فتح الباري لابن حجر

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ)
وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ اوفق لَهُ ذكر فِيهِ حَدِيث بن أَبِي جُحَيْفَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ فَأَمَّا ذِكْرُ الْقَسَمِ فَلَمْ يَقَعْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَاقَهَا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقَدْ أَقَرَّهُ الشَّارِعُ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَى الْبَيَانِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَلَمَّا وُضِعَ قَالَ رَجُلٌ أَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(4/209)


دَعَاكَ أَخُوكَ وَتَكَلَّفَ لَكَ أَفْطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بن الْمُنْكَدِرِ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ وَقَوْلُهُ إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ قَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْجَوَازَ وَعَدَمَ الْقَضَاءِ لِمَنْ كَانَ مَعْذُورًا بِفِطْرِهِ لَا مَنْ تَعَمَّدَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أَوْفَقَ لَهُ يُرْوَى بِالْوَاوِ السَّاكِنَةِ وَبِالرَّاءِ بَدَلَ الْوَاوِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ فِيهِمَا

[1968] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ اسْمُهُ عُتْبَةُ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ وَلَا رَأَيْتُ لَهُ رَاوِيًا عَنْهُ إِلَّا جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ وَإِلَى تَفَرُّدِهِمَا بِذَلِكَ أَشَارَ الْبَزَّارُ قَوْلُهُ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةُ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَالْمَسْجِدُ يَبْنِي وَقد سمي بن إِسْحَاقَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو فَأَبُو ذَرٍّ مُهَاجِرِيٌّ وَالْمُنْذِرُ أَنْصَارِيٌّ وَأَنْكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ مَا كَانَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدُ وَإِنَّمَا قَدِمَهَا بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاث وَذكر بن إِسْحَاقَ أَيْضًا الْأُخُوَّةَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَالَّذِي هُنَا وَتَعَقَّبَهُ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا فِيمَا حَكَاهُ بن سَعْدٍ أَنَّ سَلْمَانَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَأَوَّلُ مَشَاهَدِهِ الْخَنْدَقُ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّارِيخَ الْمَذْكُورَ لِلْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ ابْتِدَاءُ الْأُخُوَّةِ ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَاخِي بَيْنَ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرًّا وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ أَنْ تَكُونَ الْمُؤَاخَاةُ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً حَتَّى يَرِدَ هَذَا التعقب فصح مَا قَالَه بن إِسْحَاقَ وَأَيَّدَهُ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ وَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَاعْتَرَضَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ كُلَّ مُؤَاخَاةٍ وَقَعَتْ بَعْدَ بَدْرٍ يَقُولُ قَطَعَتْ بَدْرٌ الْمَوَارِيثَ قُلْتُ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ الْمُؤَاخَاةَ مِنْ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْمُؤَاخَاةَ الْمَخْصُوصَةَ الَّتِي كَانَتْ عُقِدَتْ بَيْنَهُمْ لِيَتَوَارَثُوا بِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ التَّوَارُثِ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا تَقْعَ الْمُؤَاخَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَنِحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ فَذَكَرَ قصَّة لَهما غير الْمَذْكُورَة هُنَا وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَنَزَلَ سَلْمَانُ الْكُوفَةَ وَنَزَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الشَّامَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَعْنِي فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ أَبَا الدَّرْدَاءِ غَائِبًا قَوْلُهُ مُتَبَذِّلَةً بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ لَابِسَةً ثِيَابَ الْبِذْلَةِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ وَهِيَ الْمِهْنَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَارِكَةٌ لِلُبْسِ ثِيَابِ الزِّينَةِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ مُبْتَذِلَةً بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَزْنَ مُفْتَعِلَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَفِي تَرْجَمَةِ سَلْمَانَ مِنَ الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ سَلْمَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَرَأَى امْرَأَتَهُ رَثَّةَ الْهَيْئَةِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ هِيَ خَيْرَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ صَحَابِيٍّ وَحَدِيثُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَمَاتَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ قَبْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَيْضًا امْرَأَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَابِعِيَّةٌ اسْمُهَا هَجِيمَةُ عَاشَتْ بَعْدَهُ دَهْرًا وَرَوَتْ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ يَا أُمَّ الدَّرْدَاء

(4/210)


أَمُتَبَذِّلَةً قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ فِي نِسَاءِ الدُّنْيَا وَزَادَ فِيهِ بن خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ قَوْلُهُ فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ زَادَ التِّرْمِذِيُّ فَرَحَّبَ بِسَلْمَانَ وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْقَائِلُ كُلْ هُوَ سَلْمَانُ وَالْمَقُولُ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ الْمُجِيبُ بِإِنِّي صَائِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ وَعَلَى هَذَا فَالْقَائِلُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَالْمَقُولُ لَهُ سَلْمَانُ وَكِلَاهُمَا يُحْتَمَلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَلْمَانَ وَهُوَ الضَّيْفُ أَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ حَتَّى يَأْكُلَ مَعَهُ وَغَرَضُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ رَأْيِهِ فِيمَا يَصْنَعُهُ مِنْ جَهْدِ نَفْسِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَكَتْهُ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَوْلُهُ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْك لتفطرن وَكَذَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ وَالْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ بِهِ فَكَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ بَشَّارٍ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَبَلَغَ الْبُخَارِيَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَاسْتَعْمَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّرْجَمَةِ مُشِيرًا إِلَى صِحَّتِهَا وَإِنَّ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ أَعَادَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَيْضًا وَأَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ كَابْنِ الْمُنِيرِ إِنَّ الْقَسَمَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مُقَدَّرٌ قَبْلَ لَفْظِ مَا أَنَا بِآكِلٍ كَمَا قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ بَابُ صُنْعِ الطَّعَامِ وَالتَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ سَلْمَانَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُقَرِّبُ لِضَيْفِهِ مَا عِنْدَهُ وَلَا يَتَكَلَّفُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَيَسُوغُ حِينَئِذٍ التَّكَلُّفُ بِالطَّبْخِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَيْ فِي أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَهُ قَوْلُهُ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ سلمَان نم زَاد بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَتَمْنَعُنِي أَنْ أَصُومَ لِرَبِّي وَأُصَلِّيَ لِرَبِّي قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ أَيْ عِنْدَ السَّحَرِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ بن خُزَيْمَةَ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ ولِلدّارَقُطْنِيِّ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ قَوْلُهُ فَصَلَّيَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَقَامَا فَتَوَضَّآ ثُمَّ رَكَعَا ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلَاةِ قَوْلُهُ وَلِأَهْلِكَ عَلَيْك حَقًا زَاد التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَكَ قَوْلُهُ فَأَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَأَتَيَا بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلَاةِ فَدَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي قَالَ لَهُ سَلْمَانُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا مِثْلَ مَا قَالَ سَلْمَانُ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَيْهِمَا بِأَنَّهُ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ مَا دَارَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ فَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ كَاشَفَهُمَا بِذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ أَطْلَعَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ فَقَالَ لَهُ صَدَقَ سَلْمَانُ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مُرْسَلًا فَعَيَّنَ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَاتَ سَلْمَانُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَفْظُهُ قَالَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُحْيِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَصُومُ يَوْمَهَا فَأَتَاهُ سَلْمَانُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً وَزَادَ فِي آخِرِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُوَيْمِرُ سَلْمَانُ أَفْقَهُ مِنْكَ انْتَهَى وَعُوَيْمِرُ اسْمُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أُوتِيَ سلمَان من الْعلم وَفِي رِوَايَة بن سَعْدٍ الْمَذْكُورَةِ لَقَدْ أُشْبِعَ سَلْمَانُ عِلْمًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُؤَاخَاةِ فِي اللَّهِ وَزِيَارَةُ الْإِخْوَانِ وَالْمَبِيتُ عِنْدَهُمْ وَجَوَازُ مُخَاطَبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالسُّؤَالُ عَمَّا يَتَرَتَّبُ

(4/211)


عَلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّائِلِ وَفِيهِ النُّصْحُ لِلْمُسْلِمِ وَتَنْبِيهُ مَنْ أَغْفَلَ وَفِيهِ فَضْلُ قِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَزَيُّنِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَثُبُوتُ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ لِقَوْلِهِ وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ثُمَّ قَالَ وَائْتِ أَهْلَكَ وَقَرَّرَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ النَّهْيِ عَنِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا خَشِيَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى السَّآمَةِ وَالْمَلَلِ وَتَفْوِيتِ الْحُقُوقِ الْمَطْلُوبَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْمَنْدُوبَةِ الرَّاجِحِ فِعْلُهَا عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا الْوَعِيدُ الْوَارِدُ عَلَى مِنْ نَهَى مُصَلِّيًا عَنِ الصَّلَاةِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَهَاهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ الْحَمْلِ عَلَى النَّفْسِ فِي الْعِبَادَةِ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَفِيهِ جَوَازُ الْفِطْرِ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ قَضَاءً إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا كَمَنْ ذَهَبَ بِمَالٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ وَأَمْسَكَ بَعْضَهُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَكُنْتِ تَقْضِينَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ قَالَتْ لَا قَالَ فَلَا بَأْسَ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ مِنْ قَضَاءٍ فَصَوْمِي مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِهِ وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَنْ مَالِكٍ الْجَوَازُ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ بِعُذْرٍ وَالْمَنْعُ وَإِثْبَاتُ الْقَضَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مُطلقًا ذكره الطَّحَاوِيّ وَغَيره وَشبهه بِمن أفسد حج التَّطَوُّع فَإِن عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَجَّ امْتَازَ بِأَحْكَامٍ لَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ فِيهَا فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ يُؤْمَرُ مُفْسِدُهُ بِالْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِ وَالصِّيَامُ لَا يُؤْمَرُ مُفْسِدُهُ بِالْمُضِيِّ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَأغْرب بن عَبْدِ الْبَرِّ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَمَّنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِعُذْرٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ بِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِبَيْتِ أَبِيهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَقَالَ اقْضِيَا يَوْمًا آخر مَكَانَهُ قَالَ التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ بن أَبِي حَفْصَةَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ هَذَا وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَزِيَادُ بن سعد وبن عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَة مُرْسلا وَهُوَ أصح لِأَن بن جُرَيْجٍ ذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَكِنْ سَمِعْتُ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ وَقَالَ النَّسَائِيّ هَذَا خطا وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَهْوَ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ لَا وَقَالَ الْخَلَّالُ اتَّفَقَ الثِّقَاتُ عَلَى إِرْسَالِهِ وَشَذَّ مَنْ وَصَلَهُ وَتَوَارَدَ الْحُفَّاظُ عَلَى الْحُكْمِ بِضَعْفِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَقَدْ رَوَاهُ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَبَيَّنَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ إِنَّ صِيَامَهُمَا كَانَ تَطَوُّعًا وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ زُمَيْلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِجَهَالَةِ حَالِ زُمَيْلٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَزَادَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَقَدْ ضَعَّفَ النَّسَائِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَحَكَمَ بِخَطَئِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ عَلَى النَّدْبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ بِأَنَّ إِفْطَارَ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَ لِقَسَمِ سَلْمَانَ وَلِعُذْرِ الضِّيَافَةِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ

(4/212)


مِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ الْإِفْطَارَ وَقَدْ نَقَلَ بن التِّينِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِ وَلَا لِمَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ هُوَ بِاللَّهِ لَيُفْطِرَنَّ كَفَّرَ وَلَا يُفْطِرُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَارَ أُمَّ سُلَيْمٍ لَمْ يفْطر وَكَانَ صَائِما تَطَوّعا وَقد انصف بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ فَقَالَ لَيْسَ فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي صُورَةِ النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إِلَّا الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم إِلَّا أَنَّ الْخَاصَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ كَحَدِيثِ سَلْمَانَ وَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا وَمُجْتَهِدًا فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَلَوْ أَفْطَرَ أَحَدٌ بِمِثْلِ عُذْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّبَ فِعْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَتَرْقَى عَنْ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ إِلَى نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنِ احْتَجَّ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم فَهُوَ جَاهِلٌ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الرِّيَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِالرِّيَاءِ بَلْ أَخْلِصُوهَا لِلَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ إِبْطَالِ مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ وَغَيْرِهِ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ إِلَّا بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرَ مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ الَّتِي فَرَغْنَا مِنْهَا الْآنَ أَوَّلُ أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِحُكْمِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ هَلْ يَلْزَمُ تَمَامُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَمْ لَا ثُمَّ أَوْرَدَ بَقِيَّةَ أَبْوَابِهِ على مَا اخْتَارَهُ من التَّرْتِيب

(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ شَعْبَانَ)
أَيِ اسْتِحْبَابُهُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لِمَا فِي عُمُومِهِ مِنَ التَّخْصِيصِ وَفِي مُطْلَقِهِ مِنَ التَّقْيِيدِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَسُمِّيَ شَعْبَانَ لِتَشَعُّبِهِمْ فِي طَلَبِ الْمِيَاهِ أَوْ فِي الْغَارَاتِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ شَهْرُ رَجَبٍ الْحَرَامِ وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ

[1969] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هُوَ سَالِمٌ الْمَدَنِيُّ زَادَ مُسْلِمٌ مَوْلَى عمر بن عبيد الله وَفِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ وَهُوَ فِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ
[] فِيهِ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَاتَّفَقَ أَبُو النَّضْرِ وَيَحْيَى وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ عِنْدَ

(4/213)


النَّسَائِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَلَى رِوَايَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَخَالَفَهُمْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ تَارَةً وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَارَةً أُخْرَى أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالنَّصْبِ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْخَفْضِ وَهُوَ وَهَمٌ وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ كَتَبَ صِيَامًا بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقِفُ عَلَى الْمَنْصُوبِ بِغَيْرِ أَلْفٍ فَتُوُهِّمَ مَخْفُوضًا أَوْ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ظَنَّ أَنَّهُ مُضَافٌ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ تُضَافُ كَثِيرًا فَتَوَهَّمَهَا مُضَافَةً وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ هُنَا قَطْعًا وَقَوْلُهُ أَكْثَرَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ ثَانِي مَفْعُولَيْ رَأَيْتُ وَقَوْلُهُ فِي شعْبَان يتَعَلَّق بصياما وَالْمَعْنَى كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ وَكَانَ صِيَامه فِي شعْبَان تَطَوّعا اكثرمن صِيَامِهِ فِيمَا سِوَاهُ قَوْلُهُ مِنْ شَعْبَانَ زَادَ فِي حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُوم شعْبَان كُله زَاد بن أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ بَلْ كَانَ يَصُومُ إِلَخْ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ أَيْ كَانَ يَصُومُ مُعْظَمَهُ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَيُقَالُ قَامَ فُلَانٌ لَيْلَتَهُ أَجْمَعَ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ كَأَن بن الْمُبَارَكِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُفَسِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ مُخَصِّصَةٌ لَهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ الْأَكْثَرُ وَهُوَ مَجَازٌ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ وَاسْتَبْعَدَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْكُلَّ تَأْكِيدٌ لِإِرَادَةِ الشُّمُولِ وَدَفْعِ التَّجَوُّزِ فَتَفْسِيرُهُ بِالْبَعْضِ مُنَافٍ لَهُ قَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ تَارَةً وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلُّهُ كَرَمَضَانَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا كُلَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ أَوَّلِهِ تَارَةً وَمِنْ آخِرِهِ أُخْرَى وَمِنْ أَثْنَائِهِ طُورًا فَلَا يُخَلِّي شَيْئًا مِنْهُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا يَخُصُّ بَعْضَهُ بِصِيَامٍ دُونَ بَعْضٍ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّ قَوْلَهَا الثَّانِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ فَأَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ شَعْبَانَ وَأَخْبَرَتْ ثَانِيًا عَنْ آخِرِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ اه وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غير رَمَضَان وَهُوَ مثل حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَاخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي إِكْثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ فَقِيلَ كَانَ يشْتَغل عَن صَوْم الثَّلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَجْتَمِعُ فيقضيها فِي شعْبَان أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن بَطَّالٍ وَفِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق بن أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرُبَّمَا أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ صَوْم السّنة فيصوم شعْبَان وبن أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ الْبَابِ وَالَّذِي بَعْدَهُ دَالٌّ عَلَى ضَعْفِ مَا رَوَاهُ وَقِيلَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ قَالَ شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَصَدَقَةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ قُلْتُ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي إِكْثَارِهِ مِنَ الصِّيَامِ فِي شَعْبَانَ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّ نِسَاءَهُ كُنَّ يَقْضِينَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ

(4/214)


وَهَذَا عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِهِنَّ كُنَّ يُؤَخِّرْنَ قَضَاءَ رَمَضَانَ إِلَى شَعْبَانَ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِنَّ كُنَّ يَشْتَغِلْنَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّوْمِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْقُبُهُ رَمَضَانُ وَصَوْمُهُ مُفْتَرَضٌ وَكَانَ يُكْثِرُ مِنَ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ قَدْرَ مَا يَصُومُ فِي شَهْرَيْنِ غَيْرِهِ لِمَا يَفُوتُهُ مِنَ التَّطَوُّعِ بِذَلِكَ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَصَحَّ مِمَّا مَضَى أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ وَنَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى لَكِنْ قَالَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ كُلَّ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي أَجَلِي وَأَنَا صَائِمٌ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَكَذَا مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ نِصْفِ شَعْبَانَ الثَّانِي فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْخِلْ تِلْكَ الْأَيَّامَ فِي صِيَامٍ اعْتَادَهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يُكْثِرْ مِنَ الصَّوْمِ فِي الْمُحَرَّمِ مَعَ قَوْلِهِ إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ مَا يَقَعُ فِيهِ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا عَلِمَ ذَلِكَ إِلَّا فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوِ اتَّفَقَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْأَعْذَارِ بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ مَثَلًا مَا مَنَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَعَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ صِيَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ إِلَّا مَنْ أَطَاقَ مَا كَانَ يُطِيقُ وَأَنَّ مَنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَةِ خُشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَلَّ فيفضي إِلَى إِلَى تَرْكِهِ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَإِنْ قَلَّتْ أَوْلَى مِنْ جَهْدِ النَّفْسِ فِي كَثْرَتِهَا إِذَا انْقَطَعَتْ فَالْقَلِيلُ الدَّائِمُ أَفْضَلُ مِنَ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ غَالِبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي بَابهَا

(4/215)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيِ التَّطَوُّعُ وَإِفْطَارِهِ أَيْ فِي خَلَلِ صِيَامِهِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يُضِفِ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَهَا لِيُفْهَمَ التَّرْغِيبُ لِلْأُمَّةِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ وَقَصَدَ بِهَذِهِ شَرْحَ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ الأول حَدِيث بن عَبَّاسٍ

[1971] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَن صِيَام رَجَب فَقَالَ سَمِعت بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ شَهْرًا تَامًّا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ قَوْلُهُ وَيَصُومُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَكَانَ يَصُومُ قَوْلُهُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لَا وَاللَّهِ لَا يُفْطِرُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ حَتَّى يَقُولُوا مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ

[1972] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر أَي بن أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ وَحُمَيْدٌ هُوَ الطَّوِيلُ قَوْلُهُ حَتَّى نظن بِنُونِ الْجَمْعِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا رَأَيْتَهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَعًا قَوْلُهُ أَنْ لَا يَصُومَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ فِي يَصُومَ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ

[1973] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ كَذَا للْأَكْثَر وَلأبي ذَر هُوَ بن سَلَّامٍ قَوْلُهُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ سُلَيْمَان هَذَا هُوَ بن بِلَالٍ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ التَّامِّ مِنْ حَدِيثِهِ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حبَان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَهُ عَقِبَ هَذَا وَفِيهِ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَتَمَّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ لَكِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ فِيهِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ مَزِيدَةً كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ يَعْنِي أَنَّ حَالَهُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ كَانَ يَخْتَلِفُ فَكَانَ تَارَةً يَقُومُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَتَارَةً فِي وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ كَمَا كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِره فَكَانَ من أَرَادَ أَن يرَاهُ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ قَائِمًا أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الشَّهْرِ صَائِمًا فَرَاقَبَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَادِفَهُ قَامَ أَوْ صَامَ عَلَى وَفْقِ مَا أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ هَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَلَا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَوْعِبُ اللَّيْلَ قِيَامًا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا اتَّخَذَهُ رَاتِبًا لَا مُطْلَقَ النَّافِلَةِ فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَإِلَّا فَظَاهر هما التَّعَارُض وَالله أعلم قَوْله ولامسست بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى عَلَى الْأَفْصَحِ وَكَذَا شَمِمْتُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحُهَا لُغَةٌ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ وَيُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ أَشَمُّهُ وَأَمَسُّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا عَلَى الْأَفْصَحِ وَبِالضَّمِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ مِنْ رَائِحَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ خَلْقًا وَخُلُقًا فَهُوَ كُلُّ الْكَمَالِ وَجُلُّ الْجَلَالِ وَجُمْلَةُ الْجَمَالِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ

(4/216)


إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَوْفًى وَفِي حَدِيثَيِ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ التَّنَفُّلِ بِالصَّوْمِ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَنَّ صَوْمَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ إِلَّا مَا نُهِيَ عَنْهُ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُمِ الدَّهْرَ وَلَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ فَيَشُقُّ عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَوِ الْتَزَمَ ذَلِكَ لَاقْتَدَرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ سَلَكَ مِنَ الْعِبَادَةِ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى فَصَامَ وَأَفْطَرَ وَقَامَ وَنَامَ أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْمُهلب وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُنْكِرُهُ مُبَالَغَةً فِي تَأْكِيدِهِ فِي نفس السَّامع

(قَوْلُهُ بَابُ حَقِّ الضَّيْفِ فِي الصَّوْمِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَوْ قَالَ حَقُّ الضَّيْفِ فِي الْفِطْرِ لَكَانَ أَوْضَحَ لَكِنَّهُ كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَعْيِينُ الصَّوْمِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ مِنَ الصَّوْمِ وَكَأَنَّ مَا تَرْجَمَ بِهِ أَخْصَرُ وَأَوْجَزُ

[1974] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَبُو عَلِيِّ الْجَيَّانِيُّ لم ينْسب إِسْحَاق هَذَا عِنْد أَحَدٍ مِنْهُمْ قُلْتُ لَكِنْ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّهُ بن رَاهْوَيْهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ ثُمَّ قَالَ أخرجه البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق وَيُؤَيِّدهُ أَن بن رَاهْوَيْهِ لَا يَقُولُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا صِيغَةَ الْإِخْبَارِ وَكَذَلِكَ هُوَ هُنَا وَهَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْخُهُ هُوَ الْخَزَّازُ كَانَ تَاجِرًا صَدُوقًا لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ فِي الِاعْتِكَافِ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ أَخْرَجَ كُلًّا مِنَ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ وَيَحْيَى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَفَسَّرَ الْبُخَارِيُّ الْمُرَادَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْبُخَارِيِّ فِي جَوَازِ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَوْرَدَهُ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَأَوْرَدَهُ قَرِيبًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى مِنْ وَجْهَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْمَلِيحِ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْحَدِيثِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا فَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قِصَّةِ الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قِصَّةِ الصِّيَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَاقَ الْقِصَّةَ كُلَّهَا وَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ رِوَايَتِهِمْ عَنْهُ وَسَأَذْكُرُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَأُنَبِّهُ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ سِوَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الضَّيْفِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَعَان

(4/217)


(قَوْلُهُ بَابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ)
أَيْ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الْمَطْلُوبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَأَمَّا الْوَاجِبُ فَيَخْتَصُّ بِمَا إِذَا خَافَ التَّلَفَ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا

[1975] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارَكِ قَوْلُهُ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى فَقُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ وَفِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ وَاللَّهِ لأصومن من النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَا بن أَخِي إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ عَلَى أَنْ اجْتهد اجْتِهَادًا شَدِيدا حَتَّى قلت لأ صومن الدَّهْرَ وَلَأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُهَا فَسَأَلَهَا عَنْ بَعْلِهَا فَقَالَتْ نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِيَ الْفَتَى فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَذكر الحَدِيث زَاد النَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُجَاهِدٍ فَوَقَعَ عَلَيَّ أَبِي فَقَالَ زَوَّجْتُكَ امْرَأَةً فَعَضَلْتَهَا وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ قَالَ فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ لِمَا كَانَتْ لِي مِنَ الْقُوَّةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلْقِنِي بِهِ فَأَتَيْتُهُ مَعَهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ أَنْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْمِي فَدَخَلَ عَلَيَّ فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً وَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ فَإِمَّا أَرْسَلَ لِي وَإِمَّا لَقِيتُهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ عَمْرٌو تَوَجَّهَ بِابْنِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهُ إِلَى بَيْتِهِ زِيَادَةً فِي التَّأْكِيدِ قَوْلُهُ فَلَا تَفْعَلْ زَادَ بَعْدَ بَابَيْنِ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي كتاب التَّهَجُّد وَزَاد فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ إِنَّ لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةً وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ قَوْلُهُ وَإِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِعَيْنِكَ بِالْإِفْرَادِ قَوْلُهُ وَإِنَّ لِزَوْرِكَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاو أَي لِضَيْفِكَ وَالزَّوْرُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ كَصَوْمٍ فِي مَوْضِعِ صَائِمٍ وَنَوْمٍ فِي مَوْضِعِ نَائِمٍ وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى زَوْرٌ قَالَ بن التِّينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَوْرٌ جَمْعَ زَائِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعِ رَاكِبٍ وَتَجْرٍ جَمْعِ تَاجِر زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَزَادَ

(4/218)


النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ وَإِنَّ بِحَسْبِكَ بِإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ كَافِيكَ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ قَوْلُهُ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي كُلِّ شهر قَوْله فَإِذَنْ ذَلِكَ هُوَ بِتَنْوِينِ إِذَنْ وَهِيَ الَّتِي يُجَابُ بِهَا إِنْ وَكَذَا لَوْ صَرِيحًا أَوْ تَقْديرا وَأَن هُنَا مُقَدَّرَةٌ كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ صُمْتَهَا فَإِذَنْ ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ وَرُوِيَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَهِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ وَفِي تَوْجِيهِهَا هُنَا تَكَلُّفٌ قَوْلُهُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خَمْسًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سَبْعًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تِسْعًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عِيَاضٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْوِتْرِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو صُمْ يَوْمًا يَعْنِي مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ من ذَلِك قَالَ صم يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ صَوْمَ دَاوُدَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ بِسِتَّةٍ ثُمَّ بِتِسْعَةٍ ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَلَمَّا قَالَ إِنَّهُ يُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زَادَهُ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ وَصَلَهُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي دَاوُدَ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاقِصُنِي وَأُنَاقِصُهُ وَوَقَعَ لِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ صُمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ مَعَ قَوْله صم من كُلَّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ إِلَخْ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعَمَلِ وَالنَّقْصَ مِنَ الْأَجْرِ وَبِذَلِكَ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّضْعِيفِ قَالَ عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى صُمْ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ أَيْ مِنَ الْعَشَرَةِ وَقَوْلُهُ صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ أَيْ مِنَ الْعِشْرِينَ وَفِي الثَّلَاثَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتِبْعَادُ كَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّةِ الْأَجْرِ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْأَجْرَ إِنَّمَا اتَّحَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ يَصُومَ جَمِيعَ الشَّهْرِ فَلَمَّا مَنَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِك إبْقَاء عَلَيْهِ لما ذكر بَقِي أَجْرِ نِيَّتِهِ عَلَى حَالِهِ سَوَاءٌ صَامَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا تَأَوَّلَهُ فِي حَدِيثِ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ أَيْ إِنَّ أَجْرَهُ فِي نِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ لِامْتِدَادِ نِيَّتِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلِهِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَالتَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا إِجْرَاءَ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ مِنَ الصَّوْمِ ازْدَادَ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَفْوِيتِ بَعْضِ الْأَجْرِ الْحَاصِلِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي قَدْ يُفَوِّتُهَا مَشَقَّةُ الصَّوْمِ فَيَنْقُصُ الْأَجْرُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ يَرُدُّ الْحَمْلَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى سِيَاقِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَلَكَ أَجْرُ أَرْبَعِينَ وَقَدْ قَيَّدَهُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ لَا يَكُونُ أَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى للنسائي من طَرِيق بن أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ التِّسْعَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ مِنْ كُلِّ تِسْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ الثَّمَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مِنْ

