فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ مَا نَدَّ أَيْ نَفَرَ
مِنَ الْبَهَائِمِ أَيِ الْإِنْسِيَّةِ فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ)
أَيْ فِي جَوَازِ عَقْرِهِ عَلَى أَيْ صِفَةٍ اتَّفَقَتْ
وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ فَإِذَا
غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا
وَأَمَّا
[5509] قَوْلُهُ إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ
كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيمَ
ذِكْرِ هَذَا التَّشْبِيهِ كَالتَّمْهِيدِ لكَونهَا تشارك
المتوحش فِي الحكم وَقَالَ بن الْمُنِيرِ بَلِ الْمُرَادُ
أَنَّهَا تَنْفِرُ كَمَا يَنْفِرُ الْوَحْشُ لَا أَنَّهَا
تُعْطَى حُكْمُهَا كَذَا قَالَ وَأخر الحَدِيث يرد
عَلَيْهِ قَوْله وَأَجَازَهُ بن مَسْعُودٍ يُشِيرُ إِلَى
مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ صيد الْقوس عَن بن مَسْعُود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ منطريق أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ
غَضْبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَاشْتَرَى جَزُورًا
فَنَدَّتْ فَعَرْقَبَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمرهمْ
عبد الله يَعْنِي بن مَسْعُودٍ أَنْ يَأْكُلُوا فَمَا
طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ مِنْهَا
بِضْعَةً ثُمَّ أَتَوْهُ بِهَا فَأكل قَوْله وَقَالَ بن
عَبَّاسٍ مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي
يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي
بِئْرٍ فَذَكِّهِ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ فِي رِوَايَةِ
كَرِيمَةَ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ أَمَّا
الْأَثر الأول فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ
عِكْرِمَةَ عَنْهُ بِهَذَا قَالَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ
الصَّيْدِ وَأَمَّا الثَّانِي فَوَصَلَهُ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ
قَالَ إِذَا وَقَعَ الْبَعِيرُ فِي الْبِئْرِ فَاطْعَنْهُ
مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وكل
قَوْله وَرَأى ذَلِك على وبن عمر وَعَائِشَة أما أثر عَليّ
فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَاشِدٍ
السَّلْمَانِيِّ قَالَ كُنْتُ أَرْعَى مَنَائِحَ لِأَهْلِي
بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فَتَرَدَّى مِنْهَا بَعِيرٌ فَخَشِيتُ
أَنْ يَسْبِقَنِي بِذَكَاتِهِ فَأخذت حَدِيدَة فَوَجَأْت
بِهَا فِي جَنْبِهِ أَوْ سَنَامِهِ ثُمَّ قَطَّعْتُهُ
أَعْضَاءَ وَفَرَّقْتُهُ عَلَى أَهْلِي فَأَبَوْا أَنْ
يَأْكُلُوهُ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَقُمْتُ عَلَى بَابِ
قَصْرِهِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا لَبَّيْكَاهُ يَا لَبَّيْكَاهُ
فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ فَقَالَ كل واطعمني وَأما أثر بن
عُمَرَ فَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي أَثَرِ حَدِيثِ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي بَابِ لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ
وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
عَبَايَةَ بِلَفْظِ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي رَكِيَّةٍ
فَنَزَلَ رَجُلٌ لِيَنْحَرَهُ فَقَالَ لَا أَقْدِرُ عَلَى
نَحْرِهِ فَقَالَ لَهُ بن عُمَرَ اذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ
ثُمَّ اقْتُلْ
(9/638)
شَاكِلَتَهُ يَعْنِي خَاصِرَتَهُ فَفَعَلَ
وَأُخْرِجَ مُقَطَّعًا فَأَخَذَ مِنْهُ بن عُمَرَ عَشِيرًا
بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَأَمَّا أَثَرُ عَائِشَةَ
فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَعْدُ مَوْصُولًا وَقَدْ نَقله بن
الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ
مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةَ فَقَالُوا لَا يَحِلُّ أَكْلُ
الْإِنْسِيِّ إِذَا تَوَحَّشَ إِلَّا بِتَذْكِيَتِهِ فِي
حَلْقِهِ أَوْ لَبَّتِهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ
رَافِعٍ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ نَصْبِ
الْقُدُورِ وَإِكْفَائِهَا وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
خَدِيجٍ كَذَا فِيهِ نُسِبَ رِفَاعَةُ إِلَى جَدِّهِ
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ
بْنِ خَدِيجٍ بِغَيْرِ نَقْصٍ فِيهِ قَوْلُهُ فَقَالَ
اعْجَلْ أَوْ أَرِنْ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَذَا
ضَبَطَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ
النُّونِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي هُنَا وَأَرِنِي بِإِثْبَاتِ
الْيَاءِ آخِرَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا حَرْفٌ
طَالَمَا اسْتَثْبَتَ فِيهِ الرُّوَاةُ وَسَأَلْتُ عَنْهُ
أَهْلَ اللُّغَةِ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُمْ مَا يَقْطَعُ
بِصِحَّتِهِ وَقَدْ طَلَبْتُ لَهُ مَخْرَجًا فَذَكَرَ
أَوْجُهًا أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ
بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ أَرَانَ الْقَوْمَ إِذَا هَلَكَتْ
مَوَاشِيهِمْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَهْلِكْهَا ذَبْحًا
ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ بِسُكُون
الرَّاء بِوَزْن أعْط يَعْنِي انْظُرُوا نظرُوا نتظر
بِمَعْنًى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَمَّنْ قَالَ
انظرونا نقتبس من نوركم أَيْ أَنْظِرُونَا أَوْ هُوَ
بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَدِمِ الْحَزَّ مِنْ
قَوْلِكَ رَنَوْتُ إِذَا أَدَمْتَ النَّظَرَ إِلَى
الشَّيْءِ وَأَرَادَ أَدِمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَرَاعِهِ
بِبَصَرِكَ ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ مَهْمُوزًا مِنْ
قَوْلك أَو أَن يرثن إِذَا نَشِطَ وَخَفَّ كَأَنَّهُ
فِعْلُ أَمْرٍ بِالْإِسْرَاعِ لِئَلَّا يَمُوتَ خَنْقًا
وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ هَذَا الْوَجْه الْأَخير
فَقَالَ صَوَابه ارثن بِهَمْزَةٍ وَمَعْنَاهُ خِفَّ
وَاعْجَلْ لِئَلَّا تَخْنُقَهَا فَإِنَّ الذَّبْحَ إِذَا
كَانَ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ احْتَاجَ صَاحِبُهُ إِلَى
خِفَّةِ يَدٍ وَسُرْعَةٍ فِي إِمْرَارِ تِلْكَ الْآلَةِ
وَالْإِتْيَانِ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ
كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ تَهْلَكَ الذَّبِيحَةُ بِمَا
يَنَالُهَا مِنْ أَلَمِ الضَّغْطِ قَبْلَ قَطْعِ
مَذَابِحِهَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَرْفَ
فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرْتُ فِيهِ وُجُوهًا
يَحْتَمِلُهَا التَّأْوِيلُ وَكَانَ قَالَ فِيهِ يَجُوزُ
أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ تَصَحَّفَتْ وَكَانَ فِي
الْأَصْلِ أَزَزَ بِالزَّايِ مِنْ قَوْلِكَ أَزَزَ
الرَّجُلُ إِصْبَعَهُ إِذَا جَعَلَهَا فِي الشَّيْءِ
وَأَزَزَتِ الْجَرَادَةُ أَزَزًا إِذَا أَدْخَلَتْ
ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ وَالْمَعْنَى شُدَّ يَدَكَ عَلَى
النَّحْرِ وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْوَجْه أقرب الْجَمِيع
قَالَ بن بَطَّالٍ عَرَضْتُ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ عَلَى
بَعْضِ أَهْلِ النَّقْدِ فَقَالَ أَمَّا أَخْذُهُ مِنْ
أَرَانَ الْقَوْمَ فَمُعْتَرَضٌ لِأَنَّ أَرَانَ لَا
يَتَعَدَّى وَإِنَّمَا يُقَالُ أَرَانَ هُوَ وَلَا يُقَالُ
أَرَانَ الرَّجُلُ غَنَمَهُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي
صَوَّبَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
الرِّوَايَةَ لَا تُسَاعِدُهُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي
جَعَلَهُ أَقْرَبَ الْجَمِيعِ فَهُوَ أَبْعَدُهَا لِعَدَمِ
الرِّوَايَةِ بِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ ضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ
أَرِنِي فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَمِثْلُهُ فِي
مُسْلِمٍ لَكِنِ الرَّاءَ سَاكِنَةٌ قَالَ وَأَفَادَنِي
بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي
مُسْنَدِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَضْبُوطَةً
هَكَذَا أَرِنِي أَوِ اعْجَلْ فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ
فِي أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَالْمَقْصُودُ الذَّبْحُ بِمَا يُسْرِعُ الْقَطْعَ
وَيُجْرِي الدَّمَ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ أَنْ أَرِنْ
بِمَعْنَى اعْجَلْ وَأَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
وَضَبَطَ اعْجَلْ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ
فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَرْنِي بِسُكُونِ الرَّاءِ
وَبَعْدَ النُّونِ يَاءٌ أَيْ أَحْضِرْنِي الْآلَةَ
الَّتِي تَذْبَحُ بِهَا لِأَرَاهَا ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ
ذَلِكَ فَقَالَ أَوِ اعجل وأو تجي لِلْإِضْرَابِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ إِحْضَارُ
الْآلَةِ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ فَعُرِفَ الْحُكْمُ
فَقَالَ اعْجَلْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلَخْ قَالَ
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّكِّ وَقَالَ
الْمُنْذِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي هَذِه ألفظة هَلْ هِيَ
بِوَزْنِ أَعْطِ أَوْ بِوَزْنِ أَطِعْ أَوْ هِيَ فِعْلُ
أَمْرٍ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَعْنَى
أَدِمِ الْحَزَّ مِنْ رَنَوْتَ إِذَا أَدَمْتَ النَّظَرَ
وَعَلَى الثَّانِي أَهْلِكْهَا ذَبْحًا مِنْ أَرَانَ
الْقَوْمَ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى
كُنْ ذَا
(9/639)
شَاةٍ هَالِكَةٍ إِذَا أَزْهَقْتَ
نَفْسَهَا بِكُلِّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ قُلْتُ وَلَا
يَخْفَى تَكَلُّفُهُ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ بِصِيغَةِ
فِعْلِ الْأَمْرِ فَمَعْنَاهُ أَرِنِي سَيَلَانَ الدَّمِ
وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاءَ اخْتَلَسَ الْحَرَكَةَ وَمَنْ
حَذَفَ الْيَاءَ جَازَ وَقَوْلُهُ وَاعْجَلْ بِهَمْزَةِ
وَصْلٍ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِعْلُ
أَمْرٍ مِنَ الْعَجَلَةِ أَيِ اعْجَلْ لَا تَمُوتُ
الذَّبِيحَةُ خَنْقًا قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ
بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَيْ لِيَكُنِ الذَّبْحُ
أَعْجَلَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ قُلْتُ وَهَذَا وَإِنْ
تَمَشَّى عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِتَقْدِيمِ
لَفْظِ أَرِنِي عَلَى اعْجَلْ لَمْ يَسْتَقِمْ عَلَى
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِتَأْخِيرِهَا وَجَوَّزَ
بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ أَرْنِ بِسُكُونِ الرَّاءِ أَنْ
يَكُونَ مِنْ أَرْنَانِي حُسْنَ مَا رَأَيْتُهُ أَيْ
حَمَلَنِي عَلَى الرُّنُوِّ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى عَلَى
هَذَا أَحْسِنِ الذَّبْحَ حَتَّى تُحِبَّ أَنْ نَنْظُرَ
إِلَيْكَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِذَا ذَبَحْتُمْ
فَأَحْسِنُوا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَتْ
مَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفَاةً قَبْلُ
وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أتم مِمَّا هُنَا وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ)
فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالذَّبَائِحِ بِصِيغَةِ
الْجَمْعِ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ
الْأَكْثَرُ فَالنَّحْرُ فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً وَأَمَّا
غَيْرُ الْإِبِلِ فَيُذْبَحُ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ
فِي ذبح الْإِبِل وَفِي نحر غَيرهَا وَقَالَ بن التِّينِ
الْأَصْلُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي الشَّاةِ
وَنَحْوِهَا الذَّبْحُ وَأَمَّا الْبَقَرُ فَجَاءَ فِي
الْقُرْآنِ ذِكْرُ ذَبْحِهَا وَفِي السُّنَّةِ ذِكْرُ
نَحْرِهَا وَاخْتُلِفَ فِي ذَبْحِ مَا يُنْحَرُ وَنَحْرِ
مَا يُذْبَحُ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور وَمنع بن الْقَاسِم
قَوْله وَقَالَ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إِلَخْ وَصَلَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ مُقَطَّعًا وَقَوْلُهُ
وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ جَمْعُ وَدَجٍ بِفَتْحِ
الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَهُوَ الْعِرْقُ
الَّذِي فِي الْأَخْدَعِ وَهُمَا عِرْقَانِ مُتَقَابِلَانِ
قِيلَ لَيْسَ لِكُلِّ بَهِيمَةٍ غَيْرُ وَدَجَيْنِ فَقَطْ
وَهُمَا محيطان
(9/640)
بِالْحُلْقُومِ فَفِي الْإِتْيَانِ
بِصِيغَةِ الْجَمْعِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
أَضَافَ كُلَّ وَدَجَيْنِ إِلَى الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا
هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَبَقِيَ
وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى مَا يَقْطَعُ
فِي الْعَادَةِ وَدَجًا تَغْلِيبًا فَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ
الْحَنَفِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ إِذَا قَطَعَ مِنَ
الْأَوْدَاجِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةً حَصَلَتِ
التَّذْكِيَةُ وَهُمَا الْحُلْقُومُ والمريء وعرقان من كل
جَانب وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَكْثَرَ مِنْ
نِصْفِ الْأَوْدَاجِ أَجْزَأَ فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ فَلَا
خَيْرَ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكْفِي وَلَوْ لَمْ
يَقْطَعْ مِنَ الْوَدَجَيْنِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا قَدْ
يُسَلَّانِ مِنَ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ فَيَعِيشُ وَعَنِ
الثَّوْرِيِّ إِنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ أَجْزَأَ وَلَوْ
لَمْ يَقْطَعِ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَعَنْ مَالِكٍ
وَاللَّيْثِ يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ
وَالْحُلْقُومَ فَقَطْ وَاحْتُجَّ لَهُ بِمَا فِي حَدِيثِ
رَافِعٍ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَإِنْهَارُهُ إِجْرَاؤُهُ
وَذَلِكَ يَكُونُ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ لِأَنَّهَا
مَجْرَى الدَّمِ وَأَمَّا الْمَرِيءُ فَهُوَ مَجْرَى
الطَّعَامِ وَلَيْسَ بِهِ مِنَ الدَّمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ
إِنْهَارٌ كَذَا قَالَ وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ
الْقَائِل هُوَ بن جُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ النَّخْعُ بِفَتْحِ
النُّونِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَسَّرَهُ فِي
الْخَبَرِ بِأَنَّهُ قَطْعَ مَا دُونَ الْعَظْمِ
وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي فَقَارِ الظَّهْرِ إِلَى
الْقَلْبِ يُقَالُ لَهُ خَيْطُ الرَّقَبَةِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ النَّخْعُ أَنْ تُذْبَحَ الشَّاةُ ثُمَّ
يُكْسَرُ قَفَاهَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَذْبَحِ أَوْ
تُضْرَبَ لِيُعَجَّلَ قَطْعُ حَرَكَتِهَا وَأَخْرَجَ أَبُو
عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ
الْفَرَسِ فِي الذَّبِيحَةِ ثُمَّ حَكَى عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ أَنَّ الْفَرَسَ هُوَ النَّخْعُ يُقَالُ
فَرَسْتُ الشَّاةَ وَنَخَعْتُهَا وَذَلِكَ أَنْ يَنْتَهِيَ
بِالذَّبْحِ إِلَى النُّخَاعِ وَهُوَ عَظْمٌ فِي
الرَّقَبَةِ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي يَكُونُ
فِي فَقَارِ الصُّلْبِ شَبِيهٌ بِالْمُخِّ وَهُوَ
مُتَّصِلٌ بِالْقَفَا نَهَى أَنْ يُنْتَهَى بِالذَّبْحِ
إِلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَمَّا النَّخْعُ
فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ وَأَمَّا الْفَرَسُ فَيُقَالُ هُوَ
الْكَسْرُ وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ تُكْسَرَ رَقَبَةُ
الذَّبِيحَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ
أَنَّ فِي الْحَدِيثِ وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ
قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ قُلْتُ يَعْنِي فِي حَدِيثِ عُمَرَ
الْمَذْكُورِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ
قَوْلُهُ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَن تذبحوا بقرة إِلَى فذبحوها وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَقَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَهَذَا
مِنْ تَمَامِ التَّرْجَمَةِ وَأَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَ بِهِ
قَول بن جُرَيْجٍ فِي الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ ذَكَرَ
اللَّهُ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنْهُ
إِلَى اخْتِصَاصِ الْبَقَرِ بِالذَّبْحِ وَقَدْ رَوَى
شَيْخُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ
مَنْ نَحَرَ الْبَقَرِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ ثُمَّ تَلَا
هَذِهِ الْآيَةَ وَعَنْ أَشْهَبَ إِنْ ذَبَحَ بَعِيرًا
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ يُؤْكَلْ قَوْلُهُ وَقَالَ
سَعِيدٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ
وَاللَّبَّةِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الذَّكَاةُ فِي
الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
وَأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ
عُمَرَ مِثْلُهُ وَجَاءَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ وَاهٍ
وَاللَّبَّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ
الْمُوَحَّدَةِ هِيَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ
وَهِيَ الْمَنْحَرُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّحَ
بِضَعْفِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ
السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي الْمَعْشَرِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا
فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ لَوْ طَعَنْتَ فِي
فَخِذِهَا لَأَجْزَأَكَ لَكِنْ مَنْ قَوَّاهُ حَمَلَهُ على
الْوَحْش والمتوحش قَوْله وَقَالَ بن عمر وبن عَبَّاسٍ
وَأَنَسٌ إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلَا بَأْسَ أما أثر بن
عُمَرَ فَوَصَلَهُ أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ مِنْ رِوَايَةِ
أبي مجلز سَأَلت بن عمر عَن ذَبِيحَة قطع رَأسهَا فَأمر بن
عمر بأكلها وَأما أثر بن عَبَّاس فوصله بن أبي شيبَة
بِسَنَد صَحِيح أَن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ
دَجَاجَةً فَطَيَّرَ رَأْسَهَا فَقَالَ ذَكَاةٌ وَحِيَّةٌ
بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ ثَقِيلَةٌ أَيْ سَرِيعَةٌ
مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْوَحَاءِ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ
وَالْعَجَلَةُ وَأَمَّا
(9/641)
أثر أنس فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ
أَنَّ جَزَّارًا لِأَنَسٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَاضْطَرَبَتْ
فَذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَأَطَارَ رَأْسَهَا
فَأَرَادُوا طَرْحَهَا فَأَمَرَهُمْ أَنَسٌ بِأَكْلِهَا
ثُمَّ ذكرالمصنف فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ فِي أَكْلِ الْفَرَسِ أَوْرَدَهُ مِنْ
رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ
جَرِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَوْصُولًا
بِلَفْظِ نَحَرْنَا وَقَالَ فِي آخِره تَابعه وَكِيع وبن
عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي النَّحْرِ وَأَوْرَدَهُ
أَيْضًا من رِوَايَة عَبدة وَهُوَ بن سُلَيْمَان عَن
هِشَام بِلَفْظ ذبحنا وَرِوَايَة بن عُيَيْنَةَ الَّتِي
أَشَارَ إِلَيْهَا سَتَأْتِي مَوْصُولَةً بَعْدَ بَابَيْنِ
مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ بن
عُيَيْنَةَ بِهِ وَقَالَ نَحَرْنَا وَرِوَايَةُ وَكِيعٍ
أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ عَنْهُ بِلَفْظِ نَحَرْنَا
وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَحَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ وَوَكِيعٌ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ
نَحَرْنَا وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ نَحَرْنَا
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ هَمَّامٌ وَعِيسَى بْنُ
يُونُسَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ
نَحَرْنَا وَاخْتلف على حَمَّاد بن زيد وبن عُيَيْنَةَ
فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِمَا نَحَرْنَا وَقَالَ
بَعْضُهُمْ ذَبَحْنَا وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ
رِوَايَةِ مُؤَمِّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الثَّوْرِيِّ
وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَمِنْ رِوَايَة بن ثَوْبَانَ
وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ
وَمِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ كُلُّهُمْ عَنْ
هِشَامٍ بِلَفْظِ ذَبَحْنَا وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي
مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ انْتَحَرْنَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَبِي
أُسَامَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ أَبُو
عَوَانَةَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ نَحَرْنَا وَهَذَا
الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ عَنْ هِشَامٍ وَفِيهِ إِشْعَارٌ
بِأَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَرْوِيهِ بِلَفْظِ ذَبَحْنَا
وَتَارَةً بِلَفْظِ نَحَرْنَا وَهُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى
اسْتِوَاءِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَأَنَّ
النَّحْرَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَبْحٌ وَالذَّبْحُ يُطْلَقُ
عَلَيْهِ نَحْرٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَعَ هَذَا
الِاخْتِلَافِ مَا هُوَ الْحَقِيقَةُ فِي ذَلِكَ مِنَ
الْمَجَازِ إِلَّا إِنْ رَجَّحَ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ
وَأَمَّا أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ
جَوَازُ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَذَبْحِ الْمَنْحُورِ كَمَا
قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ
يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ
مَرَّتَيْنِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ مَعَ
اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ وَقَدْ جَرَى النَّوَوِيُّ عَلَى
عَادَتِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى التَّعَدُّدِ فَقَالَ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهَا
نَحَرْنَا وَذَبَحْنَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
بِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَمَرَّةً نَحَرُوهَا وَمَرَّةً
ذَبَحُوهَا ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً
