنْ
أطاعَنِي، فاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، ومَثَلُ مَنْ
عَصانِي وكَذَّبَ بِما جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ
انْظُر الحَدِيث 6482
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فأطاعه طَائِفَة
من قومه لِأَن إطاعة النَّبِي اقْتِدَاء بسنته.
وَأَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتح الرَّاء هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة
عَامِرًا أَو الْحَارِث، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق فِي: بَاب الِانْتِهَاء عَن
الْمعاصِي.
قَوْله الْعُرْيَان أَي: الْمُجَرّد عَن الثِّيَاب، كَانَت
عَادَتهم أَن الرجل إِذا رأى الْعَدو وَأَرَادَ إنذار قومه
يخلع ثَوْبه ويديره حول رَأسه إعلاماً لِقَوْمِهِ من بعيد
بالغارة وَنَحْوهَا. قَوْله: فالنجاء ممدوداً ومقصوراً
بِالنّصب على أَنه مفعول مُطلق أَي: الْإِسْرَاع والإدلاج،
بِكَسْر الْهمزَة السّير أول اللَّيْل، وَمن بَاب الافتعال
السّير آخر اللَّيْل. قَوْله: على مهلهم أَي: على سكينتهم.
قَوْله: فصبحهم الْجَيْش أَي: أتوهم صباحاً وأغاروا
عَلَيْهِم. قَوْله: واجتاحهم بِالْجِيم ثمَّ الْحَاء
الْمُهْملَة أَي: استأصلهم.
7284 -، 7285 حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا لَ
يْثٌ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عُبَيْدُ
الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله واسْتُخْلِفَ أبُو
بَكْرٍ بَعْدَهُ وكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ قَالَ
عُمَرُ لأبي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وقَدْ قَالَ
رسولُ الله
(25/29)
أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى
يَقُولُوا: لَا إلاهَ إِلَّا الله، فَمَنْ قَالَ: لَا
إلاهَ إلاَّ الله عَصَمَ مِنِّي مالَهُ ونَفْسَهُ إلاَّ
بِحَقِّهِ وحِسابُهُ عَلى الله؟ فَقَالَ: وَالله
لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ،
فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي
عِقالاً كانُوا يُؤَدّونَهُ إِلَى رسولِ الله
لقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعهِ. فَقَالَ عمَرُ: فَوالله مَا
هُوَ إِلَّا أنْ رَأيْتُ الله قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبي
بَكْرٍ لِلْقِتالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ.
قَالَ ابنُ بُكَيْرٍ، وعَبْدُ الله عنِ اللَّيْثِ:
عِنَاقاً، وهْوَ أصَحُّ.
مَا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لأقاتلن من فرق
بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن من فرق بَينهمَا خرج على
الِاقْتِدَاء بسنته.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث قد مضى فِي أول
الزَّكَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: واستخلف على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: النَّاس
هم طَائِفَة منعُوا الزَّكَاة بِشُبْهَة أَن صَلَاة أبي
بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَيست سكناً لَهُم
بِخِلَاف صَلَاة الرَّسُول، فَإِنَّهَا كَانَت سكناً قَالَ
تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ} قَوْله: فَإِن الزَّكَاة حق المَال أَي: هَذَا
دَاخل تَحت الِاسْتِثْنَاء الرافع للعصمة الْمُبِيح
لِلْقِتَالِ.
قَوْله: قَالَ ابْن بكير أَي: يحيى بن عبد الله بن بكير
الْمصْرِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن صَالح كَاتب اللَّيْث
يَعْنِي: حَدثهُ بِهِ يحيى بن بكير وَعبد الله عَن
اللَّيْث بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: عنَاقًا، بدل
عقَالًا.
7286 - حدّثني إسْماعِيلُ، حدّثني ابنُ وَهْبٍ، عنْ
يُونُسَ، عنِ ابنِ شهَاب حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ
الله بن عُتْبَةَ أنَّ عَبْدِ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِي
الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَدمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ
حُذَيْفَةَ بن بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلى ابنِ أخِيهِ الحُرِّ
بنِ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الّذِينَ
يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصْحابَ مَجْلِسِ
عُمَرَ ومُشاوَرَتِهِ كَهُولاً كانُوا أوْ شَبَّاناً،
فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخِيهِ: يَا ابنَ أخِي هَلْ لكَ
وَجُهٌ عِنْدَ هاذا الأميرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟
قَالَ: سَأسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلمَّا
دَخَلَ قَالَ: يَا ابنَ الخَطَّابِ وَالله مَا تُعْطِينا
الجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ
عُمَرُ حتَّى هَمَّ بِأنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الحُرُّ:
يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّ الله تَعَالَى قَالَ
لِنَبِيِّهِ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإنَّ هاذا مِنَ
الجاهِلِينَ، فَوالله مَا جاوَزَها عُمَرُ حِينَ تَلاها
عَلَيْهِ، وكانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله.
انْظُر الحَدِيث 4642
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَكَانَ وقافاً
عِنْد كتاب الله فَإِن الَّذِي يقف عِنْد كتاب الله هُوَ
الَّذِي يَقْتَدِي بسنن رَسُول الله وَالْوُقُوف عِنْد
كتاب الله عبارَة عَن الْعَمَل بِمَا فِيهِ.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس يروي عَن عبد الله بن
وهب عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم
بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْأَعْرَاف
عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
قَوْله: عُيَيْنَة مصغر عينة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ابْن حصن بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وبالنون
ابْن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ مَعْدُود فِي
الصَّحَابَة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْصُوفا
بالشجاعة وَالْجهل والجفاء، وَله ذكر فِي الْمَغَازِي ثمَّ
أسلم فِي الْفَتْح وَشهد مَعَ النَّبِي حنيناً فَأعْطَاهُ
مَعَ الْمُؤَلّفَة وَسَماهُ النَّبِي الأحمق المطاع،
وَوَافَقَ طليحة الْأَسدي لما ادّعى النُّبُوَّة، فَلَمَّا
غلبهم الْمُسلمُونَ فِي قتال أهل الرِّدَّة فر طليحة وَأسر
عُيَيْنَة، فَأتي بِهِ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فاستتابه فَتَابَ. قَوْله: الْحر بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء ابْن قيس بن حصن بن
حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، قَالَ أَبُو عمر: الْحر
كَانَ من الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله
(25/30)
من فَزَارَة مرجعه من تَبُوك. قَوْله:
وَكَانَ من النَّفر أَي: وَكَانَ الْحر بن قيس من
الطَّائِفَة: الَّذين يدنيهم عمر أَي: يقربهُمْ ثمَّ بَين
ابْن عَبَّاس سَبَب إدنائه الْحر بقوله: وَكَانَ
الْقُرَّاء أَصْحَاب مجْلِس عمر وَأَرَادَ بالقراء
الْعلمَاء والعباد فَدلَّ ذَلِك على أَن الْحر الْمَذْكُور
كَانَ يَتَّصِف بذلك، فَلذَلِك كَانَ عمر يُدْنِيه.
قَوْله: ومشاورته أَي: وَأَصْحَاب مشاورته، يَعْنِي: كَانَ
يشاورهم فِي الْأُمُور. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ومشاورته
بِلَفْظ الْمصدر وبلفظ الْمَفْعُول. قَوْله: كهولاً
كَانُوا أَو شباناً الكهول جمع كهل والشبان جمع شَاب،
أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين أَصْحَاب مَجْلِسه
وَأَصْحَاب مشورته سَوَاء فيهم الكهول والشبان لِأَن كلهم
كَانُوا على خير. قَوْله: هَل لَك وَجه أَي: وجاهة ومنزلة.
قَوْله: عِنْد هَذَا الْأَمِير أَرَادَ بِهِ أَمِير
الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
لَكِن لم يقل هَذَا الْأَمِير إلاَّ من قُوَّة جفائه وَعدم
مَعْرفَته بمنازل الأكابر. قَوْله: فَتَسْتَأْذِن لي
بِالنّصب أَي: فتطلب مِنْهُ الْإِذْن فِي خلْوَة، لِأَن
عمر كَانَ لَا يحتجب إلاَّ عِنْد خلوته وراحته وَلأَجل
ذَلِك قَالَ: الْحر سأستأذن لَك حَتَّى تَجْتَمِع بِهِ
وَحدك.
قَوْله: قَالَ ابْن عَبَّاس مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: يَا ابْن الْخطاب هَذَا أَيْضا من جفائه حَيْثُ لم
يقل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَو يَا عمر بن الْخطاب،
وَقد تقدم فِي سُورَة الْأَعْرَاف: فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ
قَالَ: هِيَ يَا ابْن الْخطاب بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون
الْبَاء، وَهَذِه كلمة تقال فِي الاستزادة، وَبِمَعْنى
التهديد، وَأَشَارَ صَاحب التَّوْضِيح إِلَى الْمَعْنى
الثَّانِي. قَوْله: الجزل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون
الزَّاي بعْدهَا لَام، أَي: الْعَطاء الْكثير، وأصل الجزل
مَا عظم من الْخطب. قَوْله: وَمَا تحكم وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: وَلَا تحكم. قَوْله: حَتَّى هم أَن يَقع بِهِ
أَي: حَتَّى قصد أَن يُبَالغ فِي ضربه، وَفِي رِوَايَة
التَّفْسِير: حَتَّى هما أَن يُوقع بِهِ، قَوْله: وَإِن
هَذَا من الْجَاهِلين أَي: أعرض عَنهُ. قَوْله: فوَاللَّه
مَا جاوزها قيل: إِنَّه من كَلَام ابْن عَبَّاس، وَقيل: من
كَلَام الْحر بن قيس، وَمعنى: مَا جاوزها، مَا عمل بِغَيْر
مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة، بل عمل بمقتضاها، فَلذَلِك
قَالَ: وَكَانَ وقافاً عِنْد كتاب الله أَي: يعْمل بِمَا
فِيهِ وَلَا يتجاوزه.
7287 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ،
عنْ هِشامِ بن عُرْوَةَ، عنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ
عنْ أسْماءَ ابْنَةِ أبي بَكْرٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا،
أنّها قالَتْ: أتَيْتُ عائِشَةَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ،
والنَّاسُ قِيامٌ وهْيَ قائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا
لِلنَّاسِ؟ فأشارَتْ بِيَدِها نَحْوَ السَّماءِ. فقالَتْ:
سُبْحانَ الله فَقُلْتُ: آيةٌ؟ قالتْ بِرَأسِها: أنْ
نَعَمْ، فَلَمَّا انْصَرَف رسولُ الله حَمِدَ الله وأثْناى
عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أرَهُ إلاّ
وَقَدْ رَأيْتُهُ فِي مَقامِي هاذا، حتَّى الجَنَّةَ
والنَّارَ، وأُوحِيَ إلَيَّ أنّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي
القُبُورِ قَرِيباً مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فأمَّا
المُؤْمِنُ أَو المُسْلِمُ لَا أدْرِي أيَّ ذالِكَ قالَتْ
أسْماءُ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جاءَنا بِالبَيِّناتِ
فأجَبْنا وآمَنَّا، فَيُقالُ: نَمْ صالِحاً عَلِمْنا
أنَّكَ مُوقِنٌ، وأمَّا المُنافِقُ أَو المُرْتابُ لَا
أدْري أيَّ ذالِكَ قَالَتْ أسْماءُ فَيَقُولُ: لَا أدْرِي
سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ
ا
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُؤْخَذ من قَوْله:
مُحَمَّد جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ فأجبنا لِأَن الَّذِي
أجَاب وآمن هُوَ الَّذِي اقْتدى بسنته،
وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر زَوْجَة هِشَام بن عُرْوَة،
وَأَسْمَاء جدَّتهَا.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من أجَاب
الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد وَالرَّأْس.
قَوْله: حِين خسفت الشَّمْس ويروى: كسفت الشَّمْس، فَدلَّ
على أَن الخسوف والكسوف كليهمَا يستعملان للشمس، وَفِيه رد
على من قَالَ: إِن الْكُسُوف مُخْتَصّ بالشمس والخسوف
بالقمر. قَوْله: تفتنون أَي: تمتحنون، وَذَلِكَ بسؤال
مُنكر وَنَكِير. قَوْله: فأجبنا أَي: دَعوته وآمنا بِهِ.
7288 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ أبي
الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ
النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعُونِي مَا
تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ
بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ عَلى أنْبِيائِهِمْ، فَإِذا
نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا
أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
(25/31)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى
الحَدِيث لِأَن الَّذِي يجْتَنب عَمَّا نَهَاهُ نَبِي الله
ويأتمر بِمَا أمره بِهِ يكون مِمَّن اقْتدى بسنن النَّبِي
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك،
وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان،
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز والْحَدِيث من
أَفْرَاده بِهَذَا الْوَجْه.