(4/219)


كُلِّ ثَمَانِيَّةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ السَّبْعَةِ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ صُمْ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ عَشْرَةٍ قُلْتُ زِدْنِي قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ قُلْتُ زِدْنِي قَالَ صُمْ ثَلَاثَةً وَلَكَ أَجْرُ ثَمَانِيَّةٍ فَهَذَا يَدْفَعُ فِي صَدْرِ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى صَوْمِ دَاوُدَ زَادَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ قُلْتُ قَدْ قَبِلْتُ قَوْلُهُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَبِرَ وَعَجَزَ عَنِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ وَوَظَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يُعْجِبْهُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِالْتِزَامِهِ لَهُ فَتَمَنَّى أَنْ لَوْ قَبِلَ الرُّخْصَةَ فَأَخَذَ بِالْأَخَفِّ قُلْتُ وَمَعَ عَجْزِهِ وَتَمَنِّيهِ الْأَخْذَ بِالرُّخْصَةِ لَمْ يَتْرُكِ الْعَمَلَ بِمَا الْتَزَمَهُ بَلْ صَارَ يَتَعَاطَى فِيهِ نَوْعَ تَخْفِيفٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ حِينَ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ تِلْكَ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ فَيَقْوَى بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الرُّخْصَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَدَلَ بِهِ لكننى فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيره

(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ)
أَيْ هَلْ يُشْرَعُ أَوْ لَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْحُكْمِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو خُصَّ بِالْمَنْعِ لَمَّا اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَقْبَلِ حَالِهِ فَيُلْتَحَقُ بِهِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِسَرْدِ الصَّوْمِ وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى حُكْمِ الْجَوَازِ لِعُمُومِ التَّرْغِيبِ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ

[1976] قَوْلُهُ فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ لِمَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيُدْخِلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ وَيُفَوِّتُ بِهِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا سَيَأْتِي بَعْدُ إِذَا كَبِرَ وَعَجَزَ كَمَا اتَّفَقَ لَهُ سَوَاءٌ وَكَرِهَ أَنْ يُوَظِّفَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَةِ ثُمَّ يَعْجِزَ عَنْهُ فَيَتْرُكَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ ذَمِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فَصُمْ وَأَفْطِرْ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ مِنْ ذَلِكَ وَتَقْرِيرٌ لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إِذِ الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَوْلُهُ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا أَصْلُ التَّضْعِيفِ دُونَ التَّضْعِيفِ الْحَاصِلِ مِنَ الْفِعْلِ وَلَكِنْ يَصْدُقُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ مَجَازًا قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ صِيَامِ دَاوُدَ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ صَرِيحًا لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ

(4/220)


صِيَامُ دَاوُدَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ مُطْلَقًا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الصَّوْمِ مفضولة وَسَأَذْكُرُ بَسْطَ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ حَقِّ الْأَهْلِ فِي الصَّوْمِ)
رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي قِصَّةِ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَفِيهَا قَوْلُ سَلْمَانَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَبْلُ

[1977] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ الَّذِينَ أَكْثَرَ عَنْهُمْ وَرُبَّمَا رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ مَا فَاتَهُ مِنْهُ كَمَا فِي هَذَا الْمَوْضِع وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ النُّزُولَ مِنْ طَرِيقِهِ هَذِهِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ فِيهَا بِسَمَاع بن جريج لَهُ من عَطاء وَهُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ يَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ بَعْدَ بَابٍ قَوْلُهُ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ سَبَقَتْ تَسْمِيَةُ الَّذِي بَلَّغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك وَأَنه عَمْرو بن الْعَاصِ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ وَتُصَلِّي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن جُرَيْجٍ وَتُصَلِّي اللَّيْلَ فَلَا تَفْعَلْ قَوْلُهُ فَإِنَّ لِعَيْنَيْكَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ والْكُشْمِيهَنِيِّ لِعَيْنِكَ بِالْإِفْرَادِ قَوْلُهُ عَلَيْكَ حَظًّا كَذَا فِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةَ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَقًّا بِالْقَافِ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ التِّسْعَةِ قَوْلُهُ إِنِّي لَأَقْوَى لِذَلِكَ أَيْ لِسَرْدِ الصِّيَامِ دَائِمًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَوْلُهُ قَالَ وَكَيْفَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَوْلُهُ وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَإِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَلَمْ أَرَهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالْمَقَامِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ خَشْيَةُ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ فَيَكُونَ كَمَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ كَمَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى إِشَارَةٌ إِلَى حِكْمَةِ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُحَصَّلُ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ عَبْدَهُ بِالصَّوْمِ خَاصَّةً بَلْ تَعَبَّدَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَلَوِ اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ لَقَصَّرَ فِي غَيْرِهِ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَادُ فِيهِ لِيَسْتَبْقِيَ بَعْضَ الْقُوَّةِ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى لِأَنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّى بِالْفِطْرِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ قَالَ عَطَاءٌ أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ إِلَخْ أَيْ إِنَّ عَطَاءً لَمْ يَحْفَظْ كَيْفَ جَاءَ ذِكْرُ صِيَامِ الْأَبَدِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا أَنَّهُ حَفِظَ أَنَّ فِيهَا أَنَّهُ

(4/221)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَحْدَهَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ قَوْلُهُ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْنِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ عَطَاءٌ فَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ قَالَ بن التِّينِ اسْتُدِلَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ أَوْجُهٍ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الزِّيَادَةِ وَأَمْرُهُ بِأَنْ يَصُومَ وَيُفْطِرَ وَقَوْلُهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَدُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ صَامَ الْأَبَدَ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا صَامَ النَّفْيُ أَيْ مَا صَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا صدق وَلَا صلى وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمَعْنَى بِالنَّفْيِ أَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَشَذَّ بن حزم فَقَالَ يحرم وروى بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا يَصُومُ الدَّهْرَ فَأَتَاهُ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَجَعَلَ يَقُولُ كُلْ يَا دَهْرِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي نُعَيْمٍ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ لَوْ رَأَى هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ لَرَجَمُوهُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَضِيقُ عَلَيْهِ حَصْرًا لَهُ فِيهَا لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَمْلِهِ عَلَيْهَا وَرَغْبَتِهِ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ غَيْرَ سُنَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْهَا وَهَذَا يَقْتَضِي الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فَيَكُونُ حَرَامًا وَإِلَى الْكَرَاهَةِ مُطلقًا ذهب بن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ قَوْلُهُ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الدُّعَاءَ فياويح مَنْ أَصَابَهُ دُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْخَبَر فياويح مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ وَإِذَا لَمْ يَصُمْ شَرْعًا لَمْ يُكْتَبْ لَهُ الثَّوَابُ لِوُجُوبِ صِدْقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْهُ الصَّوْمَ وَقَدْ نَفَى عَنْهُ الْفَضْلَ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْفَضْلَ فِيمَا نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى جَوَازِ صِيَامِ الدَّهْرِ وَحَمَلُوا أَخْبَارَ النَّهْيِ عَلَى مَنْ صَامَهُ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيهِ مَا حرم صَوْمه كالعيدين وَهَذَا اخْتِيَار بن الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ مَا أُجِرَ وَلَا أَثِمَ وَمَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ صَوْمَ الدَّهْرِ إِلَّا الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ يَكُونُ قَدْ فَعَلَ مُسْتَحَبًّا وَحَرَامًا وَأَيْضًا فَإِنَّ أَيَّامَ التَّحْرِيمِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ شَرْعًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ وَأَيَّامِ الْحَيْضِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي السُّؤَالِ عِنْدَ مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا وَلَا يَصْلُحُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ الدَّهْرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفَوِّتْ فِيهِ حَقًّا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ قَالَ السُّبْكِيُّ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا كَرَاهَةَ صَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ فَوَّتَ حَقًّا وَلَمْ يُوَضِّحُوا هَلِ الْمُرَادُ الْحَقُّ الْوَاجِبُ أَوِ الْمَنْدُوبُ وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقًّا وَاجِبًا حَرُمَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقًّا مَنْدُوبًا أَوْلَى مِنَ الصِّيَامِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ يَقُومُ مقَامه فَلَا وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بن خُزَيْمَةَ فَتَرْجَمَ ذِكْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكُ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي مَضَى فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ فَحَمَلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ فِي حَقِّكَ فَيُلْتَحَقُ بِهِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُدْخِلُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ مَشَقَّةً أَوْ يُفَوِّتُ حَقًّا وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو عَنِ السَّرْدِ فَلَوْ كَانَ السَّرْدُ مُمْتَنِعًا لَبَيَّنَهُ لَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ

(4/222)


عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُؤَالَ حَمْزَةَ إِنَّمَا كَانَ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لَا عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَرْدِ الصِّيَامِ صَوْمُ الدَّهْرِ فَقَدْ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيُقَالُ لَا يُفْطِرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ الدَّهْرَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ السَّرْدِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ فَلَا يُدْخِلُهَا فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ أَيْ ضَيَّقَتْ عَنْهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ حَكَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ مُسَدِّدٍ وَحَكَى رَدَّهُ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ بن خُزَيْمَةَ سَأَلْتُ الْمُزَنِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ضُيِّقَتْ عَنْهُ فَلَا يَدْخُلُهَا وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ مَنِ ازْدَادَ لِلَّهِ عَمَلًا وَطَاعَةً ازْدَادَ عِنْدَ اللَّهِ رِفْعَةً وَعَلَتْهُ كَرَامَةٌ وَرَجَّحَ هَذَا التَّأْوِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ فَقَالُوا لَهُ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّائِمَ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا بِالْعِبَادَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ إِذَا ازْدَادَ الْعَبْدُ مِنْهُ ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ تَقَرُّبًا بَلْ رُبَّ عَمَلٍ صَالِحٍ إِذَا ازْدَادَ مِنْهُ ازْدَادَ بُعْدًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْأَوْلَى إِجْرَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَنْ فَوَّتَ حَقًّا وَاجِبًا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْوَعِيدُ وَلَا يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُزَنِيُّ وَمِنْ حَجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ وَقَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ قَالُوا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ مِمَّا شُبِّهَ بِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ فَضْلًا عَنِ اسْتِحْبَابِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ صِيَامُ جَمِيعِ السَّنَةِ فَلَا يَدُلُّ التَّشْبِيهُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ لِصَوْمِ الدَّهْرِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَوْ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ فَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَمَا كَانَ أَكْثَرَ أَجْرًا كَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا وَبَذْلِكَ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا وَقَيَّدَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصُومَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَأَنْ لَا يَرْغَبَ عَنِ السُّنَّةِ بِأَنْ يَجْعَلَ الصَّوْمَ حِجْرًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فالاستكثار مِنْهُ زِيَادَة فِي الْفضل وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ مُتَعَارِضَةُ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَمِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهَا فِي الْحَثِّ وَالْمَنْعِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَزِيَادَةُ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ يُعَارِضُهُ اقْتِضَاءُ الْعَادَةِ التَّقْصِيرَ فِي حُقُوقٍ أُخْرَى يُعَارِضُهَا الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ وَمِقْدَارُ الْفَائِتِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مِقْدَارِ الْحَاصِلِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَالْأَوْلَى التَّفْوِيضُ إِلَى حُكْمِ الشَّارِعِ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إِنَّهُ أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِيَامَ دَاوُدَ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بَلْ صَرِيحُهُ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا بِأَنَّ صِيَامَ الدَّهْرِ قَدْ يُفَوِّتُ بَعْضَ الْحُقُوقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِأَنَّ مَنِ اعْتَادَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ تَضْعُفُ شَهْوَتُهُ عَنِ الْأَكْلِ وَتَقِلُّ حَاجَتُهُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ نَهَارًا وَيَأْلَفُ تَنَاوَلَهُ فِي اللَّيْلِ بِحَيْثُ يَتَجَدَّدُ لَهُ طَبْعٌ زَائِدٌ بِخِلَافِ مِنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ فِطْرٍ إِلَى صَوْمٍ وَمِنْ صَوْمٍ إِلَى فِطْرٍ وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَشُقُّ الصِّيَامِ وَيَأْمَنُ مَعَ ذَلِكَ غَالِبًا مِنْ تَفْوِيتِ الْحُقُوقِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي حَقِّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى لِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْفِرَارِ ضَعْفَ الْجَسَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ يُنْهِكُهُ وَعَلَى ذَلِكَ يحمل قَول بن مَسْعُودٍ فِيمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّكَ لَتُقِلُّ الصِّيَامَ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنِ الْقِرَاءَة وَالْقِرَاءَة

(4/223)


أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ نَعَمْ إِنْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِالصِّيَامِ أَصْلًا وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي خُوطِبَ بِهَا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّهِ أَرْجَحَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بن خُزَيْمَةَ فَتَرْجَمَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ صِيَامَ دَاوُدَ إِنَّمَا كَانَ أَعْدَلَ الصِّيَامِ وَأَحَبَّهُ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يُؤَدِّي حَقَّ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَزَائِرِهِ أَيَّامَ فِطْرِهِ بِخِلَافِ مِنْ يُتَابِعُ الصَّوْمَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ وَعَلَى هَذَا فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَمَنْ يَقْتَضِي حَالُهُ الْإِكْثَارَ مِنَ الصَّوْمِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ يَقْتَضِي حَالُهُ الْإِكْثَارَ مِنَ الْإِفْطَارِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ يَقْتَضِي حَالُهُ الْمَزْجَ فَعَلَهُ حَتَّى إِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ فِي ذَلِكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْغَزَالِيُّ أَخِيرًا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ مُطَوَّلًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هُنَاكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ الزِّيَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالصيام قَرِيبا

(4/224)


