فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ كِتَابُ الذَّبَائِحِ
وَالصَّيْدِ)
كَذَا لِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
ذَرٍّ وَفِي أُخْرَى لَهُ وَلأبي الْوَقْت بَاب وَسقط
النَّسَفِيّ وَثَبَتَتْ لَهُ الْبَسْمَلَةُ لَاحِقَةً
وَلِأَبِي الْوَقْتِ سَابِقَةً
(9/598)
(قَوْلُهُ بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى
الصَّيْدِ)
سَقَطَ بَابٌ لِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ
وَثَبَتَ لِلْبَاقِينَ وَالصَّيْدُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ
صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا وَعُومِلَ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ
فَأُوقِعَ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُصَادِ قَوْلُهُ وَقَول
الله تَعَالَى حرمت عَلَيْكُم الْميتَة إِلَى قَوْله فَلَا
تخشوهم واخشون وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ
مِنَ الصَّيْدِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ
فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَزَادَ بَعْدَ
قَوْلِهِ الصَّيْدُ تَنَالُهُ أَيْدِيكُم ورماحكم الْآيَة
إِلَى قَوْله عَذَاب اليم وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ مِنْ
قَوْلِهِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَام
الْآيَتَيْنِ وَكَذَا لِأَبِي الْوَقْتِ لَكِنْ قَالَ
إِلَى قَوْله فَلَا تخشوهم واخشون وَفَرَّقَهُمَا فِي
رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ قَوْلُهُ قَالَ بن
عَبَّاسٍ الْعُقُودُ الْعُهُودُ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ
وَصَلَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ أَتَمَّ مِنْهُ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس قَالَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اوفوا
بِالْعُقُودِ يَعْنِي بِالْعُهُودِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
وَمَا حَرَّمَ وَمَا فَرَضَ وَمَا حَدَّ فِي الْقُرْآنِ
وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَنْكُثُوا وَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُفَرَّقًا وَنُقِلَ
مِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ
وَنُقِلَ عَنْ قَتَادَةَ الْمُرَادُ مَا كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْحَلِفِ وَنُقِلَ عَنْ غَيْرِهِ
هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ قَالَ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ ذَلِكَ
الْبَيَانَ عَمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ قَالَ وَالْعُقُودُ
جَمْعُ عَقْدٍ وَأَصْلُ عَقْدِ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ
وَصْلُهُ بِهِ كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ
قَوْلُهُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ الْخِنْزِير وَصله
أَيْضا بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بِلَفْظِ الا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم يَعْنِي الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ قَوْلُهُ يَجْرِمَنَّكُمْ
يَحْمِلَنَّكُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قوم أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ
بُغْضُ قَوْمٍ عَلَى الْعُدْوَانِ وَقد وَصله بن أَبِي
حَاتِمٍ أَيْضًا مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلَى بن
عَبَّاسٍ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ
ذَلِكَ لَكِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَاهُ قَوْلُهُ
الْمُنْخَنِقَةُ إِلَخْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
عَنِ بن عَبَّاسٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَمَا أَدْرَكْتَهُ
مِنْ هَذَا يَتَحَرَّكُ لَهُ ذَنَبٌ أَوْ تَطْرُفُ لَهُ
عَيْنٌ فَاذْبَحْ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ
حَلَالٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بِلَفْظِ الْمُنْخَنِقَةُ الَّتِي تُخْنَقُ فَتَمُوتُ
وَالْمَوْقُوذَةُ الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ حَتَّى
يُوقِذَهَا فَتَمُوتُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي
تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ وَالنَّطِيحَةُ الشَّاةُ
تَنْطَحُ الشَّاةَ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مَا أَخَذُ
السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ إِلَّا مَا أَدْرَكْتُمْ
ذَكَاتَهُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ يَتَحَرَّكُ لَهُ ذَنَبٌ
أَوْ تَطْرُفُ لَهُ عَيْنٌ فَاذْبَحْ وَاذْكُرِ اسْمَ
اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَال وَمن وَجه آخر عَن بن
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ وَأَكِيلُ السَّبُعِ وَمِنْ
طَرِيقِ قَتَادَةَ كُلُّ مَا ذُكِرَ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ
إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهُ عَيْنًا تَطْرُفُ أَوْ ذَنَبًا
يَتَحَرَّكُ أَوْ قَائِمَةً تَرْتَكِضُ فَذَكَّيْتَهُ
فَقَدْ أُحِلُّ لَكَ وَمن طَرِيق على نَحْو قَول بن
عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَضْرِبُونَ الشَّاةَ بِالْعَصَا حَتَّى
إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا
(9/599)
قَالَ وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي
تَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ
[5475] قَوْلُهُ حَدثنَا زَكَرِيَّا هُوَ بن أبي زَائِدَة
وعامر هوالشعبي وَهَذَا السَّنَدُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ هُوَ الطَّائِيُّ فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ
زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا عَامِرٌ حَدَّثَنَا عَدِّيٌّ قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ ذَكَرْتُهُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا
عَامِرٌ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ
زَكَرِيَّا مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَهُ قُلْتُ
وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ
حَاتِمٍ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ
حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ
وَكَانَ لَنَا جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا
بِالنَّهَرَيْنِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُوهُ حَاتِمٌ
هُوَ الْمَشْهُورُ بِالْجُودِ وَكَانَ هُوَ أَيْضًا
جَوَادًا وَكَانَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ الْفَتْحِ وَثَبَتَ
هُوَ وَقَوْمُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهِدَ الْفُتُوحَ
بِالْعِرَاقِ ثُمَّ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَعَاشَ إِلَى
سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ الْمِعْرَاضُ بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ
قَالَ الْخَلِيلُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ سَهْمٌ لَا رِيشَ
لَهُ وَلَا نصل وَقَالَ بن دُرَيْد وَتَبعهُ بن سِيدَهْ
سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ رِقَاقٍ فَإِذَا
رَمَى بِهِ اعْتَرَضَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمِعْرَاضُ
نَصْلٌ عَرِيضٌ لَهُ ثِقَلٌ وَرَزَانَةٌ وَقِيلَ عُودٌ
رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ وَهُوَ
الْمُسَمَّى بِالْحُذَافَةِ وَقِيلَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ
آخِرُهَا عَصًا مُحَدَّدٌ رَأْسُهَا وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ
وَقَوَّى هَذَا الْأَخِيرَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ بن
التِّينِ الْمِعْرَاضُ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ
يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ
بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ
بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَ
بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ فِي رِوَايَة بن أَبِي
السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ
بِعَرْضِهِ فَقُتِلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ
وَقِيذٌ بِالْقَافِ وَآخِرَهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَزْنَ
عَظِيمٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مَا قُتِلَ
بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ
وَالْمَوْقُوذَةُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا وَأَنَّهَا
الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبَةِ حَتَّى تَمُوتَ وَوَقَعَ
فِي رِوَايَةِ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيٍّ
الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ قُلْتُ إِنَّا نَرْمِي
بِالْمِعْرَاضِ قَالَ كُلْ مَا خَزَقَ وَهُوَ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ نَفَذَ
يُقَالُ سَهْمٌ خَازِقٌ أَيْ نَافِذٌ وَيُقَالُ بِالسِّينِ
الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الزَّايِ وَقِيلَ الْخَزْقُ
بِالزَّايِ وَقِيلَ تُبْدَلُ سِينًا الْخَدْشُ وَلَا
يَثْبُتُ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ بِالرَّاءِ فَهُوَ أَنْ
يَثْقُبَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّهْمَ وَمَا فِي
مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ
وَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاتَهُ وَإِذَا أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ
لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَشَبَةِ
الثَّقِيلَةِ وَالْحَجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ
الْمُثَقَّلِ وَقَوْلُهُ بِعَرْضِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ
أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ
لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَعَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ حَلَّ
ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ
الْكَلْبِ فَقَالَ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإِنَّ
أَخذ الْكَلْب ذَكَاة فِي رِوَايَة بن أَبِي السَّفَرِ
إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَسَمَّيْتَ فَكُلْ وَفِي
رِوَايَةِ بَيَانِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الشَّعْبِيِّ
الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ
الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا
أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَلَّمَةِ
الَّتِي إِذَا أَغْرَاهَا صَاحِبُهَا عَلَى الصَّيْدِ
طَلَبَتْهُ وَإِذَا زَجَرَهَا انْزَجَرَتْ وَإِذَا
أَخَذَتِ الصَّيْدَ حَبَسَتْهُ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا
الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِهِ وَاخْتُلِفَ مَتَى
يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي
التَّهْذِيبِ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ يَكْفِي مَرَّتَيْنِ وَقَالَ
الرَّافِعِيُّ لَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُعْظَمُ لِاضْطِرَابِ
الْعُرْفِ وَاخْتِلَافِ طِبَاعِ الْجَوَارِحِ فَصَارَ
الْمَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيٍّ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَمَّا
التِّرْمِذِيُّ فَلَفْظُهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي
فَقَالَ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ وَأَمَّا أَبُو
دَاوُدَ فَلَفْظُهُ مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ
ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا
أَمْسَكَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلَ قَالَ إِذَا
قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا
يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبَازِ وَالصُّقُورِ بَأْسًا اه وَفِي
مَعْنَى الْبَازِ الصَّقْرُ وَالْعُقَابُ وَالْبَاشِقُ
وَالشَّاهِينُ وَقَدْ فَسَّرَ مُجَاهِدٌ الْجَوَارِحَ فِي
الْآيَةِ
(9/600)
بِالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ بن عمر وبن عَبَّاسٍ
مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَيْدِ الْكَلْبِ وَالطَّيْرِ
قَوْله إِذا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ فَإِنْ
وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ فِي رِوَايَةِ
بَيَانٍ وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا
تَأْكُلْ وَزَادَ فِي رِوَايَته بعد قَوْله مِمَّا امسكن
عَلَيْك وَإِنْ قَتَلْنَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ
فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى
نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي السَّفَرِ قُلْتُ فَإِنْ
أَكَلَ قَالَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ
عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَسَيَأْتِي
بَعْدَ أَبْوَابٍ زِيَادَةٌ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ فِي رَمْي الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ
وَوَجَدَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْحَدِيثِ
اشْتِرَاطُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الصَّيْدِ وَقَدْ وَقَعَ
فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ
أَبْوَابٍ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ
فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى
مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي
كَوْنِهَا شَرْطًا فِي حِلِّ الْأَكْلِ فَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
وَأَحْمَدَ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا
أَوْ سَهْوًا لَمْ يَقْدَحْ فِي حِلِّ الْأَكْلِ وَذَهَبَ
أَحْمَدُ فِي الرَّاجِحِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِجَعْلِهَا شَرْطًا
فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ وَلِإِيقَافِ الْإِذْنِ فِي الْأَكْلِ
عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالْمُعَلَّقُ
بِالْوَصْفِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ مَنْ
يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَالشَّرْطُ أَقْوَى مِنَ
الْوَصْفِ وَيَتَأَكَّدُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ
الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَمَا أُذِنَ فِيهِ
مِنْهَا تُرَاعَى صِفَتُهُ فَالْمُسَمَّى عَلَيْهَا
وَافَقَ الْوَصْفَ وَغَيْرُ الْمُسَمَّى بَاقٍ عَلَى
أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ
وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى
الْجَوَازِ لِمَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا لَا عَمْدًا لَكِنِ
اخْتُلِفَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ هَلْ تَحْرُمُ أَوْ
تُكْرَهُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَحْرُمُ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمْدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَصَحُّهَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَقِيلَ خِلَافُ الْأُولَى
وَقِيلَ يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَلَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ
الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ فَذَهَبَ فِي الذَّبِيحَةِ إِلَى
هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَسَيَأْتِي حُجَّةُ مَنْ لَمْ
يَشْتَرِطْهُ فِيهَا فِي الذَّبَائِحِ مُفَصَّلَةً وَفِيهِ
إِبَاحَةُ الِاصْطِيَادِ بِالْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ
وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ
وَقَالَا لَا يَحِلُّ الصَّيْدُ بِهِ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ
وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَتَادَةَ
نَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ مَا أَمْسَكَهُ
الْكَلْبُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ لَمْ
يُذْبَحْ لِقَوْلِهِ إِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ
فَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابِهِ حَلَّ
وَكَذَا بِثِقَلِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ وَكَذَا لَوْ
لَمْ يَقْتُلْهُ الْكَلْبُ لَكِنْ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ
وَلَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يُمْكِنُ صَاحِبَهُ فِيهِ لَحَاقُهُ
وَذَبْحُهُ فَمَاتَ حَلَّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فَإِنَّ
أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ وَهَذَا فِي الْمُعَلَّمِ فَلَوْ
وَجَدَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَأَدْرَكَ
ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَلَوْ
لَمْ يَذْبَحْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ حَرُمَ سَوَاءٌ كَانَ
عدم الذّبْح اخْتِيَارا أَو اضطرارا كَعَدَمِ حُضُورِ
آلَةِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ الْكَلْبُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ
اشْتَرَطَ إِدْرَاكَ تَذْكِيَتِهِ فَلَوْ أَدْرَكَهُ
مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ
مَا شَارَكَهُ فِيهِ كَلْبٌ آخَرُ فِي اصْطِيَادِهِ
وَمَحِلُّهُ مَا إِذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ
أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَإِنْ
تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ
الذَّكَاة حل ثمَّ ينظر فَإِن ارسلاهما مَعًا فَهُوَ لَهما
وَإِلَّا فللأول ويوخذ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيلِ فِي
قَوْلِهِ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ
تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ
الْمُرْسِلَ لَوْ سَمَّى عَلَى الْكَلْبِ لَحَلَّ وَوَقَعَ
فِي رِوَايَةِ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِنْ
خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَفِيهِ
حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ لِأَنَّ
الِاعْتِمَادَ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى التَّذْكِيَةِ لَا
عَلَى إِمْسَاكِ الْكَلْبِ وَفِيهِ تَحْرِيمُ أَكْلِ
الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ
الْكَلْبُ مُعَلَّمًا وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْحَدِيثِ
بِالْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى
نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ
مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ
يَحِلُّ وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً
فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ كُلْ مِمَّا
(9/601)
أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ
مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ وَلَا بَأْسَ بِسَنَدِهِ وَسَلَكَ النَّاسُ فِي
الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ طُرُقًا مِنْهَا
لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا إِذَا قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ ثُمَّ
عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ فَرِوَايَةُ
عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا
وَرِوَايَةُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورَةُ فِي غَيْرِ
الصَّحِيحَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي تَضْعِيفِهَا وَأَيْضًا
فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ صَرِيحَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْلِيلِ
الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَوْفُ الْإِمْسَاكِ
عَلَى نَفْسِهِ مُتَأَيِّدَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي
الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ
الْمُبِيحِ رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْلِ وَظَاهِرِ
الْقُرْآنِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَكُلُوا
مِمَّا امسكن عَلَيْكُم فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ
الَّذِي يُمْسِكُهُ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ لَا يُبَاحُ
وَيَتَقَوَّى أَيْضًا بِالشَّاهِدِ مِنْ حَدِيث بن
عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِذَا أَرْسَلْتَ الْكَلْبَ
فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ
عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ
يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاس
وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ
بِمَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْإِمْسَاكِ كَافِيًا
لِمَا احْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ عَلَيْكُمْ وَمِنْهَا
لِلْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ حَمْلُ حَدِيثِ عَدِيٍّ
عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ
عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمُنَاسَبَةُ
ذَلِكَ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ مُوسِرًا فَاخْتِيرَ لَهُ
الْحَمْلُ عَلَى الْأَوْلَى بِخِلَافِ أَبِي ثَعْلَبَةَ
فَإِنَّهُ كَانَ بِعَكْسِهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا
التَّمَسُّكُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْلِيلِ فِي
الْحَدِيثِ بِخَوْفِ الْإِمْسَاكِ على نَفسه وَقَالَ بن
التِّينِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ عَامٌّ
فَيُحْمَلُ عَلَى الَّذِي أَدْرَكَهُ مَيِّتًا مِنْ
شِدَّةِ الْعَدْوِ أَوْ مِنَ الصَّدْمَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ
لِأَنَّهُ صَارَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا
الْإِرْسَالُ وَلَا الْإِمْسَاكُ عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ
فَلَا تَأْكُلْ أَيْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ غَيْرُ مُجَرَّدِ
الْأَكْلِ دُونَ إِرْسَالِ الصَّائِدِ لَهُ وَتَكُونُ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَقْطُوعَةً عَمَّا قَبْلَهَا وَلَا
يَخْفَى تَعَسُّفُ هَذَا وَبُعْدُهُ وَقَالَ بن
الْقَصَّارِ مُجَرَّدُ إِرْسَالِنَا الْكَلْبَ إِمْسَاكٌ
عَلَيْنَا لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا
يَصِحُّ مِنْهُ مَيْزُهَا وَإِنَّمَا يَتَصَيَّدُ
بِالتَّعْلِيمِ فَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِأَنْ
يُمْسِكَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ
الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَتَمَيَّزَ ذَلِكَ
بِنِيَّةِ مَنْ لَهُ نِيَّةٌ وَهُوَ مُرْسِلُهُ فَإِذَا
أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ
يُرْسِلْهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ وَلَا
يَخْفَى بُعْدُهُ أَيْضًا وَمُصَادَمَتُهُ لِسِيَاقِ
الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُور أَن معنى قَوْله
امسكن عَلَيْكُم صِدْنَ لَكُمْ وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ
أَكْلَهُ مِنْهُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ
لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إِنْ
شَرِبَ مِنْ دَمِهِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ
يُعَلَّمْ مَا عَلَّمْتَهُ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى
أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي أَكْلِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ التَّعْلِيمَ الْمُشْتَرَطَ وَسَلَكَ
بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْجِيحَ فَقَالَ هَذِهِ
اللَّفْظَةُ ذَكَرَهَا الشَّعْبِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا
هَمَّامٌ وَعَارَضَهَا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَهَذَا
تَرْجِيحٌ مَرْدُودٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَمَسَّكَ
بَعْضُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ إِذَا
أَخَذَهُ الْكَلْبُ بِفِيهِ وَهَمَّ بِأَكْلِهِ فَأُدْرِكَ
قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَ فَلَوْ كَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ
دَالًّا عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ لَكَانَ
تَنَاوُلُهُ بِفِيهِ وَشُرُوعُهُ فِي أَكْلِهِ كَذَلِكَ
وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقِفَ الصَّائِدُ حَتَّى
يَنْظُرَ هَلْ يَأْكُلُ أَوْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ إِبَاحَةُ الِاصْطِيَادِ لِلِانْتِفَاعِ
بِالصَّيْدِ لِلْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَكَذَا اللَّهْوُ
بِشَرْطِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ وَالِانْتِفَاعِ وَكَرِهَهُ
مَالِكٌ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ اللَّيْثُ لَا
أَعْلَمُ حَقًّا أَشْبَهَ بِبَاطِلٍ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ
يَقْصِدِ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مِنَ
الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ عَبَثًا
وَيَنْقَدِحُ أَنْ يُقَال بباح فَإِنْ لَازَمَهُ