قَوْله: دَعونِي أَي: اتركوني. قَوْله: مَا تركتكم أَي:
مُدَّة تركي إيَّاكُمْ، وَإِنَّمَا غاير بَين
اللَّفْظَيْنِ لِأَن الْمَاضِي أميت من بَاب يدع، وَأما
قِرَاءَة {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
بِالتَّخْفِيفِ فشاذة. قَوْله: هلك على صِيغَة الْمَعْلُوم
من الْمَاضِي: وَمن فَاعله وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: إِنَّمَا أهلك، على صِيغَة
الْمَعْلُوم أَيْضا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَيكون
سُؤَالهمْ مَرْفُوعا فَاعله. وَقَوله: من كَانَ مَفْعُوله
وَلَيْسَ فِيهِ الْبَاء، وَأما على رِوَايَة غير
الْكشميهني بِالْبَاء: بسؤالهم أَي: بِسَبَب سُؤَالهمْ.
قَوْله: وَاخْتِلَافهمْ بِالرَّفْع والجر بِحَسب الْعَطف
على مَا قبله. قَوْله: وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر وَفِي
رِوَايَة مُسلم: بِشَيْء. قَوْله: فَأتوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُم أَي: افعلوا قدر استطاعتكم، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا من جَوَامِع الْكَلم وقواعد
الْإِسْلَام وَيدخل فِيهِ كثير من الْأَحْكَام
كَالصَّلَاةِ لمن عجز عَن ركن أَو شَرط فَيَأْتِي
بالمقدور، وَكَذَا الْوضُوء وَستر الْعَوْرَة وَحفظ بعض
الْفَاتِحَة والإمساك فِي رَمَضَان لمن أفطر بالعذر ثمَّ
قدر فِي أثْنَاء النَّهَار إِلَى غير ذَلِك من الْمسَائِل
الَّتِي يطول شرحها.
3 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ
وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من كَثْرَة السُّؤَال
عَن أُمُور مُعينَة، ورد الشَّرْع بِالْإِيمَان بهَا مَعَ
ترك كيفيتها، وَالسُّؤَال عَمَّا لَا يكون لَهُ شَاهد فِي
عَالم الْحس، كالسؤال عَن قرب السَّاعَة وَعَن الرّوح
وَعَن مُدَّة هَذِه الْأمة إِلَى أَمْثَال ذَلِك مِمَّا
لَا يعرف إلاَّ بِالنَّقْلِ الصّرْف. قَوْله: وتكلف مَا
لَا يعنيه، أَي: مَا لَا يهمه.
وقَوْله تَعَالَى: {}
وَقَوله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَا يكره،
وَكَأَنَّهُ اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة على الْمُدَّعِي من
الْكَرَاهَة، وَفِي سَبَب نُزُولهَا اخْتِلَاف. فَقَالَ
سعيد بن جُبَير: نزلت فِي الَّذين سَأَلُوا عَن الْبحيرَة
والسائبة والوصيلة، أَلا ترى أَن مَا بعْدهَا: {مَا جَعَلَ
اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ
وَلاَ حَامٍ وَلَاكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: سَأَلُوهُ عَن أُمُور
الْجَاهِلِيَّة الَّتِي عفى الله عَنْهَا، وَلَا وَجه
للسؤال عَمَّا عفى الله عَنْهَا. وَقيل: كَانَ الَّذِي
سَأَلَ رَسُول الله عَن أَبِيه ينازعه رجلَانِ فَأخْبرهُ
بِأَنَّهُ مِنْهُمَا. وَاعْلَم أَن السُّؤَال عَن مثل
هَذَا لَا يَنْبَغِي، وَإنَّهُ أظهر فِيهِ الْجَواب سَاءَ
ذَلِك السَّائِل وَأدّى ذَلِك إِلَى فضيحته، وَقيل:
إِنَّمَا نهى فِي هَذِه الْآيَة لِأَنَّهُ وَجب السّتْر
على عباده رَحْمَة مِنْهُ لَهُم، وَأحب أَن لَا يقترحوا
الْمسَائِل. وَقَالَ الْمُهلب: وأصل النَّهْي عَن كَثْرَة
السُّؤَال والتنطع فِي الْمسَائِل مُبين فِي قَوْله
تَعَالَى فِي بقرة بني إِسْرَائِيل حِين أَمرهم الله بِذبح
بقرة، فَلَو ذَبَحُوا أَي بقرة كَانَت، لكانوا مؤتمرين غير
عاصين، فَلَمَّا شَدَّدُوا شدد الله عَلَيْهِم، وَقيل:
أَرَادَ النَّهْي عَن أَشْيَاء سكت عَنْهَا، فكره
السُّؤَال عَنْهَا لِئَلَّا يحرم شَيْئا كَانَ مسكوتاً
عَنهُ.
7289 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِىءُ،
حدّثنا سَعيدٌ، حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب، عنْ
عامِرِ بنِ سَعْدٍ بنِ أبي وقَّاصٍ، عنْ أبِيهِ: أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ أعْظَمَ
المسْلِمِينَ جُرْماً مَنْ سألَ عنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ
فَحُرِّمَ مِنْ أجْلِ مَسْألَتِهِ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد
هُوَ ابْن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ الْمصْرِيّ، وَاسم أبي
أَيُّوب مِقْلَاص بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَفِي
آخِره صَاد مُهْملَة، وَكَانَ ثِقَة ثبتاً. قَوْله: عَن
أَبِيه هُوَ سعد بن أبي وَقاص.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي، عَن يحيى
بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة.
قَوْله: إِن أعظم الْمُسلمين جرما أَي: من حَيْثُ الجرم
أَي: الذَّنب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِن أعظم النَّاس فِي
الْمُسلمين جرما، قَالَ الطَّيِّبِيّ
(25/32)
شيخ شَيْخي: فِيهِ من الْمُبَالغَة أَنه
جعله عَظِيما ثمَّ فسره بقوله: جرما، ليدل على أَنه نفس
الجرم. وَقَوله: فِي الْمُسلمين أَي: فِي حَقهم. قَوْله:
عَن شَيْء وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: عَن أَمر. قَوْله: لم
يحرم على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّحْرِيم صفة لقَوْله:
شَيْء. قَوْله: فَحرم على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا من
التَّحْرِيم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَلَيْهِم، وَله من
رِوَايَة سُفْيَان: عَلَيْهِم، وَقَالَ ابْن بطال عَن
الْمُهلب: ظَاهر الحَدِيث يتَمَسَّك بِهِ الْقَدَرِيَّة
فِي أَن الله يفعل شَيْئا من أجل شَيْء وَلَيْسَ كَذَلِك،
بل هُوَ على كل شَيْء قدير، فَهُوَ فَاعل السَّبَب والمسبب
كل ذَلِك بتقديره، وَلَكِن الحَدِيث مَحْمُول على التحذير
مِمَّا ذكر فَعظم جرم من فعل ذَلِك لِكَثْرَة الكارهين
لفعله، وَقَالَ غَيره: أهل السّنة لَا يُنكرُونَ إِمْكَان
التَّعْلِيل، وَإِنَّمَا يُنكرُونَ وُجُوبه فَلَا يمْتَنع
أَن يكون الْمُقدر الشَّيْء الْفُلَانِيّ يتَعَلَّق بِهِ
الْحُرْمَة إِن سُئِلَ عَنهُ، وَقد سبق الْقَضَاء بذلك،
لَا أَن السُّؤَال عِلّة للتَّحْرِيم. فَإِن قلت: قَوْله
تَعَالَى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً
نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُو اْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن
كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} يدل على وجوب السُّؤَال. قلت:
هُوَ معَارض بقوله: لَا تسألوا عَن أَشْيَاء فالتحقيق أَن
الْمَأْمُور بِهِ هُوَ مَا تقرر حكمه من وجوب وَنَحْوه،
والمنهي هُوَ مَا لم يتعبد الله بِهِ عباده وَلم يتَكَلَّم
بِحكم فِيهِ. فَإِن قلت: السُّؤَال لَيْسَ يتَعَلَّق بِهِ
حُرْمَة وَلَئِن تعلّقت بِهِ فَلَيْسَ بكبيرة، وَلَئِن
كَانَت فَلَيْسَتْ بأكبر الْكَبَائِر. قلت: السُّؤَال عَن
الشَّيْء بِحَيْثُ يصير سَببا لتَحْرِيم شَيْء مُبَاح هُوَ
أعظم الجرائم لِأَنَّهُ صَار سَببا لتضييق الْأَمر على
جَمِيع الْمُسلمين، فالقتل مثلا مضرته رَاجِعَة إِلَى
الْمَقْتُول وَحده بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ عَام للْكُلّ.
7290 - حدّثنا إسْحاقُ أخبرنَا عَفَّانُ، حدّثنا وُهَيْبٌ،
حدّثنا موسَى بنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا النَّضْر
يُحَدِّثُ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ، عنْ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ
أنَّ النّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً
فِي المَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى رسولُ الله فِيها
لَيالِي حتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ ناسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا
صَوْتَهُ لَيْلَةً، فَظَنّوا أنّهُ قَد نامَ، فَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إلَيْهِمْ. فَقَالَ:
مَا زَال بِكُمُ الّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حتَّى
خَشِيْتُ أنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ
عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا أيُّها النَّاسُ
فِي بُيُوتِكُمْ، فإنَّ أفْضَلَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي
بَيْتِهِ إلاّ المَكْتُوبَةَ
انْظُر الحَدِيث 731 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة للجزء الثَّانِي وَهِي إِنْكَاره مَا
صَنَعُوا من تكلّف مَا لم يَأْذَن لَهُم فِيهِ من الجمعية
فِي الْمَسْجِد فِي صَلَاة اللَّيْل.
وَشَيْخه إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَقَالَ الجياني:
لَعَلَّه ابْن مَنْصُور أَو ابْن رَاهَوَيْه، وَعَفَّان
هُوَ ابْن مُسلم الصفار، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَأَبُو
النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُعْجَمَة سَالم بن
أبي أُميَّة، وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة ابْن سعيد مولى الْحَضْرَمِيّ من أهل
الْمَدِينَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة عَن عبد الْأَعْلَى بن
حَمَّاد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: اتخذ حجرَة بالراء وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
بالزاي، وهما بِمَعْنى، قَالَ الْكرْمَانِي: اتخذ حجرَة
أَي: حوط موضعا فِي الْمَسْجِد بحصير يستره من النَّاس
ليُصَلِّي فِيهِ. قَوْله: ليَالِي أَي: من رَمَضَان،
وَذَلِكَ كَانَ فِي التَّرَاوِيح. قَوْله: من صنيعكم
بِفَتْح الصَّاد وَكسر النُّون وَفِي رِوَايَة
السَّرخسِيّ: من صنعكم، بِضَم الصَّاد وَسُكُون النُّون.
قَوْله: أَن يكْتب أَي: يفْرض. قَوْله: إِلَّا
الْمَكْتُوبَة أَي: إِلَّا الْمَفْرُوضَة. فَإِن قلت:
صَلَاة الْعِيد وَنَحْوهَا شرع فِيهَا الْجَمَاعَة فِي
الْمَسْجِد؟ قلت: لَهَا حكم الْفَرِيضَة لِأَنَّهَا من
شعار الشَّرْع. فَإِن قلت: تَحِيَّة الْمَسْجِد وركعتا
الطّواف لَيْسَ الْبَيْت فيهمَا أفضل. قلت: الْعَام قد يخص
بالأدلة الخارجية، وتحية الْمَسْجِد لتعظيم الْمَسْجِد
فَلَا تصح إلاَّ فِيهِ، وَمَا من عَام، إلاَّ وَقد خص
إلاَّ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبَوااْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَالُو اْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَوااْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَوااْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ
فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ
وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} وَغَيرهَا
7291 - حدّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى، حَدثنَا أبُو أُسامَةَ،
عنْ بُرَيْدِ بنِ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي
مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ رسولُ الله عنْ
أشْيَاءَ كَرِهَها، فَلمَّا أكْثَرُوا عَلَيْهِ
المَسْأَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ: سَلُونِي فقامَ رَجُلٌ
فَقَالَ: يَا رسُولَ الله مَنْ أبي؟ قَالَ: أبُوكَ
حُذَافَةُ ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ:
(25/33)
يَا رسُولَ الله مَنْ أبي؟ فَقَالَ: أبُوكَ
سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ فَلَمَّا رأى عُمَرُ مَا
بِوَجْهِ رسولِ الله مِنَ الغَضَبِ قَالَ: إنّا نَتُوبُ
إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ.
انْظُر الحَدِيث 92
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَشَيْخه
يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي سكن
بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد
الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر أَو الْحَارِث عَن أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْغَضَب فِي
الموعظة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن
الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِنَّا نتوب إِلَى الله عز وَجل زَاد فِي رِوَايَة
الزُّهْرِيّ: فبرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على
رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا
وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، وَفِي
رِوَايَة قَتَادَة من الزِّيَادَة: ونعوذ بِاللَّه من شَرّ
الْفِتَن، وَفِي مُرْسل السّديّ عِنْد الطَّبَرِيّ فِي
نَحْو هَذِه الْقِصَّة: فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَقبل رجله،
وَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه ربّاً ... فَذكر مثله، وَزَاد:
وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَاعْفُ عَفا الله عَنْك، فَلم
يزل بِهِ حَتَّى رَضِي.