(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ وَجْهَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْتُ مُحَصَّلَ فَوَائِدِهِمَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّيَامِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَفْرَدَ تَرْجَمَةَ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ بِالذِّكْرِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ وَأَفْرَدَ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام بِالذِّكْرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّاعِرَ بِصَدَدِ أَنْ يُتَّهَمَ فِي حَدِيثِهِ لِمَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَتُهُ مِنْ سُلُوكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِطْرَاءِ وَغَيْرِهِ فَأَخْبَرَ الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ شَاعِرًا كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي حَدِيثِهِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِهِ يَحْتَمِلُ مَرْوِيَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَيَحْتَمِلُ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَلْيَقُ وَإِلَّا لَكَانَ مَرْغُوبًا عَنْهُ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَخْرَجَ الصَّحِيحَ وَأَفْصَحَ بِتَوْثِيقِهِ أَحْمد وبن مَعِينٍ وَآخَرُونَ وَلَيْسَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْجِهَادِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغَازِي وَأَعَادَهُمَا مَعًا فِي الْأَدَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَابِ فِي التَّهَجُّدِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ وَنَفِهَتْ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَعِبَتْ وَكَلَّتْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ نثهت بِالْمُثَلثَةِ بدل الْفَاء وَقد استغربها بن التِّينِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ مَعْنَاهَا قُلْتُ وَكَأَنَّهَا أُبْدِلَتْ مِنَ الْفَاءِ فَإِنَّهَا تُبْدَلُ مِنْهَا كَثِيرًا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَدَلَهَا وَنَهَكَتْ أَيْ هَزَلَتْ وَضَعُفَتْ قَوْلُهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَيْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ أَيْ بِالتَّضْعِيفِ كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ هُوَ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدٌ وَقِيلَ زِيَادُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذْلِيُّ لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَلَيْسَ لِأَبِي الْمَلِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَعَادَهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَآخَرُ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَوْلُهُ دَخَلْتَ مَعَ أَبِيكَ وَقَعَ فِي الِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَبِيكَ زَيْدٍ وَهُوَ وَالِدُ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ عَامِرٍ الْجَرْمِيِّ قَوْلُهُ فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ شَكٌّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَهُ إِلَى بَيْتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِقَاءَهُ إِيَّاهُ كَانَ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ الِاسْتِئْثَارِ عَلَى جَلِيسِهِ وَفِي كَوْنِ الْوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضِّيقِ إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَشْرَفُ مِنْهَا لَأَكْرَمَ بِهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ خَمْسًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ خَمْسَةً وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي فَمَنْ قَالَ خَمْسَةً أَرَادَ الْأَيَّامَ وَمَنْ قَالَ خَمْسًا أَرَادَ اللَّيَالِيَ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ قَوْلُهُ قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُهُ شَطْرُ الدَّهْرِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ صَوْمِ دَاوُدَ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ وَيَجُوزُ فِيهِ الْحَرَكَاتُ أَيْضًا وَفِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ هُنَا وَفِي أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ بَيَانُ رِفْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَا يُصْلِحُهُمْ وَحَثُّهُ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَنَهْيُهُمْ عَنِ التَّعَمُّقِ فِي الْعِبَادَةِ لِمَا يُخْشَى مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى الْمَلَلِ الْمُفْضِي إِلَى التَّرْكِ أَوْ تَرْكِ الْبَعْضِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا لَازَمُوا الْعِبَادَةَ ثُمَّ فَرَّطُوا فِيهَا وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى الدَّوَامِ عَلَى مَا وَظَّفَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَوْرَادِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الرِّيَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ

(4/225)


عَلَى الْتِزَامِ الْعِبَادَةِ وَفَائِدَتُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْيَمِينِ عَلَى النَّشَاطِ لَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهَا وَأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْحَقُهَا بِالنَّذْرِ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَأَنَّ النَّفْلَ الْمُطْلَقَ لَا يَنْبَغِي تَحْدِيدُهُ بَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَفِيهِ أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدِ لَا تَجِبُ فِي تَرْكِ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا احْتَاجَ عَمْرٌو إِلَى شَكْوَى وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ طَاعَتِهِ لِأَبِيهِ وَفِيهِ زِيَارَةُ الْفَاضِلِ لِلْمَفْضُولِ فِي بَيْتِهِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ بِإِلْقَاءِ الْفُرُشِ وَنَحْوِهَا تَحْتَهُ وَتَوَاضُعُ الزَّائِرِ بِجُلُوسِهِ دُونَ مَا يُفْرَشُ لَهُ وَأَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيل التَّوَاضُع وَالْإِكْرَام للمزور

(قَوْلُهُ بَابُ صِيَامِ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ إِلَخْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبِيضِ اللَّيَالِي وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْقَمَرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ حَتَّى قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ مَنْ قَالَ الْأَيَّامَ الْبِيضَ فَجَعَلَ الْبِيضَ صِفَةَ الْأَيَّامِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْيَوْم الْكَامِلَ هُوَ النَّهَارُ بِلَيْلَتِهِ وَلَيْسَ فِي الشَّهْرِ يَوْمٌ أَبْيَضُ كُلُّهُ إِلَّا هَذِهِ الْأَيَّامُ لِأَنَّ لَيْلَهَا أَبْيَضُ وَنَهَارَهَا أَبْيَضُ فَصَحَّ قَوْلُ الْأَيَّامِ الْبيض على الْوَصْف وَحكى بن بَزِيزَةَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِيضًا أَقْوَالًا أُخَرَ مُسْتَنِدَةً إِلَى أَقْوَال واهية قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وبن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبِيضُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذُكِرَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِيمَاءِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ قَدْ شَوَاهَا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَأَمْسَكَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ فَقَالَ إِنِّي أَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ إِنْ كُنْتَ صَائِمًا فَصُمِ الْغُرَّ أَيِ الْبِيضَ وَهَذَا الْحَدِيثُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنْ كُنْتَ صَائِمًا فَصُمِ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ وَجَاءَ تَقْيِيدُهَا أَيْضًا فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ وَيُقَالُ بن مِنْهَالٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ وَقَالَ هِيَ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيَّامُ الْبِيضِ صَبِيحَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ وَصِيَّةَ أَبِي هُرَيْرَةَ بذلك لَا تخْتَص بِهِ وأماما رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَة من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غُرَّةَ كُلِّ شَهْرٍ وَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ وَالِاثْنَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَمَا قَبْلَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم

(4/226)


مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَ قَالَ فَكُلُّ مَنْ رَآهُ فَعَلَ نَوْعًا ذَكَرَهُ وَعَائِشَةُ رَأَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فَأَطْلَقَتْ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَوَصَّى بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا هُوَ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَتَتَرَجَّحُ الْبِيضُ بِكَوْنِهَا وَسَطَ الشَّهْرِ وَوَسَطُ الشَّيْءِ أَعْدَلُهُ وَلِأَنَّ الْكُسُوفَ غَالِبًا يَقَعُ فِيهَا وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِمَزِيدِ الْعِبَادَةِ إِذَا وَقَعَ فَإِذَا اتَّفَقَ الْكُسُوفُ صَادَفَ الَّذِي يَعْتَادُ صِيَامَ الْبِيضِ صَائِمًا فَيَتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَصُمْهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ اسْتِدْرَاكُ صِيَامِهَا وَلَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ صِيَامَ التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا إِنْ صَادَفَ الْكُسُوفَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ صِيَامَ الثَّلَاثَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الْمَوَانِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصُومُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَهُ وَجْهٌ فِي النَّظَرِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَيْثَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ وَمِنَ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَهُوَ أَشْبَهُ وَكَأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ غَالِبَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ بِالصِّيَامِ وَاخْتَارَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنْ يَصُومَهَا آخِرَ الشَّهْرِ لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْأَمْرِ بِصِيَامِ سِرَارِ الشَّهْرِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مُسْتَحَبٌّ فَإِنِ اتَّفَقَتْ أَيَّامُ الْبِيضِ كَانَ أَحَبَّ وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا أَنَّ اسْتِحْبَابَ صِيَامِ الْبِيضِ غَيْرُ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ

[1981] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ أَبُو عُثْمَانَ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ مَوْصُولٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ النَّهْدِيِّ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا وَآخَرَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ فِيهِ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِهِ وَمِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهَا مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي خَلِيلِي قَالَ فِي أَفْرَادِهِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِهِ وَفِي قَوْلِهِ خَلِيلِي إِشَارَةٌ إِلَى مُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي إِيثَارِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَبَرَ عَلَى الْجُوعِ فِي مُلَازَمَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِهِ حَيْثُ قَالَ أَمَّا إِخْوَانِي فَكَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَابَهُ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِيثَارِهِ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالْعُبُودِيَّةَ عَلَى الْمُلْكِ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الِافْتِخَارُ بِصُحْبَةِ الْأَكَابِرِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَاصِلُ الْخِلَافِ فِي تَعْيِينِ الْبِيضِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يُكْرَهُ تَعْيِينُهَا وَهَذَا عَنْ مَالِكٍ الثَّانِي أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشَّهْرِ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الثَّالِثُ أَوَّلُهَا الثَّانِي عَشَرَ الرَّابِعُ أَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ الْخَامِسُ أَوَّلُهَا أَوَّلُ سَبْتٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الثُّلَاثَاءِ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ السَّادِسُ أَوَّلُ خَمِيسٍ ثُمَّ اثْنَيْنِ ثُمَّ خَمِيسٍ السَّابِعُ أَوَّلُ اثْنَيْنِ ثُمَّ خَمِيسٍ ثُمَّ اثْنَيْنِ الثَّامِنُ أَوَّلُ يَوْمٍ وَالْعَاشِرُ وَالْعِشْرُونَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء التَّاسِع أول كل عشر عَن بن شَعْبَانَ الْمَالِكِيِّ قُلْتُ بَقِيَ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ آخَرُ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشَّهْرِ عَنِ النَّخَعِيِّ فَتَمَّتْ عشرَة

(4/227)


(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ)
أَيْ فِي التَّطَوُّعِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُقَابِلُ التَّرْجَمَةَ الْمَاضِيَةَ وَهِيَ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لَيُفْطِرُ فِي التَّطَوُّعِ وَمَوْقِعُهَا أَنْ لَا يَظُنَّ أَنَّ فِطْرَ الْمَرْءِ مِنْ صِيَامِ التَّطَوُّعِ لِتَطْيِيبِ خَاطِرِ أَخِيهِ حَتْمٌ عَلَيْهِ بَلِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَمَتَى عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى صَوْمِهِ

[1982] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي خَالِد هُوَ بن الْحَارِثِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَبَيَانُ اسْمِ أَبِيهِ مِنَ الْمُصَنِّفِ كَأَنَّ شَيْخَهُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ فَقَطْ فَأَرَادَ بِالْبَيَانِ رَفْعَ الْإِبْهَامِ لَاشْتَرَاكِ مَنْ يُسَمَّى خَالِدًا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ حُمَيْدٍ مِمَّنْ يُمْكِنُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَثْنَى أَنْ يُرْوَى عَنْهُ وَلَمْ يَطَّرِدْ لِلْمُصَنِّفِ هَذَا فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ وَلِمَشَايِخِهِ مِثْلُ هَذَا الْإِبْهَامِ وَلَا يَعْتَنِي بِبَيَانِهِ وَرِجَالُ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ هِيَ وَالِدَةُ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَوَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ لَكِنْ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا كَانَتَا مُجْتَمَعَتَيْنِ قَوْلُهُ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الضِّيَافَةِ وَفِي قَوْلِهِ أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ ذَائِبًا وَلَيْسَ بِلَازِمٍ قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غير الْمَكْتُوبَة فِي رِوَايَة أَحْمد عَن بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَكَأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ غَيْرُ الْقِصَّةِ الْمَاضِيَةِ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا عَلَى الْحَصِيرِ وَأَقَامَ أَنَسًا خَلْفَهُ وَأُمَّ سُلَيْمٍ مِنْ وَرَائِهِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ نَحْوُهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَأَقَامَ أُمَّ حَرَامٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ لِأَنَّ الْقِصَّةَ الْمَاضِيَةَ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِأُمِّ حَرَامٍ وَيَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ أَيْضًا أَنَّهُ هُنَا لَمْ يَأْكُلْ وَهُنَاكَ أَكَلَ قَوْلُهُ إِنَّ لِي خُوَيْصَةً بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَبِتَخْفِيفِهَا تَصْغِيرُ خَاصَّةٍ وَهُوَ مِمَّا اغْتُفِرَ فِيهِ الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ وَقَوْلُهُ خَادِمُكَ أَنَسٌ هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَطْلُبُ مِنْكَ الدُّعَاءَ لَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ إِنَّ لِي خُوَيْصَةً خُوَيْدِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قَوْلُهُ خَيْرَ آخِرَةٍ أَيْ خَيْرًا مِنْ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ إِلَّا دَعَا لِي بِهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا كَذَا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ إِلَّا دَعَا لي

(4/228)


