فتح الباري لابن
حجر (قَوْلُهُ بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَوَّزُ مِنَ
اللِّبَاسِ وَالْبَسْطِ)
مَعْنَى قَوْلِهِ يَتَجَوَّزُ يَتَوَسَّعُ فَلَا يُضَيِّقُ
بِالِاقْتِصَارِ عَلَى صنف بِعَيْنِه أَولا يُضَيِّقُ
بِطَلَبِ النَّفِيسِ وَالْغَالِي بَلْ يَسْتَعْمِلُ مَا
تَيَسَّرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ
يَتَجَزَّى بِجِيمٍ وَزَايٍ أَيْضًا لَكِنَّهَا ثَقِيلَةٌ
مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَهِيَ أَوْضَحُ وَالْبَسْطُ
بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَا يُبْسَطُ وَيُجْلَسُ عَلَيْهِ
وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ بن
عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
تَظَاهَرَتَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطَّلَاقِ
مُسْتَوْفًى وَالْغَرَضُ مِنْهُ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ وَتَحْتَ رَأْسِهِ
مِرْفَقَةٌ حَشْوُهَا لِيفٌ وَقَوْلُهُ
[5843] فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِرْفَقَةٌ بِكَسْرِ
أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَهَا
قَافٌ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِلَفْظِ وِسَادَةٍ وَقَوْلُهُ
فَمَا شَعَرْتُ بِالْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ
حَدَثَ أَمْرٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَمَا
شَعَرْتُ إِلَّا بِالْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ يَقُولُ وَفِي
نُسْخَةٍ عَنْهُ فَمَا شَعَرْتُ بِالْأَنْصَارِيِّ إِلَّا
وَهُوَ يَقُولُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ سَقَطَ حَرْفُ
الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جُلِّ النُّسَخِ بَلْ مِنْ كُلِّهَا
وَهُوَ مُقَدَّرٌ وَالْقَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ
مَا زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ شَعَرْتُ بِالْأَنْصَارِيِّ
وَهُوَ يَقُولُ أَوْ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَتَكُونُ هِيَ
الْمُبْتَدَأَ وَبِالْأَنْصَارِيِّ الْخَبَرُ أَيْ
شُعُورِي مُتَلَبِّسٌ بِالْأَنْصَارِيِّ قَائِلًا قُلْتُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا نَافِيَةً عَلَى حَالِهَا
بِغَيْرِ احْتِيَاجٍ لِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ
وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ شُعُورِهِ
بِكَلَامِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ شِدَّةِ مَا دَهَمَهُ مِنَ
الْخَبَرِ الَّذِي أُخْبِرَ بِهِ وَيَكُونُ قَدِ
اسْتَثْبَتَهُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى وَلِذَلِكَ نَقَلَهُ
عَنْهُ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْكُشْمِيهَنِيِّ تُرَجِّحُ
الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَتُوَضِّحُ أَنَّ قَوْلَ
(10/302)
الْكِرْمَانِيِّ بَلْ كُلَّهَا لَيْسَ
كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ
بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَزْنُ عَظِيمٍ هُوَ الْغُلَامُ
دُونَ الْبُلُوغِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ بَلَغَ
الْخِدْمَةَ يُقَالُ وُصِفَ الْغُلَامُ بِالضَّمِّ
وَصَافَةً وَقَوْلُ عُمَرَ فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِي
أَذَاهُ أَيْ أَنْذَرْتُهَا مِنْ أَذَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَقَعُ مِنَ
الْعُقُوبَةِ بِسَبَبِ أَذَاهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي
[5844] قَوْلُهُ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا
عَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ بن بَطَّالٍ قَرَنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزُولَ
الْخَزَائِنِ بِالْفِتْنَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا
تَسَبَّبُ عَنْهَا وَإِلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَمْرِ
خَيْرٌ مِنَ الْإِكْثَارِ وَأَسْلَمُ مِنَ الْفِتْنَةِ
وَمُطَابَقَةُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا
لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنْ لِبَاسِ الرَّقِيقِ مِنَ
الثِّيَابِ الْوَاصِفَةِ لِأَجْسَامِهِنَّ لِئَلَّا
يُعَرَّيْنَ فِي الْآخِرَةِ وَفِيمَا حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ
عَنْ هِنْدٍ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَالَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ
إِلَيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الشَّفَّافَةَ
لِأَنَّهُ إِذَا حَذَّرَ مِنْ لُبْسِهَا مِنْ ظُهُورِ
الْعَوْرَةِ كَانَ أَوْلَى بِصِفَةِ الْكَمَالِ مِنْ
غَيْرِهِ اه وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ
فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ كَاسِيَةٍ عَارِيَةٌ
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثَانِ دَالَّيْنِ عَلَى
التَّرْجَمَةِ بِالتَّوْزِيعِ فَحَدِيثُ عُمَرَ مُطَابِقٌ
لِلْبَسْطِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مُطَابِقٌ لِلِّبَاسِ
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَتَجَزَّى أَيْ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ وَبِأَهْلِهِ قَوْلُهُ قَالَ
الزُّهْرِيُّ وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِي
كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا هُوَ مَوْصُولٌ
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى الزُّهْرِيِّ
وَقَوْلُهُ أَزْرَارٌ وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ
أَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ إِزَارٌ بِرَاءٍ وَاحِدَةٍ
وَهُوَ غَلَطٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تَخْشَى أَنْ
يَبْدُوَ مِنْ جَسَدِهَا شَيْءٌ بِسَبَبِ سَعَةِ
كُمَّيْهَا فَكَانَتْ تُزَرِّرُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَبْدُوَ
مِنْهُ شَيْءٌ فَتَدْخُلَ فِي قَوْله كاسية عَارِية
(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا
جَدِيدا)
كَأَنَّهُ لم يثبت عِنْده حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ رَأْيَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