7292 - حدّثنا مُوساى، حدّثنا أبُو عَوَانَة، حدّثنا
عَبْدُ المَلِكِ، عنْ وَرَّاد كاتِبِ المُغِيرَةَ قَالَ:
كَتَبَ مُعاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ: اكْتُبْ إلَيَّ مَا
سَمِعْتَ مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكَتَبَ إلَيْهِ إنَّ نَبِيَّ الله كانَ يَقُولُ فِي
دُبُرِ كلِّ صَلاةٍ: لَا إلاهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ، وهْوَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مانِعَ لِما
أعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ
ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ وكَتَبَ إلَيْهِ إنّهُ كانَ
يَنْهاى عنْ قِيل وَقَالَ، وكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وإضاعَةِ
المالِ، وَكَانَ يَنْهاى عنْ عُقُوقِ الأُمَّهاتِ وَوأْدِ
البَناتِ ومَنْعٍ وهاتِ.
ا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَكَثْرَة
السُّؤَال
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة اسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد
الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، ووراد بِفَتْح الْوَاو
وَتَشْديد الرَّاء كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة ومولاه.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع فِي الصَّلَاة
فِي: بَاب الذّكر بعد الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن مُحَمَّد بن يُوسُف إِلَى قَوْله: مِنْك الْجد، وَفِي
الرقَاق عَن عَليّ بن مُسلم، وَفِي الْقدر عَن مُحَمَّد بن
سِنَان وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة وَمضى الْكَلَام
فِيهِ فِي هَذَا الْمَوَاضِع.
قَوْله: فِي دبر أَي: فِي عقب كل صَلَاة. قَوْله: الْجد
أَي: البخت والحظ أَو أَب الْأَب، وبالكسر الِاجْتِهَاد
أَي: لَا ينفع ذَا الْغنى أَو النّسَب أَو الكد وَالسَّعْي
مِنْك غناهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ الْإِيمَان
وَالطَّاعَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: من، هَاهُنَا بِمَعْنى
الْبَدَل، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: معنى مِنْك، هَاهُنَا
عنْدك تَقْدِيره: وَلَا ينفع هَذَا الْغنى عنْدك غنى،
وَإِنَّمَا يَنْفَعهُمْ الْعَمَل بطاعتك. قَوْله: وَكتب
إِلَيْهِ عطف على قَوْله: فَكتب إِلَيْهِ وَهُوَ مَوْصُول
بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: عَن قيل وَقَالَ بِلَفْظ
الاسمين وبلفظ الْفِعْلَيْنِ الماضيين أَي: نهى عَن
الْجِدَال وَالْخلاف أَو عَن أَقْوَال النَّاس. قَوْله:
وَكَثْرَة السُّؤَال أَي: عَن الْمسَائِل الَّتِي لَا
حَاجَة إِلَيْهَا، أَو عَن أَخْبَار النَّاس أَو عَن
أَحْوَال تفاصيل معاش صَاحبك، أَو هُوَ سُؤال للأموال
الاستكثار من الْمَنَافِع الدُّنْيَوِيَّة. قَوْله: وإضاعة
المَال هُوَ صرفه فِي غير مَا يَنْبَغِي قَوْله: عَن عقوق
الْأُمَّهَات جمع أم وَأَصلهَا: أمه، فَلذَلِك تجمع على
أُمَّهَات، وَقَالَ بَعضهم: الْأُمَّهَات للنَّاس والأمات
للبهائم، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَإِنَّمَا اقْتصر على
الْأُمَّهَات لِأَن حرمتهن آكِد من الأباء وَلِأَن أَكثر
العقوق يَقع للأمهات. قَوْله: ووأد الْبَنَات هُوَ دفنهن
أَحيَاء تَحت التُّرَاب، وَهَذَا كَانَ من عَادَتهم فِي
الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: وَمنع أَي: وَمنع الرجل مَا توجه
عَلَيْهِ من الْحُقُوق. قَوْله: وهات أَي: وَنهى عَن طلب
الرجل مَا لَيْسَ لَهُ حَاجَة إِلَيْهِ. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: تَقول: هَات يَا رجل، التَّاء أَي:
أَعْطِنِي، وللاثنين: هاتيان، وللجمع: هاتوا أَو
للْمَرْأَة: هَاتِي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هَاتين.
مثل: عاطين، وَقَالَ الْخَلِيل: أصل هَات من آتى يُؤْتى
فقلبت الْألف هَاء.
(25/34)
7293 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ،
حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابتٍ عنْ أنَسٍ
قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينا عنِ
التَّكَلُّفِ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَكَذَا أوردهُ البُخَارِيّ مُخْتَصرا.
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أبي
مُسلم الْكَجِّي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب شيخ
البُخَارِيّ وَلَفظه: عَن أنس كُنَّا عِنْد عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَلِيهِ قَمِيص فِي ظَهره
أَربع رقاع، فَقَرَأَ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}
فَقَالَ: هَذِه الْفَاكِهَة قد عرفناها فَمَا الْأَب؟
ثمَّ قَالَ: مَه؟ نهينَا عَن التَّكَلُّف. قيل:
إِخْرَاج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا
الْبَاب إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن قَول الصَّحَابِيّ:
أمرنَا ونهينا، فِي حكم الْمَرْفُوع وَلَو لم يضفه
إِلَى النَّبِي وَمن ثمَّة اقْتصر على قَوْله: نهينَا
عَن التَّكَلُّف وَحذف الْقِصَّة.
7294 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا، شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ. ح وحدّثني مَحْمُودٌ، حدّثنا عَبْد
الرَّزَّاق أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ،
أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ حِينَ
زاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلمَّا سَلّمَ
قامَ على المِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ
أنَّ بَيْنَ يَدَيْها أُمُوراً عِظاماً، ثُمَّ قَالَ:
مَنْ أحَبَّ أنْ يَسألَ عنْ شَيْءٍ فَلْيَسْألْ عَنْهُ
فَوَالله لاَ تَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاّ
أخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هاذَا
قَالَ أنَسٌ: فأكْثَرَ النّاسُ البُكاءَ، وأكْثَرَ
رَسُول اللَّهِ أنْ يَقُولَ سَلُونِي فَقَالَ أنَسٌ:
فقامَ إلَيْه رَجُلٌ فَقَالَ: أيْنَ مَدْخَلِي يَا
رسولَ الله؟ قَالَ: النَّارُ فَقَامَ عَبْدُ الله بنُ
حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أبي يَا رسولَ الله؟ قَالَ:
أبُوكَ حُذَافَةُ قَالَ: ثُمَّ أكْثَرَ أنْ يَقُولَ:
سَلُونِي سَلُونِي فَبَرَكَ عُمَرُ عَلى رُكْبَتَيْهِ
فَقَالَ: رَضِينا بِالله رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دِيناً
وبَمُحَمَّدٍ رَسُولاً قَالَ: فَسَكَتَ رسولُ الله
حِينَ قَالَ عُمَرُ ذالِكَ، ثُمَّ قَالَ رسولُ الله
والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ
الجَنَّةُ والنّارُ آنِفاً فِي عُرْضِ هاذا الحائِطِ،
وَأَنا أُصَلِّي، فَلَمْ أرَ كاليَوْمِ فِي الخَيْرِ
والشَّرِّ
ا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة، وَأخرجه من
طَرِيقين: الأول: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع
عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك، وَالثَّانِي: عَن
مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن
معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب وَقت الظّهْر
عِنْد الزَّوَال، أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب
عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَهنا سَاقه على لفظ معمر،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فَأكْثر النَّاس الْبكاء وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: فَأكْثر الْأَنْصَار الْبكاء، وَذَلِكَ
لما سمعُوا من الْأُمُور الْعِظَام الهائلة الَّتِي
بَين أَيْديهم. قَوْله: وَأكْثر رَسُول الله أَن
يَقُول: سلوني كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: أَكثر من
قَوْله: سلوني، وَذَلِكَ على سَبِيل الْغَضَب. قَوْله:
النَّار بِالرَّفْع وَوجه ذَلِك أَنه كَانَ منافقاً،
أَو عرف رداءة خَاتِمَة حَاله كَمَا عرف حسن خَاتِمَة
الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: فبرك من البروك وَهُوَ
للبعير، فَاسْتعْمل للْإنْسَان كَمَا اسْتعْمل المشفر
للشفة مجَازًا. قَوْله: آنِفا يُقَال: فعلت الشَّيْء
آنِفا، أَي: فِي أول وَقت يقرب مني وَهنا مَعْنَاهُ:
الْآن. قَوْله: فِي عرض هَذَا الْحَائِط بِضَم الْعين
أَي: فِي جَانِبه أَو ناحيته. قَوْله: وَأَنا أُصَلِّي
جملَة حَالية. قَوْله: كَالْيَوْمِ صفة لمَحْذُوف أَي:
فَلم أر يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم.
7295 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
أخبرنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ، حدّثنا شُعْبَةُ،
أَخْبرنِي مُوساى بنُ أنَس قَالَ: سَمِعْتُ أنسَ بنَ
مالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبيَّ الله مَنْ
أبي؟ قَالَ: أبُوكَ فُلانٌ ونَزَلَتْ الْآيَة
{ياأَيُّهَا
(25/35)
الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ
أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن
تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ
تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ
غَفُورٌ حَلِيمٌ}
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد
الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ صَاعِقَة،
وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة بِالضَّمِّ
وَتَخْفِيف الْبَاء.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن الْمُنْذر بن
الْوَلِيد الجارودي، وَفِي الرقَاق عَن مُحَمَّد بن
عبد الرَّحِيم مثل مَا هُنَا.
7296 - حدّثنا الحَسَنُ بنُ صبَّاحِ، حَدثنَا
شَبَابَةُ، حَدثنَا وَرْقاءُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ
عَبْدِ الرَّحْمانِ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مَالكٍ
يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ
يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هاذَا الله خالِقُ
كلِّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ الله؟
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الأول. وَشَيْخه
الْحسن بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الوَاسِطِيّ،
وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى ابْن سوار بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو، وورقاء مؤنث الأورق
ابْن عمر، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبُو طوالة
بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو
الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده من هَذَا الْوَجْه.
قَوْله: لن يبرح أَي: لن يزَال. قَوْله: يتساءلون
وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: يساءلون، بتَشْديد
السِّين قَالَ الْكرْمَانِي، معرفَة الله بِالدَّلِيلِ
فرض عين أَو فرض كِفَايَة، وَالسُّؤَال عَنْهَا
وَاجِب. وَالْجَوَاب يحْتَمل أَن يُرَاد أَن كَونه
تَعَالَى غير مَخْلُوق ضَرُورِيّ أَو كسبي يُقَارب
الضَّرُورِيّ، فالسؤال عَنهُ تعنت أَو هُوَ مذمة
للسؤال الَّذِي يكون على سَبِيل التعنت، وإلاَّ فَهُوَ
صَرِيح الْإِيمَان إِذْ لَا بُد من الِانْقِطَاع إِلَى
من لَا يكون لَهُ خَالق دفعا للتسلسل أَو ضَرُورَة.
قَوْله: حَتَّى يَقُولُوا أَي: حَتَّى أَن يَقُولُوا.
قَوْله: هَذَا الله خَالق كل شَيْء وَفِي رِوَايَة
مُسلم: هَذَا خلق الله الْخلق، ثمَّ إِنَّه يحْتَمل
أَن يكون: هَذَا، مَفْعُولا وَالْمعْنَى: حَتَّى
يُقَال هَذَا القَوْل، وَأَن يكون مُبْتَدأ حذف خَبره
أَي: هَذَا الْأَمر قد علم وَيحْتَمل أَن يكون: هَذَا
الله، مُبْتَدأ وخبراً. و: خَالق كل شَيْء، خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ خَالق كل شَيْء،
وَيحْتَمل أَن يكون: هَذَا، مُبْتَدأ و: الله، عطف
بَيَان، و: خَالق كل شَيْء، خَبره. وَفِي مُسلم: فَمن
وجد من ذَلِك شَيْئا فَلْيقل: آمَنت بِاللَّه، وَزَاد
فِي رِوَايَة أُخْرَى: وَرُسُله، وَفِي رِوَايَة أبي
دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: فَقولُوا: الله أحد الله
الصَّمد، السُّورَة، ثمَّ يتفل عَن يسَاره، ثمَّ
ليستعذ بِاللَّه.
7297 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مَيْمُونٍ،
حَدثنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ
إبْرَاهيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ،
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ فِي
حَرْثٍ بِالمَدِينَةِ وهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلى عَسِيبٍ،
فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ فقالَ بَعْضُهُمْ:
سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ
تَسْألُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فقامُوا
إلَيْهِ فقالُوا: يَا أَبَا القاسِمِ حَدِّثْنا عنِ
الرُّوحِ، فقامَ ساعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أنّهُ
يُوْحَى إلَيْهِ، فَتَأخَّرتُ عنْهُ حتَّى صَعِدَ
الوَحْيُ ثُمَّ قَالَ: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن
دُونِهِ إِلاهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} .
ا
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبيد مصغر عبد وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان،
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة: سُبْحَانَ،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه
عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد
الله بن مَسْعُود، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فِي حرث بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: زرع، ويروى
فِي: خرب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء
الْمُوَحدَة. قَوْله: عسيب بِفَتْح الْعين وَكسر
السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ جريد النّخل.
