عمدة القاري شرح صحيح البخاري

9 - (بابُ تَعْلِيمِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ مِمَّا عَلَّمَهُ الله لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم رَسُول الله، أمته إِلَى آخِره، قَالَ الْمُهلب: مُرَاده أَن الْعَالم إِذا كَانَ يُمكنهُ أَن يحدث بالنصوص لَا يحدث بنظره وَلَا قِيَاسه. انْتهى. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح ترْجم فِي كتاب الْعلم: بَاب هَل يَجْعَل للنِّسَاء يَوْمًا على حِدة فِي الْعلم، ثمَّ نقل كَلَام الْمُهلب، ثمَّ قَالَ: بِهَذَا معنى التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ، حَدثهمْ حَدِيثا عَن الله لَا يبلغهُ قِيَاس وَلَا نظر، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيف ووحي، وَكَذَلِكَ مَا حَدثهمْ بِهِ من سنَنه فَهُوَ عَن الله تَعَالَى أَيْضا لقَوْله: هُهِهّهْ 0 النَّجْم: 3 ف قَوْله: لَيْسَ بِرَأْي قد مر تَفْسِير الرَّأْي. قَوْله: وَلَا تَمْثِيل أَي: قِيَاس وَهُوَ إِثْبَات مثل حكم مَعْلُوم فِي مَعْلُوم آخر لاشْتِرَاكهمَا فِي عِلّة الحكم، وَهَذَا يدل على أَنه من نفاة الْقيَاس، وَقد قُلْنَا فِيمَا مضى: إِن الْقيَاس اعْتِبَار وَالِاعْتِبَار مَأْمُور بِهِ لقَوْله تَعَالَى: 0 الْحَشْر: 2 ف فَالْقِيَاس مَأْمُور بِهِ.

7310 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا أبُو عَوَانَة، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الأصْبَهانيِّ، عنْ أبي صالِحٍ ذَكْوَانَ،

(25/47)


عنْ أبي سَعيدٍ: جاءَتِ امرْأَةٌ إِلَى رسولِ الله فقالَتْ يَا رسولَ الله ذَهَبَ الرِّجالُ بِحَدِيثِكَ فاجْعَلْ لَنا مِنْ نَفْسِكَ يَوْماً نأتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنا مِمَّا عَلَّمَكَ الله فَقَالَ: اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي مَكانِ كَذَا وكَذَا فاجْتَمَعْنَ فأتاهُنَّ رسولُ الله فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ الله، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُنَّ امْرأةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْها مِنْ وَلَدِها ثَلاَثةً، إلاّ كانَ لَهَا حِجاباً مِنَ النَّار فَقالَتِ امْرأةٌ مِنْهُنْ يَا رسولَ الله اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فأعادَتْها مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: واثْنَيْنِ واثْنَيْنِ واثْنَيْنِ

قَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِن مَوضِع التَّرْجَمَة هُوَ قَوْله: لَهَا حِجَابا من النَّار لِأَن هَذَا أَمر توقيفي تَعْلِيم من الله تَعَالَى لَيْسَ قولا بِرَأْي وَلَا تَمْثِيل لَا دخل لَهما فِيهِ. انْتهى. قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يدل على مُطَابقَة التَّرْجَمَة أصلا لِأَن عدم دلَالَته على الرَّأْي والتمثيل لَا يسْتَلْزم نفيهما.
وَأَبُو عوَانَة بِالْفَتْح هُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ الْكُوفِي وَأَصله من أَصْبَهَان، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي أَصْبَهَان أَربع لُغَات: فتح الْهمزَة وَكسرهَا وبالباء الْمُوَحدَة وبالفاء، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب هَل يَجْعَل للنِّسَاء يَوْم على حِدة فِي الْعلم؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن ابْن الْأَصْبَهَانِيّ ... إِلَى آخِره، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: جَاءَت امْرَأَة قيل: يحْتَمل أَن تكون هِيَ أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن. قَوْله: من نَفسك أَي: من أَوْقَات نَفسك. قَوْله: اجْتَمعْنَ أَولا بِلَفْظ الْأَمر، وَثَانِيا بالماضي. قَوْله: تقدم من التَّقْدِيم أَي: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.