عُمَرَ ثَوْبًا فَقَالَ الْبَسْ جَدِيدًا وعش حميدا ومت
شَهِيدا أخرجه النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ
وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَجَاءَ أَيْضًا فِيمَا يَدْعُو
بِهِ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ أَحَادِيثُ مِنْهَا
مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً
أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ
الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسأَلك خَيره وَخير مَا
صنع لَهُ وَأَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ
لَهُ وَأخرج التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ من لبس ثوبا
جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا
أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ
فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي كَنَفِ
اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ
أَنَسٍ رَفَعَهُ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ
حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَحَدِيثُ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ
سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا
(10/303)
الْبَابِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ
الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ قَرِيبًا وَتَقَدَّمَ بَيَانُ
الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَهَا أَبْلِي وَأَخْلِقِي هَلْ بِالْقَافِ أَوِ
الْفَاءِ وَقَوْلُهُ
[5845] فِيهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ لَا يُنَافِي مَا وَقَعَ
فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا قَمِيصٌ
أَصْفَرُ لِأَنَّ الْقَمِيصَ كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا جِيءَ
بِهَا وَالْخَمِيصَةُ هِيَ الَّتِي كُسِيَتْهَا وَقَوْلُهُ
فِي آخِرِهِ قَالَ إِسْحَاقُ هُوَ بن سَعِيدٍ رَاوِي
الْحَدِيثِ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ
الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ
أَهْلِي لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَقَوْلُهُ إِنَّهَا
رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ أَيِ الثَّوْبَ
وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَقِيَ زَمَانًا
طَوِيلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
صَرِيحًا فِي بَابِ الخميصة
(قَوْلُهُ بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّزَعْفُرِ
لِلرِّجَالِ)
أَيْ فِي الْجَسَدِ لِأَنَّهُ تَرْجَمَ بَعْدَهُ بَابَ
الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَقَيَّدَهُ بِالرَّجُلِ
لِيُخْرِجَ الْمَرْأَةَ
[5846] قَوْلُهُ عَنْ عبد الْعَزِيز هُوَ بن صُهَيْبٍ
قَوْلُهُ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ كَذَا رَوَاهُ عبد
الْوَارِث وَهُوَ بن سَعِيدٍ مُقَيَّدًا وَوَافَقَهُ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَهَى عَنِ التزعفر
للرِّجَال وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن بن عُلَيَّةَ عِنْدَ
النَّسَائِيِّ مُطْلَقًا فَقَالَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ
وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَهُ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ مِنَ الْحُفَّاظِ
مُقَيَّدًا بِالرَّجُلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
إِسْمَاعِيلُ اخْتَصَرَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعْبَةَ
وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَرِوَايَةُ
شُعْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ
عَنِ الْأَصَاغِرِ وَاخْتُلِفَ فِي النَّهْيِ عَنِ
التَّزَعْفُرِ هَلْ هُوَ لِرَائِحَتِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ
طِيبِ النِّسَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ الزَّجْرُ عَنِ
الْخَلُوقِ أَوْ لِلَوْنِهِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ
صُفْرَةٍ وَقَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ
أَنَّهُ قَالَ أَنْهَى الرَّجُلَ الْحَلَالَ بِكُلِّ حَالٍ
أَنْ يَتَزَعْفَرَ وَآمُرُهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ
يَغْسِلَهُ قَالَ وَأُرَخِّصُ فِي الْمُعَصْفَرِ
لِأَنَّنِي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْهُ إِلَّا مَا
قَالَ عَلِيٌّ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ أَنْهَاكُمْ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ
وَسَاقَ حَدِيث عبد الله بن عمر وَقَالَ رأى على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ
فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا
تَلْبَسْهُمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ
فَقُلْتُ أَغْسِلُهُمَا قَالَ لَا بَلِ احْرِقْهُمَا قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ
لَقَالَ بِهِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ كَعَادَتِهِ وَقَدْ
كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَرَخَّصَ
فِيهِ جَمَاعَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ مِنْ
أَصْحَابِنَا الْحَلِيمِيُّ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ هُوَ
الْأَوْلَى اه وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
أَتْقَنَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَسْأَلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ فِي
الْبُيُوتِ وَكَرِهَهُ فِي المحافل وَسَيَأْتِي قَرِيبا
حَدِيث بن عُمَرَ فِي الصُّفْرَةِ وَتَقَدَّمَ فِي
النِّكَاحِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ حِينَ تَزَوَّجَ وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ
صُفْرَةٍ وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ
الْخَلُوقَ كَانَ فِي ثَوْبِهِ عَلِقَ بِهِ مِنَ
الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي جَسَدِهِ وَالْكَرَاهَةُ
لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي بَدَنِهِ أَشَدُّ مِنَ الْكَرَاهَةِ
لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي ثَوْبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو
دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ
وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ سَلْمٍ
الْعَلَوِيِّ عَنْ أَنَسٍ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ
صُفْرَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَلَّمَا كَانَ يُوَاجِهُ
أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ فَلَمَّا قَامَ قَالَ لَوْ
أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ
وَسَلْمٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِيهِ
لِينٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ رَفَعَهُ
لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ جِنَازَةَ كَافِرٍ وَلَا
مُضَمَّخٍ بِالزَّعْفَرَانِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي لَيْلًا
وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ فَخَلَقُونِي بِزَعْفَرَانٍ
فَسَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ يُرَحِّبْ بِي وَقَالَ أذهب
(10/304)
فاغسل عَنْك هَذَا
(قَوْلُهُ بَابُ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ)
ذكر فِيهِ حَدِيثَ بن عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ
ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ كَذَا
أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا
مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَدْ أُخِذَ مِنَ
التَّقْيِيدِ بِالْمُحْرِمِ جَوَازُ لُبْسِ الثَّوْبِ
الْمُزَعْفَرِ لِلْحَلَالِ قَالَ بن بَطَّالٍ أَجَازَ
مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ لِبَاسَ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ
لِلْحَلَالِ وَقَالُوا إِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ
لِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ
وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْمُحْرِمِ وَغَيْرِ الْمحرم
وَحَدِيث بن عُمَرَ الْآتِي فِي بَابِ النِّعَالِ
السِّبْتِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَإِنَّ فِيهِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مَصْبُوغَانِ بِالزَّعْفَرَانِ وَفِي
سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ
وَفِيهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ
بِزَعْفَرَانٍ وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ وَمِنَ المستغرب
قَول بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يَرِدْ فِي الثَّوْبِ
الْأَصْفَرِ حَدِيثٌ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ عِدَّةُ
أَحَادِيثَ كَمَا تَرَى قَالَ الْمُهَلَّبُ الصُّفْرَةُ
أَبْهَجُ الْأَلْوَانِ إِلَى النَّفْسِ وَقد أَشَارَ إِلَى
ذَلِك بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى صَفْرَاءُ
فَاقِعٌ لَوْنُهَا تسر الناظرين قَوْلُهُ بَابُ الثَّوْبِ
الْأَحْمَرِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا
وَرَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا
أَحْسَنَ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ سِيَاقًا من
هَذَا
[5848] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ
سَمِعَ الْبَراء هُوَ بن عَازِبٍ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ
أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ وَخَالفهُم أَشْعَثُ فَقَالَ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ
حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ وَعَنْ جَابِرِ
بْنِ سَمُرَةَ صَحِيحَانِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَرِيبًا وَيَأْتِي
وَفِيهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ أَيْضًا وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ
بِمِنًى عَلَى بَعِيرٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ
عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ
بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ
التَّزَعْفُرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَصْفَرِ فَإِنَّ
غَالِبَ مَا يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ يَكُونُ أَحْمَرَ
وَقَدْ تَلَخَّصَ لَنَا مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي
لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ
الْأَوَّلُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ
وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْبَرَاءِ
وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي
قِلَابَةَ وَأَبِي وَائِلٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ
الْقَوْلُ الثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَا نَقَلَهُ
الْبَيْهَقِيّ وَأخرج بن ماجة من حَدِيث بن عُمَرَ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْمُفَدَّمِ وَهُوَ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ
وَهُوَ الْمُشْبَعُ بِالْعُصْفُرِ فَسَّرَهُ فِي
الْحَدِيثِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى عَلَى
الرَّجُلِ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا جَذَبَهُ وَقَالَ دَعُوا
هَذَا
(10/305)
للنِّسَاء أخرجه الطَّبَرِيّ وَأخرج بن
أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ الْحُمْرَةُ مِنْ
زِينَةِ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ
وَصَلَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَأَبُو مُحَمَّدِ
بْنُ عَدِيٍّ وَمَنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
عَنِ الْحَسَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ يَزِيدَ الثَّقَفِيِّ
رَفَعَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ
وَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شهرة
وَأخرجه بن مَنْدَهْ وَأَدْخَلَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بَيْنَ
الْحَسَنِ وَرَافِعٍ رَجُلًا فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ
وَبَالَغَ الْجَوْزَقَانِيُّ فَقَالَ إِنَّهُ بَاطِلٌ
وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابِ الْجَوْزَقَانِيِّ
الْمَذْكُور وترجمه بالأباطيل وَهُوَ بِخَط بن