قَوْله: لَا يسمعكم بِالرَّفْع والجزم. قَوْله: حَتَّى
صعد الْوَحْي بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة.
(25/36)
4 - (بابُ الاقْتِدَاءِ بأفْعالِ النبيِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاقْتِدَاء بِأَفْعَال
النَّبِي وَلم يُوضح مَا حكم الِاقْتِدَاء بأفعاله،
لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَقَالَ قوم: يجب
اتِّبَاعه فِي فعله كَمَا يجب فِي قَوْله حَتَّى يقوم
دَلِيل على النّدب أَو الخصوصية، كَذَا قَالَه
الدَّاودِيّ، وَبِه قَالَ ابْن شُرَيْح وَأَبُو سعيد
الاصطخري وَابْن خيران، وَقَالَ آخَرُونَ: يحْتَمل
الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة فَيحْتَاج إِلَى
الْقَرِينَة، وَبِه قَالَ أَبُو بكر بن أبي الطّيب،
وَقَالَ آخَرُونَ: للنَّدْب إِذا ظهر وَجه الْقرْبَة،
وَقيل: وَلَو لم يظْهر. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا فعله
إِن كَانَ بَيَانا لمجمل فَحكمه حكم ذَلِك الْمُجْمل
وجوبا أَو ندبا أَو إِبَاحَة، وَقَالَ الشَّافِعِي:
إِنَّه يدل على النّدب، وَقَالَ مَالك: يدل على
الْإِبَاحَة.
7298 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا سُفْيانُ، عنْ
عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنِ ابنِ عُمَر، رَضِي الله
عَنْهُمَا، قَالَ: اتّخَذَ النبيُّ خاتَماً مِنْ
ذَهَبٍ فاتّخَذَ النَّاسُ خَواتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ
فَقَالَ النبيُّ إنِّي اتَّخَذَتُ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ
فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إنِّي لَنْ ألْبَسَهُ أبَداً
فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّاس اقتدوا
بِفِعْلِهِ، حَيْثُ نبذوا خواتيمهم الَّتِي صنعوها من
ذهب لما نبذ النَّبِي، خَاتمه.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ كَمَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي.
والْحَدِيث مضى من وَجه آخر فِي كتاب اللبَاس فِي:
بَاب خَوَاتِيم الذَّهَب.
قَوْله: خَوَاتِيم يَعْنِي: اتخذ كل وَاحِد خَاتمًا
لِأَن مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ مفيدة للتوزيع.
قَوْله: اتَّخذت ويروى: أخذت.
5 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ
والتَّنازُعِ فِي العِلْمِ والعُلُوِّ فِي الدِّينِ
والبِدَعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التعمق وَهُوَ
التشدد فِي الْأَمر حَتَّى يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ.
قَوْله: والتنازع فِي الْعلم، أَي: التجادل فِيهِ
يَعْنِي عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الحكم إِذا لم
يَتَّضِح الدَّلِيل فِيهِ. قَوْله: والغلو، بِضَم
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَتَشْديد الْوَاو
وَهُوَ التجاوز فِي الْحَد، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت:
الغلو فَوق التعمق وَهُوَ من غلا فِي الشَّيْء يغلو
غلواً، وغلا فِي السّعر يغلو غلاءً، وَورد النَّهْي
عَنهُ صَرِيحًا فِيمَا أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن
مَاجَه وَالْحَاكِم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله فَذكر حَدِيثا
وَفِيه: وَإِيَّاكُم والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا
أهلك من قبلكُمْ الغلو فِي الدّين، وَهُوَ مثل
الْبَحْث فِي الربوبية حَتَّى يحصل نزغة من نزغات
الشَّيْطَان فَيُؤَدِّي إِلَى الْخُرُوج عَن الْحق،
وَالَّذين غلوا فِي الفكرة آل بهم الْأَمر إِلَى أَن
جعلُوا آلِهَة ثَلَاثَة، تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا
كَبِيرا، قَوْله: والبدع جمع بِدعَة وَهِي مَا لم يكن
لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة، وَقيل: إِظْهَار شَيْء
لم يكن فِي عهد رَسُول الله وَلَا فِي زمن
الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
لِقَوْلِهِ تَعَالى: {ياأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ
تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى
اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ
فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ
ثَلَاثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ
إِلَاهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ
لَّهُ وَمَا فِى السَّمَاوَات وَمَا فِى الاَْرْضِ
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}
احْتج بِهَذِهِ الْآيَة على تَحْرِيم الغلو فِي
الدّين، وَأهل الْكتاب: الْيَهُود وَالنَّصَارَى،
وَإِذا قُلْنَا: إِن لفظ أهل الْكتاب للتعميم
يتَنَاوَل غير الْيَهُود وَالنَّصَارَى بالإلحاق.
7299 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا
هِشامٌ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهرِيِّ عَن أبي
سَلَمَة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُوَاصِلُوا قالُوا: إنّكَ
تُوَاصلُ. قَالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلكُمْ إنِّي أبِيتُ
يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني فَلَمْ يَنْتَهُوا عَن
الوصالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِم النبيُّ يَوْمَيْنِ
أوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ رأُوا الهَلاَلَ فَقَالَ
النبيُّ لَوْ تَأخَّرَ الهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ
كالمُنَكِّلِ لَهُمْ
ا
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة هُنَا
أصلا، ورد بِأَن عَادَته جرت بإيراد مَا لَا يُطَابق
التَّرْجَمَة ظَاهرا لَكِن يُنَاسِبهَا طَرِيق
(25/37)
من طرق الحَدِيث الَّذِي يُورِدهُ، وَهنا
كَذَلِك.
وَمضى فِي حَدِيث أنس فِي كتاب التَّمَنِّي قَالَ:
وَاصل النَّبِي، آخر الشَّهْر وواصل أنَاس من النَّاس،
فَبلغ النَّبِي، فَقَالَ: لَو مد بِي الشَّهْر لواصلت
وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم، إِنِّي لست مثلكُمْ،
إِنِّي أظل يطعمني رَبِّي ويسقيني، فَإِن هَذَا
يُطَابق التَّرْجَمَة، وَحَدِيث الْوِصَال وَاحِد
وَإِن كَانَ رِوَايَة الصَّحَابَة مُتعَدِّدَة، وَقد
رَوَاهُ فِي كتاب الصّيام فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب عَن
أنس وَابْن عمر وَابْن سعيد وَعَن عَائِشَة وَأبي
هُرَيْرَة، وَحَدِيث الْبَاب رَوَاهُ فِي: بَاب
التنكيل لمن أَكثر الْوِصَال، أخرجه هُنَاكَ عَن أبي
الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة
عَن أبي هُرَيْرَة، وَهنا أخرجه عَن عبد الله بن
مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن هِشَام بن يُوسُف
الْيَمَانِيّ قاضيها، عَن معمر بِفَتْح الميمين ابْن
رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
قَوْله: لَا تواصلوا أَي: فِي الصَّوْم. قَوْله:
إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني قيل: إِذا كَانَ
يطعمهُ الله لَا يكون مواصلاً بل مُفطرا. وَأجِيب:
بِأَن المُرَاد بِالْإِطْعَامِ لَازمه وَهُوَ التقوية،
أَو المُرَاد من طَعَام الْجنَّة وَهُوَ لَا يفْطر
آكله، قَوْله: فَلم ينْتَهوا عَن الْوِصَال قيل: لم
خالفوا النَّهْي؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُم ظنُّوا أَنه
لَيْسَ للتَّحْرِيم. قَوْله: لزدتكم أَي: فِي المواصلة
حَتَّى تعجزوا عَنهُ وَعَن سَائِر الطَّاعَات. قَوْله:
كالمنكل أَي: كالمعاقب من التنكيل وَهُوَ التعذيب
وَمِنْه النكال، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين
والكشميهني، ويروى: كالمنكي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون
النُّون وَبعد الْكَاف يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة من
النكاية والإنكاء وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر عَن
السَّرخسِيّ، وَعَن الْمُسْتَمْلِي: كالمنكر، من
الْإِنْكَار، وَمضى فِي كتاب الصَّوْم من طَرِيق
شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: كالتنكيل لَهُم حِين أَبُو
أَن ينْتَهوا.
7300 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا
أبي، حَدثنَا الأعْمَشُ، حدّثني إبْرَاهِيمُ
التَّيْمِيُّ حدّثني أبي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ،
رَضِي الله عَنهُ، عَلى منبَرٍ مِنْ آجُرَ وعَلَيْهِ
سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَة مُعَلَّقَةَ، فَقَالَ: وَالله،
مَا عِنْدَنا مِنْ كِتاب يُقْرَأُ إلاّ كِتابُ الله
وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَها فإذَا
فِيها أسْنانُ الإبِلِ، وَإِذا فِيها: المَدِينَةُ
حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أحْدَثَ فِيها
حَدَثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلاَئِكَةِ
والنَّاسِ أجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ
صَرْفاً وَلَا عَدْلاً؛ وَإِذا فِيهِ: ذِمَّةُ
المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعاى بِها أدْناهُمْ،
فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله
والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ
الله مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً، وَإِذا فِيها:
مَنْ وَالَى قَوْماً بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ
أجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ صَرْفاً وَلَا
عَدْلاً.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي:
لَعَلَّه اسْتَفَادَ من قَول عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، تبكيت من تنطع فِي الْكَلَام وَجَاء
بِغَيْر مَا فِي الْكتاب وَالسّنة، وَقَالَ بَعضهم:
الْغَرَض من إِيرَاد الحَدِيث هُنَا لعن من أحدث حَدثا
فَإِنَّهُ وَإِن قيد فِي الْخَبَر بِالْمَدِينَةِ
فَالْحكم عَام فِيهَا وَفِي غَيرهَا إِذا كَانَ من
متعلقات الدّين. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه
الْكرْمَانِي هُوَ الْمُنَاسب لألفاظ التَّرْجَمَة،
وَالَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل بعيد من ذَلِك يعرف
بِالتَّأَمُّلِ.
وَشَيخ البُخَارِيّ يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث
بالغين الْمُعْجَمَة والثاء الْمُثَلَّثَة عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ،
وَإِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك
التَّيْمِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الْحَج فِي: بَاب حرم
الْمَدِينَة، وَمضى الْكَلَام مُسْتَوفى فِيهِ، ولنذكر
بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: من آجر قَالَ الْكرْمَانِي: الْآجر بِالْمدِّ
وَضم الْجِيم وَتَشْديد الرَّاء مُعرب، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الْآجر الَّذِي يبْنى بِهِ فَارسي
مُعرب، وَيُقَال أَيْضا: آجور، على وزن فاعول. وَقَالَ
فِي بَاب الدَّال: الترميد الْآجر. قلت: فِي لُغَة أهل
مصر هُوَ الطوب المشوي. قَوْله: أَسْنَان الْإِبِل
أَي: إبل الدِّيات لاختلافها فِي الْعمد وَالْخَطَأ.
وَشبه الْعمد. قَوْله: عير بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء جبل بِمَكَّة.
قَوْله: إِلَى كَذَا كِنَايَة
(25/38)
عَن مَوضِع أَو جبل. قَوْله: حَدثا أَي:
بِدعَة أَو ظلما. قَوْله: لعنة الله المُرَاد باللعنة
هُنَا الْبعد عَن الْجنَّة أول الْأَمر بِخِلَاف لعنة
الْكفَّار فَإِنَّهَا الْبعد عَنْهَا كل الإبعاد أَولا
وآخراً. قَوْله: صرفا وَلَا عدلا الصّرْف الْفَرِيضَة
وَالْعدْل النَّافِلَة، وَقيل بِالْعَكْسِ. قَوْله:
وَإِذا فِيهَا ذمَّة الْمُسلمين أَي: فِي الصَّحِيفَة،
ويروى: فِيهِ، أَي: فِي الْكتاب، والذمة الْعَهْد
والأمان يَعْنِي أَمَان الْمُسلم للْكَافِرِ صَحِيح،
والمسلمون كَنَفس وَاحِدَة فَيعْتَبر أَمَان
أَدْنَاهُم من العَبْد وَالْمَرْأَة وَنَحْوهمَا.
قَوْله: فَمن أَخْفَر أَي: نقض عَهده قَوْله: والى
أَي: نسب نَفسه إِلَيْهِم كانتمائه إِلَى غير أَبِيه
أَو انتمائه إِلَى غير مُعْتقه وَذَلِكَ لما فِيهِ من
كفر النِّعْمَة وتضييع حُقُوق الْإِرْث وَالْوَلَاء
وَقطع الرَّحِم وَنَحْوه، وَلَفظ: بِغَيْر إِذن
موَالِيه لَيْسَ لتقييد الحكم بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ
إِيرَاد الْكَلَام على مَا هُوَ الْغَالِب.