بِهِ وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إِلَخْ قَوْلُهُ وَبَارِكْ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالْإِفْرَادِ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ وَلِأَحْمَدَ فِيهِمْ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى وَيَأْتِي فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ وَكَانَ آخِرُ مَا دَعَا لِي أَنْ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّصْرِيحُ بِمَا دَعَا لَهُ مِنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ اخْتَصَرَهُ وَوَقَعَ لِمُسْلِمِ فِي رِوَايَةِ الْجَعْدِ عَنْ أَنَسٍ فَدَعَا لِي بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَهِيَ الْمَغْفِرَةُ كَمَا بَيَّنَهَا سِنَانُ بن ربيعَة بِزِيَادَة وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَطِلْ عُمُرَهُ وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ قَوْلُهُ فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا زَاد أَحْمد فِي رِوَايَة بن أَبِي عَدِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً غَيْرَ خَاتَمِهِ يَعْنِي أَنَّ مَالَهُ كَانَ من غير النَّقْدَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ أَنَسٌ وَمَا أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَكْثَرَ مِنِّي مَالًا قَالَ يَا ثَابِتُ وَمَا أَمْلِكُ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا خَاتَمِي وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلَدَةَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ كَانَ لِأَنَسٍ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ فِيهِ رَيْحَانُ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَإِنَّ أَرْضِي لَتُثْمِرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَمَا فِي الْبَلَدِ شَيْءٌ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ غَيْرُهَا قَوْلُهُ وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ بِالنُّونِ تَصْغِيرُ آمِنَةَ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي أَيْ مِنْ وَلَدِهِ دُونَ أَسْبَاطِهِ وَأَحْفَادِهِ قَوْلُهُ مَقْدَمَ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ أَوَّلِ مَا مَاتَ لِي مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَى أَنْ قَدِمَهَا الْحَجَّاجُ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة بن أَبِي عَدِيٍّ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَتَهُ الْكُبْرَى أُمَيْنَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِهِ إِلَى مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ وَكَانَ قُدُومُ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَعُمُرُ أَنَسٍ حِينَئِذٍ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَقَدْ عَاشَ أَنَسٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَيُقَالُ اثْنَتَيْنِ وَيُقَالُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقَدْ قَارَبَ الْمِائَةَ قَوْلُهُ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ فِي رِوَايَة بن أَبِي عَدِيٍّ نَيِّفٌ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ وَهُوَ عِنْدَ الْخَطِيبِ فِي رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ وَلَقَدْ دَفَنْتُ مِنْ صُلْبِي سِوَى وَلَدِ وَلَدِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَمِائَةً وَفِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ قَالَ دَفَنْتُ مِائَةً لاسقطا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ سَبَبُ الْعُدُولِ إِلَى الْبِضْعِ وَالنَّيِّفِ وَفِي ذِكْرِ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مَا جَاءَهُ مِنَ الْوَلَدِ فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي مَاتَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الَّذِينَ بَقُوا فَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ التَّصْغِيرِ عَلَى مَعْنَى التَّلَطُّفِ لَا التَّحْقِيرِ وَتُحْفَةُ الزَّائِرِ بِمَا حَضَرَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَجَوَازُ رَدِّ الْهَدِيَّةِ إِذَا لَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُهْدِي وَأَنَّ أَخْذَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ مِنَ الْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ وَفِيهِ حِفْظُ الطَّعَامِ وَتَرْكُ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَجَبْرُ خَاطِرِ الْمُزَوِّرِ إِذَا لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَمَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَمَامَ طَلَبِ الْحَاجَةِ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْخَيْرَ الْأُخْرَوِيَّ وَإِنْ فَضْلَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَفِيهِ زِيَارَةُ الْإِمَامِ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ وَدُخُولُ بَيْتِ الرَّجُلِ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي طُرُقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ حَاضِرًا وَفِيهِ إِيثَارُ الْوَلَدِ عَلَى النَّفْسِ وَحُسْنُ التَّلَطُّفِ فِي السُّؤَالِ وَأَن كَثْرَة الْمَوْت فِي الْأَوْلَاد لاينافى إِجَابَةَ الدُّعَاءِ بِطَلَبِ كَثْرَتِهِمْ وَلَا طَلَبِ الْبَرَكَةِ فِيهِمْ لِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْمُصِيبَةِ بِمَوْتِهِمْ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ وَفِيهِ التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ

(4/229)


اللَّهِ تَعَالَى وَبِمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ مِنَ الْأَمْرِ النَّادِرِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ كَثْرَةِ الْمَالِ مَعَ كَثْرَةِ الْوَلَدِ وَكَوْنُ بُسْتَانِ الْمَدْعُوِّ لَهُ صَارَ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ التَّأْرِيخُ بِالْأَمْرِ الشَّهِيرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى صَلَاحِ الْمُؤَرَّخِ بِهِ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْبُضْعِ فِيمَا زَادَ عَلَى عَقْدِ الْعُشْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ على مَا قبل الْعشْرين قَوْله قَالَ بن أَبِي مَرْيَمَ هُوَ سَعِيدٌ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ بَيَانُ سَمَاعِ حُمَيْدٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَسٍ لِمَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ حُمَيْدًا كَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ أَنَسٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ كَرِيمَة والأصيلي فِي هَذَا الْموضع حَدثنَا بن أبي مَرْيَم فَيكون مَوْصُولا

(قَوْلُهُ بَابُ الصَّوْمِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَطْلَقَ الشَّهْرَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهْرٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ شَعْبَانُ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِشَعْبَانَ بَلْ يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى صِيَامِ أَوَاخِرِ كُلِّ شَهْرٍ لِيَكُونَ عَادَةً لِلْمُكَلَّفِ فَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِقَوْلِهِ فِيهِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ

[1983] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ وَأَضَافَ إِلَيْهِ رِوَايَةَ أَبِي النُّعْمَانِ وَهُوَ عَارِمٌ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ تَصْرِيحِ مَهْدِيٍّ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ غَيْلَانَ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ عَنْ مطرف هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَوْلُهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ هَذَا شَكٌّ مِنْ مُطَرِّفٍ فَإِنَّ ثَابِتًا رَوَاهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ عَلَى الشَّكِّ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ مُطَرِّفٍ بِدُونِ شَكٍّ عَلَى الْإِبْهَامِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِهِ قَالَ لِعِمْرَانَ بِغَيْرِ شَكٍّ قَوْلُهُ يَا فُلَانُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَا أَبَا فُلَانٍ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ قَوْلُهُ أَمَا صُمْتَ سُرَرَ هَذَا الشَّهْرِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ مَهْدِيٍّ سُرِّهِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَاءٌ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ قُرْقُولٍ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ انْتَهَى وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ يَاسِرٍ الْجَيَّانِيِّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ كَبَاقِي الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا قَالَ لَا قَوْلُهُ قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ هَذَا الظَّنُّ مِنْ أَبِي النُّعْمَانِ لِتَصْرِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّلْتِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَبِي النُّعْمَانِ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَقَلَ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ شَعْبَانَ أَصَحُّ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذِكْرُ رَمَضَانَ هُنَا وَهَمٌ لِأَنَّ رَمَضَانَ يَتَعَيَّنُ صَوْمُ جَمِيعه وَكَذَا قَالَ الدَّاودِيّ وبن الْجَوْزِيّ وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من طَرِيق بن أَخِي مُطَرِّفٍ عَنْ

(4/230)


مُطَرِّفٍ بِلَفْظِ هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا يَعْنِي شَعْبَانَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ هُدْبَةَ وَلَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ وَلَا قُطْرِ بْنِ حَمَّادٍ وَلَا عَفَّانَ وَلَا عَبْدِ الصَّمَدِ وَلَا غَيْرِهِمْ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَلَا فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ رَمَضَانَ فِي قَوْلِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ ظَرْفًا لِلْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِصِيَامِ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ فَإِنَّ فِيهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ ثَابِتٌ إِلَخْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْهُ كَذَلِكَ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَشَعْبَانُ أَصَحُّ والسرر بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَضَمُّهَا جَمْعُ سُرَّةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا سَرَارٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ وَرَجَّحَ الْفَرَّاءُ الْفَتْحَ وَهُوَ مِنَ الِاسْتِسْرَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِالسُّرَرِ هُنَا آخِرُ الشَّهْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهَا وَهِيَ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ سُرَرُهُ أَوَّلُهُ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كَالْجُمْهُورِ وَقِيلَ السُّرَرُ وَسَطُ الشَّهْرِ حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ السُّرَرَ جَمْعُ سُرَّةٍ وَسُرَّةُ الشَّيْءِ وَسَطُهُ وَيُؤَيِّدُهُ النَّدْبُ إِلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ نَدْبٌ بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَهُوَ آخِرُ شَعْبَانَ لِمَنْ صَامَهُ لِأَجْلِ رَمَضَانَ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَفْرَدَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سُرَّةُ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَأَرْدَفَ بِهَا الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْحَضُّ عَلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ فِي جَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ سُرَّةٌ بَلْ هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهَيْنِ بِلَفْظِ سِرَارٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي بَعْضِهَا سُرَرٌ وَفِي بَعْضِهَا سِرَارٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ آخِرُ الشَّهْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ سُؤَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالُ زَجْرٍ وَإِنْكَارٍ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُسْتَقْبَلَ الشَّهْرُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ وَأَنْ يَقْضِي ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ انْتَهَى وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ سُؤَالُ إِنْكَارٍ فِيهِ تَكَلُّفٌ وَيَدْفَعُ فِي صَدْرِهِ قَوْلُ الْمَسْئُولِ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ كَانَ سُؤَالَ إِنْكَارٍ لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَامَ والْفَرْضُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَصُمْ فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ كَانَتْ لَهُ عَادَةً بِصِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَمَّا سَمِعَ نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ الِاسْتِثْنَاءُ تَرَكَ صِيَامَ مَا كَانَ اعْتَادَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ بِقَضَائِهَا لِتَسْتَمِرَّ مُحَافَظَتُهُ عَلَى مَا وَظَّفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحبه كَمَا تقدم وَقَالَ بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا جَرَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لِكَلَامٍ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا اه وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْمَأْخَذِ وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَقْصِدُ بِهِ التَّحَرِّيَ لِأَجْلِ رَمَضَانَ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ اعْتَادَهُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ إِلَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ وَأَشَارَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لِمَنْ حَمَلَ سُرَرَ الشَّهْرِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ آخِرُ الشَّهْرِ الْفِرَارُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَالَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ حَمْلًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ عَلَى مُلَازَمَةِ عَادَةِ الْخَيْرِ حَتَّى لَا يُقْطَعُ قَالَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضِيلَةِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ وَأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْهُ يَعْدِلُ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فِي غَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ يَعْنِي مَكَانَ الْيَوْمِ الَّذِي فَوَّتَّهُ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ قُلْتُ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَت عَادَتْ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ أَنْ

(4/231)


يَصُومَ مِنْ شَعْبَانَ يَوْمًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَقَوْلُهُ هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهُ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ نَعَمْ وَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ فَصُمْ مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَضَاءُ الْفَرْضِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى خِلَافًا لمن منع ذَلِك

(قَوْله بَاب صَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَإِذا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ)
كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ زِيَادَةٌ هُنَا وَهِيَ يَعْنِي إِذَا لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْفَرَبْرِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَيَبْعُدُ أَنْ يُعَبِّرَ الْبُخَارِيُّ عَمَّا يَقُولُهُ بِلَفْظِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لَقَالَ أَعْنِي بَلْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَصْلًا وَرَأْسًا وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ إِطْلَاقِ التَّرْجَمَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ آخِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِذْ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّقْيِيدِ وَثَالِثُهَا حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ وَهُوَ أَظْهَرُهَا فِي ذَلِك

[1984] قَوْله عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شيبَة أَي بن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجْبِيُّ فِي رِوَايَةِ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو قُرَّةَ فِي السّنَن عَن بن جُرَيْجٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنهُ وَكَانَ بن جُرَيْجٍ رُبَّمَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الْحَمِيدِ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِمَا وَكَذَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَزَادَ فُضَيْلَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق النَّضر بن شُمَيْل كلهم عَن بن جُرَيْجٍ وَأَوْمَأَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ نَظَرًا فَإِنَّهُ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ فَذَكَرَ إِسْنَادَهُ قَالَ وَقَدْ رُوِّيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ كَمَا قَالَ يَحْيَى ثُمَّ سَاقَهُ كَذَلِكَ قَالَ وَقد رَوَاهُ أَبُو سعد الصغاني عَن بن جُرَيْجٍ كَمَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَأَبُو سَعْدٍ لَيْسَ كَهَؤُلَاءِ يَعْنِي الْقَطَّانَ وَمَنْ تَابَعَهُ قُلْتُ وَلَمْ

(4/232)


يُصِبِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ مُسْتَقِيمَةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ فِي سُنَنِهِ فَأَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُوسَى كَمَا أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لَهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ خُوَيْلِدِ عَنْ أبي عَاصِم كَذَلِك وبن جُرَيْجٍ كَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ وَلِهَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَصَّرَ فِي إِسْنَادِهِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ لَقِيَ مُحَمَّدًا فَسَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَاسْتَثْبَتَ فِيهِ مِنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فِي الْمَتْنِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو سَعْدٍ بِمُتَابَعَةِ أَبِي عَاصِمٍ عَلَى ذِكْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَلْ تَابَعَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو قُرَّةَ وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِإِسْقَاطِهِ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَذْكُورُ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ رَوَى عَنْ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ وَهِيَ مِنْ صغَار الصَّحَابَة وَوَثَّقَهُ بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ هَذَا وَآخَرُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَآخَرُ فِي الْأَدَبِ قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عباد فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادٍ أَخْبَرَهُ وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ مَكِّيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ فَهُوَ بَصْرِيٌّ وَالصَّحَابِيَّ فَهُوَ مَدَنِيٌّ وَقَدْ أَقَامَا بِمَكَّةَ زَمَانًا قَوْلُهُ سَأَلْتُ جَابِرًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَزَادُوا أَيْضًا فِي آخِرِهِ قَالَ نَعَمْ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَعَزَاهَا صَاحِبُ الْعُمْدَةِ لِمُسْلِمٍ فَوَهَمَ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَإِضَافَةُ الرُّبُوبِيَّةِ إِلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمُعَظَّمَةِ تَنْوِيهًا بتعظيمها وَفِيه الِاكْتِفَاء فِي الْجَواب بنعم مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَمْرِ الْمُفَسَّرِ بِهَا قَوْلُهُ زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ وَالْغَيْرُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِالزِّيَادَةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ يَحْيَى أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ يَنْفَرِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ قَالَ إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَلَفْظُ حَفْصٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا وَلَفْظُ النَّضْرِ أَنَّ جَابِرًا سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفرد

[1985] قَوْله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَصُومَنَّ بِلَفْظِ النَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ قَوْلُهُ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ لِأَنَّ يَوْمًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ تَقْدِيرُهُ إِلَّا بِيَوْمٍ قَبْلَهُ وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحِبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَشْكَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق عَوْف عَن بن سِيرِينَ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَوْبَرِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ الَّذِي تَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثًا لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَصُوم

(4/233)


أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ إِلَّا فِي أَيَّامٍ مَعَهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ هُوَ أَحَدُهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّدُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِالْإِفْرَادِ وَيُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُومُ أَيَّامَ الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ مثلا أَو يَوْم شِفَاء فلَان الحَدِيث الثَّالِث