(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِيظاهِرِينَ عَلى الحَقِّ يُقاتِلُونَ) : وهُمْ أهْلُ العِلْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي إِلَى آخِره، وروى مُسلم مثل هَذِه التَّرْجَمَة عَن ثَوْبَان قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد: هُوَ ابْن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي أَسمَاء عَن ثَوْبَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم على ذَلِك وروى أَيْضا مثله عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَجَابِر بن سَمُرَة. قَوْله: وهم أهل الْعلم، من كَلَام البُخَارِيّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البُخَارِيّ يَقُول: سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ يَقُول: هم أَصْحَاب الحَدِيث.

7311 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنْ إسْماعِيلَ، عنْ قَيْسٍ، عنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظاهِرِينَ حتَّى يَأْتِيَهُمْ أمْرُ الله وهُمْ ظاهِرُونَ
انْظُر الحَدِيث 3640 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذان الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة. وَأخرجه مُسلم كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا.
قَوْله: ظَاهِرين أَي: معاونين على الْحق، وَقيل: غَالِبين، وَقيل: عالين. قَوْله: أَمر الله أَي: الْقِيَامَة. قَوْله: وهم ظاهرون أَي: غالبون على من خالفهم. قيل: فِيهِ حجية الْإِجْمَاع وَامْتِنَاع خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهدين. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا الحَدِيث حَدِيث عبد الله بن عبد الله بن عَمْرو: لَا تقوم السَّاعَة إلاَّ على شرار النَّاس هم شَرّ من أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يدعونَ الله بِشَيْء إلاَّ رده عَلَيْهِم، رَوَاهُ مُسلم. قلت: المُرَاد من شرار النَّاس الَّذين تقوم عَلَيْهِم السَّاعَة قوم يكونُونَ بِموضع مَخْصُوص وبموضع آخر تكون طَائِفَة يُقَاتلُون على الْحق لَا يضرهم من خالفهم وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة مَرْفُوعا لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لعدوهم قاهرين حَتَّى يَأْتِيهم أَمر الله، وهم كَذَلِك قيل: يَا رَسُول الله وَأَيْنَ هم؟ قَالَ: هم بِبَيْت الْمُقَدّس وأكناف بَيت الْمُقَدّس. قلت: الأكناف جمع كنف بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْجَانِب والناحية.

(25/48)


7312 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثنا ابنُ وَهْبٍ، عنْ يُونُسَ، عنِ ابْن شِهابٍ، أَخْبرنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين، وإنَّما أَنا قاسِمٌ ويُعْطِي الله، ولَنْ يَزَالَ أمْرُ هاذِهِ الأمَّةِ مُسْتَقِيماً حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أوْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الْبَاب مَا يدل على أَنهم أهل الْعلم على مَا ترْجم عَلَيْهِ. وَأجَاب بقوله: نعم فِيهِ، إِذْ، من جملَة الاسْتقَامَة أَن يكون فيهم: إِذْ، التفقه والمتفقه لَا بُد مِنْهُ لترتبط الْأَخْبَار بَعْضهَا بِبَعْض، وَتحصل جِهَة جَامِعَة بَينهمَا معنى.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس يروي عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن حميد بِالضَّمِّ بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه فِي الْعلم عَن سعيد بن عفير، وَفِي الْخمس عَن حبَان عَن ابْن الْمُبَارك. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب بِهِ.
قَوْله: خيرا عَام لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم أَي: جَمِيع الْخيرَات، وَيحْتَمل أَن يكون التَّنْوِين للتعظيم. قَوْله: أَنا قَاسم أَي: أقسم بَيْنكُم، فألقي إِلَى كل وَاحِد مَا يَلِيق بِهِ من أَحْكَام الدّين، وَالله يوفق من يَشَاء مِنْهُم للفقه والتفهم مِنْهُ والتفكر فِي مَعَانِيه. قَوْله: أَو حَتَّى يَأْتِي أَمر الله شكّ من الرَّاوِي، وَفِيه: أَن أمته آخر الْأُمَم.