7301 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا أبي، حَدثنَا
الأعْمَشُ، حدّثنا مُسْلِمٌ، عنْ مَسْرُوق قَالَ:
قالَتْ عائِشَةُ، رَضِي الله عَنْهَا: صَنَعَ النبيُّ
شَيْئاً تَرَخَّصَ فِيهِ وتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ
فَبَلَغَ ذالِكَ النبيَّ فَحَمِدَ الله ثُمَّ قَالَ:
مَا بالُ أقْوامٍ يَتَنَزَّهُونَ عنِ الشَّيءِ
أصْنَعُهُ؟ فَوالله إنِّي أعْلَمُهُمْ بِالله
وأشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً.
انْظُر الحَدِيث 6101
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
ترخص فِيهِ وتنزه عَنهُ قوم لِأَن تنزيههم عَمَّا رخص
فِيهِ النَّبِي تعمق.
وَالثَّلَاثَة الأول من رجال الحَدِيث قد ذكرُوا
الْآن، وَمُسلم قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون
ابْن صبيح مصغر الصُّبْح وَيحْتَمل أَن يكون ابْن أبي
عمرَان البطين بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
لِأَنَّهُمَا يرويان عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش يروي
عَنْهُمَا. وَقَالَ غَيره: هُوَ مُسلم بن صبيح أَبُو
الضُّحَى مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه، وَقد وَقع
عِنْد مُسلم مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة جرير عَن
الْأَعْمَش فَقَالَ: عَن أبي الضُّحَى بِهِ، قلت:
وَكَذَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي، فَقَالَ:
مُسلم بن صبيح أَبُو الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن
عَائِشَة، ثمَّ ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور.
وَقد مضى الحَدِيث فِي الْأَدَب فِي: بَاب من لم يواجه
بالعتاب.
قَوْله: صنع النَّبِي شَيْئا فَرخص فِيهِ أَي: أسهل
فِيهِ مثل الْإِفْطَار فِي بعض الْأَيَّام وَالصَّوْم
فِي بَعْضهَا من غير رَمَضَان، وَمثل التَّزَوُّج
وتنزه قوم عَنهُ أَي: احترزوا عَنهُ بِأَن سردوا
الصَّوْم واختاروا الْعُزُوبَة، وَأَشَارَ ابْن بطال
إِلَى أَن الَّذِي تنزهوا عَنهُ الْقبْلَة للصَّائِم،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: التَّنَزُّه عَمَّا رخص فِيهِ
الشَّارِع من أعظم الذُّنُوب لِأَن هَذَا يرى نَفسه
أتقى فِي ذَلِك من رَسُوله، وَهَذَا إلحاد. وَكَذَا
قَالَ ابْن التِّين: وَلَا شكّ أَنه إلحاد إِذا اعْتقد
ذَلِك قَوْله: أعلمهم بِاللَّه إِشَارَة إِلَى
الْقُوَّة العلمية، وأشدهم خشيَة إِلَى الْقُوَّة
العملية، أَي: هم يتوهمون أَن رغبتهم عَمَّا فعلت أفضل
لَهُم عِنْد الله، وَلَيْسَ كَمَا توهموا، إِذْ أَنا
أعلمهم بالأفضل وأولاهم بِالْعَمَلِ.
7302 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ، أخبرنَا
وَكِيعٌ، عنْ نافعِ بنِ عُمَرَ، عنِ ابنِ أبي
مُلَيْكَةَ قَالَ: كادَ الخَيِّرانِ أنْ يَهْلِكا أبُو
بَكْرٍ وعُمَرُ لَمَّا قَدِمَ عَلى النبيِّ وَفْدُ
بَنِي تَمِيمٍ أشارَ أحَدُهُما بالأقْرَعِ بن حابِسٍ
التَّيْميِّ الحَنْظَلِيِّ أخِي بَنِي مُجاشِعٍ،
وأشارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ
لِعُمَرَ: إنّما أرَدْتَ خِلافي فَقَالَ عُمَرُ: مَا
أرَدْتُ خِلافَكَ. فارْتَفَعتْ أصْواتُهُما عِنْدَ
النبيَّ فَنَزَلَتْ {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ
لاَ تَرْفَعُو اْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} إِلَى
قَوْله {عَظِيم} .
قَالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ:
فَكانَ عُمَرُ بَعْدُ ولَمْ يَذْكُرْ ذالِكَ عَن
أبِيهِ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ إِذا حَدَّثَ النبيَّ
بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كأخِي السِّرارِ لَمْ يُسْمِعْهُ
حتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
مطابقته للجزء الثَّانِي وَهُوَ التَّنَازُع فِي
الْعلم تُؤْخَذ من قَوْله: فارتفعت أصواتهما أَي:
أصوات أبي بكر وَعمر، رَضِي الله
(25/39)
تَعَالَى عَنْهُمَا، كَمَا يَجِيء الْآن،
وَكَانَ تنازعهما فِي تَوْلِيَة اثْنَيْنِ فِي
الْإِمَارَة كل مِنْهُمَا كَانَ يُرِيد تَوْلِيَة خلاف
مَا يُريدهُ الآخر فتحاربا على ذَلِك عِنْد النَّبِي
وَارْتَفَعت أصواتهما فَأنْزل الله تَعَالَى:
{ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُو اْ
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلاَ
تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ
تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ
عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم
مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} إِنَّمَا قُلْنَا:
تنازعهما فِي الْعلم لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أَشَارَ
بالتولية لكل وَاحِد من الِاثْنَيْنِ وَاخْتلفَا، وَقد
ذكرنَا أَن معنى التَّنَازُع فِي الْعلم الِاخْتِلَاف.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن
الْمروزِي المجاور بِمَكَّة، وَنَافِع بن عمر
الجُمَحِي يروي عَن عبد الله بن أبي مليكَة بِضَم
الْمِيم واسْمه زُهَيْر الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي
على عهد عبد الله بن الزبير.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة الحجرات
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يسرة بن صَفْوَان عَن
نَافِع بن عمر إِلَى آخِره.
قَوْله: الخيّران تَثْنِيَة خيّر بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف
الْمَكْسُورَة، وَأَرَادَ بهما أَبَا بكر وَعمر،
وفسرهما بقوله: أَبُو بكر وَعمر أَي: هما أَبُو بكر
وَعمر. قَوْله: لما قدم على النَّبِي وَفد بني تَمِيم
وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: ركب بني تَمِيم.
قَوْله: أَشَارَ أَحدهمَا أَي: أحد الخيرين وَهُوَ
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بتأمير الْأَقْرَع بن
حَابِس الْحَنْظَلِي أخي بني مجاشع، أَي: وَاحِد
مِنْهُم، وَبَنُو مجاشع بِضَم الْمِيم وبالجيم والشين
الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة ابْن دارم بن مَالك بن زيد
مَنَاة بن تَمِيم وَكَانَت عامتهم بِالْبَصْرَةِ.
قَوْله: وَأَشَارَ الآخر أَرَادَ بِهِ أَبَا بكر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: بِغَيْرِهِ أَي:
بِغَيْر الْأَقْرَع وَهُوَ الْقَعْقَاع بن معبد بن
زُرَارَة التَّمِيمِي أحد وَفد بني تَمِيم، وَكَانَا
يطلبان الْإِمَارَة، وَلما تنَازع أَبُو بكر وَعمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي ذَلِك وَارْتَفَعت
أصواتهما عِنْد النَّبِي نزلت: إِلَى قَوْله
{ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُو اْ
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلاَ
تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ
تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ
عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم
مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وَقيل: نزلت فِي غير
ذَلِك على مَا ذكره فِي التَّفْسِير. قَوْله: {وَلَا
تَجْهَرُوا بالْقَوْل} أَي: فِي المخاطبة، وَقيل: لَا
تَدعُوهُ باسمه: يَا مُحَمَّد، كَمَا يَدْعُو بَعْضكُم
بَعْضًا. قَوْله: {أَن تحبط أَعمالكُم} أَي: خشيَة أَن
تحبط أَعمالكُم، وَالْحَال أَي: لَا تعلمُونَ. قَوْله:
{إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم} الغض النَّقْض من
كل شَيْء قَوْله: للتقوى أَي: أخْلص من الْمعْصِيَة.
قَوْله:
قَالَ ابْن الزبير أَي: عبد الله بن الزبير: فَكَانَ
عمر بعد أَي: بعد نزُول هَذِه الْآيَة إِذا حدث
النَّبِي إِلَى آخِره. قَوْله: وَلم يذكر عَن أَبِيه
يَعْنِي أَبَا بكر معترض بَين قَوْله: بعد وَبَين
قَوْله: إِذا حدث وَفسّر قَوْله: عَن أَبِيه بقوله:
يَعْنِي أَبَا بكر وَلم يكن أَبُو بكر أَبَا لعبد الله
بن الزبير حَقِيقَة وَإِنَّمَا كَانَ جده للْأُم
وَأطلق عَلَيْهِ الْأَب وَفهم مِنْهُ أَن الْجد للْأُم
يُسمى أَبَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ
تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ
إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً
وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً} وَالْجد للْأُم دَاخل فِي
ذَلِك. قَوْله: كَأَخِي السرَار قَالَ أَبُو
الْعَبَّاس النَّحْوِيّ لفظ: أخي، صلَة أَي: صَاحب
الْمُشَاورَة، والسرار بِكَسْر السِّين، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: كَأَخِي السرَار السرَار المساررة أَي:
كصاحب السرَار وكمثل المساررة لخفص صَوته. قَوْله: لم
يسمعهُ بِضَم الْيَاء أَي: لم يسمع عمر النبيَّ
حَدِيثه حَتَّى يستفهم النَّبِي مِنْهُ، من
الِاسْتِفْهَام وَهُوَ طلب الْفَهم.
7303 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ هِشامِ
بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ أُمِّ
المُؤْمِنِينَ أنَّ رسولَ الله قَالَ فِي مَرَضِهِ:
مُرُوا أَبَا بَكْرِ يُصَلِّي بالنَّاسِ قالتْ
عائِشَةُ قُلْتُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قامَ فِي
مَقَامِكَ لَم يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكاءِ،
فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ، فَقَالَ: مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنِّاسِ فقالَتْ عائِشَةُ
فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي: إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا
قامَ فِي مَقامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النّاسَ مِنَ
البُكاء، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بالنَّاس،
فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رسولُ الله إنَّكُنَّ
لأنْتُنَّ صَواحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فقالَتْ حَفْصَةُ لِعائِشَة:
مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْراً.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ المراددة
والمراجعة فِي الْأَمر وَهُوَ مَذْمُوم دَاخل فِي معنى
التعمق لِأَن التعمق الْمُبَالغَة فِي الْأَمر
وَالتَّشْدِيد فِيهِ.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب
من أَبْوَاب الْإِمَامَة آخرهَا: بَاب إِذا بَكَى
الإِمَام فِي الصَّلَاة. وَأخرجه هُنَاكَ عَن
إِسْمَاعِيل أَيْضا إِلَى آخِره.
قَوْله: فَفعلت حَفْصَة أَي: قَالَت، لِأَن الْفِعْل
أَعم الْأَفْعَال. قَوْله: صَوَاحِب يُوسُف أَي: أنتن
تشوشن الْأَمر عليّ كَمَا أَنَّهُنَّ شوشن
(25/40)
على يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام.
7304 - حدّثنا آدَمُ، حَدثنَا ابنُ أبي ذئْبٍ، حَدثنَا
الزُّهْرِيُّ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
قَالَ: جاءَ عُوَيْمِرٌ العَجْلاَنِيُّ إِلَى عاصِمِ
بنِ عَدِيَ فَقَالَ: أَرَأيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ
امْرَأتِهِ رَجُلاً فَيَقْتُلُهُ أفَتَقْتُلُونَهُ
بِهِ؟ سَلْ لِي يَا عاصِمُ رسولَ الله فَسألَهُ
فَكَرِهَ النَّبيُّ المَسائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ
عاصِمٌ فأخْبَرَهُ أنَّ النَّبيَّ كَرِهَ المَسائِلَ
فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَالله لآتِيَنَّ النَّبيَّ
فَجاءَ وقَدْ أنْزَلَ الله تَعَالَى القُرْآنَ خَلْفَ
عاصِم، فَقَالَ لَهُ: قَدْ أنْزَلَ الله فِيكُمْ
قُرْآناً، فَدَعا بِهِما فَتَقدَّما فَتَلاعَنا، ثُمَّ
قَالَ عُوَيْمرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْها يَا رسولَ الله
إنْ أمْسَكْتُها. فَفَارَقَها ولَمْ يَأْمُرُهُ
النبيُّ بِفِراقِها، فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي
المُتَلاعِنَيْنِ. وَقَالَ النبيُّ انْظُرُوها فإنْ
جاءَتْ بِهِ أحْمَرَ قَصِيراً مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلا
أُراهُ إلاَّ قَدْ كَذَبَ، وإنْ جاءَتْ بِهِ أسْحَمَ
أعْيَنَ ذَا ألَيَتَيْنِ فَلا أحْسِبُ إلاّ قَدْ
صَدَقَ عَلَيْها، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأمْرِ
المَكْرُوهِ
ا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة لِأَن عويمراً أفحش
فِي السُّؤَال، فَلهَذَا كره النَّبِي الْمسَائِل
وعابها.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس يروي عَن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب
بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة واسْمه هِشَام بن سعيد.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب اللّعان فِي مَوَاضِع
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: خلف عَاصِم أَي: بعد رُجُوعه، وَأَرَادَ
بِالْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ
أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}
الْآيَة. قَوْله: فَدَعَا بهما أَي: بعويمر وَزَوجته.