وَأَكْثَرَ مِنْهُ كُرِهَ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْغَلُهُ عَنْ
بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ مَنْ
سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ
غَفَلَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَآخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَفِيهِ جَوَازُ
اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ لِلصَّيْدِ وَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِيهِ فِي حَدِيث من اقتني
(9/602)
كلهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ
بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ لِلْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ
كَلْبُكَ وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّهَا إِضَافَةُ
اخْتِصَاصٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ
كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكِلَابِ
لِلْإِذْنِ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكَلَ
مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْغَسْلَ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا
لَبَيَّنَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إِلَى الْبَيَانِ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُعْفَى عَنْ مَعَضِّ
الْكَلْبِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ بِأَنَّ وُجُوبَ
الْغَسْلِ كَانَ قَدِ اشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ وَعُلِمَ
فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ
يَتَقَوَّى الْقَوْلُ بِالْعَفْوِ لِأَنَّهُ بِشِدَّةِ
الْجَرْيِ يَجِفُّ رِيقُهُ فَيُؤْمَنُ مَعَهُ مَا يُخْشَى
مِنْ إِصَابَةِ لُعَابِهِ مَوْضِعَ الْعَضِّ وَاسْتُدِلَّ
بِقَوْلِهِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ بِأَنَّهُ لَوْ
أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَاصْطَادَ غَيْرَهُ حَلَّ
لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ مَا أَمْسَكَ وَهَذَا
قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ وَهُوَ
رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ عَن الشَّافِعِي تَنْبِيه قَالَ
بن الْمُنِيرِ لَيْسَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنَ الاي
وَالْأَحَادِيث تعرض التَّسْمِيَة الْمُتَرْجَمِ عَلَيْهَا
إِلَّا آخِرُ حَدِيثِ عَدِيٍّ فَكَأَنَّهُ عَدَّهُ
بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَتْهُ الْأَدِلَّةُ مِنَ
التَّسْمِيَةِ وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافٌ فِي
الْمُجْمَلِ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ
مُبَيِّنَةٌ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْمُجْمَلُ
مَعَهَا أَوْ إِيَّاهَا خَاصَّةً انْتَهَى وَقَوْلُهُ
الْأَحَادِيثَ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْبَابِ عِدَّةَ
أَحَادِيثَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ إِلَّا حَدِيثَ عَدِيٍّ نَعَمْ ذَكَرَ فِيهِ
تَفَاسِيرَ بن عَبَّاسٍ فَكَأَنَّهُ عَدَّهَا أَحَادِيثَ
وَبَحْثُهُ فِي التَّسْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ
حَدِيثِ عَدِيٍّ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ
الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي
الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ
الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَقَدْ أَوْرَدَ
الْبُخَارِيُّ بعده بِقَلِيل من طَرِيق بن أَبِي السَّفَرِ
عَنِ الشَّعْبِيِّ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ
فَكُلْ وَمِنْ رِوَايَةِ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ إِذَا
أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ
اللَّهِ فَكُلْ فَلَمَّا كَانَ الْأَخْذُ بِقَيْدِ
الْمُعَلَّمِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ
فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى كَانَت التَّسْمِيَة كَذَلِك
وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ)
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الَّذِي قبله قَوْله وَقَالَ بن
عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ تِلْكَ
الْمَوْقُوذَةُ وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ
وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ أَمَّا
أثر بن عُمَرَ فَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي عَامِرٍ الْعَقدي عَن زُهَيْر هُوَ بن مُحَمَّد عَن
زيد بن أسلم عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
الْمَقْتُولَةُ بِالْبُنْدُقَةِ تِلْكَ الموقوذة وَأخرج بن
أبي شيبَة من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ
لَا يَأْكُلُ مَا أَصَابَتِ الْبُنْدُقَةُ وَلِمَالِكٍ فِي
الْمُوَطَّأِ عَنْ
(9/603)
نَافِعٍ رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ
فَأَصَبْتُهُمَا فَإِمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فطرحه بن
عمر وَأما سَالم وَهُوَ بن عبد الله بن عمر وَالقَاسِم
وَهُوَ بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق فَأخْرج بن أَبِي
شَيْبَةَ عَنِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ
الْبُنْدُقَةَ إِلَّا مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ
وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قُتِلَ
بِالْمِعْرَاضِ وَالْبُنْدُقَةِ وَأَمَّا مُجَاهِدٌ
فَأخْرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ
كَرِهَهُ زَادَ فِي أَحَدِهِمَا لَا تَأْكُلْ إِلَّا أَنْ
يُذَكَّى وَأما ابرهيم وَهُوَ النَّخعِيّ فَأخْرج بن أَبِي
شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ لَا تَأْكُلْ
مَا أَصَبْتَ بِالْبُنْدُقَةِ إِلَّا أَنْ يُذَكَّى وَأما
عَطاء فَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ
عَطَاءٌ إِنْ رَمَيْتَ صَيْدًا بِبُنْدُقَةٍ فَأَدْرَكْتَ
ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ وَإِلَّا فَلَا تَأْكُلْهُ وَأَمَّا
الْحسن وَهُوَ الْبَصْرِيّ فَقَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ
إِذَا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ بِالْجُلَّاهِقَةِ فَلَا
تَأْكُلْ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ
وَالْجُلَّاهِقَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ
وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا قَافٌ هِيَ الْبُنْدُقَةِ
بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْجَمْعُ جُلَّاهِقُ قَوْلُهُ
وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى
وَالْأَمْصَارِ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ
وَصَلَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ
الشَّعْبِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي
الْبَابِ الَّذِي قبله
(قَوْلُهُ بَابُ مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ
بَيَّنْتُ مَا فِيهِ فِي الْبَاب الأول
(9/604)
(قَوْلُهُ بَابُ صَيْدِ الْقَوْسِ)
الْقَوْسُ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ وَغَيْرُ
مُرَكَّبَةٍ وَيُطْلَقُ لَفْظُ الْقَوْسِ أَيْضًا عَلَى
الثَّمَرِ الَّذِي يَبْقَى فِي أَسْفَلِ النَّخْلَةِ
وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ
وَإِبْرَاهِيمُ إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ
أَوْ رِجْلٌ لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ وَكُلْ سَائِرَهُ
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَأْكُلُ سَائِرَهُ
أَمَّا أَثَرُ الْحسن فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ صَيْدًا
فَأَبَانَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ
مَاتَ قَالَ لَا تَأْكُلْهُ وَلَا تَأْكُلْ مَا بَانَ
مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَضْرِبَهُ فَتَقْطَعَهُ فَيَمُوتَ
مِنْ سَاعَتِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَأْكُلْهُ
وَقَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ سَائِرُهُ يَعْنِي بَاقِيَهُ
وَأَمَّا أَثَرُ إِبْرَاهِيمَ فَرُوِّينَاهُ مِنْ
رِوَايَتِهِ لَا مِنْ رَأْيِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يتعقبه
فَكَأَنَّهُ رضيه وَقَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ إِذَا ضَرَبَ
الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَبَانَ مِنْهُ عُضْوٌ تَرَكَ مَا
سَقَطَ وَأَكَلَ مَا بَقِيَ قَالَ بن الْمُنْذر اخْتلفُوا
فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ لَا
تَأْكُلِ الْعُضْوَ مِنْهُ وَذَكِّ الصَّيْدَ وَكُلْهُ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِنْ عَدَا حَيًّا بَعْدَ سُقُوطِ
الْعُضْوِ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلِ الْعُضْوَ وَذَكِّ
الصَّيْدَ وَكُلْهُ وَإِنْ مَاتَ حِينَ ضَرَبَهُ فَكُلْهُ
كُلَّهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ لَا فَرْقَ
أَنْ يَنْقَطِعَ قِطْعَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ إِذَا مَاتَ
مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي
حَنِيفَةَ إِنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أُكِلَا جَمِيعًا
وَإِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ
فَكَذَلِكَ وَمِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ الثُّلُثَيْنِ
مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَلَا يَأْكُلُ الثُّلُثَ الَّذِي
يَلِي الْعَجُزَ قَوْلُهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ
النَّخَعِيُّ إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ هُوَ
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ
فَهُوَ الْمَكَانُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ
زَيْدٍ اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ الله
حمَار الخ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ
يُونُسَ عَنِ الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب قَالَ سُئِلَ بن
مَسْعُودٍ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رِجْلَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ
فَقَطَعَهَا فَقَالَ دَعُوا مَا سَقَطَ وَذَكُّوا مَا
بَقِيَ وَكُلُوهُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ نِسْبَةُ زَيْدٍ
وَأَنَّهُ بن وَهْبٍ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ وَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ الْحِمَارَ
كَانَ حِمَارَ وَحْشٍ وَأَمَّا الرجل الَّذِي من آل بن
مَسْعُود فَلم اعرف اسْمه وَقد ردد بن التِّينِ فِي
شَرْحِهِ النَّظَرَ هَلْ هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ أَوْ
أَهْلِيٌّ وَشَرَعَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَنِ
الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ
وَمُطَابَقَةُ هَذِهِ الْآثَارِ لِحَدِيثِ الْبَابِ مِنْ
جِهَةِ اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِي قَوْلِهِ فَأَدْرَكْتَ
ذَكَاتَهُ فَكُلْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الصَّيْدَ
إِذَا مَاتَ بِالصَّدْمَةِ مِنْ قَبْلِ أَن يدْرك ذَكَاته
لَا يُؤْكَل قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
السَّهْمَ إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ فَجَرَحَهُ جَازَ
أَكْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدْرِ على مَاتَ بِالْجَرْحِ أَوْ
مِنْ سُقُوطِهِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى
الْأَرْضِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى
جَبَلٍ مَثَلًا فَتَرَدَّى مِنْهُ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ
وَأَنَّ السَّهْمَ إِذَا لَمْ يَنْفُذْ مَقَاتِلَهُ لَا
يُؤْكَلُ إِلَّا إِذَا أدْركْت ذَكَاته وَقَالَ بن
التِّينِ إِذَا قُطِعَ مِنَ الصَّيْدِ مَا لَا يُتَوَهَّمُ
حَيَاتُهُ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ أَنْفَذَهُ بِتِلْكَ
الضَّرْبَةِ فَقَامَتْ مَقَامَ التَّذْكِيَةِ وَهَذَا
مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ
[5478] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ
هُوَ الْمُقْرِئ وحيوة هُوَ بن شُرَيْحٍ قَوْلُهُ عَنْ
أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ
الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ نُونٍ نِسْبَةً إِلَى
بَنِي خُشَيْنٍ بَطْنٌ مِنَ النَّمِرِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ
تَغْلِبَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ
وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحدَة بْنِ حُلْوَانَ بْنِ
عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ قَوْلُهُ قُلْتُ
يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ
(9/605)
كِتَابٍ يَعْنِي بِالشَّامِ وَكَانَ
جَمَاعَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ قَدْ سَكَنُوا
الشَّامَ وَتَنَصَّرُوا مِنْهُمْ آلُ غَسَّانَ وَتَنُوخُ
وَبَهْزٌ وَبُطُونٌ مِنْ قُضَاعَةَ مِنْهُمْ بَنُو
خُشَيْنٍ آلُ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ
أَبِي ثَعْلَبَةَ فَقِيلَ جُرْثُومٌ وَهُوَ قَوْلُ
الْأَكْثَرِ وَقِيلَ جُرْهُمٌ وَقِيلَ نَاشِبٌ وَقِيلَ
جَرْثَمٌ وَهُوَ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِغَيْرِ إِشْبَاعٍ
وَقِيلَ جُرْثُومَةُ وَهُوَ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ
بِزِيَادَةِ هَاءٍ وَقِيلَ غُرْنُوقٌ وَقِيلَ نَاشِرٌ
وَقِيلَ لَاشِرٌ وَقِيلَ لَاشٌ وَقِيلَ لاشن وَقيل لاشومة
وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ
نَاشِبٌ وَقِيلَ نَاسِبٌ بِمُهْمَلَةٍ وَقِيلَ
بِمُعْجَمَةٍ وَقِيلَ نَاشِرٌ وَقِيلَ لَاشِرٌ وَقِيلَ
لَاشٌ وَقِيلَ لَاشِنٌ وَقِيلَ لَاشِمٌ وَقِيلَ لَاسِمٌ
وَقِيلَ جُلْهُمٌ وَقِيلَ حِمْيَرٌ وَقِيلَ جُرْهُمٌ
وَقِيلَ جُرْثُومٌ وَيَجْتَمِعُ مِنِ اسْمِهِ وَاسْمِ
أَبِيهِ بِالتَّرْكِيبِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا
وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ خَيْبَرَ وَشَهِدَ بَيْعَةَ
الرِّضْوَانِ وَتَوَجَّهَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا
وَلَهُ أَخٌ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو أَسْلَمَ أَيْضًا
قَوْلُهُ فِي آنِيَتِهِمْ جَمْعُ إِنَاءٍ وَالْأَوَانِي
جَمْعُ آنِيَةٍ وَقَدْ وَقَعَ الْجَوَابُ عَنْهُ فَإِنْ
وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا فَتَمْسَّكَ
بِهَذَا الْأَمْرِ مَنْ رَأَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ آنِيَّةِ
أَهْلِ الْكِتَابِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْغَسْلِ لِكَثْرَةِ
اسْتِعْمَالِهِمُ النَّجَاسَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَتَدَيَّنُ بِمُلَابَسَتِهَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى
تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ
بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ الظَّنَّ
الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْغَالِبِ رَاجِحٌ عَلَى الظَّنِّ
الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْأَصْلِ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ
بِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَصْلِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ
النَّجَاسَةُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ
بِالْغَسْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ احْتِيَاطًا
جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَى التَّمَسُّكِ
بِالْأَصْلِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ حَالُ مَنْ يَتَحَقَّقُ النَّجَاسَةُ فِيهِ
وَيُؤَيِّدُهُ ذِكْرُ الْمَجُوسِ لِأَنَّ أَوَانِيَهُمْ
نَجِسَةٌ لِكَوْنِهِمْ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَقَالَ
النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْآنِيَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ آنِيَةُ مَنْ يَطْبُخُ فِيهَا لَحْمَ
الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُ فِيهَا الْخَمْرَ كَمَا وَقَعَ
التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنَّا
نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي
قُدُورِهِمُ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ
الْخَمْرَ فَقَالَ فَذَكَرَ الْجَوَابَ وَأَمَّا
الْفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ مُطْلَقُ آنِيَّةِ الْكُفَّارِ
الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَةِ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا وَلَوْ لَمْ تُغْسَلْ
عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْغَسْلَ لِلْخُرُوجِ
مِنَ الْخِلَافِ لَا لِثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهَا بِلَا غَسْلٍ
مَكْرُوهًا بِنَاءً عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَهُوَ
الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا مَعَ
الْغَسْلِ رُخْصَةٌ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِلنَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ
فِيهَا مُطْلَقًا وَتَعْلِيقُ الْإِذْنِ عَلَى عَدَمِ
غَيْرِهَا مَعَ غَسْلِهَا وَتَمَسَّكَ بِهَذَا بَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَسْرُ
آنِيَّةِ الْخَمْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِنَاءً عَلَى
أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَاسْتَدَلَّ
بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَوْ كَانَ
مُطَهِّرًا لَهَا لَمَا كَانَ لِلتَّفْصِيلِ مَعْنًى
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي كَوْنِ
الْعَيْنِ تَصِيرُ نَجِسَةً بِحَيْثُ لَا تَطْهُرُ أَصْلًا
بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ لِلْأَخْذِ
بِالْأَوْلَى فَإِنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي يُطْبَخُ فِيهِ
الْخِنْزِيرُ يُسْتَقْذَرُ وَلَوْ غُسِلَ كَمَا يُكْرَهُ
الشُّرْبُ فِي الْمِحْجَمَةِ وَلَوْ غُسِلَتِ
اسْتِقْذَارًا وَمَشى بن حزم على طاهريته فَقَالَ لَا
يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهَا
وَالثَّانِي غَسْلُهَا وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ
أَنَّ أَمْرَهُ بِالْغَسْلِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهَا
دَالٌّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْغَسْلِ وَالْأَمْرُ
بِاجْتِنَابِهَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِلْمُبَالَغَةِ
فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا كَمَا فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ
الْآتِي بَعْدُ فِي الْأَمْرِ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي
طُبِخَتْ فِيهَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ
نَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ فَأَمَرَ بِالْكَسْرِ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا ثُمَّ أَذِنَ
فِي الْغَسْلِ تَرْخِيصًا فَكَذَلِكَ يُتَّجَهُ هَذَا
هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ
أَصِيدُ بِقَوْسِي فَقَالَ فِي جَوَابِهِ وَمَا صِدْتَ
بِقَوْسِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ تَمَسَّكَ
بِهِ مَنْ أَوْجَبَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الصَّيْدِ وَعَلَى
الذَّبِيحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَذَا تَقَدَّمَتْ
مَبَاحِثُ السُّؤَالِ الثَّالِثِ وَهُوَ الصَّيْدُ
بِالْكَلْبِ وَقَوْلُهُ فَكُلْ وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
(9/606)
جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ
أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي
كِلَابًا مُكَلَّبَةً الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَفْتِنِي فِي
قَوْسِي قَالَ كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ
ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي
قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَصِلَّ أَوْ
تَجِدَ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ وَقَوْلُهُ يَصِلُّ
بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَلَامٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ
يُنْتِنُ وَسَيَأْتِي مَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ
ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ فِي بَابِ الصَّيْدِ إِذَا غَابَ
يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ
الْفَوَائِدِ جَمْعُ الْمَسَائِلِ وَإِيرَادُهَا دَفْعَةً
وَاحِدَةً وَتَفْصِيلُ الْجَوَابِ عَنْهَا وَاحِدَةً
وَاحِدَةً بِلَفْظ أما وَأما
(قَوْلُهُ بَابُ الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ)
أَمَّا الْخَذْفُ فَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي الْبَابِ
وَأَمَّا الْبُنْدُقَةُ مَعْرُوفَةٌ تُتَّخَذُ مِنْ طِينٍ
وَتَيْبَسُ فَيُرْمَى بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَشْيَاءُ
تَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ
[5479] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ
يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنُ رَاشِدِ بْنِ بِلَالٍ
الْقَطَّانُ الرَّازِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ نَسَبَهُ
الْبُخَارِيُّ إِلَى جَدِّهِ وَفِي طبقته يُوسُف بن مُوسَى
التسترِي نزيل الرَّيَّ فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ كَانَ
يَخْشَى أَنْ يَلْتَبِسَ بِهِ قَوْلُهُ وَاللَّفْظُ
لِيَزِيدَ قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْ
وَكِيعٍ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَتْنِ دُونَ الْقِصَّةِ
وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى
الْقَطَّانِ وَوَكِيعٌ كِلَاهُمَا عَنْ كَهْمَسٍ
مَقْرُونًا وَقَالَ إِنَّ السِّيَاقَ لِيَحْيَى
وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَوْلُهُ إِنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَمْ
أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ كَهْمَسٍ رَأَى
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ
قَرِيبٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَوْلُهُ
يَخْذِفُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَآخِرُهُ فَاءٌ أَيْ يَرْمِي
بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ أَوْ بَيْنَ
الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ أَوْ على ظَاهر الْوُسْطَى
وباطن الْإِبْهَام وَقَالَ بن فَارِسٍ خَذَفْتَ الْحَصَاةَ
رَمَيْتَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ وَقِيلَ فِي حَصَى
الْخَذْفِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ
مِنَ الْيُمْنَى وَالْإِبْهَامِ مِنَ الْيُسْرَى ثُمَّ
يقذفها بالسبابة من الْيَمين وَقَالَ بن سِيدَهْ خَذَفَ
بِالشَّيْءِ يَخْذِفُ فَارِسِيٌّ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ
الْحَصَى قَالَ وَالْمِخْذَفَةُ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا
الْحَجْرُ وَيُرْمَى بِهَا الطَّيْرُ وَيُطْلَقُ عَلَى
الْمِقْلَاعِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ قَوْلُهُ
نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ فِي
رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ وَكِيعٍ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ
وَلَمْ يَشُكَّ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ
عَنْ كَهْمَسٍ بِالشَّكِّ وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ
كَهْمَسٍ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ قَالَ
الْمُهَلَّبُ أَبَاحَ اللَّهُ الصَّيْدَ عَلَى صِفَةٍ
فَقَالَ تناله أَيْدِيكُم ورماحكم وَلَيْسَ الرَّمْيُ
بِالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ
وَقِيذٌ وَأَطْلَقَ الشَّارِعُ أَنَّ الْخَذْفَ لَا
يُصَادُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُجْهِزَاتِ وَقَدِ
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ عَلَى
تَحْرِيمِ أَكْلِ مَا قَتَلَتْهُ الْبُنْدُقَةُ
وَالْحَجَرُ انْتَهَى وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ
يَقْتُلُ الصَّيْدَ بِقُوَّةِ رَامِيهِ لَا بِحَدِّهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَنْكَأُ بِهِ عَدُوٌّ قَالَ عِيَاضٌ
الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ
وَهِيَ لُغَةٌ
(9/607)
وَالْأَشْهَرُ بِكَسْرِ الْكَافِ بِغَيْرِ
هَمْزٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَنْكَأُ بِفَتْحِ
الْكَافِ مَهْمُوزٌ وَرَوَى لَا يَنْكِي بِكَسْرِ الْكَافِ
وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ
الْمَهْمُوزَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ مِنَ النِّكَايَةِ
لَكِنْ قَالَ فِي الْعَيْنِ نَكَأْتُ لُغَةٌ فِي نَكَيْتُ
فَعَلَى هَذَا تَتَوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَالَ
وَمَعْنَاهُ الْمُبَالغَة فِي الْأَذَى وَقَالَ بن سِيدَهْ
نَكَأَ الْعَدُوُّ نِكَايَةً أَصَابَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ
نَكَأْتُ الْعَدُوَّ أَنْكَؤُهُمْ لُغَةً فِي نَكَيْتُهُمْ
فَظَهَرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى وَلَا
