فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ
بِعَرَفَة)
أورد فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ الْمَاضِي قَرِيبًا وَفِيهِ
قَوْلُ سَالِمٍ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ الْيَوْمَ
فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ قَصْرَ
الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْأَمْرَ بِاقْتِصَارِ
الْخُطْبَةِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لعمَّار أخرجه فِي
الْجُمُعَة قَالَ بن التِّينِ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا
الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْطُبُ يَوْمَ
عَرَفَةَ وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْمَغَارِبَةُ
يَخْطُبُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَيُحْمَلُ قَوْلُ
الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا
يَأْتِي بِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ
كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ
قَوْلِ مَالِكٍ كُلُّ صَلَاةٍ يُخْطَبُ لَهَا يُجْهَرُ
فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقِيلَ لَهُ فَعَرَفَةُ يُخْطَبُ
فِيهَا وَلَا يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إِنَّمَا
تِلْكَ للتعليم
(3/514)
(قَوْلُهُ بَابُ التَّعْجِيلِ إِلَى
الْمَوْقِفِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ بِغَيْرِ حَدِيثٍ
وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ أَصْلًا وَوَقَعَ فِي
نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مَا لَفْظُهُ يَدْخُلُ فِي
الْبَابِ حَدِيثُ مَالك عَن بن شِهَابٍ يَعْنِي الَّذِي
رَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ
الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ
فِيهِ غَيْرَ مُعَادٍ يَعْنِي حَدِيثًا لَا يَكُونُ
تَكَرَّرَ كُلُّهُ سَنَدًا وَمَتْنًا قُلْتُ وَهُوَ
يَقْتَضِي أَنْ أَصْلَ قَصْدِهِ أَنْ لَا يُكَرَّرَ
فَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ
تَكْرَارِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ
هُنَاكَ مُغَايَرَةٌ إِمَّا فِي السَّنَدِ وَإِمَّا فِي
الْمَتْنِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ عَنْ شَيْخَيْنِ حَدَّثَاهُ بِهِ عَنْ
مَالِكٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مُعَادًا وَلَا مُكَرَّرًا
وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ بِسَنَدٍ
وَاحِدٍ لَكِنِ اخْتَصَرَ مِنَ الْمَتْنِ شَيْئًا أَوْ
أَوْرَدَهُ فِي مَوْضِعٍ مَوْصُولًا وَفِي مَوْضِعٍ
مُعَلَّقًا وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَمْ يُخَالِفْهَا إِلَّا
فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ مَعَ طُولِ الْكِتَابِ إِذَا
بَعُدَ مَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ بُعْدًا شَدِيدًا وَنَقَلَ
الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ
عَقِبَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
يَعْنِي الْمُصَنِّفَ يُزَادُ فِي هَذَا الْبَابِ هَمْ
حَدِيثُ مَالِكٍ عَنِ بن شِهَابٍ وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ
أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ مُعَادًا أَيْ مُكَرَّرًا قُلْتُ
كَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ طَرِيقٌ لِلْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الطَّرِيقَيْنِ
اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَا يُعِيدُ حَدِيثًا إِلَّا لِفَائِدَةٍ إِسْنَادِيَّةٍ
أَوْ مَتْنِيَّةٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي
هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْكِرْمَانِيُّ
هَمْ فَهِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ قِيلَ إِنَّهَا فَارِسِيَّةٌ وَقِيلَ
عَرَبِيَّةٌ وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى أَيْضًا
قُلْتُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ
الْعَرَبِيَّةِ بِبَغْدَادَ بِأَنَّهَا لَفْظَةٌ اصْطَلَحَ
عَلَيْهَا أَهْلُ بَغْدَادَ وَلَيْسَتْ بِفَارِسِيَّةٍ
وَلَا هِيَ عَرَبِيَّةٌ قَطْعًا وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ
الصَّغَانِيِّ فِي نُسْخَتِهِ الَّتِي أَتْقَنَهَا
وَحَرَّرَهَا وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ خُلُوَّ
كَلَامِ الْبُخَارِيِّ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ قَوْلُهُ
بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَيْ دُونَ غَيْرِهَا فِيمَا
دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي
ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ الأول
(3/515)
[1664] قَوْله حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن
عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ قَوْلُهُ أَضْلَلْتُ
بَعِيرًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِي كَمَا فِي
الْأُولَى قَوْلُهُ فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ
فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ
طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَضْلَلْتُ بَعِيرًا
لِي يَوْمَ عَرَفَةَ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ بِعَرَفَةَ
فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَتَعَلَّقُ
بِأَضْلَلْتُ فَإِنَّ جُبَيْرًا إِنَّمَا جَاءَ إِلَى
عَرَفَةَ لِيَطْلُبَ بِعِيرَهُ لَا لِيَقِفَ بِهَا
قَوْلُهُ مِنَ الْحُمْسِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ
قَوْلُهُ فَمَا شَأْنه هَا هُنَا فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ وبن أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ فَمَا
لَهُ خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي
رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا
شَأْنُهُ هَا هُنَا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ
الْحُمْسِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُوهِمُ أَنَّهَا مِنْ
أَصْلِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ
قَوْلِ سُفْيَانَ بَيَّنَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
عَنْهُ وَلَفْظُهُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَا شَأْنه هَا
هُنَا قَالَ سُفْيَانُ وَالْأَحْمَسُ الشَّدِيدُ عَلَى
دِينِهِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمَّى الْحُمْسَ وَكَانَ
الشَّيْطَانُ قَدِ اسْتَهْوَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ
إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ
النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنَ
الْحَرَمِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ
طَرِيقَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا لَهُ خَرَجَ مِنَ
الْحَرَمِ قَالَ سُفْيَانُ الْحُمْسُ يَعْنِي قُرَيْشًا
وَكَانَتْ تُسَمَّى الْحُمْسَ وَكَانَتْ لَا تُجَاوِزُ
الْحَرَمَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ لَا
نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُ
بِعَرَفَةَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ أَفِيضُوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس انْتَهَى وَعُرِفَ بِهَاتَيْنِ
الزِّيَادَتَيْنِ مَعْنَى حَدِيثِ جُبَيْرٍ وَكَأَنَّ
الْبُخَارِيَّ حَذَفَهُمَا اسْتِغْنَاءً بِالرِّوَايَةِ
عَنْ عُرْوَةَ لَكِنَّ فِي سِيَاقِ سُفْيَانَ فَوَائِدَ
زَائِدَةً وَقَدْ روى بعض ذَلِك بن خُزَيْمَةَ وَإِسْحَاقُ
بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مَوْصُولًا من طَرِيق بن
إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَمِّهِ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ
قُرَيْشٌ إِنَّمَا تَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ
وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْحُمْسُ فَلَا نَخْرُجُ مِنَ
الْحَرَمِ وَقَدْ تَرَكُوا الْمَوْقِفَ بِعَرَفَةَ قَالَ
فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ
بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ ثُمَّ يُصْبِحُ مَعَ
قَوْمِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيَقِفُ مَعَهُمْ وَيَدْفَعُ
إِذَا دفعُوا وَلَفظ يُونُس بن بكير عَن بن إِسْحَاقَ فِي
الْمَغَازِي مُخْتَصَرًا وَفِيهِ تَوْفِيقًا مِنَ اللَّهِ
لَهُ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ أَيْضًا عَنِ الْفَضْلِ بْنِ
مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ
أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ أَضْلَلْتُ حِمَارًا
لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَجَدْتُهُ بِعَرَفَةَ
فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ فَلَمَّا
أَسْلَمْتُ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحُمْسِ فَرَوَى إِبْرَاهِيمُ
الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ بن
جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَنْ
كَانَ يَأْخُذُ مَأْخَذَهَا مِنَ الْقَبَائِلِ كَالْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ وَخُزَاعَةَ وَثَقِيفٍ وَغَزْوَانَ وَبَنِي
عَامِرٍ وَبَنِي صَعْصَعَةَ وَبَنِي كِنَانَةَ إِلَّا
بَنِي بَكْرٍ وَالْأَحْمَسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
الشَّدِيدُ وَسُمُّوا بِذَلِكَ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِحَجٍّ أَوْ
عُمْرَةٍ لَا يَأْكُلُونَ لَحْمًا وَلَا يَضْرِبُونَ
وَبَرًا وَلَا شَعْرًا وَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ وَضَعُوا
ثِيَابَهُمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ وَرَوَى
إِبْرَاهِيمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
عِمْرَانَ الْمَدَنِيِّ قَالَ سُمُّوا حُمْسًا
بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا حَمْسَاءُ حَجَرُهَا أَبْيَضُ
يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ
وَأَكْثَرُ وَأَنَّهُ مِنَ التَّحَمُّسِ وَهُوَ
التَّشَدُّدُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ
الْمُثَنَّى تَحَمَّسَ تَشَدَّدَ وَمِنْهُ حَمِسَ الْوَغَى
إِذَا اشْتَدَّ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي
الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَأَفَادَتْ
هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ رِوَايَةَ جُبَيْرٍ لَهُ
لِذَلِكَ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ
يُسْلِمَ جُبَيْرٌ وَهُوَ نَظِيرُ رِوَايَتِهِ أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ جُبَيْرٌ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ
وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعَقُّبَ عَلَى السُّهَيْلِيِّ
حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ رِوَايَةَ جُبَيْرٍ لِذَلِكَ كَانَتْ
فِي الْإِسْلَامِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ انْظُرْ
كَيْفَ أَنْكَرَ جُبَيْرٌ هَذَا وَقَدْ حَجَّ بِالنَّاسِ
عَتَّابٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَبُو بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ
ثُمَّ قَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَا وَقَفَا بِجَمْعٍ كَمَا
كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جُبَيْرٌ