وَاحِدَةً وَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَجَازٌ وَالْأول أصح
كَذَا قَالَ وَالله أعلم
(9/642)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ
الْمُثْلَةِ)
بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ هِيَ قَطْعُ
أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ أَوْ بَعْضِهَا وَهُوَ حَيٌّ
يُقَالُ مَثَّلْتُ بِهِ أُمَثِّلُ بِالتَّشْدِيدِ
لِلْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ وَالْمَصْبُورَةُ بِصَادٍ
مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ
وَالْمُجْثَمَةُ بِالْجِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ
الْمَفْتُوحَةِ الَّتِي تُرْبَطُ وَتُجْعَلُ غَرَضًا
لِلرَّمْيِ فَإِذَا مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ
أَكْلُهَا وَالْجُثُومُ لِلطَّيْرِ وَنَحْوِهَا
بِمَنْزِلَةِ الْبُرُوكِ لِلْإِبِلِ فَلَوْ جَثَمَتْ
بِنَفْسِهَا فَهِيَ جَاثِمَةٌ وَمُجَثِمَةٌ بِكَسْرِ
الْمُثَلَّثَةِ وَتِلْكَ إِذَا صِيدَتْ عَلَى تِلْكَ
الْحَالَةِ فَذُبِحَتْ جَازَ أَكْلُهَا وَإِنْ رُمِيَتْ
فَمَاتَتْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُوقَذَةً ثُمَّ
ذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ
حَدِيثُ أَنَسٍ
[5513] قَوْلُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زيد يَعْنِي بن أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَوْلُهُ دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ على الحكم بن
أَيُّوب يَعْنِي بن أبي عقيل الثَّقَفِيّ بن عَمِّ
الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَنَائِبَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ
وَزَوْجَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ يُوسُفَ وَهُوَ الَّذِي
يَقُولُ فِيهِ جَرِيرٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى أَنَخْنَاهَا
عَلَى بَابِ الْحَكَمِ خَلِيفَةِ الْحَجَّاجِ غَيْرِ
الْمُتَّهَمِ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ
وَكَانَ يُضَاهِي فِي الْجور بن عَمِّهِ وَلِيَزِيدَ
الضَّبِّيِّ مَعَهُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ تَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ أَوْرَدَهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي
مُسْنَدِ أَنَسٍ لَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ خَرَجْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ مِنْ دَارِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ أَمِيرِ
الْبَصْرَةِ قَوْلُهُ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا
شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ
وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْحَكَمِ
بْنِ أَيُّوبَ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ أَنْ تُصْبَرَ
بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُحْبَسَ لِتُرْمَى حَتَّى تَمُوتَ
وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بِلَفْظِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
صَبْرِ الرُّوحِ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ وَأَخْرَجَ
الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ
عَنْ سَمُرَةَ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهِيمَةُ وَأَنْ
يُؤْكَلَ لَحْمُهَا إِذَا صُبِرَتْ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ
جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَبْرِ الْبَهِيمَةِ أَحَادِيثُ
جِيَادٌ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا فَلَا يُعْرَفُ
إِلَّا فِي هَذَا قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ بِذَلِكَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ
كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقْتُول بالبندقة الحَدِيث
الثَّانِي حَدِيث بن عُمَرَ
[5514] قَوْلُهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سعيد
أَي بن الْعَاصِ وَهُوَ أَخُو عَمْرٍو الْمَعْرُوفِ
بِالْأَشْدَقِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَالِدِ سَعِيدِ
بْنِ عَمْرٍو راوية من بن عُمَرَ قَوْلُهُ وَغُلَامٌ مِنْ
بَنِي يَحْيَى أَيِ بن سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ لَمْ أَقِفْ
عَلَى اسْمِهِ وَكَانَ لِيَحْيَى مِنَ الذُّكُورِ
عُثْمَانُ وَعَنْبَسَةُ وَأَبَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ
وَسَعِيدٌ وَمُحَمَّدٌ وَهِشَامٌ وَعَمْرٌو وَكَانَ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ
وَكَذَا أَخُوهُ عَمْرو قَوْله فَمشى إِلَيْهَا بن عُمَرَ
حَتَّى حَلَّهَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فِي رِوَايَةِ
السَّرَخْسِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي حَمْلَهَا وَرِوَايَةُ
الْكُشْمِيهَنِيِّ أَوْضَحُ لِقَوْلِهِ فِي أول الحَدِيث
رابط دجَاجَة وَقع فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَحَلَّ
الدَّجَاجَةَ قَوْلُهُ ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ فِي
رِوَايَةِ الْكشميهني غِلْمَانكُمْ
(9/643)
عَنْ أَنْ يَصْبِرَ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يَصْبِرُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
وَهُوَ عَلَى نَسَقِ الَّذِي قَبْلَهُ وَزَادَ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ
ذَبْحَهَا فَاذْبَحُوهَا قَوْلُهُ هَذَا الطَّيْرُ قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ هَذَا عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهِيَ
إِطْلَاقُ الطَّيْرِ عَلَى الْوَاحِدِ وَاللُّغَةُ
الْمَشْهُورَةُ فِي الْوَاحِدِ طَائِرٌ وَالْجَمْعُ
الطَّيْرُ قُلْتُ وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِإِرَادَةِ
الْجَمْعِ بَلِ الْأَوْلَى أَنَّهُ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ
قَوْلُهُ أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا
لِلْقَتْلِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَهُوَ
زَائِدٍ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ
الْبَهَائِمُ وَالطُّيُورُ وَغَيْرُهُمَا وَنَحْوُهُ
حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ كَانَتْ دَجَاجَةً مَا صَبَرْتُهَا سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ
قَتْلِ الصَّبْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ
قَوِيٍّ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ رَفَعَهُ إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ
وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شفرته وليرح ذَبِيحَته قَالَ بن
أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ رَحْمَةُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ حَتَّى
فِي حَالِ الْقَتْلِ فَأَمَرَ بِالْقَتْلِ وَأَمَرَ
بِالرِّفْقِ فِيهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرُهُ لِجَمِيعِ
عِبَادِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفَ
فِي شَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ حَدَّ لَهُ فِيهِ كَيْفِيَّةً
[5515] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ
أَبِي وَحْشِيَّةَ قَوْلُهُ فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ أَوْ
بِنَفَرٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَإِذَا فِتْيَةٌ نَصَبُوا دَجَاجَةً
يَرْمُونَهَا وَلَهُ كُلُّ خَاطِئَةٍ يَعْنِي أَنَّ
الَّذِي يُصِيبُهَا يَأْخُذُ السَّهْمَ الَّذِي تُرْمَى
بِهِ إِذْ لم يصبهَا قَوْله وَقَالَ بن عُمَرَ مَنْ فَعَلَ
هَذَا زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
فَتَفَرَّقُوا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ
الرُّوحُ غَرَضًا بِمُعْجَمَتَيْنِ وَالْفَتْحَ أَيْ
مَنْصُوبًا لِلرَّمْيِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
بِالْبَهَائِمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَنْ تَجَثَّمَ
وَاللَّعْنُ مِنْ دَلَائِلِ التَّحْرِيمِ وَلِأَحْمَدَ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ
رجل من الصَّحَابَة أرَاهُ عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ مَنْ
مَثَّلَ بِذِي رُوحٍ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مَثَّلَ اللَّهُ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِجَاله ثِقَات قَوْله تَابعه
سُلَيْمَان هُوَ بن حَرْبٍ قَوْلُهُ لَعَنَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ
بِالْحَيَوَانِ أَيْ صَيَّرَهُ مُثْلَةً بِضَمِّ الْمِيمِ
وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ وَصَلَهَا
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ
الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَزَادَ فِيهِ
أَيْضًا قِصَّةَ أَن بن عُمَرَ خَرَجَ فِي طَرِيقٍ مِنْ
طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَرَأَى غِلْمَانًا فَذَكَرَ مِثْلَ
رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ وَفِيهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ فَرُّوا
فَغَضِبَ الْحَدِيثَ وَوَهِمَ مغلطاي وَتَبعهُ شَيخنَا بن
الْمُلَقِّنِ وَغَيْرُهُ فَجَزَمُوا بِأَنَّ سُلَيْمَانَ
هَذَا هُوَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَاسْتَنَدَ
إِلَى أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَخْرَجَهُ فِي مُسْتَخْرَجِهِ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِ الطَّيَالِسِيِّ قُلْتُ
وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الطَّيَالِسِيَّ الَّذِي
يَرْوِي عَنْهُ أَبُو خَلِيفَةَ هُوَ أَبُو الْوَلِيدِ
وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَمْ يُدْرِكْ
أَبُو خَلِيفَةَ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ فَإِنَّ
مَوْلِدَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسَنَتَيْنِ مَاتَ أَبُو
دَاوُدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَوُلِدَ أَبُو خَلِيفَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ
وَالْمِنْهَالُ الْمَذْكُور فِي السَّنَد هُوَ بن عَمْرٍو
يَعْنِي أَنَّهُ تَابَعَ أَبَا بِشْرٍ فِي رِوَايَتِهِ
لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَخَالَفَهُمَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ فَرَوَاهُ عَنْ
سَعِيدِ بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي
الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَهَا الحَدِيث الثَّالِث
وَالرَّابِع قَوْله وَقَالَ عدي هُوَ بن ثَابت عَن سعيد
هُوَ بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ هُوَ مَوْصُولٌ
بِالْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقَهُ إِلَى عَدِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَقَدْ سَاقَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ
مِنْهَالٍ الَّذِي سَاقَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ بِهِ وَلَكِنْ لَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ
الرُّوحُ غَرَضًا قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يَزِيدَ هُوَ الْخَطْمِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ
وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي
الِاسْتِسْقَاءِ قَوْلُهُ نَهَى عَنِ النُّهْبَى بِضَمِّ
النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ثُمَّ بِالْمُوَحَّدَةِ
مَقْصُورٌ أَيْ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ قَهْرًا جَهْرًا
وَمِنْهُ أَخْذُ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَة
اختطافا بِغَيْر تَسْوِيَة قَوْله والمثلثة تَقَدَّمَ
ضَبْطُهَا وَتَفْسِيرُهَا وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي فِي
(9/644)
بَابِ قِصَّةِ عُكْلَ وَعُرَيْنَةَ لِهَذَا
الْحَدِيثِ طَرِيقٌ أُخْرَى وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
الِاخْتِلَافَ عَلَى شُعْبَةَ فِيهِ وَبَيَّنَ أَنَّ
يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ كَمَا
قَالَ حَجَّاجُ بْنُ مُنْهَالٍ لَكِنْ أَدْخَلَ بَيْنَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا أَيُّوبَ وَرِوَايَةُ يَعْقُوبَ
بْنِ إسْحَاقَ الْمَذْكُورَةُ وَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ تَعْذِيبِ
الْحَيَوَانِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ قُوَّةُ أَنَسٍ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِشِدَّةِ
الْأَمِيرِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ نَهَى الْحَجَّاجَ عَنِ
التَّعَرُّضِ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صَدَرَ مِنَ
الْحَجَّاجِ فِي حَقِّهِ خُشُونَةً فَشَكَاهُ لِعَبْدِ
الْمَلِكِ فَأَغْلَظَ لِلْحَجَّاجِ وَأمره باكرامه
(قَوْلُهُ بَابُ لَحْمِ الدَّجَاجِ)
هُوَ اسْمُ جِنْسٍ مثلث الدَّال ذكره الْمُنْذِرِيّ فِي
الْحَاشِيَة وبن مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يَحْكِ
النَّوَوِيُّ الضَّمَّ وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ مُثَلَّثٌ
أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّ الضَّمَّ فِيهِ ضَعِيفٌ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ دَخَلَتْهَا الْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ مِثْلَ
الْحَمَامَةِ وَأَفَادَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي
غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّجَاجَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ
لِلذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْوَاحِدُ مِنْهَا
دِيكٌ وَبِالْفَتْحِ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكْرَانِ
وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ بِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ
وَسُمِّيَ لِإِسْرَاعِهِ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ
مِنْ دَجَّ يَدُجُّ إِذَا أَسْرَعَ قُلْتُ وَدَجَاجَةُ
اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ بِالْفَتْحِ فَقَطْ وَيُسَمَّى
بِهَا الْكُبَّةُ مِنَ الْغَزْلِ
[5517] قَوْلُهُ حَدثنَا يحيى هُوَ بن مُوسَى الْبَلْخِيُّ
نَسَبَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَجزم الكلاباذي
وَأَبُو نعيم بِأَنَّهُ
(9/645)
بن جَعْفَرٍ قَوْلُهُ عَنْ أَيُّوبَ فِي
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بن أَبِي تَمِيمَةَ وَهُوَ
السَّخْتِيَانِيُّ وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ
حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
كَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ
وَوَافَقَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنِ
حَرْبٍ عَنْ أَيُّوبَ كَمَا مَضَى فِي الْمَغَازِي وَقَالَ
عَبْدُ الْوَارِثِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ
عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ بَدَلَ أَبِي قِلَابَةَ
وَكَذَا قَالَ بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ كَمَا يَأْتِي
فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ أَيْضًا وَقَالَ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
وَالْقَاسِمِ قَالَ وَأَنَا لِحَدِيثِ قَاسِمٍ أَحْفَظُ
أَخْرَجَهُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَكَذَا قَالَ وُهَيْبٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ عَنْ
زَهْدَمٍ بِفَتْحِ الزَّايِ هُوَ بن مُضَرِّبٍ بِضَمِّ
أَوَّلِهِ وَبِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ
الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ
الْجَرْمِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ لَيْسَ
لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثَيْنِ هَذَا
الْحَدِيثُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي مَوَاضِعَ لَهُ
وَحَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ وَذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ
أُخْرَى أَيْضًا قَوْلُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ دَجَاجًا كَذَا
أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَكَذَا سَاقَهُ أَحْمَدُ عَنْ
وَكِيعٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ
عَنْ سُفْيَانَ أَتَمَّ مِنْهُ وَسَاقَهُ التِّرْمِذِيُّ
فِي الشَّمَائِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُطَوَّلًا كَمَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ
عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِم وَهُوَ بن عَاصِمٍ
التَّمِيمِيُّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى
هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ أَوْرَدَهُ عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ
مَقْرُونًا وَمُفْرَدًا مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
مُشْتَمِلًا عَلَى قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي امْتَنَعَ
مِنْ أَكْلِ الدَّجَاجِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَفَتْوَى
أَبِي مُوسَى لَهُ بِأَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ
وَيَأْكُلَ وَقَصَّ لَهُ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ وَسَبَبَهُ
وَهُوَ طَلَبُهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمِلَهُمْ وَقَدْ أَوْرَدَ
الْمُصَنِّفُ قِصَّةَ الِاسْتِحْمَالِ وَمَا يَلِيهَا مِنْ
حُكْمِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَتِهِ دُونَ قِصَّةِ
الدَّجَاجِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ فِي
كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَأَوْرَدَهَا أَيْضًا فِي
الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ أَتَمَّ
سِيَاقًا مِنْهُ فِي قِصَّةِ الِاسْتِحْمَالِ وَلَيْسَ
فِيهِ ذِكْرُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَدْ أَحَلْتُ فِي
فَرْضِ الْخُمُسِ وَفِي الْمَغَازِي بِشَرْحِهِ عَلَى
كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فَأَذْكُرُ هُنَا مَا
يَتَعَلَّقُ بِالدَّجَاجِ
[5518] قَوْلُهُ كُنَّا عِنْد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَكَانَ بَيْننَا وَبَينه هَذَا الْحَيِّ بِالْخَفْضِ
بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي بَينه كَذَا قَالَ بن التِّينِ
وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ
الْكَلَامِ أَنَّ زَهْدَمًا الْجَرْمِيَّ قَالَ كَانَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ
وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ
أَبَا مُوسَى وَقَوْمَهُ الْأَشْعَرِيِّينَ كَانُوا أَهْلَ
مَوَدَّةٍ وَإِخَاءٍ لِقَوْمِ زَهْدَمٍ وَهُمْ بَنُو
جَرْمٍ وَقَدْ وَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا
الْحَيِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ
أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي قِلَابَةَ كَمَا
سَيَأْتِي فِي كَفَّارَة الْإِيمَان وَهُوَ يُؤَيّد مَا
قَالَ بن التِّينِ إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ كِلَاهُمَا
عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ
جَرْمٍ وَبَيْنَ الْأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ أَوْ إِخَاءٌ
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ قَوْله إخاء
بِكَسْر أَوله وَالْمدّ قَالَ بن التِّينِ ضَبَطَهُ
بَعْضُهُمْ بِالْقَصْرِ وَهُوَ خَطَأٌ قَوْلُهُ وَفِي
الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ أَيِ اللَّوْنِ وَفِي
رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ
اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي أَيِ
الْعَجَمِ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ زَهْدَمٌ الرَّاوِي
أَبْهَمَ نَفْسَهُ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى
أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَأْكُلُ دَجَاجًا فَقَالَ ادْنُ
فَكُلْ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ
أَشْكَلَ هَذَا لِكَوْنِهِ وَصَفَ الرَّجُلَ فِي رِوَايَةِ
الْبَابِ بِأَنَّهُ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ وَزَهْدَمٌ
مِنْ بَنِي جَرْمٍ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الظَّاهِرُ
أَنَّهُمَا امْتَنَعَا مَعًا زَهْدَمٌ وَالرَّجُلُ
التَّيْمِيُّ وَحَمَلَهُ عَلَى دَعْوَى التَّعَدُّدِ
اسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ
(9/646)
الشَّخْصُ الْوَاحِدُ يُنْسَبُ إِلَى
تَيْمِ اللَّهِ وَإِلَى جَرْمٍ وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ
بَلْ قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ هُوَ الْعَدَنِيُّ عَنْ
سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ
رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ زَهْدَمٌ
قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأَتَى بِلَحْمِ
دَجَاجٍ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ زَهْدَمًا كَانَ تَارَةً
يُنْسَبُ إِلَى بَنِي جَرْمٍ وَتَارَةً إِلَى بَنِي تَيْمِ
اللَّهِ وَجَرْمٌ قَبِيلَةٌ فِي قُضَاعَةَ يُنْسَبُونَ
إِلَى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثَقيلَة بن عِمْرَانَ بْنِ
الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ وَتَيْمُ اللَّهِ بَطْنٌ مِنْ
بَنِي كَلْبٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ فِي قُضَاعَةَ أَيْضًا
يُنْسَبُونَ إِلَى تَيْمِ اللَّهِ بْنِ رفيدة برَاء وَفَاء
مُصَغرًا بن ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ
تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ
بْنِ قُضَاعَةَ فَحُلْوَانُ عَمُّ جَرْمٍ قَالَ
الرَّشَاطِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَكَثِيرًا مَا
يَنْسُبُونَ الرَّجُلَ إِلَى أَعْمَامِهِ قُلْتُ
وَرُبَّمَا أَبْهَمَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ كَمَا تَقَدَّمَ
فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ
زَهْدَمٌ صَاحِبَ الْقِصَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ
التَّعَدُّدِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
الْفِرْيَابِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ
الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى زَهْدَمٍ قَالَ
رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى يَأْكُلُ الدَّجَاجَ فَدَعَانِي
فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ نَتِنًا قَالَ
ادْنُهُ فَكُلْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ وَمِنْ
طَرِيقِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ
عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ
يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ فَقَالَ ادْنُ فَكُلْ فَقُلْتُ
إِنِّي حَلَفْتُ لَا آكُلُهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنِ الصَّعْقِ
لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو
عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَهْدَمٍ
نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ فَقَالَ لِي ادْنُ فَكُلْ فَقُلْتُ
إِنِّي لَا أُرِيدُهُ الْحَدِيثَ فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ
صَرَّحَ زَهْدَمٌ فِيهَا بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ
فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا
وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا ظَاهِرُهُ
الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ زَهْدَمٍ وَالْمُمْتَنِعِ مِنْ
أَكْلِ الدَّجَاجِ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَهْدَمٍ كُنَّا
عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ
اللَّهِ أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي فَقَالَ هَلُمَّ