[1986] قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ لَمْ يُنْسَبْ مُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْقَاضِي فِي الصِّيَامِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ وَوَافَقَهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ فىروايته عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْعَتَكِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ نِسْبَةً إِلَى بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمَرَاغِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ ثُمَّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَهَمَّامٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ وَلَيْسَ لِجُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَتِهَا سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ وَاتَّفَقَ شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ وَخَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَقَالَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى جُوَيْرِيَةَ فَذَكَرَهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالرَّاجِحُ طَرِيقُ شُعْبَةَ لِمُتَابَعَةِ هَمَّامٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَهُ وَكَذَا حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ طَرِيقُ سَعِيدٍ مَحْفُوظَةً أَيْضًا فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْضًا لَكِنْ أَرْسَلَهُ قَوْلُهُ أَفْطِرِي زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ إِذًا قَوْلُهُ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي جَمْعِ حَدِيثِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ وَحَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ فِيهِ لِينٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَاسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْعِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وبن الْمُنْذِرِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ بن الْمُنْذِرِ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَزَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأَمْرَ بِفِطْرِ مَنْ أَرَادَ إِفْرَادَهُ بِالصَّوْمِ فَهَذَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى بِتَحْرِيمِهِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَنَقَلَ بن الْمُنْذر وبن حَزْمٍ مَنْعَ صَوْمِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وسلمان وَأبي ذَر قَالَ بن حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ لَعَلَّ النَّهْيَ مَا بَلَغَ مَالِكًا وَزَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّ كَلَامَ مَالِكٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ إِفْرَادِهِ لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَصَّ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ بِالْعِبَادَةِ فَيَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَعَابَ بن الْعَرَبِيِّ قَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْهُمْ يَوْمٌ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَحْدَهُ لِكَوْنِهِ قِيَاسًا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ فِطْرَهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يَصُومهَا وَلَا يُضَادُّ ذَلِكَ كَرَاهَةَ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ مِنَ الْخَصَائِصِ

(4/234)


وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِلَّا لِمَنْ أَضْعَفَهُ صَوْمُهُ عَنِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ إِفْرَادِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ عِيدٍ وَالْعِيدُ لَا يُصَامُ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ مَعَ الْإِذْن بصيامه مَعَ غَيره وَأجَاب بن الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِيدِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِوَاءَهُ مَعَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَمَنْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ انْتَفَتْ عَنْهُ صُورَةُ التَّحَرِّي بِالصَّوْمِ ثَانِيهَا لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَتُعُقِّبَ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعَ صَوْمِ غَيره مَعَه وَأجَاب بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفَضِيلَةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ جَبْرُ مَا يَحْصُلُ يَوْمَ صَوْمِهِ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْجُبْرَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصَّوْمِ بَلْ يَحْصُلُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ إِفْرَادِهِ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا يَقُومُ مَقَامَ صِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمِنْ أَعْتَقَ فِيهِ رَقَبَةً مَثَلًا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَكَأَنَّ النَّهْيَ يخْتَص بِمن يخْشَى عَلَيْهِ الضعْف لامن يَتَحَقَّقُ الْقُوَّةَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَظِنَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ كَمَا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ثَالِثُهَا خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ فَيُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا افْتُتِنَ الْيَهُودُ بِالسَّبْتِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِثُبُوتِ تَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ وَأَيْضًا فَالْيَهُودُ لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ بِالصِّيَامِ فَلَوْ كَانَ الْمَلْحُوظُ تَرْكَ مُوَافَقَتِهِمْ لتحتم صَوْمه لأَنهم لَا يَصُومُونَهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُوم من الْأَيَّامِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ رَابِعُهَا خَوْفُ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِصَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِيهِمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ خَامِسُهَا خَشْيَةُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا خَشِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيَامِهِمُ اللَّيْلَ ذَلِكَ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِإِجَازَةِ صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ وَبِأَنِّهِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِارْتِفَاعِ السَّبَبِ لَكِنَّ الْمُهَلَّبَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ سَادِسُهَا مُخَالَفَةُ النَّصَارَى لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَوْمُهُ وَنَحْنُ مأمورون بمخالفتهم نَقله الْقَمُولِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ أَوَّلُهَا وَوَرَدَ فِيهِ صَرِيحًا حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ لُدَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَالثَّانِي رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوِّعًا مِنَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَلَا يَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْم طَعَام وشراب وَذكر

(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يَخُصُّ)
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيِ الْمُكَلَّفُ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ يُخَصُّ شَيْءٌ بِضَمِّ أَوَّلِ يُخَصُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ شَيْءٌ مِنَ الْأَيَّامِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إِدَامَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِبَادَةَ وَمُوَاظَبَتَهُ عَلَى وَظَائِفِهَا وَيُعَارِضُهُ مَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ نَفْسِهَا مِمَّا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُدَاوَمَةِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(4/235)


مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ جَمِيعًا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ قَرِيبًا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فَأَبْقَى التَّرْجَمَةَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ أَوْ يَتَبَيَّنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً مَعْنَاهُ أَنَّ اخْتِلَافَ حَالِهِ فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّوْمِ ثُمَّ مِنَ الْفِطْرِ كَانَ مُسْتَدَامًا مُسْتَمِرًّا وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَظِّفُ عَلَى نَفْسِهِ الْعِبَادَةَ فَرُبَّمَا شَغَلَهُ عَنْ بَعْضِهَا شَاغِلٌ فَيَقْضِيهَا عَلَى التَّوَالِي فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَقَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً مُنَزَّلٌ عَلَى التَّوْظِيفِ وَقَوْلُهَا كَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُنَزَّلٌ عَلَى الْحَالِ الثَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْصِدُ نَفْلًا ابْتِدَاءً فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَيَصُومُهُ بَلْ إِذَا صَامَ يَوْمًا بِعَيْنِهِ كَالْخَمِيسِ مَثَلًا دَاوَمَ عَلَى صَوْمِهِ

[1987] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَمَنْصُورٌ هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَعَلْقَمَةُ خَالُهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا يُعَدُّ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ قَوْلُهُ هَلْ كَانَ يَخْتَصُّ مِنَ الْأَيَّامِ شَيْئًا قَالَتْ لَا قَالَ بن التِّينِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ تَحَرِّي صِيَامِ يَوْمٍ مِنَ الْأُسْبُوعِ وَأَجَابَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أَيَّامًا وَأَمَّا مَا وَرَدَ تَخْصِيصُهُ مِنَ الْأَيَّامِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّمَا خُصِّصَ لِأَمْرٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَجَمِيعِ مَا عُيِّنَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَإِنَّمَا سَأَلَ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمٍ لِكَوْنِهِ مَثَلًا يَوْمَ السَّبْتِ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمَا أَحَادِيثُ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَلِهَذَا أَبْقَى التَّرْجَمَةَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنْ ثَبَتَ فِيهِمَا مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُمَا اسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِ عَائِشَةَ لَا قُلْتُ وَرَدَ فِي صِيَامِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الْجَرْشِيِّ عَنْهَا وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَحَدِيثُ أُسَامَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ فَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَكَأَنَّ السَّائِلُ لَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرَغِبَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ أَيَّامَ الْبِيضِ سَأَلَ عَائِشَةَ هَلْ كَانَ يَخُصُّهَا بِالْبِيضِ فَقَالَتْ لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً تَعْنِي لَوْ جَعَلَهَا الْبِيضَ لَتَعَيَّنَتْ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ دَائِمًا لَكِنْ أَرَادَ التَّوَسُّعَةَ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا فَكَانَ لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَهَا كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ صِيَامِ الْبِيضِ وَأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَ وَقد أورد بن حِبَّانَ حَدِيثَ الْبَابِ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ فِي صِيَامِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَحَدِيثَهَا كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا تَعَارُضًا وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ فتح الله بذلك فَضله قَوْلُهُ يَخْتَصُّ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فِي الرِّقَاقِ يَخُصُّ بِغَيْرِ مُثَنَّاةٍ قَوْلُهُ دِيمَةً بِكَسْر أَوله وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة أَي دَائِما قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدِّيمَةُ مَطَرٌ يَدُومُ أَيَّامًا ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَسْتَمِرُّ قَوْلُهُ وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ يَسْتَطِيعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْمعْنَى مُتَقَارب

(4/236)


(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ وَكَأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّرْغِيبِ فِي صَوْمِهِ عَلَى شَرْطِهِ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً آتِيَةً وَسَنَةً مَاضِيَةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ أَوْ عَلَى مَنْ لَمْ يُضْعِفْهُ صِيَامُهُ عَنِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَطْلُوبِ لِلْحَاجِّ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ

[1988] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي سَالِمٌ هُوَ أَبُو النَّضْرِ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ وَرُبَّمَا جَاءَ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ مَعًا فَيُقَالُ حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ وَإِنَّمَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ الطَّرِيقَ الْأُولَى مَعَ نُزُولِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَتْ بِالْعَنْعَنَةِ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مَعَ عُلُوِّهَا وَمَا أَكْثَرَ مَا يَحْرِصُ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَوْلُهُ عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ هُوَ عُمَيْرٌ مولى بن عَبَّاسٍ فَمَنْ قَالَ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ فَبِاعْتِبَارِ أَصله وَمن قَالَ مولى بن عَبَّاسٍ فَبِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ حَالُهُ لِأَنَّ أم الْفضل هِيَ وَالِدَة بن عَبَّاس وَقد انْتقل إِلَى بن عَبَّاسٍ وَلَاءُ مَوَالِي أُمِّهِ وَلَيْسَ لِعُمَيْرٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي الْحَجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ وَفِي الْأَشْرِبَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَحَدِيثٌ آخَرُ تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ قَوْلُهُ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا أَيِ اخْتَلَفُوا وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْمُوَطَّآتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُوحٍ عَنْ مَالِكٍ اخْتَلَفَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ مُعْتَادًا لَهُمْ فِي الْحَضَرِ وَكَأَنَّ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ صَائِمٌ اسْتَنَدَ إِلَى مَا أَلِفَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ قَامَتْ عِنْدَهُ قَرِينَةُ كَوْنِهِ مُسَافِرًا وَقَدْ عُرِفَ نَهْيُهُ عَنْ صَوْمِ الْفَرْضِ فِي السَّفَرِ فَضْلًا عَنِ النَّفْلِ قَوْلُهُ فَأَرْسَلَتْ سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ هِيَ الَّتِي أَرْسَلَتْ فَيَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا مَعًا أَرْسَلَتَا فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَتَكُونُ مَيْمُونَةُ أَرْسَلَتْ بِسُؤَالِ أُمِّ الْفَضْلِ لَهَا فِي ذَلِكَ لِكَشْفِ الْحَالِ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى تَعْيِينِ كَوْنِ مَيْمُونَةَ هِيَ الَّتِي بَاشَرَتِ الْإِرْسَالَ وَلَمْ يُسَمِّ الرَّسُولَ فِي طُرُقِ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ لَكِنْ رَوَى النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الرَّسُولُ بِذَلِكَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِمَّا أُمَّهُ وَإِمَّا خَالَتَهُ قَوْلُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ قَوْلُهُ فَشَرِبَهُ زَادَ فِي حَدِيث

(4/237)


مَيْمُونَة وَالنَّاس ينظرُونَ قَوْله فِي حَدِيث مَيْمُونَة أَخْبرنِي عَمْرو هُوَ بن الْحَارِث وَبُكَيْر هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَنِصْفُ إِسْنَادِهِ الْأَوَّلُ مِصْرِيُّونَ وَالْآخِرُ مَدَنِيُّونَ وَقَوْلُهُ بِحِلَابٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ اللَّبَنُ وَقِيلَ الْحِلَابُ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَبَنٌ تَنْبِيهٌ رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث بن وَهْبٍ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ أَحَدُهَا عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ وَالثَّانِي عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ بِهِ وَالثَّالِثُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ بِهِ وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى أَحَدِ أَسَانِيدِهِ اكْتِفَاءً بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ إِذْ قَدْ يَتْرُكُ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَبَّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لِمَصْلَحَةِ التَّبْلِيغِ نعم روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ السَّلَفِ فَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ يَجِبُ فِطْرُ يَوْم عَرَفَة للْحَاج وَعَن بن الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ وَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُ الْحَسَنَ وَيَحْكِيهِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَنْ قَتَادَةَ مَذْهَبٌ آخَرُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَضْعُفْ عَنِ الدُّعَاءِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ حَتَّى قَالَ عَطَاءٌ مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا أَفْطَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ لِيَدُلَّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجِّ بِمَكَّةَ لِكَيْ لَا يَضْعُفَ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقِيلَ إِنَّمَا أَفْطَرَ لِمُوَافَقَتِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَقَدْ نَهَى عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ وَيُبْعِدُهُ سِيَاقُ أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْعِيَانَ أَقْطَعُ لِلْحُجَّةِ وَأَنَّهُ فَوْقَ الْخَبَرِ وَأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي الْمَحَافِلِ مُبَاحٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ مِنْهَا هَلْ هُوَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَوْ لَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يَقَعُ فِيهِ المشاححة قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ احْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ تَأَسِّي النَّاسِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ الْبَحْثُ وَالِاجْتِهَادُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْمِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالتَّحَيُّلُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَفِيهِ فَطِنَةُ أُمِّ الْفَضْلِ لِاسْتِكْشَافِهَا عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ اللَّطِيفَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمِ حَرٍّ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ فَضْلَهُ أَحَدًا فَلَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَسْأَلَةُ التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ اه وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرْبَهُ مِنْهُ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَعَلَّ اسْتِبْقَاءَهُ لِمَا فِي الْقَدَحِ كَانَ قَصْدًا لِإِطَالَةِ زَمَنِ الشُّرْبِ حَتَّى يَعُمَّ نَظَرُ النَّاسِ إِلَيْهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْبَيَانِ وَفِيهِ الرُّكُوبُ فِي حَالِ الْوُقُوفِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَتَرْجَمَ لَهُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ فِي الشُّرْبِ فِي الْقدح وَشرب الْوَاقِف على الْبَعِير

(4/238)