لَمْ يَشْهَدْ
(3/516)
مَعَهُمَا الْمَوْسِمَ وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ وَقْفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ
وَكَانَ جُبَيْرٌ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ أَسْلَمَ
يَوْمَ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ
إِنْكَارًا أَوْ تَعَجُّبًا فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ
نُزُولُ قَوْله تَعَالَى ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاس وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ حِكْمَةِ
الْمُخَالَفَةِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْحُمْسُ فَلَا
إِشْكَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةٌ بِعَرَفَةَ
قَبْلَ الْهِجْرَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَهَذَا
الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْتُهُ قَبْلُ
بِدَلَائِلِهِ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ السُّهَيْلِيَّ فِي
ظَنِّهِ أَنَّهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ أَوْ وَقَعَ لَهُ
اتِّفَاقًا وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ
سِيَاقِ الْآيَةِ أَنَّهَا الْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ
لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِلَفْظَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِ
الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ الْأَمْرَ
بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ
الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ الَّتِي سِيقَتْ بِلَفْظِ
الْخَبَرِ لِمَا وَرَدَ مِنْهُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي
تُشْرَعُ الْإِفَاضَةُ مِنْهُ فَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا
أَفَضْتُمُ اذْكُرُوا ثُمَّ لِتَكُنْ إِفَاضَتُكُمْ مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ لَا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْحُمْسُ
يُفِيضُونَ أَوِ التَّقْدِيرُ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ عِنْدَهُ وَلْتَكُنْ إِفَاضَتُكُمْ مِنَ
الْمَكَانِ الَّذِي يُفِيضُ فِيهِ النَّاسُ غَيْرُ
الْحُمْسِ الْحَدِيثُ الثَّانِي قَوْلُهُ قَالَ عُرْوَةُ
فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ
وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ زَادَ مَعْمَرٌ
وَكَانَ مِمَّنْ وَلَدَتْ قُرَيْشٌ خُزَاعَةُ وَبَنُو
كِنَانَةَ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ مِنْهُمْ أَيْضًا
غَزْوَانَ وَغَيْرَهُمْ وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ
الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا
خَطَبَ إِلَيْهِمُ الْغَرِيبُ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنَّ
وَلَدَهَا عَلَى دِينِهِمْ فَدَخَلَ فِي الْحُمْسِ مِنْ
غَيْرِ قُرَيْشٍ ثَقِيفٌ وَلَيْثٌ وَخُزَاعَةُ وَبَنُو
عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ يَعْنِي وَغَيْرَهُمْ وَعُرِفَ
بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْقَبَائِلِ مَنْ
كَانَتْ لَهُ مِنْ أُمَّهَاتِهِ قُرَيْشِيَّةٌ لَا جَمِيعُ
الْقَبَائِلِ الْمَذْكُورَةِ
[1665] قَوْلُهُ فَأَخْبَرَنِي أَبِي الْقَائِلُ هُوَ
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْمَوْصُولُ مِنَ الْحَدِيثِ
هَذَا الْقَدْرُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ
وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
أَتَمُّ مِنْ هَذَا وَقَوْلُهُ فَدَفَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَرَفَعُوا بِالرَّاءِ
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ
رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا
أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى عَرَفَاتٍ لِيَقِفُوا بِهَا
ثُمَّ يُفِيضُوا مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ
جُبَيْرٍ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فِي
أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَعُرِفَ بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ
أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفِيضُوا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ لايقف بِعَرَفَة من قُرَيْش
وَغَيرهم وروى بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنِ
الضَّحَّاكِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا
إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْهُ
الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ وَعَنْ غَيْرِهِ آدَمُ
وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ النَّاسِي بِكَسْرِ السِّينِ
بِوَزْنِ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ نَعَمِ
الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مَوْرُوثٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَمَا
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ
بْنِ شَيْبَانَ قَالَ كُنَّا وُقُوفًا بِعَرَفَةَ
فَأَتَانَا بن مريع فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ كُونُوا عَلَى
مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ
إِبْرَاهِيمَ الْحَدِيثَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس بَلْ هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ
وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ
ثُمَّ فَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَهَذَا اخْتِيَارُ
الطَّحَاوِيِّ وَقِيلَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ لَا لِمَحْضِ
التَّرْتِيبِ وَالْمَعْنَى فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ ثُمَّ اجْعَلُوا الْإِفَاضَةَ الَّتِي
تُفِيضُونَهَا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ لَا مِنْ
حَيْثُ كُنْتُمْ تُفِيضُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ
وَمَوْقِعُ ثُمَّ هُنَا مَوْقِعُهَا مِنْ قَوْلِكَ
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ ثُمَّ لَا تُحْسِنْ إِلَى غَيْرِ
كَرِيمٍ فَتَأْتِي ثُمَّ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ
الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَرِيمِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى
غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ عِنْدَ
الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ بَيَّنَ لَهُمْ مَكَانَ
الْإِفَاضَةِ
(3/517)
فَقَالَ ثمَّ أفيضوا لِتَفَاوُتِ مَا
بَيْنَ الْإِفَاضَتَيْنِ وَأَنَّ إِحْدَاهُمَا صَوَابٌ
وَالْأُخْرَى خَطَأٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَضَمَّنَ
قَوْلُهُ تَعَالَى ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس
الْأَمْرَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ
إِنَّمَا تَكُونُ عِنْد اجْتِمَاع قبله وَكَذَا قَالَ بن
بَطَّالٍ وَزَادَ وَبَيَّنَ الشَّارِعُ مُبْتَدَأَ
الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ومنتهاه
(قَوْلُهُ بَابُ السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ)
أَيْ صِفَتِهِ
[1666] قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ بن خُزَيْمَةَ
مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ سَمِعْتُ أَبِي
قَوْلُهُ سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ فِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ وَفِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا
شَاهِدٌ وَقَالَ سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَوْلُهُ
حِينَ دَفَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
اللَّيْثِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ
حِينَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَوْلُهُ الْعَنَقَ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي بَيْنَ
الْإِبْطَاءِ وَالْإِسْرَاعِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ
سَيْرٌ سَهْلٌ فِي سُرْعَةٍ وَقَالَ الْقَزَّازُ الْعَنَقُ
سَيْرٌ سَرِيعٌ وَقِيلَ الْمَشْيُ الَّذِي يَتَحَرَّكُ
بِهِ عُنُقُ الدَّابَّةِ وَفِي الْفَائِقِ الْعَنَقُ
الْخَطْوُ الْفَسِيحُ وَانْتَصَبَ الْعَنَقُ عَلَى
الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ قَوْلُهُ
نَصَّ أَيْ أَسْرَعَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ النَّصُّ
تَحْرِيكُ الدَّابَّةِ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ بِهِ أَقْصَى
مَا عِنْدَهَا وَأَصْلُ النَّصِّ غَايَةُ الْمَشْيِ
وَمِنْهُ نَصَصْتُ الشَّيْءَ رَفَعْتُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ
فِي ضَرْبٍ سَرِيعٍ مِنَ السّير قَوْله قَالَ هِشَام
يَعْنِي بن عُرْوَةَ الرَّاوِيَ وَكَذَا بَيَّنَ مُسْلِمٌ
مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو
عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ كِلَاهُمَا
عَنْ هِشَامٍ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِهِ
وَأَدْرَجَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِيمَا أَخْرَجَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ وَسُفْيَانُ فِيمَا
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
سُلَيْمَانَ وَوَكِيعٌ فِيمَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ
كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ وَكِيعٍ فَفَصَلَهُ وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ
من كَلَام وَكِيع وَقد رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ
سُفْيَانَ فَفَصَلَهُ وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ
سُفْيَانَ وَسُفْيَانُ وَوَكِيعٌ إِنَّمَا أَخَذَا
التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ عَنْ هِشَامٍ فَرَجَعَ
التَّفْسِيرُ إِلَيْهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ
الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا التَّفْسِيرَ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ قَالَ بن خُزَيْمَةَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الحَدِيث
الَّذِي رَوَاهُ بن عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ قَالَ
فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى
جَمْعًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الزِّحَامِ دُونَ
غَيْرِهِ اه وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ
حَفْصٌ مِنْ طَرِيق الحكم عَن مقسم عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ
أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ وَقَالَ
أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ
الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيجَافِ قَالَ فَمَا رَأَيْتُ
نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى جَمْعًا
الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَيَأْتِي
لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ بَابٍ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ
لَيْسَ فِيهِ أُسَامَةُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ
هُنَاكَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ بن
عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ
فَمَا
(3/518)
