فتح الباري لابن حجر

 (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا اضعافا مضاعفة الْآيَةَ)
هَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ لَيْسَ فِي الْبَابِ سِوَى الْآيَةِ وَسَاقَ غَيْرُهُ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ عَادَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ الرِّبَا فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ حَقٌّ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَاهُ أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَزَادَهُ الْآخَرُ فِي الْأَجَلِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ إِنَّ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَبِيعُ الرَّجُلُ الْبَيْعَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ صَاحِبِهِ قَضَاءٌ زَادَ وَأَخَّرَ عَنْهُ وَالرِّبَا مَقْصُورٌ وَحُكِيَ مَدُّهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَلَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَأَصْلُ الرِّبَا الزِّيَادَةُ إِمَّا فِي نَفْسِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اهتزت وربت وَإِمَّا فِي مُقَابَلَةٍ كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَقِيلَ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي زَاد بن سُرَيْجٍ أَنَّهُ فِي الثَّانِي حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيُطْلَقُ الرِّبَا على كل بيع محرم قَوْله اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمس إِلَى آخر الْآيَة قَوْلُهُ بَابُ آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ أَيْ بَيَان حكمهم وَالتَّقْدِير بَاب إِثْم أَو دم فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَشَاهِدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ قَوْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ الا كَمَا يقوم إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ

(4/313)


الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس قَالَ ذَاكَ حِينَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْرِهِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ تِلْكَ عَلَامَةُ أَهْلِ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُبْعَثُونَ وَبِهِمْ خَبَلٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا لَكِنَّ آكِلَ الرِّبَا يَرْبُو الرِّبَا فِي بَطْنِهِ فَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ فَيَسْقُطُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَخَبِّطِ مِنَ الْجُنُونِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أَنَّهُمْ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ هَذَا رِبًا لَا يَحِلُّ قَالُوا لَا فَرْقَ إِنْ زِدْنَا الثَّمَنَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ أَوْ عِنْدَ مَحَلِّهِ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا خُصَّ الْآكِلُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ كَانَتْ طُعْمَتُهُمْ مِنَ الرِّبَا وَإِلَّا فَالْوَعِيدُ حَاصِلٌ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْهُ أَمْ لَا ثُمَّ سَاقَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ لِمَا نَزَلَتْ آخِرُ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الْخمر فِي أَو اخر الْبُيُوعِ ثَانِيهُمَا حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَاقْتَصَرَ مِنْهُ هُنَا عَلَى قِصَّةِ آكِلِ الرِّبَا وَقَالَ بن التِّينِ لَيْسَ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ ذِكْرٌ لِكَاتِبِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْحَاقِ لِإِعَانَتِهِمَا لِلْآكِلِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ وَاطَأَ صَاحِبَ الرِّبَا عَلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ كَتَبَهُ أَوْ شَهِدَ الْقِصَّةَ لِيَشْهَدَ بِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِالْحَقِّ فَهَذَا جَمِيلُ الْقَصْدِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَعَانَ صَاحِبَ الرِّبَا بِكِتَابَتِهِ وَشَهَادَتِهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَنْ قَالَ إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا وَأَيْضًا فَقَدْ تَضَمَّنَ حَدِيثُ عَائِشَةَ نُزُولَ آخِرِ الْبَقَرَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا وَفِيهِ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَفِيه واشهدوا إِذا تبايعتم فَأَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي أَحَلَّهُ فَأَفْهَمَ النَّهْيَ عَنْ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِي الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيُّ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ صَرِيحًا فَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ ولاصحاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله وهم لَا يظْلمُونَ وَقَالَ بن عَبَّاس هَذِه آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ بَابُ مُوَكِّلُ الرِّبَا أَيْ مُطْعِمُهُ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ كَالَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

(4/314)


اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا أَن كُنْتُم مُؤمنين إِلَى قَوْله وهم لَا يظْلمُونَ هَكَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ إِلَى قَوْله لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ وَفَسَّرَهُ أَيْ لَا تَظْلِمُونَ بِأَخْذِ الزِّيَادَةِ وَلَا تظْلمُونَ بَان تحبس عَنْكُم رُؤُوس أَمْوَالِكُمْ ثُمَّ اعْتُرِضَ بِمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَاعْتَرَضَهُ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ هَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَهْمًا وَأما أَن يكون اخْتِلَافا عَن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله الْآيَةَ قَالَ فَلَعَلَّ النَّاقِلَ وَهَمَ لِقُرْبِهَا مِنْهَا انْتهى وَتعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهُ هُوَ الْوَاهِمُ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله الْآيَةَ وَهِيَ آخِرُ آيَةٍ ذَكَرَهَا لِقَوْلِهِ إِلَى قَوْله وهم لَا يظْلمُونَ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ أَنْزَلَتْ انْتَهَى وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ عَن بن عَبَّاسٍ تَفْسِيرَ قَوْلِ عَائِشَةَ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

[2086] قَوْلُهُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَة حَدثنَا عون وَسَيَأْتِي فِي أَو اخر أَبْوَابِ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا فَسَأَلْتُهُ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ سَبَبِ مُشْتَرَاهُ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ جَوَابَهُ بِحَدِيثِ النَّهْيِ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي هَذَا السِّيَاقِ اخْتِصَارٌ بَيَّنَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ اشْتَرَى حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ فَسَأَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ كَسْرِ الْمَحَاجِمِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْجَوَابِ وَفِي كَسْرِ أَبِي جُحَيْفَةَ الْمَحَاجِمَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ فَأَرَادَ حَسْمَ الْمَادَّةِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُ النَّهْيَ وَلَا يَتْرُكُ التَّكَسُّبَ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ كَسَرَ مَحَاجِمَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَسْبِ الْحَاجِمِ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ بَقِيَّةَ فَوَائِدِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَنَهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ أَيْ نَهَى عَنْ فِعْلِهِمَا لِأَنَّ الْوَاشِمَ وَالْمَوْشُومَ لَا يُنْهَى عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ فِعْلِهِمَا قَوْلُهُ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِه الرِّوَايَة مَعْطُوفًا على النهى عَن الواشمة وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَالَّذِي قَبْلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَغْيِيرٌ فَأُبْدِلَ اللَّعْن بالنهى فسياتى فِي أَو اخر الْبيُوع وَفِي أَو اخر الطَّلَاقِ بِلَفْظِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وموكله وَالله أعلم! !

(قَوْلُهُ بَابٌ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَالله لَا يحب كل كفار أثيم)
روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ ذَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا يَوْمَئِذٍ وَأَهْلَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمَعْنَى أَنَّ أَمْرَهُ يَئُولُ إِلَى قلَّة وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ مَا كَانَ مِنْ رَبًّا وَإِنْ زَادَ حَتَّى يَغْبِطَ صَاحِبَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْحَقُهُ وَأَصْلُهُ من حَدِيث بن مَسْعُود عِنْد بن مَاجَهْ وَأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا إِنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ عَاقِبَتُهُ إِلَى قُلٍّ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَمِعْنَا أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الرِّبَا أَرْبَعُونَ سَنَةً حَتَّى يمحق

[2087] قَوْله عَن يُونُس هُوَ بن يَزِيدَ قَوْلُهُ الْحَلِفُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ قَوْلُهُ مَنْفَقَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ مَفْعَلَةٌ مِنَ

(4/315)