11 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} )

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} وأوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} وَفِي الْآيَة أَقْوَال: قَالَ ابْن عَبَّاس: {من فَوْقكُم} أَئِمَّة السوء أَو {من تَحت أَرْجُلكُم} خدم السوء، وَقيل: الأتباع، وَقَالَ الضَّحَّاك {من فَوْقكُم} أَي: كباركم أَو {من تَحت أَرْجُلكُم} من سفلتكم، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس إِ ئ يَعْنِي: الرَّجْم، {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} يَعْنِي، الْخَسْف. قَوْله: ث ج ح الشيع الْفرق وَالْمعْنَى شيعًا مُتَفَرِّقَة مُخْتَلفَة لَا متفقة، يُقَال: لبست الشَّيْء خلطته، وألبست عَلَيْهِ إِذا لم تبينه، وَقَالَ ابْن بطال: أجَاب الله دُعَاء نبيه فِي عدم استئصال أمته بِالْعَذَابِ، وَلم يجبهُ فِي أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا أَي: فرقا مُخْتَلفين وَأَن لَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض أَي: بِالْحَرْبِ وَالْقَتْل بِسَبَب ذَلِك، وَإِن كَانَ ذَلِك من عَذَاب الله لكنه أخف من الاستئصال وَفِيه للْمُؤْمِنين كَفَّارَة.

7313 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرٌ و: سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ عَلى رسولِ الله {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} قَالَ: أعُوذُ بِوَجْهِكَ {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: أعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} قَالَ: هاتانِ أهْوَنُ، أوْ أيْسَرُ.
انْظُر الحَدِيث 4628 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو بِالْفَتْح هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي سُورَة الْأَنْعَام. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر.
قَوْله: من فَوْقكُم كإمطار الْحِجَارَة عَلَيْهِم كَمَا كَانَ على قوم لوط، عَلَيْهِ السَّلَام أَو من تَحت أَرْجُلكُم كالخسف كَمَا فعل بقارون. قَوْله: أَو يلْبِسكُمْ شيعًا أَي: يخلطكم فرقا أَصْحَاب أهواء مُخْتَلفَة. قَوْله: وَيُذِيق بَعْضكُم أَي: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا. قَوْله: بِوَجْهِك من المتشابهات. قَوْله: هَاتَانِ أَي: المحنتان أَو الخصلتان وهما: اللّبْس والإذاقة أَهْون من الاستئصال والانتقام من عَذَاب الله، وَإِن كَانَت الْفِتْنَة من عَذَاب الله، وَلَكِن هِيَ أخف لِأَنَّهَا كَفَّارَة للْمُؤْمِنين. قَوْله: أَو أيسر شكّ من الرَّاوِي.

12 - (بابُ من شَبَّهَ أصْلاً مَعْلُوماً بِأصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ الله حُكْمَهُما، لِيَفْهَمَ السَّائِلُ)

(25/49)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من شبه أصلا مَعْلُوما الخ، وَهَذَا الْبَاب للدلالة على صِحَة الْقيَاس، وَأَنه لَيْسَ مذموماً. فَإِن قلت: الْبَاب الْمُتَقَدّم يشْعر بالذم وَالْكَرَاهَة. قلت: الْقيَاس على نَوْعَيْنِ: صَحِيح مُشْتَمل على جَمِيع شَرَائِطه الْمَذْكُورَة فِي فن الْأُصُول وفاسد بِخِلَاف ذَلِك، فالمذموم هُوَ الْفَاسِد، وَأما الصَّحِيح فَلَا مذمة فِيهِ بل هُوَ مَأْمُور بِهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: من شبه أصلا مَعْلُوما قَالَ الْكرْمَانِي: لَو قَالَ: من شبه أمرا مَعْلُوما لوافق اصْطِلَاح أهل الْقيَاس، وَهَذَا الْمَذْكُور من التَّرْجَمَة رِوَايَة الْكشميهني والإسماعيلي والجرجاني، وَرِوَايَة غَيرهم من شبه أصلا مَعْلُوما بِأَصْل مُبين وَقد بَين النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، حكمهمَا. وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: من شبه أصلا مَعْلُوما بِأَصْل مُبْهَم قد بَين الله حكمهمَا ليفهم السَّائِل.