الْجَوْزِيِّ وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي
أَكْثَرِ كِتَابِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ
يُوَافِقْهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مَا
ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَأَصَابَ وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ
أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْبَزَّارُ
وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَفِيهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ
فَرَأَى عَلَى رَوَاحِلِنَا أَكْسِيَةً فِيهَا خُطُوطُ
عِهْنٍ حُمْرٌ فَقَالَ أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ
قَدْ غَلَبَتْكُمْ قَالَ فَقُمْنَا سِرَاعًا
فَنَزَعْنَاهَا حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلنَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَفِي سَنَدِهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ وَعَنِ
امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ
زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيَابًا
لَهَا بِمَغْرَةٍ إِذْ طَلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْمَغْرَةَ رَجَعَ
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ غَسَلَتْ ثِيَابَهَا
وَوَارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ فَجَاءَ فَدَخَلَ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ الْقَوْلُ الثَّالِثُ
يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُشْبَعِ بِالْحُمْرَةِ
دُونَ مَا كَانَ صَبْغُهُ خَفِيفًا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ
عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجاهد وَكَأن الْحجَّة فِيهِ حَدِيث
بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ قَرِيبًا فِي الْمُفَدَّمِ
الْقَوْلُ الرَّابِعُ يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ
مُطْلَقًا لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ وَيَجُوزُ
فِي الْبُيُوتِ وَالْمِهْنَةِ جَاءَ ذَلِكَ عَنِ بن
عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَابِ
التَّزَعْفُرِ الْقَوْلُ الْخَامِسُ يَجُوزُ لُبْسُ مَا
كَانَ صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ وَيُمْنَعُ مَا صُبِغَ
بَعْدَ النَّسْجِ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْحُلَّةَ الْوَارِدَةَ فِي
الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي لُبْسِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةُ الْحَمْرَاءُ إِحْدَى
حُلَلِ الْيَمَنِ وَكَذَلِكَ الْبُرْدُ الْأَحْمَرُ
وَبُرُودُ الْيَمَنِ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ
الْقَوْلُ السَّادِسُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِمَا يُصْبَغُ
بِالْمُعَصْفَرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلَا
يُمْنَعُ مَا صُبِغَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَصْبَاغِ
وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الْمُتَقَدِّمُ
الْقَوْلُ السَّابِعُ تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالثَّوْبِ
الَّذِي يُصْبَغُ كُلُّهُ وَأَمَّا مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ
غَيْرُ الْأَحْمَرِ مِنْ بَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِمَا
فَلَا وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ
فِي الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فَإِنَّ الْحُلَلَ
الْيَمَانِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ ذَاتَ خُطُوطٍ حُمْرٍ
وَغَيرهَا قَالَ بن الْقَيِّمِ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
يَلْبَسُ ثَوْبًا مُشْبَعًا بِالْحُمْرَةِ يَزْعُمُ
أَنَّهُ يَتْبَعُ السُّنَّةَ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ
الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ
وَالْبُرْدُ لَا يُصْبَغُ أَحْمَرَ صِرْفًا كَذَا قَالَ
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ غَالِبَ هَذِهِ
الْأَقْوَالِ الَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ لُبْسِ الثِّيَابِ
الْمُصَبَّغَةِ بِكُلِّ لَوْنٍ إِلَّا أَنِّي لَا أُحِبُّ
لُبْسَ مَا كَانَ مُشْبَعًا بِالْحُمْرَةِ وَلَا لُبْسَ
الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا ظَاهِرًا فَوْقَ الثِّيَابِ
لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ فِي
زَمَانِنَا فَإِنَّ مُرَاعَاةَ زِيِّ الزَّمَانِ مِنَ
الْمُرُوءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا وَفِي مُخَالَفَةِ
الزِّيِّ ضَرْبٌ مِنَ الشُّهْرَةِ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ
يُلَخَّصَ مِنْهُ قَوْلٌ ثَامِنٌ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا
الْمَقَامِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ إِنْ
كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لُبْسُ الْكُفَّارِ فَالْقَوْلُ
فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ كَمَا
سَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ زِيُّ
النِّسَاءِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الزَّجْرِ عَنِ
التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لَا
لِذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ الشُّهْرَةِ أَوْ
خَرْمِ الْمُرُوءَةِ فَيُمْنَعُ حَيْثُ يَقَعُ ذَلِكَ
وَإِلَّا فَيَقْوَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنَ
التَّفْرِقَةِ بَيْنَ المحافل والبيوت
(10/306)
(قَوْلُهُ بَابُ الْمِيثَرَةِ
الْحَمْرَاءِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ سُفْيَان وَهُوَ الثَّوْريّ عَن
أَشْعَث وَهُوَ بن أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ الْحَدِيثَ
وَفِي آخِرِهِ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ
وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالْمَيَاثِرِ الْحُمُرِ فَالْحَرِيرُ
قَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِ وَالدِّيبَاجُ
وَالْإِسْتَبْرَقُ صِنْفَانِ نَفِيسَانِ مِنْهُ وَأَمَّا