قَوْله: وَلم يَأْمُرهُ لِأَن نفس اللّعان يُوجب
الْمُفَارقَة، وَفِيه خلاف. قَوْله: فجرت السّنة أَي:
صَار الحكم بالفراق بَينهمَا شَرِيعَة. قَوْله: وحرة
بِفَتْح الْوَاو والحاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَهِي
دويبة فَوق العرسة حَمْرَاء، وَقيل: دويبة حَمْرَاء
تلزق بِالْأَرْضِ كالوزغة تقع فِي الطَّعَام فتفسده.
قَوْله: أسحم أَي: أسود أعين أَي: وَاسع الْعين.
قَوْله: ذَا أليتين هُوَ على الأَصْل وإلاَّ
فالاستعمال على حذف التَّاء مِنْهُ، قيل: كل النَّاس
ذُو إليتين أَي: عجيزتين. وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ
إليتين كبيرتين. قَوْله: على الْأَمر الْمَكْرُوه أَي:
الأسحم الْأَعْين، لِأَنَّهُ مُتَضَمّن لثُبُوت
زنَاهَا عَادَة.
7305 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا
اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ، عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ:
أَخْبرنِي مالكُ بنُ أوْسٍ النَّضْرِيُّ وكانَ
مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي
ذِكْراً مِنْ ذَلِكَ، فَدَخَلْتُ عَلى مالِكٍ
فَسألْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حتَّى أدْخُلَ عَلى
عُمَرَ أتاهُ حاجِبُهُ يَرْفأ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي
عُثْمانَ وعبْدِ الرَّحْمانِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ
يَسْتأذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا
وجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عليَ وعبَّاسٍ؟
فأذِنَ لَهُما. قَالَ العَبَّاسُ: يَا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ الظَّالِمِ،
اسْتَبَّا. فَقَالَ الرَّهْطُ، عُثْمانُ وأصْحابُهُ:
يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُما وأرِحْ
أحَدَهُما مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئدُوا
أنْشُدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ
السَّماءُ والأرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رسُولَ
الله قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ
يُرِيدُ رسولُ الله نَفْسَهُ قَالَ الرهْطُ: قَدْ
قَالَ ذالِكَ، فأقْبَلَ عُمَرُ عَلَى علِيَ وعبَّاسٍ،
فَقَالَ: أنْشُدُكُما بِاللَّه هَلْ تَعْلَمانِ أنَّ
رسولَ الله قَالَ ذالِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ
عُمَرُ: فإنِّي مُحَدِّثكُم عنْ
(25/41)
هاذَا الأمْرِ: إنَّ الله كانَ خَصَّ
رسولَهُ فِي هاذَا المالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ
أحَداً غَيْرَهُ، فإنَّ الله يَقُولُ: {وَمَآ أَفَآءَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَاكِنَّ
اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} الآيةَ
فَكانَتْ هذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله ثُمَّ وَالله
مَا احْتازَها دُوَنكُمْ، وَلَا اسْتأْثَرَ بِها
عَلَيْكُمْ، وقَدْ أعْطاكُمُوها وبَثَّهافِيكُمْ،
حتَّى بَقَيَ مِنْها هَذَا المالُ، وكانَ النبيُّ
يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا
المالِ، ثُمَّ يأخذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلَهُ مَجْعلَ
مالِ الله، فَعَمَلَ النبيُّ بِذَلِكَ حَياتَهُ
أنْشُدُكُمْ بِاللَّه هَلْ تَعْلَمُونَ ذالِكَ؟
فقالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيَ وعبَّاسٍ:
أنْشُدُكما الله هَلْ تَعْلَمانِ ذالِكَ؟ قَالَا:
نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى الله نَبِيَّهُ فَقَالَ أبُو
بَكْرٍ: أَنا وَلِيُّ رسولِ الله فَقَبَضَها أبُو
بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيها بِما عَمِلَ فِيهَا رسولُ الله
وأنْتُما حِينَئذٍ، وأقْبَلَ عَلى عَلِيَ وعَبَّاسٍ
فَقَالَ: تَزْعُمانِ أنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيها كَذَا؟
وَالله يَعْلَمُ أنَّهُ فِيها صادِقٌ بارٌّ راشِدٌ
تابِعٌ لِلْحَقِّ؟ ثُمَّ تُوَفَّى الله أَبَا بَكْرٍ
فَقُلْتُ: أَنا وَلِيُّ رسولِ الله وَأبي بَكْرٍ،
فَقَبَضَتُها سَنَتْينِ أعْمَلُ فِيها بِما عَمِلَ
بِهِ رَسُولُ الله وأبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمانِي
وكَلِمَتُكُما عَلى كَلِمَةٍ واحِدَةٍ وأمْرُكُما
جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْألُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابنِ
أخِيكَ، وأتانِي هَذا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأتِهِ
مِنْ أبِيهَا، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُما دَفَعْتُها
إلَيْكُما عَلى أنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ الله
ومِيثاقَهُ، تَعْمَلانِ فِيها بِما عَمِلَ بِهِ رسولُ
الله وبِما عَمِلَ فِيها أبُو بَكْرٍ وبِما عَمِلْتُ
فِيها مُنْذُ وَلِيتُها، وإلاّ فَلَا تُكَلِّمانِي
فِيها فقُلْتُما: ادْفَعْها إلَيْنا بِذالِكَ،
فَدَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ، أنْشُدُكُمْ بِالله
هَلْ دَفَعْتُها إلَيْهِما بِذالِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ:
نَعَمْ. فأقْبَلَ عَلى عَلِيَ وعَبَّاسٍ فَقَالَ:
أنْشُدُكُما بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْكُما؟
بِذالِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: أفَتَلْتَمِسانِ
مِنِّي قَضاءً غيْرَ ذالِكَ؟ فَوالّذِي بِإذْنِهِ
تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لَا أقْضي فِيها قَضاءً
غَيْرَ ذالِكَ حتَّى تَقُوم السَّاعَةُ، فإنْ
عَجَزْتُما عَنْها فادْفَعاها إلَيَّ فَأَنا
أكْفِيكُماها.
ا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة لِأَن مُنَازعَة
عَليّ وعباس قد طَالَتْ واشتدت عِنْد عمر، وَفِيه نوع
من التعمق. أَلا ترى إِلَى قَول عُثْمَان وَمن مَعَه:
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَينهمَا. وأرح
أَحدهمَا من الآخر.
وَمَالك بن أَوْس النضري بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الضَّاد الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى النَّضر بن
كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر،
وَفِي هَمدَان أَيْضا النَّضر بن ربيعَة، قَالَ ابْن
دُرَيْد: النَّضر الذَّهَب.
والْحَدِيث مضى فِي بَاب فرض الْخمس بِطُولِهِ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله (يرفأ بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون
الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز اسْم حَاجِب
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ومولاه. قَوْله:
الظَّالِم إِنَّمَا جَازَ للْعَبَّاس مثل هَذَا
القَوْل لِأَن عليّاً كَانَ كَالْوَلَدِ لَهُ وللوالد
مَا لَيْسَ لغيره، أَو هِيَ كلمة لَا يُرَاد بهَا
حَقِيقَتهَا إِذْ الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير
مَوْضِعه وَهُوَ متناول للصغيرة وللخصلة الْمُبَاحَة
الَّتِي لَا تلِيق بِهِ عرفا، وَبِالْجُمْلَةِ حاشا
لعَلي أَن يكون ظَالِما، وَلَا يصير ظَالِما
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلَا بُد من التَّأْوِيل.
قَالَ بَعضهم: هَاهُنَا مُقَدّر أَي: هَذَا الظَّالِم
إِن لم ينصف، أَو: كالظالم. وَقَالَ الْمَازرِيّ:
هَذَا اللَّفْظ لَا يَلِيق بِالْعَبَّاسِ وحاشا عَليّ
من ذَلِك، فَهُوَ سَهْو من الروَاة، وَإِن كَانَ لَا
بُد من صِحَّته فيؤول بِأَن الْعَبَّاس تكلم بِمَا لَا
يعْتَقد ظَاهره مُبَالغَة فِي الزّجر وردعاً لما
يعْتَقد أَنه مخطىء فِيهِ، وَلِهَذَا لم يُنكره أحد من
الصَّحَابَة لَا الْخَلِيفَة وَلَا غَيره مَعَ تشددهم
فِي إِنْكَار الْمُنكر، وَمَا ذَاك إلاَّ أَنهم فَهموا
بِقَرِينَة الْحَال أَنه لَا يُرِيد بِهِ الْحَقِيقَة.
قَوْله: اسْتَبَّا أَي: تخاشنا فِي الْكَلَام، تكلما
بغليظ القَوْل كالمستبين. قَوْله: اتئدوا
(25/42)
من الافتعال أَي: اصْبِرُوا وأمهلوا.
قَوْله: أنْشدكُمْ بِاللَّه وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: أنْشدكُمْ الله، بِحَذْف الْبَاء أَي:
أَسأَلكُم بِاللَّه. قَوْله: لَا نورث بِفَتْح
الرَّاء. قَوْله: صَدَقَة بِالرَّفْع يُرِيد بِهِ
نَفسه، أَي: لَا يُرِيد بِهِ الْأمة، وَقيل: إِنَّمَا
جمع لِأَن ذَلِك حكم عَام لكل الْأَنْبِيَاء. قَوْله:
هَذَا الْأَمر أَي: قصَّة مَا تَركه رَسُول الله،
وَكَيْفِيَّة تصرفه فِيهِ فِي حَيَاته وَتصرف أبي بكر
فِيهِ وَدَعوى فَاطِمَة وَالْعَبَّاس الْإِرْث
وَنَحْوه. قَوْله: فِي هَذَا المَال أَي: الْفَيْء.
قَوْله: لم يُعْط أحدا غَيره لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْكل
لَهُ لَا لغيره، قَوْله: احتازها بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي يَعْنِي: جمعهَا، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني بِالْجِيم وَالزَّاي. قَوْله:
اسْتَأْثر بهَا أَي: اسْتَقل واستبد. قَوْله: وبثها
أَي: فرقها. قَوْله: مجعل مَال الله أَي: مَا هُوَ
لمصَالح الْمُسلمين. قَوْله: وأنتما مُبْتَدأ. قَوْله:
تزعمان خَبره. قَوْله: كَذَا وَكَذَا أَي: لَيْسَ
محقّاً وَلَا فَاعِلا بِالْحَقِّ. فَإِن قلت: كَيفَ
جَازَ لَهما مثل هَذَا الِاعْتِقَاد فِي حَقه؟ قلت:
قَالَاه باجتهادهما قبل وُصُول حَدِيث: لَا نورث،
إِلَيْهِمَا وَبعد ذَلِك رجعا عَنهُ، واعتقد أَنه محق
بِدَلِيل أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم
يُغير الْأَمر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ حِين انْتَهَت
نوبَة الْخلَافَة إِلَيْهِ، قَوْله: على كلمة وَاحِدَة
يَعْنِي: لم يكن بَيْنكُمَا مُخَالفَة وأمركما
مُجْتَمع لَا تفرق فِيهِ وَلَا تنَازع عَلَيْهِ.
قَوْله: عَنْهَا أَي: فَإِن عجزتما عَن التَّصَرُّف
فِيهَا مُشْتَركا فَأَنا أكفيكماها وأتصرف فِيهَا
لَكمَا.
6 - (بابُ إثْمِ مَنْ آواى مُحْدِثاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من آوى بِالْمدِّ
مُحدثا بِضَم الْمِيم وَكسر الدَّال أَي: مبتدعاً أَو
ظَالِما أَو آوى مُحدث الْمعْصِيَة.
رَوَاهُ عَلِيٌّ عنِ النبيِّ
أَي: روى إِثْم من آوى مُحدثا عَليّ بن أبي طَالب عَن
النَّبِي، قَالَ بَعضهم: تقدم مَوْصُولا فِي الْبَاب
الَّذِي قبله، قلت: لَيْسَ فِي الْبَاب الَّذِي قبله
مَا يُطَابق التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا الَّذِي يطابقها
مَا تقدم فِي: بَاب الْجِزْيَة، فِي: بَاب إِثْم من
عَاهَدَ ثمَّ غدر، فَإِن فِيهِ: فَمن أحدث حَدثا أَو
آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله ... الحَدِيث.
7306 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عبْدُ
الوَاحِدِ، حدّثنا عاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأِنَسٍ:
أحَرَّمَ رسولُ الله المَدِينَةَ قَالَ: نَعَمْ. مَا
بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُها، مَنْ
أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله
والمَلاَئِكَةِ والنَّاسِ أجمَعِينَ.
قَالَ عاصِمٌ: فأخْبَرَنِي مُوسَى بنُ أنَسٍ أنَّهُ
قَالَ: أوْ آوَى مُحْدِثاً.