مَعْنَى لتخطئتها وَأغْرب بن التِّينِ فَلَمْ يُعَرِّجْ
عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي بِالْهَمْزِ أَصْلًا بَلْ
شَرَحَهُ عَلَى الَّتِي بِكَسْرِ الْكَافِ بِغَيْرِ هَمْزٍ
ثُمَّ قَالَ وَنَكَأْتُ الْقُرْحَةَ بِالْهَمْزِ قَوْلُهُ
وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ أَيِ الرَّمْيَةُ
وَأَطْلَقَ السِّنَّ فَيَشْمَلُ سِنَّ الْمُرْمَى
وَغَيْرَهُ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ لَا
أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ
وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً كَذَا
وَكَذَا وَكَلِمَةً بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ كَذَا
وَكَذَا أَبْهَمَ الزَّمَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا أُكَلِّمُكَ
أَبَدًا وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ هِجْرَانِ مَنْ خَالَفَ
السُّنَّةَ وَتَرْكِ كَلَامِهِ وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي
النَّهْيِ عَنِ الْهَجْرِ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ
يَتَعَلَّقُ بِمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَسَيَأْتِي
بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَفِيهِ تَغْيِيرُ
الْمُنْكَرِ وَمَنْعُ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقَةِ لِأَنَّهُ
إِذَا نَفَى الشَّارِعُ أَنَّهُ لَا يَصِيدُ فَلَا مَعْنَى
لِلرَّمْيِ بِهِ بَلْ فِيهِ تَعْرِيضٌ لِلْحَيَوَانِ
بِالتَّلَفِ لِغَيْرِ مَالِكِهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ
عَنْ ذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُدْرِكُ ذَكَاةَ مَا رُمِيَ
بِالْبُنْدُقَةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ
اخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ فَصَرَّحَ مُجَلِّي فِي
الذَّخَائِر بِمَنْعه وَبِه أُفْتِي بن عبد السَّلَام
وَجزم النَّوَوِيّ بحله لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى
الِاصْطِيَادِ وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ
الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ الرَّمْيِ مَا ذُكِرَ فِي
الْحَدِيثِ امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ جَازَ وَلَا
سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْمُرْمَى مِمَّا لَا يَصِلُ
إِلَيْهِ الرَّمْيُ إِلَّا بِذَلِكَ ثُمَّ لَا يَقْتُلُهُ
غَالِبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ بَابَيْنِ مِنْ هَذَا
الْبَابِ قَوْلُ الْحَسَنِ فِي كَرَاهِيَةِ رَمْيِ
الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَمَفْهُومُهُ
أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْفَلَاةِ فَجَعَلَ مَدَارَ
النَّهْيِ عَلَى خَشْيَةِ إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى
أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَالله أعلم
(9/608)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا
لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ)
يُقَالُ اقْتَنَى الشَّيْءَ إِذَا اتَّخذهُ للادخار ذكر
فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ
عَنْهُ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَيْسَ
بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ
إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ
وَفِي الثَّالِثَةِ إِلَّا كلب مَاشِيَة أَو ضاريا
الرِّوَايَة الثَّانِيَةُ تُفَسِّرُ الْأُولَى
وَالثَّالِثَةَ فَالْأُولَى إِمَّا لِلِاسْتِعَارَةِ عَلَى
أَنَّ ضَارِيًا صِفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ الضَّارِينَ
أَصْحَابِ الْكِلَابِ الْمُعْتَادَةِ الضَّارِيَةِ عَلَى
الصَّيْدِ يُقَالُ ضَرَا عَلَى الصَّيْدِ ضَرَاوَةً أَيْ
تَعَوَّدَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَضَرَا الْكَلْبُ
وَأَضْرَاهُ صَاحِبُهُ أَيْ عَوَّدَهُ واغراه بالصيد
وَالْجمع ضوار وَأما التناسب لِلَفْظِ مَاشِيَةٍ مِثْلُ
لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَالْأَصْلُ تَلَوْتَ
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ فِيهَا حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ
أَوْ كَلْبًا ضَارِيًا وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ
الثَّانِيَةِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا
كَلْبَ ضَارِي بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ
الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ أَوْ لَفْظُ ضَارِي صِفَةٌ
لِلرَّجُلِ الصَّائِدِ أَيْ إِلَّا كَلْبَ رَجُلٍ
مُعْتَادٍ لِلصَّيْدِ وَثُبُوتُ الْيَاءِ فِي الِاسْمِ
الْمَنْقُوصِ مَعَ حَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنْهُ
لُغَةً وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْبَابِ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَفِي
بَدْءِ الْخَلْقِ وَأَوْرَدَهُ فِيهِمَا أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ
الْمَتْنِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَفِيهِ
التَّنْبِيهُ عَلَى زِيَادَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَسُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ فِي الْحَدِيثِ أَوْ
كَلْبَ زَرْعٍ وَفِي لَفْظٍ حَرْثٍ وَكَذَا وَقَعَتِ
الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
عِنْدَ التِّرْمِذِيّ قَوْلُهُ بَابُ إِذَا أَكَلَ
الْكَلْبُ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عدي بن حَاتِم من رِوَايَة
بَيَان بْنِ عَمْرٍو عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل
لَهُم الْآيَةَ مُكَلِّبِينَ الْكَوَاسِبَ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ الصَّوَائِدَ وَجَمَعَهُمَا فِي
نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ وَهُوَ صِفَةُ مَحْذُوفٍ
تَقْدِيرُهُ الْكِلَابُ الصَّوَائِدُ أَوِ الْكَوَاسِبُ
وَقَوْلُهُ مُكَلِّبِينَ أَيْ مُؤَدِّبِينَ أَوْ
مُعَوِّدِينَ قِيلَ وَلَيْسَ هُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ
الْكَلْبِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ
الْكَلَبِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ الْحِرْصُ نَعَمْ هُوَ
رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِيهِ لِمَا
طُبِعَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ وَلِأَنَّ
الصَّيْدَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكِلَابِ فَمَنْ
عَلِمَ الصَّيْدَ مِنْ غَيْرِهَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ أَيْ
أَصْحَابُ كِلَابٍ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْكَلَّابُ
وَالْمُكَلِّبُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْكِلَابَ قَوْلُهُ
اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا هُوَ تَفْسِيرُ
(9/609)
أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا
اسْتِطْرَادًا لِبَيَانِ أَنَّ الِاجْتِرَاحَ يُطْلَقُ
عَلَى الِاكْتِسَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُكَلِّبِينَ
الْمُعَلِّمِينَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَادَّةِ
الْكِلَابَ لَكِنْ لَيْسَ الْكَلْبُ شَرْطًا فَيَصِحُّ
الصَّيْدُ بِغَيْرِ الْكَلْبِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَوَارِحِ
وَلَفْظُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ أَيِ الصَّوَائِدِ وَيُقَالُ فُلَانُ
جَارِحَةُ أَهْلِهِ أَيْ كَاسِبُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى وَمَنْ يَجْتَرِحُ أَيْ يَكْتَسِبُ وَفِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ
اكْتَسَبُوا تَنْبِيهٌ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى
قَوْلِهِ الْكَوَاسِبُ وَالْجَوَارِحُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي
تَفْسِيرِ بَرَاءَةٍ فِي الْهَوَالِكِ مَا تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ فَأَلْزَمَهُ التَّنَاقُضُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ
بَلِ الَّذِي هُنَا عَلَى الْأَصْلِ فِي جَمْعِ
الْمُؤَنَّثِ قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنْ أَكَلَ
الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى
نَفْسِهِ وَاللَّهُ يَقُولُ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا
علمكُم الله فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى تَتْرُكَ
وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا أَكَلَ
الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى
نَفْسِهِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق سعيد بن جُبَير
عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ
الْمُعَلَّمَ فَسَمَّيْتَ فَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ وَإِذَا
أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبَهُ فَلَيْسَ بِعَالِمٍ
لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجل مكلبين تعلمونهن مِمَّا
علمكُم الله وَيَنْبَغِي إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ
يَضْرِبَهُ حَتَّى يَدَعَ ذَلِكَ الْخُلُقَ فَعُرِفَ
بِهَذَا الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَتْرُكَ أَيْ
يَتْرُكَ خُلُقَهُ فِي الشَّرَهِ وَيَتَمَرَّنُ عَلَى
الصَّبْرِ عَنْ تَنَاوُلِ الصَّيْدِ حَتَّى يَجِيء صَاحبه
قَوْله وَكَرِهَهُ بن عمر وَصله بن أبي شيبَة من طَرِيق
مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ قَالَ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ
صَيْدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَأَخْرَجَ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عُمَرَ الرُّخْصَةَ فِيهِ وَكَذَا
أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ
قَوْلُهُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شرب الدَّم وَلم يَأْكُل
فَكل وَصله بن أبي شيبَة من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْهُ
بِلَفْظِ إِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ شَرِبَ فَلَا
وَتَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَاب
الأول
(قَوْلُهُ بَابُ الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ
أَوْ ثَلَاثَةً)
أَيْ عَنِ الصَّائِدِ
[5484] قَوْلُهُ ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ أَبُو زَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ الْأَحْوَلُ وَحَكَى الْكَلَابَاذِيُّ
أَنَّهُ قِيلَ فِيهِ ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قُلْتُ زَيْدٌ كُنْيَتُهُ لَا اسْم
أَبِيه وَشَيْخه عَاصِم هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلُ
وَقَدْ زَادَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ
قِصَّةُ السَّهْمِ قَوْلُهُ وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ
فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ
إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِنْ
وَجَدَ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ سَهْمِهِ لَا يَأْكُلْ وَهُوَ
نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلْبِ مِنَ التَّفْصِيلِ
فِيمَا إِذَا خَالَطَ الْكَلْبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ
الصَّائِدُ كَلْبٌ آخَرُ لَكِنِ التَّفْصِيلُ فِي
مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ فِيمَا إِذَا
(9/610)
شَارَكَ الْكَلْبَ فِي قَتْلِهِ كَلْبٌ
آخَرُ وَهُنَا الْأَثَرُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ مِنْ
غَيْرِ سَهْمِ الرَّامِي أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَثَرَ
سَهْمِ رَامٍ آخَرَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ
الْقَاتِلَةِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ
وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ
التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ
إِذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ فِيهِ وَلَمْ تَجِدْ بِهِ أَثَرَ
سَبُعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ مِنْهُ
قَالَ الرَّافِعِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ
جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا
أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْحِلُّ أَصَحُّ
دَلِيلًا وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَن
الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي قَول بن عَبَّاسٍ كُلْ مَا
أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ مَعْنَى مَا أَصْمَيْتَ
مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَأَنْتَ ترَاهُ وَمَا انميت مَا
غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ قَالَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ
عِنْدِي غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاءَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ
شَيْءٌ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقُومُ مَعَهُ
رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ
الْخَبَرُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ
فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ يُؤْخَذُ سَبَبُ مَنْعِ
أَكْلِهِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ
يَقَعُ التَّرَدُّدُ هَلْ قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوِ
الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ السَّهْمَ
أَصَابَهُ فَمَاتَ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ إِلَّا
بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ السَّهْمُ فَهَذَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِذَا وُجِدَ
الصَّيْدُ فِي الْمَاءِ غَرِيقًا حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ اه
وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَحِلَّهُ مَا لَمْ
يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إِلَى حَرَكَةِ
الْمَذْبُوحِ فَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهَا بِقَطْعِ
الْحُلْقُوم مثلا فقد تمت زَكَاته وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ
فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ
قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا
عَلِمَ أَنَّ سَهْمَهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّهُ
يَحِلُّ قَوْلُهُ وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى يَعْنِي بن
عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيَّ بِالْمُهْمَلَةِ
الْبَصْرِيَّ وَدَاوُدُ هُوَ بن أَبِي هِنْدٍ وَعَامِرٌ
هُوَ الشَّعْبِيُّ وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَبُو
دَاوُدَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ
الْأَعْلَى بِهِ قَوْلُهُ فَيَفْتَقِرُ بِفَاءٍ ثُمَّ
مُثَنَّاةٍ ثُمَّ قَافٍ أَيْ يَتْبَعُ فَقَارَهُ حَتَّى
يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتَصَرَ
بن بَطَّالٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
فَيَقْتَفِي أَيْ يَتْبَعَ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ
وَالْأَصِيلِيِّ وَفِي رِوَايَةِ فَيَقْفُو وَهِيَ
أَوْجَهُ قَوْلُهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِيهِ
زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ
بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ
وَاللَّيْلَتَيْنِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ
أَبِي ثَعْلَبَةَ بِسَنَدٍ فِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ
إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ
فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ وَفِي لَفْظٍ فِي الَّذِي
يَدْرِكُ الصَّيْدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ كُلْهُ مَا لَمْ
يُنْتِنْ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَمَا
تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا فَجَعَلَ
الْغَايَةَ أَنْ يُنْتِنَ الصَّيْدُ فَلَوْ وَجَدَهُ
مَثَلًا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَمْ يُنْتِنْ حَلَّ وَإِنْ وجده
بِدُونِهَا وَقَدْ أَنْتَنَ فَلَا هَذَا ظَاهِرُ
الْحَدِيثِ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ
أَكْلِهِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ وَسَأَذْكُرُ فِي
ذَلِكَ بَحْثًا فِي بَابِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَاسْتَدَلَّ
بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّامِيَ لَوْ أَخَّرَ الصَّيْدَ
عَقِبَ الرَّمْيِ إِلَى أَنْ يجده أَنه يَحِلَّ
بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى
اسْتِفْصَالٍ عَنْ سَبَبِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ أَكَانَ مَعَ
الطَّلَبِ أَوْ عَدَمِهِ لَكِنْ يُسْتَدَلُّ لِلطَّلَبِ
بِمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ
فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ
خَرَجَ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ فَاخْتَصَرَ بَعْضُ
الرُّوَاةِ السُّؤَالَ فَلَا يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِتَرْكِ
الِاسْتِفْصَالِ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الطَّلَبِ فَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ أَخَّرَ سَاعَةً فَلَمْ يَطْلُبْ
لَمْ يَحِلَّ وَإِنِ اتَّبَعَهُ عَقِبَ الرَّمْيِ
فَوَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ لَا
بُدَّ أَنْ يَتْبَعَهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدْوِ
وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا يَكْفِي الْمَشْيُ عَلَى
عَادَتِهِ حَتَّى لَوْ أَسْرَعَ وَجَدَهُ حَيًّا حَلَّ
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا بُدَّ مِنَ
الْإِسْرَاعِ قَلِيلًا لِيَتَحَقَّقَ صُورَةُ الطَّلَبِ
وَعند الْحَنَفِيَّة نَحْو هَذَا الِاخْتِلَاف
(9/611)
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا وَجَدَ مَعَ
الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الأول
(9/612)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي
التَّصَيُّدِ)
قَالَ بن الْمُنِيرِ مَقْصُودُهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ
التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالصَّيْدِ
لِمَنْ هُوَ عَيْشُهُ بِهِ مَشْرُوعٌ وَلِمَنْ عَرَضَ لَهُ
ذَلِكَ وَعَيْشُهُ بِغَيْرِهِ مُبَاحٌ وَأَمَّا
التَّصَيُّدُ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ فَهُوَ مَحَلُّ
الْخِلَافِ قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ
فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ فِيهِ أَرْبَعَةَ
أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيث عدي بن حَاتِم من رِوَايَة
بَيَان بْنِ عَمْرٍو عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ مَا فِيهِ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ
أَخْرَجَهُ عَالِيًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ
وَنَازِلًا من رِوَايَة بن الْمُبَارك عَن حَيْوَة وَهُوَ
بن شُرَيْح وَسَاقه على رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ
وَسَيَأْتِي لَفْظُ أَبِي عَاصِمٍ حَيْثُ أَفْرَدَهُ
بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ
خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَالِيًا الثَّالِثُ
حَدِيثُ أَنَسٍ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا يَأْتِي شَرْحُهُ
فِي أَوَاخِرِ الذَّبَائِحِ حَيْثُ عَقَدَ لِلْأَرْنَبِ
تَرْجَمَةً مُفْرَدَةً وَمَعْنَى أَنْفَجْنَا أَثَرْنَا
وَقَوْلُهُ هُنَا لَغِبُوا بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَ
اللَّامِ أَيْ تَعِبُوا وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ وَثَبَتَ
بِلَفْظِ تَعِبُوا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
وَقَوْلُهُ بِوَرِكِهَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ
وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِوَرِكَيْهَا بِالتَّثْنِيَةِ
الرَّابِعُ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ
الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَتقدم شرحها مُسْتَوفى فِي كتاب
الْحَج
(9/613)
(قَوْلُهُ بَابُ التَّصَيُّدِ عَلَى
الْجِبَالِ)
هُوَ بِالْجِيمِ جَمْعُ جَبَلٍ بِالتَّحْرِيكِ أَوْرَدَ
فِيهِ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ
الْوَحْشِيِّ لِقَوْلِهِ فِيهِ كُنْتُ رَقَّاءً عَلَى
الْجِبَالِ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مَهْمُوزٌ أَيْ
كَثِيرُ الصُّعُودِ عَلَيْهَا
[5492] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَمْرو هُوَ بن الْحَارِثِ
الْمِصْرِيُّ وَأَبُو النَّضْرِ هُوَ الْمَدَنِيُّ
وَاسْمُهُ سَالِمٌ قَوْلُهُ وَأَبِي صَالِحٍ هُوَ مَوْلَى
التَّوْأَمَةِ وَاسْمُهُ نَبْهَانُ لَيْسَ لَهُ فِي
الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَقَرَنَهُ
بِنَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ وَغَفَلَ الدَّاوُدِيُّ
فَظَنَّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ هَذَا هُوَ وَلَدُهُ صَالِحٌ
مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَقَالَ إِنَّهُ تَغَيَّرَ
بِآخِرَةٍ فَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ قَدِيمًا مِثْلُ بن أَبِي
ذِئْبٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ
أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ كَتَبَ
عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ مُقَابِلَ وَأَبِي صَالِحٍ
هَذَا خَطَأٌ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ نَافِعٍ
وَصَالِحٍ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ
الْحَدِيثَ مَحْفُوظٌ لِنَبْهَانَ لَا لِابْنِهِ صَالِحٍ
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ
سَعِيدٍ الْحَافِظُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ فَقَالَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ
فَقَالَ هَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي
صَالِحٍ وَهُوَ وَالِدُ صَالِحٍ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ
غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فَلِذَلِكَ غَلِطَ فِيهِ
وَالتَّوْأَمَةُ ضُبِطَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ
الْمُثَنَّاةِ حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ
وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْقُلُ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ فَيَفْتَحُ بِهَا الْوَاو
وَحكى بن التِّينِ التُّوَمَةُ بِوَزْنِ الْحُطَمَةِ
وَلَعَلَّ هَذِهِ الضَّمَّةَ أَصْلُ مَا حُكِيَ عَنِ
الْمُحَدِّثِينَ وَقَوْلُهُ رَقَّاءٌ عَلَى الْجِبَالِ فِي
رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ دُونَ نَافِع مولى أبي قَتَادَة
قَالَ بن الْمُنِيرِ نَبَّهَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى
جَوَازِ ارْتِكَابِ الْمَشَاقِّ لِمَنْ لَهُ غَرَضٌ
لِنَفْسِهِ أَوْ لِدَابَّتِهِ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ
مُبَاحًا وَأَنَّ التَّصَيُّدَ فِي الْجِبَالِ كَهُوَ فِي
السَّهْلِ وَأَنَّ إِجْرَاءَ الْخَيْلِ فِي الْوَعْرِ
جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ تَعْذِيب
الْحَيَوَان
(9/614)
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
أُحِلَّ لَكُمْ صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم)
كَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَاقْتَصَرَ الْبَاقُونَ عَلَى
أُحِلَّ لَكُمْ صيد الْبَحْر قَوْله وَقَالَ عمر هُوَ بن
الْخَطَّابِ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى
بِهِ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَعَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ
الْبَحْرَيْنِ سَأَلَنِي أَهْلُهَا عَمَّا قَذَفَ
الْبَحْرُ فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ فَلَمَّا
قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ فَقَالَ
عُمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أُحِلَّ
لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر وَطَعَامه فَصَيْدُهُ مَا صِيدَ
وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَ بِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ الطَّافِي حَلَالٌ وَصَلَهُ أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أبي بشير عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ
عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ
الطَّافِيَةُ حَلَالٌ زَادَ الطَّحَاوِيُّ لِمَنْ أَرَادَ
أَكْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَذَا عَبْدُ
بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْهَا وَفِي بَعْضِهَا
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَكَلَ السَّمَكَ
الطَّافِيَ عَلَى الْمَاءِ اه وَالطَّافِي بِغَيْرِ هَمْزٍ
مِنْ طَفَا يَطْفُو إِذَا عَلَا الْمَاءَ وَلَمْ يُرَسَّبْ
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ لَكُمْ مَا فِي
الْبَحْرِ فَكُلُوهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ ذكى قَوْله وَقَالَ
بن عَبَّاسٍ طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ إِلَّا مَا قَذِرَتْ