7314 - حدّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ، حدّثني ابنُ وهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ أعْرَابِيّاً أتَى رسولَ الله فَقَالَ: إنَّ امْرَأتي ولَدَتْ غُلاماً أسْوَدَ، وإنِّي أنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لهُ رسولُ الله هَلْ لَكَ مِنْ إبلٍ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَما ألْوَانُها؟ قَالَ: حُمَرٌ. قَالَ: هَلْ فِيها مِنْ أوْرَق؟ قَالَ: إنَّ فِيها لَوُرْقاً. قَالَ: فأنَّى تُرَى ذالِكَ جاءَها؟ قَالَ: يَا رسولَ الله عِرقٌ نَزَعَها. قَالَ: وَلَعَلَّ هاذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ ولَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الانْتِفاءِ مِنْهُ.
انْظُر الحَدِيث 5305 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي شبه للأعرابي، مَا أنكر من لون الْغُلَام بِمَا عرف فِي نتاج الْإِبِل، فَقَالَ لَهُ: هَل لَك من إبل إِلَى قَوْله: لَعَلَّ عرقاً نَزعه فأبان لَهُ بِمَا يعرف أَن الْإِبِل الْحمر تنْتج الأورق أَي: الأغبر، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض فَكَذَلِك الْمَرْأَة الْبَيْضَاء تَلد الْأسود.
وَأصبغ بن الْفرج أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ روى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي اللّعان وَلَكِن عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَإِنِّي أنكرته لِأَنِّي أَبيض وَهُوَ أسود. قَوْله: لورقاً بِضَم الْوَاو جمع الأورق وَهُوَ مَا فِي لَونه بَيَاض إِلَى سَواد. قَوْله: عرق أَي: أصل. قَوْله: نَزعهَا أَي: اجتذبها إِلَيْهِ حَتَّى ظهر لَونه عَلَيْهِ. قَوْله: فِي الانتفاء أَي: فِي اللّعان وَنفي الْوَلَد من نَفسه.

7315 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا أبُو عَوانَةَ، عنْ أبي بِشْر، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْن عبَّاسٍ أنَّ امْرَأةً جاءَتْ إِلَى النَّبيِّ فقالَتْ إِن أُمِّي نَذَرتْ أنْ تَحُجَّ فَماتَتْ قَبْلَ أنْ تَحُجَّ، أفأحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عنْها أرَأيْتَ لَوْ كانَ عَلى أُمّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ نَعمْ فَقَالَ: فاقْضُوا الّذِي لهُ، فإنَّ الله أحقُّ بالْوَفاءِ
انْظُر الحَدِيث 1852 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، شبه لتِلْك الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلته الْحَج عَن أمهَا بدين الله بِمَا تعرف غَيره من دين الْعباد، غير أَنه قَالَ: فدين الله أَحَق
وَأَبُو عوَانَة بِالْفَتْح الوضاح، وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب الْحَج الْمَنْذُور عَن الْمَيِّت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قاضيته بالضمير ويروى: قاضية، بِدُونِ الضَّمِير. قَوْله: فاقضوا أَي: فاقضوا أَيهَا الْمُسلمُونَ الْحق الَّذِي لله تَعَالَى، وَدخلت الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلته الْحَج عَن أمهَا فِي هَذَا الْخطاب دُخُولا بِالْقَصْدِ الأول، وَقد علم فِي الْأُصُول أَن النِّسَاء يدخلن فِي خطاب الرِّجَال لَا سِيمَا عِنْد الْقَرِينَة المدخلة. قيل: قَالَ الْفُقَهَاء: حق الْآدَمِيّ مقدم على حق الله تَعَالَى: وَأجِيب: بِأَن التَّقْدِيم بِسَبَب احْتِيَاجه لَا يُنَافِي الأحقية بِالْوَفَاءِ واللزوم، وَاحْتج الْمُزنِيّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين على من أنكر الْقيَاس قَالَ: وَأول من أنكر الْقيَاس إِبْرَاهِيم النظام وَتَبعهُ بعض الْمُعْتَزلَة

(25/50)


وَدَاوُد بن عَليّ وَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْجَمَاعَة هُوَ الْحجَّة فقد قَاس الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من التَّابِعين وفقهاء الْأَمْصَار، وَقيل: دَعْوَى الأولية فِي إِنْكَار الْقيَاس بإبراهيم مَرْدُود لِأَنَّهُ ثَبت عَن ابْن مَسْعُود من الصَّحَابَة وَعَن عَامر الشّعبِيّ التَّابِعِيّ من فُقَهَاء الْكُوفَة، وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين من فُقَهَاء الْبَصْرَة. وَالله أعلم.