انْظُر الحَدِيث 1867
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد
الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد وَعَاصِم هُوَ ابْن
سُلَيْمَان الْأَحول.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن أبي النُّعْمَان
مُحَمَّد بن الْفضل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قَالَ عَاصِم: فَأَخْبرنِي هُوَ مَوْصُول
بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: مُوسَى بن أنس قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل: مُوسَى بن أنس
وهم من البُخَارِيّ أَو من مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
شَيْخه، وَالصَّوَاب: النَّضر، بِسُكُون العجمة ابْن
أنس كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه
7 - (بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأيِ
وتَكَلُّفِ القِياسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر من ذمّ الرَّأْي
الَّذِي يكون على غير أصل من الْكتاب أَو السّنة أَو
الْإِجْمَاع، وَأما الرَّأْي الَّذِي يكون على أصل من
هَذِه الثَّلَاثَة فَهُوَ مَحْمُود وَهُوَ
الِاجْتِهَاد. قَوْله: وتكلف الْقيَاس الَّذِي لَا
يكون على هَذِه الْأُصُول لِأَنَّهُ ظن، وَأما
الْقيَاس الَّذِي يكون على هَذِه الْأُصُول فَغير
مَذْمُوم وَهُوَ الأَصْل الرَّابِع المستنبط من هَذِه،
وَالْقِيَاس هُوَ الِاعْتِبَار وَالِاعْتِبَار
مَأْمُور بِهِ، فَالْقِيَاس مَأْمُور بِهِ وَذَلِكَ
لقَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ
لاَِوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ
وَظَنُّو اْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم
مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ
يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى
الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِى
الاَْبْصَارِ} فَالْقِيَاس إِذا مَأْمُور بِهِ فَكَانَ
حجَّة. فَإِن قلت: روى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
مُجَاهِد عَن الشّعبِيّ عَن عَمْرو بن حويرث عَن عمر
قَالَ: إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم
أَعدَاء السّنَن أغنتهم الْأَحَادِيث أَن يحفظوها
فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا. قلت: فِي صِحَّته
نظر، وَلَئِن سلمنَا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الرَّأْي
مَعَ وجود النَّص.
(25/43)
{وَلَا تقف وَلَا تقل مَا لَيْسَ لَك علم
بِهِ}
احْتج بِهِ لما ذكره من ذمّ التَّكَلُّف ثمَّ فسر
القفو بالْقَوْل، وَهُوَ من كَلَام ابْن عَبَّاس،
أخرجه الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ
بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
مَعْنَاهُ لَا تتبع مَا لَا تعلم وَمَا لَا يَعْنِيك.
وَقَالَ الرَّاغِب: الاقتفاء اتِّبَاع الْقَفَا كَمَا
أَن الارتداف اتِّبَاع الردف، ويكنى بذلك عَن الاغتياب
وتتبع المعائب، وَمعنى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} لَا تحكم
بالقيافة وَالظَّن وَهُوَ حجَّة على من يحكم بالقائف.
7307 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ تَلِيدٍ، حدّثنا ابنُ وهْبٍ
حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ شُرَيْحٍ وغَيْرُهُ عنْ
أبي الأسْودَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَليْنا
عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍ وفَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ إنَّ الله لَا يَنْزِعُ
العِلْمَ بَعْدَ أنْ أعْطاهُمُوهُ انْتِزاعاً، ولَكِنْ
يَنْتَزِعهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبَضِ العُلماءِ
بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى ناسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتوْنَ
فَيُفْتُونَ بِرأيِهم فَيُضِلُّونَ ويَضلُّونَ
فَحَدَّثْتُ بِهِ عائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ.
ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وحَجَّ بَعْدُ
فقالَتْ: يَا ابنَ أُخْتِي انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ
الله فاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الّذِي حدَّثْتَنِي
عنْهُ، فَجئْتُهُ فَسألْتُهُ فَحَدَّثَنِي بِهِ كَنحوِ
مَا حَدَّثَنِي، فأتَيْتُ عائِشَةَ فأخْبَرْتُها
فَعَجِبْتْ فقالتْ: وَالله لَقدْ حَفِظَ عَبْدُ الله
بنُ عَمْرٍ و.
انْظُر الحَدِيث 100
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فيفتون برأيهم
الَّذِي هُوَ غير مَبْنِيّ على أصل من الْكتاب أَو
السّنة أَو الْإِجْمَاع.
وَسَعِيد بن تليد بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَكسر اللَّام على وزن عَظِيم وَهُوَ سعيد بن
عِيسَى بن تليد نسب إِلَى جده أَبُو عُثْمَان
الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب عَن عبد
الرَّحْمَن بن شُرَيْح الإسْكَنْدراني عَن أبي الْأسود
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: وَغَيره هُوَ عبد
الله بن لَهِيعَة، أبهمه البُخَارِيّ لضَعْفه عِنْده
وَاعْتمد على عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كَيفَ يقبض
الْعلم، وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن قُتَيْبَة
وَآخَرين. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْعلم عَن
هَارُون بن إِسْحَاق. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن رَافع وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
السّنة عَن أبي كريب وَغَيره.
قَوْله: حج علينا أَي: ماراً علينا. قَوْله: عبد الله
بن عَمْرو أَي: ابْن الْعَاصِ. قَوْله: أعطاهموه كَذَا
فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيرهم: أعطاكموه. قَوْله: انتزاعاً
نصب على المصدرية، وَوَقع فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: لَا
ينْزع الْعلم من النَّاس، وَفِي الرِّوَايَة
الْمُتَقَدّمَة فِي كتاب الْعلم من طَرِيق مَالك: إِن
الله لَا يقبض الْعلم انتزاعاً ينتزعه من الْعباد،
وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي مُسْنده من قُلُوب
الْعباد. وَعند الطَّبَرَانِيّ: إِن الله لَا ينْزع
الْعلم من صُدُور النَّاس بعد أَن يعطيهم إِيَّاه.
قَوْله: مَعَ قبض الْعلمَاء بعلمهم أَي: يقبض
الْعلمَاء مَعَ علمهمْ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو
يُرَاد من لفظ: بعلمهم، بكتبهم بِأَن يمحى الْعلم من
الدفاتر وَيبقى: مَعَ، على المصاحبة أَو: مَعَ،
بِمَعْنى عِنْد. قَوْله: يستفتون على صِيغَة
الْمَجْهُول أَي: يطْلب مِنْهُم الْفَتْوَى. قَوْله:
فيفتون بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَعْلُوم من
الْإِفْتَاء. قَوْله: فيضلون بِفَتْح الْيَاء قَوْله:
ويضلون بِضَم الْيَاء من الإضلال. قَوْله: فَحدثت بِهِ
عَائِشَة أَي: قَالَ عُرْوَة: حدثت بِهَذَا الحَدِيث
عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. قَوْله: بعد أَي: بعد
تِلْكَ السّنة وَالْحجّة. قَوْله: فَقَالَت: يَا ابْن
أُخْتِي أَي: فَقَالَت عَائِشَة لعروة: يَا ابْن
أُخْتِي، لِأَن عُرْوَة ابْن أَسمَاء أُخْت عَائِشَة.
قَوْله: فاستثبت لي مِنْهُ أَي: من عبد الله بن
عَمْرو. قَوْله: كنحو مَا حَدثنِي أَي: فِي مرته
الأولى. قَوْله: فعجبت أَي: عَائِشَة من جِهَة أَنه
مَا غير حرفا مِنْهُ.
7308 - حدّثنا عَبْدانُ أخبرنَا أبُو حَمْزَةَ
سَمِعْتُ الأعْمَشَ قَالَ: سَألْتُ أَبَا وائِلٍ: هَلْ
شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَسَمِعْتُ سَهْلَ
بنَ حُنَيْفٍ يَقُول. وحّدثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ،
حدّثنا أبُو عَوَانَة، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ
قَالَ: قَالَ سَهلُ بنُ حُنَيْفٍ: يَا أيُّها النَّاسُ
اتَّهِمُوا رَأيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ
(25/44)
رأيْتُنِي يَوْمَ أبي جَنْدَلٍ، ولَوْ
أسْتَطِيعُ أَن أرُدَّ أمْرَ رسولِ الله لَرَدَدْتُهُ
وَمَا وضَعْنَا سُيُوفَنا عَلى عَوَاتِقِنا إِلَى
أمْرٍ يُفْظِعُنا إلاّ أسْهَلْنَ بِنا إِلَى أمْرٍ
نَعْرِفُهُ غَيْرَ هاذَا الأمْرِ.
قَالَ: وَقَالَ أبُو وائِلٍ: شَهِدْتُ صِفِّينَ،
وبِئْسَتْ صِفُّونَ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اتهموا رَأْيكُمْ
على دينكُمْ قَالَ الْكرْمَانِي: وَذَلِكَ أَن سهلاً
كَانَ يتهم بالتقصير فِي الْقِتَال فِي صفّين،
فَقَالَ: اتهموا رَأْيكُمْ، فَإِنِّي لَا أقصر وَمَا
كنت مقصراً وَقت الْحَاجة كَمَا فِي يَوْم
الْحُدَيْبِيَة، فَإِنِّي رَأَيْت نَفسِي يومئذٍ لَو
قدرت على مُخَالفَة حكم رَسُول الله لقاتلت قتالاً لَا
مزِيد عَلَيْهِ، لكني أتوقف الْيَوْم لمصَالح
الْمُسلمين. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: اتهموا
رَأْيكُمْ على دينكُمْ أَي: لَا تعملوا فِي أَمر
الدّين بِالرَّأْيِ الْمُجَرّد الَّذِي لَا يسْتَند
إِلَى أصل من الدّين. انْتهى. قلت: مَا قَالَه
الْكرْمَانِي أقرب إِلَى معنى التَّرْكِيب، وَمَا
قَالَه غَيره أقرب إِلَى التَّرْجَمَة.
وَأخرج الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيقين. الأول: عَن
عَبْدَانِ لقب عبد الله بن عُثْمَان عَن أبي حَمْزَة
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون
السكرِي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل
شَقِيق بن سَلمَة عَن سهل بن حنيف بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح النُّون. وَالطَّرِيق الثَّانِي:
عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش إِلَى آخِره. والْحَدِيث مر فِي
كتاب الْجِزْيَة فِي بَاب مُجَرّد بعد: بَاب إِثْم من
عَاهَدَ ثمَّ غدر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش وَمضى
أَيْضا فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة.
قَوْله: هَل شهِدت صفّين؟ أَي: هَل حضرت وقْعَة صفّين
الَّتِي كَانَت بَين عَليّ بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة
بن أبي سُفْيَان وصفين بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْفَاء الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالنون وَهُوَ مَوضِع بَين الشَّام
وَالْعراق بشاطىء الْفُرَات. قَوْله: اتهموا رَأْيكُمْ
مر تَفْسِيره الْآن. قَوْله: لقد رَأَيْتنِي أَي: لقد
رَأَيْت نَفسِي يَوْم أبي جندل وَهُوَ يَوْم من
أَيَّام غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وقصتها مختصرة
أَنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا
خلاف، وَخرج رَسُول الله إِلَيْهَا فِي رَمَضَان وسَاق
مَعَه الْهَدْي وَأحرم بِالْعُمْرَةِ ليأمن النَّاس من
حربه وَمَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، وَكَانَ
الْهَدْي سبعين بَدَنَة وَالنَّاس سَبْعمِائة رجل
فَكَانَت كل بَدَنَة عَن عشرَة نفر، وَلما بلغ
الْخَبَر قُريْشًا خَرجُوا، ونزلوا بِذِي طوى وعاهدوا
الله أَن مُحَمَّدًا لَا يدخلهَا أبدا ثمَّ إِن بديل
بن وَرْقَاء أَتَى النَّبِي فِي رجال من خُزَاعَة
فَسَأَلُوهُ مَا الَّذِي جَاءَ بِهِ؟ فَأخْبرهُم أَنه
لم يَأْتِ للحرب بل زَائِرًا للبيت، وَرَجَعُوا إِلَى
قُرَيْش فَأَخْبرُوهُمْ بِهِ، ثمَّ جرى أُمُور
كَثِيرَة من مراسلات وَغَيرهَا إِلَى أَن بعثت قُرَيْش
سُهَيْل بن عَمْرو إِلَى رَسُول الله بالمصالحة وَأَن
يرجع عَامه هَذَا، وَجرى كَلَام كثير حَتَّى جرى
الصُّلْح على وضع الْحَرْب عشر سِنِين على أَن من
أَتَى من قُرَيْش بِغَيْر إِذن وليه رده عَلَيْهِم،
وَمن جَاءَ قُريْشًا مِمَّن مَعَ مُحَمَّد لم يردوه
عَلَيْهِ، فَبينا رَسُول الله يكْتب الْكتاب هُوَ
وَسُهيْل بن عَمْرو إِذْ جَاءَ أَبُو جندل بن سُهَيْل
بن عَمْرو يرسف فِي الْحَدِيد، قد: انفلت مِنْهُم،
وَلما رأى سُهَيْل أَبَا جندل قَامَ إِلَيْهِ فَضرب
وَجهه وَأخذ بتلبيبه، وَقَالَ: يَا مُحَمَّد قد لجت
الْقَضِيَّة بيني وَبَيْنك قبل أَن يَأْتِيك هَذَا.