زَالَ يَسِيرُ عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى
أَتَى جَمْعًا وَهَذَا يشْعر بِأَن بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا
أَخَذَهُ عَنْ أُسَامَةَ كَمَا سَتَأْتِي الْحجَّة لذَلِك
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
كَيْفِيَّةُ السَّيْرِ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى
مُزْدَلِفَةَ لِأَجْلِ الِاسْتِعْجَالِ لِلصَّلَاةِ
لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تُصَلَّى إِلَّا مَعَ الْعِشَاءِ
بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ
مِنَ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ وَمِنَ
الْإِسْرَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الزِّحَامِ وَفِيهِ أَنَّ
السَّلَفَ كَانُوا يَحْرِصُونَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ
كَيْفِيَّةِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وَسُكُونِهِ
لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فَجْوَةً بِفَتْحِ
الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ
كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَرَوَاهُ
أَبُو مُصْعَبٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا
عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فُرْجَةً بِضَمِّ الْفَاءِ
وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَجْوَةِ قَوْلُهُ
فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالْجَمْعُ
فَجَوَاتٌ أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ وَفِجَاءٌ أَيْ بِكَسْرِ
الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ
وَرَكَوَاتٌ قَوْلُهُ مَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ أَيْ
هَرَبَ أَيْ تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى ولات حِين مناص
وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْحَرْفَ هُنَا لِقَوْلِهِ نَصَّ
وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ إِلَّا لِدَفْعِ وَهْمِ مَنْ
يَتَوَهَّمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْآخَرِ
وَإِلَّا فَمَادَّةُ نَصَّ غَيْرُ مَادَّةِ نَاصَ قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ الْمَنَاصُ مَصْدَرٌ مِنْ
قَوْله ناص ينوص
(قَوْلُهُ بَابُ النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ)
أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ مِنَ
الْمَنَاسِكِ
(3/519)
[1667] قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّهُمَا
تَابِعِيَّانِ صَغِيرَانِ وَقَدْ حَمَلَهُ مُوسَى عَنْ
كُرَيْبٍ فَصَارَ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ
التَّابِعِينَ قَوْلُهُ حَيْثُ أَفَاضَ فِي رِوَايَةِ
أَبِي الْوَقْتِ حِينَ وهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا ظَرْفُ
زَمَانٍ وَحَيْثُ ظَرْفُ مَكَانٍ نُكْتَةٌ فِي حَيْثُ
سِتُّ لُغَاتٍ ضَمُّ آخِرِهَا وَفَتْحُهُ وَكَسْرُهُ
وَبِالْوَاوِ بَدَلَ الْيَاءِ مَعَ الْحَرَكَاتِ قَوْلُهُ
مَالَ إِلَى الشِّعْبِ بَيَّنَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
حَرْمَلَةَ فِي رِوَايَتِهِ الْآتِيَةِ بَعْدَ حَدِيثٍ
عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ قُرْبَ الْمزْدَلِفَة وَأَرْدَفَ
المُصَنّف بِهَذَا الحَدِيث حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ
كَانَ يَقْتَدِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ يَقْضِي
الْحَاجَةَ بِالشِّعْبِ وَيَتَوَضَّأُ لَكِنَّهُ لَا
يُصَلِّي إِلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَوْلُهُ
[1668] فَيَنْتَفِضُ بِفَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ
يَسْتَجْمِرُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ
الطَّهَارَةِ وَأَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ عَنِ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ دفعت مَعَ بن عُمَرَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا
وَازَيْنَا الشِّعْبَ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْخُلَفَاء
الْمغرب دخله بن عُمَرَ فَتَنَفَّضَ فِيهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ
وَكَبَّرَ فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ جَمْعًا فَأَقَامَ
فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ
ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ وَأَصْلُهُ فِي الْجَمْعِ
بِجَمْعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وروى
الفاكهي أَيْضا من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ
أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُسَامَةَ فَلَمَّا جَاءَ الشِّعْبَ الَّذِي يُصَلِّي
فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْآنَ الْمَغْرِبَ نَزَلَ فَاهْرَاقَ
الْمَاءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَظَاهِرُ هَذَيْنِ
الطَّرِيقَيْنِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَ
الْمَغْرِبَ عِنْدَ الشِّعْبِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ دُخُولِ
وَقْتِ الْعِشَاءِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ فِي
الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ وَوَقَعَ
عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ
عَنْ كُرَيْبٍ لَمَّا أَتَى الشِّعْبَ الَّذِي يَنْزِلُهُ
الْأُمَرَاءُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ الشِّعْبُ الَّذِي يُنِيخُ
النَّاسُ فِيهِ لِلْمَغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِالْخُلَفَاءِ
وَالْأُمَرَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَنو أُميَّة فَلم
يوافقهم بن عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ
عِكْرِمَةَ إِنْكَارُ ذَلِكَ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ
أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي نَجِيحٍ سَمِعْتُ
عِكْرِمَةَ يَقُولُ اتَّخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبَالًا وَاتَّخَذْتُمُوهُ
مُصَلًّى وَكَأَنَّهُ أَنْكَرَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ تَرَكَ
الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِمُخَالَفَتِهِ
السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ لَا
صَلَاةَ إِلَّا بِجَمْعٍ أخرجه بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ وَنُقِلَ عَنِ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ بن
الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَعَنْ
أَحْمَدَ إِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَالْجُمْهُور
[1669] قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ
هُوَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى آلِ حُوَيْطِبٍ وَلَا يُعْرَفُ
اسْمُ أَبِيهِ وَكَانَ خُصَيْفٌ يَرْوِي عَنْهُ فَيَقُولُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن حويطب فَذكر بن حِبَّانَ أَنَّ
خُصَيْفًا كَانَ يَنْسُبُهُ إِلَى جَدِّ مَوَالِيهِ
وَالْإِسْنَادُ مِنْ شَيْخِ قُتَيْبَةَ إِلَخْ كُلُّهُمْ
مَدَنِيُّونَ قَوْلُهُ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ
رَكِبْتُ وَرَاءَهُ وَفِيهِ الرُّكُوبُ حَالَ الدَّفْعِ
مِنْ عَرَفَةَ وَالِارْتِدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ
وَمَحَلُّهُ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَارْتِدَافُ أَهْلِ
الْفَضْلِ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِهِمْ
لِلرَّدِيفِ لَا مِنْ سُوءِ أَدَبِهِ قَوْلُهُ فَصَبَبْتُ
عَلَيْهِ الْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيِ الْمَاءُ
الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ
الِاسْتِعَانَةُ فِي الْوُضُوءِ وَلِلْفُقَهَاءِ فِيهَا
تَفْصِيلٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي إِحْضَارِ
الْمَاءِ مَثَلًا أَوْ فِي صَبِّهِ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ
أَوْ مُبَاشَرَةِ غَسْلِ أَعْضَائِهِ فَالْأَوَّلُ جَائِزٌ
وَالثَّالِثُ مَكْرُوهٌ إِلَّا إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ
وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَأَمَّا وُقُوعُ
ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهُوَ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهُوَ حِينَئِذٍ
أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ
وُضُوءًا خَفِيفًا أَيْ خَفَّفَهُ بِأَنْ تَوَضَّأَ
مَرَّةً مَرَّةً وَخَفَّفَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالِبِ عَادَتِهِ وَهُوَ مَعْنَى
قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ
بِلَفْظِ فَلم يسبغ الْوضُوء وَأغْرب بن عَبْدِ الْبَرِّ
فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ أَيِ
اسْتَنْجَى بِهِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْوُضُوءِ
اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ
النَّظَافَةُ وَمَعْنَى الْإِسْبَاغِ الْإِكْمَالُ أَيْ
لَمْ يُكْمِلْ وُضُوءَهُ فَيَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ قَالَ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا
وَلَكِنَّ الْأُصُولَ تَدْفَعُ هَذَا لِأَنَّهُ لَا
يُشْرَعُ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ
(3/520)
وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ
ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ
يُسْبِغِ الْوُضُوءَ أَيْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فِي جَمِيعِ
أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا
وَاسْتَضْعَفَهُ اه وَحكى بن بَطَّالٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ
دِينَارٍ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابهم سبق بن عَبْدِ
الْبَرِّ إِلَى مَا اخْتَارَهُ أَوَّلًا وَهُوَ
مُتَعَقَّبٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّرِيحَةِ وَقَدْ
تَابَعَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَرْمَلَةَ عَلَيْهَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو مُوسَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
بِمِثْلِ لَفْظِهِ وَتَابَعَهُمَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عُقْبَةَ أَخُو مُوسَى أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
أَيْضًا بِلَفْظِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَيْسَ
بِالْبَالِغِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ
طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ
عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ أَحَدٌ
مِنْهُ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَيُوَضِّحُهُ مَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَطاء مولى بن
سِبَاعٍ عَنْ أُسَامَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ
فِيهَا أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ فَلَمَّا رَجَعَ
صَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ
اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يُسْبِغِ
الْوُضُوءَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى
بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَيَكُونُ وُضُوءًا لُغَوِيًّا أَوِ
اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْعَدَدِ فَيَكُونُ وُضُوءًا
شَرْعِيًّا قَالَ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ لَكِنْ
يُعَضِّدُ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَوْلُهُ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وُضُوءًا خَفِيفًا لِأَنَّهُ لَا
يُقَالُ فِي النَّاقِصِ خَفِيفٌ وَمِنْ مُوضِحَاتِ ذَلِكَ
أَيْضًا قَوْلُ أُسَامَةَ لَهُ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ
لِلصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَتُصَلِّي كَذَا قَالَ
بن بَطَّالٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ
يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ
أَتُرِيدُ الصَّلَاةَ فَلِمَ لَمْ تَتَوَضَّأْ وُضُوءَهَا
وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أَمَامَكَ مَعْنَاهُ أَنَّ
الْمَغْرِبَ لَا تُصَلَّى هُنَا فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى
وُضُوءِ الصَّلَاةِ وَكَأَنَّ أُسَامَةَ ظَنَّ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ صَلَاةَ
الْمَغْرِبِ وَرَأَى وَقْتَهَا قَدْ كَادَ أَنْ يَخْرُجَ
أَوْ خَرَجَ فَأَعْلَمُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ
يُشْرَعُ تَأْخِيرُهَا لِتُجْمَعَ مَعَ الْعِشَاءِ
بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَكُنْ أُسَامَةُ يَعْرِفُ
تِلْكَ السُّنَّةَ قَبْلَ ذَلِك وَأما اعتلال بن عَبْدِ
الْبَرِّ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُشْرَعُ مَرَّتَيْنِ
لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَانِيًا عَنْ حَدَثٍ طَارِئٍ وَلَيْسَ
الشَّرْطُ بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ
إِلَّا لِمَنْ أَدَّى بِهِ صَلَاة فرضا أَو نفلا مُتَّفق
عَلَيْهِ بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى جَوَازِهِ وَإِنْ
كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا
لِيَسْتَدِيمَ الطَّهَارَةَ وَلَا سِيَّمَا فِي تِلْكَ
الْحَالَةِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
حِينَئِذٍ وَخَفَّفَ الْوُضُوءَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ
حِينَئِذٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي
أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا
تَرَكَ إِسْبَاغَهُ حِينَ نَزَلَ الشِّعْبَ لِيَكُونَ
مُسْتَصْحِبًا لِلطَّهَارَةِ فِي طَرِيقِهِ وَتَجُوزُ
فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَلَمَّا
نَزَلَ وَأَرَادَهَا أَسْبَغَهُ وَقَوْلُ أُسَامَةَ
الصَّلَاةُ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ أَيْ
تَذَكَّرِ الصَّلَاةَ أَوْ صَلِّ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ
عَلَى تَقْدِيرِ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَثَلًا وقَوْلُهُ
الصَّلَاةُ أَمَامَكَ بِالرَّفْعِ وَأَمَامَكَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيِ
الصَّلَاةُ سَتُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْكَ أَوْ أَطْلَقَ
الصَّلَاةَ عَلَى مَكَانِهَا أَيِ الْمُصَلَّى بَيْنَ
يَدَيْكَ أَوْ مَعْنَى أَمَامَكَ لَا تَفُوتُكَ
وَسَتُدْرِكُهَا وَفِيهِ تَذْكِيرُ التَّابِعِ بِمَا
تَرَكَهُ مَتْبُوعُهُ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ
أَوْ يُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ صَوَابِهِ قَوْلُهُ حَتَّى
أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى أَيْ لَمْ يَبْدَأْ
بِشَيْءٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ سَارَ
حَتَّى بَلَغَ جَمْعًا فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بَعْدَ بَابٍ
بِلَفْظِ حَتَّى جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ
فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ
بِعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ
كُرَيْبٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ
عَلَى الْإِنَاخَةِ وَلَفْظُهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ
ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ
الْعِشَاءَ فَصَلُّوا ثُمَّ حَلُّوا وَكَأَنَّهُمْ
صَنَعُوا ذَلِكَ رِفْقًا بِالدَّوَابِّ أَوْ لِلْأَمْنِ
مِنْ تَشْوِيشِهِمْ بِهَا وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ
خَفَّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّهُ
لَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ
اللَّتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ
الْجَمْعَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ
ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
(3/521)
مَالِكٍ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا أَيْ
لم يتَنَفَّل وَسَيَأْتِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ
بَعْدَ بَابَيْنِ قَوْلُهُ ثُمَّ رَدِفَ الْفَضْلُ أَيْ
رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عُقْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ كُرَيْبٌ فَقُلْتُ
لِأُسَامَةَ كَيْفَ فَعَلْتُمْ حِينَ أَصْبَحْتُمْ قَالَ
رَدِفَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَانْطَلَقْتُ أَنَا
فِي سِبَاقِ قُرَيْشٍ عَلَى رِجْلَيَّ يَعْنِي إِلَى مِنًى
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى التَّلْبِيَةِ بَعْدَ
سَبْعَةِ أَبْوَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى
جَمْعِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ بِمُزْدَلِفَةَ
لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ بِسَبَبِ
السَّفَرِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
بِسَبَبِ النُّسُكِ وَأَغْرَبَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ
الْحَاجُّ الْمَغْرِبَ إِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى
يَبْلُغَ الْمُزْدَلِفَةَ وَلَوْ أَجْزَأَتْهُ فِي
غَيْرِهَا لَمَا أَخَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِهَا الْمُؤَقَّتِ لَهَا فِي
سَائِرِ الْأَيَّام
(قَوْلُهُ بَابُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الْإِفَاضَةِ)
أَيْ مِنْ عَرَفَةَ
[1671] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوِيدٍ
هُوَ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ثِقَة لَكِن قَالَ بن حبَان فِي
حَدِيثه مَنَاكِير انْتهى وهذاالحديث قَدْ تَابَعَهُ
عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالرَّاوِي عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
سُوِيدٍ مَدَنِيٌّ أَيْضًا وَاسْمُ جَدِّهِ حِبَّانُ
وَوَهِمَ الْأَصِيلِيُّ فَسَمَّاهُ مولى حَكَاهُ الجياني
وخطئوه فِيهِ قَوْله مولى الْمطلب أَي بن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حَنْطَبٍ قَوْلُهُ مَوْلَى وَالِبَةَ بِكَسْرِ
اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ خَفِيفَةٌ بَطْنٌ مِنْ
بَنِي أَسَدٍ قَوْلُهُ أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَيْ
مِنْ عَرَفَةَ قَوْلُهُ زَجْرًا بِفَتْحِ الزَّايِ
وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ صِيَاحًا لِحَثِّ
الْإِبِلِ قَوْلُهُ وَضَرْبًا زَادَ فِي رِوَايَةِ
كَرِيمَةَ وَصَوْتًا وَكَأَنَّهَا تَصْحِيفٌ مِنْ قَوْلِهِ
وَضَرْبًا فَظُنَّتْ مَعْطُوفَةً قَوْلُهُ عَلَيْكُمْ
بِالسَّكِينَةِ أَيْ فِي السَّيْرِ وَالْمُرَادُ السَّيْرُ
بِالرِّفْقِ وَعَدَمُ الْمُزَاحَمَةِ قَوْلُهُ فَإِنَّ
الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ أَيِ السَّيْرِ السَّرِيعِ
وَيُقَالُ هُوَ سَيْرٌ مِثْلُ الْخَبَبِ فَبَيَّنَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَكَلُّفَ الْإِسْرَاعِ
فِي السَّيْرِ لَيْسَ مِنَ الْبِرَّ أَيْ مِمَّا
يُتَقَرَّبُ بِهِ وَمِنْ هَذَا أَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ قَوْلَهُ لَمَّا خَطَبَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ
السَّابِقُ مَنْ سَبَقَ بَعِيرُهُ وَفَرَسُهُ وَلَكِنَّ
السَّابِقَ مَنْ غُفِرَ لَهُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ
إِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنِ الْإِسْرَاعِ إِبْقَاءً
عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُجْحِفُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَعَ
بُعْدِ الْمَسَافَةِ قَوْلُهُ أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا هُوَ
مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ
فِي الْمَجَازِ قَوْلُهُ خِلَالَكُمْ مِنَ التَّخَلُّلِ
بَيْنَكُمْ هُوَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ
وَلَفْظُهُ وَلَأَوْضَعُوا أَيْ لَأَسْرَعُوا خِلَالَكُمْ
أَيْ بَيْنَكُمْ وَأَصْلُهُ مِنَ التَّخَلُّلِ وَقَالَ
غَيْرُهُ الْمَعْنَى وَلِيَسْعَوْا بَيْنَكُمْ
بِالنَّمِيمَةِ يُقَالُ أَوْضَعَ الْبَعِيرَ أَسْرَعَهُ
وَخَصَّ الرَّاكِبَ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ مِنَ الْمَاشِي
وَقَوْلُهُ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا بَيْنَهُمَا هُوَ
قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ وَفَجَّرْنَا
خِلَالَهُمَا أَيْ وَسَطَهُمَا وَبَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا
ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ لِمُنَاسَبَةِ
أَوْضَعُوا لِلَفْظِ الْإِيضَاعِ وَلَمَّا كَانَ
مُتَعَلِّقُ أوضعوا الْخلال ذكر تَفْسِيره تكثيرا للفائدة
(3/522)
(قَوْلُهُ بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ)
أَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ
أُسَامَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
مُسْتَوْفًى قَبْلَ بَابٍ
[1672] قَوْلُهُ عَن كريب عَن أُسَامَة قَالَ بن عَبْدِ
الْبَرِّ رَوَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ هَكَذَا إِلَّا
أَشهب وبن الْمَاجِشُونَ فَإِنَّهُمَا أَدْخَلَا بَيْنَ
كُرَيْبٍ وَأُسَامَةَ عَبْدَ الله بن عَبَّاس أخرجه
النَّسَائِيّ
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا)
أَيْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَوْلُهُ
وَلَمْ يَتَطَوَّعْ أَيْ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا
[1673] قَوْلُهُ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ كَذَا
لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ قَوْلُهُ بِجَمْعٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ
وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسُمِّيَتْ
جَمْعًا لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ
وَازْدَلَفَ إِلَيْهَا أَيْ دَنَا مِنْهَا وَرُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ جَمْعًا لِأَنَّهَا يُجْمَعُ
فِيهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقِيلَ وُصِفَتْ بِفِعْلِ
أَهْلِهَا لِأَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ بِهَا
وَيَزْدَلِفُونَ إِلَى اللَّهِ أَيْ يَتَقَرَّبُونَ
إِلَيْهِ بِالْوُقُوفِ فِيهَا وَسُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةَ
إِمَّا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا أَوْ لِاقْتِرَابِهِمْ
إِلَى مِنًى أَوْ لِازْدِلَافِ النَّاسِ مِنْهَا جَمِيعًا
أَوْ لِلنُّزُولِ بِهَا فِي كُلِّ زُلْفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ
أَوْ لِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ
لِازْدِلَافِ آدَمَ إِلَى حَوَّاءَ بِهَا قَوْلُهُ
بِإِقَامَةٍ لَمْ يَذْكُرِ الْأَذَانَ وَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابٍ قَوْلُهُ وَلَمْ يُسَبِّحْ
بَيْنَهُمَا أَيْ لَمْ يَتَنَفَّلْ وَقَوْلُهُ وَلَا عَلَى
إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيْ عَقِبِهَا
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ التَّنَفُّلَ عَقِبَ
الْمَغْرِبِ وَعَقِبَ الْعِشَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مُهْلَةٌ صَرَّحَ
بِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ
الْعِشَاءِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
أَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ عَقِبَهَا لَكِنَّهُ تَنَفَّلَ
بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الْفُقَهَاء تُؤخر سنة العشاءين عَنْهُمَا وَنقل بن
الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَرْكِ التَّطَوُّعِ
بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ
(3/523)
بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَنْ تَنَفَّلَ
بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا
انْتَهَى وَيُعَكِّرُ على نقل الإتفاق فعل بن مَسْعُودٍ
الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ حَدثنَا
يحيى هُوَ بن سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ
تَابِعِيٍّ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
شَيْخِ عَدِيٍّ فِيهِ رِوَايَةُ صَحَابِيٍّ عَنْ
صَحَابِيٍّ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ دَائِرٌ بَيْنَ
مَدَنِيٍّ وَكُوفِيٍّ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ
اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ على عهد
بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مُبَيِّنٌ
لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي
بِلَفْظِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا وَلِلطَّبَرَانِيِّ
مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَدِيٍّ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ صَلَّى بِجَمْعٍ الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا
وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَة وَفِيه رد
على قَول بن حَزْمٍ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ لَيْسَ
فِيهِ ذِكْرُ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ لِأَنَّ جَابِرًا
وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيٍّ عَلَى ذِكْرِ الْإِقَامَةِ
فِيهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا فَيَقْوَى كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخرِ
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا)
أَيْ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ
[1675] قَوْلُهُ زُهَيْرٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَأَبُو
إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ وَشَيْخه هُوَ النَّخعِيّ
وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ حَجَّ عَبْدُ
اللَّهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ عَيَّاشٍ
كِلَاهُمَا عَنْ زُهَيْرٍ بِالْإِسْنَادِ حَجَّ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَأَمَرَنِي عَلْقَمَةُ أَنِ
الْزَمْهُ فَلَزِمْتُهُ فَكُنْتُ مَعَهُ وَفِي رِوَايَةِ
إِسْرَائِيلَ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ خَرَجْتُ مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا
قَوْلُهُ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا
مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَوْلُهُ
فَأَمَرَ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ
فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ
الْمَذْكُورَتَيْنِ فَكُنْتُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا
الْمُزْدَلِفَةَ فَلَمَّا كَانَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ
قَالَ قُمْ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مَا
رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ فِيهَا قَوْلُهُ ثُمَّ أَمَرَ أُرَى
رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ عَمْرٌو وَلَا أَعْلَمُ
الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ أُرَى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
أَيْ أَظُنُّ وَقَدْ بَيَّنَ عَمْرٌو وَهُوَ بن خَالِدٍ
شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شَيْخِهِ
زُهَيْرٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ
الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى عَنْ زُهَيْرٍ مِثْلَ مَا رَوَاهُ
عَنْهُ عَمْرٌو وَلَمْ يَقُلْ مَا قَالَ عَمْرٌو
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زُهَيْرٍ وَقَالَ فِيهِ
ثُمَّ أَمَرَ قَالَ زُهَيْرٌ أُرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ
وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ رِوَايَةُ إِسْرَائِيلَ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ بِأَصْرَحَ مِمَّا قَالَ زُهَيْرٌ
وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا
(3/524)
فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ صَلَاةٍ
وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعشَاء بَينهمَا
وَالْعشَاء بِفَتْح الْعين وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَة وَأحمد
من طَرِيق بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
بِلَفْظِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ
ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ قَامَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى
الْعِشَاءَ ثُمَّ بَاتَ بِجَمْعٍ حَتَّى إِذَا طَلَعَ
الْفَجْرُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَصَلَّى بِنَا
الْمَغْرِبَ ثُمَّ دَعَا بِعَشَاءٍ فَتَعَشَّى ثُمَّ قَامَ
فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ وَوَقَعَ عِنْدَ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ شَبَابَةَ عَن بن أَبِي
ذِئْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ قَبْلَ
كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا بَعْدَهَا وَلِأَحْمَدَ
مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذِهِ
لَسَاعَةٌ مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ فِيهَا قَوْلُهُ
فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
والْكُشْمِيهَنِيِّ فَلَمَّا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي
رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ زُهَيْرٍ
فَلَمَّا كَانَ حِينَ طَلَعَ الْفجْر قَوْله قَالَ عبد
الله هُوَ بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ عَنْ وَقْتِهِمَا كَذَا
لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ عَنْ
وَقْتِهَا بِالْإِفْرَادِ وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ
إِسْرَائِيلَ بَعْدَ بَابٍ رَفْعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ حِينَ يَبْزُغُ بِزَايٍ مَضْمُومَةٍ وَغَيْنٍ
مُعْجَمَةٍ أَيْ يَطْلُعُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
مَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِكُلٍّ مِنَ
الصَّلَاتَيْنِ إِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا قَالَ بن حَزْمٍ
لَمْ نَجِدْهُ مَرْوِيًّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ لَقُلْتُ بِهِ
ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَذَكَرْتُهُ
لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ أَمَّا
نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ فَهَكَذَا نَصْنَعُ قَالَ بن
حَزْمٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ قُلْتُ
أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ
ثُمَّ تَأَوَّلَهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ
أَصْحَابَهُ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَأَذَّنَ لَهُمْ
لِيَجْتَمِعُوا لِيَجْمَعَ بِهِمْ وَلَا يَخْفَى
تَكَلُّفُهُ وَلَوْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ عُمَرَ
لِكَوْنِهِ كَانَ الْإِمَامَ الَّذِي يُقِيمُ لِلنَّاسِ
حَجَّهُمْ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فِي حَقِّ بن مَسْعُودٍ
لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا
يَحْتَاجُ فِي جَمْعِهِمْ إِلَى مَنْ يُؤَذِّنُ لَهُمْ
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مَالِكٌ وَهُوَ اخْتِيَار
البُخَارِيّ وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
خَالِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ مَالِكٍ حَيْثُ
أَخَذَ بِحَدِيثِ بن مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ
الْكُوفِيِّينَ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَمَعَ كَوْنِهِ
لَمْ يَرْوِهِ وَيَتْرُكُ مَا رَوَى عَنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ
وَأَعْجَبُ أَنَا مِنَ الْكُوفِيِّينَ حَيْثُ أَخَذُوا
بِمَا رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ
بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَرَكُوا
مَا رووا فِي ذَلِك عَن بن مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَا
يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ
أَنَّ مَالِكًا اعْتَمَدَ عَلَى صَنِيعِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْوِهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَاخْتَارَ
الطَّحَاوِيُّ مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي فِي
حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ
جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَرِوَايَة
عَن أَحْمد وَبِه قَالَ بن الْمَاجشون وبن حَزْمٍ
وَقَوَّاهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْجَمْعِ
بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالثَّوْرِيُّ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا
بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أُسَامَةَ
الْمَاضِي قَرِيبًا حَيْثُ قَالَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ
ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ
الْعِشَاءَ وَقَدْ جَاءَ عَن بن عُمَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ
هَذِهِ الصِّفَاتِ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ
وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي
يَتَخَيَّرُ فِيهِ الْإِنْسَانُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ
أَحْمد وَاسْتدلَّ بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ عَلَى جَوَازِ
التَّنَفُّلِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ الْجمع
بَينهمَا لكَون بن مَسْعُودٍ تَعَشَّى بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ
يَرْفَعْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ قَصَدَ
الْجَمْعَ وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
لِقَوْلِهِ إِنَّ الْمَغْرِبَ تُحَوَّلُ عَنْ وَقْتِهَا
فَرَأَى أَنَّهُ وَقْتُ هَذِهِ الْمَغْرِبِ خَاصَّةً
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْجَمْعَ وَكَانَ يَرَى