مِنْهَا وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ حَفْصٍ عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر وَطَعَامه قَالَ
طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن عَبَّاسٍ وَذَكَرَ صَيْدَ الْبَحْرِ
لَا تَأْكُلُ مِنْهُ طَافِيًا فِي سَنَدِهِ الْأَجْلَحُ
وَهُوَ لَيِّنٌ وَيُوهِنُهُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَاضِي
قَبْلَهُ قَوْلُهُ وَالْجَرِيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ
وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ
الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ
الْجَرِيِّ فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْء
كرهته الْيَهُود وَأخرجه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ
عَنِ الثَّوْرِيِّ بِهِ وَقَالَ فِي رِوَايَته سَأَلت بن
عَبَّاسٍ عَنِ الْجَرِّيِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ
إِنَّمَا تُحَرِّمُهُ الْيَهُودُ وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ
وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ
وَطَائِفَةٍ نَحْوَهُ والجري بِفَتْح الْجِيم قَالَ بن
التِّينِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ ضَبْطُ
الصِّحَاحِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ قَالَ
وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الجريت وَهُوَ مَا لَا قِشْرَ لَهُ
قَالَ وَقَالَ بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَا
أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَنه من الممسوخ وَقَالَ
الْأَزْهَرِي الجريت نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ يُشْبِهُ
الْحَيَّاتِ وَقِيلَ سَمَكٌ لَا قِشْرَ لَهُ وَيُقَالُ
لَهُ أَيْضًا الْمَرْمَاهِي وَالسِّلَّوْرُ مِثْلُهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ
يُشْبِهُ الْحَيَّاتِ وَقَالَ غَيْرُهُ نَوْعٌ عَرِيضُ
الْوَسَطِ دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ قَوْلُهُ وَقَالَ
(9/615)
شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ
مَذْبُوحٌ وَقَالَ عَطَاءٌ أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ
تَذْبَحَهُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخ وبن
مَنْدَه فِي الْمعرفَة من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا
سَمِعَا شُرَيْحًا صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ
مَذْبُوحٌ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَقَالَ
أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ تَذْبَحَهُ وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ
مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحٍ وَالْمَوْقُوف أصح
وَأخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ شَيْخًا كَبِيرًا يَحْلِفُ
بِاللَّهِ مَا فِي الْبَحْرِ دَابَّةٌ إِلَّا قَدْ
ذَبَحَهَا اللَّهُ لِبَنِي آدَمَ وَأَخْرَجَ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَرْجِسَ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَبَحَ كُلَّ مَا
فِي الْبَحْرِ لِبَنِي آدَمَ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ
وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ رَفَعَهُ
نَحْوَهُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ بِسَنَدَيْنِ جَيِّدَيْنِ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ
عَنْ عَلِيٍّ الْحُوتُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ تَنْبِيهٌ سَقَطَ
هَذَا التَّعْلِيق من رِوَايَة أبي زيد وبن السَّكَنِ
وَالْجُرْجَانِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ
وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَى
ذَلِكَ أَبُو عَليّ الجياني وَتَبعهُ عِيَاضٌ وَزَادَ
وَهُوَ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ أَبُو هَانِئٍ كَذَا قَالَ
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي
الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
وَشُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَأَمَّا هُوَ
فَلَهُ إِدْرَاكٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا
لِقَاءٌ وَأَمَّا شُرَيْحٌ الْمَذْكُورُ فَذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَقَالَ لَهُ صُحْبَةٌ
وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيره قَوْله
وَقَالَ بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ صَيْدُ الْأَنْهَارِ
وَقِلَاتُ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ قَالَ نَعَمْ
ثُمَّ تَلَا هَذَا عذب فرات سائع شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ
أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طريا وَصله عبد
الرَّزَّاق فِي التَّفْسِير عَن بن جُرَيْجٍ بِهَذَا
سَوَاءً وَأَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ
مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَن
بن جُرَيْجٍ أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَفِيهِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ
حِيتَانِ بِرْكَةِ الْقُشَيْرِيِّ وَهِيَ بِئْرٌ عَظِيمَةٌ
فِي الْحرم اتصاد قَالَ نعم وَسَأَلته عَن بن الْمَاءِ
وَأَشْبَاهِهِ أَصَيْدُ بَحْرٍ أَمْ صَيْدُ بَرٍّ فَقَالَ
حَيْثُ يَكُونُ أَكْثَرَ فَهُوَ صَيْدٌ وَقِلَاتٌ بِكَسْرِ
الْقَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ مُثَلَّثَةٌ
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ جَمْعُ قَلْتٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ هُوَ النُّقْرَةُ فِي الصَّخْرَةِ
يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ قَوْلُهُ وَرَكِبَ الْحَسَنُ
عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ
لَأَطْعَمْتُهُمْ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ
بَأْسًا أما قَول الْحسن الأول فَقيل أَنه بن عَلِيٍّ
وَقِيلَ الْبَصْرِيُّ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ
وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ وَرَكِبَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَقَوْلُهُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودٍ أَيْ
مُتَّخَذٌ مِنْ جُلُود كلاب المَاء وَأما قَول الشّعبِيّ
فالضفادع جَمْعُ ضِفْدَعٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِفَتْحِ
الدَّالِ وَبِكَسْرِهَا أَيْضًا وَحُكِيَ ضَمُّ أَوَّلِهِ
مَعَ فَتْحِ الدَّالِ والضفادي بِغَيْر عين لُغَة فِيهِ
قَالَ بن التِّينِ لَمْ يُبَيِّنِ الشَّعْبِيُّ هَلْ
تُذَكَّى أَمْ لَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تُؤْكَلُ
بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا
مَأْوَاهُ الْمَاءُ وَغَيْرِهِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ
وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنَ
التَّذْكِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فِي السلحفاة
فوصله بن أبي شيبَة من طَرِيق بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ السُّلَحْفَاةِ بَأْسًا
وَمِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ لَا بَأْسَ بِهَا كُلْهَا وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ
الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ
بَعْدَهَا فَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ هَاءٌ وَيجوز بدل
الْهَاء همزَة حَكَاهُ بن سِيدَهْ وَهِيَ رِوَايَةُ
عَبْدُوسٍ وَحَكَى أَيْضًا فِي الْمُحْكَمِ سُكُونَ
اللَّامِ وَفَتْحَ الْحَاءِ وَحَكَى أَيْضًا سُلَحْفِيَةً
كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا
تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَة قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ
كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ
أَوْ مَجُوسِيٌّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ كَذَا فِي
النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ وَفِي بَعْضِهَا مَا صَادَهُ
قَبْلَ لَفْظِ نَصْرَانِيٌّ قُلْتُ وَهَذَا التَّعْلِيقُ
وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كُلْ مَا أَلْقَى
الْبَحْرُ وَمَا صِيدَ مِنْهُ صَادَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ
نَصْرَانِيٌّ
(9/616)
أَو مَجُوسِيّ قَالَ بن التِّينِ
مَفْهُومُهُ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ لَا يُؤْكَلُ إِنْ
صَادَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ قوم
وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَبِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ
كَرَاهِيَةَ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ السَّمَكَ قَوْلُهُ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرْيِ ذَبَحَ
الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ
ذَبَحَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَنَصْبُ رَاءِ
الْخَمْرِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ قَالَ وَيُرْوَى
بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالْخَمْرُ
بِالْكَسْرِ أَيْ تَطْهِيرِهَا قُلْتُ وَالْأَوَّلُ هُوَ
الْمَشْهُورُ وَهَذَا الْأَثَرُ سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ
النَّسَفِيِّ وَقَدْ وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ
فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَهُ سَوَاءً قَالَ الْحَرْبِيُّ هَذَا
مُرْيٌ يُعْمَلُ بِالشَّامِ يُؤْخَذُ الْخَمْرُ فَيُجْعَلُ
فِيهِ الْمِلْحُ وَالسَّمَكُ وَيُوضَعُ فِي الشَّمْسِ
فَيَتَغَيَّرُ عَنْ طَعْمِ الْخَمْرِ وَأَخْرَجَ أَبُو
بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ
بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُرْيِ النِّينَانِ
غَيَّرَتْهُ الشَّمْسُ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ لَا بَأْسَ
بِالْمُرْيِ ذَبَحَتْهُ النَّارُ وَالْمِلْحُ وَهَذَا
مُنْقَطِعٌ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ مُغَلْطَايْ وَمَنْ
تَبِعَهُ وَاعْتَرَضُوا عَلَى جَزْمِ الْبُخَارِيِّ بِهِ
وَمَا عَثَرُوا عَلَى كَلَامِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ مُرَادُ
الْبُخَارِيِّ جَزْمًا وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا
الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّ أَبَا
الدَّرْدَاءَ كَانَ يَأْكُلُ الْمُرِيَ الَّذِي يُجْعَلُ
فِيهِ الْخَمْرُ وَيَقُولُ ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ
وَالْمِلْحُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ
قَيْسٍ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ بِآخَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً فِي اخْتِلَافِهِمْ
فِي الْمُرْيِ فَأَتَيَا أَبَا الدَّرْدَاءَ فَسَأَلَاهُ
فَقَالَ ذَبَحَتْ خَمْرَهَا الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ
وَالْحِيتَانُ وَرُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ إِسْحَاقَ بْنِ
الْفَيْضَ من طَرِيق عَطاء الخرساني قَالَ سُئِلَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ عَنْ أَكْلِ الْمُرْيِ فَقَالَ ذَبَحَتِ
الشَّمْسُ سَكَرَ الْخَمْرِ فَنَحْنُ نَأْكُلُ لَا نَرَى
بِهِ بَأْسًا قَالَ أَبُو مُوسَى فِي ذَيْلِ الْغَرِيبِ
عَبَّرَ عَنْ قُوَّةِ الْمِلْحِ وَالشَّمْسِ
وَغَلَبِتِهِمَا عَلَى الْخَمْرِ وَإِزَالَتِهِمَا
طَعْمَهَا وَرَائِحَتَهَا بِالذَّبْحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ
النِّينَانَ دُونَ الْمِلْحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ
ذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ
النِّينَانَ وَحْدَهَا هيَ الَّتِي خَلَّلَتْهُ قَالَ
وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ يُفْتِي بِجَوَازِ
تَخْلِيلِ الْخَمْرِ فَقَالَ إِنَّ السَّمَكَ بِالْآلَةِ
الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ يَغْلِبُ عَلَى ضَرَاوَةِ
الْخَمْرِ وَيُزِيلُ شِدَّتَهَا وَالشَّمْسُ تُؤَثِّرُ فِي
تَخْلِيلِهَا فَتَصِيرُ حَلَالًا قَالَ وَكَانَ أَهْلُ
الرِّيفِ مِنَ الشَّامِ يَعْجِنُونَ الْمُرْيَ بِالْخَمْرِ
وَرُبَّمَا يَجْعَلُونَ فِيهِ أَيْضًا السَّمَكَ الَّذِي
يُرَبَّى بِالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ مِمَّا يُسَمُّونَهُ
الصَّحْنَاءَ وَالْقَصْدُ مِنَ الْمُرْيِ هَضْمُ
الطَّعَامِ فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ كُلَّ ثَقِيفٍ أَوْ
حِرِّيفٍ لِيَزِيدَ فِي جَلَاءِ الْمَعِدَةِ
وَاسْتِدْعَاءِ الطَّعَامِ بِحَرَافَتِهِ وَكَانَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَأْكُلُونَ
هَذَا الْمُرْيَ الْمَعْمُولَ بِالْخَمْرِ وَأَدْخَلَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي طَهَارَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ يُرِيدُ
أَنَّ السَّمَكَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَأَنَّ طَهَارَتَهُ
وَحِلَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ كَالْمِلْحِ حَتَّى
يَصِيرَ الْحَرَامُ النَّجِسُ بِإِضَافَتِهَا إِلَيْهِ
طَاهِرًا حَلَالًا وَهَذَا رَأْيُ مَنْ يُجَوِّزُ
تَحْلِيلَ الْخَمْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاء
وَجَمَاعَة وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ
اسْتَعَارَ الذَّبْحَ لِلْإِحْلَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ
كَمَا أَنَّ الذَّبْحَ يُحِلُّ أَكْلَ الْمَذْبُوحَةِ
دُونَ الْمَيْتَةِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِذَا
وُضِعَتْ فِي الْخَمْرِ قَامَتْ مَقَامَ الذَّبْحِ
فَأَحَلَّتْهَا وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يُرِيدُ أَنَّهَا
حَلَّتْ بِالْحُوتِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا وَطَبْخِهَا
بِالشَّمْسِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالذَّكَاةِ لِلْحَيَوَانِ
وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى ذَبَحَتْهَا أَبْطَلَتْ
فِعْلَهَا وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي النَّوْعِ الْعِشْرِينَ
مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيث بن وهب عَن يُونُس
عَن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ
اجْتَنِبُوا الْخمر فَإِنَّهَا أم الْخَبَائِث قَالَ بن
شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا خَيْرَ فِي
الْخَمْرِ وَأَنَّهَا إِذَا أُفْسِدَتْ لَا خَيْرَ فِيهَا
حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهَا فيطيب
حِينَئِذٍ الْخلّ قَالَ بن وهب وَسمعت مَالِكًا يَقُول
سَمِعت بن شهَاب يسئل عَنْ خَمْرٍ جُعِلَتْ فِي قُلَّةٍ
وَجُعِلَ مَعَهَا مِلْحٌ وَأَخْلَاطٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ
تُجْعَلُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى
(9/617)
تعود مريا فَقَالَ بن شِهَابٍ شَهِدْتُ
قَبِيصَةَ يَنْهَى أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْرُ مُرْيًا إِذَا
أُخِذَ وَهُوَ خَمْرٌ قُلْتُ وَقَبِيصَةُ مِنْ كِبَارِ
التَّابِعِينَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَوُلِدَ هُوَ فِي
حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِذَلِكَ وَهَذَا يُعَارِضُ
أَثَرَ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورَ وَيُفَسِّرُ
الْمُرَادَ بِهِ وَالنِّينَانُ بِنُونَيْنِ الْأُولَى
مَكْسُورَةٌ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ جَمْعُ
نُونٍ وَهُوَ الْحُوتُ وَالْمُرْيُ بِضَمِّ الْمِيمِ
وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَضُبِطَ فِي
النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلصِّحَاحِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ
نِسْبَةً إِلَى الْمُرِّ وَهُوَ الطَّعْمُ الْمَشْهُورُ
وَجَزَمَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بِالْأَوَّلِ
وَنَقَلَ الْجَوَالِيقِيُّ فِي لَحْنِ الْعَامَّةِ
أَنَّهُمْ يُحَرِّكُونَ الرَّاءَ وَالْأَصْلُ بِسُكُونِهَا
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ
جَيْشِ الْخَبَطِ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهمَا رِوَايَة
بن جريج أَخْبرنِي عَمْرو وَهُوَ بن دِينَارٍ أَنَّهُ
سَمِعَ جَابِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ
فِي الْمَغَازِي وَزَادَ هُنَاكَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
عَنْ جَابِرٍ وَتَقَدَّمَتْ مَشْرُوحَةً مَعَ شَرْحِ
سَائِرِ الْحَدِيثِ الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ رِوَايَةُ
سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا وَفِيهِ
مِنَ الزِّيَادَةِ وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ نَحَرَ ثَلَاثَ
جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو
عُبَيْدَةَ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي
الْمَغَازِي وَكَانَ اشْتَرَى الْجُزُرَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ
جُهَنِيٍّ كُلُّ جَزُورٍ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ يُوفِيهِ
إِيَّاهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ ذَلِكَ
وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ سَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ
أَنْ يَنْهَى قَيْسًا عَنِ النَّحْرِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ
أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَأَطَاعَهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ هُنَاكَ
أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ جَزَائِرَ جَمْعُ جَزُورٍ
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ جَزَائِرَ جَمْعُ جَزِيرَةٍ
وَالْجَزُورُ إِنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى جُزُرٍ
بِضَمَّتَيْنِ فَلَعَلَّهُ جَمْعُ الْجَمْعِ وَالْغَرَضُ
مِنْ إِيرَادِهِ هُنَا قِصَّةُ الْحُوتِ فَإِنَّهُ
يُسْتَفَادُ مِنْهَا جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ
لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَأَلْقَى
الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ
لَهُ الْعَنْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ فِي
بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهُ وَبِهَذَا
تَتِمُّ الدَّلَالَةُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَكْلِ
الصَّحَابَةِ مِنْهُ وَهُمْ فِي حَالَةِ الْمَجَاعَةِ قَدْ
يُقَالُ إِنَّهُ لِلِاضْطِرَارِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ
قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ
نَحْنُ رُسُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ
فَكُلُوا وَهَذِهِ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَتَقَدَّمَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي
الْمَغَازِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ قَالَ قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّتَهُ
وَحَاصِلُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ بَنَاهُ
أَوَّلًا عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ
تَذَكَّرَ تَخْصِيصَ الْمُضْطَرِّ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا
إِذَا كَانَ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَهُمْ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي طَاعَةِ
رَسُولِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ
جِهَةَ كَوْنِهَا حَلَالًا لَيْسَتْ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ
بَلْ كَوْنُهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَفِي آخِرِهِ
عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ
اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ
بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ حَلَالٌ مُطْلَقًا وَبَالَغَ فِي الْبَيَانِ
بِأَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا
فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ
سَوَاءً مَاتَ بِنَفْسِهِ أَو مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ
يُكْرَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا لَفَظَهُ فَمَاتَ
وَبَيْنَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَتَمَسَّكُوا
بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ
الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ
فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ
الطَّائِفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ
قَالَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا وَقَدْ
أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيف عَن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ
لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ اه
وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ صَدُوقٌ وَصَفُوهُ بِسُوءِ
الْحِفْظِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ إِذَا حَدَّثَ مِنْ
كِتَابِهِ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَإِذَا حَدَّثَ حِفْظًا
يُعْرَفُ وَيُنْكَرُ وَقَالَ أَبُو حَازِم لم يكن
بِالْحَافِظِ وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَانَ
يُخْطِئُ وَقَدْ تُوبِعَ عَلَى رَفْعِهِ وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيِّ عَنِ
(9/618)
الثَّوْرِيِّ مَرْفُوعًا لَكِنْ قَالَ
خَالَفَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ فَوَقَفُوهُ عَنِ
الثَّوْرِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَرُوِيَ عَنِ بن أَبِي
ذِئْبٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ مَرْفُوعًا وَلَا
يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ
إِلَّا مَوْقُوفًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ
وَغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ لِأَنَّهُ
سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ
تَذْكِيَةٍ وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ
سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ
وَهُوَ فِي الْبَحْرِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ
[5493] قَوْلِهِ أَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ جَوَازُ
أَكْلِ اللَّحْمِ وَلَوْ أَنْتَنَ لِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ
بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّحْمُ لَا يَبْقَى غَالِبًا بِلَا
نَتْنٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ
مَعَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا
ملحوه وقدوه فَلَمْ يَدْخُلْهُ نَتْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَرِيبًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ
اللَّحْمِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ إِلَّا إِنْ خِيفَ
مِنْهُ الضَّرَرُ فَيَحْرُمُ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى
مَذْهَبِهِ وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى
التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَيَأْتِي فِي الطَّافِي نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي
النَّتِنِ إِذَا خُشِيَ مِنْهُ الضَّرَرُ وَفِيهِ جَوَازُ
أَكْلِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَ الصَّحَابَةِ نَصٌّ يَخُصُّ الْعَنْبَرَ
وَقَدْ أَكَلُوا مِنْهُ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَخْدِشُ
فِيهِ أَنَّهُمْ أَوَّلًا إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ
بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا
عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَيْدَ الْبَحْرِ
ثُمَّ تَوَقَّفُوا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَدَلَّ
عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَكْلِ مَا صِيدَ مِنَ
الْبَحْرِ وَبَيَّنَ لَهُمُ الشَّارِعُ آخِرًا أَنْ
مَيْتَتَهُ أَيْضًا حَلَالٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَافٍ
وَلَا غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ
بِأَنَّهُمْ أَقَامُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيَّامًا
فَلَوْ كَانُوا أَكَلُوا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَيْتَةٌ
بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ مَا دَاوَمُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ
الْمُضْطَرَّ إِذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ يَأْكُلُ مِنْهَا
بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِطَلَبِ الْمُبَاحِ
غَيْرِهَا وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ
الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى
كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى
الْجَوَازِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ
السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَإِنَّمَا
اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ
كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ
يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكَ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ
بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحُوتَ الْمَذْكُورَ لَا