(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ الْعِيدِ هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَمْ لَا وَسَأَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[1990] قَوْلُهُ مولى بن أَزْهَرَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَوْلَى بَنِي أَزْهَرَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ قَوْلُهُ شَهِدْتُ الْعِيدَ زَادَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ الْآتِيَةِ فِي الْأَضَاحِيِّ يَوْمَ الْأَضْحَى قَوْلُهُ هَذَانِ فِيهِ التَّغْلِيبُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَاضِرَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِهَذَا وَالْغَائِبَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَاكَ فَلَمَّا أَنْ جَمَعَهُمَا اللَّفْظُ قَالَ هَذَانِ تَغْلِيبًا لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ قَوْلُهُ يَوْمُ فِطْرِكُمْ بِرَفْعِ يَوْمٍ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَحَدُهُمَا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ يَوْمَانِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ قِيلَ وَفَائِدَةُ وَصْفِ الْيَوْمَيْنِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي وُجُوبِ فِطْرِهِمَا وَهُوَ الْفَصْلُ مِنَ الصَّوْمِ وَإِظْهَارُ تَمَامِهِ وَحَدِّهِ بِفِطْرِ مَا بَعْدَهُ وَالْآخَرُ لِأَجْلِ النُّسُكِ الْمُتَقَرَّبِ بِذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ مِنْهُ وَلَوْ شُرِعَ صَوْمُهُ لَمْ يَكُنْ لِمَشْرُوعِيَّةِ الذَّبْحِ فِيهِ مَعْنًى فَعَبَّرَ عَنْ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ بِالْأَكْلِ مِنَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّحْرَ وَيَزِيدُ فَائِدَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى التَّعْلِيلِ وَالْمُرَادُ بِالنُّسُكِ هُنَا الذَّبِيحَةُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا قَطْعًا قِيلَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ تَعَيُّنُ السَّلَامِ لِلْفَصْلِ مِنَ الصَّلَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ صَوْمِ يَوْمَيِ الْعِيدِ سَوَاءٌ النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ وَالتَّطَوُّعُ وَالْقَضَاءُ وَالتَّمَتُّعُ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَدِمَ فَصَامَ يَوْمَ عِيدٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومٍ زَيْدٍ فَقَدِمَ يَوْمَ الْعِيدِ فَالْأَكْثَرُ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ يَلْزَمُهُ الْإِطْعَامُ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ يَقْضِي إِلَّا إِنْ نَوَى اسْتِثْنَاءَ الْعِيدِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ يَقْضِي إِنْ نَوَى الْقَضَاءَ وَإِلَّا فَلَا وسيأتى فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ الْأَكْثَرُ لَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَعَمْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنٌ وَإِذَا أَمْكَنَ ثَبَتَ الصِّحَّةُ وَأُجِيبَ أَنَّ الْإِمْكَانَ الْمَذْكُورَ عَقْلِيٌّ وَالنِّزَاعُ فِي الشَّرْعِيِّ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا غَيْرُ مُمْكِنٍ فِعْلُهُ شَرْعًا وَمِنْ حُجَجِ الْمَانِعِينَ أَنَّ النَّفْلَ الْمُطْلَقَ إِذَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ مَطْلُوبُ التَّرْكِ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ وَالنَّفْلُ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ ذِي الْوَجْهَيْنِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَغْصُوبِ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِلْإِقَامَةِ وَطَلَبِ الْفِعْلِ لِذَاتِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ مَثَلًا فَإِنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِذَاتِ الصَّوْمِ فَافْتَرَقَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو

(4/239)


عبد الله هُوَ المُصَنّف قَالَ بن عُيَيْنَة من قَالَ مولى بن أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ انْتَهَى وَكَلَامُ بن عُيَيْنَةَ هَذَا حَكَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي الْعِلَل وَقد أخرجه بن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مولى بن أَزْهَر وَأخرجه الْحميدِي فِي مُسْنده عَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ فَذَكَرَ الحَدِيث وَلم يضفه بِشَيْءٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَذَا قَالَ جُوَيْرِيَةُ وَسَعِيدٌ الزُّبَيْرِيُّ وَمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَالك حَكَاهُ أَبُو عمر وَذكر أَن بن عُيَيْنَةَ أَيْضًا كَانَ يَقُولُ فِيهِ كَذَلِكَ وَقَالَ بن التِّينِ وَجْهُ كَوْنِ الْقَوْلَيْنِ صَوَابًا مَا رُوِيَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي وَلَائِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَجَازِ وَسَبَبُ الْمَجَازِ إِمَّا بِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مُلَازَمَةَ أَحَدِهِمَا إِمَّا لِخِدْمَتِهِ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إِلَى مِلْكِ الْآخَرِ وَجَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْف فعلى هَذَا فنسبته إِلَى بن أَزْهَرَ هِيَ الْمَجَازِيَّةُ وَلَعَلَّهَا بِسَبَبِ انْقِطَاعِهِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاسْمُ بن أَزْهَر أَيْضا عبد الرَّحْمَن وَهُوَ بن عَم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقيل بن أَخِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَيَأْتِي فِي أَو اخر الْمَغَازِي

[1991] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى هُوَ الْمَازِنِيُّ قَوْلُهُ وَعَنِ الصَّمَّاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ قَوْلُهُ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى لَا يُوَارِي فَرْجَهُ بِشَيْءٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَمْرٍو لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا يُسْتَرُ مِنَ الْعَوْرَةِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي الْمَوَاقِيت

(4/240)


(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَابُ الصَّوْمِ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قبله

[1993] قَوْله أخبرنَا هِشَام هُوَ بن يُوسُفَ قَوْلُهُ يُنْهَى كَذَا هُنَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ هُنَا مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[1994] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا معَاذ هُوَ بن معَاذ الْعَنْبَري وبن عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْإِسْنَادُ بَصْرِيُّونَ وَزِيَادُ بن جُبَير بِالْجِيم وَالْمُوَحَّدَة مُصَغرًا أَي بن حَيَّةَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الثَّقِيلَةِ قَوْلُهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى بن عُمَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ رَأَيْتُ رَجُلًا جَاءَ إِلَى بن عمر فَذكره وَأخرج بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ كَرِيمَةَ بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهَا سَأَلت بن عُمَرَ فَقَالَتْ جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ أَرْبِعَاءَ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ الْحَدِيثَ وَلَهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يُونُسَ بِسَنَدِهِ سَأَلَ رجل بن عُمَرَ وَهُوَ يَمْشِي بِمِنًى قَوْلُهُ أَظُنُّهُ قَالَ الْإِثْنَيْنِ وَلمُسلم من طَرِيق وَكِيع عَن بن عَوْنٍ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ بن عَوْنٍ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ أَوْ خَمِيسٍ وَمِثْلُهُ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادٍ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَوْ خَمِيسٍ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ أَنْ أَصُومَ كُلَّ ثُلَاثَاءَ وَأَرْبِعَاءَ وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الثُّلَاثَاءَ وَلِلْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قُتَيْبَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ وَنَحْوُهُ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ لَمْ يُفَسِّرِ الْعِيدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمُقْتَضَى إِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي النُّذُورِ من طَرِيق حَكِيم عَن أبي حرَّة عَن بن عُمَرَ مِثْلُهُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ قَوْلُهُ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ الخ قَالَ الْخطابِيّ تورع بن عُمَرَ عَنْ قَطْعِ الْفُتْيَا فِيهِ وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفُوا قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ اخْتِلَافِهِمْ قبل وَتقدم عَن بن عُمَرَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ وَأَمْرُهُ فِي التَّوَرُّعِ عَنْ بَتِّ الْحُكْمِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ مَشْهُورٌ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ يحْتَمل أَن يكون بن عُمَرَ أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الدَّلِيلِينَ يُعْمَلُ بِهِ فَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ النَّذْرِ وَيَتْرُكُ الصَّوْمَ يَوْمَ الْعِيدِ فَيَكُونُ فِيهِ سَلَفٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوب الْقَضَاء وَزعم أَخُوهُ بن الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة أَن بن عُمَرَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ عَامٌّ وَالْمَنْعَ مِنْ صَوْمِ الْعِيدِ خَاصٌّ فَكَأَنَّهُ أَفْهَمَهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَتَعَقَّبَهُ أَخُوهُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْضًا عُمُومٌ لِلْمُخَاطَبِينَ وَلِكُلِّ عِيدٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ حَمْلِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بن عُمَرَ أَشَارَ إِلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِذَا الْتَقَيَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ وَالرَّاجِحُ يُقَدَّمُ النَّهْيُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَصُمْ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ تَوَقُّفُ بن عُمَرَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صِيَامِهِ لَيْسَ لعَينه وَقَالَ الدَّاودِيّ الْمَفْهُوم من كَلَام بن عُمَرَ تَقْدِيمُ النَّهْيِ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى أَمْرَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فِي الْحَجِّ بِالرُّكُوبِ فَلَوْ كَانَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّكُوبِ

[1995] قَوْلُهُ سَمِعْتُ قَزَعَةَ بِفَتْحِ الْقَافِ

(4/241)


وَالزَّاي هُوَ بن يَحْيَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُفَرَّقًا أَمَّا سَفَرُ الْمَرْأَةِ فَفِي الْحَجِّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَفِي الْمَوَاقِيتِ وَأَمَّا شَدُّ الرَّحَّالِ فَفِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الصَّوْمُ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاقْتِصَارِ فِيهِ عَلَى ذِكْرِ يَوْمَيِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ

(قَوْلُهُ بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)
أَيِ الْأَيَّامُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَسُمِّيَتْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ تُشَرَّقُ فِيهَا أَيْ تُنْشَرُ فِي الشَّمْسِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَقِيلَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تَقَعُ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَقِيلَ التَّشْرِيقُ التَّكْبِيرُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَهَلْ تُلْتَحَقُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فِي تَرْكِ الصِّيَامِ كَمَا تُلْتَحَقُ بِهِ فِي النَّحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَوْ يَجُوزُ صِيَامُهَا مُطلقًا أَو للمتمتع خَاصَّة أَوله وَلِمَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ جَوَازُهَا لِلْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّهُ ذكر فِي الْبَاب حَدِيثي عَائِشَة وبن عُمَرَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَلَمْ يُورِدْ غَيْرَهُ وَقد روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي طَلْحَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَنْعَ مُطلقًا وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الشَّافِعِي وَعَن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي آخَرِينَ مَنْعُهُ إِلَّا لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْهَدْيَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ يَصُومُهَا أَيْضًا الْمُحْصَرُ وَالْقَارِنُ وَحُجَّةُ مَنْ مَنَعَ حَدِيثَ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِنَّهَا الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِهِنَّ وَأمر بفطرهن أخرجه أَبُو دَاوُد وبن الْمُنْذر وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ كَمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَيَحْيَى الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْقَطَّان وَهِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ قَوْلُهُ أَيَّامُ مِنًى فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي أَيَّامُ التَّشْرِيقِ بِمِنًى قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُوهُ يَصُومُهَا هُوَ كَلَامُ الْقَطَّانِ وَالضَّمِيرُ

(4/242)


لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَفَاعِلُ يَصُومُهَا هُوَ عُرْوَةُ وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ لِعَائِشَةَ وَفَاعِلُ يَصُومُهَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ

[1997] قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى زَادَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو لَيْلَى جَدُّ أَبِيهِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى وَهُوَ بن أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَسَنَّ مِنْ عَمِّهِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ يُقَالُ إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عَمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَوْلُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَوْلُهُ وَعَنْ سَالِمٍ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ فَهُوَ مَوْصُولٌ قَوْلُهُ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّحَاوِيِّ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَالَ إِنَّ يَحْيَى بْنَ سَلَّامٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ طَرِيقَ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الطُّرُقُ الْمُصَرِّحَةُ بِالرَّفْعِ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا هَلْ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ عَلَى أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إِنْ أَضَافَهُ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفْهُ وَيُلْتَحَقُ بِهِ رُخِّصَ لَنَا فِي كَذَا وَعُزِمَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَفْعَلَ كَذَا كُلٌّ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَمَنْ يَقُولُ إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ فَغَايَةُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى لَكِن قَالَ الطَّحَاوِيّ أَن قَول بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَمْ يُرَخَّصْ أَخَذَاهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَج لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَجِّ يَعُمُّ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ فَيَدْخُلُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُمَا عَمَّا فَهِمَاهُ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَعَارَضَ عُمُومُ الْآيَةِ الْمُشْعِرُ بِالْإِذْنِ وَعُمُومُ الْحَدِيثِ الْمُشْعِرُ بِالنَّهْيِ وَفِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمُتَوَاتِرِ بِعُمُومِ الْآحَادِ نَظَرٌ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا فَكَيْفَ وَفِي كَوْنِهِ مَرْفُوعًا نَظَرٌ فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ إِلَّا لِمُتَمَتِّعٍ أَوْ مُحْصَرٍ قَوْلُهُ فِي رِوَايَة مَالك فَإِن لم يجد فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ فَمن لَمْ يَجِدْ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ

[1999] قَوْلُهُ وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا لَمْ يَصُمْ قَبْلَ عَرَفَةَ فَلْيَصُمْ أَيَّامَ مِنًى وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلُهُ وَوَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن شِهَابٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ بِلَفْظِ إِنَّهُمَا كَانَا يُرَخِّصَانِ لِلْمُتَمَتِّعِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَهَذَا يُرَجِّحُ كَوْنَهُ مَوْقُوفًا لِنِسْبَةِ التَّرْخِيصِ إِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُقَوِّي أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى حَيْثُ قَالَ فِيهَا لَمْ يُرَخَّصْ وَأَبْهَمَ الْفَاعِلَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا مَنْ لَهُ الشَّرْعُ فَيَكُونَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْ لَهُ مَقَامُ الْفَتْوَى فِي الْجُمْلَةِ فَيَحْتَمِلَ الْوَقْفَ وَقَدْ صَرَّحَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد بنسبه ذَلِك إِلَى بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَيَحْيَى ضَعِيفٌ وَإِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحُفَّاظِ فَكَانَتْ رِوَايَتُهُ أَرْجَحَ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ مَجْزُومٌ عَنْهُ بِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يُصَامُ بِالِاتِّفَاقِ وَصِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هِيَ الْمُخْتَلَفُ

(4/243)


فِي جَوَازِهَا وَالْمُسْتَدِلُّ بِالْجَوَازِ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(4/244)