أَنَّ الْعَمَلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا يَقْطَعُهُ
إِذَا كَانَ نَاوِيًا لِلْجَمْعِ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ
تُحَوَّلُ عَنْ وَقْتِهَا أَيِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا
إِطْلَاقُهُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَنَّهَا تُحَوَّلُ
عَنْ وَقْتِهَا فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوْقَعَ
الْفَجْرَ قَبْلَ طُلُوعِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا
وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِعْلُهَا فِيهِ
فِي الْحَضَرِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ مَنَعَ
التَّغْلِيسَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ
(3/525)
عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ التَّغْلِيسُ بِهَا بَلِ
الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ
الْمُؤَذِّنُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيِ
الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ
مَعَ ذَلِكَ بِغَلَسٍ وَأَمَّا بِمُزْدَلِفَةَ فَكَانَ
النَّاسُ مُجْتَمِعِينَ وَالْفَجْرُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ
فَبَادَرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ مَا بَزَغَ حَتَّى أَنْ
بَعْضَهَمْ كَانَ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ طُلُوعُهُ وَهُوَ
بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ الْآتِيَةِ حَيْثُ
قَالَ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ
قَائِلٌ يَقُولُ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ
يَطْلُعْ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ بن
مَسْعُودٍ هَذَا عَلَى تَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ فِي غير يَوْم عَرَفَة وَجمع لقَوْل بن
مَسْعُودٍ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا
إِلَّا صَلَاتَيْنِ وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ
مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَقَدْ
ثَبَتَ الْجَمْعُ بَين الصَّلَاتَيْنِ من حَدِيث بن عمر
وَأنس وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ فِي
مَوْضِعِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَأَيْضًا
فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ
الْمَفْهُومِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَأَمَّا مَنْ
قَالَ بِهِ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ مَنْطُوقٌ
وَأَيْضًا فَالْحَصْرُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ
لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَة
(3/526)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ
أَهْلِهِ)
أَيْ مِنْ نِسَاءٍ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ بِلَيْلٍ أَيْ
مِنْ مَنْزِلِهِ بِجَمْعٍ قَوْلُهُ فَيَقِفُونَ
بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ ضَبَطَهُ
الْكِرْمَانِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِّ
قَالَ وَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مَنْ
ذُكِرَ أَوَّلًا وَبِفَتْحِ الدَّالِّ عَلَى الْبِنَاءِ
لِلْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ بَيَانٌ
لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ
بِلَيْلٍ وَمَغِيبُ الْقَمَرِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَقَعُ
عِنْدَ أَوَائِلِ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَمِنْ ثَمَّ
قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالنِّصْفِ
الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي لَا نَعْلَمُ خِلَافًا
فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ بِلَيْلٍ مِنْ جَمْعٍ
إِلَى منى ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ
أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الأول حَدِيث بن عمر
[1676] قَوْله قَالَ سَالم فِي رِوَايَة بن وهب عِنْد
مُسلم عَن يُونُس عَن بن شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَوْلُهُ الْمَشْعَرِ بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ كَسْرَ
الْمِيمِ وَقِيلَ إِنَّهُ لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ
وَقَالَ بن قَرْقُولٍ كَسْرُ الْمِيمِ لُغَةٌ لَا
رِوَايَةٌ وَقَالَ بن قُتَيْبَةَ لَمْ يُقْرَأْ بِهَا فِي
الشَّوَاذِّ وَقِيلَ بَلْ قُرِئَ حَكَاهُ الْهُذَلِيُّ
وَسُمِّيَ الْمَشْعَرَ لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْعِبَادَةِ
وَالْحَرَامُ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَرَمِ أَوْ لِحُرْمَتِهِ
وَقَوْلُهُ مَا بَدَا لَهُمْ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ
لَهُمْ وَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ لَهُمْ
فِيهِ قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
ثُمَّ يَدْفَعُونَ وَهُوَ أَوْضَحُ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ
أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الْوُقُوفِ إِلَى الدَّفْعِ
ثُمَّ يَقْدَمُونَ مِنًى عَلَى مَا فُصِّلَ فِي الْخَبَرِ
وَقَوْلُهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ أَيْ عِنْدَ صَلَاةِ
الْفجْر قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ يَقُولُ أَرْخَصَ فِي
أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَذَا وَقَعَ فِيهِ أَرْخَصَ وَفِي بَعْضِ
الرِّوَايَاتِ رَخَّصَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ أَظْهَرُ
مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنَ التَّرْخِيصِ لامن
الرُّخص وَاحْتج بِهِ بن الْمُنْذِرِ لِقَوْلِ مَنْ
أَوْجَبَ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى غَيْرِ
الضَّعَفَةِ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ
لَيْسَ كَحُكْمِ مَنْ رُخِّصَ لَهُ قَالَ وَمَنْ زَعَمَ
أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ الْمَبِيتَ
عَلَى مِنًى لِسَائِرِ النَّاسِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَخَصَ لِأَصْحَابِ السِّقَايَةِ
وَلِلرِّعَاءِ أَنْ لَا يَبِيتُوا بِمِنًى قَالَ فَإِنْ
قَالَ لَا تَعْدُوا بِالرُّخَصِ مَوَاضِعَهَا
فَلْيُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا يَأْذَنْ لِأَحَدٍ
أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْ جَمْعٍ إِلَّا لِمَنْ رَخَّصَ لَهُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْتَهَى وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ
وَالشَّعْبِيُّ مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ
فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ
وقَتَادَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ
عَلَيْهِ دَمٌ قَالُوا وَمَنْ بَاتَ بِهَا لَمْ يَجُزْ
لَهُ الدَّفْعُ قَبْلَ النِّصْفِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ
مَرَّ بِهَا فَلَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنَّ
نَزَلَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مَتَى دَفَعَ وَفِي حَدِيث بن
عُمَرَ دِلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ رَمْيِ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ إنَّ
مَنْ يَقْدَمُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِذَا قَدِمَ
رَمَى الْجَمْرَةَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ
صَنِيعِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْحَدِيثِ
الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ
عَلَيْهِ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ
الثَّانِي حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَفَائِدَتُهُ تَعْيِينُ
مَنْ أَذِنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلِهِ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَهُ مِنْ
وَجْهَيْنِ فِي الثَّانِي مِنْهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ
الْبَعْثُ الْمَذْكُورُ خَاصًّا لَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ
الْأَوَّلَ وَهُوَ
[1677] قَوْلُهُ بَعَثَنِي قَدْ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ
بِذَلِكَ وَفِي الثَّانِي أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ
فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ وَقَوْلُهُ فِي
الثَّانِي فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ قَدْ أَخْرَجَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ حَجِّ الصِّبْيَانِ مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ
بِلَفْظِ فِي الثَّقَلِ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ وَقَالَ فِي الضَّعَفَةِ وَلِسُفْيَانَ
(3/527)
فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ
مِثْلُهُ وَقَدْ أَخْرَجَ طَرِيقُ عَطَاءٍ هَذِهِ
مُطَوَّلَةَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عَبْدِ الْملك بن أبي الصفير عَن عَطاء قَالَ
أَخْبرنِي بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ لَيْلَةَ
الْمُزْدَلِفَةِ اذْهَبْ بِضُعَفَائِنَا وَنِسَائِنَا
فَلْيُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى وَلْيَرْمُوا جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمْ دَفْعَةُ النَّاسِ
قَالَ فَكَانَ عَطاء يَفْعَله بعد مَا كَبِرَ وَضَعُفَ
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبٍ عَن عَطاء عَن بن
عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ
وَلِأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ الْعِيَالَ
وَالضَعَفَةَ إِلَى مِنًى مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ
[1679] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بكر الصّديق قَوْلُهُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
مَوْلَى أَسْمَاءَ هُوَ بن كَيْسَانَ الْمَدَنِيُّ يُكْنَى
أَبَا عُمَرَ لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا
الْحَدِيثِ وَآخَرَ سَيَأْتِي فِي أَبْوَاب الْعمرَة وَقد
صرح بن جُرَيْجٍ بِتَحْدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ لَهُ هَكَذَا
فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ هَذِهِ عَنْ يَحْيَى وَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيِّ وبن خُزَيْمَةَ عَنْ بُنْدَارٍ وَكَذَا
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ كُلُّهُمْ عَنْ
يَحْيَى وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ
يُونُسَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيق
دَاوُد الْعَطَّار وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق بن
عُيَيْنَةَ والطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
سَالِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
بُكَيْرٍ كلهم عَن بن جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلاد عَن يحيى الْقطَّان عَن بن
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ عَنْ
أَسْمَاءَ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَوْلَى أَسْمَاءَ أَخْبَرَهُ وَكَذَا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أَبِي خَالِدٍ
الْأَحْمَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَالظَّاهِر أَن بن