يُسَمَّى سَمَكًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ
فِي الْحُوتِ نَصًّا وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلَّ
مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ
الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ
الْبَحْر وَحَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ
مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ
بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنِ
الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبر حَلَال
ومالا فَلَا وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ
فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ النَّوْعُ
الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ
يَخُصُّهُ كَالضِّفْدَعِ وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ
لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَالْحَاكِمُ وَله شَاهد من حَدِيث بن عمر عِنْد بن أَبِي
عَاصِمٍ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ
فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ
أَنَّ الضِّفْدَعَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ
فَالْبَرِّيُّ يَقْتُلُ آكِلَهُ وَالْبَحْرِيُّ يَضُرُّهُ
وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ
يَعْدُو بِنَابِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَةٍ
وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا
لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ
وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ
وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ
مِنَ السُّمِّ وَدنيلسُ قِيلَ إِنَّ أَصْلَهُ السَّرَطَانُ
فَإِنْ ثَبَتَ حَرُمَ النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ
فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ
كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي
الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى
جَابِرٍ فَرَأَوْهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ قِصَّةُ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ
أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي غَزَاةٍ بِبَطْنِ بُوَاطٍ وَفِيهِ
قِصَّةُ الْحَوْضِ وَفِيهِ قِيَامُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ
الْإِمَامِ كُلُّ ذَلِكَ مُطَوَّلٌ وَفِيهِ قَالَ سِرْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَةً
(9/619)
كُلَّ يَوْمٍ فَكَانَ يَمُصُّهَا وَكُنَّا
نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ وَسِرْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَكَرَ قِصَّةَ
الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ الْتَقَتَا بِأَمْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
تَسَتَّرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِيهِ
قِصَّةُ الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ غَرَسَ فِي كُلٍّ
مِنْهُمَا غُصْنًا وَفِيهِ فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ
فَقَالَ يَا جَابِرُ نَادِ الْوُضُوءَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ
بِطُولِهَا فِي نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
وَفِيهِ وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَقَالَ عَسَى
اللَّهُ أَنْ يطعمكم فأتينا سيف الْبَحْر فزجر الْبَحْر
زَجْرَة فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا
النَّارَ فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا وَأَكَلْنَا
وَشَبِعْنَا وَذَكَرَ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ فِي
عَيْنِهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِي دَخَلَ تَحْتَ
ضِلْعِهَا مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَهُوَ أَعْظَمُ رَجُلٍ
فِي الرَّكْبِ عَلَى أَعْظَمِ جَمَلٍ وَظَاهِرُ سِيَاقِ
هَذِهِ الْقِصَّةِ يَقْتَضِي مُغَايَرَةَ الْقِصَّةِ
الْمَذْكُورَةِ فِي هذاالباب وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ
جَابِرٍ أَيْضًا حَتَّى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي
الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ هَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى
غَيْرُ تِلْكَ فَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ بِحَضْرَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا
ذَكَرَهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ
تَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِ جَابِرٍ فَأَتَيْنَا سِيفَ
الْبَحْرِ هِيَ الْفَصِيحَةُ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ
لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَأَرْسَلَنَا النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ
فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ فَتَتَّحِدُ الْقِصَّتَانِ
وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ
التَّعَدُّدِ وَمِمَّا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا
أَنَّ الْوَاقِدِيَّ زَعَمَ أَنَّ قِصَّةَ بَعْثِ أَبِي
عُبَيْدَةَ كَانَتْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ
عِنْدِي خَطَأٌ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ
أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَرَصَّدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ
وَقُرَيْشٌ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةٍ وَقَدْ
نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي وَجَوَّزْتُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ أَوْ
قَبْلَهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِيَ الْآنَ تَقْوِيَةُ ذَلِكَ
بِقَوْلِ جَابِرٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَنَّهُمْ
خَرَجُوا فِي غَزَاةِ بُوَاطٍ وَغَزَاةُ بُوَاطٍ كَانَتْ
فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ
وَقْعَةِ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ
أَصْحَابِهِ يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَبَلَغَ بُوَاطًا وَهِيَ بِضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ جِبَالٌ لِجُهَيْنَةَ مِمَّا يَلِي
الشَّامَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ
بُرُدٍ فَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا فَرَجَعَ فَكَأَنَّهُ
أَفْرَدَ أَبَا عُبَيْدَةَ فِيمَنْ مَعَهُ يَرْصُدُونَ
الْعِيرَ الْمَذْكُورَةَ وَيُؤَيِّدُ تَقَدُّمَ أَمْرِهَا
مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْقِلَّةِ وَالْجَهْدِ
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ كَانَ
حَالُهُمُ اتَّسَعَ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا
وَالْجَهْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِصَّةِ يُنَاسِبُ
ابْتِدَاءَ الْأَمر فيرجح مَا ذكرته وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ أَكْلِ الْجَرَادِ)
بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ
وَالْوَاحِدَةُ جَرَادَةٌ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى
سَوَاءٌ كَالْحَمَامَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ
الْجَرْدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا
جَرَّدَهُ وَخِلْقَةُ الْجَرَادِ عَجِيبَةٌ فِيهَا
عَشَرَةٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ذَكَرَ بَعْضهَا بن
الشَّهْرُزُورِيِّ فِي قَوْلِهِ لَهَا فَخِذَا بَكْرٍ
وَسَاقَا نَعَامَةٍ وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤُ
ضَيْغَمٍ حَبَتْهَا أَفَاعِي الرَّمَلِ بَطْنًا
وَأَنْعَمَتْ عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ
وَالْفَمِ قِيلَ وَفَاتَهُ عَيْنُ الْفِيلِ وَعُنُقُ
الثَّوْرِ وَقَرْنُ الْأَيِّلِ وَذَنَبُ الْحَيَّةِ وَهُوَ
صِنْفَانِ طَيَّارٌ وَوَثَّابٌ وَيَبِيضُ فِي الصَّخْرِ
(9/620)
فَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَنْتَشِرَ
فَلَا يَمُرُّ بِزَرْعٍ الا اجتاحه وَقيل وَاخْتُلِفَ فِي
أَصْلِهِ فَقِيلَ إِنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ فَلِذَلِكَ كَانَ
أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَهَذَا وَرَدَ فِي حَدِيث
ضَعِيف أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ إِنَّ
الْجَرَادَ نَثْرَةُ حُوتٍ مِنَ الْبَحْرِ وَمِنْ حَدِيثِ
أَبَى هُرَيْرَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ
فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا
نَضْرِبُ بِنِعَالِنَا وَأَسْوَاطِنَا فَقَالَ كُلُوهُ
فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ
صَحَّ لَكَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا جَزَاءَ
فِيهِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَجُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَمْ
يَقُلْ لَا جَزَاءَ فِيهِ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاخْتُلِفَ
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ الْجَزَاءُ
دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَرِّيٌّ وَقَدْ أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ
إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
اشْتِرَاطُ تَذْكِيَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا
فَقِيلَ بِقَطْعِ رَأْسِهِ وَقِيلَ إِنْ وَقَعَ فِي قدر
أَو نَار حل وَقَالَ بن وَهْبٍ أَخْذُهُ ذَكَاتُهُ
وَوَافَقَ مُطَرِّفٌ مِنْهُمُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ
لَا يُفْتَقَرُ إِلَى ذَكَاتِهِ لِحَدِيثِ بن عُمَرَ
أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ
وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ إِنَّ
الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا
الْمَوْقُوفَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لَهُ حُكْمَ
الرَّفْعِ
[5495] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي يَعْفُورَ بِفَتْحِ
التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ
الْفَاءِ هُوَ الْعَبْدِيِّ وَاسْمُهُ وَقْدَانُ وَقِيلَ
وَاقِدٌ وَقَالَ مُسْلِمٌ اسْمُهُ وَاقِدٌ وَلَقَبُهُ
وَقْدَانُ وَهُوَ الْأَكْبَرُ وَأَبُو يَعْفُورٍ
الْأَصْغَرُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ
وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَيْسَ
لِلْأَكْبَرِ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَبْوَابِ
الرُّكُوعِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ
كَلَامَ النَّوَوِيِّ فِيهِ وَجَزْمَهُ بِأَنَّهُ
الْأَصْغَرُ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ الْأَكْبَرُ
وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ وَغَيْرُهُ
وَالنَّوَوِيّ تبع فِي ذَلِك بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرَهُ
وَالَّذِي يُرَجِّحُ كَلَامَ الْكَلَابَاذِيِّ جَزْمُ
التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ بِأَنَّ رَاوِيَ
حَدِيثِ الْجَرَادِ هُوَ الَّذِي اسْمُهُ وَاقِدٌ
وَيُقَالُ وَقْدَانُ وَهَذَا هُوَ الْأَكْبَر وَيُؤَيِّدهُ
أَيْضا أَن بن أَبِي حَاتِمٍ جَزَمَ فِي تَرْجَمَةِ
الْأَصْغَرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي أَوْفَى قَوْلُهُ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ أَوْ سِتَّ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ
وَوَقَعَ فِي توضيح بن مَالِكٍ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ
ثَمَانِيَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْأَجْوَدُ أَنْ
يُقَالَ سَبْعُ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِيَةً بِالتَّنْوِينِ
لِأَنَّ لَفْظَ ثَمَانٍ وَإِنْ كَانَ كَلَفْظِ جَوَارٍ فِي
أَنَّ ثَالِثَ حُرُوفِهِ أَلِفٌ بَعْدَهَا حَرْفَانِ
ثَانِيهُمَا يَاءٌ فَهُوَ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ جَوَارِيَ
جَمْعٌ وَثَمَانِيَةٌ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَاللَّفْظُ بِهِمَا
فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ سَوَاءٌ وَلَكِنَّ تَنْوِينَ
ثَمَانٍ تَنْوِينُ صَرْفٍ وَتَنْوِينَ جَوَارٍ تَنْوِينُ
عِوَضٍ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ بِالنَّصْبِ وَاسْتَمَرَّ
يَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَفِي ذِكْرِهِ لَهُ
بِلَا تَنْوِينٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَجْوَدُهَا أَنْ
يَكُونَ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَأَبْقَى الْمُضَافَ
عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَذْفِ وَمِثْلُهُ
قَوْلُ الشَّاعِرِ خَمْسُ ذُودٍ أَوْ سِتُّ عُوِّضَتْ
مِنْهَا الْبَيْتَ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ
الْمَنْصُوبُ كُتِبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى لُغَةِ
رَبِيعَةَ وَذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ يَخْتَصُّ بِالثَّمَانِ
وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ لَا فِي
الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ بِلَفْظِ ثَمَانٍ فَمَا
أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا وَهَذَا الشَّكُّ فِي عَدَدِ
الْغَزَوَاتِ مِنْ شُعْبَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِالشَّكِّ أَيْضًا
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ السِّتِّ مِنْ
غَيْرِ شَكٍّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ فَقَالَ غَزَوَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا
قَوْلُهُ وَكُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ يَحْتَمِلُ
أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعِيَّةِ مُجَرَّدَ الْغَزْوِ دُونَ
مَا تَبِعَهُ مِنْ أَكْلِ الْجَرَادِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ مَعَ أَكْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نعيم
(9/621)
فِي الطِّبِّ وَيَأْكُلُ مَعَنَا وَهَذَا
إِنْ صَحَّ يَرُدُّ عَلَى الصَّيْمَرِيِّ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَهُ كَمَا عَافَ الضَّبَّ ثُمَّ
وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِ الصَّيْمَرِيِّ وَهُوَ مَا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ سُئِلَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرَادِ
فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَالصَّوَابُ
مُرْسَلٌ وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتِ بْنِ
زُهَيْر عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا
آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَسُئِلَ عَنِ الْجَرَادِ
فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ ثَابِتًا لِأَنَّ
ثَابِتًا قَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ أكل
الْجَرَاد لَكِن فصل بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ جَرَادِ الْحِجَازِ وَجَرَادِ
الْأَنْدَلُسِ فَقَالَ فِي جَرَادِ الْأَنْدَلُسِ لَا
يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ
أَنَّهُ يَضُرُّ أَكْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ سُمِّيَّةٌ
تَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَرَادِ الْبِلَادِ
تَعَيَّنَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
وَقَالَ سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَقَدْ وَصَلَهُ
الدَّارِمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَهُوَ
الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ
وَلَفْظُهُ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ
وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ
الثَّوْرِيِّ وَأَفَادَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ
لَكِنْ قَالَ سِتَّ غَزَوَاتٍ قُلْتُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ بن عُيَيْنَةَ جَازِمًا
بِالسِّتِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كَذَا قَالَ بن
عُيَيْنَةَ سِتَّ وَقَالَ غَيْرُهُ سَبْعَ قُلْتُ
وَدَلَّتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَلَى أَنَّ شَيْخَهُمْ
كَانَ يَشُكُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جَزَمَ مَرَّةً
بِالسَّبْعِ ثُمَّ لَمَّا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ صَارَ
يَجْزِمُ بِالسِّتِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُؤَيِّدُ
هَذَا الْحَمْلَ أَنَّ سَمَاعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ
عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ دُونَ الثَّوْرِيِّ وَمن ذكر مَعَه
وَلَكِن وَقع عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي
الْوَلِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ سَبْعًا أَوْ
سِتًّا يَشُكُّ شُعْبَةُ قَوْلُهُ وَأَبُو عَوَانَةُ
وَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ
مِثْلُ الثَّوْرِيِّ وَذَكَرَهُ الْبَزَّارُ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
فَقَالَ مَرَّةً عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ وَمَرَّةً عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ كَوْنِهِ عَنْ
أَبِي يَعْفُورٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا
أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَوْلُهُ وَإِسْرَائِيلُ
وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَجَاءٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ سَبْعَ غَزَوَاتٍ فَكُنَّا
نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ
(9/622)
(
قَوْله بَاب آنِية الْمَجُوس)
قَالَ بن التِّينِ كَذَا تَرْجَمَ وَأَتَى بِحَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَعَلَّهُ
يَرَى أَنَّهُمْ أهل كتاب وَقَالَ بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ
لِلْمَجُوسِ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ
لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْهُمَا
وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ تَوَقِّيهِمُ النَّجَاسَاتِ وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ أَوْ حُكْمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا
بِالْقِيَاسِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ
الْمَجُوسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ قُلْتُ
وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ
فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْصُوصًا عَلَى الْمَجُوسِ
فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي
ثَعْلَبَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ فَقَالَ
أَنْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبُخُوا فِيهَا وَفِي لَفْظٍ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبَى ثَعْلَبَةَ قُلْتُ إِنَّا نَمُرُّ
بِهَذَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ فَلَا
تَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ الْحَدِيثَ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ
يُكْثِرُ مِنْهَا الْبُخَارِيُّ فَمَا كَانَ فِي سَنَدِهِ
مَقَالٌ يُتَرْجِمُ بِهِ ثمَّ يُورد فِي الْبَاب مَا يوخذ
الْحُكْمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَنَحْوِهِ
وَالْحُكْمُ فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ
الْحُكْمِ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ
الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ لِكَوْنِهِمْ تَحِلُّ
ذَبَائِحُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا إِشْكَالَ أَوْ
لَا تَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ
أَبْوَابٍ فَتَكُونُ الْآنِيَةُ الَّتِي يَطْبُخُونَ
فِيهَا ذَبَائِحهم ويغرفون قَدْ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ
الْمَيْتَةِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ
أَنَّهُمْ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
وَبِأَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِيهَا الْخِنْزِيرَ
وَيَضَعُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَغَيْرَهَا وَيُؤَيِّدُ
الثَّانِيَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَزَّارُ
عَنْ جَابِرٍ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ
الْمُشْرِكِينَ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ
عَلَيْنَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ
الْبَزَّارِ فَنَغْسِلُهَا وَنَأْكُل فِيهَا قَوْله
وَالْميتَة قَالَ بن الْمُنِيرِ نَبَّهَ بِذِكْرِ
الْمَيْتَةِ عَلَى أَنَّ الْحَمِيرَ لَمَّا كَانَتْ
مُحَرَّمَةً لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا الذَّكَاةُ فَكَانَتْ
مَيْتَةً وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِغَسْلِ الْآنِيَةِ مِنْهَا
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِي
عَاصِمٍ عَالِيًا وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِهِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَبْلُ ثُمَّ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ
الْأَكْوَعِ فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْرَدَهُ
عَالِيًا وَهُوَ مِنْ ثُلَاثِيَّاتِهِ وَسَيَأْتِي
شَرْحُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَابًا
(9/623)
(قَوْله بَاب التَّسْمِيَةِ عَلَى
الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا)
كَذَا لِلْجَمِيعِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ هُنَا
كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَرْجَمَ
أَوَّلًا كِتَابَ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَوْ كِتَابَ
الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُتَعَمِّدًا إِلَى تَرْجِيحِ
التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِ
التَّسْمِيَةِ فَلَا تَحِلُّ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ نَسِيَ
فَتَحِلُّ لِأَنَّهُ استظهر لذَلِك بقول بن عَبَّاسٍ
وَبِمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا يُشِيرُ
إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
فَاسْتَنْبَطَ مِنْهَا أَنَّ الْوَصْفَ لِلْعَامِدِ
فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ
النَّاسِي وَالْعَامِدِ فِي الذَّبِيحَةِ قَوْلُ أَحْمَدَ
وَطَائِفَةٍ وَقَوَّاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ
مُحْتَجًّا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْإِيجَابُ
مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ وَأَنَّ الْأَخْبَارَ
الدَّالَّةَ عَلَى الرُّخْصَةِ تَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ
وَتَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ بِالنَّاسِي فَكَانَ حَمْلُهُ
عَلَيْهِ أَوْلَى لِتَجْرِيَ الْأَدِلَّةُ كُلُّهَا عَلَى
ظَاهِرِهَا وَيُعْذَرُ النَّاسِي دون الْعَامِد قَوْله
وَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ وَصَلَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ وَيَنْسَى
التَّسْمِيَةَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ أبي الشعْثَاء حَدثنِي ع عَن بن عَبَّاسٍ
أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَأَخْرَجَ سعيد بن
مَنْصُور عَن بن عُيَيْنَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ
فِي سَنَدِهِ عَنْ ع يَعْنِي عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ
فِيمَنْ ذَبَحَ وَنَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَقَالَ
الْمُسْلِمُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ
التَّسْمِيَةَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ
وَذَكَرَهُ مَالِكٌ بَلَاغًا عَن بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ
تَعَالَى وَأَن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى اوليائهم
فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْ
الِاحْتِجَاجِ لِجَوَازِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِتَأْوِيلِ
الْآيَةِ وَحَمْلِهَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهَا لِئَلَّا
يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لِيَصُدَّ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّهُ لمح بِمَا أخرجه
أَبُو دَاوُد وبن ماجة والطبري بِسَنَد صَحِيح عَن بن
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ
إِلَى اوليائهم ليجادلوكم قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ مَا
ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلُوهُ وَمَا
لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ
وَالطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاسٍ
قَالَ جَاءَتِ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا تَأْكُلُ مِمَّا
قَتَلْنَا وَلَا تَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَهُ اللَّهُ
فَنَزَلَتْ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَأَخْرَجَ
الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
عَنِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَسَاقَ إِلَى قَوْلِهِ
لَمُشْرِكُونَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِيمَا نَهَيْتُكُمْ
عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ
الْآيَةِ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليوحون إِلَى اوليائهم
ليجادلوكم قَالَ جَادَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي
الذَّبِيحَةِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطٍ
عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيق بن جُرَيْجٍ
قُلْتُ لِعَطَاءٍ مَا قَوْلُهُ فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم
الله عَلَيْهِ قَالَ يَأْمُرُكُمْ بِذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالذَّبْحِ قُلْتُ فَمَا
قَوْلُهُ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحَ كَانَتْ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْأَوْثَانِ قَالَ
الطَّبَرِيُّ مَنْ قَالَ إِنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ
فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا
يَحِلُّ فَهُوَ قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ
لِشُذُوذِهِ وَخُرُوجِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ
قَالَ وَأما قَوْله وَأَنه لفسق فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ
أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنَ
الْمَيْتَةِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فِسْقٌ
وَلَمْ يَحْكِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَ ذَلِكَ
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرين كَون قَوْله
وَأَنه لفسق مَنْسُوقًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ
الْجُمْلَةَ الْأُولَى طَلَبِيَّةٌ وَهَذِهِ خَبَرِيَّةٌ
وَهَذَا غَيْرُ سَائِغٍ وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ
سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ
يُجِيزُونَ ذَلِكَ وَلَهُمْ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ وَادَّعَى
الْمَانِعَ أَنَّ الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ وَمِنْهُمْ
مَنْ قَالَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ لَا تَأْكُلُوهُ
وَالْحَالُ أَنَّهُ فسق
(9/624)
أَيْ لَا تَأْكُلُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ
فِسْقًا وَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ قَدْ بُيِّنَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى أَوْ فِسْقًا
أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَرَجَعَ الزَّجْرُ إِلَى
النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ
فَلَيْسَتِ الْآيَةُ صَرِيحَةً فِي فِسْقِ مَنْ أَكَلَ مَا
ذُبِحَ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ اه وَلَعَلَّ هَذَا الْقَدْرَ
هُوَ الَّذِي حَذَّرَتْ مِنْهُ الْآيَةُ وَقَدْ نُوزِعَ
الْمَذْكُورُ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْآيَةَ وَمُنِعَ
مَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ الْآيَةِ مُجْمَلَةً
وَالْأُخْرَى مُبَيِّنَةً لِأَنَّ ثَمَّ شُرُوطًا لَيْسَتْ
هُنَا
[5498] قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ هُوَ
الثَّوْرِيُّ وَالِدُ سُفْيَانَ وَمَدَارُ هَذَا
الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَنْ
عَبَايَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ
الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ
قَوْلُهُ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كَذَا قَالَ
أَكْثَرُ أَصْحَابِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْهُ كَمَا
سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَبَايَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلَيْسَ لِرِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْأَقْدَمِينَ مِمَّنْ صَنَّفَ
فِي الرِّجَالِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا وَلَدَهُ عَبَايَةَ
بْنَ رِفَاعَةَ نعم ذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ
التَّابِعِينَ وَقَالَ إِنَّهُ يُكَنَّى أَبَا خَدِيجٍ
وَتَابَعَ أَبَا الْأَحْوَصَ عَلَى زِيَادَتِهِ فِي
الْإِسْنَادِ حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي
سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبَايَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ
قَالَ وَكَذَا قَالَ مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ
عَنْ أَبِيهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الطَّبَرَانِيَّ
أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكٍ فَلَمْ يَقُلْ فِي
الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِيهِ فَلَعَلَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى
الْمُبَارَكِ فِيهِ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لَا
يَتَكَلَّمُ فِي هَذَا الْفَنِّ جُزَافًا وَرِوَايَةُ
لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَقَدْ
أَغْفَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذِكْرَ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْجَيَّانِيُّ رَوَى الْبُخَارِيُّ
حَدِيثَ رَافِعٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ فَقَالَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ هَكَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ
الرُّوَاةِ وَسَقَطَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ عِنْدَ الْفَرَبْرِيِّ
وَحْدَهُ وَأَظُنُّهُ مِنْ إِصْلَاحِ بن السكن فَإِن بن
أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ
بِإِثْبَاتِ قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو
بَكْرٍ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي هَذَا السَّنَدِ عَنْ
أَبِيهِ غَيْرُ أَبِي الْأَحْوَصِ اه وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي
بَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ ذِكْرَ مَنْ
تَابَعَ أَبَا الْأَحْوَصِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ
الْجَيَّانِيُّ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ
حَافِظِ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا
الْحَدِيثَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَلَى
الصَّوَابِ يَعْنِي بِإِسْقَاطِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَهُوَ
أَصْلٌ يَعْمَلُ بِهِ مَنْ بَعْدَ الْبُخَارِيِّ إِذَا
وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ خَطَأٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ
قَالَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا فِي النَّقْصِ دُونَ
الزِّيَادَةِ فَيُحْذَفُ الْخَطَأُ قَالَ الْجَيَّانِيُّ
وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَبْدُ الْغَنِيّ على مَا وَقع فِي
رِوَايَة بن السَّكَنِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ
الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ
الْأَكْثَرَ رَوَوْهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِإِثْبَاتِ
قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةَ
زَادَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ مِنْ تِهَامَةَ
تَقَدَّمَتْ فِي الشَّرِكَةِ وَذُو الْحُلَيْفَةِ هَذَا
مَكَانٌ غَيْرُ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ
فِي طَرِيقِ الذَّاهِبِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمِنَ الشَّامِ
إِلَى مَكَّةَ وَهَذِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ
بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ كَذَا جَزَمَ بِهِ أَبُو
بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ وَيَاقُوتٌ وَوَقَعَ لِلْقَابِسِيِّ
أَنَّهَا الْمِيقَاتُ الْمَشْهُورُ وَكَذَا ذَكَرَ
النَّوَوِيُّ قَالُوا وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ
مِنَ الطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِهَامَةُ اسْمٌ لِكُلِّ
مَا نَزَلَ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ سميت بذلت مِنَ
التَّهَمِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْهَاءِ وَهُوَ
شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودُ الرِّيحِ وَقِيلَ تَغَيُّرُ
الْهَوَاءِ قَوْلُهُ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ كَأَنَّ
الصَّحَابِيَّ قَالَ هَذَا مُمَهِّدًا لِعُذْرِهِمْ فِي
ذَبْحِهِمُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ الَّتِي أَصَابُوا
قَوْلُهُ فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا فِي رِوَايَةِ
أَبِي الْأَحْوَصِ وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ
فَأَصَابُوا مِنَ الْمَغَانِمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الثَّوْرِيِّ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ فَأَصَبْنَا
نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ قَوْلُهُ وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ
النَّاسِ أُخْرَيَاتٌ جَمْعٌ أُخْرَى وَفِي رِوَايَةِ
أَبِي الْأَحْوَصِ فِي آخِرِ النَّاسِ وَكَانَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ صَوْنًا
لِلْعَسْكَرِ
(9/625)
وَحِفْظًا لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُمْ
لَخَشِيَ أَنْ يَنْقَطِعَ الضَّعِيفُ مِنْهُمْ دُونَهُ
وَكَانَ حِرْصُهُمْ عَلَى مُرَافَقَتِهِ شَدِيدا فَيلْزم
من سيره فِي مقَام الطَّاقَة صَوْنُ الضُّعَفَاءِ
لِوُجُودِ مَنْ يَتَأَخَّرُ مَعَهُ قَصْدًا مِنَ
الْأَقْوِيَاءِ قَوْلُهُ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ
يَعْنِي مِنَ الْجُوعِ الَّذِي كَانَ بِهِمْ
فَاسْتَعْجَلُوا فَذَبَحُوا الَّذِي غَنِمُوهُ وَوَضَعُوهُ
فِي الْقُدُورِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ
عِيسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ
مِنْ سَرَعَانِ النَّاسِ فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا
قُدُورَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
الشَّرِكَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ
أَبِي عَوَانَةَ فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا
الْقُدُورَ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فَأَغْلَوُا
الْقُدُورَ أَيْ أَوْقَدُوا النَّارَ تَحْتَهَا حَتَّى
غَلَتْ وَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى
مُسْلِمٍ وَسَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا فَعَجَّلَ
أَوَّلُهُمْ فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ قَوْلُهُ
فَدُفِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَيْهِمْ دُفِعَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ
لِلْمَجْهُولِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِمْ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
مَسْرُوقٍ فَانْتَهَى إِلَيْهِمْ أَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ
فَأُكْفِئَتْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ
قُلِبَتْ وَأُفْرِغَ مَا فِيهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
هَذَا الْمَكَانِ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا سَبَبُ
الْإِرَاقَةِ وَالثَّانِي هَلْ أُتْلِفَ اللَّحْمُ أَمْ
لَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ عِيَاضٌ كَانُوا
انْتَهَوْا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمَحَلُّ الَّذِي
لَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ
الْمُشْتَرَكَةِ إِلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ
مَحِلَّ جَوَازِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا هُوَ
مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ
سَبَبَ ذَلِكَ كَوْنُهُمُ انْتَهَبُوهَا وَلَمْ
يَأْخُذُوهَا بِاعْتِدَالٍ وَعَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ
قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ
لِذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ
صُحْبَةٌ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ أَصَابَ
النَّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ فَأَصَابُوا
غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي
بِهَا إِذْ جَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا
بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ
ثُمَّ قَالَ إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ
الْمَيْتَةِ اه وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُمْ
مِنْ أَجْلِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ كَمَا
عُومِلَ الْقَاتِلُ بِمَنْعِ الْمِيرَاثِ وَأَمَّا
الثَّانِي فَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ
إِرَاقَةِ الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافُ الْمَرَقِ
عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا اللَّحْمُ فَلَمْ يُتْلِفُوهُ
بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى
الْمَغْنَمِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ
مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
عَنِ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذَا مِنْ مَالِ الْغَانِمِينَ
وَأَيْضًا فَالْجِنَايَةُ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ مِنْ
جَمِيعِ مُسْتَحِقِّي الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ
لَمْ يَطْبُخْ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُمُسِ
فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ
إِلَى الْمَغْنَمِ قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ
أَحْرَقُوهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى
وَفْقِ الْقَوَاعِدِ اه وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي
دَاوُدَ فَإِنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَتَرْكُ
تَسْمِيَةِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَرِجَالُ
الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَا يُقَالُ لَا
يلْزم من تَثْرِيب اللَّحْمِ إِتْلَافُهُ لِإِمْكَانِ
تَدَارُكِهِ بِالْغَسْلِ لِأَنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ
بِأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْ
ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يُنْتَفَعَ
بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ زَجْرٍ
لِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ نَزْرٌ
يَسِيرٌ فَكَانَ إِفْسَادُهَا عَلَيْهِمْ مَعَ تَعَلُّقِ
قُلُوبِهِمْ بِهَا وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا وَشَهْوَتِهِمْ
لَهَا أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ وَأَبْعَدَ الْمُهَلَّبُ
فَقَالَ إِنَّمَا عَاقَبَهُمْ لِأَنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا
وَتَرَكُوهُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ مُتَعَرِّضًا لِمَنْ
يَقْصِدُهُ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخْتَارًا
لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَلَا مَعْنَى
لِلْحَمْلِ عَلَى الظَّنِّ مَعَ وُرُودِ النَّصِّ
بِالسَّبَبِ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَمْرُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَبْحَ مَنْ لَا
يَمْلِكُ الشَّيْءَ كُلُّهُ لَا يَكُونُ مُذَكِّيًا
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا
إِلَى الِاخْتِصَاصِ بِالشَّيْءِ دُونَ بَقِيَّةٍ مَنْ
يَسْتَحِقُّهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْسَمَ وَيُخْرَجَ
مِنْهُ الْخُمُسُ فَعَاقَبَهُمْ بِالْمَنْعِ مِنْ
تَنَاوُلِ مَا سَبَقُوا إِلَيْهِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ
مُعَاوَدَةِ مِثْلِهِ ثُمَّ رَجَّحَ الثَّانِيَ وَزَيَّفَ
الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ
أَكْلُ الْبَعِيرِ النَّادِّ الَّذِي رَمَاهُ أَحَدُهُمْ
بِسَهْمٍ إِذْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمُ الْكُلُّ فِي رَمْيِهِ
مَعَ أَنَّ رَمْيَهُ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
فِي نَفْسِ حَدِيثِ الْبَابِ اه مُلَخصا
(9/626)
وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى
الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ كَمَا
سَيَأْتِي فِي أَو اخر أَبْوَابِ الْأَضَاحِي وَيُمْكِنُ
الْجَوَابُ عَمَّا أَلْزَمَهُ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
مِنْ قِصَّةِ الْبَعِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّامِي رَمَى
بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْجَمَاعَةِ فَأَقَرُّوهُ فَدَلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى
رِضَاهُمْ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ أُولَئِكَ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَنْ مَعَهُ فَافْتَرَقَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ
فِي رِوَايَة وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ
قِيمَةَ الْغَنَمِ إِذْ ذَاكَ فَلَعَلَّ الْإِبِلَ كَانَتْ
قَلِيلَةً أَوْ نَفِيسَةً وَالْغَنَمُ كَانَتْ كَثِيرَةً
أَوْ هَزِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَعِيرِ
عَشْرَ شِيَاهٍ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةَ فِي
الْأَضَاحِي مِنْ أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعِ
شِيَاهٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ
الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ الْمُعْتَدِلَيْنِ وَأَمَّا هَذِهِ
الْقِسْمَةُ فَكَانَتْ وَاقِعَةَ عَيْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ التَّعْدِيلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَةِ
الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ وَالْبَدَنَةُ
تُطْلَقُ عَلَى النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَأما حَدِيث بن
عَبَّاسٍ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا
فِي الْبَقَرَةِ تِسْعَةٌ وَفِي الْبَدَنَةِ عَشَرَةٌ
فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ
وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ هَذَا
وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ
الْبَعِيرَ بِسَبْعَةٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ مِنْ
نَفَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ
ذَلِكَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ
فِي ذَلِكَ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْقِسْمَةِ
الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيمَا عَدَا مَا طُبِخَ
وَأُرِيقَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الَّتِي كَانُوا
غَنِمُوهَا وَيَحْتَمِلُ إِنْ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ تعدّدت
أَن تكون الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا بن عَبَّاسٍ أُتْلِفَ
فِيهَا اللَّحْمُ لِكَوْنِهِ كَانَ قُطِعَ لِلطَّبْخِ
وَالْقِصَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ رَافِعٍ طُبِخَتِ
الشِّيَاهُ صِحَاحًا مَثَلًا فَلَمَّا أُرِيقَ مَرَقُهَا
ضُمَّتْ إِلَى الْمَغْنَمِ لِتُقْسَمَ ثُمَّ يَطْبُخُهَا
مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ
النُّكْتَةُ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ الشِّيَاهِ عَنِ
الْعَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَنَدَّ بِفَتْحِ
النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ هَرَبَ نَافِرًا
قَوْلُهُ مِنْهَا أَيْ مِنَ الْإِبِلِ الْمَقْسُومَةِ
قَوْلُهُ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فِيهِ
تَمْهِيدٌ لِعُذْرِهِمْ فِي كَوْنِ الْبَعِيرِ الَّذِي
نَدَّ أَتْعَبَهُمْ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَحْصِيلِهِ
فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ خُيُولٌ كَثِيرَةٌ
لَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يُحِيطُوا بِهِ فَيَأْخُذُوهُ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَلَمْ يَكُنْ
مَعَهُمْ خَيْلٌ أَيْ كَثِيرَةٌ أَوْ شَدِيدَةُ الْجَرْيِ
فَيَكُونُ النَّفْيُ لِصِفَةٍ فِي الْخَيْلِ لَا لِأَصْلِ
الْخَيْلِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ
فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ أَيْ أَتْعَبَهُمْ وَلَمْ
يَقْدِرُوا عَلَى تَحْصِيلِهِ قَوْلُهُ فَأَهْوَى إِلَيْهِ
رَجُلٌ أَيْ قَصَدَ نَحْوَهُ وَرَمَاهُ وَلَمْ أَقِفْ
عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّامِي قَوْلُهُ فَحَبَسَهُ اللَّهُ
أَيْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَفَ قَوْلُهُ إِنَّ
لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ
وَشُعْبَةَ الْمَذْكُورَتَيْنِ بَعْدُ إِنَّ لِهَذِهِ
الْإِبِلِ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ هَذِهِ
اللَّامُ تُفِيدُ مَعْنَى مِنْ لِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ
تُسْتَفَادُ مِنِ اسْمِ إِنَّ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً
قَوْلُهُ أَوَابِدُ جَمْعُ آبِدَةٍ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ
الْمُوَحَّدَةِ أَيْ غَرِيبَةٌ يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ
بِآبِدَةٍ أَيْ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَعْلَةٍ مُنَفِّرَةٍ
يُقَالُ أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ تَأْبُدُ
بِضَمِّهَا وَيَجُوزُ الْكَسْرُ أُبُودًا وَيُقَالُ
تَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهَا
تَوَحُّشًا قَوْلُهُ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا
فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ
فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
الْأَحْوَصِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا
مِثْلَ هَذَا زَادَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ
عَنْ أَبِيهِ فَاصْنَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَكُلُوهُ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ مَا
رُمِيَ بِالسَّهْمِ فَجُرِحَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ
مِنْ جَسَدِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا أَوْ
مُتَوَحِّشًا وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ
ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ وَقَالَ جَدِّي زَادَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا صُورَتُهُ مُرْسل فَإِن
(9/627)
عَبَايَة بن رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْ
زَمَانَ الْقَوْلِ وَظَاهِرُ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ
عَبَايَةَ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ جَدِّهِ فَفِي رِوَايَةِ
شُعْبَةَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ الْآتِيَةِ أَيْضًا
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
الْأَحْوَصِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُهُ إِنَّا
لَنَرْجُو أَوْ نَخَافُ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي
التَّعْبِيرِ بِالرَّجَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى حِرْصِهِمْ
عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ لِمَا يَرْجُونَهُ مِنْ فَضْلِ
الشَّهَادَةِ أَوِ الْغَنِيمَةِ وَبِالْخَوْفِ إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهِمُ
الْعَدُوُّ بَغْتَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي
الْأَحْوَصِ إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا بِالْجَزْمِ
وَلَعَلَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ بِخَبَرِ مَنْ صَدَّقَهُ أَوْ
بِالْقَرَائِنِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ
عَنِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي
الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى مُسْلِمٍ إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ
غَدًا وَإِنَّا نَرْجُو كَذَا بِحَذْفِ مُتَعَلَّقِ
الرَّجَاءِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْغَنِيمَةُ قَوْلُهُ
وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفٌ
مَقْصُورٌ جَمْعُ مُدْيَةٍ بِسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا
تَحْتَانِيَّةٌ وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى الْحَيَوَانِ أَيْ عُمْرَهُ
وَالرَّابِطُ بَيْنَ قَوْلِهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ
وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
مُرَادُهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوُا الْعَدُوَّ صَارُوا
بِصَدَدِ أَنْ يَغْنَمُوا مِنْهُمْ مَا يَذْبَحُونَهُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ
يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَبْحِ مَا يَأْكُلُونَهُ
لِيَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا لَقَوْهُ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْغَنَمِ
وَالْإِبِلِ بَيْنَهُمْ فَكَانَ مَعَهُمْ مَا
يَذْبَحُونَهُ وَكَرِهُوا أَنْ يَذْبَحُوا بِسُيُوفِهِمْ
لِئَلَّا يَضُرَّ ذَلِكَ بِحَدِّهَا وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ
لَهُ فَسَأَلَ عَنِ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الذَّبْحِ غَيْرِ