(قَوْلُهُ بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ وَعَاشُورَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فِيهِ الْقصر وَزعم بن دُرَيْدٍ أَنَّهُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّة ورد ذَلِك عَلَيْهِ بن دحْيَة بَان بن الْأَعْرَابِيِّ حَكَى أَنَّهُ سَمِعَ فِي كَلَامِهِمْ خَابُورَاءَ وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَهُ انْتَهَى وَهَذَا الْأَخِيرُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى رد مَا قَالَ بن دُرَيْدٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الشَّرْعِ فِي تَعْيِينِهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَاشُورَاءُ مَعْدُولٌ عَنْ عَاشِرَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ لِلَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَشْرِ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْعَقْدِ وَالْيَوْمُ مُضَافٌ إِلَيْهَا فَإِذا قِيلَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَوْمُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا عَدَلُوا بِهِ عَنِ الصِّفَةِ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَاسْتَغْنَوْا عَنِ الْمَوْصُوفِ فَحَذَفُوا اللَّيْلَةَ فَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فَاعُولَاءَ إِلَّا هَذَا وَضَارُورَاءُ وَسَارُورَاءُ وَدَالُولَاءُ مِنَ الضَّارِّ وَالسَّارِّ وَالدَّالِّ وَعَلَى هَذَا فَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ الْعَاشِرُ وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقِيلَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْيَوْمُ مُضَافٌ لِلَيْلَتِهِ الْمَاضِيَةِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مُضَافٌ لِلَيْلَتِهِ الْآتِيَة وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّاسِعِ عَاشُورَاءَ أَخْذًا مِنْ أَوْرَادِ الْإِبِلِ كَانُوا إِذَا رَعَوُا الْإِبِلَ ثَمَانِيَّةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَوْرَدُوهَا فِي التَّاسِعِ قَالُوا وَرَدْنَا عِشْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ إِلَى الثَّلَاثَةِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَج انْتَهَيْت إِلَى بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَالَ إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا قُلْتُ أَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَالَ نَعَمْ وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ لَكِنْ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَوْلُهُ إِذَا أَصْبَحْتَ مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصْبِحْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْعَاشِرَ لِأَنَّهُ لَا يُصْبِحُ صَائِمًا بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مِنْ تَاسِعِهِ إِلَّا إِذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ قُلْتُ وَيُقَوِّي هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الْعَاشِرَ وَهَمَّ بِصَوْمِ التَّاسِعِ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ صَوْمِ التَّاسِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ يُضِيفُهُ إِلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إِمَّا احْتِيَاطًا لَهُ وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ

(4/245)


أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ فَوَافَقَهُمْ أَو لَا وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْلَهُ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ وَالثَّانِي أَرَادَ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَيْهِ فِي الصَّوْمِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَيَانِ ذَلِكَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِي عَشَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ثُمَّ بِالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي صِيَامِهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ بن عُمَرَ أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَي بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ إِسْنَادِهِ

[2000] قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصرا وَعند بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِلَفْظِ إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ كَانَ يَوْم يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ سَالِمٍ عَلَى ثَانِي الْحَالِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا نَافِعٌ فِي رِوَايَتِهِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى طَرِيقُ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ نَافِعٍ الْمَذْكُورَةِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلُهُ وَفِيهَا زِيَادَةٌ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَفَادَتْ تَعْيِينَ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْأَمْرُ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَقَدْ كَانَ أَوَّلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ قُدُومَهُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعِ الْأَمْرُ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ إِلَّا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ فوض الْأَمْرُ فِي صَوْمِهِ إِلَى رَأْيِ الْمُتَطَوِّعِ فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ قَدْ فُرِضَ فَقَدْ نُسِخَ فَرْضُهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كَانَ يَرَى بَقَاءَ فَرْضِيَّةِ عَاشُورَاءَ لَكِنِ انْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بذلك وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ الْآنَ لَيْسَ بِفَرْض وَالْإِجْمَاع على أَنه مُسْتَحبّ وَكَانَ بن عُمَرَ يَكْرَهُ قَصْدَهُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ انْقَرَضَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ وَأَمَّا صِيَامُ قُرَيْشٍ لِعَاشُورَاءَ فَلَعَلَّهُمْ تَلَقَّوْهُ مِنَ الشَّرْعِ السَّالِفِ وَلِهَذَا كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِكِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ مِنْ مَجَالِسِ الْبَاغَنْدِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَذْنَبَتْ قُرَيْشٌ ذَنْبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ صُومُوا عَاشُورَاءَ يُكَفَّرْ ذَلِكَ هَذَا أَو مَعْنَاهُ الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث مُعَاوِيَة من طَرِيق بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيِ بن عَوْفٍ عَنْهُ هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالح بن كيسَان وبن عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيره وَوَقع

(4/246)


عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ

[2003] قَوْلُهُ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ زَادَ يُونُس بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ فِي رِوَايَته فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا وَكَأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ فِي حَجَّتِهِ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا مُعَاوِيَةُ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَآخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَجَّةُ الْأَخِيرَةُ قَوْلُهُ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَرَ لَهُمُ اهْتِمَامًا بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ فَلِذَلِكَ سَأَلَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ أَوْ بَلَغَهُ عَمَّنْ يَكْرَهُ صِيَامَهُ أَوْ يُوجِبُهُ قَوْلُهُ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ إِلَخْ هُوَ كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا قَطُّ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ عَلَى الدَّوَامِ كَصِيَامِ رَمَضَانَ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقَدُّمِ وُجُوبِهِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ من قبلكُمْ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا الْأَمْرُ السَّابِقُ بِصِيَامِهِ الَّذِي صَارَ مَنْسُوخًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَنَةِ الْفَتْحِ وَالَّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَالنِّدَاءَ بِذَلِكَ شَهِدُوهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَوَائِلَ الْعَامِ الثَّانِي وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ وَبِقَوْلِ بن مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمُ الْمَتْرُوكُ تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ وَالْبَاقِي مُطْلَقُ اسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ بل تاكد اسْتِحْبَابه بَاقٍ وَلَا سِيمَا مَعَ اسْتِمْرَارُ الِاهْتِمَامِ بِهِ حَتَّى فِي عَامِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَقُولُ لَئِنْ عِشْت لأ صومن التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَلِتَرْغِيبِهِ فِي صَوْمِهِ وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً وَأَيُّ تَأْكِيدٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثُ الرَّابِع حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي سَبَبِ صِيَامِ عَاشُورَاءَ

[2004] قَوْلُهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن أَبِيه وَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ عِنْدَ أَيُّوبَ بِوَاسِطَةٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا قَوْلُهُ فَقَالَ مَا هَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذَا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ طه مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَسَأَلَهُمْ قَوْلُهُ هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ قَوْلُهُ فَصَامَهُ مُوسَى زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْهِجْرَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَزَادَ فِيهِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ شُكْرًا وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ظَاهر الْخَبَر لَا قتضائه أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِهِ عَنْهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَا أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا عَلِمَ ذَلِكَ وَغَايَتُهُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ فِيهِ صِيَامًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الْيَهُودُ كَانُوا يَحْسِبُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِحِسَابِ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ فَصَادَفَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِحِسَابِهِمُ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِمَّا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَوْلَوِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَحَقِّيَّتُهُمْ بِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِإِضْلَالِهِمُ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ وَهِدَايَةِ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُ وَلَكِنَّ سِيَاقَ الْأَحَادِيثِ تَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي

(4/247)


الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ أَو لَا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ فِي تَرْجَمَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَيْسَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي يَقُولُهُ النَّاسُ إِنَّمَا كَانَ يَوْمٌ تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ وَكَانَ يَدُورُ فِي السَّنَةِ وَكَانُوا يَأْتُونَ فُلَانًا الْيَهُودِيَّ يَعْنِي لِيَحْسِبَ لَهُمْ فَلَمَّا مَاتَ أَتَوْا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلُوهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ قَالَ شَيْخُنَا الْهَيْثَمِيُّ فِي زَوَائِدِ الْمَسَانِيدِ لَا أَدْرِي مَا مَعْنَى هَذَا قُلْتُ ظَفِرْتُ بِمَعْنَاهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ الْقَدِيمَةِ لِأَبِي الرَّيْحَانِ الْبَيْرُونِيِّ فَذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ جَهَلَةَ الْيَهُودِ يَعْتَمِدُونَ فِي صِيَامِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ حِسَابَ النُّجُومِ فَالسَّنَةُ عِنْدَهُمْ شَمْسِيَّةٌ لَا هِلَالِيَّةٌ قُلْتُ فَمِنْ ثَمَّ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ لِيَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ يُونُسَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ أَيْضًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا وَاسْتُشْكِلَ رُجُوعُهُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِدْقِهِمْ أَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ زَادَ عِيَاضٌ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَابْنِ سَلَامٍ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ ابْتَدَأَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ بَلْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَغَايَةُ مَا فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ بِقَوْلِ الْيَهُودِ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةُ حَالٍ وَجَوَابُ سُؤال وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات عَن بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَهُ كَمَا تَقَدَّمَ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ تَوَارُدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صِيَامِهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَعَلَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ فِي صَوْمِهِ إِلَى شَرْعِ مَنْ مَضَى كَإِبْرَاهِيمَ وَصَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ كَمَا فِي الْحَجِّ أَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي صِيَامِهِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ فَلَمَّا هَاجَرَ وَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ وَسَأَلَهُمْ وَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ احْتَمَلَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ قِبْلَتِهِمْ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ وعَلى كل حَال فَلم يصمه اقْتِدَاء بهم فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحِبُّ فِيهِ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ بن طريف بِمُهْملَة وزن عَظِيم سَمِعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْحَدِيثَ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِنَجَاةِ مُوسَى وَغَرَقِ فِرْعَوْنَ يَخْتَصُّ بِمُوسَى وَالْيَهُودِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِيسَى كَانَ يَصُومُهُ وَهُوَ مِمَّا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا مَا نُسِخَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَيُقَالُ إِنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ إِنَّمَا تَتَلَقَّاهَا النَّصَارَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ زِيَادَةً فِي سَبَبِ صِيَامِ الْيَهُودِ لَهُ وَحَاصِلُهَا أَنَّ السَّفِينَةَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِيهِ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ قَرِيبًا وَكَأَنَّ ذِكْرَ مُوسَى دُونَ غَيْرِهِ هُنَا لِمُشَارَكَتِهِ لِنُوحٍ فِي النَّجَاةِ وَغَرَقِ أَعْدَائِهِمَا الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ تَتَّخِذُهُ عِيدًا فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ مَحَبَّةُ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ حَتَّى يُصَامَ مَا يُفْطِرُونَ فِيهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يصام وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى صِيَامِهِ مُوَافَقَتُهُمْ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَجَاةِ مُوسَى لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ لَهُ وَاعْتِقَادِهِمْ بِأَنَّهُ عِيدٌ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَصُومُونَهُ فَلَعَلَّهُمْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِهِمْ فِي شَرْعِهِمْ أَنْ يَصُومُوهُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِجْرَةِ بِلَفْظِ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتِهِمْ وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ

(4/248)


أَيْ هَيْئَتَهُمُ الْحَسَنَةَ وَقَوْلُهُ هَذَا يَوْمٌ الْإِشَارَةُ إِلَى نَوْعِ الْيَوْمِ لَا إِلَى شَخْصِهِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فِيمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْحَدِيثُ السَّادِس حَدِيث بن عَبَّاس أَيْضا من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَقد رَوَاهُ أَحْمد عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً

[2006] قَوْلُهُ مَا رَأَيْتُ إِلَخْ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَفْضَلُ الْأَيَّام للصَّائِم بعد رَمَضَان لَكِن بن عَبَّاسٍ أَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرُدُّ عِلْمَ غَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ قَوْلُهُ يَتَحَرَّى أَيْ يَقْصِدُ قَوْلُهُ وَهَذَا الشَّهْرُ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ كَذَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسلم وَغَيره وَكَأن بن عَبَّاسٍ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الشَّهْرُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ مَذْكُورٍ كَأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ رَمَضَانَ وَذِكْرُ عَاشُورَاءَ أَوْ كَانَتِ الْمَقَالَةُ فِي أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ وَذَكَرَ الْآخَرَ فَلِهَذَا قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ يَعْنِي رَمَضَانَ أَوْ أَخَذَهُ الرَّاوِي مِنْ جِهَةِ الْحَصْرِ فِي أَنْ لَا شَهْرَ يُصَامُ الا رَمَضَان لما تقدم لَهُ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَهْرًا كَامِلا الا رَمَضَان وَإِنَّمَا جمع بن عَبَّاسٍ بَيْنَ عَاشُورَاءَ وَرَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا وَالْآخَرُ مَنْدُوبًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لِأَنَّ مَعْنَى يَتَحَرَّى أَيْ يَقْصِدُ صَوْمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الصِّيَامِ فِي بَابٌ إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَأَخْرَجَهُ عَالِيًا أَيْضًا ثُلَاثِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِجْزَاءِ الصَّوْمِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِمَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَوْمَهُ وَيُجْزِئُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَأَنَّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَمْرَ مَنْ كَانَ أَكَلَ بِقَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْأَمْرِ بِإِمْسَاكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّيَامِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا عَلَى مِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ وَالْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا وَالْخَالِصُ تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَحَدِيثِ عَمَّارٍ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَحَدِيثِ أَنَسٍ آلَى مِنْ نِسَائِهِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِفِطْرِ الْجُنُبِ وَحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي السِّوَاكِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ فَالَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ فِيهِ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِيهِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ سِوَى الْأَوَّلِ مُعَلَّقَاتٌ وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي كَرَاهَة الْحجامَة للصَّائِم وَحَدِيث بن عمر فِي نسخ وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثِ بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الصَّحَابِيِّ فِي تَحْوِيلِ الصِّيَامِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْرِيطِ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُعَلَّقَاتٌ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَحَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي قِصَّةِ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الدُّخُولِ عَلَى أُمّ سُلَيْمٍ وَحَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحَدِيث بن عُمَرَ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَحَدِيثِهِ فِي صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى شَكٍّ فِي رَفْعِهِمَا وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ سِتُّونَ أَثَرًا أَكْثَرُهَا مُعَلَّقٌ وَالْيَسِيرُ مِنْهَا مَوْصُولٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(4/249)