النَّفَاقِ بِفَتْحِ النُّونِ وَهُوَ الرَّوَاجُ ضِدُّ الْكَسَادِ وَالسِّلْعَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمَتَاعُ وَقَوْلُهُ مَمْحَقَةٌ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَزْنُ الْأَوَّلِ وَحَكَى عِيَاضٌ ضَمَّ أَوَّلِهِ وَكَسْرَ الْحَاءِ وَالْمَحْقُ النَّقْصُ وَالْإِبْطَالُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يُشَدِّدُونَهَا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ صَحَّ خَبَرًا عَنِ الْحَلِفِ وَفِي مُسْلِمٍ الْيَمِينُ وَلِأَحْمَدَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ وَهِيَ أَوْضَحُ وَهُمَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرَانِ مَزِيدَانِ مَحْدُودَانِ بِمَعْنَى النِّفَاقِ وَالْمَحْقِ قَوْلُهُ لِلْبَرَكَةِ تَابَعَهُ عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَة بن وَهْبٍ وَأَبِي صَفْوَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لِلرِّبْحِ وَتَابَعَهُمَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ ممحقة للكسب وَتَابعه بن وَهْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَمَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى اللَّيْثِ كَمَا اخْتُلِفَ عَلَى يُونُسَ وَوَقَعَ لِلْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ فِي نِسْبَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِمَنْ خَرَّجَهَا وَهَمٌ يُعْرَفُ مِمَّا حَرَّرْتُهُ قَالَ بن الْمُنِيرِ مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ الْبَابِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ كَالتَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ لِأَنَّ الرِّبَا الزِّيَادَةُ وَالْمَحْقَ النَّقْصُ فَقَالَ كَيْفَ تَجْتَمِعُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ فَأَوْضَحَ الْحَدِيثُ أَنَّ الْحَلِفَ الْكَاذِبَ وَإِنْ زَادَ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ يَمْحَقُ الْبَرَكَةَ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا أَيْ يَمْحَقُ الْبَرَكَةَ مِنَ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ زَائِدًا لَكِنَّ مَحْقَ الْبَرَكَةِ يُفْضِي إِلَى اضْمِحْلَالِ الْعَدَدِ فِي الدُّنْيَا كَمَا مر فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَإِلَى اضْمِحْلَالِ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى التَّأْوِيل الثَّانِي

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ)
أَيْ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَتَنْزِيهٌ وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي غُرْزَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالزَّايِ مَرْفُوعًا يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ

[2088] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ عَنِ الْعَوَّامِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّبَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ خَاصٌّ وَالتَّرْجَمَةَ عَامَّةٌ لَكِنَّ الْعُمُومَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ وَأَيْمَانِهِمْ وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ فِي سَبَبِ نُزُولهَا من حَدِيث بن مَسْعُود مَا يُقَوي حمله على الْعُمُوم

(4/316)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ)
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى الْإِفْرَادِ وَبِضَمِّهِ عَلَى الْجَمْعِ يُقَالُ صائغ وصواغ وصياغ بالتحتانية وَأَصله عمل الصياغة قَالَ بن الْمُنِيرِ فَائِدَةُ التَّرْجَمَةِ لِهَذِهِ الصِّيَاغَةِ وَمَا بَعْدَهَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فَيكون كالنص على جَوَازه وماعداه يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ

[2089] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يزِيد وَرِوَايَة بن شِهَابٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ قَوْلُهُ كَانَتْ لِي شَارِفٌ بِمُعْجَمَةٍ وَآخِرُهُ فَاءٌ وَزْنَ فَاعِلٍ النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ قَوْلُهُ أَبْتَنِي بِفَاطِمَةَ أَيْ أَدْخُلُ بِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ مُعَامَلَةِ الصَّائِغِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ الْفَسَادِ فِي صَنْعَةٍ أَنْ تُتْرَكَ مُعَامَلَةُ صَاحِبِهَا وَلَوْ تَعَاطَاهَا أَرَاذِلُ النَّاسِ مَثَلًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّبَّاغُونَ وَالصَّوَّاغُونَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ أَخْرَجَهُ أَحْمد وَغَيره

[2090] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن شَاهِينَ وَخَالِدٌ هُوَ الطَّحَّانُ وَشَيْخُهُ خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَخْ تَقَدَّمَ وَصْلُ هَذَيْنِ التَّعْلِيقَيْنِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ شَرْحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَغَرَضُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ ذِكْرُ الصِّيَاغَةِ وَتَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ

(4/317)


(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْقَيْنِ)
بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْحَدَّادِ قَالَ بن دُرَيْدٍ أَصْلُ الْقَيْنِ الْحَدَّادُ ثُمَّ صَارَ كُلُّ صَائِغٍ عِنْدَ الْعَرَبِ قَيْنًا وَقَالَ الزَّجَّاجُ الْقَيْنُ الَّذِي يُصْلِحُ الْأَسِنَّةَ وَالْقَيْنُ أَيْضًا الْحَدَّادُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اعْتَمَدَ الْقَوْلَ الصَّائِرَ إِلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ إِلَّا ذِكْرُ الْقَيْنِ وَكَأَنَّهُ أَلْحَقَ الْحَدَّادَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ مَرْيَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَا قَيَّنْتُ عَائِشَةَ فَمَعْنَاهُ زَيَّنْتُهَا قَالَ الْخَلِيلُ التَّقْيِينُ التَّزْيِينُ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْمُغَنِّيَةُ قَيْنَةً لِأَنَّ من شانها الزِّينَة قَوْلُهُ بَابُ الْخَيَّاطِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَحَادِيثِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِجَازَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ مَعْنًى زَائِدٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَكُونَ الْخَيْطُ مِنْ عِنْدِ الْخَيَّاطِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا إِلَى الصَّنْعَةِ الْآلَةُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إِذْ لَا تَتَمَيَّزُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى غَالِبًا لَكِنَّ الشَّارِعَ أَقَرَّهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِرْفَاقِ وَاسْتَقَرَّ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَن الْخياطَة لَا تنافى الْمُرُوءَة

(قَوْلُهُ بَابُ النَّسَّاجُ)
بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلٍ فِي الْبُرْدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ مَنْ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَقَوْلُهُ

[2093] فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا أَيْ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ مُحْتَاجا إِلَيْهَا بِالنّصب على الْحَال

(4/318)


(قَوْلُهُ بَابُ النَّجَّارُ)
بِالنُّونِ وَالْجِيمِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَزِيَادَةِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِسِيَاقِ بَقِيَّةِ التَّرَاجِمِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلٍ أَيْضًا فِي قِصَّةِ الْمِنْبَرِ وَحَدِيثَ جَابِرٍ فِي ذِكْرِ الْمِنْبَرِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِمَا فِي كِتَابِ الْجُمْعَةِ وَقَوْلُهُ

[2095] فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُسَكِّتُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَقَوْلُهُ قَالَ بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ لَكِنْ صَرَّحَ وَكِيعٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ بِأَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن أبي شيبَة عَنهُ

(قَوْلُهُ بَابُ شِرَاءِ الْإِمَامِ الْحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَسَقَطَتِ التَّرْجَمَةُ لِلْبَاقِينَ وَلِبَعْضِهِمْ شِرَاءُ الْحَوَائِجِ بِنَفْسِهِ أَيِ الرَّجُلُ وَفَائِدَةُ التَّرْجَمَةِ رَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي الْمُرُوءَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ

(4/319)


بن عُمَرَ اشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلًا مِنْ عُمَرَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ قَوْلُهُ وَاشْتَرَى بن عُمَرَ بِنَفْسِهِ هَذَا التَّعْلِيقُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا بَعْدَ بَابٍ قَوْلُهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيِ الصِّدِّيقُ جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ الْحَدِيثُ هُوَ طَرَفٌ من حَدِيث يَأْتِي موصولافى آخِرِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُ وَاشْتَرَى أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَوْصُولٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُبَاشَرَةُ الْكَبِيرِ وَالشَّرِيفِ شِرَاءَ الْحَوَائِجِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ تَعْلِيمًا وَتَشْرِيعًا ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمِيرِ)
فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْحُمُرِ بِضَمَّتَيْنِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ ذِكْرٌ لِلْحُمُرِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إِلْحَاقِهَا فِي الْحُكْمِ بِالْإِبِلِ لِأَنَّ حَدِيثَيِ الْبَابِ إِنَّمَا فِيهِمَا ذِكْرُ بَعِيرٍ وَجَمَلٍ وَلَا اخْتِصَاصَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَابَّةٍ دُونَ دَابَّةٍ فَهَذَا وَجْهُ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ أَيِ الْبَائِعُ عَلَيْهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قبضا

(4/320)


يَعْنِي أَوْ يُشْتَرَطُ فِي الْقَبْضِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ سَيَأْتِي شَرْحُهَا قَرِيبًا فِي بَابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بِعْنِيهِ يَعْنِي جَمَلًا صَعْبًا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي قصَّة بيع جمله وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ إِنَّ الْغَزْوَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا هِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقَوْلُهُ

[2097] فِيهِ يَحْجُنُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَيْ يَطْعَنُهُ وَقَوْلُهُ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا بِالنَّصْبِ فِيهِمَا بِتَقْدِيرِ أَتَزَوَّجْتَ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِير اهى