فَتَلَكَّأَ الْحَدِيثَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ
الدَّاخِلَ دَخَلَ وَزَهْدَمٌ جَالِسٌ عِنْدَ أَبِي مُوسَى
لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ زَهْدَمٍ بِقَوْلِهِ
كُنَّا قَوْمَهُ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُ عَلَى أَبِي
مُوسَى وَهَذَا مَجَازٌ قَدِ اسْتَعْمَلَ غَيْرُهُ
مِثْلَهُ كَقَوْلِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ خَطَبَنَا
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ
وَلَمْ يُدْرِكْ ثَابِتٌ خُطْبَةَ عِمْرَانَ
الْمَذْكُورَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَهْدَمٌ دَخَلَ
فَجَرَى لَهُ مَا ذَكَرَ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ
أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَلَا عَجَبَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ
بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
عَوَانَةَ إِنِّي رَأَيْتُهَا تَأْكُلُ قَذِرًا
وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا أَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ
بِحَيْثُ صَارَتْ جَلَّالَةً فَبَيَّنَ لَهُ أَبُو مُوسَى
أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
مِنْ كَوْنِ تِلْكَ الدَّجَاجَةِ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ
أَنْ يَكُونَ كُلُّ الدَّجَاجِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ فَقَالَ
ادْنُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الدُّنُوِّ
وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ إِذًا
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَعَ
التَّنْوِينِ حَرْفُ نَصْبٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ
أُخْبِرْكَ مَجْزُومٌ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مَنْصُوبٌ
وَقَوْلُهُ أَوْ أُحَدِّثْكَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
قَوْلُهُ إِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْأَيْمَانِ
وَالنُّذُورِ وَقَوْلُهُ فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرَّ
الذُّرَى الْغُرُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ أَغَرَّ
وَالْأَغَرُّ الْأَبْيَضُ وَالذُّرَى بِضَمِّ
الْمُعْجَمَةِ وَالْقَصْرِ جَمْعُ ذِرْوَةٍ وَذِرْوَةُ
كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَسْنِمَةُ
الْإِبِلِ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ بَيْضَاءَ حَقِيقَةً أَوْ
أَرَادَ وَصْفَهَا بِأَنَّهَا لَا عِلَّةَ فِيهَا وَلَا
دَبَرَ وَيَجُوزُ فِي غُرٍّ النَّصْبُ وَالْجَرُّ
وَقَوْلُهُ خَمْسُ ذَوْدٍ كَذَا وَقَعَ بِالْإِضَافَةِ
وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي غَرِيبِهِ قَالَ
وَالصَّوَابُ تَنْوِينُ خَمْسٍ وَأَنْ يَكُونَ ذَوْدٌ
بَدَلًا مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ
تَنْوِينٍ لَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَدَدَ
الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَنْ
يَكُونَ خَمْسُ ذَوْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا لِأَنَّ
الْإِبِلَ الذَّوْدَ ثَلَاثَةٌ انْتَهَى وَمَا أَدْرِي
كَيْفَ يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ
الْعَدَدُ كَذَا وَلْيَكُنْ عَدَدُ الْإِبِلِ خَمْسَةَ
عَشَرَ بَعِيرًا فَمَا الَّذِي يَضُرُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي
بَعْضِ طُرُقِهِ خُذْ هَذَيْنِ
(9/647)
الْقَرِينَيْنِ وَالْقَرِينَيْنِ إِلَى
أَنْ عَدَّ سِتَّ مَرَّاتٍ وَالَّذِي قَالَهُ إِنَّمَا
يَتِمُّ أَنْ لَوْ جَاءَتْ رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ أَنَّهُ
لَمْ يُعْطِهِمْ سِوَى خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ وَعَلَى
تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَأَطْلَقَ لَفْظَ ذَوْدٍ عَلَى
الْوَاحِدِ مَجَازًا كَإِبِلٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
الصَّحِيحَةُ لَا تَمْنَعُ إِمْكَانَ التَّصْوِيرِ وَفِي
الْحَدِيثِ دُخُولُ الْمَرْءِ عَلَى صَدِيقِهِ فِي حَالِ
أَكْلِهِ وَاسْتِدْنَاءُ صَاحِبِ الطَّعَامِ الدَّاخِلَ
وَعَرْضُهُ الطَّعَامَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا
لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الطَّعَامِ سَبَبٌ
لِلْبَرَكَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ جَوَازُ
أَكْلِ الدَّجَاجِ إِنْسِيِّهِ وَوَحْشِيِّهِ وَهُوَ
بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا عَنْ بَعْضِ الْمُتَعَمِّقِينَ
عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمُ
اسْتَثْنَى الْجَلَّالَةَ وَهِيَ مَا تَأْكُلُ
الْأَقْذَارَ وَظَاهِرُ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَمْ
يُبَالِ بِذَلِكَ وَالْجَلَّالَةُ عِبَارَةٌ عَنِ
الدَّابَّةِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِلَّةَ بِكَسْرِ
الْجِيمِ وَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الْبَعْرُ وَادّعى بن
حَزْمٍ اخْتِصَاصَ الْجَلَّالَةِ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ
وَالْمَعْرُوفُ التَّعْمِيمُ وَقد اخْرُج بن أبي شيبَة
بِسَنَد صَحِيح عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ
الدَّجَاجَةَ الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا وَقَالَ مَالِكٌ
وَاللَّيْثُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجَلَّالَةِ مِنَ
الدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا
لِلتَّقَذُّرِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ
الْجَلَّالَةِ مِنْ طُرُقٍ أَصَحُّهَا مَا أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَة
عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُجْثَمَةِ وَعَنْ لَبَنِ
الْجَلَّالَةِ وَعَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ
وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فِي رِجَالِهِ إِلَّا
أَنَّ أَيُّوبَ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَالَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الْجَلَّالَةِ وَعَنْ شُرْبِ أَلْبَانِهَا
وَأَكْلِهَا وَرُكُوبِهَا وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَلَّالَةِ
أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا أَوْ يُشْرَبَ لَبَنُهَا
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ
لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنِ الْجَلَّالَةِ
عَنْ رُكُوبِهَا وَأَكْلِ لَحْمِهَا وَسَنَدُهُ حَسَنٌ
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ كَرَاهَةَ أَكْلِ
الْجَلَّالَةِ إِذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا بِأَكْلِ
النَّجَاسَةِ وَفِي وَجْهٍ إِذَا أَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ
وَرَجَّحَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ
وَهُوَ قَضِيَّةُ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى وَمِنْ حُجَّتِهِمْ
أَنَّ الْعَلَفَ الطَّاهِرَ إِذَا صَارَ فِي كَرِشِهَا
تَنَجَّسَ فَلَا تَتَغَذَّى إِلَّا بِالنَّجَاسَةِ وَمَعَ
ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ
بِالنَّجَاسَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ
الْعَلَفَ الطَّاهِرَ إِذَا تَنَجَّسَ بِالْمُجَاوَرَةِ
جَازَ إِطْعَامُهُ لِلدَّابَّةِ لِأَنَّهَا إِذَا
أَكَلَتْهُ لَا تَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا
تَتَغَذَّى بِالْعَلَفِ بِخِلَافِ الْجَلَّالَةِ وَذَهَبَ
جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ
الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ
وَبِهِ جَزَمَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنِ الْفُقَهَاءِ
وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ
وَالْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ
وَالْغَزَالِيُّ وَأَلْحَقُوا بِلَبَنِهَا وَلَحْمِهَا
بَيْضَهَا وَفِي مَعْنَى الْجَلَّالَةِ مَا يَتَغَذَّى
بِالنَّجِسِ كَالشَّاةِ تَرْضَعُ مِنْ كَلْبَةٍ
وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ زَوَالُ
رَائِحَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ أَنْ تُعْلَفَ بِالشَّيْءِ
الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَجَاءَ عَنِ السَّلَفِ فِيهِ
تَوْقِيتٌ فَعِنْدَ بن أبي شيبَة عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ
كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا كَمَا
تَقَدَّمَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ
نَظَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا
أَنَّهَا لَا تُؤْكَل حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ يَوْمًا
(9/648)
(
قَوْله بَاب لُحُوم الْخَيل)
قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ لِتَعَارُضِ
الْأَدِلَّةِ كَذَا قَالَ وَدَلِيلُ الْجَوَازِ ظَاهِرُ
الْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي
[5519] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَهِشَام هُوَ
بن عُرْوَةَ وَفَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ هِشَامٍ الْمَذْكُورِ
وَزَوْجَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَابِ
النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ
عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ أَيُّوبَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ
الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ عَن أَبِيه عَن أَسمَاء
وَكَذَا قَالَ بن ثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ
حَمَّادٍ عَنْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَالَ
الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ ثمَّ رجح
رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ قَوْلُهُ
نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ زَادَ عَبْدَةُ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ بَابَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ
لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَأَكَلْنَاهُ نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَاف فِي قَوْلهَا نحرنا وذبحنا
وَاخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي تَوْجِيهِهِ فَقِيلَ
يُحْمَلُ النَّحْرُ عَلَى الذَّبْحِ مَجَازًا وَقِيلَ
وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ النَّوَوِيُّ
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ
وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى
هِشَامٍ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ قَالَ عَنْهُ نَحَرْنَا
وَبَعْضُهُمْ قَالَ ذَبَحْنَا وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ
ذَلِكَ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ وَقِيَامُ
أَحَدِهِمَا فِي التَّذْكِيَةِ مَقَامَ الْآخَرِ وَإِلَّا
لَمَا سَاغَ لَهُمُ الْإِتْيَانُ بِهَذَا مَوْضِعَ هَذَا
وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ بِعَيْنِهِ فَلَا يَتَحَرَّرُ
لِوُقُوعِ التَّسَاوِي بَيْنَ الرُّوَاةِ الْمُخْتَلِفِينَ
فِي ذَلِكَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهَا وَنَحْنُ
بِالْمَدِينَةِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ
فَيَرُدُّ عَلَى مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى مَنْعِ أَكْلِهَا
بِعِلَّةِ أَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْجِهَادِ وَمِنْ
قَوْلِهَا نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ
أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ
ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُرَدْ لَمْ يُظَنَّ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ
أَنَّهُمْ يُقْدِمُونَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي زَمَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
وَعِنْدَهُمُ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ لِشِدَّةِ
اخْتِلَاطِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِمْ لَهُ هَذَا مَعَ
تَوَفُّرِ دَاعِيَةِ الصَّحَابَةِ إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ
الْأَحْكَامِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّ
الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ
الصَّحَابِيِّ فَكَيْفَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
الْحَدِيثُ الثَّانِي
[5520] قَوْله حَمَّاد هُوَ بن زيد وَعَمْرو هُوَ بن
دِينَار وَمُحَمّد بن عَليّ أَي بن الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيٍّ وَهُوَ الْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ كَذَا أَدْخَلَ
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
وَبَيْنَ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ
عَلِيٍّ وَلَمَّا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ لَا
أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ حَمَّادًا عَلَى ذَلِكَ
وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ
وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ وَمَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضا إِلَى تَرْجِيح
رِوَايَة بن عُيَيْنَة وَقَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول
بن عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ قُلْتُ لَكِنِ
اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِ
طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زيد وَقد وَافقه بن جُرَيْجٍ عَنْ
عَمْرٍو عَلَى إِدْخَالِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ عَمْرٍو
وَجَابِرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد من طَرِيق بن جُرَيْجٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ
جَابِرٍ أَخْرَجَهَا مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ وَأَبُو
دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ صَحِيحًا
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا وَأَغْرَبَ
الْبَيْهَقِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ
لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُ
الْفُقَهَاءِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رِوَايَة بن
عُيَيْنَةَ أَصَحُّ مَعَ إِشَارَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى
أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ وَهُوَ ذُهُولٌ فَإِنَّ كَلَامَ
التِّرْمِذِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عِنْدَهُ
اتِّصَالُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى الْبَيْهَقِيِّ
انْقِطَاعَهُ كَوْنُ التِّرْمِذِيِّ يَقُولُ بِذَلِكَ
وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِيهَا
تَصْرِيحُ عَمْرٍو بِالسَّمَاعِ مِنْ جَابِرٍ فَتَكُونُ
رِوَايَةُ حَمَّادٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ
الْأَسَانِيدِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
هِيَ الْمُتَّصِلَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ
التَّعَارُضِ
(9/649)
مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ
أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ هَذِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى
كُلِّ حَالٍ قَوْلُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الْأَهْلِيَّةِ
قَوْلُهُ وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ وَأَذِنَ بدل رخص وَله فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ
أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ
وَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الْحمار الأهلي وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ
الدَّارَقُطْنِيِّ أَمَرَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَذَهَبَ
أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجُّوا
بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا وَلَوْ
كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا
كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ
وَلَكِنَّ الْآثَارَ إِذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ
بِهَا مِمَّا يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ
أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ
الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَدَلَّ
ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا قُلْتُ وَقَدْ نَقَلَ
الْحِلَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ
غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ أحد فَأخْرج بن أَبِي شَيْبَةَ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ
عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَزَلْ سَلَفُكَ يَأْكُلُونَهُ قَالَ
بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لَهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ وَأَمَّا مَا
نقل فِي ذَلِك عَن بن عَبَّاس من كراهتها فَأخْرجهُ بن
أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدَيْنِ
ضَعِيفَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ عَنْهُ مَا
سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ صَحِيحًا عَنْهُ
أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِإِبَاحَةِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَى محرما
فَإِنَّ هَذَا إِنْ صَلُحَ مُسْتَمْسَكًا لِحِلِّ
الْحُمُرِ صَلُحَ لِلْخَيْلِ وَلَا فَرْقَ وَسَيَأْتِي
فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ
مِنْ أَكْلِ الْحُمُرِ هَلْ كَانَ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا
أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ
وَهَذَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا
فَيَبْعُدُ أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ
الْخَيْلِ وَالْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ فِي الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ بل أخرج الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد قوي عَن
بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَفْظُهُ
نَهَى رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَمَرَ بِلُحُومِ
الْخَيْلِ وَصَحَّ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ
الْحَنَفِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ
وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ
الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ
التَّحْرِيمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ أَكْرَهُ لَحْمَ الْخَيْلِ فَحَمَلَهُ أَبُو
بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَلَى التَّنْزِيهِ وَقَالَ لَمْ
يُطْلِقْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَيْسَ
هُوَ عِنْدَهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَصَحَّحَ عَنْهُ
أَصْحَابُ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ
التَّحْرِيمَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَعَنْ
بَعْضِهِمْ يَأْثَم أكله وَلَا يُسمى حَرَامًا وروى بن
الْقَاسِم وبن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ وَأَنَّهُ
احْتَجَّ بِالْآيَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا وَأَخْرَجَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ لَهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسلم مَذْهَب مَالك
الْكَرَاهَة وَاسْتدلَّ لَهُ بن بطال بِالْآيَةِ وَقَالَ
بن الْمُنِيرِ الشَّبَهُ الْخِلْقِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ مِمَّا يُؤَكِّدُ الْقَوْلَ
بِالْمَنْعِ فَمِنْ ذَلِكَ هَيْئَتُهَا وَزُهُومَةُ
لَحْمِهَا وَغِلَظُهُ وَصِفَةُ أَرْوَاثِهَا وَأَنَّهَا
لَا تَجْتَرُّ قَالَ وَإِذَا تَأَكَّدَ الشَّبَهُ
الْخِلْقِيُّ الْتَحَقَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ وَبَعُدَ
الشَّبَهُ بِالْأَنْعَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَكْلِهَا اه
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ مَا يُؤْخَذُ
مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ الدَّلِيلُ فِي الْجَوَازِ
مُطْلَقًا وَاضِحٌ لَكِنْ سَبَبُ كَرَاهَةِ مَالِكٍ
لِأَكْلِهَا لِكَوْنِهَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي
الْجِهَادِ فَلَوِ انْتَفَتِ الْكَرَاهَةُ لَكَثُرَ
اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ كَثُرَ لَأَدَّى إِلَى قلتهَا
فَيُفْضِي إِلَى فَنَائِهَا فَيَئُولُ إِلَى النَّقْصِ
مِنْ إِرْهَابِ الْعَدُوِّ الَّذِي وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ
فِي قَوْله تَعَالَى وَمن رِبَاط الْخَيل قُلْتُ فَعَلَى
هَذَا فَالْكَرَاهَةُ لِسَبَبٍ خَارِجٍ وَلَيْسَ الْبَحْثُ
فِيهِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ الْمُتَّفَقَ عَلَى
إِبَاحَتِهِ لَوْ حَدَثَ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنْ لَوْ
ذُبِحَ لَأَفْضَى إِلَى ارْتِكَابِ مَحْذُورٍ لَامْتَنَعَ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهِ
وَكَذَا قَوْلُهُ إِنَّ وُقُوعَ أَكْلِهَا فِي الزَّمَنِ
النَّبَوِيِّ كَانَ نَادِرًا فَإِذَا قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ
قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ فَيُوَافِقُ مَا وَقَعَ قَبْلَ
انْتَهَى وَهَذَا لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا لِلْكَرَاهَةِ
بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ
(9/650)
الْحَيَوَانِ حَلَّ أَكْلُهُ فَنَاؤُهُ
بِالْأَكْلِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمَانِعِينَ لَوْ
كَانَتْ حَلَالًا لَجَازَتِ الْأُضْحِيَّةُ بهَا فمنتض
بِحَيَوَانِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ وَلَمْ تُشْرَعِ
الْأُضْحِيَّةُ بِهِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ
الْخَيْلِ لَا تُشْرَعُ الْأُضْحِيَّةُ بِهَا
اسْتِبْقَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَوْ شُرِعَ فِيهَا جَمِيعُ مَا
جَازَ فِي غَيْرِهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِي
أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ مِنْهَا وَهُوَ الْجِهَادُ وَذَكَرَ
الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ وَأَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ
عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَهْلُ
الْحَدِيثِ يُضَعِّفُونَ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ قُلْتُ
لَا سِيَّمَا فِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَإِنَّ
عِكْرِمَةَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ
فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ إِنَّمَا أَخْرَجَ
لَهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ
أَحَادِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ضَعِيفَةٌ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى مُضْطَرِبٌ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إِلَّا فِي
يَحْيَى وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ إِيَاسِ
بْنِ سَلَمَةَ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهُ
وَدَخَلَ فِي عُمُومِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ
أَيْضًا وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ
فَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِيهَا فَإِنَّ
الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ
طَرِيقِهِ لَيْسَ فِيهِ لِلْخَيْلِ ذِكْرٌ وَعَلَى
تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَهُ حَفِظَهُ
فَالرِّوَايَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ عَنْ جَابِرٍ
الْمُفَصِّلَةُ بَيْنَ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ فِي
الْحُكْمِ أَظْهَرُ اتِّصَالًا وَأَتْقَنُ رِجَالًا
وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَأَعَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ
حَدِيثَ جَابِرٍ بِمَا نَقله عَن بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ
لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لِأَنَّ
غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَمِنْ حُجَجِ
مَنْ مَنَعَ أَكْلَ الْخَيْلِ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ الْمُخَرَّجُ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ
عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ
مُنْكَرٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ شَهِدَ خَيْبَرَ
وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا بَعْدَهَا
عَلَى الصَّحِيحِ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ
إِسْلَامَهُ كَانَ سَنَةَ الْفَتْحِ وَالْعُمْدَةُ فِي
ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَهُوَ
أَعْلَمُ النَّاسِ بِقُرَيْشٍ قَالَ كَتَبَ الْوَلِيدُ
بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى خَالِدٍ حِينَ فَرَّ مِنْ مَكَّةَ
فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ حَتَّى لَا يَرَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَذَكَرَ
الْقِصَّةَ فِي سَبَبِ إِسْلَامِ خَالِدٍ وَكَانَتْ
عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ بَعْدَ خَيْبَرَ جَزْمًا وَأُعِلَّ
أَيْضًا بِأَنَّ فِي السَّنَدِ رَاوِيًا مَجْهُولًا لَكِنْ
قَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ قَالَ
كُنَّا مَعَ خَالِدٍ فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلَهَا وَبِغَالَهَا
وَأُعِلَّ بِتَدْلِيسِ يَحْيَى وَإِبْهَامِ الرَّجُلِ
وَادَّعَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاسِخَهُ وَكَذَا
قَالَ النَّسَائِيُّ الْأَحَادِيثُ فِي الْإِبَاحَةِ
أَصَحُّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ كَانَ مَنْسُوخًا وَكَأَنَّهُ
لَمَّا تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْخَبَرَانِ وَرَأَى فِي
حَدِيثِ خَالِدٍ نَهَى وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَذِنَ
حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى نَسْخِ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النَّهْيِ
سَابِقًا عَلَى الْإِذْنِ أَنْ يَكُونَ إِسْلَامَ خَالِدٍ
سَابِقًا عَلَى فَتْحِ خَيْبَرَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى
خِلَافِهِ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وَقَدْ قَرَّرَ الْحَازِمِيُّ النَّسْخَ بَعْدَ أَنْ
ذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدٍ وَقَالَ هُوَ شَامِيُّ الْمَخْرَجِ
جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ بِمَا ورد فِي حَدِيث جَابر من
رخص وَأذن لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَنْعَ
كَانَ سَابِقًا وَالْإِذْنَ مُتَأَخِّرًا فَيَتَعَيَّنُ
الْمَصِيرُ إِلَيْهِ قَالَ وَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ
اللَّفْظَةُ لَكَانَتْ دَعْوَى النَّسْخِ مَرْدُودَةً
لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ اه وَلَيْسَ فِي لَفْظِ
رَخَّصَ وَأَذِنَ مَا يَتَعَيَّنُ مَعَهُ الْمَصِيرُ إِلَى
النَّسْخِ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي
الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ كَانَ عَلَى
الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَمَّا نَهَاهُمُ
الشَّارِعُ يَوْمَ خَيْبَرٍ عَنِ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ
خُشِيَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ الْخَيْلَ كَذَلِكَ
لِشَبَهِهَا بِهَا فَأَذِنَ فِي أَكْلِهَا دُونَ
الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ
قَبْلَ بَيَانِ حُكْمِهَا فِي الشَّرْعِ لَا تُوصَفُ لَا
بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ فَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ فِي
هَذَا وَنَقَلَ الْحَازِمِيُّ أَيْضًا تَقْرِيرَ النَّسْخِ
بِطَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ
الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ كَانَ عَامًّا مِنْ أَجْلِ
أَخْذِهِمْ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّخْمِيسِ
وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ بَيَّنَ
بِنِدَائِهِ بِأَنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ رِجْسٌ أَن
تَحْرِيمهَا
(9/651)
لِذَاتِهَا وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ
الْخَيْلِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ تَرْكِ الْقِسْمَةِ
خَاصَّةً وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ
بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ إِنَّمَا كَانَ بِطَبْخِهِمْ
فِيهَا الْحُمُرَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي
الصَّحِيحِ لَا الْخَيْلَ فَلَا يَتِمُّ مُرَادُهُ
وَالْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ خَالِدٍ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ
ثَابِتٌ لَا يَنْهَضُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ
الدَّالِّ عَلَى الْجَوَازِ وَقَدْ وَافَقَهُ حَدِيثُ
أَسْمَاءَ وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَ خَالِدٍ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ والخطابي وبن عَبْدِ الْبَرِّ
وَعَبْدُ الْحَقِّ وَآخَرُونَ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ
حَدِيثِ جَابِرٍ وَخَالِدٍ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ دَالٌّ
عَلَى الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ وَحَدِيثَ خَالِدٍ
دَالٌّ عَلَى الْمَنْعِ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ لِأَنَّ
الْخَيْلَ فِي خَيْبَرَ كَانَتْ عَزِيزَةً وَكَانُوا
مُحْتَاجِينَ إِلَيْهَا لِلْجِهَادِ فَلَا يُعَارِضُ
النَّهْيَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَلْزَمُ وَصْفُ أَكْلِ
الْخَيْلِ بِالْكَرَاهَةِ الْمُطْلَقَةِ فَضْلًا عَنِ
التَّحْرِيمِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي
حَدِيثِ أَسْمَاءَ كَانَتْ لَنَا فَرَسٌ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَرَادَتْ أَنْ تَمُوتَ فَذَبَحْنَاهَا فَأَكَلْنَاهَا
وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ
عَيْنٍ فَلَعَلَّ تِلْكَ الْفَرَسَ كَانَتْ كَبِرَتْ
بِحَيْثُ صَارَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْجِهَادِ
فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الْخَيْلِ لِمَعْنًى خَارِجٍ لَا
لِذَاتِهَا وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ
أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الْبَابِ دَالٌّ عَلَى
التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ
اسْتِبَاحَةُ الْمَخْطُورِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا بِسَبَبِ
الْمَخْمَصَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ بِخَيْبَرَ فَلَا
يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْحِلِّ الْمُطْلَقِ وَأُجِيبَ
بِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِذْنِ
وَبَعْضُهَا بِالْأَمْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِقَوْلِهِ رَخَّصَ أَذِنَ لَا خُصُوصُ الرُّخْصَةِ
بِاصْطِلَاحِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ
وَنُوقِضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِذْنَ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ
لَوْ كَانَ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْمَخْمَصَةِ لَكَانَتِ
الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا
وَعِزَّةِ الْخَيْلِ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ
يُنْتَفَعُ بِهَا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِالْحَمِيرِ مِنَ
الْحَمْلِ وَغَيْرِهِ وَالْحَمِيرُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا
فِيمَا يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهَا
وَالْوَاقِعُ كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَابِ
الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ
فِيهَا الْحُمُرُ مَعَ مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي أَكْلِ
الْخَيْلِ إِنَّمَا كَانَ لِلْإِبَاحَةِ الْعَامَّةِ لَا
لِخُصُوصِ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنِ بن
عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الِاحْتِجَاجِ
لِلْمَنْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْل وَالْبِغَال
وَالْحمير لتركبوها وزينة فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا أَكْثَرُ
الْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَرَّرُوا ذَلِكَ
بِأَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ لِغَيْرِ ذَلِكَ
لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ
فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا تَقْتَضِي خِلَافَ ظَاهِرِ الْآيَةِ
ثَانِيهَا عَطْفُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَدَلَّ عَلَى
اشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ
فَيَحْتَاجُ مَنْ أَفْرَدَ حُكْمَهَا عَنْ حُكْمِ مَا
عُطِفَتْ عَلَيْهِ إِلَى دَلِيلٍ ثَالِثُهَا أَنَّ
الْآيَةَ سيقت مَسَاقَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ كَانَتْ
يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ لَكَانَ الِامْتِنَانُ
بِهِ أَعْظَمَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَقَاءُ
الْبِنْيَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالْحَكِيمُ لَا
يَمْتَنُّ بِأَدْنَى النِّعَمِ وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا
وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِالْأَكْلِ
فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهَا رَابِعُهَا لَوْ أُبِيحَ
أَكْلُهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِيمَا وَقَعَ
بِهِ الِامْتِنَانُ مِنَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ هَذَا
مُلَخَّصُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ
وَالْجَوَابُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ أَنَّ آيَةَ
النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا وَالْإِذْنُ فِي أَكْلِ
الْخَيْلِ كَانَ بعدالهجرة مِنْ مَكَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ
سِتِّ سِنِينَ فَلَوْ فَهِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَةِ الْمَنْعَ لَمَا أَذِنَ
فِي الْأَكْلِ وَأَيْضًا فَآيَةُ النَّحْلِ لَيْسَتْ
نَصًّا فِي مَنْعِ الْأَكْلِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي
جَوَازِهِ وَأَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ
فَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا ذُكِرَ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ
وَالتَّرْكُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ
لِلتَّنْزِيهِ أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَإِذَا لَمْ
يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهَا بَقِيَ التَّمَسُّكُ
بِالْأَدِلَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْجَوَازِ وعَلى سَبِيل
التَّفْصِيل أما أَو لَا فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّامَ
لِلتَّعْلِيلِ لَمْ نُسَلِّمْ إِفَادَةَ الْحَصْرِ فِي
الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ
فِي غَيْرِهِمَا وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا
وَإِنَّمَا ذُكِرَ الرُّكُوبُ وَالزِّينَةُ لِكَوْنِهِمَا
أَغْلَبَ مَا تُطْلَبُ لَهُ الْخَيْلُ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ
الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِينَ
خَاطَبَتْ رَاكِبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ
لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَإِنَّهُ مَعَ
كَوْنِهِ أَصَرْحَ فِي الْحَصْرِ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ
الْأَغْلَب
(9/652)
وَإِلَّا فَهِيَ تُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ
بِهَا فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ الْحَرْثِ اتِّفَاقًا
وَأَيْضًا فَلَوْ سَلِمَ الِاسْتِدْلَالُ لَلَزِمَ مَنْعُ
حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ
وَالْحَمِيرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَأَمَّا ثَانِيًا
فَدَلَالَةُ الْعَطْفِ إِنَّمَا هيَ دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ
وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَأَمَّا ثَالِثًا فَالِامْتِنَانُ
إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ غَالِبًا مَا كَانَ يَقَعُ بِهِ
انْتِفَاعُهُمْ بِالْخَيْلِ فَخُوطِبُوا بِمَا أَلِفُوا
وَعَرَفُوا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ أَكْلَ الْخَيْلِ
لِعِزَّتِهَا فِي بِلَادِهِمْ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ
فَإِنَّ أَكْثَرَ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا كَانَ لِحَمْلِ
الْأَثْقَالِ وَلِلْأَكْلِ فَاقْتُصِرَ فِي كُلٍّ مِنَ
الصِّنْفَيْنِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِأَغْلَبِ مَا
يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَوْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْحَصْرُ فِي
هَذَا الشِّقِّ لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ
وَأَمَّا رَابِعًا فَلَوْ لَزِمَ مِنَ الْإِذْنِ فِي
أَكْلِهَا أَنْ تَفْنَى لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْبَقَرِ
وَغَيْرِهَا مِمَّا أُبِيحَ أَكْلُهُ وَوَقَعَ
الِامْتِنَانُ بِمَنْفَعَةٍ لَهُ أُخْرَى وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(9/653)
(قَوْلُهُ بَابُ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْإِنْسِيَّةِ)
الْقَوْلُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالْحُكْمِ فِي هَذَا
كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنِ الرَّاجِحُ فِي
الْحُمُرِ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْخَيْلِ وَالْإِنْسِيَّةُ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مَنْسُوبَةٌ
إِلَى الْإِنْسِ وَيُقَالُ فِيهِ أَنَسِيَّةٌ
بِفَتْحَتَيْنِ وَزعم بن الْأَثِيرِ أَنَّ فِي كَلَامِ
أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا
بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ لِقَوْلِهِ الْأُنْسِيَّةُ
هِيَ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ وَالْأُنْسُ ضِدَّ
الْوَحْشَةِ وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا
مُوسَى إِنَّمَا قَالَهُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ
الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْأَنَسَ بِفَتْحَتَيْنِ ضِدَّ
الْوَحْشَةِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ
الْحَدِيثِ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ مَعَ احْتِمَالِ
جَوَازِهِ نَعَمْ زَيَّفَ أَبُو مُوسَى الرِّوَايَةَ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ثُمَّ السُّكُونَ فَقَالَ بن
الْأَثِيرِ إِنْ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَعَسَى
وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي اللُّغَةِ وَنِسْبَتُهَا
إِلَى الْإنْسِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ وَغَيْرِهِ الْأَهْلِيَّةُ بَدَلَ
الْإنْسِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنَ التَّقْيِيدِ بِهَا جَوَازُ
أَكْلِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحَجِّ قَوْله
فِيهِ سَلمَة هُوَ بن الْأَكْوَعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
حَدِيثُهُ مَوْصُولًا فِي الْمَغَازِي مُطَوَّلًا ثُمَّ
ذَكَرَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيث بن عمر
[5521] قَوْله عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَانَ وَعُبَيْدُ
اللَّهِ هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ عَنْ سَالِمٍ
وَنَافِعٍ كَذَا قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ
عُبَيْدٍ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَغَازِي ثُمَّ
سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ وَقَوْلُهُ
تَابعه بن الْمُبَارَكِ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي
الْمَغَازِي قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ وَصَلَهُ فِي الْمَغَازِي
مِنْ طَرِيقِهِ وَفَصَلَ فِي رِوَايَتِهِ بَيْنَ أَكْلِ
الثُّومِ وَالْحُمُرِ فَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ
الثُّومِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ فَقَطْ وَأَنَّ النَّهْيَ
عَنِ الْحُمُرِ عَنْ سَالِمٍ فَقَطْ وَهُوَ تَفْصِيلٌ
بَالِغٌ لَكِنْ يَحْيَى الْقَطَّانُ حَافِظٌ فَلَعَلَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُفَصِّلْهُ إِلَّا لِأَبِي
أُسَامَةَ وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ
مَعًا مُدْمِجًا فَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ
عَلَى أَخْذِ شَيْخِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ
الثَّانِي حَدِيثُ عَلِيٍّ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا
وَتَقَدَّمَ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ النِّكَاح الثَّالِث
حَدِيث جَابر وَقد سَبَقَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ
الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ حَدِيث الْبَراء وبن أَبِي
أَوْفَى أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ
عَنْهُمَا أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْ هَذَا فِي الْمَغَازِي
وَأَفْرَدَهُ عَن بن أَبِي أَوْفَى هُنَا وَفِي فَرْضِ
الْخُمُسِ وَفِيهِ زِيَادَةُ اخْتِلَافِهِمْ فِي السَّبَبِ
السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَة
[5527] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن رَاهَوَيْه
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم أَي بن سعيد وَصَالح هُوَ بن
كَيْسَانَ قَوْلُهُ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ فَرِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ وَصَلَهَا
النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنِي
الزُّبَيْدِيُّ وَلَفْظُهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي
نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَرِوَايَةُ عُقَيْلٍ وَصَلَهَا أَحْمَدُ
بِلَفْظِ الْبَابِ وَزَادَ وَلَحْمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ
السِّبَاعٍ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ هَذَا
وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
أَبِي ثَعْلَبَةَ فِيهِ قِصَّةٌ وَلَفْظُهُ غَزَوْنَا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ
وَالنَّاسُ جِيَاعٌ فَوَجَدُوا حُمُرًا إِنْسِيَّةً
فَذَبَحُوا مِنْهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
فَنَادَى أَلَا إِنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ الْإنْسِيَّةِ لَا
تَحِلُّ
[] قَوْلُهُ وَقَالَ مَالك وَمعمر والماجشون وَيُونُس وبن
إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ
مِنَ السِّبَاعِ يَعْنِي لَمْ يَتَعَرَّضُوا فِيهِ
لِذِكْرِ الْحُمُرِ فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ
(9/654)
فَسَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الْبَابِ
الَّذِي يَلِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ
فَوَصَلَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُمَا وَأَمَّا
حَدِيثُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ
أَبِي سَلَمَةَ فَوَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بن يحيى
عَنهُ وَأما حَدِيث بن إِسْحَاقَ فَوَصَلَهُ إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ
وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْهُ الْحَدِيثُ
السَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي النِّدَاءِ بِالنَّهْيِ
عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ
الَّذِي نَادَى بِذَلِكَ هُوَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَزَاهُ
النَّوَوِيُّ لِرِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى فَنُسِبَ إِلَى
التَّقْصِيرِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ
بِلَالًا نَادَى بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا
عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ الْمُنَادِيَ بِذَلِكَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَعَلَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
نَادَى أَوَّلًا بِالنَّهْيِ مُطْلَقًا ثُمَّ نَادَى أَبُو
طَلْحَةَ وَبِلَالٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ
[5528] قَوْلُهُ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتِ
الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ وَوَقَعَ فِي
الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُنَادِيَ
بِذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ
لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ
فَتْحِهَا قَوْلُهُ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتِ
الْحُمُرُ لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ هَذَا الرَّجُلِ وَلَا
الَّذين بَعْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا وَاحِدًا
فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا أَكَلْتُ فَإِمَّا لَمْ
يَسْمَعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِمَّا لَمْ يَكُنْ أَمَرَ فِيهَا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي
الثَّانِيَةِ فَلَمَّا قَالَ الثَّالِثَةَ أُفْنِيَتِ
الْحُمُرُ أَيْ لِكَثْرَةِ مَا ذُبِحَ مِنْهَا لِتُطْبَخَ
صَادَفَ نُزُولَ الْأَمْرِ بِتَحْرِيمِهَا وَلَعَلَّ هَذَا
مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِكَوْنِهَا
كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ كَمَا سَيَأْتِي الْحَدِيثُ
الثَّامِن
[5529] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ
بن دِينَارٍ قَوْلُهُ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ
أَبُو الشَّعْثَاءِ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ
الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ يَزْعُمُونَ لَمْ أَقِفْ عَلَى
تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ
الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنِ دِينَارٍ رَوَى
ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ مِنَ الرُّوَاةِ مَنْ قَالَ عَنْهُ
عَنْ جَابِرٍ بِلَا وَاسِطَةٍ قَوْلُهُ قَدْ كَانَ يَقُولُ
ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا
بِالْبَصْرَةِ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
سُفْيَانَ بِهَذَا السَّنَدِ قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ
الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخرجه أَبُو دَاوُد من
رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
مَضْمُومًا إِلَى حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي
النَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ مَرْفُوعًا وَلَمْ
يُصَرِّحْ بِرَفْعِ حَدِيثِ الْحَكَمِ قَوْلُهُ وَلَكِنْ
أَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ بن عَبَّاس وَأبي مِنَ الْإِبَاءِ
أَيِ امْتَنَعَ وَالْبَحْرُ صِفَةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ قِيلَ
لَهُ لِسَعَةِ عِلْمِهِ وَهُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الصِّفَةِ
عَلَى الْمَوْصُوفِ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ
الْمَوْصُوفِ كَأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
ذُكِرَ لِشُهْرَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ خَفَائِهِ
عَلَى بَعْضِ النَّاس وَوَقع فِي رِوَايَة بن جريج وَأبي
ذَلِك الْبَحْر يُرِيد بن عَبَّاس وَهَذَا يشْعر بِأَن فِي
رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ إِدْرَاجًا قَوْلُهُ وَقَرَأَ قُلْ
لَا أَجِدُ فِيمَا أوحى إِلَى محرما فِي رِوَايَة بن
مَرْدَوَيْهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
أَبِي الشعْثَاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ
أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ
وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ
حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا
حَرَّمَ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ
عَفْوٌ وَتَلَا هَذِه قل لَا أجد إِلَى آخِرِهَا
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا لِلْحِلِّ إِنَّمَا يَتِمُّ
فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِهِ وَقَدْ
تَوَارَدَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى
التَّحْرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى عُمُومِ التَّحْلِيلِ
وَعَلَى الْقِيَاسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي عَن
بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي النَّهْيِ عَنِ
الْحُمُرِ هَلْ كَانَ لِمَعْنًى خَاصٍّ أَوْ لِلتَّأْيِيدِ
فَفِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا
أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ
النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حُمُولَتُهُمْ أَوْ
حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهَذَا
التَّرَدُّدُ أَصَحُّ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْهُ
بِالْجَزْمِ بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا فِيمَا
أخرجه الطَّبَرَانِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شَقِيقِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ مَخَافَةَ قِلَّةِ الظَّهْرِ
وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي فِي
حَدِيث بن أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا
نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ نَهَى
(9/655)
عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ
الْعَذِرَةَ قُلْتُ وَقَدْ أَزَالَ هَذِهِ
الِاحْتِمَالَاتِ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تُخَمَّسْ أَوْ
كَانَتْ جَلَّالَةً أَوْ كَانَتِ انْتُهِبَتْ حَدِيثُ
أَنَسٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ هَذَا حَيْثُ جَاءَ فِيهِ
فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَكَذَا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ
فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَوْلُهُ
فَإِنَّهَا رِجْسٌ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى
الْحُمُرِ لِأَنَّهَا الْمُتَحَدَّثُ عَنْهَا الْمَأْمُورُ
بِإِكْفَائِهَا مِنَ الْقُدُورِ وَغَسْلِهَا وَهَذَا
حُكْمُ الْمُتَنَجِّسِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَحْرِيمُ
أَكْلِهَا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِعَيْنِهَا
لَا لِمَعْنًى خَارج وَقَالَ بن دَقِيق الْعِيد الْأَمر
بإكفاء الْقُدُور ظَاهِرٌ أَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ لَحْمِ
الْحُمُرِ وَقَدْ وَرَدَتْ عِلَلٌ أُخْرَى إِنْ صَحَّ
رَفْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لَكِنْ
لَا مَانِعَ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْ
عِلَّةٍ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ صَرِيحٌ فِي
التَّحْرِيمِ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ
بِخَشْيَةِ قِلَّةِ الظَّهْرِ فَأَجَابَ عَنْهُ
الطَّحَاوِيُّ بِالْمُعَارَضَةِ بِالْخَيْلِ فَإِنَّ فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنِ الْحُمُرِ وَالْإِذْنَ فِي
الْخَيْلِ مَقْرُونًا فَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ لِأَجْلِ
الْحَمُولَةِ لَكَانَتِ الْخَيْلُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ
لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ وَعِزَّتِهَا وَشِدَّةِ
حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ آيَةِ
الْأَنْعَامِ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَخَبَرُ التَّحْرِيمِ
مُتَأَخِّرٌ جِدًّا فَهُوَ مُقَدَّمٌ وَأَيْضًا فَنَصُّ
الْآيَةِ خَبَرٌ عَنِ الْحُكْمِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ
نُزُولِهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فِي
تَحْرِيمِ الْمَأْكُولِ إِلَّا مَا ذُكِرَ فِيهَا وَلَيْسَ
فِيهَا مَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ
مَا فِيهَا وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهَا فِي الْمَدِينَةِ
أَحْكَامٌ بِتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِيهَا
كَالْخَمْرِ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ وَفِيهَا أَيْضًا
تَحْرِيمُ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةِ إِلَى آخِرِهِ وَكَتَحْرِيمِ السِّبَاعِ
وَالْحَشَرَاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ بِتَحْرِيمِ
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ
الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمْ الا عَن بن
عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
ثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ غَالِبِ بْنِ الْحُرِّ
قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا
أُطْعِمُ أَهْلِي إِلَّا سِمَانَ حُمُرٍ فَأَتَيْتُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ إِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَقَدْ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ قَالَ أَطْعِمْ
أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا
مِنْ أَجْلِ حَوَالَيِ الْقَرْيَةِ يَعْنِي الْجَلَّالَةَ
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالْمَتْنُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ
لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
عَنْ أُمِّ نَصْرٍ الْمُحَارِبِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَلَيْسَ تَرْعَى
الْكَلَأَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأصب
من لحومها وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ
مِنْ بَنِي مُرَّةَ قَالَ سَأَلْتُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
فَفِي السَّنَدَيْنِ مَقَالٌ وَلَوْ ثَبَتَا احْتَمَلَ
أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ
لَوْ تَوَاتَرَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ لَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حِلَّهَا
لِأَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ مِنَ الْأَهْلِيِّ أُجْمِعَ
عَلَى تَحْرِيمِهِ إِذَا كَانَ وَحْشِيًّا كَالْخِنْزِيرِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّ الْحِمَارِ
الْوَحْشِيِّ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حِلَّ
الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ قُلْتُ مَا ادَّعَاهُ مِنَ
الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي نَظِيرِهِ مِنَ
الْحَيَوَانِ الْوَحْشِيِّ كَالْهِرِّ وَفِي الْحَدِيثِ
أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُطَهِّرُ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَجَّسَ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ
يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ
بِالْغَسْلِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالِامْتِثَالِ
بِالْمَرَّةِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا
وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ لِكَوْنِ
الصَّحَابَةِ أَقْدَمُوا عَلَى ذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا
كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُسْتَأْمَرُوا
مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى السُّؤَالِ عَمَّا
يُشْكِلُ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِأَمِيرِ الْجَيْشِ
تَفَقُّدُ أَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ وَمَنْ رَآهُ فَعَلَ مَا
لَا يَسُوغُ فِي الشَّرْعِ أَشَاعَ مَنْعَهُ إِمَّا
بِنَفْسِهِ كَأَنْ يُخَاطِبَهُمْ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ
بِأَنْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا فَيُنَادِيَ لِئَلَّا
يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ رَآهُ فَيَظُنَّهُ جَائِزًا
(9/656)
(قَوْلُهُ بَابُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ
مِنَ السِّبَاعِ)
لَمْ يُبَتَّ الْقَوْلُ بِالْحُكْمِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ
أَوْ لِلتَّفْصِيلِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ مِنَ
السِّبَاعِ يَأْتِي فِي الطِّبِّ بِلَفْظِ مِنَ السَّبْعِ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِفْرَادِ بَلْ هُوَ
اسْمُ جِنْسٍ وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فِي الطِّبِّ
أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى
أَتَيْتُ الشَّامَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ
عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو
إِدْرِيسَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ
وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ
عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ وَهُوَ مَدَنِيٌّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
طَرِيقِهِ وَلَفْظُهُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
فَأَكْلُهُ حَرَامٌ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيق
مَيْمُون بن مهْرَان عَن بن عَبَّاسٍ نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي
نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وكل ذِي مخلب من الطير والمخلب
بكسرالميم وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ
بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ لِلطَّيْرِ كَالظُّفُرِ
لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ وَأَغْلَظُ وَأَحَدُّ
فَهُوَ لَهُ كَالنَّابِ لِلسَّبْعِ وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ
بِهِ قَالَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُمُرَ الْإِنْسِيَّةَ وَلُحُومَ
الْبِغَالِ وَكُلَّ ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من
الطَّيْرِ وَمِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ
مِثْلُهُ وَزَادَ يَوْمَ خَيْبَرَ
[5530] قَوْلُهُ تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وبن
عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَقَدَّمَ
بَيَانُ مَنْ وصل أَحَادِيثهم فِي الْبَاب قبله الا بن
عُيَيْنَةَ فَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ
قَرِيبًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا
عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا
يَحْرُمُ وَحكى بن وهب وبن عبد الحكم عَن مَالك كالجمهور
وَقَالَ بن الْعَرَبِيّ الْمَشْهُور عَنهُ الْكَرَاهَة
وَقَالَ بن عبد الْبر اخْتلف فِيهِ على بن عَبَّاس
وَعَائِشَة وَجَابِر عَن بن عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قُلْ لَا أجد وَالْجَوَابُ
أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَحَدِيثُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ عَدَمُ تَحْرِيمِ غَيْرِ مَا ذُكِرَ
إِذْ ذَاكَ فَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُ مَا سَيَأْتِي وَعَنْ
بَعْضِهِمْ أَنَّ آيَةَ الْأَنْعَامِ خَاصَّةٌ بِبَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ قَبْلَهَا حِكَايَةٌ
عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ
أَشْيَاءَ مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ بأرائهم
فَنزلت الْآيَة قل لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَيّ محرما أَيْ
مِنَ الْمَذْكُورَاتِ إِلَّا الْمَيْتَةَ مِنْهَا
وَالدَّمَ الْمَسْفُوحَ وَلَا يَرِدُ كَوْنُ لَحْمِ
الْخِنْزِيرِ ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا قُرِنَتْ بِهِ
عِلَّةُ تَحْرِيمِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ رِجْسًا وَنَقَلَ
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ
بِخُصُوصِ السَّبَبِ إِذَا وَرَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْقِصَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْآيَةَ حَاصِرَةً
لِمَا يَحْرُمُ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ مَعَ وُرُودِ صِيغَةِ
الْعُمُومِ فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي
الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ
فَكَأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْآيَةِ إِبَانَةُ حَالِهِمْ
وَأَنَّهُمْ يُضَادُّونَ الْحَقَّ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا
حَرَامَ إِلَّا مَا حَلَلْتُمُوهُ مُبَالَغَةً فِي
الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَوْمٍ
أَنَّ آيَةَ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورَةَ نَزَلَتْ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَتَكُونُ نَاسِخَةً وَرُدَّ
بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ
الْعُلَمَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا مِنَ
الْآيَاتِ مِنَ الرَّدِّ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي
تَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوهُ مِنَ الْأَنْعَامِ
وَتَخْصِيصِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ بِآلِهَتِهِمْ إِلَى غَيْرِ
ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ
كُلُّهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْمُرَادِ
بِمَا لَهُ نَابٌ فَقِيلَ إِنَّهُ مَا يَتَقَوَّى بِهِ
وَيَصُولُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَصْطَادُ وَيَعْدُو
بِطَبْعِهِ غَالِبًا كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالصَّقْرِ
وَالْعُقَابِ وَأَمَّا مَا لَا يَعْدُو كَالضَّبُعِ
وَالثَّعْلَبِ فَلَا وَإِلَى
(9/657)
هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ
وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَقَدْ ورد فِي حمل الضَّبُعِ
أَحَادِيثُ لَا بَأْسَ بِهَا وَأَمَّا الثَّعْلَبُ
فَوَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ
عِنْد التِّرْمِذِيّ وبن ماجة وَلَكِن سَنَده ضَعِيف
(قَوْلُهُ بَابُ جُلُودِ الْمَيْتَة)
زَادَ فِي الْبُيُوعِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ فَقَيَّدَهُ
هُنَاكَ بِالدِّبَاغِ وَأَطْلَقَ هُنَا فَيُحْمَلُ
مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ
[5531] قَوْلُهُ عَنْ صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ قَوْلُهُ
مَرَّ بِشَاةٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَزَادَ فِي بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن بن
عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
مِنْ رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ
الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ
مَيْمُونَةُ نَعَمْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ من
طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أَخْبَرَتْهُ
قَوْلُهُ بِإِهَابِهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ
الْهَاءِ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ وَقِيلَ
هُوَ الْجِلْدُ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ وَجَمْعُهُ
أَهَبٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَيَجُوزُ بِضَمَّتَيْنِ زَادَ
مُسلم من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ هَلَّا أَخَذْتُمْ
إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ وَأخرج
مُسلم أَيْضا من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ
نَحْوَهُ قَالَ أَلَا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ
فانتفعوا بِهِ وَله شَاهد من حَدِيث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ قَوْلُهُ قَالُوا
إِنَّهَا مَيِّتَةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ
الْقَائِلِ قَوْلُهُ قَالَ إِنَّمَا حرم أكلهَا قَالَ بن
أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا لَا
يَفْهَمُ السَّامِعُ مَعْنَى مَا أَمَرَهُ كَأَنَّهُمْ
قَالُوا كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا وَقَدْ
حُرِّمَتْ عَلَيْنَا فَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ التَّحْرِيمِ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ
بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ حُرِّمَتْ
عَلَيْكُم الْميتَة وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا
فِي كُلِّ حَالٍ فَخَصَّتِ السُّنَّةُ ذَلِكَ بِالْأَكْلِ
وَفِيهِ حُسْنُ مُرَاجَعَتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ فِي
الْخِطَابِ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا مَعَانِيَ كَثِيرَةً فِي
كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُمْ إِنَّهَا مَيْتَةٌ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ الزُّهْرِيُّ بِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ
بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَدُبِغَ أَمْ
لَمْ يُدْبَغْ لَكِنْ صَحَّ التَّقْيِيدُ مِنْ طُرُقٍ
أُخْرَى بِالدِّبَاغِ وَهِيَ حُجَّةُ الْجُمْهُورِ
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَيْتَاتِ الْكَلْبَ
وَالْخِنْزِيرَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا لِنَجَاسَةِ
عَيْنِهَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَبُو يُوسُفَ
وَدَاوُدُ شَيْئًا أَخْذًا بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَهِيَ
رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ أخرج مُسلم من حَدِيث بن
عَبَّاسٍ رَفْعَهُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ
وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ
طَهُرَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا وَلَمْ يَسُقْ
لَفْظَهَا فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِاللَّفْظِ
الْمَذْكُورِ وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
عَنِ بن عَبَّاسٍ سَأَلْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ دِبَاغُهُ
طُهُورُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
قَالَ دِبَاغُ الْأَدِيمِ طُهُورُهُ وَجَزَمَ
الرَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ هَذَا
اللَّفْظَ وَرَدَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ وَلَكِنْ لَمْ
أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا مَعَ قُوَّةِ الِاحْتِمَالِ
فِيهِ لِكَوْنِ الْجَمِيعِ مِنْ رِوَايَةِ
(9/658)
بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ
بِخُصُوصِ هَذَا السَّبَبِ فَقَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى
الْمَأْكُولِ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي الشَّاةِ
وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ
الدِّبَاغَ لَا يَزِيدُ فِي التَّطْهِيرِ عَلَى الذَّكَاةِ
وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَوْ ذُكِّيَ لَمْ يَطْهُرْ
بِالذَّكَاةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ
وَأَجَابَ مَنْ عَمَّمَ بِالتَّمَسُّكِ بِعُمُومِ
اللَّفْظِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ
وَبِعُمُومِ الْإِذْنِ بِالْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ
الْحَيَوَانَ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ
فَكَانَ الدِّبَاغُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَائِمًا لَهُ
مَقَامَ الْحَيَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَهَبَ قَوْمٌ
إِلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ
سَوَاءٌ دُبِغَ الْجِلْدُ أَمْ لَمْ يُدْبَغْ
وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ
قَالَ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا
مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ أَخْرَجَهُ
الشَّافِعِيُّ وَأحمد وَالْأَرْبَعَة وَصَححهُ بن حِبَّانَ
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ
لِلشَّافِعِيِّ وَلِأَحْمَدَ وَلِأَبِي دَاوُدَ قَبْلَ
مَوْتِهِ بِشَهْرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَانَ أَحْمَدُ
يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ هَذَا آخِرُ الْأَمْرِ ثُمَّ
تَرَكَهُ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ وَكَذَا
قَالَ الْخلال نَحوه ورد بن حِبَّانَ عَلَى مَنِ ادَّعَى
فِيهِ الِاضْطِرَابَ وَقَالَ سمع بن عُكَيْمٍ الْكِتَابَ
يُقْرَأُ وَسَمِعَهُ مِنْ مَشَايِخَ مِنْ جُهَيْنَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا
اضْطِرَابَ وَأَعَلَّهُ بَعْضُهُمْ بِالِانْقِطَاعِ وَهُوَ
مَرْدُودٌ وَبَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ كِتَابًا وَلَيْسَ
بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ وَبَعْضُهُمْ بَان بن أبي ليلى
رَاوِيه عَن بن عُكَيْمٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ لِمَا
وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ أَنَّهُ انْطَلَقَ
وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ
فَدَخَلُوا وَقَعَدْتُ عَلَى الْبَابِ فَخَرَجُوا إِلَيَّ
فَأَخْبَرُونِي فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ فِي السَّنَدِ
مَنْ لَمْ يُسَمَّ وَلَكِنْ صَحَّ تَصْرِيحُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى بِسَمَاعِهِ من بن عُكَيْمٍ
فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ أَيْضًا وَأَقْوَى مَا
تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِهِ
مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَأَنَّهَا
عَنْ سَمَاعٍ وَهَذَا عَنْ كِتَابَةٍ وَأَنَّهَا أَصَحُّ
مَخَارِجَ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْإِهَابِ عَلَى الْجِلْدِ
قَبْلَ الدِّبَاغِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا
يُسَمَّى إِهَابًا إِنَّمَا يُسَمَّى قِرْبَةً وَغَيْرَ
ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ
كالنضر بن شُمَيْل وَهَذِه طَريقَة بن شاهين وبن عَبْدِ
الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَأَبْعَدَ مَنْ جَمَعَ
بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى جِلْدِ الْكَلْبِ
وَالْخِنْزِيرِ لِكَوْنِهِمَا لَا يُدْبَغَانِ وَكَذَا
مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى بَاطِنِ الْجِلْدِ
وَالْإِذْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ
بَعْضِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُكَيْمٍ سَنَةٌ وَهُوَ كَلَامٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ كَانَ