13

- (بابُ مَا جاءَ فِي اجْتِهادِ القُضاةِ بِما أنْزَلَ الله تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة فِي حكمهم بِمَا أنزل الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَابْن بطال وَطَائِفَة: بَاب مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة، وَالِاجْتِهَاد لُغَة الْمُبَالغَة فِي الْجهد، وَاصْطِلَاحا استفراغ الوسع فِي دَرك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. قَوْله: لقَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} وَفِي الْقُرْآن أَيْضا فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ و {فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَتَخْصِيص آيَة الظُّلم من حَيْثُ إِن الظُّلم عَام شَامِل للفسق وَالْكفْر لِأَنَّهُ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وَهُوَ يشملهما.
ومَدَحَ النبيُّ صاحِبَ الحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِها ويُعَلِّمُها لَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ ومُشاوَرَةِ الخُلَفاءِ وسُؤَالِهِمْ أهْلَ العِلْمِ.
يجوز فِي قَوْله: ومدح النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون مصدرا مجروراً عطفا على قَوْله: مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة، وَيكون الْمصدر مُضَافا إِلَى فَاعله. وَقَوله: صَاحب الْحِكْمَة مَنْصُوب على أَنه مَفْعُوله. وَالثَّانِي: أَن يكون فعلا مَاضِيا من الْمَدْح وَيكون النَّبِي مَرْفُوعا على أَنه فَاعل لَهُ: وَصَاحب الْحِكْمَة مَنْصُوب على المفعولية، وَالْحكمَة الْعلم الوافي المتقن. قَوْله: حِين يقْضِي بهَا أَي: بالحكمة. قَوْله: من قبله بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْمُوَحدَة أَي: من جِهَته، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من قيله، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: من كَلَامه، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: من قبل نَفسه. قَوْله: ومشاورة الْخُلَفَاء بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة أَي: وَفِيمَا جَاءَ فِي مُشَاورَة الْخُلَفَاء، أَرَادَ أَن مُشَاورَة الْخُلَفَاء وسؤالهم أهل الْعلم بِمَا أنزل الله تَعَالَى فِي الْأَحْكَام، وَذكر الْخُلَفَاء لَيْسَ بِقَيْد لِأَن سَائِر الْحُكَّام فِي ذَلِك سَوَاء. وَقَوله: أهل الْعلم مَنْصُوب تنَازع فِيهِ العاملان أَعنِي قَوْله: مُشَاورَة وَقَوله: وسؤالهم

7316 - حدّثنا شِهابُ بنُ عبَّادٍ، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حُمَيْد، عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَسَدَ إلاّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَسُلِّطَ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وآخرُ آتاهُ الله حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِها ويُعلِّمُها
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة ظَاهِرَة. وشهاب بن عباد بِالْفَتْح وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْعَبْدي الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن حميد بِالضَّمِّ الرُّؤَاسِي، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد، وَقيس بن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْأَحْكَام فِي: بَاب أجر من قضى بالحكمة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن شهَاب بن عباد أَيْضا ... الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

7317 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ، حدّثنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ، عنِ المُغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَألَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عنْ إمْلاص المَرْأةِ هِيَ الّتِي يُضْرَبُ بَطْنُها فَتُلْقي جَنِيناً؟ فَقَالَ: أيُّكمْ سَمِعَ مِنَ النبيِّ فِيهِ شَيْئاً فَقُلْتُ أَنا، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقولُ فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أوْ أمَةٌ فَقَالَ: لَا تَبْرَحْ حتَّى تجِيئَنِي بالمَخْرَجِ فِيما قُلْتَ. فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَدَ بنَ

(25/51)