جُرَيْجٍ سَمِعَهُ مِنْ عَطَاءٍ ثُمَّ لَقِيَ عَبْدَ
اللَّهِ فَأَخَذَهُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مَوْلَى أَسْمَاءَ شَيْخُ عَطَاءٍ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ
قَوْلُهُ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
قَالَتِ ارْتَحِلْ بِي قَوْلُهُ فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ
الْجَمْرَةَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَمَضَيْنَا بِهَا
قَوْلُهُ يَا هَنَتَاهُ أَيْ يَا هَذِهِ وَقَدْ سَبَقَ
ضَبْطُهُ فِي بَابُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
قَوْلُهُ مَا أُرَانَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْجَزْمِ فَقُلْتُ لَهَا
لَقَدْ غَلَّسْنَا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لَقَدْ جِئْنَا
مِنًى بِغَلَسٍ وَفِي رِوَايَةِ دَاوُدَ الْعَطَّارِ
لَقَدِ ارْتَحَلْنَا بِلَيْلٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُدَ فَقُلْتُ إِنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ
وَغَلَّسْنَا أَيْ جِئْنَا بِغَلَسٍ قَوْلُهُ إِذَنَ
لِلظُّعُنِ بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ
ظَعِينَةٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ ثُمَّ
أُطْلِقَ عَلَى الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةِ إِنَّا كُنَّا نَصْنَعُ
هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لَقَدْ كُنَّا
نَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ تَعْنِي
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الرَّمْيِ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَنْ خَصَّ التَّعْجِيلَ
بِالضَعَفَةِ وَعِنْدَ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ وَخَالَفَ فِي
ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا لَا يَرْمِي جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ رَمَى
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
جَازَ وَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهَا
وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَإسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ
وَزَادَ إِسْحَاقُ وَلَا يَرْمِيهَا قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ
وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرَأَى جَوَازَ ذَلِكَ
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَطَاءٌ وَطَاوُس وَالشعْبِيّ
وَالشَّافِعِيّ وَاحْتج الْجُمْهُور بِحَدِيث بن عُمَرَ
الْمَاضِي قَبْلَ هَذَا وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ بن
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِغِلْمَانِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
والطَّحَاوِي وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ
الْعُرَنِيِّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء
بعْدهَا نون عَن بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
والطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ
عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبٍ
عَنْ عَطَاءٍ وَهَذِهِ الطُّرُقُ يُقَوِّي بَعْضُهَا
بَعْضًا وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن
حِبَّانَ وَإِذَا كَانَ مَنْ رُخِّصَ لَهُ مُنِعَ أَن
(3/528)
يَرْمِيَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَمَنْ
لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ أَوْلَى وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ
بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ هَذَا وَيجمع بَينه وَبَين حَدِيث بن
عَبَّاس بِحمْل الْأَمر فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَلَى
النَّدْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ من
طَرِيق شُعْبَة مولى بن عَبَّاسٍ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
أَهْلِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَرْمِيَ مَعَ الْفجْر وَقَالَ
بن الْمُنْذِرِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْمِيَ إِلَّا
بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُخَالِفٌ
لِلسُّنَّةِ وَمَنْ رَمَى حِينَئِذٍ فَلَا إِعَادَةَ
عَلَيْهِ إِذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ لَا يُجْزِئُهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى إِسْقَاطِ الْوُقُوفِ
بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عَنِ الضَّعَفَةِ وَلَا
دِلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَسْمَاءَ سَاكِتَةٌ
عَن الْوُقُوف وَقد بَينته رِوَايَة بن عُمَرَ الَّتِي
قَبْلَهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ مَنْ مَرَّ
بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ يَنْزِلْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ
وَمَنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا فِي أَيِّ
وَقْتٍ كَانَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَوْ
لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ
وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ مَنْ لَمْ
يَقِفْ بِهَا فَقَدْ ضَيَّعَ نُسُكًا وَعَلَيْهِ دَمٌ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ لَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا
هُوَ مَنْزِلٌ مَنْ شَاءَ نَزَلَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ لَمْ
يَنْزِلْ بِهِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا إِنَّمَا
جَمْعٌ مَنْزِلٌ لدلج الْمُسلمين وَذهب بن بنت الشَّافِعِي
وبن خُزَيْمَةَ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِهَا رُكْنٌ لَا
يتم الْحَج إِلَّا بِهِ وَأَشَارَ بن الْمُنْذر إِلَى
تَرْجِيحه وَنَقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ
وَالنَّخَعِيِّ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا مَنْ لَمْ
يَقِفْ بِهَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَيُجْعَلْ إِحْرَامُهُ
عُمْرَةً وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ
يَذْكُرِ الْوُقُوفَ وَإِنَّمَا قَالَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمشعر الْحَرَام وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
مَنْ وَقَفَ بِهَا بِغَيْرِ ذِكْرِ أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ
فَإِذَا كَانَ الذِّكْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ
لَيْسَ مَنْ صُلْبِ الْحَجِّ فَالْمَوْطِنُ الَّذِي
يَكُونُ الذِّكْرُ فِيهِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ فَرْضًا
قَالَ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ
مُضَرِّسٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ
وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ
رَفَعَهُ قَالَ مَنْ شَهِدَ مَعَنَا صَلَاةَ الْفَجْرِ
بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ قَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ
بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ
لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ بِهَا وَوَقَفَ
وَنَامَ عَنِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلِّهَا مَعَ
الْإِمَامِ حَتَّى فَاتَتْهُ أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ
انْتَهَى وَحَدِيثُ عُرْوَة أخرجه أَصْحَاب السّنَن
وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَوْقِفِ يَعْنِي
بِجْمَعٍ قُلْتُ جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَبَلِ
طَيِّئٍ فَأَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي
وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ
عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَدْرَكَ مَعَنَا
هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ
لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى
تَفَثَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ
الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضُوا فَقَدْ أَدْرَكَ
الْحَجَّ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ
فَلَمْ يُدْرِكْ وَلِأَبِي يَعْلَى وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ
جَمْعًا فَلَا حَجَّ لَهُ وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو جَعْفَرٍ
الْعُقَيْلِيُّ جُزْءًا فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
وَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَأَنْ مُطَرِّفًا كَانَ
يَهِمُ فِي الْمُتُونِ وَقد إرتكب بن حَزْمٍ الشَّطَطَ
فَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ
بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُهُ
الْتِزَامًا لِمَا أَلْزَمَهُ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ
يعْتَبر بن قُدَامَةَ مُخَالَفَتَهُ هَذِهِ فَحَكَى
الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِجْزَاءِ كَمَا حَكَاهُ
الطَّحَاوِيُّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ بِتَرْكِ
الْوُقُوفِ بِهَا دَمٌ لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ وَمِنْ
جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ عِنْدَهُمُ الزِّحَامُ الْحَدِيثُ
الرَّابِعُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ
[1680] قَوْلُهُ عَنِ الْقَاسِم هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ وَالِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّاوِي عَنْهُ
قَوْلُهُ اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَيْ بِنْتُ زَمْعَةَ
أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ ثَقِيلَةً أَيْ مِنْ عِظَمِ
جِسْمِهَا قَوْلُهُ ثَبِطَةً بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ
وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ خَفِيفَةٌ
أَيْ بَطِيئَةَ الْحَرَكَةِ كَأَنَّهَا تَثْبِطُ
بِالْأَرْضِ أَيْ تَشَبَّثُ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عَنْ
سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ مَا اسْتَأْذَنَتْهُ
سَوْدَةُ فِيهِ فَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِطَرِيقِ أَفْلَحَ
(3/529)
عَن الْقَاسِم المبينة لذَلِك وَقد أخرجه
بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ
فَبَيَّنَ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ
زَمْعَةَ كَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً فَاسْتَأْذَنَتْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
تَدْفَعَ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ دَفْعَةِ النَّاسِ فَأَذِنَ
لَهَا وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ عَنِ
الثَّوْرِيِّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ فَلَمْ يَسُقْ لَفظه وَمن
طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ وَدِدْتُ
أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ
سَوْدَةُ فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى فَأَرْمِي
الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ فَذَكَرَ
بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ مِثْلَ سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ
كَثِيرٍ وَلَهُ نَحْوُهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَفِيهِ مِنَ
الزِّيَادَةِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إِلَّا مَعَ
الْإِمَامِ
[1681] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ
الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ
بن الْمُبَارَكِ عَنْ أَفْلَحَ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ
وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ
أَفْلَحَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ قَوْلُهُ أَنْ تَدْفَعَ
قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنِ
الْقَعْنَبِيِّ عَنْ أَفْلَحَ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ
وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَالْحَطْمَةُ بِفَتْحِ
الْحَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ
الزَّحْمَةُ قَوْلُهُ فَلَأَنْ أَكُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ
فَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَحَبُّ وَقَوْلُهَا
مَفْرُوحٍ أَيْ مَا يَفْرَحُ بِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
تَنْبِيهٌ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ
عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ
تَفْسِيرَ الثَّبِطَةِ بِالثَّقِيلَةِ مِنَ الْقَاسِمِ
رَاوِي الْخَبَرِ وَلَفْظُهُ وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً
يَقُولُ الْقَاسِمُ وَالثَّبِطَةُ الثَّقِيلَةُ وَلِأَبِي
عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ أَفْلَحَ
بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَكَانَتِ
امْرَأَةً ثَبِطَةً قَالَ الثَّبِطَةُ الثَّقِيلَةُ وَلَهُ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ أَفْلَحَ
وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً يَعْنِي ثَقِيلَةً فَعَلَى
هَذَا فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً
ثَبِطَةً مِنَ الْإِدْرَاجِ الْوَاقِعِ قَبْلَ مَا
أُدْرِجَ عَلَيْهِ وَأَمْثِلَتُهُ قَلِيلَةٌ جِدًّا
وَسَبَبُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ أَدْرَجَ التَّفْسِيرَ بَعْدَ
الْأَصْلِ فَظَنَّ الرَّاوِي الْآخَرُ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ
ثَابِتَانِ فِي أَصْلِ الْمَتْنِ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ
وَالله أعلم
(3/530)
(قَوْلُهُ بَابُ مَتَى يُصَلَّى الْفَجْرُ
بِجَمْعٍ)
ذُكِرَ فِيهِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ مُخْتَصَرًا
وَمُطَوَّلًا
[1682] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ هُوَ بن عُمَيْر
وَعبد الرَّحْمَن هُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ
وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ لِغَيْرِ
مِيقَاتِهَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بِغَيْرِ
بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ اللَّامِ وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ
وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلَامِ
عَلَيْهِ قَبْلَ بَابٍ قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ
الثَّانِيَةِ خَرَجْتُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ
[1683] خَرَجْنَا قَوْلُهُ وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ لَا بِكَسْرِهَا أَيِ الْأَكْلُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ قَوْلُهُ فَلَا يَقْدَمُ
بِفَتْحِ الدَّالِ قَوْلُهُ حَتَّى يُعْتِمُوا أَيْ
يَدْخُلُوا فِي الْعَتَمَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ
الْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ
قَوْلُهُ لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ
الْآنَ يَعْنِي عُثْمَانَ كَمَا بَيَّنَ فِي آخِرِ
الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ فَمَا أَدْرِي هُوَ كَلَامُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الرَّاوِي عَنِ بن مَسْعُود
وَأَخْطَأ من قَالَ أَنه كَلَام بن مَسْعُودٍ وَالْمُرَادُ
أَنَّ السُّنَّةَ الدَّفْعُ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
عِنْدَ الْإِسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ خِلَافًا
لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا فِي
حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي بَعْدَهُ فَائِدَةٌ وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عِنْدَ أَحْمَدَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَن نَظِير هَذَا القَوْل صدر من بن مَسْعُودٍ عِنْدَ
الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ لَمَّا
وَقَفْنَا بِعَرَفَةَ غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ لَوْ
أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ كَانَ قَدْ
أصَاب قَالَ فَمَا أَدْرِي أكلام بن مَسْعُودٍ أَسْرَعُ
أَوْ إِفَاضَةُ عُثْمَانَ قَالَ فَأَوْضَعَ النَّاس وَلم
يزدْ بن مَسْعُودٍ عَلَى الْعَنَقِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا
وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي
هَذَا الحَدِيث أَفَاضَ بن مَسْعُودٍ مِنْ عَرَفَةَ عَلَى
هِينَتِهِ لَا يَضْرِبُ بَعِيرَهُ حَتَّى أَتَى جَمْعًا
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يزِيد أَن بن
مَسْعُودٍ أَوْضَعَ بِعِيرَهُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ
الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ
فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي
يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ بَابُ مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ)
أَيْ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
[1684] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ
قَوْلُهُ لَا يُفِيضُونَ زَادَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ
شُعْبَةَ مِنْ جَمْعٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَكَذَا هُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ
مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ حَتَّى
يَرَوُا الشَّمْسَ عَلَى ثَبِيرٍ قَوْلُهُ وَيَقُولُونَ
أَشْرِقْ ثَبِيرُ أَشْرِقْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فِعْلُ
أَمْرٍ مِنَ الْإِشْرَاقِ أَيِ ادْخُلْ فِي الشروق وَقَالَ
بن التِّينِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ
كَأَنَّهُ ثُلَاثِيٌّ مِنْ شَرَقَ وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَعْنَى لِتَطْلُعْ عَلَيْكَ
الشَّمْسُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَضِئْ يَا جَبَلُ وَلَيْسَ
بِبَيِّنٍ أَيْضًا وَثَبِيرُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ
وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ وَهُوَ
عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى وَهُوَ أَعْظَمُ
جِبَالِ مَكَّةَ عُرِفَ بِرَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ اسْمُهُ
ثَبِيرٌ دُفِنَ فِيهِ زَادَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ
شُعْبَةَ كَيْمَا نُغِيرُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَمِثْلُهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ
أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ
طَرِيقِ
(3/531)
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ
لَعَلَّنَا نُغِيرُ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ كَيْمَا
نَدْفَعُ لِلنَّحْرِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَغَارَ
الْفَرَسُ إِذَا أَسْرَعَ فِي عدوه قَالَ بن التِّينِ
وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الرَّاءِ فِي ثَبِيرُ
وَفِي نُغِيرُ لِإِرَادَةِ السَّجْعِ قَوْلُهُ ثُمَّ
أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ الْإِفَاضَةُ
الدَّفْعَةُ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَمِنْهُ أَفَاضَ
الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ إِذَا دَفَعُوا فِيهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ أَفَاضَ عُمَرَ
فَيَكُونَ انْتِهَاءُ حَدِيثِهِ مَا قَبْلَ هَذَا
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ أَفَاضَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَطْفِهِ عَلَى
قَوْلِهِ خَالَفَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ
شُعْبَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فَأَفَاضَ وَفِي رِوَايَةِ
الثَّوْرِيِّ فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ
طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ كَانَ
الْمُشْرِكُونَ لَا يَنْفِرُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَرِهَ ذَلِكَ فَنَفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ فَدَفَعَ
لِقَدْرِ صَلَاةِ الْقَوْمِ الْمُسْفِرِينَ لِصَلَاةِ
الْغَدَاةِ وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ رَكِبَ
الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ
فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى
وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ
وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَن تطلع
الشَّمْس وَقد تقدم حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ
وَصَنِيعُ عُثْمَانَ بِمَا يُوَافِقُهُ وروى بن
الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ مَتَى
دَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ جَمْعٍ قَالَ كَانْصِرَافِ
الْقَوْمِ الْمُسْفِرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَرَوَى
الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ لَمَّا أَصْبَحَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمُزْدَلِفَةِ غَدَا فَوَقَفَ عَلَى قُزَحَ وَأَرْدَفَ
الْفَضْلَ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمَوْقِفُ وَكُلُّ
الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ حَتَّى إِذَا أَسْفَرَ دَفَعَ
وَأَصْلُهُ فِي التِّرْمِذِيِّ دُونَ قَوْلِهِ حَتَّى
إِذَا أَسْفَرَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ
طَرِيقِ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى إِذَا
طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَكَانَتْ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ
كَأَنَّهَا الْعَمَائِمُ عَلَى رُؤُوسِ الرِّجَالِ
دَفَعُوا فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْفَرَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ
أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ نَحْوُهُ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ فَضْلُ الدَّفْعِ مِنَ الْمَوْقِفِ
بِالْمُزْدَلِفَةِ عِنْدَ الْإِسْفَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ
يَقِفْ فِيهِ حَتَّى طلعت الشَّمْس فَاتَهُ الْوُقُوف
قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ
أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِظَاهِرِ هَذِهِ
الْأَخْبَارِ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَدْفَعَ قَبْلَ
الْإسْفَارِ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يُعَجِّلِ الصَّلَاةَ مُغَلِّسًا إِلَّا لِيَدْفَعَ قَبْلَ
الشَّمْسِ فَكُلُّ مَنْ بَعُدَ دَفْعُهُ مِنْ طُلُوعِ
الشَّمْسِ كَانَ أولى |