رَجُلًا
[5532] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ
الْفَوْزِيُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ
بَعْدَهَا زَايٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ بِكَسْرِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ
التَّحْتَانِيَّةِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَهُ بِالتَّصْغِيرِ
وَهُوَ قُضَاعِيٌّ حِمْصِيٌّ وَكَذَا شَيْخُهُ وَالرَّاوِي
عَنْهُ حِمْصِيُّونَ مَا لَهُمْ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى
هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ حِمْيَرَ وَلَهُ
آخَرُ سَبَقَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَمَّا
ثَابِتٌ فَوَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَدُحَيْمٌ وَقَالَ
أَحْمَدُ أَنَا أَتَوَقَّفُ فِيهِ وسَاق لَهُ بن عدي
ثَلَاثَة أَحَادِيث غرائب وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا
يُتَابِعُ فِي حَدِيثِهِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بن حمير فوثقه
أَيْضا بن مَعِينٍ وَدُحَيْمٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا
يُحْتَجُّ بِهِ وَأما خطاب فوثقه الدَّارَقُطْنِيّ وبن
حِبَّانَ لَكِنْ قَالَ رُبَّمَا أَخْطَأَ فَهَذَا
الْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُتَابَعَاتِ
لَا مِنَ الْأُصُولِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ خُرُوجُ الْحَدِيثِ عَنِ
الْغَرَابَةِ وَقَدِ ادَّعَى الْخَطِيبُ تَفَرُّدَ
هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ بِهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ
مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ
الْحَرَّانِيِّ حَدَّثَنَا جَدِّي خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ
بِهِ هَذَا حَدِيثٌ عَزِيزٌ ضَيِّقُ الْمَخْرَجِ انْتَهَى
وَقَدْ وَجَدْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرَ فِيهِ
مُتَابِعًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّد الصغائي عَنْ ثَابِتِ بْنِ
عَجْلَانَ وَوَجَدْتُ لِخَطَّابٍ فِيهِ مُتَابِعًا
أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ
بْنِ بَحْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرَ وَلِابْنِ
عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْمَعْنَى سَيَأْتِي فِي
الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ
عَنْ سَوْدَةَ قَالَتْ مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا
مَسْكَهَا الْحَدِيثَ وَالْمَسْكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ
وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْجِلْدُ وَهَذَا غَيْرُ حَدِيثِ
الْبَابِ جَزْمًا وَهُوَ مِمَّا يَتَأَيَّدُ بِهِ مَنْ
زَادَ ذِكْرَ الدِّبَاغِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ مُطَوَّلًا مِنْ
(9/659)
طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ مَاتَتْ شَاةٌ
لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَاتَتْ فُلَانَةُ فَقَالَ فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا
فَقَالَتْ نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ فَقَالَ
إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ قُلْ لَا أجد فِيمَا أُوحِيَ
إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا ان
يكون ميتَة الْآيَةَ وَإِنَّكُمْ لَا تُطْعِمُونَهُ إِنْ
تَدْبُغُوهُ تَنْتَفِعُوا بِهِ قَالَ فَأَرْسَلَتْ
إِلَيْهَا فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ فَاتَّخَذَتْ
مِنْهُ قِرْبَةً الْحَدِيثَ قَوْلُهُ بِعَنْزٍ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا زَايٌ هِيَ
الْمَاعِزَةُ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ وَلَا
يُنَافِي رِوَايَةَ سِمَاكٍ مَاتَتْ شَاةٌ لِأَنَّهُ
يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَاةٌ كالضأن
(قَوْلُهُ بَابُ الْمِسْكِ بِكَسْرِ الْمِيمِ)
الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ
ذِكْرِهِ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ فَضْلَةٌ مِنَ
الظَّبْيِ قُلْتُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْبَابِ الَّذِي
قَبْلَهُ وَهُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَ
تَطْهَّرَ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ قَالَ الْجَاحِظُ هُوَ مِنْ
دُوَيْبَةٍ تَكُونُ فِي الصِّينِ تُصَادُ لِنَوَافِجِهَا
وَسُرُرِهَا فَإِذَا صِيدَتْ شُدَّتْ بِعَصَائِبَ وَهِيَ
مُدْلِيَةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا دَمُهَا فَإِذَا ذُبِحَتْ
قُوِّرَتِ السُّرَّةُ الَّتِي عُصِبَتْ وَدُفِنَتْ فِي
الشَّعْرِ حَتَّى يَسْتَحِيلَ ذَلِكَ الدَّمُ
الْمُخْتَنِقُ الْجَامِدُ مِسْكًا ذَكِيًّا بَعْدَ أَنْ
كَانَ لَا يُرَامُ مِنَ النَّتْنِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الْقَفَّالُ إِنَّهَا تَنْدَبِغُ بِمَا فِيهَا مِنَ
الْمِسْكِ فَتَطْهُرُ كَمَا يَطْهُرُ غَيْرُهَا مِنَ
الْمَدْبُوغَاتِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ غَزَالَ الْمِسْكِ
كَالظَّبْيِ لَكِنْ لَوْنُهُ أَسْوَدُ وَلَهُ نَابَانِ
لَطِيفَانِ أَبْيَضَانِ فِي فَكِّهِ الْأَسْفَلِ وَأَنَّ
الْمِسْكَ دَمٌ يَجْتَمِعُ فِي سُرَّتِهِ فِي وَقْتٍ
مَعْلُومٍ مِنَ السَّنَةِ فَإِذَا اجْتَمَعَ وَرِمَ
الْمَوْضِعُ فَمَرِضَ الْغَزَالُ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ
مِنْهُ وَيُقَالُ إِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ
يَجْعَلُونَ لَهَا أَوْتَادًا فِي الْبَرِّيَّةِ تَحْتَكُّ
بِهَا لِيَسْقُطَ وَنَقَلَ بن الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ
الْوَسِيطِ أَنَّ النَّافِجَةَ فِي جَوْفِ الظَّبْيَةِ
كَالْإِنْفَحَةِ فِي جَوْفِ الْجَدْيِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ
مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُلْقِيهَا
مِنْ جَوْفِهَا كَمَا تُلْقِي الدَّجَاجَةُ الْبَيْضَةَ
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا تُلْقِيهَا مِنْ
سُرَّتِهَا فَتَتَعَلَّقُ بِهَا إِلَى أَنْ تَحْتَكَّ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِسْكَ
طَاهِرٌ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنِ الشِّيعَةِ
فِيهِ مَذْهَبًا بَاطِلًا وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ
الْقَاعِدَةِ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ اه
وَحكى بن التِّين عَن بن شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
أَنَّ فَأْرَةَ الْمِسْكِ إِنَّمَا تُؤْخَذُ فِي حَالِ
الْحَيَاةِ أَوْ بِذَكَاةِ مَنْ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ
مِنَ الْكَفَرَةِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ
بِطَهَارَتِهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِيلُ عَنْ كَوْنِهَا
دَمًا حَتَّى تَصِيرَ مِسْكًا كَمَا يَسْتَحِيلُ الدَّمُ
إِلَى اللَّحْمِ فَيَطْهُرَ وَيَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَيْسَتْ
بِحَيَوَانٍ حَتَّى يُقَالَ نَجِسَتْ بِالْمَوْتِ
وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَحْدُثُ بِالْحَيَوَانِ
كَالْبِيضِ وَقَدْ أَجْمَعَ
(9/660)
الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ
إِلَّا مَا حُكِيَ عَن عمر من كَرَاهَته وَكَذَا حكى بن
الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ
الْمَنْعُ فِيهِ إِلَّا عَنْ عَطَاءٍ بِنَاءً عَلَى
أَنَّهُ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي
أَثْنَاءِ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمِسْكُ
أَطْيَبُ الطِّيبِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُقْتَصِرًا
مِنْهُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ
[5533] قَوْلُهُ مَا مِنْ مَكْلُومٍ أَيْ مَجْرُوحٍ
وَكَلْمُهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ يَدْمَى
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ
هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ قَالَ
النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اخْتِصَاصُهُ بِمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي قِتَالِ
الْكُفَّارِ لَكِنْ يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ قُتِلَ فِي
حَرْبِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ
الْمَعْرُوفِ لِاشْتَرَاكِ الْجَمِيعِ فِي كَوْنِهِمْ
شُهَدَاء وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَصْلُ الْحَدِيثِ
فِي الْكُفَّارِ وَيَلْتَحِقُ هَؤُلَاءِ بِهِمْ
بِالْمَعْنَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي دُخُولِ مَنْ
قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ صَوْنَ مَالِهِ
بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ وَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيثِ
إِلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُخْلِصِ حَيْثُ قَالَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْإِخْلَاصُ مَعَ
إِرَادَةِ صَوْنِ الْمَالِ كَأَنْ يَقْصِدَ بِقِتَالِ مَنْ
أَرَادَ أَخَذَهُ مِنْهُ صَوْنَ الَّذِي يُقَاتِلُهُ عَنِ
ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ
بِالدَّفْعِ وَلَا يُمَحَّضُ الْقَصْدُ لِصَوْنِ الْمَالِ
فَهُوَ كَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ
الْعُلْيَا مَعَ تشوقه إِلَى الْغَنِيمَة قَالَ بن
الْمُنِيرِ وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ وَكَذَا بِالَّذِي
بَعْدَهُ وُقُوعُ تَشْبِيهِ دَمِ الشَّهِيدِ بِهِ
لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ التَّكْرِيمِ وَالتَّعْظِيمِ فَلَوْ
كَانَ نَجِسًا لَكَانَ مِنَ الْخَبَائِثِ وَلَمْ يَحْسُنِ
التَّمْثِيلُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي الْجَلِيسِ الصَّالِحِ
فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ وَقَوْلُهُ
[5534] فِيهِ يُحْذِيَكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَمُهْمَلَةٍ
سَاكِنَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَة أَي يعطيك وزنا
وَمعنى
(قَوْلُهُ بَابُ الْأَرْنَبِ)
هُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقِ لَكِنْ
فِي رِجْلَيْهَا طُولٌ بِخِلَافِ يَدَيْهَا وَالْأَرْنَبُ
اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُقَالُ
لِلذَّكَرِ أَيْضًا الْخُزَزُ وَزْنَ عُمَرَ بِمُعْجَمَاتٍ
وَلِلْأُنْثَى عِكْرِشَةٌ وَلِلصَّغِيرِ خِرْنَقٌ بِكَسْرِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ
بَعْدَهَا قَافٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ
الْجَاحِظُ لَا يُقَالُ أَرْنَبٌ إِلَّا لِلْأُنْثَى
وَيُقَالُ إِنَّ الْأَرْنَبَ شَدِيدَةُ الْجُبْنِ
كَثِيرَةُ الشَّبَقِ وَأَنَّهَا تَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا
وَسَنَةً أُنْثَى وَأَنَّهَا تَحِيضُ وَسَأَذْكُرُ مَنْ
خَرَّجَهُ وَيُقَالُ إِنَّهَا تَنَامُ مَفْتُوحَةَ
الْعَيْنِ
[5535] قَوْلُهُ أَنْفَجْنَا بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ
سَاكِنَةٍ أَيْ أَثَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
اسْتَنْفَجْنَا وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ يُقَالُ نَفَجَ
الْأَرْنَبُ إِذَا ثَارَ وَعَدَا وَانْتَفَجَ كَذَلِكَ
وَأَنْفَجْتُهُ إِذَا أَثَّرْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ
وَيُقَالُ إِنَّ الِانْتِفَاجَ الِاقْشِعْرَارُ فَكَأَنَّ
الْمَعْنَى جَعَلْنَاهَا بِطَلَبِنَا لَهَا تَنْتَفِجُ
وَالِانْتِفَاجُ أَيْضًا ارْتِفَاعُ الشَّعْرِ
وَانْتِفَاشُهُ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
لِلْمَازِرِيِّ بَعَجْنَا بِمُوَحَّدَةٍ وَعَيْنٍ
مَفْتُوحَةٍ وَفَسَّرَهُ بِالشَّقِّ مِنْ بَعَجَ بَطْنَهُ
إِذَا شَقَّهُ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ
وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ مِنْ سِيَاقِ الْخَبَرِ
لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي طَلَبِهَا بعد ذَلِك
فَلَو كَانُوا شَقُّوا بَطْنَهَا كَيْفَ كَانُوا
يَحْتَاجُونَ إِلَى السَّعْيِ خَلْفَهَا قَوْلُهُ بِمَرِّ
الظَّهْرَانِ مَرِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ
الرَّاءِ وَالظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ بِلَفْظِ
تَثْنِيَةِ الظَّهْرِ اسْمُ مَوْضِعٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ
مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ يُسَمَّى بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ
تَخْفِيفًا وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي
(9/661)
تُسَمِّيهِ عَوَامُّ الْمِصْرِيِّينَ
بَطْنُ مَرْوَ وَالصَّوَابُ مَرُّ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ
قَوْلُهُ فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا بِمُعْجَمَةٍ
وَمُوَحَّدَةٍ أَيْ تَعِبُوا وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ
وَوَقَعَ بِلَفْظِ تَعِبُوا فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ بَيَانُ مَا
وَقَعَ لِلدَّاوُدِيِّ فِيهِ مِنْ غَلَطٍ قَوْلُهُ
فَأَخَذْتُهَا زَادَ فِي الْهِبَةِ فَأَدْرَكْتُهَا
فَأَخَذْتُهَا وَلِمُسْلِمٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى
أَدْرَكْتُهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ وَكُنْتُ غُلَامًا
حَزَوَّرًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ
وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَيَجُوزُ
سُكُونُ الزَّايِ وَتَخْفِيفُ الْوَاوِ وَهُوَ
الْمُرَاهِقُ قَوْلُهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زَوْجُ
أُمِّهِ قَوْلُهُ فَذَبَحَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ
الطَّيَالِسِيِّ بِمَرْوَةَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ
حَمَّادٍ الْمَذْكُورَةِ فَشَوَيْتُهَا قَوْلُهُ فَبَعَثَ
بِوَرِكَيْهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا هُوَ شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ
الْهِبَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ بِعَجُزِهَا
قَوْلُهُ فَقَبِلَهَا أَيِ الْهَدِيَّةَ وَتَقَدَّمَ فِي
الْهِبَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قُلْتُ وَأَكَلَ مِنْهُ
قَالَ وَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ فَقَبِلَهُ
وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ فِيهِ فَأَكَلَهُ قُلْتُ أَكَلَهُ قَالَ
قَبِلَهُ وَهَذَا التَّرْدِيدُ لَهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ
وَقَّفَ جَدُّهُ أَنَسًا عَلَى قَوْلِهِ أَكَلَهُ
فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْجَزْمِ بِهِ وَجَزَمَ
بِالْقَبُولِ وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْنَبٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ
فَخَبَّأَ لِي مِنْهَا الْعَجُزَ فَلَمَّا قُمْتُ
أَطْعَمَنِي وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ
أَكَلَ مِنْهَا لَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَوَقَعَ فِي
الْهِدَايَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنَ الْأَرْنَبِ حِينَ
أُهْدِيَ إِلَيْهِ مَشْوِيًّا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ
بِالْأَكْلِ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ
حَدِيثَيْنِ فَأَوَّلُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ
ظَهَرَ مَا فِيهِ وَالْآخَرُ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ قَدْ
شَوَاهَا فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمْسَكَ وَأَمَرَ
أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا
أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ
الْأَرْنَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا
مَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِنَ
التَّابِعِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنَ
الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْأَرْنَبِ
قَالَ لَا آكله وَلَا أحرمهُ قلت فَإِنِّي آكُلُ مَا لَا
تُحَرِّمُهُ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نُبِّئْتُ
أَنَّهَا تَدْمَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا
سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بعده وَلَهُ
شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ جِيءَ
بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا زَعَمَ أَنَّهَا
تَحِيضُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ
عُمَرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
حَرَّمَهَا وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا جَوَازُ
اسْتِثَارَةِ الصَّيْدِ وَالْغُدُوِّ فِي طَلَبِهِ
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ مَنِ اتَّبَعَ
الصَّيْدَ غَفَلَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَاظَبَ
عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ
الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ
آخِذَ الصَّيْدِ يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ وَلَا يُشَارِكهُ
من اثاره مَعَهُ وَفِيهِ هَدِيَّةُ الصَّيْدِ وَقَبُولُهَا
مِنَ الصَّائِدِ وَإِهْدَاءُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ
الْكَبِيرَ الْقَدْرِ إِذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ الرِّضَا
بِذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ يَتَصَرَّفُ
فِيمَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ وَفِيهِ
اسْتِثْبَاتُ الطَّالِبِ شَيْخَهُ عَمَّا يَقَعُ فِي
حَدِيثِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَضْبِطَهُ كَمَا
وَقَعَ لَهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ مَعَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ
(9/662)
(قَوْلُهُ بَابُ الضَّبِّ)
هُوَ دُوَيْبَةٌ تُشْبِهُ الْجِرْذَوْنَ لَكِنَّهُ
أَكْبَرُ مِنَ الْجِرْذَوْنِ وَيُكَنَّى أَبَا حِسْلٍ
بِمُهْمَلَتَيْنِ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ سَاكِنَةٍ وَيُقَالُ
لِلْأُنْثَى ضَبَّةٌ وَبِهِ سُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ
وَبِالْخِيفِ مِنْ مِنًى جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ ضَبٌّ
وَالضَّبُّ دَاءٌ فِي خُفِّ الْبَعِيرِ وَيُقَالُ إِنَّ
لِأَصْلِ ذَكَرِ الضَّبِّ فَرْعَيْنِ وَلِهَذَا يُقَال
لَهُ ذكران وَذكر بن خَالَوَيْهِ أَنَّ الضَّبَّ يَعِيشُ
سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ
وَيَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَطْرَةً وَلَا
يَسْقُطُ لَهُ سِنٌّ وَيُقَالُ بَلْ أَسْنَانُهُ قِطْعَةٌ
وَاحِدَةٌ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ أَكْلَ لَحْمِهِ
يُذْهِبُ الْعَطَشَ وَمِنَ الْأَمْثَالِ لَا أَفْعَلُ
كَذَا حَتَّى يَرِدَ الضَّبُّ يَقُولُهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ
لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ لِأَنَّ الضَّبَّ لَا يَرِدُ بَلْ
يَكْتَفِي بِالنَّسِيمِ وَبَرْدِ الْهَوَاءِ وَلَا
يَخْرُجُ مِنْ جُحْرِهِ فِي الشِّتَاءِ وَذَكَرَ المُصَنّف
فِي الْبَاب حديثين الأول حَدِيث بن عُمَرَ
[5536] قَوْلُهُ الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا
أُحَرِّمُهُ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ
سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أحرمهُ وَمن طَرِيق
نَافِع عَن بن عُمَرَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي رِوَايَةِ
عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهَذَا
السَّائِلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خُزَيْمَةَ بْنَ
جَزْءٍ فَقَدْ أَخْرَجَ بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ قُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فَقَالَ لَا آكُلُهُ
وَلَا أُحَرِّمُهُ قَالَ قُلْتُ فَإِنِّي آكُلُ مَا لَمْ
تُحَرِّمْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَجُلٌ
يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ مُضِبَّةٍ فَمَا
تَأْمُرُنَا قَالَ ذُكِرَ لي أَن أمة من بني إِسْرَائِيل
مسخت فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ وَقَوْلُهُ مُضِبَّةٌ
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَثِيرَةُ
الضِّبَابِ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِثَابِتِ
بْنِ وَدِيعَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ أَصَبْتُ ضِبَابًا
فَشَوَيْتُ مِنْهَا ضَبًّا فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ
عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ
أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي
الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيُّ الدَّوَابِّ هِيَ
فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ
الْحَدِيثُ الثَّانِي
[5537] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَي بن
حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلِأَبِيهِ
صُحْبَةٌ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي أَوَائِلِ
الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بن يزِيد عَن بن
شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ قَوْلُهُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيد
فِي رِوَايَة يُونُس الْمَذْكُورَة أَن بن عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ
لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا
اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ هَلْ هُوَ من مُسْند
بن عَبَّاسٍ أَوْ مِنْ مُسْنَدِ خَالِدٍ وَكَذَا اخْتُلِفَ
فِيهِ على مَالك فَقَالَ الْأَكْثَر عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ
خَالِدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ
وَطَائِفَةٌ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ
وَخَالِدٍ أَنَّهُمَا دَخَلَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يحيى
التَّمِيمِي عَن مَالك بِلَفْظ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ
دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدٌ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ وَكَذَا
أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أُتِيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ
(9/663)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ
مَعْمَرٍ كَالْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ
الْأَطْعِمَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِه الرِّوَايَات أَن
بن عَبَّاسٍ كَانَ حَاضِرًا لِلْقِصَّةِ فِي بَيْتِ
خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي إِحْدَى
الرِّوَايَاتِ وَكَأَنَّهُ اسْتَثْبَتَ خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ الَّذِي كَانَ
بَاشَرَ السُّؤَالَ عَنْ حكم الضَّب وباشر أكله أَيْضا
فَكَانَ بن عَبَّاسٍ رُبَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُ
ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَ بِهِ
عَنْ أَبِي إِمَامَة بن سهل عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أُتِيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي
بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
بِلَحْمِ ضَبٍّ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا
رَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ خَالِدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ
قَوْلُهُ إِنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَادَ
يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ بن
عَبَّاسٍ قُلْتُ وَاسْمُ أُمِّ خَالِدٍ لُبَابَةُ
الصُّغْرَى وَاسم أم بن عَبَّاسٍ لُبَابَةُ الْكُبْرَى
وَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ الْفَضْلِ بِابْنِهَا الْفَضْلِ
بْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا أُخْتَا مَيْمُونَةَ وَالثَّلَاثُ
بَنَاتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ
وَسُكُونِ الزَّايِ الْهِلَالِيِّ قَوْلُهُ فَأُتِيَ
بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ
مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ مَشْوِيٌّ
بِالْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
مَعْمَرٍ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ وَالْمَحْنُوذُ أَخَصُّ
وَالْحَنِيذُ بِمَعْنَاهُ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ
قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ
وَفَاءٍ مُصَغَّرٌ وَمَضَى فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير
أَنَّ أُمَّ حُفَيْدَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ
خَالَة بن عَبَّاسٍ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا وَفِي
رِوَايَةِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عِنْد الطَّحَاوِيِّ جَاءَتْ أُمُّ حُفَيْدَةَ
بِضَبٍّ وَقُنْفُذٍ وَذِكْرُ الْقُنْفُذِ فِيهِ غَرِيبٌ
وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهَا هزبلة بِالتَّصْغِيرِ وَهِيَ
رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّ لَهَا
اسْمَيْنِ أَوِ اسْمٌ وَلَقَبٌ وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ
الْعُمْدَةِ فِي اسْمِهَا حُمَيْدَةُ بِمِيمٍ وَفِي
كُنْيَتِهَا أُمُّ حُمَيْدٍ بِمِيمٍ بِغَيْرِ هَاءٍ وَفِي
رِوَايَةٍ بِهَاءٍ وَبِفَاءٍ وَلَكِنْ بِرَاءٍ بَدَلَ
الدَّالِ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْحَاءِ بِغَيْرِ
هَاءٍ وَكُلُّهَا تَصْحِيفَاتٌ قَوْلُهُ فَأَهْوَى زَادَ
يُونُسُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قُلْ مَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى
يُسَمَّى لَهُ وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ يزِيد بن
الْحَوْتَكِيَّةِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ يُهْدِيهَا إِلَيْهِ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَأْكُلُ مِنَ الْهَدِيَّةِ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا
فَيَأْكُلَ مِنْهَا مِنْ أَجْلِ الشَّاةِ الَّتِي
أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ بِخَيْبَرَ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ
حَسَنٌ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ أَخْبِرُوا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا
يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالُوا هُوَ ضَبٌّ فِي رِوَايَةِ
يُونُسَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ
أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَرَادَتْ أَنَّ
غَيْرَهَا يُخْبِرُهُ فَلَمَّا لَمْ يُخْبِرُوا بَادَرَتْ
هِيَ فَأَخْبَرَتْ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ
الْوَاحِدِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَن بن عُمَرَ قَالَ
كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ يَعْنِي بن أَبِي
وَقَّاصٍ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ
فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ
طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَم عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ
بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهَا الْفَضْلُ
بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ
أُخْرَى إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ
فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ إِنَّهُ
لَحْمُ ضَبٍّ فَكَفَّ يَدَهُ وَعُرِفَ بِهَذِهِ
الرِّوَايَةِ اسْمُ الَّتِي أُبْهِمَتْ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ أَخْبِرُوا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
هُوَ قَوْلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ زَادَ يُونُسُ عَنِ
الضَّبِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ
الضَّبِّ مِمَّا كَانَ قُدِّمَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الضَّبِّ
كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ غَيْرُ الضَّبِّ
وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير عَن بن
عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ قَالَ
فَأَكَلَ الْأَقِطَ وَشَرِبَ اللَّبَنَ قَوْلُهُ لَمْ
يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ
الْأَصَمِّ هَذَا لحم لم آكله قطّ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ
اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ
يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي بِأَنَّ الضِّبَابَ كَثِيرَةٌ
بِأَرْض الْحجاز
(9/664)
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانَ
أَرَادَ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ فَقَدْ كَذَبَ هُوَ فَإِنَّهُ
لَيْسَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ ذُكِرَتْ
لَهُ بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْ حدثت بعد ذَلِك وَكَذَا أنكر
بن عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُونَ
بِبِلَادِ الْحِجَازِ شَيْءٌ مِنَ الضِّبَابِ قُلْتُ وَلَا
يُحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا بَلِ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْض قومِي
قُريْشًا فَقَطْ فَيَخْتَصُّ النَّفْيُ بِمَكَّةَ وَمَا
حَوْلَهَا وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً
بِسَائِرِ بِلَادِ الْحِجَازِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ
يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ دَعَانَا عَرُوسٌ
بِالْمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ
ضَبًّا فَآكِلٌ وَتَارِكٌ الْحَدِيثَ فَبِهَذَا يُدَلُّ
عَلَى كَثْرَةِ وِجْدَانِهَا بِتِلْكَ الدِّيَارِ قَوْلُهُ
فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ
خَفِيفَةٍ أَيْ أَتَكَرَّهُ أَكْلَهُ يُقَالُ عِفْتُ
الشَّيْءَ أَعَافُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ فَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ وَلَوْ كُنَّ
حَرَامًا لَمَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَا أَمَرَ
بِأَكْلِهِنَّ كَذَا أَطْلَقَ الْأَمْرَ وَكَأَنَّهُ
تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِذْنِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ
التَّقْرِيرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ
طُرُقِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ إِلَّا
فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ
فَإِنَّ فِيهَا فَقَالَ لَهُمْ كُلُوا فَأَكَلَ الْفَضْلُ
وَخَالِدٌ وَالْمَرْأَةُ وَكَذَا فِي رِوَايَة الشّعبِيّ
عَن بن عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ أَوْ
قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ طَعَامِي وَفِي
هَذَا كُلِّهِ بَيَانُ سَبَبِ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ
مَا اعْتَادَهُ وَقَدْ وَرَدَ لِذَلِكَ سَبَبٌ آخَرُ
أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ مُرْسَلِ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِي
آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَلَّا يَعْنِي لخَالِد وبن عَبَّاسٍ فَإِنَّنِي
يَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حَاضِرَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ
يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَكَأَنَّ لِلَّحْمِ الضَّبِّ
رِيحًا فَتَرَكَ أَكْلَهُ لِأَجْلِ رِيحِهِ كَمَا تَرَكَ
أَكْلَ الثُّومِ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا قُلْتُ وَهَذَا
إِنْ صَحَّ يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ وَيَكُونُ
لِتَرْكِهِ الْأَكْلَ مِنَ الضَّبِّ سَبَبَانِ قَوْلُهُ
قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ بِجِيمٍ وَرَائَيْنِ هَذَا
هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَضَبَطَهُ
بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُهَذَّبِ بِزَايٍ قَبْلَ الرَّاءِ
وَقَدْ غَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ يَنْظُرُ زَادَ
يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ إِلَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ أَكْلِ الضَّبِّ وَحَكَى
عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ
كَرَاهَتَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ لَا
أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ
مَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وباجماع من قبله قلت قد نَقله بن
الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ فَأَيُّ إِجْمَاعٍ يَكُونُ مَعَ
مُخَالَفَتِهِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ
بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي
مَعَانِي الْآثَارِ كَرِهَ قَوْمٌ أَكْلَ الضَّبِّ
مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ قَالَ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ
عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ ضَبٌّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَامَ
عَلَيْهِمْ سَائِلٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُعْطِيَهُ
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتُعْطِينَهُ مَا لَا تَأْكُلِينَ قَالَ
الطَّحَاوِيُّ مَا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ
لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَافَتْهُ فَأَرَادَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا
يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ إِلَّا مِنْ خَيْرِ
الطَّعَامِ كَمَا نَهَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِالتَّمْرِ
الرَّدِيءِ اه وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الضَّبِّ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فَإِنَّهُ مِنْ
رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ
زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي رَاشِدِ
الْحَبْرَانِيِّ عَنْ عبد الرَّحْمَن بن شبْل وَحَدِيث بن
عَيَّاشٍ عَنِ الشَّامِيِّينَ قَوِيٌّ وَهَؤُلَاءِ
شَامِيُّونَ ثِقَاتٌ وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ
الْخَطَّابِيِّ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ وَقَول بن
حَزْمٍ فِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجْهُولُونَ وَقَوْلُ
الْبَيْهَقِيِّ تَفَرَّدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ
وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ بن الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ
فَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَسَاهُلٌ لَا يَخْفَى فَإِنَّ
رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّامِيِّينَ قَوِيَّةٌ
عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ
بَعْضَهَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ نَزَلْنَا أَرْضًا
كَثِيرَةَ الضِّبَابِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُمْ
طَبَخُوا مِنْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ
هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ بن
حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ
(9/665)
الشَّيْخَيْنِ إِلَّا الضَّحَّاكَ فَلَمْ
يُخَرِّجَا لَهُ وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَوَافَقَهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ
وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَوَكِيعٌ فِي آخِرِهِ
فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاس قد اشتووها وأكلوها فَلَمْ
يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ
الْمَاضِيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْحِلِّ تَصْرِيحًا
وَتَلْوِيحًا نَصًّا وَتَقْرِيرًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ هَذَا حَمَلَ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ
الْحَالِ عِنْدَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا مُسِخَ
وَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ
تَوَقَّفَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ
وَحُمِلَ الْإِذْنُ فِيهِ عَلَى ثَانِي الْحَالِ لِمَا
عُلِمَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ
ذَلِكَ كَانَ يَسْتَقْذِرُهُ فَلَا يَأْكُلُهُ وَلَا
يُحَرِّمُهُ وَأَكَلَ عَلَى مَائِدَتِهِ فَدَلَّ عَلَى
الْإِبَاحَةِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ فِي
حَقِّ مَنْ يَتَقَذَّرُهُ وَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ
الْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَتَقَذَّرُهُ وَلَا يَلْزَمُ
مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطلقًا وَقد افهم كَلَام بن
الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي حَقِّ مَنْ
يَتَقَذَّرُهُ لِمَا يَتَوَقَّعُ فِي أَكْلِهِ مِنَ
الضَّرَرِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا وَوَقَعَ فِي
حَدِيثِ يزِيد بن الْأَصَم أخْبرت بن عَبَّاسٍ بِقِصَّةِ
الضَّبِّ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ حَتَّى قَالَ
بَعْضُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أحرمهُ
فَقَالَ بن عَبَّاسٍ بِئْسَ مَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ
نَبِيُّ اللَّهِ إِلَّا مُحَرِّمًا أَوْ مُحَلِّلًا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ بن الْعَرَبِيّ ظن بن عَبَّاسٍ
أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا آكُلُهُ أَرَادَ لَا أُحِلُّهُ
فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ قِسْمِ
الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُحَالٌ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا
فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ
يَتَّضِحْ إِلْحَاقُهُ بِالْحَلَالِ أَوِ الْحَرَامِ
يَكُونُ مِنَ الشُّبُهَاتِ فَيَكُونُ مِنْ حُكْمِ
الشَّيْءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَالْأَصَحُّ كَمَا
قَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا
بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ قُلْتُ وَفِي كَوْنِ مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا
إِنَّمَا هُوَ إِذَا تَعَارَضَ الْحُكْمُ عَلَى
الْمُجْتَهِدِ أَمَّا الشَّارِع إِذْ سُئِلَ عَنْ
وَاقِعَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا الْحُكْمَ
الشَّرْعِيَّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ بن
الْعَرَبِيّ وَجعل محط كَلَام بن عَبَّاسٍ عَلَيْهِ ثُمَّ
وَجَدْتُ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةَ لَفْظَةٍ سَقَطَتْ مِنْ
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَبِهَا يَتَّجِهُ إِنْكَار بن عَبَّاس
ويستغني عَن تَأْوِيل بن الْعَرَبِيِّ لَا آكُلُهُ بِلَا
أُحِلُّهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي
شَيْبَةَ وَهُوَ شَيْخُ مُسْلِمٍ فِيهِ أَخْرَجَهُ فِي
مُسْنَدِهِ بِالسَّنَدِ الَّذِي سَاقَهُ بِهِ عِنْدَ
مُسْلِمٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ لَا آكُلُهُ وَلَا
أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحِلُّهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ
وَلَعَلَّ مُسْلِمًا حَذَفَهَا عَمْدًا لِشُذُوذِهَا
لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطّرق لَا
فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَشْهَرُ مَنْ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا آكُلُهُ وَلَا أحرمهُ بن عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ لَا أُحِلُّهُ بَلْ جَاءَ
التَّصْرِيحُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ فَلَمْ تَثْبُتْ
هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ لَا أُحِلُّهُ
لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ
الْأَصَمِّ وَهُوَ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ أَخْبَرَ بِهَا عَن
قوم كَانُوا عِنْد بن عَبَّاسٍ فَكَانَتْ رِوَايَةً عَنْ
مَجْهُولٍ وَلَمْ يَقُلْ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ
إِنَّهُمْ صَحَابَةٌ حَتَّى يُغْتَفَرَ عَدَمُ
تَسْمِيَتِهِمْ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ مَنْ مَنَعَ أَكْلَهُ
بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ
أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ وَقَدْ
ذَكَرْتُهُ وَشَوَاهِدَهُ قَبْلُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ
لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْجَزْمُ بِأَنَّ الضَّبَّ مِمَّا
مُسِخَ وَإِنَّمَا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ
فَتَوَقَّفَ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ
يُعْلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنَّ الْمَمْسُوخَ
لَا يَنْسِلُ وَبِهَذَا أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ
أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ مِمَّا مُسِخَ قَالَ
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يَمْسَخْ
قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً
وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ
يَسْتَحْضِرْهُ من صَحِيح مُسلم ويتعجب من بن الْعَرَبِيِّ
حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ إِنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسِلُ
دَعْوَى فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ
وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ
يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ
بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ أَخْرَجَ
حَدِيثَ بن عُمَرَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآثَارِ أَنَّهُ
لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَدِ
احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِأَصْحَابِهِ
بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فَسَاقَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ
(9/666)
أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَامَ عَلَيْهِمْ
سَائِلٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُعْطِيَهُ فَقَالَ
لَهَا أَتُعْطِيهِ مَا لَا تَأْكُلِينَ قَالَ مُحَمَّدٌ
دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ
وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْتُمْ
بآخذيه الا أَن تغمضوا فِيهِ ثُمَّ سَاقَ الْأَحَادِيثَ
الدَّالَّةَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّصَدُّقِ بِحَشَفِ
التَّمْرِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِحَدِيث
الْبَراء كَانُوا يحبونَ الصَّدَقَة بأردأ تَمْرِهِمْ
فَنَزَلَتْ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
الْآيَةَ قَالَ فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَرِهَ لِعَائِشَةَ
الصَّدَقَةَ بِالضَّبِّ لَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا اه
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ عَنْ مُحَمَّدٍ
أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمَعْرُوفُ
عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ كَرَاهَةُ
التَّنْزِيَهِ وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّحْرِيمِ
وَقَالَ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ وَتَعَذَّرَتْ
مَعْرِفَةُ الْمُتَقَدِّمِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ
التَّحْرِيمِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ اه وَدَعْوَاهُ
التَّعَذُّرَ مَمْنُوعَةٌ لما تقدم وَالله أعلم ويتعجب من
بن الْعَرَبِيِّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُمْ إِنَّ
الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسِلُ دَعْوَى فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا
يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ
وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ
ثُمَّ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ كَوْنِ الضَّبِّ
مَمْسُوخًا فَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ أَكْلِهِ
لِأَنَّ كَوْنَهُ آدَمِيًّا قَدْ زَالَ حُكْمُهُ وَلَمْ
يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا كَرِهَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَكْلَ مِنْهُ لِمَا وَقَعَ
عَلَيْهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ كَمَا كَرِهَ الشُّرْبَ مِنْ
مِيَاهِ ثَمُودَ اه وَمَسْأَلَةُ جَوَازِ أَكْلِ
الْآدَمِيِّ إِذَا مُسِخَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا لَمْ
أَرَهَا فِي كُتُبِ فُقَهَائِنَا وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا
الْإِعْلَامُ بِمَا شَكَّ فِيهِ لِإِيضَاحِ حُكْمِهِ
وَأَنَّ مُطْلَقَ النُّفْرَةِ وَعَدَمَ الِاسْتِطَابَةِ
لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ
عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ
لَا يَعِيبُ الطَّعَامَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا صَنَعَهُ
الْآدَمِيُّ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ خَاطِرُهُ وَيُنْسَبَ
إِلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ وَأَمَّا الَّذِي خُلِقَ
كَذَلِكَ فَلَيْسَ نُفُورُ الطَّبْعِ مِنْهُ مُمْتَنِعًا
وَفِيهِ أَنَّ وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعِيبٍ
مِمَّنْ يَقَعُ مِنْهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَنَطِّعَةِ
وَفِيهِ أَنَّ الطِّبَاعَ تَخْتَلِفُ فِي النُّفُورِ عَنْ
بَعْضِ الْمَأْكُولَاتِ وَقَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ
اللَّحْمَ إِذَا أَنْتَنَ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ بَعْضَ
الطِّبَاعِ لَا تَعَافُهُ وَفِيهِ دُخُولُ أَقَارِبِ
الزَّوْجَةِ بَيْتَهَا إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْج أَو
رِضَاهُ وَذهل بن عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا ذُهُولًا فَاحِشًا
فَقَالَ كَانَ دُخُولُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَيْتَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ وَغَفَلَ عَمَّا
ذَكَرَهُ هُوَ أَنَّ إِسْلَامَ خَالِدٍ كَانَ بَيْنَ
عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَكَانَ الْحِجَابُ
قَبْلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ
الْبَابِ قَالَ خَالِدٌ أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَلَوْ كَانَتِ الْقِصَّةُ قَبْلَ الْحِجَابِ
لَكَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ خَالِدٍ وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ
إِسْلَامِهِ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ
وَلَا خَاطَبَ بِقَوْلِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِيهِ
جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ وَالصِّهْرِ
وَالصَّدِيقِ وَكَأَنَّ خَالِدًا وَمَنْ وَافَقَهُ فِي
الْأَكْلِ أَرَادُوا جَبْرَ قَلْبِ الَّذِي أَهْدَتْهُ
أَوْ لِتَحَقُّقِ حُكْمِ الْحِلِّ أَوْ لِامْتِثَالِ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا
وَفَهِمَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ
لِلْإِبَاحَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَاكِلُ أَصْحَابَهُ وَيَأْكُلُ
اللَّحْمَ حَيْثُ تَيَسَّرَ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَعْلَمُ
مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ إِلَّا مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى وَفِيه وفور عقل ميمومة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
وَعَظِيمُ نَصِيحَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا فَهِمَتْ مَظِنَّةَ
نُفُورِهِ عَنْ أَكْلِهِ بِمَا اسْتَقَرَّتْ مِنْهُ
فَخَشِيَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَأَذَّى
بِأَكْلِهِ لِاسْتِقْذَارِهِ لَهُ فَصَدَقَتْ فَرَاسَتُهَا
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ خَشِيَ أَنْ يَتَقَذَّرَ
شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَلِّسَ لَهُ لِئَلَّا
يَتَضَرَّرَ بِهِ وَقَدْ شُوهِدَ ذَلِكَ مِنْ بعض النَّاس
(9/667)
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا وَقَعَتِ
الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ)
أَيْ هَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ أَوْ لَا وَكَأَنَّهُ
تَرَكَ الْجَزْمَ بِذَلِكَ لِقُوَّةِ الِاخْتِلَافِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
يُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ
وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ طَرِيقَ
يُونُسَ الْمُشْعِرَةَ بِالتَّفْصِيلِ
[5538] قَوْلُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ
كِتَابِ الْوُضُوءِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى
الزُّهْرِيِّ فِي إِثْبَاتِ مَيْمُونَةَ فِي الْإِسْنَادِ
وَعَدَمِهِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ إِثْبَاتُهَا فِيهِ
وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الِاخْتِلَافُ عَلَى مَالِكٍ فِي
وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ أَلْقُوهَا
وَمَا حَوْلَهَا هَكَذَا أَوْرَدَهُ أَكثر أَصْحَاب بن
عُيَيْنَةَ عَنْهُ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْه وَمن طَرِيقه أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِنْ
كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ
وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَلَا تَقْرَبُوهُ وَهَذِه
الزِّيَادَة فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ غَرِيبَةٌ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ
الْقَائِلُ لِسُفْيَانَ ذَلِكَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي
عِلَلِهِ قَوْلُهُ فَإِنَّ مَعْمَرًا يُحَدِّثُ بِهِ
إِلَخْ طَرِيقُ مَعْمَرٍ هَذِهِ وَصَلَهَا أَبُو دَاوُدَ
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيِّ وَأَحْمَدَ
بْنِ صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ إِلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ
أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ خَطَأٌ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ
الزُّهْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ وَجَزَمَ
الذُّهْلِيُّ بِأَنَّ الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ وَقَدْ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ قَالَ الْحَسَنُ وَرُبَّمَا حدث بِهِ مَعْمَرٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَأَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
بُوذَوَيْهِ عَنْ مَعْمَرٍ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ
مَيْمُونَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ
خُشَيْشِ بْنِ أَصْرَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَذَكَرَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ اللَّيْثَ رَوَاهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ
بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ عَن فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ
جَامِدٍ الْحَدِيثَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ أَصْلًا وَكَوْنُ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَمْ يَحْفَظْهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ لَا
يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ
وَقَدْ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ إِسْنَادٌ ثَالِثٌ
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ بن عمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن بن
عُمَرَ بِهِ وَعَبْدُ
(9/668)
الْجَبَّارِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ وَجَاءَ مِنْ رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ لَكِنَّ السَّنَدَ إِلَى بن جريج
ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ أَنه من قَول بن عُمَرَ قَوْلُهُ
قَالَ مَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ الْقَائِلُ هُوَ
سُفْيَانُ وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا
أَيْ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ فَقَطْ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ
الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ
الْبُخَارِيِّ فِيهِ قَالَ سُفْيَانُ كَمْ سَمِعْنَاهُ
مِنَ الزُّهْرِيِّ يُعِيدُهُ وَيُبْدِئُهُ
[5539] قَوْلُهُ عبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس
هُوَ بن يزِيد قَوْلُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ
الدَّابَّةِ أَيْ فِي حُكْمِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي
الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ إِلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ
الزُّهْرِيَّ كَانَ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَا يُفَرِّقُ
بَيْنَ السَّمْنِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ الْجَامِدِ
مِنْهُ وَالذَّائِبِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي
السُّؤَالِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ فِي السَّمْنِ
فَأَمَّا غَيْرُ السَّمْنِ فَإِلْحَاقُهُ بِهِ فِي
الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَاضِحٌ وَأَمَّا عَدَمُ الْفَرْقِ
بَيْنَ الذَّائِبِ وَالْجَامِدِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ
فِي اللَّفْظِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ وَهَذَا يَقْدَحُ
فِي صِحَّةِ مَنْ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ
الزُّهْرِيِّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْجَامِدِ
وَالذَّائِبِ كَمَا ذُكِرَ قَبْلُ عَنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ
مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ
اخْتُلِفَ عَنْ مَعْمَرٍ فِيهِ فَأخْرجهُ بن أَبِي
شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ بِغَيْرِ
تَفْصِيلٍ نَعَمْ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ
رِوَايَة بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَصْفُ السَّمْنِ فِي
الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ جَامِدٌ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ
عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ
مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَن الموسري وَكَذَا
عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ منهال
عَن بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدُ
الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي
وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ
سُفْيَانَ وَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِالتَّفْصِيلِ عَنْ
سُفْيَانَ دُونَ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ مِثْلِ أَحْمَدَ
وَالْحُمَيْدِيِّ وَمُسَدَّدٍ وَغَيْرِهِمْ وَوَقَعَ
التَّفْصِيلُ فِيهِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ
عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي هَذَا
الْإِسْنَادِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَهَذَا الَّذِي
يَنْفَصِلُ بِهِ الْحُكْمُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي بِأَنَّ
التَّقْيِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ رِوَايَتِهِ مَرْفُوعًا
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَرْفُوعًا مَا سَوَّى فِي
فَتْوَاهُ بَيْنَ الْجَامِدِ وَغَيْرِ الْجَامِدِ وَلَيْسَ
الزُّهْرِيُّ مِمَّنْ يُقَالُ فِي حَقِّهِ لَعَلَّهُ
نَسِيَ الطَّرِيقَ الْمُفَصَّلَةَ الْمَرْفُوعَةَ
لِأَنَّهُ كَانَ أَحْفَظَ النَّاسِ فِي عَصْرِهِ فَخَفَاءُ
ذَلِكَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ
[5540] قَوْلُهُ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الله يَعْنِي بِسَنَدِهِ لَكِن لم يَظْهَرُ لَنَا
هَلْ فِيهِ مَيْمُونَةُ أَوْ لَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ
عَنِ بن الْمُبَارَكِ فَقَالَ فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَأَغْرَبَ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ
الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَن عَبْدَانِ
مَوْصُولا بِذكر بن عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةَ بِالْمَرْفُوعِ
دُونَ الْمَوْقُوفِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَبْدَانَ وَذَكَرَ فِيهِ كَلَامًا وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا
الْحَدِيثِ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ
أَنَّ الْمَائِعَ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَا
يَنْجَسُ الا بالتغير وَهُوَ اخْتِيَار البُخَارِيّ وَقَول
بن نَافِعٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
عُلَيَّةَ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ
عِكْرِمَةَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ
مَاتَتْ فِي سَمْنٍ قَالَ تُؤْخَذُ الْفَأْرَةُ وَمَا
حَوْلَهَا فَقُلْتُ إِنَّ أَثَرَهَا كَانَ فِي السَّمْنِ
كُلِّهِ قَالَ إِنَّمَا كَانَ وَهِيَ حَيَّةٌ وَإِنَّمَا
مَاتَتْ حَيْثُ وُجِدَتْ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ فِيهِ
عَنْ جَرٍّ فِيهِ زَيْتٌ وَقَعَ فِيهِ جُرْذٌ وَفِيهِ
أَلَيْسَ جَالَ فِي الْجَرِّ كُلِّهِ قَالَ إِنَّمَا جَالَ
وَفِيهِ الرُّوحُ ثُمَّ اسْتَقَرَّ حَيْثُ مَاتَ وَفَرَّقَ
الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ عَمَلًا
بِالتَّفْصِيلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَقَدْ تمسك بن
الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ وَمَا حَوْلَهَا عَلَى أَنَّهُ
كَانَ جَامِدًا قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَائِعًا لَمْ
يَكُنْ لَهُ حَوْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ مِنْ أَيٍّ
جَانِبٍ مَهْمَا نُقِلَ لَخَلَفَهُ غَيْرُهُ فِي الْحَالِ
فَيَصِيرُ مِمَّا حَوْلَهَا فَيُحْتَاجُ إِلَى إِلْقَائِهِ
كُلِّهِ كَذَا قَالَ وَأَمَّا ذِكْرُ السَّمْنِ
وَالْفَأْرَةِ فَلَا عمل بمفهومها وجد بن حزم
(9/669)
عَلَى عَادَتِهِ فَخَصَّ التَّفْرِقَةَ
بِالْفَأْرَةِ فَلَوْ وَقَعَ غَيْرُ جِنْسِ الْفَأْرِ مِنَ
الدَّوَابِّ فِي مَائِعٍ لَمْ يَنْجُسْ إِلَّا
بِالتَّغَيُّرِ وَضَابِطُ الْمَائِعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
أَنْ يَتَرَادَّ بِسُرْعَةٍ إِذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَمَاتَتْ عَلَى أَنَّ
تَأْثِيرَهَا فِي الْمَائِعِ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَوْتِهَا
فِيهِ فَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ وَخَرَجَتْ بِلَا مَوْتٍ لَمْ
يَضُرَّهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ
التَّقْيِيدُ بِالْمَوْتِ فَيَلْزَمُ مَنْ لَا يَقُولُ
بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ
بِالتَّأْثِيرِ وَلَوْ خَرَجَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاة وَقد
الْتَزمهُ بن حَزْمٍ فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ أَيْضًا
قَوْلُهُ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا لَمْ يَرِدْ فِي
طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ تَحْدِيدُ مَا يلقى لَكِن أخرج بن أَبِي
شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ
يَكُونُ قَدْرَ الْكَفِّ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ لَوْلَا
إِرْسَالُهُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ فَأَمَرَ أَنْ يُقَوَّرَ مَا حَوْلَهَا
فَيُرْمَى بِهِ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ جَامِدًا
مِنْ قَوْلِهِ وَمَا حولهَا فيقوى مَا تمسك بِهِ بن
الْعَرَبِيِّ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مِنَ التَّقْيِيدِ فِي
الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ثَلَاثُ غُرُفَاتٍ بِالْكَفَّيْنِ
فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ ظَاهِرًا فِي
الْمَائِعِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ
الْمُفَصَّلَةِ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي شَيْءٍ
فَيَحْتَاجُ مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي غَيْرِ
الْأَكْلِ كَالشَّافِعِيَّةِ وَأَجَازَ بَيْعَهُ
كَالْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْجَوَابِ أَعْنِي الْحَدِيثَ
فَإِنَّهُمُ احْتَجُّوا بِهِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ
الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عمر عِنْد
الْبَيْهَقِيّ فِي حَدِيث بن عُمَرَ إِنْ كَانَ السَّمْنُ
مَائِعًا انْتَفَعُوا بِهِ وَلَا تأكلوه وَعِنْده فِي
رِوَايَة بن جُرَيْجٍ مِثْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
الصَّحِيحَ وَقْفُهُ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ فِي فَأْرَةٍ
وَقَعَتْ فِي زَيْتٍ قَالَ اسْتَصْبِحُوا بِهِ وَادْهُنُوا
بِهِ أُدُمَكُمْ وَهَذَا السَّنَدُ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ
عَلَى أَنَّ الْفَأْرَةَ طَاهِرَةُ الْعَيْنِ وَأَغْرَبَ
بن الْعَرَبِيِّ فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ
مَالِكٍ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
بِإِبْهَامِ السَّائِلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَحْمَدَ تَعْيِينُ مَنْ سَأَلَ
وَلَفْظُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ إِنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَأْرَةٍ
الْحَدِيثَ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ
عَنْ مَالِكٍ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ عَن بن
عَبَّاس أَن مَيْمُونَة استفتت وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ الْعَلَمِ)
بِفَتْحَتَيْنِ وَالْوَسْمُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ
الْمُهْمَلَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْمُعْجَمَةِ
فَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ
بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْهِ وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي
سَائِرِ الْجَسَدِ فَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ هُنَا
بِالْمُهْمَلَةِ لِقَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ وَالْمُرَادُ
بِالْوَسْمِ أَنْ يُعَلَّمَ الشَّيْءُ بِشَيْءٍ يُؤَثِّرُ
فِيهِ تَأْثِيرًا بَالِغًا وَأَصْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي
الْبَهِيمَةِ عَلَامَةً لِيُمَيِّزَهَا عَنْ غَيْرِهَا
[5541] قَوْلُهُ عَنْ حَنْظَلَةَ هُوَ بن أبي سُفْيَان
الجُمَحِي وَسَالم هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَوْلُهُ أَنْ تُعْلَّمَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُجْعَلُ
فِيهَا
(9/670)
عَلَامَةٌ قَوْلُهُ الصُّورَةُ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
الصُّوَرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بِلَا هَاءٍ جَمْعُ صُورَة
وَالْمرَاد بالصورة الْوَجْه قَوْله وَقَالَ بن عُمَرَ
نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
تُضْرَبَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ بَدَأَ
بِالْمَوْقُوفِ وَثَنَّى بِالْمَرْفُوعِ مُسْتَدِلًّا بِهِ
عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ إِذَا
ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ كَانَ مَنْعُ الْوَسْمِ
أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى مَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ
فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَفِي
لَفْظٍ لَهُ مَرَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ
فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ وَسَمَهُ قَوْلُهُ تَابَعَهُ
قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ
وَبَعْدَ الْقَافِ زَايٌ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَنْقَزِ
وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ وَيُقَالُ هُوَ
الْمَرْزَنْجُوشُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
ثُمَّ فَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا جِيمٌ
مَضْمُومَةٌ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَهَذَا تَفْسِيرٌ
لِلشَّيْءِ بِمِثْلِهِ فِي الْخَفَاءِ وَالْمَرْزَنْجُوشُ
هُوَ الشمار اَوْ الشذاب وَقيل العنفز الرَّيْحَانُ
وَقِيلَ الْقَصَبُ الْغَضُّ وَاسْمُ الْعَنْقَزِيِّ
عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي
الثِّقَاتِ كَانَ يَبِيعُ الْعَنْقَزَ وَهَذِهِ
الْمُتَابَعَة لَهَا حكم الْوَصْل عِنْد بن الصَّلَاحِ
لِأَنَّ قُتَيْبَةَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا
ذَكَرَهَا لِزِيَادَةِ الْمَحْذُوفِ فِي رِوَايَةِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى حَيْثُ قَالَ أَنْ تُضْرَبَ
فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي رِوَايَتِهِ لِلصُّورَةِ
لِكَوْنِهَا ذُكِرَتْ أَوَّلًا وَأَفْصَحَ الْعَنْقَزِيُّ
فِي رِوَايَتِهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَنْ حَنْظَلَةَ
يُرِيدُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَنْ سَالِمٍ
عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ السِّرِيِّ
وَمُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ فَرَّقَهُمَا كِلَاهُمَا عَنْ
حَنْظَلَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَاللَّفْظِ
الْمَذْكُورِ لَكِنْ لَفْظُ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ
السَّرِيِّ عَنِ الصُّورَةِ تُضْرَبُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ
طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بِلَفْظِ أَنْ تُضْرَبَ
وُجُوهُ الْبَهَائِمِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنْ
تُضْرَبَ الصُّورَةُ يَعْنِي الْوَجْهَ وَأَخْرَجَهُ
أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ يَعْنِي
الْبُرْسَانِيَّ وَإِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ
كِلَاهُمَا عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا
يَسْأَلُ عَنِ الْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ فَقَالَ كَانَ بن
عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ تُعَلَّمَ الصُّورَةُ وَبَلَغَنَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
أَنْ تُضْرَبَ الصُّورَةُ يَعْنِي بِالصُّورَةِ الْوَجْهَ
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْمُسْنَدُ مِنْهُ عَلَى
اضْطِرَابٍ فِيهِ ضَرْبُ الصُّورَةِ وَأما الْعلم
فَإِنَّهُ من قَول بن عُمَرَ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ
الْكَيُّ قُلْتُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ
الْمُطَابِقَةُ لِلَّفْظِ التَّرْجَمَةِ وَعَطْفُهُ
الْوَسْمَ عَلَيْهَا إِمَّا عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَإِمَّا
مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَأَشَارَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِالِاضْطِرَابِ إِلَى الرِّوَايَةِ
الْأَخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا وَبَلَغَنَا فَإِنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَالِمٍ فَيَكُونُ
مُرْسَلًا بِخِلَافِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى أَنَّهَا
ظَاهِرَةُ الِاتِّصَالِ لَكِنِ اجْتِمَاعُ الْعَدَدِ
الْكَثِيرِ أَوْلَى مِنْ تَقْصِيرِ مَنْ قَصَّرَ بِهِ
وَالْحُكْمِ لَهُمْ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى
اضْطِرَابًا فِي الِاصْطِلَاحِ لِأَنَّ شَرْطَ
الِاضْطِرَابِ أَنْ يَتَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ بَعْدَ
تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ
وَجَاءَ فِي ذِكْرِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ صَرِيحًا
حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ
فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا لَا يَسِمُ
أَحَدٌ الْوَجْهَ وَلَا يَضْرِبُ أَحَدٌ الْوَجْهَ
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَهُوَ شَاهد جيد لحَدِيث بن عُمَرَ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ
فِي ضَرْبِ وَجْهِ الْآدَمِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي
الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ
قَبْلَ أَبْوَابٍ النَّهْيُ عَنْ صَبْرِ الْبَهِيمَةِ
وَعَنِ الْمُثْلَةِ
[5542] قَوْلُهُ عَنْ هِشَامِ بن زيد أَي بن أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ هُوَ جَدُّهُ قَوْلُهُ
بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ هُوَ أَخُوهُ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَسَيَأْتِي
مُطَوَّلًا فِي اللِّبَاسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ فِي
مِرْبَدٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مَكَانُ الْإِبِلِ
وَكَأَنَّ الْغَنَمَ أُدْخِلَتْ فِيهِ مَعَ الْإِبِلِ
قَوْلُهُ وَهُوَ يَسِمُ شَاةً فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ شَاءً بِالْهَمْزِ وَهُوَ جَمْعُ شَاةٍ
مِثْلُ شِيَاهٍ وَسَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي
اللِّبَاسِ بِلَفْظِ وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي
قَدِمَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
(9/671)
ذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ الْفَتْحِ
وَحُنَيْنٍ وَالْمُرَادُ بِالظَّهْرِ الْإِبِلُ
وَكَأَنَّهُ كَانَ يَسِمُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَصَادَفَ
أَوَّلَ دُخُولِ أَنَسٍ وَهُوَ يَسِمُ شَاةً وَرَآهُ
يَسِمُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ
بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ حَسِبْتُهُ الْقَائِلُ
شُعْبَةُ وَالضَّمِيرُ لِهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ وَقَعَ
مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ فِي آذَانِهَا
هَذَا مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ الْعُدُولُ عَنِ
الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ إِلَى الْوَسْمِ فِي الْأُذُنِ
فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأُذُنَ لَيْسَتْ مِنَ
الْوَجْهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ
وَسْمِ الْبَهَائِمِ بِالْكَيِّ وَخَالَفَ فِيهِ
الْحَنَفِيَّةُ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ
التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى بِنَسْخِ
وَسْمِ الْبَهَائِمِ وَجَعَلَهُ الْجُمْهُورُ مَخْصُوصًا
مِنْ عُمُومِ النَّهْي وَالله أعلم |