مَسْلَمَةَ فَجِئْتُ بِهِ فَشَهِدَ مَعِي أنّهُ سَمِعَ النبيَّ يَقُولُ فِيهِ غُرّةٌ عَبْدٌ أوْ أمَةٌ
انْظُر الحَدِيث 6906 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ قَالَ الكلاباذي: ابْن سَلام وَابْن الْمثنى يرويان عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْمُعْجَمَةِ. قلت: لم يجْزم بِأَحَدِهِمَا. وَالْمَشْهُور أَنه مُحَمَّد بن سَلام لِأَن اخْتِصَاصه بِهِ مَشْهُور.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الدِّيات فِي: بَاب جَنِين الْمَرْأَة.
قَوْله: عَن إملاص الْمَرْأَة الإملاص إِلْقَاء الْمَرْأَة الْجَنِين مَيتا وَهِي الَّتِي يضْرب بَطنهَا. قَوْله: أَيّكُم سمع؟ قيل: خبر الْوَاحِد حجَّة يجب الْعَمَل بِهِ، فَلم ألزمهُ بِالشَّاهِدِ؟ وَأجِيب: للتَّأْكِيد وليطمئن قلبه بذلك مَعَ أَنه لم يخرج بانضمام آخر إِلَيْهِ عَن كَونه خبر الْوَاحِد. قَوْله: غرَّة بِالتَّنْوِينِ، وَقَوله: عبد عطف بَيَان.
تابَعَهُ ابنُ أبي الزِّنادِ عنْ أبِيهِ عنْ عُرْوَةَ عنِ المُغِيرَةِ.
أَي: تَابع هِشَام بن عُرْوَة فِي رِوَايَته عَن أَبِيه عُرْوَة بن أبي الزِّنَاد هُوَ عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه هُوَ عبد الله بن ذكْوَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة. وَأخرج الْمحَامِلِي هَذِه الْمُتَابَعَة مَوْصُولَة فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي حَدثنِي ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن عُرْوَة عَن الْمُغيرَة، فَذكره. قيل: وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب: عَن عُرْوَة عَن الْمُغيرَة، وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة سقط فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.

(بَاب قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ)
أَي هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتتبعن بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد وَفتح التَّاءَيْنِ المدغم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة وَأَصله تتبعون من الِاتِّبَاع قَوْله سنَن من كَانَ قبلكُمْ بِفَتْح السِّين وَالنُّون أَي طَريقَة من كَانَ قبلكُمْ يَعْنِي فِي كل شَيْء مِمَّا نهى الشَّرْع عَنهُ وذمه وَقَالَ ابْن التِّين فِي شرح هَذَا اللَّفْظ فِي الحَدِيث قرأناه بضَمهَا يَعْنِي بِضَم السِّين وَقَالَ الْمُهلب الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ الذِّرَاع والشبر على مَا يَأْتِي الْآن -
7319 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنِ المَقْبُرِيِّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَقومُ السَّاعَةُ حتَّى تَأْخُذَ أُمَّتي بِأخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا شِبْراً بِشِبْرٍ وذِراعاً بِذِراعٍ فَقِيلَ يَا رسولَ الله كَفَارِسَ والرُّومِ؟ فَقَالَ: ومَنِ النَّاسُ إلاّ أُولائِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: حَتَّى تَأْخُذ أمتِي بِأخذ الْقُرُون قبلهَا أَي: حَتَّى تسير أمتِي بسير الْقُرُون قبلهَا، الْأَخْذ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا السِّيرَة، يُقَال: أَخذ فلَان بِأخذ فلَان أَي: سَار بسيرته، وَحكى ابْن بطال عَن الْأصيلِيّ: بِمَا أَخذ الْقُرُون، بِالْبَاء الْمُوَحدَة و: مَا، الموصولة، و: أَخذ، بِصُورَة الْفِعْل الْمَاضِي وَهُوَ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بمأخذ الْقُرُون، على وزن مفعل بِفَتْح الْمِيم، والقرون جمع قرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ الْأمة من النَّاس.
وَشَيخ البُخَارِيّ أَحْمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَابْن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب الْقرشِي الْمدنِي وَاسم أبي ذِئْب هِشَام بن سعيد، والمقبري بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ سعيد بن أبي سعيد بن أبي كيسَان. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: شبْرًا بشبر وذراعاً بِذِرَاع تَمْثِيل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: شبْرًا شبْرًا وذراعاً ذِرَاعا. قَوْله: كفارس وَالروم؟ أَرَادَ هَؤُلَاءِ الَّذين يتبعونهم كفارس وَالروم وهما جيلان مشهوران من النَّاس، وَفَارِس هم الْفرس وملكهم كسْرَى، وَملك الرّوم قَيْصر. قَوْله: وَمن النَّاس إِلَّا أُولَئِكَ؟ أَي: فَارس وَالروم، وَكلمَة: من، للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار، قيل: النَّاس لَيْسُوا منحصرين فيهمَا. وَأجِيب: بِأَن المُرَاد حصر النَّاس المتبوعين المعهودين الْمُتَقَدِّمين، وَإِنَّمَا عين هذَيْن الجيلين لِكَوْنِهِمَا كَانَا إِذْ ذَاك أكبر مُلُوك الأَرْض وَأَكْثَرهم رعية وأوسعهم بلاداً.