(قَوْلُهُ بَابُ الْأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فتبايع بهَا النَّاس فِي الْإِسْلَام)
قَالَ بن بَطَّالٍ فِقْهُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ مَوَاضِعَ الْمَعَاصِي وَأَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ فِيهَا ثمَّ أورد المُصَنّف فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَأَنَّ شَرْحَهُ مَضَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ بَابُ شِرَاءِ الْإِبِلِ الْهِيمِ بِكَسْرِ الْهَاءِ جَمْعُ أَهْيَمَ لِلْمُذَكَّرِ وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى هَيْمَى قَوْلُهُ أَوِ الْأَجْرَبِ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَالْأَجْرَبِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْجَمْعِ فِي الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ هُنَا هُوَ الْإِبِلُ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ صَالِحٌ لِلْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ شِرَاءُ الْإِبِلِ الْهِيمِ وَشِرَاءُ الْإِبِلِ الْجُرْبِ قَوْلُهُ الْهَائِمُ الْمُخَالف للقصد فِي كل شَيْء قَالَ بن التِّينِ لَيْسَ الْهَائِمُ وَاحِدَ الْهِيمِ وَمَا أَدْرِي لِمَ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْهَائِمَ هُنَا اه وَقَدْ أَثْبَتَ غَيْرُهُ مَا نَفَاهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْهِيمُ جَمْعُ أَهْيَمَ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَائِمٌ ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى هِيمٍ كَمَا قَالُوا غَائِطٌ وَغِيطٌ قَالَ وَالْإِبِلُ الْهِيمُ الَّتِي أَصَابَهَا الْهُيَامُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَبِكَسْرِهَا دَاءٌ تَصِيرُ مِنْهُ عَطْشَى تَشْرَبُ فَلَا تُرْوَى وَقِيلَ الْإِبِلُ الْهِيمُ الْمَطْلِيَّةُ بِالْقَطِرَانِ مِنَ الْجَرَبِ فَتَصِيرُ عَطْشَى مِنْ حَرَارَةِ الْجَرَبِ وَقِيلَ هُوَ دَاءٌ يَنْشَأُ عَنْهُ الْجَرَبُ ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس من قَوْله فشاربون شرب الهيم قَالَ الْإِبِلُ الْعِطَاشُ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ هِيَ

(4/321)


الْإِبِلُ يَأْخُذُهَا الْعَطَشُ فَتَشْرَبُ حَتَّى تَهْلِكَ

[2099] قَوْلُهُ قَالَ عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا هُوَ مَقُولُ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو بِهِ قَوْلُهُ كَانَ هَا هُنَا أَي بِمَكَّة وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَوْلُهُ اسْمُهُ نَوَّاسٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَالتَّشْدِيدِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْقَابِسِيُّ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِزِيَادَةِ يَاءِ النَّسَبِ قَوْلُهُ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ إِبِلًا هيما فِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ هِيَامًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْرِفْكَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْرِيفِ قَوْلُهُ فَاسْتَقِهَا بِالْمُهْمَلَةِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الِاسْتِيَاقِ وَالْقَائِل هُوَ بن عمر وَالْمقول لَهُ نواس وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ قَالَ فَاسْتَقِهَا إِذًا أَيْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ فَارْتَجِعْهَا قَوْلُهُ فَقَالَ دعها الْقَائِل هُوَ بن عُمَرَ وَكَأَنَّ نَوَّاسًا أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَاسْتَدْرَكَ بن عُمَرَ فَقَالَ دَعْهَا قَوْلُهُ رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ رَضِيتُ بِحُكْمِهِ حَيْثُ حَكَمَ أَلَّا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وعَلى التَّأْوِيل الَّذِي اخْتَارَهُ بن التِّين يصير الحَدِيث مَوْقُوفا من كَلَام بن أَبِي عُمَرَ وَعَلَى الَّذِي اخْتَرْتُهُ جَرَى الْحَمِيدِيُّ فِي جَمْعِهِ فَأَوْرَدَ هَذِهِ الطَّرِيقَ عَقِبَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا مَرْفُوعًا لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ الْمَعِيبِ إِذَا بَيَّنَهُ الْبَائِعُ وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ بَيَّنَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ إِذَا أَخَّرَ بَيَانَهُ عَنِ الْعَقْدِ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَفِيهِ اشْتِرَاءُ الْكَبِيرِ حَاجَتَهُ بِنَفْسِهِ وَتَوَقِّي ظُلْمِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ فِي آخِرِ الحَدِيث قصَّة قَالَ وَكَانَ نواس يُجَالس بن عُمَرَ وَكَانَ يُضْحِكُهُ فَقَالَ يَوْمًا وَدِدْتَ أَنَّ لي أَبَا قبيس ذَهَبا فَقَالَ لَهُ بن عُمَرَ مَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَمُوتُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَا عَدْوَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْرِفُ لِلْعَدْوَى هُنَا مَعْنَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْهُيَامُ دَاءً مِنْ شَأْنِهِ أَنَّ مَنْ وَقَعَ بِهِ إِذَا رَعَى مَعَ الْإِبِلِ حَصَلَ لَهَا مِثْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَهَا مَعْنًى ظَاهِرٌ أَيْ رَضِيتُ بِهَذَا الْبَيْعِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْعَيْبِ وَلَا أُعَدِّي عَلَى الْبَائِعِ حَاكِمًا وَاخْتَارَ هَذَا التَّأْوِيل بن التِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا عَدْوَى النَّهْيُ عَنِ الِاعْتِدَاءِ وَالظُّلْمِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْهِجْرِيُّ فِي النَّوَادِرِ الْهُيَامُ دَاءٌ مِنْ أَدْوَاءِ الْإِبِلِ يَحْدُثُ عَنْ شُرْبِ الْمَاءِ النَّجْلِ إِذَا كَثُرَ طُحْلُبُهُ وَمِنْ عَلَامَةِ حُدُوثِهِ إِقْبَالُ الْبَعِيرِ عَلَى الشَّمْسِ حَيْثُ دَارَتْ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَى أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَبَدَنُهُ يَنْقُصُ كَالذَّائِبِ فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُهُ اسْتِبَانَةَ أَمْرِهِ اسْتَبَانَ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ رِيحَهُ مِثْلَ رِيحِ الْخَمِيرَةِ فَهُوَ أَهْيَمُ فَمَنْ شَمَّ مِنْ بَوْلِهِ أَوْ بَعْرِهِ أَصَابَهُ الْهُيَامُ اه وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ عَلَى الْخَطَّابِيِّ وَأَبَدَاهُ احْتِمَالًا وَبِهِ يَتَّضِحُ صِحَّةُ عِطْفِ الْبُخَارِيِّ الْأَجْرَبَ عَلَى الْهِيمِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي دَعْوَى الْعَدْوَى وَمِمَّا يُقَوِّيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَيَكُونُ قَول بن عُمَرَ لَا عَدْوَى تَفْسِيرًا لِلْقَضَاءِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ

(4/322)


(قَوْلُهُ بَابُ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا)
أَيْ هَلْ يُمْنَعُ أَمْ لَا قَوْلُهُ وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الْفِتْنَةِ أَيْ فِي أَيَّام الْفِتْنَة وَهَذَا وَصله بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ مَا يَقَعُ مِنَ الْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِ إِذْ ذَاكَ إِعَانَةً لِمَنِ اشْتَرَاهُ وَهَذَا مَحَلُّهُ إِذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ فَأَمَّا إِذَا تَحَقَّقَ الْبَاغِي فَالْبَيْعُ لِلطَّائِفَةِ الَّتِي فِي جَانِبِهَا الْحَقُّ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بَيْعَ الْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى خِلَافِ الثَّوْرِيِّ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بِعْ حَلَالَكَ مِمَّنْ شِئْتَ