السِّكِّينِ وَالسَّيْفُ وَهَذَا وَجْهُ الْحَصْرِ فِي
الْمُدْيَةِ وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِ مَعَ إِمْكَانِ مَا
فِي مَعْنَى الْمُدْيَةِ وَهُوَ السَّيْفُ وَقَدْ وَقَعَ
فِي حَدِيث غير هَذَا إِنَّكُم لاقوا الْعَدُوِّ غَدًا
وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَنَدَبَهُمْ إِلَى الْفِطْرِ
لِيَتَقَوَّوْا قَوْلُهُ أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ يَأْتِي
الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ قَوْلُهُ مَا أَنْهَرَ
الدَّمَ أَيْ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةِ شُبِّهَ
بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهَرِ قَالَ عِيَاضٌ هَذَا هُوَ
الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالرَّاءِ وَذَكَرَهُ
أَبُو ذَرٍّ الْخُشَنِيُّ بالزاي وَقَالَ النَّهر بِمَعْنى
الرّفْع وَهُوَ غَرِيب وَمَا مَوْصُولَةٌ فِي مَوْضِعِ
رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهَا فَكُلُوا
وَالتَّقْدِيرُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَهُوَ حَلَالٌ
فَكُلُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَوَقَعَ
فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الثَّوْرِيِّ كُلُّ
مَا أَنْهَرَ الدَّم ذَكَاة وَمَا فِي هَذَا مَوْصُوفَةٌ
قَوْلُهُ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ هَكَذَا وَقَعَ هُنَا
وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ
وَثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّرِكَةِ وَكَلَامُ
النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُوهِمُ أَنَّهَا
لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ إِذْ قَالَ هَكَذَا هُوَ فِي
النُّسَخِ كُلِّهَا يَعْنِي مِنْ مُسْلِمٍ وَفِيهِ
مَحْذُوفٌ أَيْ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ مَعَهُ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ اه فَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ
يَرَهَا فِي الذَّبَائِحِ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا
عَزَاهَا لِأَبِي دَاوُدَ إِذْ لَوِ اسْتَحْضَرَهَا مِنَ
الْبُخَارِيِّ مَا عَدَلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهَا
فِيهِ اشْتِرَاطُ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ
الْإِذْنَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْإِنْهَارُ
وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَيْئَيْنِ لَا
يُكْتَفَى فِيهِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا وَيَنْتَفِي
بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي
اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَ الْبَابِ وَيَأْتِي
أَيْضًا قَرِيبًا قَوْلُهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ
بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ بِلَيْسَ وَيَجُوزُ
الرَّفْعُ أَيْ لَيْسَ السِّنُّ وَالظُّفُرُ مُبَاحًا أَوْ
مُجْزِئًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ مَا
لَمْ يَكُنْ سِنٌّ أَوْ ظُفُرٌ وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ
بْنِ عُبَيْدٍ غَيْرُ السِّنِّ وَالظُّفُرِ وَفِي
رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ عِيسَى إِلَّا سِنًّا أَوْ ظُفُرًا
قَوْلُهُ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ
غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَسَأُخْبِرُكُمْ وَسَيَأْتِي
الْبَحْثُ فِيهِ وَهَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْفُوعِ
أَوْ مُدْرَجٌ فِي بَابِ إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً
قُبَيْلَ كِتَابِ الْأَضَاحِي قَوْلُهُ أَمَّا السِّنُّ
فَعَظْمٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُوَ قِيَاسٌ حُذِفَتْ
مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِشُهْرَتِهَا
عِنْدَهُمْ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ
وَكُلُّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ وَطَوَى
النَّتِيجَةَ لِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهَا
وَقَالَ بن الصّلاح فِي
(9/628)
مُشْكِلِ الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَدْ
قَرَّرَ كَوْنَ الذَّكَاةِ لَا تَحْصُلُ بِالْعَظْمِ
فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَعَظْمٌ قَالَ
وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مِنْ نَقْلٍ لِلْمَنْعِ مِنَ
الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يُعْقَلُ وَكَذَا وَقع فِي
كَلَام بن عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى
الْحَدِيثَ لَا تَذْبَحُوا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهَا
تُنَجَّسُ بِالدَّمِ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ
تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ
الْجِنِّ اه وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُقَالُ كَانَ
يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ بِهَا لِأَنَّ
الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ
لَا يُجْزِئُ وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمُشْكِلِ
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ كَانَ
مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَقَرَّرَهُمُ
الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا قُلْتُ
وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ
مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ إِنْ
ثَبَتَ قَوْلُهُ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ
أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ
بهم قَالَه بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ
نَهَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِمَا تَعْذِيبٌ
لِلْحَيَوَانِ وَلَا يَقَعُ بِهِ غَالِبًا إِلَّا
الْخَنْقُ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ
وَقَدْ قَالُوا إِنَّ الْحَبَشَةَ تُدْمِي مَذَابِحَ
الشَّاةِ بِالظُّفُرِ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهَا خَنْقًا
وَاعْتُرِضَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ
كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ
وَسَائِرِ مَا يَذْبَحُ بِهِ الْكُفَّارُ وَأُجِيبَ
بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ وَأَمَّا
مَا يَلْتَحِقُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ
التَّشْبِيهُ لِضَعْفِهَا وَمِنْ ثَمَّ كَانُوا
يَسْأَلُونَ عَنْ جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ
وَشَبَهِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا ثُمَّ وَجَدْتُ فِي
الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ
عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الظُّفُرَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ عَلَى النَّوْعِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي
الْبَخُورِ فَقَالَ مَعْقُولٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
السِّنَّ إِنَّمَا يُذَكَّى بِهَا إِذَا كَانَتْ
مُنْتَزَعَةً فَأَمَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فَلَوْ ذُبِحَ
بِهَا لَكَانَتْ مُنْخَنِقَةً يَعْنِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِالسِّنِّ السِّنُّ الْمُنْتَزَعَةُ وَهَذَا
بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِهِ
بِالسِّنِّ الْمُنْفَصِلَةِ قَالَ وَأَمَّا الظُّفُرُ
فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ظُفُرَ الْإِنْسَانِ لَقَالَ
فِيهِ مَا قَالَ فِي السِّنِّ لَكِنِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ
أَرَادَ بِهِ الظُّفُرَ الَّذِي هُوَ طِيبٌ مِنْ بِلَادِ
الْحَبَشَةِ وَهُوَ لَا يَفْرِي فَيَكُونُ فِي مَعْنَى
الْخَنْقِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا
تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ
الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ وَلَوْ قُلْتَ وَلَوْ
وَقَعَ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهَا وَفِيهِ انْقِيَادُ
الصَّحَابَةِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى فِي تَرْكِ مَا بِهِمْ إِلَيْهِ
الْحَاجَةُ الشَّدِيدَةُ وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ
عُقُوبَةَ الرَّعِيَّةِ بِمَا فِيهِ إِتْلَافُ مَنْفَعَةٍ
وَنَحْوِهَا إِذَا غَلَبَتِ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ
وَأَنَّ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَجُوزُ فِيهَا
التَّعْدِيلُ وَالتَّقْوِيمُ وَلَا يُشْتَرَطُ قِسْمَةُ
كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ وَأَنَّ مَا تَوَحَّشَ
مِنَ الْمُسْتَأْنَسِ يُعْطَى حُكْمُ الْمُتَوَحِّشِ
وَبِالْعَكْسِ وَجَوَازُ الذَّبْحِ بِمَا يُحَصِّلُ
الْمَقْصُودَ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَمْ لَا وَجَوَازُ
عَقْرِ الْحَيَوَانِ النَّادِّ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ
ذَبْحِهِ كَالصَّيْدِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنَ
الْإِنْسِيِّ وَيَكُونُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَذْبَحًا
فَإِذَا أُصِيبَ فَمَاتَ مِنَ الْإِصَابَةِ حَلَّ أَمَّا
الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ إِلَّا بِالذَّبْحِ
أَوِ النَّحْرِ إِجْمَاعًا وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى
أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا فِيهَا
وَفِيهِ مَنْعُ الذَّبْحِ بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ
مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا طَاهِرًا كَانَ أَوْ
مُتَنَجِّسًا وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ السِّنِّ
وَالظُّفُرِ الْمُتَّصِلَيْنِ فَخَصُّوا الْمَنْعَ بِهِمَا
وَأَجَازُوهُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ
الْمُتَّصِلَ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ
وَالْمُنْفَصِلُ فِي مَعْنَى الْحجر وَجزم بن دَقِيقِ
الْعِيدِ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُتَّصِلَيْنِ
ثُمَّ قَالَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ قَوْمٌ عَلَى مَنْعِ
الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ أَمَّا
السِّنُّ فَعَظْمٌ فَعُلِّلَ مَنْعُ الذَّبْحِ بِهِ
لِكَوْنِهِ عَظْمًا وَالْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ
عِلَّتِهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا يَجُوزُ
بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ مُطْلَقًا رَابِعُهَا يَجُوزُ
بِهِمَا مُطْلَقًا حَكَاهَا بن الْمُنْذِرِ وَحَكَى
الطَّحَاوِيُّ الْجَوَازَ مُطْلَقًا عَنْ قَوْمٍ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ
أَمِرَّ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
لَكِنْ عُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ
صَحِيحًا فِي حَدِيثِ رَافِعٍ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ
وَسَلَكَ الطَّحَاوِيُّ طَرِيقًا آخَرَ فَاحْتَجَّ
لِمَذْهَبِهِ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَدِيٍّ قَالَ
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ يَقْتَضِي
تَخْصِيصَ هَذَا الْعُمُومِ لَكِنَّهُ فِي الْمَنْزُوعِينَ
غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَفِي غير
(9/629)
الْمَنْزُوعِينَ مُحَقَّقٌ مِنْ حَيْثُ
النَّظَرُ وَأَيْضًا فَالذَّبْحُ بِالْمُتَّصِلِينَ
يُشْبِهُ الْخَنْقَ وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُشْبِهُ الْآلَةَ
الْمُسْتَقِلَّةَ من حجر وخشب وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)
وَالْأَصْنَامِ النُّصُبُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِفَتْحِهِ
وَاحِدُ الْأَنْصَابِ وَهِيَ حِجَارَةٌ كَانَتْ تُنْصَبُ
حَوْلَ الْبَيْتِ يُذْبَحُ عَلَيْهَا بِاسْمِ الْأَصْنَامِ
وَقِيلَ النُّصُبُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَعَلَى هَذَا فَعَطْفُ الْأَصْنَامِ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ اللَّائِقُ
بِحَدِيثِ الْبَاب ذكر فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَقَعَ فِيهِ مِنَ
الِاخْتِلَافِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ
الَّتِي فِي أَوَاخِرِ الْمَنَاقِبِ وَهُوَ أَنَّهُ وَقَعَ
لِلْأَكْثَرِ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةً وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ
فَقَدَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سفرة وَجمع بن الْمُنِيرِ بَيْنَ هَذَا
الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا
هُنَاكَ قَدَّمُوا السُّفْرَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهَا لِزَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ
مُخَاطِبًا لِأُولَئِكَ الْقَوْمِ مَا قَالَ وَقَوْلُهُ
[5499] سُفْرَةُ لَحْمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ
سُفْرَةٌ فِيهَا لَحْمٌ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ الْحَدِيثِ
مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ المناقب
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي
ذَبْحِ الضَّحَايَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَفِيهِ
اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِهِ الْإِذْنَ فِي الذَّبِيحَةِ حِينَئِذٍ
أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرَ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى
الذَّبِيحَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى
فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقد اسْتدلَّ بِهِ بن الْمُنِيرِ عَلَى اشْتِرَاطِ
تَسْمِيَةِ الْعَامِدِ دُونَ النَّاسِي وَيَأْتِي
تَقْرِيرُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ
فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْحَاةً بِفَتْحِ
أَوله بِمَعْنى الْأُضْحِية
(9/630)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ
الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ)
أَنْهَرَ أَيْ أَسَالَ وَالْمَرْوَةُ حَجَرٌ أَبْيَضُ
وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُقْدَحُ مِنْهُ النَّارُ وَأَشَارَ
الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِهَا إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ
طُرُقِ حَدِيثِ رَافِعٍ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ حَبِيبِ
بْنِ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ
وَفِي رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ
عَبَايَةَ أَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَشِقَّةِ الْعَصَا
وَوَقَعَ ذِكْرُ الذَّبْحِ بِالْمَرْوَةِ فِي حَدِيث أخرجه
أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ
طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ قَالَ ذَبَحْتُ
أَرْنَبَيْنِ بِمَرْوَةَ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسلم بأكلهما وَصَححهُ بن حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ اذْبَحُوا بِكُلِّ
شَيْءٍ فَرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا السِّنَّ وَالظُّفُرَ
وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ
نَحْوُهُ وَالْأَشْهَرُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ
أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَمِنْ
قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى فَإِنَّ فِيهِ
إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْحَدِيدِ كَانَ
مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ جَوَازُهُ وَالْمُرَادُ
بِالسُّؤَالِ عَنِ الذَّبْحِ بِالْمَرْوَةِ جِنْسُ
الْأَحْجَارِ لَا خُصُوصُ الْمَرْوَةِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ
فِي الْبَابِ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَفِيهِ
التَّنْصِيصُ عَلَى الذَّبْحِ بِالْحَجَرِ
[5501] قَوْلُهُ مُعْتَمر هُوَ بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
وَعبيد الله هُوَ بن عمر الْعمريّ قَوْله عَن نَافِع سمع
بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ جَزَمَ الْمِزِيُّ فِي
الْأَطْرَافِ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ وَقَدْ
سَبَقَ مَا فِيهِ فِي الْوَكَالَةِ وَأَنَّ الَّذِي
يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى نَافِعٍ
كَمَا سَأُبَيِّنُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ
قَوْلُهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ لَمْ أَقِفْ عَلَى
اسْمِهَا قَوْلُهُ بِسَلْعٍ بِفَتْحِ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا
وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ
قَوْلُهُ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي
ذَرٍّ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْ غَنَمِهَا قَوْلُهُ مَوْتًا
فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي مَوْتَهَا
قَوْلُهُ فَذَبَحَتْهَا بِهِ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَذَكَّتْهَا وَسَقَطَ لِغَيْرِ أَبِي
ذَرٍّ بِهِ قَوْلُهُ أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ هُوَ
شكّ من الرَّاوِي
[5503] قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ هَكَذَا
جَزَمَ بِهِ عَبْدَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة أكبر على إِنِّي
(9/631)
سَمِعْتُهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ
وَحَدَّثَنِي بِهِ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنْهُ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ
غُنْدَرٍ فَبَيَّنَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَشُكُّ
شُعْبَةُ فِي سَمَاعِهِ لَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ
هُوَ قَوْلُهُ وَجَعَلَ عَشْرًا من الشَّاء بِبَعِيرٍ
قُلْتُ وَلِهَذِهِ النُّكْتَةُ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ
مِنَ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ هَذِهِ عَلَى مَا
عَدَا قِصَّةَ تَعْدِيلِ الْعَشْرِ شِيَاهٍ بِالْبَعِيرِ
إِذْ هُوَ الْمُحَقَّقُ مِنَ السَّمَاعِ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ الْحَدِيثِ قَرِيبًا قَوْلُهُ عَنْ
عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي
ذَرٍّ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعٍ وَرَافِعٌ جَدُّ
عَبَايَةَ وَأَبُوهُ رِفَاعَةُ فَنُسِبَ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ إِلَى جَدِّهِ وَلَوْ أُخِذَ بِظَاهِرِهَا
لَكَانَ الْحَدِيثُ عَنْ خَدِيجٍ وَالِدِ رَافِعٍ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَدَّ
بَعِيرٌ فَحَبَسَهُ فِيهِ اخْتِصَارٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ
بِلَفْظِ وَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْهَا فَسَعَوْا لَهُ
فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْم فحبسه
(قَوْلُهُ بَابُ ذَبِيحَةِ الْأَمَةِ وَالْمَرْأَةِ)
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ
ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ
عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ يُكْرَهُ ذَبْحُ
الْمَرْأَةِ الْأُضْحِيَّةَ وَعِنْدَ سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ
وَالصَّبِيِّ لَا بَأْسَ إِذا أطلق الذَّبِيحَةَ وَحَفِظَ
التَّسْمِيَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
[5504] قَوْلُهُ عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ
الْكُوفِيُّ وَافَقَ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيَّ الْبَصْرِيَّ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ
أَنَّ غَيْرَهُمَا رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قُلْتُ
وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ
رِوَايَةٍ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ وَكَذَا عَلَّقَهُ
هُنَا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَوَصَلَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ
عَنِ اللَّيْثِ بِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَذَا
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ وَهُوَ
أَشْبَهُ وَسَلَكَ الْجَادَّةَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَن
نَافِع عَن بن عُمَرَ وَكَذَا قَالَ مَرْحُومٌ الْعَطَّارُ
عَنْ دَاوُدَ الْعَطَّارِ عَنْ نَافِعٍ وَذَكَرَ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ
كَذَلِكَ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلَهُ عَنْ نَافِعٍ
وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَأَغْفَلَ مَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ أَوَاخِرَ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ معَاذ بن
سعد أَو سعد بن معَاذ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ وَقَدْ
أَوْرَدَهُ فِي الْمُوَطَّآتِ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ
جَمَاعَةٍ عَنْ مَالِكٍ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
مُعَاذُ بْنُ سَعْدٍ أَوْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَشَارَ
إِلَى تَفَرُّدِ مُحَمَّدٍ بِذَلِكَ وَقَالَ الْبَاقُونَ
عَنْ رَجُلٍ عَنْ معَاذ بن سعد أَو سعد بن معَاذ وَمِنْهُم
بن وَهْبٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ كَالْجَمَاعَةِ قَالَ
وَأَخْرَجَهُ بن وَهْبٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ
أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَغَيره من أهل الْعلم عَن نَافِع
عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ وَقَالَ الصَّوَابُ مَا فِي
الْمُوَطَّأِ يَعْنِي عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا عَنْ غَيْرِهِ
فَيحْتَمل أَن يكون بن وَهْبٍ أَرَادَ اللَّيْثَ وَحَمَلَ
(9/632)
رِوَايَة مَالك على رِوَايَته وَأغْرب بن
التِّينِ فَقَالَ فِيهِ رِوَايَةُ صَحَابِيٍّ عَنْ
تَابِعِيٍّ لِأَن بن كَعْب تَابِعِيّ وبن عُمَرَ
صَحَابِيٌّ قُلْتُ لَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ من طرقه أَن
بن عمر رَوَاهُ عَنهُ وَإِنَّمَا فِيهَا أَن بن كَعْب حدث
بن عُمَرَ بِذَلِكَ فَحَمَلَهُ عَنْهُ نَافِعٌ وَأَمَّا
الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا عَن بن عُمَرَ فَقَالَ
رَاوِيهَا فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَمْ يذكر بن كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَنَّهَا شَاذَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي فِي مُعَاذِ بن
سعد أَو سعد بن معَاذ لايقدح لِأَنَّ الصَّحَابَةَ
كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنِ الرَّاوِي
الَّذِي لَمْ يُسَمَّ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ
إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ بِالطَّرِيقِ الْأُخْرَى
أَنَّ لَهُ أَصْلًا
[5505] قَوْلُهُ جَارِيَةً وَفِي لَفْظٍ أَمَةً لَا
يُنَافِي قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى امْرَأَةً
لِأَنَّهَا أَعَمُّ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مَنْ زَادَ فِي
رِوَايَتِهِ صِفَةً وَهِيَ كَوْنُهَا أَمَةً قَوْلُهُ
فَذَبَحَتْهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
فَذَكَّتْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى
عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فَأَدْرَكَتْ ذَكَاتَهَا
بِحَجَرٍ قَوْلُهُ فَسُئِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَكَسَرَتْ
حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ كُلُوهَا
فَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَتِهِ تَعْيِينُ الَّذِي سَأَلَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ذَلِكَ
وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ
رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرُوا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
فِيهِ عَلَى الشَّكِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ
تَصْدِيقُ الْأَجِيرِ الْأَمِينِ فِيمَا اؤْتُمِنَ
عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْخِيَانَةِ
وَفِيهِ جَوَازُ تَصَرُّفِ الْأَمِينِ كَالْمُودِعِ
بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ بِالْمَصْلَحَةِ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ فِي كتاب
الْوكَالَة وَقَالَ بن الْقَاسِمِ إِذَا ذَبَحَ الرَّاعِي
شَاةً بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ وَقَالَ خَشِيتُ
عَلَيْهَا الْمَوْتَ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا
الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ
أَمَةً لِصَاحِبِ الْغَنَمِ فَلَا يُتَصَوَّرُ
تَضْمِينُهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ
مِلْكِهِ فَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ
تَضْمِينَهَا وَكَذَا لَوْ أَنْزَى عَلَى الْإِنَاثِ
فَحْلًا بِغَيْرِ إِذْنٍ فَهَلَكت قَالَ بن الْقَاسِمِ لَا
يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَالِ وَقَدْ أَوْمَأَ
الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إِلَى