(25/52)


7320 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ، حدّثنا أبُو عُمَرَ الصَّنْعانِيُّ مِنَ اليَمَنِ، عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً شِبْراً وذِراعاً بِذِراعٍ، حتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبَ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنا: يَا رسولَ الله اليَهُودُ والنَّصاراى؟ قَالَ: فَمَنْ
انْظُر الحَدِيث 3456
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة جُزْء مِنْهُ.
وَمُحَمّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، وَأَبُو عمر حَفْص بن ميسرَة الصَّنْعَانِيّ من صنعاء الْيمن احْتَرز بِهِ عَن صنعاء الشَّام، وَعَطَاء بن يسَار خلاف الْيَمين وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قَوْله: جُحر ضَب بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، والضب بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ الْحَيَوَان الْمَشْهُور. قَوْله: الْيَهُود بِالرَّفْع أَي: الَّذين قبلنَا هم الْيَهُود، وبالجر عطف على أَنه بدل: عَمَّن قبلكُمْ، قَوْله: فَمن؟ اسْتِفْهَام إِنْكَار، فالتقدير: فَمن هم غير أُولَئِكَ؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا مُغَاير لما تقدم آنِفا أَنهم كفارس. قلت: الرّوم نَصَارَى وَفِي الْفرس كَانَ يهود، مَعَ أَن ذَلِك لَا على سَبِيل الْمِثَال، وَقَالَ ابْن بطال: أعلم النَّبِي أَن أمته ستتبع المحدثات من الْأُمُور والبدع والأهواء كَمَا وَقع للأمم قبلهم. انْتهى. قلت: قد وَقع مُعظم مَا ذكره خُصُوصا فِي الديار المصرية وخصوصاً فِي مُلُوكهَا وعلمائها وقضاتها.

15 - (بابُ إثْمِ مَنْ دَعا إِلَى ضَلالَةٍ أوْ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمن أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من دَعَا النَّاس إِلَى ضَلَالَة، أَرَادَ عَلَيْهِ إِثْم مثل إِثْم من تبعه فِيهَا، وَقد ورد بذلك حَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله من دَعَا إِلَى هدى كَانَ لَهُ من الْأجر مثل أجور من تبعه لَا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا، وَمن دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ من الْإِثْم مثل آثام من تبعه لَا ينقص ذَلِك من آثامهم شَيْئا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ قَوْله: أَو من سنّ سنة سَيِّئَة كَذَلِك ورد حَدِيث أخرجه مُسلم عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَفِيه قَالَ رَسُول الله، من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا، وَمن سنّ فِي الْإِسْلَام سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْئا قَوْله: لقَوْل الله تَعَالَى: {وَمن أوزار الَّذين يضلون} الْآيَة وأولها {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} قَالَ مُجَاهِد: حملهمْ ذنُوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم وَلَا يُخَفف ذَلِك عَمَّن أطاعهم شَيْئا.

7321 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا الأعْمَشُ، عنْ عَبدِ الله بنِ مُرَّةَ، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ النبيُّ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إلاّ كانَ عَلى ابنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْها ورُبَّما قَالَ سُفْيانُ: مِنْ دَمِها، لأنّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ أوَّلاً.
انْظُر الحَدِيث 3335 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ السّنة السَّيئَة، وَهِي قتل النَّفس.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى حميد أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي خلق آدم عَن عمر بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه، وَفِي الدِّيات عَن قبيصَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: تقتل على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: على ابْن آدم الأول وَهُوَ قابيل وَهُوَ أول من سنّ الْقَتْل لِأَنَّهُ قتل أَخَاهُ هابيل وَهُوَ أول قَتِيل وَقع فِي الْعَالم. قَوْله: كفل بِكَسْر

(25/53)


الْكَاف أَي: نصيب.