[2100] قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَعمر بن كثير هُوَ بن أَفْلَحَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ أَوَّلُهُمْ يَحْيَى قَوْلُهُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَبِعْتُ الدِّرْعَ كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ سَقَطَ شَيْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلبه وَكَانَ الدرْع من سلبه وَتعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهُ تَعَسُّفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ جَوَازَ بَيْعِ الدِّرْعِ فَذَكَرَ مَوْضِعَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَحَذَفَ سَائِرَهُ وَكَذَا يَفْعَلُ كَثِيرًا قُلْتُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ مَا قَالَه الْخطابِيّ بمدفوع وَسَيَأْتِي الحَدِيث مُسْتَوفى مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَقَدِ اسْتُشْكِلَ مُطَابِقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْبَابِ شَيْءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا فَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مُنَزَّلٌ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ بَيْعُهُ فِي غَيْرِ الْفِتْنَةِ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْقُطْبِ فِي شَرْحِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ لَمَّا قَالَ فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّرْعَ وَيُعَوِّضَهُ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الْفِتْنَةِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى تَعَسُّفُ هَذَا التَّأْوِيلِ وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْبَيْعِ إِنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ أَبِي قَتَادَةَ الدِّرْعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَاعَ الدِّرْعَ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ الْبُسْتَانَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْفِتْنَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ لِمَنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ الضَّرَرُ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ بَاعَ دِرْعَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الْقِتَالُ فِيهِ قَائِمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَالظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ مِمَّنْ يُعِينُ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ بَيْعِهِ فِي زَمَنِ الْقِتَالِ لِمَنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ قَوْلُهُ مَخْرَفًا بِالْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَالْفَاءِ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ هُوَ الْبُسْتَانُ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ الْوِعَاءُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الثِّمَارُ قَوْلُهُ بَنِي سَلَمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْلُهُ تَأَثَّلْتُهُ بِالْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ اللَّامِ أَيْ جَمَعْتُهُ قَالَهُ بن فَارس وَقَالَ الْقَزاز جعلته أصل مَا لي وَاثِلَة كل شَيْء أَصله

(4/323)


(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْعَطَّارِ وَبَيْعِ الْمِسْكِ)
لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ سِوَى ذِكْرِ الْمِسْكِ وَكَأَنَّهُ أَلْحَقَ الْعَطَّارَ بِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ

[2101] قَوْله حَدثنَا عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَادٍ وَأَبُو بَرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ زيد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَوْلُهُ كَمِثْلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الذَّبَائِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَهُ أَوْ لَا قَوْلُهُ وَكِيرِ الْحَدَّادِ بِكَسْرِ الْكَافِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ مَعْرُوفٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ وَحَقِيقَتُهُ الْبِنَاءُ الَّذِي يُرَكَّبُ عَلَيْهِ الزِّقُّ وَالزِّقُّ هُوَ الَّذِي يُنْفَخُ فِيهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الزِّقِّ اسْمَ الْكِيرِ مَجَازًا لِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ وَقِيلَ الْكِيرُ هُوَ الزِّقُّ نَفْسُهُ وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَاسْمُهُ الْكُورُ قَوْلُهُ لَا يَعْدَمُكَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَلِكَ الدَّالُ مِنَ الْعَدَمِ أَيْ لَا يَعْدَمُكَ إِحْدَى الْخُصْلَتَيْنِ أَيْ لَا يَعْدُوكَ تَقُولُ لَيْسَ يَعْدَمُنِي هَذَا الْأَمْرُ أَيْ لَيْسَ يَعْدُونِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْإِعْدَامِ أَيْ لَا يَعْدَمُكَ صَاحِبُ الْمِسْكِ إِحْدَى الْخَصْلَتَيْنِ قَوْلُهُ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ إِمَّا أَنْ يَحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْإِحْذَاءَ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ لَا يَتَعَيَّنُ بِخِلَافِ الرَّائِحَةِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ سَوَاءٌ وُجِدَ الْبَيْعُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ قَوْلُهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحَرِّقُ بَيْتَكَ أَوْ ثَوْبَكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحَرِّقَ ثِيَابَكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْبَيْتِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ يُتَأَذَّى بِمُجَالَسَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مِنْ يُنْتَفَعُ بِمُجَالَسَتِهِ فِيهِمَا وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْمِسْكِ وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَحَهُ وَرَغَّبَ فِيهِ فَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ انْقَرَضَ هَذَا الْخِلَافُ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَلَمْ يُتَرْجِمِ الْمُصَنِّفُ لِلْحَدَّادِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَفِيهِ ضَرْبُ الْمَثَلِ وَالْعَمَل فِي الحكم بالأشباه والنظائر
(

قَوْله بَاب ذكر الْحجام)
قَالَ بن الْمُنِيرِ لَيْسَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تَصْوِيبًا لِصَنْعَةِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا وَإِنْ كَانَ الْحَجَّامُ لَا يُظْلَمُ أَجْرَهُ فَالنَّهْيُ عَلَى الصَّانِعِ لَا عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةُ الْمُحْتَجِمِ إِلَى الْحِجَامَةِ وَعَدَمُ ضَرُورَةِ الْحَجَّامِ لِكَثْرَةِ الصَّنَائِعِ سِوَاهَا قُلْتُ إِنْ أَرَادَ بِالتَّصْوِيبِ التَّحْسِينَ وَالنَّدْبَ إِلَيْهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَرَادَ التَّجْوِيزَ فَلَا فَإِنَّهُ يَسُوغُ لِلْمُسْتَعْمَلِ تَعَاطِيهَا لِلضَّرُورَةِ وَمَنْ لَازَمَ تَعَاطِيَهَا لِلْمُسْتَعْمَلِ تَعَاطِيَ الصَّانِعِ لَهَا فَلَا فَرْقَ إِلَّا بِمَا أَشَرْتَ إِلَيْهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ الدَّنِيئَةِ أَنْ لَا تُشْرَعَ فَالْكَسَّاحُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْحجام وَلَو تواطأ النَّاس على تَركه لَا ضرّ ذَلِكَ بِهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَسْبِ الْحَجَّامِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ هُنَاكَ عَنْ

(4/324)


حَدِيثي الْبَاب عَن أنس وبن عَبَّاس إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)
أَيْ إِذَا كَانَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ غير من كره لَهُ لبسه إِمَامًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصْلًا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَذَكَرَ فِيهِ حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ وَفِيهِ

[2104] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا يَعْنِي تَبِيعَهَا وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ لِتَكْسُوَهَا وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ هُنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالتِّجَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَخَصَّ مِنَ الْبَيْعِ لَكِنَّهَا جُزْؤُهُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لَهُ وَأَمَّا مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلنِّسَاءِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ فِي التَّرْجَمَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَعُرِفَ بِهَذَا جَوَابُ مَا اعْترض بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ من أَن حَدِيث بن عُمَرَ لَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ حَيْثُ ذُكِرَ فِيهَا النِّسَاءُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ النُّمْرُقَةِ الْمُصَوَّرَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْسَخِ الْبَيْعَ فِي النُّمْرُقَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَكَّأَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ يَشْتَرِكُ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِخِلَافِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي التَّرْجَمَةِ إِشْعَارٌ بِحَمْلِ قَوْلِهِ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَشْتَرِكَ فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْمَنْعُ مِنَ النمرقة وَحَاصِله أَن حَدِيث بن عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ التَّرْجَمَةِ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ يدل على جَمِيعهَا

(4/325)


(قَوْلُهُ بَابٌ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِالسَّوْمِ)
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ ذِكْرُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ للثّمن وَقَالَ بن بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ مُتَوَلِّيَ السِّلْعَةِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ وَكَيْلٍ أَوْلَى بِالسَّوْمِ مِنْ طَالِبِ شِرَائِهَا قُلْتُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَسَيَأْتِي فِي قِصَّةِ جَمَلِ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَهُ بِقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ الْحَدِيثَ

[2106] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عبد الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ ثَامِنُونِي بِمُثَلَّثَةٍ عَلَى وَزْنِ فَاعِلُونِي وَهُوَ أَمْرٌ لَهُمْ بِذِكْرِ الثَّمَنِ مُعَيَّنًا بِاخْتِيَارِهِمْ عَلَى سَبِيلِ السَّوْمِ لِيَذْكُرَ هُوَ لَهُمْ ثَمَنًا مُعَيَّنًا يَخْتَارُهُ ثُمَّ يَقَعُ التَّرَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثَامِنُونِي أَيْ بَايِعُونِي بِالثَّمَنِ أَيْ وَلَا آخُذُهُ هِبَةً قَالَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِي يَبْدَأُ بِذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الثَّمَنِ مُعَيَّنًا وَأَمَّا مُطْلَقُ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قُلْتُ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلَ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابٌ بِالتَّنْوِينِ كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ)
وَالْخِيَارُ بِكَسْرِ الْخَاءِ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ أَوِ التَّخْيِيرِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَهُوَ خِيَارَانِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ خِيَارَ النَّقِيصَةِ وَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي الشَّرْطِ فَلَا يُزَادُ وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ مِقْدَارِهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثي الْبَاب بَيَان لذَلِك قَالَ بن الْمُنِيرِ لَعَلَّهُ أَخَذَ مِنْ عَدَمِ تَحْدِيدِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بَلْ يُفَوَّضُ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَى الْحَاجَةِ لِتَفَاوُتِ السِّلَعِ فِي ذَلِكَ قُلْتُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلْقَمَة الغروي عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا كَأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ فِي قِصَّةِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَسَأَذْكُرُهُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَبِهِ احْتُجَّ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ التَّوْقِيتَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْغَالِبِ يُمْكِنُ الِاخْتِيَارُ فِيهَا لَكِنْ لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَدٌ بِحَسَبِهِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ

(4/326)


فَلِلدَّابَّةِ مَثَلًا وَالثَّوْبِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَلِلْجَارِيَةِ جُمُعَةٌ وَلِلدَّارِ شَهْرٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ شَهْرًا وَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَخْتَصُّ الْخِيَارُ بِالْمُشْتَرِي وَيَمْتَدُّ لَهُ إِلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ وَيُقَالُ إِنَّهُ انْفَرَدَ بِذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ الْقَوْلُ بِامْتِدَادِ الْخِيَارِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ فِي أَبْوَابِ الْمُلَازَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ أَيْ كَمْ يُخَيِّرُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْآخَرَ مَرَّةً وَأَشَارَ إِلَى مَا فِي الطَّرِيقِ الْآتِيَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ زِيَادَةِ هَمَّامٍ وَيَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةً أَبْقَى التَّرْجَمَةَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ كَعَادَتِهِ

[2107] قَوْلُهُ حَدثنَا صَدَقَة هُوَ بن الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الثَّقَفِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ كَذَا للْأَكْثَر وَحكى بن التِّينِ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ إِنَّ الْمُتَبَايِعَانِ قَالَ وَهِيَ لُغَةٌ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ الْبَيِّعَانِ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْبَيِّعُ بِمَعْنَى الْبَائِعِ كَضَيِّقٍ وَضَائِقٍ وَصَيِّنٍ وَصَائِنٍ وَلَيْسَ كَبَيِّنٍ وَبَائِنٍ فَإِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَقَيِّمٍ وَقَائِمٍ وَاسْتِعْمَالُ الْبَيِّعِ فِي الْمُشْتَرِي إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَائِعٌ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ يَفْتَرِقَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ وَنَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سَلمَة افْتَرقَا بالْكلَام وتفرقا بالأبدان ورده بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ لَا أَنَّهُ بِالِاعْتِقَادِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ لَازِمِهِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ آخَرَ فِي عَقِيدَتِهِ كَانَ مُسْتَدْعِيًا لِمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُ بِبَدَنِهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَواب وَالْحق حمل كَلَام الْمفضل عَلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ اتِّسَاعًا قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ بَابٍ قَوْلُهُ قَالَ نَافِع وَكَانَ بن عُمَرَ إِلَخْ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ ذكره مُسلم أَيْضا من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ الْمَذْكُورَ بِالْأَبْدَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ

[2108] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْخَلِيلِ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ هُوَ أَبُو نَوْفَلِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُنْسَبْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ وَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَبْدُ الله بن الْحَارِث الْهَاشِمِي وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِهِ فَحَنَّكَهُ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَتَادَةُ وَشَيْخُهُ تَابِعِيَّانِ أَيْضًا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْعَبَّاسِ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ وَزَادَ أَحْمَدُ حَدثنَا بهز أَي بن أَسَدٍ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ وَصَلَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّارِمِيِّ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَهْزٍ بِهِ وَلَمْ أَرَهَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَحْمَدُ الْمَذْكُورُ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ بِأَوْضَحَ مِنْ سِيَاقِهِ وَفِي صَنِيعِ هَمَّامٍ فَائِدَةُ طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الْخَلِيلِ فِي إِسْنَادِهِ الْأَوَّلِ رَجُلَيْنِ وَفِي الثَّانِي رجل وَاحِد

(4/327)


(قَوْلُهُ بَابٌ إِذَا لَمْ يُوَقِّتِ الْخِيَارَ)
أَيْ إِذَا لَمْ يُعَيِّنِ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي وَقْتًا لِلْخِيَارِ وَأَطْلَقَاهُ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْخِلَافِ الْمَاضِي فِي حَدِّ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَهَبَ بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا أَمَدَ لِمُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ بَلِ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَشْتَرِطَانِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بن الْمُنْذِرِ فَإِنْ شَرَطَا أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وبن أَبِي لَيْلَى هُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْي يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَيْضًا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِلَّذِي شَرَطَ الْخِيَارَ أَبَدًا تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي يَقُولُ وَفِي إِثْبَاتِهَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَلَعَلَّ الضَّمَّةَ أُشْبِعَتْ كَمَا أُشْبِعَتِ الْيَاءُ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَنه من يَتَّقِي ويصبر وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى إِلَّا أَنْ فَيُقْرَأَ حِينَئِذٍ بِنَصْبِ اللَّامِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ ثمَّ ذكر المُصَنّف فِي الْبَاب حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخَهُ فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ مَثَلًا أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَقِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ وَقِيلَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ أَيْ أَنْ يَشْتَرِطَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ بَابٌ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَبِه قَالَ بن عُمَرَ أَيْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ صَنِيعِهِ الَّذِي مَضَى قَبْلَ بَابٍ وَأَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ من طَرِيق بن فُضَيْل عَن يحيى بن سعيد وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق عَن نَافِع كَانَ بن عُمَرَ إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ لَهُ الْبَيْعُ وَلمُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ وَسَيَأْتِي صَنِيع بن عُمَرَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بَعْدَ بَابَيْنِ

(4/328)


وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ رَأَيْت بن عُمَرَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا فَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ بَعِيرِهِ وَبَيْنَ الثَّمَنِ قَوْلُهُ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ أَيْ قَالَا بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهَذَا وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَأَوْجَبَهَا لَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهَا فَقَالَ لِي لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُكَ فَأَوْجَبْتُ لَكَ فَاخْتَصَمَا إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَشهِدت الشّعبِيّ قضى بذلك وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَعَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أُتِيَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بِرْذَوْنًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَقَضَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو الضُّحَى أَنَّ شُرَيْحًا أُتِيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَرَجَعَ الشَّعْبِيُّ إِلَى قَوْلِ شُرَيْحٍ قَوْلُهُ وَطَاوُس قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم أخبرنَا بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ وَكَانَ أَبِي يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إِلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ قَوْله وَعَطَاء وبن أبي مليكَة وَصلهَا بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن رفيع عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَطَاءٍ قَالَا الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا عَن رضَا وَنقل بن الْمُنْذِرِ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمسيب وَالزهْرِيّ وبن أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وبن جريج وَغَيرهم وَبَالغ بن حَزْمٍ فَقَالَ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ التَّابِعِينَ إِلَّا النَّخَعِيَّ وَحْدَهُ وَرِوَايَةً مَكْذُوبَةً عَنْ شُرَيْحٍ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ وَأَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ إِذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِالْبَيْعِ فَقَدْ وَجَبَ البيع وَإِسْنَاده ضَعِيف لأجل حجاج وَهُوَ بن أَرْطَاةَ