مُوَافَقَتِهِ حَيْثُ قَدَّمَ الْجَوَازَ بِقَصْدِ
الْإِصْلَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَفِيهِ
جَوَازُ أَكْلُ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ
وَلَوْ ضَمِنَ الذَّابِحُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ طَاوُسٌ
وَعِكْرِمَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ
الذَّبَائِحِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ
وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ فِي
الْبَابِ الْمَذْكُورِ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي
الْأَمْرِ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ
وَعُورِضَ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ
بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّةِ الشَّاةِ الَّتِي
ذَبَحَتْهَا الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا
فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَكْلِهَا لَكِنَّهُ قَالَ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى
فَلَوْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً مَا أَمَرَ بِإِطْعَامِهَا
الْأُسَارَى وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ مَا ذَبَحَتْهُ
الْمَرْأَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً
كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً
طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَكْلِ مَا ذَبَحَتْهُ وَلَمْ
يَسْتَفْصِلْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ
قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الْبَابِ
(قَوْلُهُ بَابُ لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ
وَالظُّفُرِ)
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ السِّنُّ عَظْمٌ خَاصٌّ وَكَذَلِكَ
الظُّفُرُ وَلَكِنَّهُمَا فِي الْعُرْفِ لَيْسَا
بِعَظْمَيْنِ وَكَذَا عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَعَلَى
الْأَوَّلِ فَذِكْرُ الْعَظْمِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ
عَلَى الْخَاصِّ ثُمَّ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ذَكَرَ
فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَرْجَمَ
(9/633)
بِالْعَظْمِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي
الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ مِنْهُ قُلْتُ
وَالْبُخَارِيُّ فِي هَذَا مَاشٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي
الْإِشَارَةِ إِلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ
فَإِنَّ فِيهِ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَإِنْ كَانَتْ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ تُذْكَرْ هُنَا لَكِنَّهَا
ثَابِتَة مَشْهُورَة فِي نفس الحَدِيث
[5506] قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُلْ يَعْنِي مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلَّا
السِّنَّ وَالظُّفُرَ كَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَمْ
أَرَهُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ
بِهَذَا اللَّفْظِ وكل فِعْلُ أَمْرٍ بِالْأَكْلِ وَلَفْظُ
يَعْنِي تَفْسِيرٌ كَأَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ كَلَامًا
هَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ الْبَاغَنْدِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ شَيْخِ
الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَأَصَابَ النَّاسُ إِبِلًا وَغَنَمًا قَالَ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ
عَبَايَةُ ثُمَّ إِنَّ نَاضِحًا تَرَدَّى بِالْمَدِينَةِ
فَذُبِحَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ بن
عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ
بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ
الثَّوْرِيِّ مُطَوَّلًا
(قَوْلُهُ بَابُ ذَبِيحَةِ الْأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ
بِالرَّاءِ بَدَلَ الْوَاوِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ
النَّسَفِيِّ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ
[5507] قَوْلُهُ أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ هُوَ
شَيْخٌ لَمْ يَزِدِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فِي
تَعْرِيفِهِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَذَكَرَ
غَيْرُهُ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي قُتَيْلَةَ بِالْقَافِ
وَالْمُثَنَّاةِ مُصَغَّرٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ
بِأُسَامَةَ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الطُّفَاوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا
سَأُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنِ
الدَّرَاوَرْدِيِّ هُوَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَالدّرَاوَرْدِيُّ
هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا
يُخَرِّجُ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُتَابَعَاتِ
وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ رَوَاهُ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَرْفُوعًا كَمَا رَوَاهُ
أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنَ حُمَيْدٍ
عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ بِهِ قَوْلُهُ وَتَابَعَهُ أَبُو
خَالِدٍ وَالطُّفَاوِيُّ يَعْنِي عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ فِي رَفْعِهِ أَيْضًا فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي
خَالِدٍ وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ الْأَحْمَرُ
فَقَدْ وَصَلَهَا عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ
التَّوْحِيدِ وَقَالَ عَقِبَهُ وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ
حَفْصٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ الطُّفَاوِيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ وَصَلَهَا عَنْهُ
الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَخَالَفَهُمْ
مَالِكٌ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا
لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي
الْعِلَلِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ
وَمُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ
وَآخَرُونَ عَنْ هِشَامٍ مَوْصُولًا وَرَوَاهُ مَالِكٌ
مُرْسَلًا عَنْ هِشَامٍ وَوَافَقَ مَالِكًا على إرْسَاله
الحمادان وبن عُيَيْنَةَ وَالْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ
وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ
يَحْيَى بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ
الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا قُلْتُ
رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عِنْدَ بن مَاجَهْ
وَرِوَايَةُ النَّضْرِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ
مُحَاضِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ
هِشَامٍ مُرْسَلًا وَيُسْتَفَادُ مِنْ صَنِيعِ
الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا اخْتُلِفَ فِي
وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ حُكِمَ لِلْوَاصِلِ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ عَدَدُ مَنْ وَصَلَهُ عَلَى مَنْ
أَرْسَلَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْتَفَّ بِقَرِينَةٍ
تُقَوِّي
(9/634)
الرِّوَايَةَ الْمَوْصُولَةَ لِأَنَّ
عُرْوَةَ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عَائِشَةَ
مَشْهُورٌ بِالْأَخْذِ عَنْهَا فَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ
بِحِفْظِ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ هِشَامٍ دُونَ مَنْ
أَرْسَلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِهِ أَيْضًا أَنَّهُ
وَإِنِ اشْتَرَطَ فِي الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ
مِنْ أَهْلِ الضَّبْطِ وَالْإتْقَانِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ
فِي الرَّاوِي قُصُورٌ عَنْ ذَلِكَ وَوَافَقَهُ عَلَى
رِوَايَةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ انْجَبَرَ
ذَلِكَ الْقُصُورُ بِذَلِكَ وَصَحَّ الْحَدِيثُ عَلَى
شَرْطِهِ قَوْلُهُ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى
تَعْيِينِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَالك سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِنَّ
قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي
خَالِدٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ
بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّ
نَاسًا مِنَ الْأَعْرَابِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مِنَ
الْبَادِيَةِ قَوْلُهُ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ كَذَا هُنَا بِضَمِّ الذَّالِ عَلَى الْبِنَاءِ
لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ الطُّفَاوِيِّ الْمَاضِيَةِ
فِي الْبُيُوعِ اذْكُرُوا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ
لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي
رِوَايَتِهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَفَنَأْكُلُ مِنْهَا
قَوْلُهُ سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوا فِي
رِوَايَةِ الطُّفَاوِيِّ سَمُّوا اللَّهَ وَفِي رِوَايَةِ
النَّضْرِ وَأَبِي خَالِدٍ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ زَادَ
أَبُو خَالِدٍ أَنْتُمْ قَوْلُهُ قَالَتْ وَكَانُوا
حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ وَفِي لَفْظِ حَدِيثِ
عَهْدِهِمْ وَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةُ قُدِّمَ خَبَرُهَا
وَوَقَعَتْ صِفَةً لِقَوْلِهِ أَقْوَامًا وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا بَعْدَ الْخَبَرِ
الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ
قَوْلُهُ بِالْكُفْرِ وَفِي لَفْظٍ بِكُفْرٍ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ بِشِرْكٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُدَ بِجَاهِلِيَّةٍ زَادَ مَالِكٌ فِي آخِرِهِ
وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ تَعَلَّقَ
بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْمٌ فَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا
الْجَوَابَ كَانَ قبل نزُول قَوْله تَعَالَى وَلَا تَأْكُل
مِمَّا لِمَ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ بن
عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ تَعَلُّقٌ ضَعِيفٌ وَفِي
الْحَدِيثِ نَفْسِهِ مَا يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ
فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ نَزَلَتْ بِالْأَمْرِ
بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَأَيْضًا فَقَدِ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَنْعَامَ مَكِّيَّةٌ وَأَنَّ
هَذِهِ الْقِصَّةُ جَرَتْ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ
الْأَعْرَابَ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ فِي الْحَدِيثِ هُمْ
بَادِيَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَزَادَ بن عُيَيْنَةَ فِي
رِوَايَتِهِ اجْتَهِدُوا أَيْمَانَهُمْ وَكُلُوا أَيْ
حَلِّفُوهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ سَمَّوْا حِينَ ذَبَحُوا
وَهَذِهِ الزِّيَادَة غَرِيبَة فِي هَذَا الحَدِيث وبن
عُيَيْنَةَ ثِقَةٌ لَكِنْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ مُرْسَلَةٌ
نَعَمْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ اجْتَهَدُوا أَيْمَانَهُمْ
أَنَّهُمْ ذَبَحُوهَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَلِلطَّحَاوِيِّ فِي الْمُشْكِلِ سَأَلَ نَاسٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَعَارِيبُ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ
وَجُبْنٍ وَسَمْنٍ مَا نَدْرِي مَا كُنْهُ إِسْلَامِهِمْ
قَالَ انْظُرُوا مَا حَرَّمَ اللَّهَ عَلَيْكُمْ
فَأَمْسِكُوا عَنْهُ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ عَفَا
لَكُمْ عَنْهُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا اذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا
الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّ التَّسْمِيَةِ عَلَى
الذَّبِيحَةِ لَا تَجِبُ إِذْ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً
لَاشْتُرِطَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ لَيْسَتْ فَرْضًا
فَلَمَّا نَابَتْ عَنِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبْحِ
دَلَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا
تَنُوبُ عَنِ الْفَرْضِ وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ
الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ
مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا
كَانَا يَصِيدَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْجَاهِلِيَّةِ
فَعَلَّمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمْرَ الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ فَرْضَهُ
وَمَنْدُوبَهُ لِئَلَّا يُوَاقِعَا شُبْهَةً مِنْ ذَلِكَ
وَلْيَأْخُذَا بِأَكْمَلِ الْأُمُورِ فِيمَا
يَسْتَقْبِلَانِ وَأَمَّا الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ هَذِهِ
الذَّبَائِحِ فَإِنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ أَمْرٍ قَدْ
وَقَعَ وَيَقَعُ لِغَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى
الْأَخْذِ بالاكمل فعرفهم بِأَصْل الْحل فِيهِ وَقَالَ بن
التِّين يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ هُنَا
عِنْدَ الْأكل وَبِذَلِك جزم النَّوَوِيّ قَالَ بن
التِّينِ وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ عَلَى ذَبْحٍ تَوَلَّاهُ
غَيْرُهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ فَلَا تَكْلِيفَ
عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ
الصِّحَّةِ إِذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يُرِيدَ أَنَّ تَسْمِيَتَكُمُ الْآنَ تَسْتَبِيحُونَ بِهَا
أَكْلَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ أَمْ لَا إِذَا كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ تَصِحُّ
ذَبِيحَتُهُ إِذَا سَمَّى وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ
كُلَّ مَا يُوجَدُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ
عَلَى الصِّحَّةِ وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ أَعْرَابُ
الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا
التَّسْمِيَةَ
(9/635)
وَبِهَذَا الْأَخير جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ
فَقَالَ فِيهِ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ يُؤْكَلُ
وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا
يُظَنُّ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخَيْرُ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَعَكَسَ هَذَا الْخَطَّابِيُّ
فَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ غَيْرُ
شَرْطٍ عَلَى الذَّبِيحَةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ
شَرْطًا لَمْ تُسْتَبَحِ الذَّبِيحَةُ بِالْأَمْرِ
الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا لَوْ عَرَضَ الشَّكُّ فِي نَفْسِ
الذَّبْحِ فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَقَعَتِ الذَّكَاةُ
الْمُعْتَبَرَةُ أَوْ لَا وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ
مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ حَيْثُ وَقَعَ الْجَوَابُ فِيهِ
فَسَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ لَا
تَهْتَمُّوا بِذَلِكَ بَلِ الَّذِي يُهِمُّكُمْ أَنْتُمْ
أَنْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَتَأْكُلُوا وَهَذَا مِنْ
أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ قَوْلُهُ
تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حل لكم
فَأَبَاحَ الْأَكْلَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ مَعَ وُجُودِ
الشَّكِّ فِي أَنَّهُمْ سَمَّوْا أَمْ لَا تَكْمِلَةٌ
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإحْيَاءِ فِي مَرَاتِبِ
الشُّبُهَاتِ الْمَرْتَبَةُ الْأَوْلَى مَا يَتَأَكَّدُ
الِاسْتِحْبَابُ فِي التَّوَرُّعِ عَنْهُ وَهُوَ مَا
يَقْوَى فِيهِ دَلِيلُ الْمُخَالِفِ فَمِنْهُ التَّوَرُّعُ
عَنْ أَكْلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّ الْآيَةَ
ظَاهِرَةٌ فِي الْإِيجَابِ وَالْأَخْبَارَ مُتَوَاتِرَةٌ
بِالْأَمْرِ بِهَا وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ يَذْبَحُ عَلَى
اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ احْتَمَلَ أَنْ
يَكُونَ عَامًّا مُوجِبًا لِصَرْفِ الْآيَةِ
وَالْإِخْبَارِ عَنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَاحْتَمَلَ أَنْ
يُخَصَّصَ بِالنَّاسِي وَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُ عَلَى
الظَّاهِرِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْلَى
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ الْحَدِيثُ الَّذِي اعْتَمَدَ
عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي
إِنْكَارِهِ فَقَالَ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَقَالَ مُنْكَرٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ
الصَّلْتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ
اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ قُلْتُ الصَّلْتُ
يُقَالُ لَهُ السدُوسِي ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ
مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ وَهُوَ مَتْرُوك وَلَكِن ثَبت
ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ
التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَاخْتُلِفَ فِي
رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمُرْسَلِ
الْمَذْكُورِ قَوِيَ أَمَّا كَوْنُهُ يبلغ دَرَجَة
الصِّحَّة فَلَا وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا
مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ)
وَغَيْرِهِمْ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ تَحْرِيمُ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ كَالشُّحُومِ
وَقَالَ بن الْقَاسِمِ لِأَنَّ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ
طَعَامَهُمْ وَلَيْسَ الشحوم من طعامهم وَلَا يقصدونها
عِنْد الذَّكَاة وَتعقب بِأَن بن عَبَّاسٍ فَسَّرَ
طَعَامَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ
(9/636)
الْبَابِ وَإِذَا أُبِيحَتْ ذَبَائِحُهُمْ
لَمْ يُحْتَجْ إِلَى قَصْدِهِمْ أَجْزَاءَ الْمَذْبُوحِ
وَالتَّذْكِيَةُ لَا تَقَعُ عَلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ
الْمَذْبُوحِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ كَانَتِ التَّذْكِيَةُ
شَائِعَةً فِي جَمِيعِهَا دَخَلَ الشَّحْمُ لَا مَحَالَةَ
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَصَّ
بِأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ فَكَانَ
يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ
الْيَهُودِيَّ إِذَا ذَبَحَ مَا لَهُ ظُفُرٌ لَا يَحِلُّ
لِلْمُسْلِمِ أَكْلُهُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ أَيْضًا
يُحَرِّمُونَ أَكْلَ الْإِبِلِ فَيَقَعُ الْإِلْزَامُ
كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى أحل لكم
الطَّيِّبَات كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ إِلَى
قَوْلِهِ حل لَهُم وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ
مُرَادُهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُ
لَمْ يَخُصَّ ذِمِّيًّا مِنْ حَرْبِيٍّ وَلَا خَصَّ
لَحْمًا مِنْ شَحْمٍ وَكَوْنُ الشُّحُومِ مُحَرَّمَةً
عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهَا
مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا وَغَايَتُهُ بَعْدَ
أَنْ يَتَقَرَّرَ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ لَنَا حَلَالٌ أَنَّ
الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَسْكُوتٌ فِي
شَرْعِنَا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْنَا فَيَكُونُ عَلَى
أَصْلِ الْإِبَاحَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا
بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَإِنْ سَمِعْتَهُ
يُهِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ
تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ وَعَلِمَ
كُفْرَهُمْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى
الْعَرَبِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ
وَإِهْلَالُهُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ وَكَذَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ يُسَمُّونَ
عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ
لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ ذَكَرَ الْمَسِيحَ عَلَى مَعْنَى
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ
عَنِ الْحَلِيمِيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ
إِنَّمَا يَذْبَحُونَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُمْ فِي أَصْلِ
دِينِهِمْ لَا يَقْصِدُونَ بِعِبَادَتِهِمْ إِلَّا اللَّهَ
فَإِذَا كَانَ قَصْدُهُمْ فِي الْأَصْلِ ذَلِكَ
اعْتُبِرَتْ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَمْ يَضُرَّ قَوْلُ مَنْ
قَالَ مِنْهُمْ مَثَلًا بِاسْمِ الْمَسِيحِ لِأَنَّهُ لَا
يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا اللَّهَ وَإِنْ كَانَ قَدْ كَفَرَ
بِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ
نَحْوُهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ وَكَأَنَّهُ لَا
يَصح عَنهُ وَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض بَلْ قَدْ
جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ الْمَنْعُ
مِنْ ذَبَائِحِ بَعْضِ نَصَارَى الْعَرَبِ أَخْرَجَهُ
الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدَ
صَحِيحَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ
السَّلْمَانِيَّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا تَأْكُلُوا
ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ
يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ
لِأَنَّ مَنْعَ الَّذِي مَنَعَهُ فِيهِ أَخَصُّ مِنَ
الَّذِي نُقِلَ فِيهِ عَنْهُ الْجَوَازُ قَوْلُهُ وَقَالَ
الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ
الْأَقْلَفِ بِالْقَافِ ثُمَّ الْفَاءِ هُوَ الَّذِي لَمْ
يُخْتَنْ وَالْقُلْفَةُ بِالْقَافِ وَيُقَالُ بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ الْغُرْلَةُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي
تَسْتُرُ الْحَشَفَةَ وَأَثَرُ الْحَسَنِ أَخْرَجَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ كَانَ الْحسن يرخص
فِي الرجل إِذا أسلم بعد مَا يَكْبَرُ فَخَافَ عَلَى
نَفْسِهِ إِنِ اخْتُتِنَ أَنْ لَا يُخْتَتَنَ وَكَانَ لَا
يَرَى بِأَكْلِ ذَبِيحَتِهِ بَأْسًا وَأَمَّا أَثَرُ
إِبْرَاهِيمَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ مِنْ
طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ
الْأَقْلَفِ وَقَدْ وَرَدَ مَا يُخَالِفُهُ فَأخْرج بن
الْمُنْذر عَن بن عَبَّاسٍ الْأَقْلَفُ لَا تُؤْكَلُ
ذَبِيحَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صلَاته وَلَا شَهَادَته
وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ
تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ
ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْهُم من لَا يختتن
قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ
كَذَا ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ هُنَا عِنْدَ
الْمُسْتَمْلِي وَثَبَتَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ
وَالْحَمَوِيِّ فِي آخِرِ الْبَابِ عَقِبَ الْحَدِيثِ
الْمَرْفُوعِ وَهُوَ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب حل
لكم قَالَ ذَبَائِحُهُمْ وَقَائِلُ هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ
يُجِيزَ ذَبِيحَةَ الْأَقْلَفِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُخْتَتَنُونَ وَقَدْ خَاطَبَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِرَقْلَ
وَقَوْمَهُ بِقَوْلِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَهِرَقْلُ
وَقَوْمُهُ مِمَّنْ لَا يُخْتَتَنُ وَقَدْ سُمُّوا أَهْلَ
الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ
خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ
فَنَزَوْتُ بِنُونٍ وَزَايٍ أَيْ وَثَبْتُ وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَدَرْتُ أَيْ سَارَعْتُ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَفِيهِ
حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ مَا حرم
(9/637)
عَلَيْهِمْ كَالشُّحُومِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أقرّ بن مُغَفَّلٍ عَلَى
الِانْتِفَاعِ بِالْجِرَابِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ جَوَازُ
أَكْلِ الشَّحْمِ مِمَّا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ
وَلَوْ كَانُوا أهل حَرْب |