قَالَ: صدقت، فَجعل يجر أَبَا جندل ليَرُدهُ إِلَى
قُرَيْش وَجعل أَبُو جندل يصْرخ بِأَعْلَى صَوته: يَا
معشر الْمُسلمين أرد إِلَى الْمُشْركين يفتنونني فِي
ديني؟ فَزَاد النَّاس ذَلِك هما إِلَى هَمهمْ، فَقَالَ
رَسُول الله يَا أَبَا جندل اصبر واحتسب فَإِن الله
جَاعل لَك وَلمن مَعَك من الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة
فرجا ومخرجاً. وَلما فرغ الصُّلْح قَامَ النَّبِي
إِلَى هَدْيه فنحره وَحلق رَأسه، وَقَامَ الصَّحَابَة
كلهم ينحرون ويحلقون رؤوسهم، ثمَّ قفل رَسُول الله
إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد
أَمر رَسُول الله لرددته قد ذكرنَا أَنهم لما اتهموا
سهل بن حنيف بالتقصير فِي الْقِتَال فِي قصَّة صفّين
صَعب عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُم: أَنا لست بمقصر فِي
الْقِتَال وَقت الْحَاجة، وَلما جَاءَ أَبُو جندل
إِلَى رَسُول الله مُسلما فَرده، إِلَى الْمُشْركين
لأجل الصُّلْح الْمَذْكُور بَينهم وَبَين النَّبِي
صَعب على سهل ذَلِك جدا، فَقَالَ لَهُم حِين
اتَّهَمُوهُ بالتقصير فِي الْقِتَال: لَو كنت
أَسْتَطِيع رد أبي جندل لرددته، وَلَكِنِّي قصرت لأجل
أَمر رَسُول الله فَإِنَّهُ أَمر برده وَلم يكن يسعني
أَن أرد أَمر رَسُول الله وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم
نسب الْيَوْم إِلَى أبي جندل لَا إِلَى
الْحُدَيْبِيَة؟ قلت: لِأَن رده إِلَى الْمُشْركين
كَانَ شاقاً على الْمُسلمين وَكَانَ ذَلِك أعظم مَا
جرى عَلَيْهِم من سَائِر
(25/45)
الْأُمُور، وَأَرَادُوا الْقِتَال
بِسَبَبِهِ وَأَن لَا يردوا أَبَا جندل وَلَا يرضون
بِالصُّلْحِ. قَوْله: وَمَا وَضعنَا سُيُوفنَا على
عواتقنا جمع عاتق. قَوْله: إِلَى أَمر يفظعنا بِضَم
الْيَاء وَسُكُون الْفَاء وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة
أَي: يخوفنا ويهولنا، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: أَي يوقعنا فِي أَمر فظيع أَي: شَدِيد
شنيع وَقد فظع يفظع فَهُوَ مفظع، وفظع الْأَمر فَهُوَ
فظيع. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وأفظع الرجل، على مَا لم
يسم فَاعله، أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم، وأفظعت
الشَّيْء واستفظعته وجدته فظيعاً. قَوْله: أَلا أسهلن
بِنَا أَي: أفضين بِنَا إِلَى سهولة يَعْنِي السيوف
أفضين بِنَا إِلَى أَمر سهل نعرفه خَبرا غير هَذَا
الْأَمر أَي: الَّذِي نَحن فِيهِ من هَذِه
الْمُقَاتلَة فِي صفّين، فَإِنَّهُ لَا يسهل بِنَا،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بهَا وَقَالَ بَعضهم إلاَّ
أسهلن أَي: أنزلتنا فِي السهل من الأَرْض أَي: أفضين
بِنَا وَهُوَ كِنَايَة عَن التَّحَوُّل من الشدَّة
إِلَى الْفرج. قلت: هَذَا معنى بعيد على مَا لَا يخفى
على المتأمل.
قَوْله: قَالَ: وَقَالَ أَبُو وَائِل أَي: قَالَ
الْأَعْمَش: قَالَ أَبُو وَائِل الْمَذْكُور: شهِدت
صفّين وبئست صفون أَي: بئست الْمُقَاتلَة الَّتِي
وَقعت فِيهَا. وإعراب هَذَا اللَّفْظ كإعراب الْجمع
كَقَوْلِه تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ
الاَْبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا
عِلِّيُّونَ} وَالْمَشْهُور أَن يعرب بالنُّون وَيكون
بِالْيَاءِ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث، تَقول: هَذِه
صفّين بِرَفْع النُّون وَرَأَيْت صفّين ومررت بصفين
بِفَتْح النُّون فيهمَا، وَكَذَلِكَ تَقول فِي قنسرين
وفلسطين ونبرين، وَالْحَاصِل أَن فِيهَا لغتين:
إِحْدَاهمَا: إِجْرَاء الْإِعْرَاب على مَا قبل
النُّون وَتركهَا مَفْتُوحَة كجمع السَّلامَة.
وَالثَّانيَِة: أَن يَجْعَل النُّون حرف الْإِعْرَاب
كَمَا ذكرنَا، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: شهِدت
صفّين وبئست صفّين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: وبئست
الصفون، بِالْألف وَاللَّام وَهُوَ لَا ينْصَرف
للعلمية والتأنيث، وَالْمَشْهُور كسر الصَّاد وَقيل:
جَاءَ بِفَتْحِهَا أَيْضا.
8 - (بابُ مَا كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ
فَيَقُولُ: (لَا أدْرِي) أوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى
يُنْزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، ولَمْ يَقُلْ بِرَأيٍ
وَلَا بِقِياسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّآ
أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ
لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي، الخ.
قَوْله: يسْأَل على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: لَا
أَدْرِي قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ حزازة حَيْثُ
قَالَ: لَا أَدْرِي، إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل
عَلَيْهِ وَلم يثبت عَنهُ، ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم:
هُوَ تساهل شَدِيد مِنْهُ لِأَنَّهُ أَشَارَ فِي
التَّرْجَمَة إِلَى مَا ورد فِي ذَلِك وَلكنه لم يثبت
عِنْده مِنْهُ شَيْء على شَرطه، ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن
مَسْعُود: من علم شَيْئا فَلْيقل بِهِ، وَمن لم يعلم
فَلْيقل: الله أعلم وَذكر حَدِيث ابْن عمر: جَاءَ رجل
إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: أَي الْبِقَاع خير؟ قَالَ:
لَا أَدْرِي، فَأَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام،
فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: سل رَبك،
فانتفض جِبْرِيل انتفاضة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله، قَالَ: مَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة
لأَهْلهَا. انْتهى.
قلَّة نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى التساهل الشَّديد
تساهل أَشد مِنْهُ لِأَن قَوْله: لَيْسَ فِي الحَدِيث
مَا يدل عَلَيْهِ، صَحِيح. وَقَوله: وَلم يثبت عَنهُ
ذَلِك، أَيْضا صَحِيح لِأَن مُرَاده أَنه لم يثبت
عِنْده، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَقَوْل البُخَارِيّ:
لَا أَدْرِي، غير وَاقع فِي مَحَله. قَوْله: وَلم يقل
بِرَأْي وَلَا قِيَاس قَالَ الْكرْمَانِي: قيل: لَا
فرق بَينهمَا وهما مُتَرَادِفَانِ، وَقيل: الرَّأْي
هُوَ التفكر، أَي: لم يقل بِمُقْتَضى الْعقل وَلَا
بِالْقِيَاسِ، وَقيل: الرَّأْي أَعم لتنَاوله مثل
الِاسْتِحْسَان، وَقَالَ الْمُهلب مَا حَاصله الرَّد
على البُخَارِيّ فِي قَوْله: وَلم يقل بِرَأْي وَلَا
قِيَاس لِأَن النَّبِي، قد علم أمته كَيْفيَّة
الْقيَاس والاستنباط فِي مسَائِل لَهَا أصُول وَمَعَان
فِي كتاب الله عز وَجل لِيُرِيَهُمْ كَيفَ يصنعون
فِيمَا عدموا فِيهِ النُّصُوص، وَالْقِيَاس هُوَ
تَشْبِيه مَا لَا حكم فِيهِ بِمَا فِيهِ حكم فِي
الْمَعْنى، وَقد شبه، الْحمر بِالْخَيْلِ فَقَالَ: مَا
أنزل الله عليّ فيهمَا بِشَيْء غير هَذِه الْآيَة
الفاذة الجامعة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْراً يَرَهُ} وَقَالَ للَّتِي أخْبرته: إِن
أَبَاهَا لم يحجّ: أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين
أَكنت قاضيته؟ فَالله أَحَق بِالْقضَاءِ. وَهَذَا هُوَ
عين الْقيَاس عِنْد الْعَرَب، وَعند الْعلمَاء بمعاني
الْكَلَام، وَأما سُكُوته، حَتَّى نزل الْوَحْي
فَإِنَّمَا سكت فِي أَشْيَاء معضلة لَيست لَهَا أصُول
فِي الشَّرِيعَة، فَلَا بُد فِيهَا من اطلَاع
الْوَحْي، وَنحن الْآن قد فرغت لنا الشَّرَائِع وأكمل
الله الدّين فَإِنَّمَا نَنْظُر ونقيس موضوعاتها
فِيمَا أعضل من النَّوَازِل. قَوْله: لقَوْله: {بِمَا
أَرَاك الله} أَي: لقَوْل الله تَعَالَى، ويروى:
هَكَذَا لقَوْل الله، وَهُوَ رِوَايَة
(25/46)
الْمُسْتَمْلِي، وَاحْتج البُخَارِيّ بقوله تَعَالَى:
{بِمَا أَرَاك الله} أَي: بِمَا أعلمك الله. وَأجِيب
عَن هَذَا بِأَنَّهُ إِذا حكم بَين النَّاس الْقيَاس
فقد حكم أَيْضا بِمَا أرَاهُ الله، وَنقل ابْن التِّين
عَن الدَّاودِيّ بِمَا حَاصله: إِن الَّذِي احْتج بِهِ
البُخَارِيّ بِمَا ادَّعَاهُ من النَّفْي حجَّة فِي
الْإِثْبَات، لِأَن المُرَاد بقوله: لَيْسَ محصوراً
فِي النُّصُوص بل فِيهِ إِذن بالْقَوْل فِي الرَّأْي.
قلت: فحينئذٍ تنْقَلب الْحجَّة عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النبيُّ عنِ الرُّوحِ
فَسَكَتَ حتَّى نَزَلَتْ.
ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود
دَلِيلا لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَلم يجب، لِأَن
عدم الْإِجَابَة السُّكُوت وَلَا ينتهض هَذَا دَلِيلا
لما ادَّعَاهُ لأَنا قد ذكرنَا أَن سُكُوته فِي مثل
هَذَا الْموضع لكَونه فِي أَشْيَاء معضلة وَلَيْسَ
لَهَا أصُول فِي الشَّرِيعَة، فَلَا بُد فِي مثل هَذَا
من الْوَحْي، وَمَعَ هَذَا مَا أطلعه الله فِي هَذِه
الْآيَة، وَهِي: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّن
الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الْآيَة على حَقِيقَة
كَيْفيَّة الرّوح، بل قَالَ: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ
أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} وَهَذَا
التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا فِي آخر: بَاب مَا يكره من
كَثْرَة السُّؤَال، لكنه ذكر فِيهِ: فَقَامَ سَاعَة
ينْتَظر، وَأوردهُ فِي كتاب الْعلم بِلَفْظ: فَسكت،
وَأوردهُ فِي تَفْسِير سُبْحَانَ، بِلَفْظ: فَأمْسك،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: فأسكت النَّبِي، فَلم يرد
عَلَيْهِ شَيْئا.
7309 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ المُنْكَدِرِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: مَرِضْتُ
فَجَاءَنِي رسولُ الله يَعُودُني وأبُو بَكْرٍ وهُما
ماشِيان، فَأَتَانِي وقعدْ أُغْمَيَ عَلَيَّ،
فَتَوَضَّأ رسولُ الله ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ
فأفَقْتُ فَقُلتُ يَا رسولَ الله ورُبَّما قَالَ
سُفْيانُ: فَقُلْتُ: أيْ رسولَ الله كَيْفَ أقْضِي فِي
مَالِي؟ كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَما
أجابَنْي بِشَيْءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة على زَعمه تُؤْخَذ من آخر
الحَدِيث. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ،
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر.
والْحَدِيث مضى فِي سُورَة النِّسَاء فِي قَوْله
تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله} وَلَفظه فِي آخر الحَدِيث
فَنزلت {يُوصِيكُم الله}
قَوْله: وَقد أغمى عَليّ أَي: غشي، وَالْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: وضوءه بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء
الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَالَ الدَّاودِيّ: وَفِي
هَذَا الحَدِيث الْوضُوء للْمَرِيض شِفَاء. قَوْله:
وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة
الرَّاوِي.
قَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ: جَوَاز الرِّوَايَة
بِالْمَعْنَى، ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا لَا يتَضَمَّن
حكما، وَلَيْسَ من قَول رَسُول الله،
|