[2110] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَبُو عَلِيِّ الْجَيَّانِيُّ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَلَعَلَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا رَوَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ قُلْتُ قَدْ رَأَيْتُهُ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبُّوَيْهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ حَبَّانَ فَقَوَّى مَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّه ثُمَّ رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ حَبَّانَ وَقَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَبَّانَ بْنَ هِلَالٍ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثَقِيلَةٌ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ هَمَّامٍ بَدَلَ شُعْبَةَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ حَبَّانَ عَنْ شَيْخَيْنِ حَدَّثَاهُ بِهِ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ بَابٍ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَن نَافِع عَن بن عمر وَعَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَا لَمْ يُفَارِقْهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ فَارَقَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ هَلْ لِلتَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ حَدٌّ يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى الْعُرْفِ فَكُلُّ مَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ تَفَرُّقًا حكم بِهِ ومالا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا أَيْ صَدَقَ الْبَائِعُ فِي إِخْبَارِ الْمُشْتَرِي مَثَلًا وَبَيَّنَ الْعَيْبَ إِنْ كَانَ فِي السِّلْعَةِ وَصَدَقَ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَثَلًا وَبَيَّنَ الْعَيْبَ إِنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصِّدْقُ وَالْبَيَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا تَأْكِيدٌ لِلْآخَرِ قَوْلُهُ مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ شُؤْمَ التَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ فَمَحَقَ بَرَكَتَهُ وَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ مَأْجُورًا وَالْكَاذِبُ مَأْزُورًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّدْلِيسُ وَالْعَيْب دون الآخر وَرجحه بن أَبِي جَمْرَةَ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الصِّدْقِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ وَذَمُّ الْكَذِبِ وَالْحَثُّ عَلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِذَهَابِ الْبَرَكَةِ وَأَنَّ عَمَلَ الْآخِرَةِ يُحَصِّلُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

[2111] قَوْلُهُ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَي فَلَا

(4/329)


يَحْتَاجُ إِلَى التَّفَرُّقِ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَو يَقُول أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي حَصْرِ لُزُومِ الْبَيْعِ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَدْ مَضَى قَبْلُ بِبَابٍ أَن بن عُمَرَ حَمَلَهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ وَكَذَلِكَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا وَجَبَتِ الصَّفْقَةُ فَلَا خِيَار وَبِذَلِك قَالَ الْمَالِكِيَّة الا بن حبيب وَالْحَنَفِيَّة كلهم قَالَ بن حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا إِلَّا إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَقَدْ ذَهَبُوا فِي الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ فَرْقًا فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ وَلَكِنْ أَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ وَالْخِيَارُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ يُفْسِدُ الشَّرْطَ وَبِحَدِيثِ التَّحَالُفِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحَاجَةَ إِلَى الْيَمِينِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَلَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَكَانَ كَافِيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى واشهدوا إِذا تبايعتم وَالْإِشْهَادُ إِنْ وَقَعَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يُطَابِقِ الْأَمْرَ وَإِنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مَهْمَا أَمْكَنَ لَا يُصَارُ مَعَهُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ تَعَسُّفٍ وَلَا تَكَلُّفٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَقَدْ عَمِلَ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ والراوي إِذا عمل عَمِلَ بِخِلَافِ مَا رَوَى دَلَّ عَلَى وَهْنِ الْمَرْوِيِّ عِنْدَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ وَعَمِلَ بِهِ وَهُمْ أَكثر عددا رِوَايَة وَعَمَلًا وَقَدْ خَصَّ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَهْلِ الْأُصُولِ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ فِيمَا إِذَا عَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَاف مَا روى بالصحابة دون من جَاءَ بَعْدَهُمْ وَمِنْ قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الرَّاوِيَ أَعْلَمُ بِمَا روى وبن عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْخَبَرِ وَكَانَ يُفَارِقُ إِذَا بَاعَ بِبَدَنِهِ فَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مُعَارَضٌ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنَقَلَ بن التِّينِ عَنْ أَشْهَبَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَمَلِ أَهْلِ مَكَّة أَيْضا وَتعقب بِأَنَّهُ قَالَ بِهِ بن عُمَرَ ثُمَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ثُمَّ الزُّهْرِيُّ ثمَّ بن أَبِي ذِئْبٍ كَمَا مَضَى وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ سِوَى عَنْ رَبِيعَةَ وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْقَوْلَ بِخِلَافِهِ فَقَدْ سَبَقَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَقد أَشْتَدّ إِنْكَار بن عبد الْبر وبن الْعَرَبِيِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَالِكًا تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ لِكَوْنِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَة على خِلَافه قَالَ بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ لِأَنَّ وَقْتَ التَّفَرُّقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ بُيُوعَ الْغَرَرِ كَالْمُلَامَسَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَقُولُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا يَحُدُّهُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْغَرَرِ مَوْجُودٌ فِيهِ وَبِأَنَّ الْغَرَرَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَعْدُومٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَلَا غَرَرَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ إِلَّا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا ادَّعَوْا نَظِيرَ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِيجَابِ الْوِتْرِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي إِلْحَاقِ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِمَا بَعْدَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ وَقَالَ آخَرُونَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَحْسِينًا لِلْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ فِي الْحَدِيثِ التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ كَمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ ظُهُورِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْقَلُ فِيهِ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ وَمَنْفَعَتُهُ بِخِلَاف مَا ذكر وَقَالَ بن حَزْمٍ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْأَبْدَانِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثَابِتٌ أَمَّا حَيْثُ

(4/330)


قُلْنَا التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فَوَاضِحٌ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَلَامِ فَوَاضِحٌ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَثَلًا بِعْتُكَهُ بِعَشْرَةٍ وَقَوْلَ الْآخَرِ بَلْ بِعِشْرِينَ مَثَلًا افْتِرَاقٌ فِي الْكَلَامِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِعَشْرَةٍ فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ مُتَوَافِقَانِ فَيَتَعَيَّنُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا حِينَ يَتَّفِقَانِ لَا حِينَ يَتَفَرَّقَانِ وَهُوَ الْمُدَّعَى وقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُتَسَاوِمَانِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَجَازٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا أَوْلَى وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِآيَاتٍ وَأَحَادِيثَ اسْتُعْمِلَ فِيهَا الْمَجَازُ وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْبَائِعِ فِي السَّائِمِ فَقَدْ غَفَلَ عَنِ اتِّسَاعِ اللُّغَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِي مَوْضِعٍ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَالْأَصْلُ مِنَ الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَقَالُوا أَيْضًا وَقْتُ التَّفَرُّقِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ قَالُوا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ أَوْ تَرْكِهِ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ يُوجِبَ الْمُشْتَرِي وَهَكَذَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بن أبان مِنْهُم وَحَكَاهُ بن خويزمنداد عَنْ مَالِكٍ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّ الْقَبُولَ يَتَعَذَّرُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا فَأُجِيبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ فِي الْحَالِ حَقِيقَةٌ وَفِيمَا عَدَاهُ مَجَازٌ فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَكَانَ لِغَيْرِ الْبَيِّعَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّهُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ التَّفَرُّقِ عَلَى الْكَلَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُجَازَانِ فَالْأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَأَيْضًا فَالْمُتَبَايِعَانِ لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةً إِلَّا فِي حِينِ تَعَاقُدِهِمَا لَكِنَّ عَقْدَهُمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا بِإِبْرَامِ الْعَقْدِ أَوِ التَّفَرُّقِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُتَعَاقِدَانِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا تَسْمِيَتُهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ بِخِلَافِ حَمْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاتِّفَاقٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ التَّفَرُّقُ يَقَعُ بِالْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا من سعته وَأجِيب بِأَنَّهُ سمي بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُفْضِي إِلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَنْ نَفَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ ارْتَكَبَ مُجَازَيْنِ بِحَمْلِهِ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ وَحَمْلِهِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ وَأَيْضًا فَكَلَامُ الشَّارِعِ يُصَانُ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُهُ إِنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إِنْ شَاءَا عَقَدَا الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَاهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيُقَالُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ مَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَرُّقُ أَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ أَمْ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَمَا هُوَ فَلَيْسَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَلَامٌ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ذَلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَمَّ بَيْعُهُمَا بِهِ هُوَ الْكَلَامَ الَّذِي افْتَرَقَا بِهِ وَانْفَسَخَ بَيْعُهُمَا بِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَقَالَ آخَرُونَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ وَبَيَانُ تَعَذُّرِهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِنِ اتَّفَقَا فِي الْفَسْخِ أَوِ الْإِمْضَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ خِيَارٌ وَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ جمع بَين النقيضين وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ وَأَمَّا الْإِمْضَاءُ فَلَا احْتِيَاجَ إِلَى اخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْحَالُ يُفْضِي إِلَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ وَقَالَ آخَرُونَ حَدِيث بن عُمَرَ هَذَا وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحبه خشيَة أَن يستقيله قَالَ بن الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي الظَّاهِرِ فَإِنْ تَأَوَّلُوا الِاسْتِقَالَةَ فِيهِ عَلَى الْفَسْخِ تَأَوَّلْنَا الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ وَإِذَا تَعَارَضَ التَّأْوِيلَانِ فُزِعَ إِلَى التَّرْجِيحِ وَالْقِيَاسُ فِي جانبنا فَيرجع وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَمْلَ الِاسْتِقَالَةِ عَلَى الْفَسْخِ أَوْضَحُ مِنْ حَمْلِ الْخِيَارِ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ

(4/331)


الِاسْتِقَالَةِ لَمْ تَمْنَعْهُ مِنَ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ الْخِيَارَ وَمَدَّهُ إِلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِقَالَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْفَسْخِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ اسْتَقَلْتُ مَا فَاتَ عَنِّي إِذَا اسْتَدْرَكَهُ فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقَالَةِ فَسْخُ النَّادِمِ مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ وَحَمَلُوا نَفْيَ الْحِلِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ وَحُسْنِ مُعَاشَرَةِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنَّ اخْتِيَار الْفَسْخ حرَام قَالَ بن حَزْمٍ احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ لِقَوْلِهِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ لِكَوْنِ الِاسْتِقَالَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّةُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ لَا فَائِدَةَ لَهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ التَّفَرُّقِ عَلَى الْقَوْلِ إِبَاحَةُ الْمُفَارَقَةِ خَشِيَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ أَوْ لَمْ يَخْشَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَكَيْفَ يُثْبِتُ الْعَقْدُ مَا يُبْطِلُهُ وَتُعُقِّبَ بِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَبِالْمُعَارَضَةِ بِنَظِيرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّقْدَ وَتَرْكَ الْأَجَلِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّرْفِ وَهُوَ يفْسد السّلم عِنْدهم وَاحْتج بَعضهم بِحَدِيث بن عُمَرَ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ فِي قِصَّةِ الْبَكْرِ الصعب وَسَيَأْتِي تَوْجِيهه وَجَوَابه وَاحْتج الطَّحَاوِيّ بقول بن عُمَرَ مَا أَدْرَكْتَ الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا هُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ يَنْقُلْهُ وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا إِنْ كَانَ غَائِبًا غِيبَةً بَعِيدَةً فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ فِيهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي انْبَرَمَ لَا عَلَى مَا لَمْ يَنْبَرِمْ جَمْعًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَيْ حَتَّى يَتَوَافَقَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ عَلَى مَاذَا تَفَارَقْتُمْ أَيْ عَلَى مَاذَا اتَّفَقْتُمْ وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ فِي بَقِيَّة حَدِيث بن عُمَرَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي طَرِيقِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهُوَ مُضْطَرِبٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَلْفَاظِهِ مُمْكِنٌ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَعَسُّفٍ فَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ وَشَرْطُ الْمُضْطَرِبِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَلْفَاظِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْخِيَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خِيَارِ الْفَسْخِ فَلَعَلَّهُ أُرِيدَ بِهِ خِيَارُ الشِّرَاءِ أَوْ خِيَارُ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يُطْلِقُ الْخِيَارَ إِرَادَةَ خِيَارِ الْفَسْخِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَكَمَا فِي حَدِيثِ الَّذِي يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَأَيْضًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُتَعَاقِدَانِ فَبَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ فِي الشِّرَاء وَلَا فِي الثّمن وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ أَكْثَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِرَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَأَكْثَره لَا يحصل مِنْهُ شَيْء وَحكى بن السَّمْعَانِيّ فِي الاصطلام عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْبَيْعُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِوَصْفٍ وَحُكْمٍ فَوَصْفُهُ اللُّزُومُ وَحُكْمُهُ الْمِلْكُ وَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَتِمَّ بِوَصْفِهِ وَحُكْمِهِ فَأَمَّا تَأْخِيرُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَفْتَرِقَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ السَّبَبَ إِذَا تَمَّ يُفِيدُ حُكْمَهُ وَلَا يَنْتَفِي إِلَّا بِعَارِضٍ وَمَنِ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَأَجَابَ أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِلْإِيقَاعِ فِي النَّدَمِ وَالنَّدَمُ يُحْوِجُ إِلَى النَّظَرِ فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ نَظَرًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِيَسْلَمَا مِنَ النَّدَمِ وَدَلِيلُهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَهُمْ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عِنْدَنَا قَالَ وَلَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِوَصْفِهِ وَحُكْمِهِ لَمَا شُرِعَتِ الْإِقَالَةُ لَكِنَّهَا شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ إِلَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ لِاسْتِدْرَاكِ نَدَمٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَمْ تَجِبْ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ شُرِعَ لاستدراك نَدم يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَوَجَبَ

(4/332)


(قَوْلُهُ بَابٌ إِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ)
أَيْ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَيْ فَيَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ وَكَانَا جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ

[2112] أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ فَيَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ وَبَطَلَ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ أَيْ لَمْ يَفْسَخْهُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِكُلِّ تَأْوِيلٍ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْقَاطِعُ لِلْخِيَارِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ التَّفَرُّقَ بِالْقَوْلِ لَخَلَا الْحَدِيثُ عَنْ فَائِدَةٍ انْتَهَى وَقَدْ أَقْدَمَ الدَّاوُدِيُّ عَلَى رَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَقَالَ قَوْلُ اللَّيْثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَا جَمِيعًا إِلَخْ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لِأَنَّ مَقَامَ اللَّيْثِ فِي نَافِعٍ لَيْسَ كَمَقَامِ مَالك ونظرائه انْتَهَى وَهُوَ رَدٌّ لِمَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَأَيُّ لَوْمٍ عَلَى مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُفَسِّرًا لِأَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ حَافِظًا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ مَعَ وُقُوعِ تَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ شَيْخَهُمْ حَدَّثَهُمْ بِهِ تَارَةً مُفَسَّرًا وَتَارَةً مُخْتَصَرًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إِلَى التَّفَرُّقِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا إِنِ اخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ فَالتَّقْدِيرُ إِلَّا الْبَيْعَ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ انْتَهَى وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَرْجِيحِهِ وَقِيلَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنِ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يُفَرِّقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ فَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تمضى الْمدَّة حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ وَتُعَيِّنُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل قيل هُوَ بن أُمَيَّةَ وَقِيلَ غَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ كَانَ عَنْ خِيَارٍ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ وَجَبَ الْبَيْعُ وَقِيلَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ إِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالْمَعْنَى أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَخْتَارُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَيَنْتَفِي الْخِيَارُ وَهَذَا أَضْعَفُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَقِيلَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ أَيْ هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ يَتَخَايَرَا وَلَوْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهُوَ قَوْلٌ يَجْمَعُ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِنْ حَمَلْنَا أَوْ عَلَى التَّقْسِيمِ لَا عَلَى الشَّكِّ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ مِنْ يُخَيِّرْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَيَحْتَمِلُ نَصْبَ الرَّاءِ عَلَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى إِلَّا أَنْ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ

(4/333)


(قَوْلُهُ بَابٌ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ)
كَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ حَصَرَ الْخِيَارَ فِي الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ

[2113] قَوْلُهُ كُلُّ بَيِّعَيْنِ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ قَوْلُهُ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَيْ لَازِمٌ قَوْلُهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَيْ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ بِالتَّفَرُّقِ قَوْلُهُ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَيْ فَيَلْزَمُ بِاشْتِرَاطِهِ كَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَظَاهِرُهُ حَصْرُ لُزُومِ الْبَيْعِ فِي التَّفَرُّقِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ جَائِزٌ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ لَازِما

[2114] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن مَنْصُور وحبان هُوَ بن هِلَالٍ قَوْلُهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا لم يَتَفَرَّقَا قَوْله قَالَ هَمَّامٌ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّ هَمَّامًا تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي الْخِيَارُ ثَلَاثُ مِرَارٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ هَمَّامٌ بِمَنْ حَدَّثَهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ ثَبَتَتْ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ فَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ الْقَائِلُ هُوَ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ الْمَذْكُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْقَائِلُ هُوَ حَبَّانُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ حَدَّثَنَا وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ هَمَّامٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ قَالَ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَحَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سَمِعَ مِنْهُ فِي مَقَامِ التَّحْدِيثِ اهـ وَفِي جَزْمِهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ سَاقَهُ بِالْإِسْنَادِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا وَحَيْثُ ذَكَرَ كَلَامَ هَمَّامٍ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَالَ

(4/334)


(قَوْلُهُ بَابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي)
أَيْ هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِذَلِكَ قَالَ بن الْمُنِيرِ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِثْبَاتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَفِيهِ قِصَّتُهُ مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ خَشِيَ أَن يعْتَرض عَلَيْهِ بِحَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْبَعِيرِ الصَّعْبِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَرَّفَ فِي الْبَكْرِ بِنَفس تَمام العقد فأسلفت الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا تَمَّتْ بِإِمْضَاءِ الْبَائِعِ وَهُوَ سُكُوتُهُ الْمُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ قَوْله وَقَالَ بن التِّينِ هَذَا تَعَسُّفٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَلَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَهَبَ مَا فِيهِ لِأَحَدٍ خِيَارٌ وَلَا إِنْكَارَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بُعِثَ مُبَيِّنًا اه وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قدبين ذَلِكَ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَارَقَ عُمَرَ بِأَنْ تَقَدَّمَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ مَثَلًا ثُمَّ وَهَبَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ وَلَا مَا يَنْفِيهِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْعَيْنِيَّةِ فِي إِبْطَالِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّرِيحَةُ مِنْ إِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى حَدِيثِ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ فَحَدِيثُ الْبَيِّعَانِ قَاضٍ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَفَى بِالْبَيَانِ السَّابِقِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا لِخِيَارِ الْبَائِعِ كَمَا فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ أَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَنْكَرَ وَلَمْ يَرْضَ فَالَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِالْكَلَامِ دُونَ اشْتِرَاطِ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ يُجِيزُونَ ذَلِكَ وَمَنْ يَرَى التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ لَا يُجِيزُونَهُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ اه وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِطْلَاقِ بَلْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَبِيعَاتِ فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا الطَّعَامَ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثَانِيهَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ثَالِثُهَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَابِعُهَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلَّا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْر وَاخْتِيَار بن الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ وَيَصِيرُ قَبْضًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا وَلَمْ يَدْفَعْ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا صِحَّتُهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة فيهمَا إنَّهُمَا لَا يصحان وَحَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْبَعِيرِ الصَّعْبِ حُجَّةٌ لِمُقَابِلِهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بن عُمَرَ كَانَ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ قَبْلَ الْهِبَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَغَوِيِّ قَالَ إِذَا أَذِنَ الْمُشْتَرِي لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ كَفَى وَتَمَّ الْبَيْعُ وَحَصَلَتِ الْهِبَةُ بَعْدَهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ من هَذَا اتِّحَاد الْقَابِض والمقبض لِأَن بن عُمَرَ كَانَ رَاكِبَ الْبَعِيرِ حِينَئِذٍ وَقَدِ احْتُجَّ بِهِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْقَبْضَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَابِ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحُمُرِ إِذَا اشْتَرَى دَابَّةً وَهُوَ عَلَيْهَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَمَا أَشْبَهَهَا دُونَ الْمَنْقُولَاتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْزِمِ الْبُخَارِيُّ بِالْحُكْمِ بَلْ أَوْرَدَ التَّرْجَمَة مورد الِاسْتِفْهَام

(4/335)


وَقَالَ بن قُدَامَةَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِالْبَيْعِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ هُوَ لَكَ أَيْ هِبَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا قُلْتُ وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاشْتَرَاهُ وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ فَعَلَى هَذَا فَهُوَ بَيْعٌ وَكَوْنُ الثَّمَنِ لَمْ يُذْكَرْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هِبَةً مَعَ التَّصْرِيحِ بِالشِّرَاءِ وَكَمَا لَمْ يَذْكُرِ الثَّمَنَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ الْمُشْتَرَطُ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَهُ بعد العقد كَمَا سَاقه أَو لَا وَسَوْقُهُ قَبْضٌ لَهُ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ قَوْلُهُ أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْهِبَةِ أَصْلًا أَلْحَقَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْعِتْقِ لِوُجُودِ النَّصِّ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ دُونَ الْعِتْقِ وَالشَّافِعِيَّةُ نَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى فِي أَنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةً وَسِرَايَةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ وَمَنْ أَلْحَقَ بِهِ مِنْهُمُ الْهِبَةَ قَالَ إِنَّ الْعِتْقَ إِتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَالْإِتْلَافُ قَبْضٌ فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيق بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَن معمر عَن أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ إِذَا بِعْتَ شَيْئًا عَلَى الرِّضَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا عَنْ رِضًا قَوْلُهُ وَقَالَ الْحميدِي فِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَجَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ عَلَّقَهُ وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ وَفِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ فِي الْهِبَةِ مَوْصُولًا قَوْلُهُ فِي سَفَرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ قَوْلُهُ عَلَى بَكْرٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَلَدُ النَّاقَةِ أَوَّلَ مَا يُرْكَبُ قَوْلُهُ صَعْبٍ أَيْ نَفُورٌ قَوْلُهُ فَبَاعَهُ زَادَ فِي الْهِبَةِ فَاشْتَرَاهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْقِيرِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمُوهُ فِي الْمَشْيِ وَفِيهِ جَوَازُ زَجْرِ الدَّوَابِّ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ عَرْضُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ بِسِلْعَتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ فِي بَيْعِهَا وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ بَدَلِ الثَّمَنِ وَمُرَاعَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ وَحِرْصُهُ عَلَى مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ

[2116] قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن زَنْجُوَيْهِ وَالرَّمَادِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ بِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا أَنَّ أَبَا صَالِحٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ كَذَلِكَ فَوَضَحَ أَنَّ لِلَّيْثِ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالًا أَيْ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا قَوْلُهُ بِالْوَادِي يَعْنِي وَادِيَ الْقُرَى قَوْلُهُ فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبَيَّ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ فَطَفِقْتُ أَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيَّ الْقَهْقَرَى قَوْلُهُ يُرَادَّنِي بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَصْلُهُ يُرَادِدُنِي أَيْ يَطْلُبُ مِنِّي اسْتِرْدَادَهُ قَوْلُهُ وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا يَعْنِي أَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَجِبَ لَهُ الْبَيْعُ وَلَا يَبْقَى لِعُثْمَانَ خِيَارٌ فِي فَسْخِهِ وَاسْتَدَلَّ بن بَطَّالٍ بِقَوْلِهِ وَكَانَتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَأَمَّا فِي الزَّمَنِ الَّذِي فعل بن عُمَرَ ذَلِكَ فَكَانَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ مَتْرُوكًا فَلِذَلِكَ فعله بن عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ هَكَذَا قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَتِ السُّنَّةُ مَا يَنْفِي اسْتِمْرَارَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقِ الْمُتَبَايِعَانِ فَتَبَايَعْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا إِشْعَارٌ بِاسْتِمْرَارِ ذَلِك وَأغْرب بن رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ لَيْسَتِ السُّنَّةُ بِافْتِرَاقِ الْأَبَدَانِ قَدِ انْتَسَخَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ أَرَ لَهَا إِسْنَادًا وَلَوْ صَحَّتْ لَمْ تُخَرَّجِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّ أَكْثَرَ

(4/336)


الصَّحَابَةِ قَدْ نُقِلَ عَنْهُمُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الِافْتِرَاقَ بِالْأَبْدَانِ قَوْلُهُ سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ أَيْ زِدْتُ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْضِهِ الَّتِي صَارَتْ إِلَيْهِ عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْضِهِ الَّتِي بَاعَهَا بِثَلَاثِ لَيَالٍ قَوْلُهُ وَسَاقَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ يَعْنِي أَنَّهُ نَقَصَ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضِي الَّتِي أَخَذَ بِهَا عَنِ الْمَسَافَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضِي الَّتِي بِعْتُهَا بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِنَّمَا قَالَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا كَانَا بهَا فَرَأى بن عُمَرَ الْغِبْطَةَ فِي الْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازُ بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَلَى الصِّفَةِ وَسَيَأْتِي نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهَا فِي بَابِ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَجَوَازُ التَّحَيُّلِ فِي إِبْطَالِ الْخِيَارِ وَتَقْدِيمُ الْمَرْءِ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْأَرْضِ بِالْأَرْضِ وَفِيهِ أَنَّ الْغَبْنَ لَا يرد بِهِ الْبَيْعِ