الْمَيَاثِرُ فَهِيَ جَمْعُ مِيثَرَةٍ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا
فِي بَابِ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نُهِيَ عَنِ الْمَيَاثِرِ
الْأُرْجُوَانِ هَكَذَا عِنْدَهُمْ بِلَفْظِ نُهِيَ عَلَى
الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
الرَّفْعِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن
وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ بْنِ
يَرِيمَ بِتَحْتَانِيَّةٍ أَوَّلُهُ وَزْنُ عَظِيمٍ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ
الْقَسِّيِّ وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ الْمَيَاثِرُ الْحُمْرُ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ
عَنْهَا كَانَتْ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ مِنْ دِيبَاجٍ
وَحَرِيرٍ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هِيَ وِعَاءٌ يُوضَعُ
عَلَى سَرْجِ الْفَرَسِ أَوْ رَحْلِ الْبَعِيرِ مِنَ
الْأُرْجُوَانِ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا أَنَّهَا
سُرُوجٌ مِنْ دِيبَاجٍ وَقَوْلًا أَنَّهَا أَغْشِيَةٌ
لِلسُّرُوجِ مِنْ حَرِيرٍ وَقَوْلًا أَنَّهَا تُشْبِهُ
الْمِخَدَّةَ تُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ رِيشٍ يَجْعَلُهَا
الرَّاكِبُ تَحْتَهُ وَهَذَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ
الطَّبَرِيِّ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ
لَا تَكُونَ مُتَخَالِفَةً بَلِ الْمِيثَرَةُ تُطْلَقُ
عَلَى كُلٍّ مِنْهَا وَتَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ
يَحْتَمِلُ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَعَلَى كُلِّ
تَقْدِيرٍ فَالْمِيثَرَةُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ
فَالنَّهْيُ فِيهَا كَالنَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى
الْحَرِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَلَكِنْ
تَقْيِيدُهَا بِالْأَحْمَرِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ
الْحَرِيرِ فَيَمْتَنِعُ إِنْ كَانَتْ حَرِيرًا
وَيَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ إِنْ كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ
حَمْرَاءُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ حَرِيرٍ فَالنَّهْيُ
فِيهَا لِلزَّجْرِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ قَالَ
بن بَطَّالٍ كَلَامُ الطَّبَرِيِّ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ
فِي الْمَنْعِ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ
مِنْ حَرِيرٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ النَّهْيُ
عَنْهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَرِيرٍ لِلتَّشَبُّهِ
أَوِ لِلسَّرَفِ أَوِ التَّزَيُّنِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ
تَفْصِيلُ الْكَرَاهَةِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ
وَالتَّنْزِيهِ وَأَمَّا تَقْيِيدُهَا بِالْحُمْرَةِ
فَمَنْ يَحْمِلِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُمُ
الْأَكْثَرُ يَخُصَّ الْمَنْعَ بِمَا كَانَ أَحْمَرَ
وَالْأُرْجُوَانُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي
أَشَرْتُ إِلَيْهَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ
بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ وَاوٌ خَفِيفَةٌ
وَحَكَى عِيَاضٌ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ فَتْحَ الْهَمْزَةِ
وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَ أَنَّ الضَّمَّ هُوَ
الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ
وَالْغَرِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ
هُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ وَهُوَ نَوْرُ
شَجَرٍ مِنْ أَحْسَنِ الْأَلْوَانِ وَقِيلَ الصُّوفُ
الْأَحْمَرُ وَقِيلَ كُلُّ شَيْءٍ أَحْمَرُ فَهُوَ
أُرْجُوَانٌ وَيُقَالُ ثَوْبٌ أُرْجُوَانٌ وَقَطِيفَةٌ
أُرْجُوَانٌ وَحَكَى السِّيرَافِيُّ أَحْمَرُ أُرْجُوَانٌ
فَكَأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحُمْرَةِ كَمَا
يُقَالُ أَبْيَضُ يَقِقٌ وَأَصْفَرُ فَاقِعٌ وَاخْتَلَفُوا
هَلِ الْكَلِمَةُ عَرَبِيَّةٌ أَوْ مُعَرَّبَةٌ فَإِنْ
قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالْأَحْمَرِ مِنَ
الْمَيَاثِرِ فَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْهَا مَا فِي
غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ
قُلْنَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَحْمَرِ فَالْمَعْنِيُّ
بِالنَّهْيِ عَنْهَا مَا فِيهِ مِنَ التَّرَفُّهِ وَقَدْ
يَعْتَادُهَا الشَّخْصُ فَتَعُوزُهُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ
تَرْكُهَا فَيَكُونُ النَّهْيُ نَهْيَ إِرْشَادٍ
لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا النَّهْيُ
عَنْهَا مِنْ أَجْلِ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ فَهُوَ
لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ شِعَارُهُمْ
حِينَئِذٍ وَهُمْ كُفَّارٌ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَصِرِ
الْآنَ يَخْتَصُ بِشِعَارِهِمْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى
فَتَزُولُ الْكَرَاهَة وَالله أعلم
(10/307)
(قَوْلُهُ بَابُ النِّعَالِ)
جَمْعُ نَعْلٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ بن الْأَثِيرِ
هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ تَاسُومَةً وَقَالَ بن
الْعَرَبِيِّ النَّعْلُ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا
اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهَا لِمَا فِي أَرْضِهِمْ مِنَ
الطِّينِ وَقَدْ يُطْلَقُ النَّعْلُ عَلَى كُلِّ مَا يَقِي
الْقَدَمَ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النَّعْلُ
وَالنَّعْلَةُ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ قَوْلُهُ
السِّبْتِيَّةُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى
السَّبْتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ
وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَعَنِ أَبِي عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيِّ زَادَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْقَرَظِ قَالَ
وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا الَّتِي حُلِقَ عَنْهَا
الشَّعْرُ قُلْتُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ نَقله بن
وَهْبٍ عَنْهُ وَوَافَقَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ
لَفْظِ السَّبْتِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ فَالْحَلْقُ
بِمَعْنَاهُ وَأَيَّدَ ذَلِك جَوَاب بن عُمَرَ
الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَقَدْ وَافَقَ الْأَصْمَعِيُّ
الْخَلِيلَ وَقَالُوا قِيلَ لَهَا سِبْتِيَّةٌ لِأَنَّهَا
تَسَبَّتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَلْبَسُ
النِّعَالَ الْمَدْبُوغَةَ إِلَّا أهل السعَة وَاسْتشْهدَ
لذَلِك بِشعر وَذكر فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ
الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ فِي
النَّعْلَيْنِ وَقد تقدم شَرحه فِي الصَّلَاة الثَّانِي
حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ
مَدَنِيَّانِ
[5851] قَوْلُهُ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا
فَذَكَرَهَا فَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسِّ
الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ فَتَقَدَّمَ
(10/308)
شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ
الْإِهْلَالُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَأَمَّا الصَّبْغُ
بِالصُّفْرَةِ فَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التزعفر وَوَقع فِي
رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ
تُصَفِّرُ بِالْوَرْسِ وَأَمَّا لُبْسُ النِّعَالِ
السِّبْتِيَّةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ هُنَا
وَقَول بن عُمَرَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ
فِيهَا شَعْرٌ يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ مَالِكٍ الْمَذْكُورَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ السِّبْتِيَّةُ الَّتِي دُبِغَتْ
بِالْقَرَظِ وَهِيَ الَّتِي سُبِّتَ مَا عَلَيْهَا مِنْ
شَعْرٍ أَيْ حُلِقَ قَالَ وَقَدْ يتَمَسَّك بِهَذَا مَنْ
يَدَّعِي أَنَّ الشَّعْرَ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ
لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الدِّبَاغُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
لذَلِك وَاسْتدلَّ بِحَدِيث بن عُمَرَ فِي لِبَاسِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّعَالَ
السِّبْتِيَّةَ وَمَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ
لُبْسِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ
لبسهَا فِي الْمَقَابِر لحَدِيث بشير بن الْخَصَاصِيَةِ
قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي الْمَقَابِرِ عَلَى
نَعْلَانِ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي يَا صَاحِبَ
السِّبْتِيَّتَيْنِ إِذَا كُنْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ
وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الْأَمْرُ بِخَلْعِهِمَا لِأَذًى فِيهِمَا وَقَدْ
ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ
نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ وَهُوَ
دَالٌّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ
قَالَ وَثَبَتَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ قَالَ
فَإِذَا جَازَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ
فَالْمَقْبَرَةُ أَوْلَى قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
النَّهْيُ لِإِكْرَامِ الْمَيِّتِ كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ
عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ
السِّبْتِيَّتَيْنِ لِلتَّخْصِيصِ بَلِ اتَّفَقَ ذَلِكَ
وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَشْيِ عَلَى الْقُبُورِ
بِالنِّعَالِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ حَدِيثُ
بن عمر وبن عَبَّاسٍ فِيمَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ
وَفِيهِ ذِكْرُ النَّعْلَيْنِ وَقد تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا
فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
اسْتِحْبَابُ لُبْسِ النَّعْلِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ اسْتَكْثِرُوا مِنَ
النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا
انْتَعَلَ أَيْ إِنَّهُ شَبِيهٌ بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّةِ
الْمَشَقَّةِ وَقِلَّةِ التَّعَبِ وَسَلَامَةِ الرِّجْلِ
مِنْ أَذَى الطَّرِيقِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ هَذَا كَلَامٌ بَلِيغٌ وَلَفْظٌ فَصِيحٌ
بِحَيْثُ لَا يُنْسَجُ عَلَى مِنْوَالِهِ وَلَا يُؤْتَى
بِمِثَالِهِ وَهُوَ إِرْشَادٌ إِلَى الْمَصْلَحَةِ
وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا يُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ فَإِنَّ
الْحَافِيَ الْمُدِيمَ لِلْمَشْيِ يَلْقَى مِنَ الْآلَامِ
وَالْمَشَقَّةِ بِالْعِثَارِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْطَعُهُ
عَنِ الْمَشْيِ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى
مَقْصُودِهِ كَالرَّاكِبِ فَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهِ
(قَوْلُهُ بَابُ يُبْدَأُ بِالنَّعْلِ الْيُمْنَى)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ يُحِبُّ
التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ
ظَاهِرٌ فِيمَا تُرْجِمَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
بَابُ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ذَكَرَ فِيهِ
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ
عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ
أَنَّ النَّعْلَ شُرِعَتْ لِوِقَايَةِ الرِّجْلِ عَمَّا
يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ شَوْكٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِذَا
انْفَرَدَتْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ
(10/309)
احْتَاجَ الْمَاشِي أَنْ يَتَوَقَّى
لِإِحْدَى رِجْلَيْهِ مَا لَا يَتَوَقَّى لِلْأُخْرَى
فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ سَجِيَّةِ مَشْيهِ وَلَا
يَأْمَنُ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْعِثَارِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ
لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ جَوَارِحِهِ وَرُبَّمَا نُسِبَ
فَاعِلُ ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَالِ الرَّأْيِ أَوْ ضعفه
وَقَالَ بن الْعَرَبِيّ قيل الْعلَّة فِيهَا أَنَّهَا
مشْيَة للشَّيْطَان وَقِيلَ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ
الِاعْتِدَالِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْكَرَاهَةُ فِيهِ
لِلشُّهْرَةِ فَتَمْتَدُّ الْأَبْصَارُ لِمَنْ تَرَى
ذَلِكَ مِنْهُ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الشُّهْرَةِ
فِي اللِّبَاسِ فَكُلُّ شَيْءٍ صَيَّرَ صَاحِبَهُ شُهْرَةً
فَحَقُّهُ أَنْ يُجْتَنَبَ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
بِلَفْظِ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ
فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَهَا وَلَهُ مِنْ
حَدِيثِ جَابِرٍ حَتَّى يُصْلِحَ نَعْلَهُ وَلَهُ
وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ أَوْ شِرَاكُهُ فَلَا
يَمْشِ فِي إِحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةً
لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا
فَهَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى
الْإِذْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا هُوَ
تَصْوِيرٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَيُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَهُوَ
التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ
إِذَا مُنِعَ مَعَ الِاحْتِيَاجِ فَمَعَ عَدَمِ
الِاحْتِيَاجِ أَوْلَى وَفِي هَذَا التَّقْرِيرِ
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ حِينَ
الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ
أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا أَخَفُّ
لِكَوْنِهَا لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ
لِعِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ فِيهَا أَيْضًا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى
ضَعْفِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى فِي النَّعْلِ
الْوَاحِدَةِ حَتَّى يُصْلِحَهَا وَقَدْ رَجَّحَ
الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقْفَهُ عَلَى عَائِشَةَ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَأُخِيفَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ فَيَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَة وَكَذَا أخرجه
بن أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا وَكَأَنَّهَا لَمْ
يَبْلُغْهَا النَّهْيُ وَقَوْلُهَا لَأُخِيفَنَّ مَعْنَاهُ
لَأَفْعَلَنَّ فِعْلًا يُخَالِفُهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
ضَبْطِهِ فَرُوِيَ لَأُخَالِفَنَّ وَهُوَ أَوْضَحُ فِي
الْمُرَادِ وَرُوِيَ لَأَحْنَثَنَّ مِنَ الْحِنْثِ
بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْمُثَلَّثَةِ
وَاسْتُبْعِدَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهَا
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَلَفَ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ
فَأَرَادَتِ الْمُبَالَغَةَ فِي مُخَالَفَتِهِ وَرُوِيَ
لَأُخِيفَنَّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا
تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ فَاءٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ
وَقَدْ وَجَّهْتُ بِأَنَّ مُرَادَهَا أَنَّهُ إِذَا
بَلَغَهُ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ
خَوْفًا مِنْهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَدْ
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ
يُنْكِرُ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ فَفِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ
خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ
عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ أَمَّا إِنَّكُمْ تُحَدِّثُونَ
أَنِّي أَكْذِبُ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ أَشْهَدُ
لَسَمِعْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا
هُرَيْرَةَ جَابِرٌ عَلَى رَفْعِ الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَ
مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا
يُمْشَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَهَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ
وَاحِدَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ
أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يصلح
شسعه وَلَا يمشي فِي خف وَاحِد قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ
لَمْ يَأْخُذْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِرَأْيِ عَائِشَةَ فِي
ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وبن عُمَرَ أَيْضًا
أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ
بَلَغَهُمَا النَّهْيُ فَحَمَلَاهُ عَلَى التَّنْزِيهِ
أَوْ كَانَ زَمَنُ فِعْلِهِمَا يَسِيرًا بِحَيْثُ يُؤْمَنُ
مَعَهُ الْمَحْذُورُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُمَا النَّهْيُ
أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالشِّسْعُ
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا
عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ السَّيْرُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ
إِصْبَعُ الرِّجْلِ مِنَ النَّعْلِ وَالشِّرَاكُ بِكَسْرِ
الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ
أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ فِي وَجْهِهَا
وَكِلَاهُمَا يَخْتَلُّ الْمَشْيُ بِفَقْدِهِ وَقَالَ
عِيَاضٌ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْمَشْيِ فِي
نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِد أثر لم يَصح أَوله
تَأْوِيلٌ فِي الْمَشْيِ الْيَسِيرِ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُ
الْأُخْرَى وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يَمْشِ قَدْ
يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ أَجَازَ الْوُقُوفَ بِنَعْلٍ
وَاحِدَةٍ إِذَا عَرَضَ لِلنَّعْلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى
إِصْلَاحِهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَنَقَلَ
عِيَاضٌ
(10/310)
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَخْلَعُ
الْأُخْرَى وَيَقِفُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ حَارَّةٍ أَوْ
نَحْوِهَا مِمَّا يضر فِيهِ الْمَشْي فِيهِ حَتَّى
يُصْلِحَهَا أَوْ يَمْشِيَ حَافِيًا إِنْ لَمْ يكن ذَلِك
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي
الْفَتْوَى وَفِي الْأَثَرِ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصُورَةِ الْجُلُوسِ وَالَّذِي
يَظْهَرُ جَوَازُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي
النَّهْيِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ
إِرَادَةِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ
يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ أَيْضًا
[5856] قَوْلُهُ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا قَالَ بن عَبْدِ
الْبَرِّ أَرَادَ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ
لَهُمَا ذِكْرٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ
وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرٍ لَمْ
يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ
وَيُنْعِلْهُمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ
مَنْ أَنْعَلَ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا نَعَلَ
بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَانْتَعَلَ أَيْ
لَبِسَ النَّعْلَ لَكِنْ قَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ
أَيْضًا أَنْعَلَ رِجْلَهُ أَلْبَسَهَا نَعْلًا وَنَعَلَ
دَابَّتَهُ جَعَلَ لَهَا نَعْلًا وَقَالَ صَاحِبُ
الْمُحْكَمِ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَالْبَعِيرَ
وَنَعَلَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَا ضَبَطَهُ عِيَاضٌ
فِي حَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ غَسَّانَ
تُنَعِّلُ الْخَيْلَ بِالضَّمِّ أَيْ تَجْعَلُ لَهَا
نِعَالًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ إِنْ كَانَ
لِلْقَدَمَيْنِ جَازَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَإِنْ كَانَ
لِلنَّعْلَيْنِ تَعَيَّنَ الْفَتْحُ قَوْلُهُ أَوْ
لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ
لِيَخْلَعْهُمَا وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
وَالَّذِي فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ كَالَّذِي
فِي الْبُخَارِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَا
الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَوْ
لِيَخْلَعْهُمَا يَعُودُ عَلَى النَّعْلَيْنِ لِأَنَّ
ذِكْرَ النَّعْلِ قَدْ تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
تَكْمِلَةٌ قَدْ يَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ
كَالْخُفَّيْنِ وَإِخْرَاجِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ
الْكُمِّ دُونَ الْأُخْرَى وَلِلتَّرَدِّي عَلَى أَحَدِ
الْمَنْكِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَهُ الْخطابِيّ قلت
وَقد أخرج بن مَاجَهْ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي
نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ
مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن
عَبَّاسٍ وَإِلْحَاقُ إِخْرَاجِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ
الْكُمِّ وَتَرْكِ الْأُخْرَى بِلُبْسِ النَّعْلِ
الْوَاحِدَةِ وَالْخُفِّ الْوَاحِدِ بَعِيدٌ إِلَّا إِنْ
أُخِذَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ
وَتَرْكِ الشُّهْرَةِ وَكَذَا وَضْعُ طَرَفِ الرِّدَاء على
أحد الْمَنْكِبَيْنِ وَالله أعلم
(
قَوْله بَاب ينْزع نَعله الْيُسْرَى)
وَقد ذكر هَذِه التَّرْجَمَة قبل الَّتِي قبلهَا عِنْد
الْجَمِيع إِلَّا أَبَا ذَر وَلكُل مِنْهُمَا وَجه
[5855] قَوْله إِذا انتعل أَي لبس النَّعْل قَوْله
بِالْيَمِينِ فِي رِوَايَة الْكشميهني باليمنى قَوْله
وَإِذا انتزع فِي رِوَايَة مُسلم وَإِذا خلع قَوْله لتسكن
الْيُمْنَى أَولهمَا تنعل وآخرهما تنْزع زعم بن وضاح
فِيمَا حَكَاهُ بن التِّين أَن هَذَا الْقدر مدرج وَأَن
الْمَرْفُوع انْتهى عِنْد قَوْله بالشمال وَضبط قَوْله
أَولهمَا وآخرهما بِالنّصب على أَنه خبر كَانَ أَو على
الْحَال وَالْخَبَر تنعل وتنزع وضبطا بمثناتين فوقانيتين
وتحتانيتين مذكرتين بِاعْتِبَار النَّعْل وَالْخلْع قَالَ
بن الرعبي الْبدَاءَة بِالْيَمِينِ مَشْرُوعَة فِي جَمِيع
الْأَعْمَال الصَّالِحَة لفضل الْيمن حسا فِي الْقُوَّة
وَشرعا فِي النّدب إِلَى تَقْدِيمهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ
(10/311)
يسْتَحبّ الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ فِي
كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التكريم أَو الزِّينَة والبداءة
باليسار فِي ضد ذَلِك كالدخول إِلَى الْخَلَاء وَنزع
النَّعْل والخف وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد والاستنجاء
وَغَيره من جَمِيع المستقذرات وَقد مر كثير من هَذَا فِي
كتاب الطَّهَارَة فِي شرح حَدِيث عَائِشَة كَانَ يُعجبهُ
التَّيَمُّن وَقَالَ الْحَلِيمِيّ وَجه الِابْتِدَاء
بالشمال عِنْد الْخلْع أَن اللّبْس كَرَامَة لِأَنَّهُ
وقاية للبدن فَلَمَّا كَانَت الْيُمْنَى أكْرم من
الْيُسْرَى بدىء بهَا فِي اللّبْس وأخرت فِي الْخلْع
لتَكون الْكَرَامَة لَهَا أدوم وحظها مِنْهَا أَكثر قَالَ
بن عبد الْبر من بَدَأَ بالانتعال فِي الْيُسْرَى أَسَاءَ
لمُخَالفَة السّنة وَلَكِن لَا يحرم عَلَيْهِ لبس نَعله
وَقَالَ غَيره يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْزع النَّعْل من
الْيُسْرَى ثمَّ يبْدَأ باليمنى وَيُمكن أَن يكون مُرَاد
بن عبد الْبر مَا إِذا لبسهما مَعًا فَبَدَأَ باليسرى
فَإِنَّهُ لَا يشرع لَهُ أَن ينزعهما ثمَّ يَلْبسهُمَا على
التَّرْتِيب الْمَأْمُور بِهِ إِذْ قد فَاتَ مَحَله وَنقل
عِيَاض وَغَيره الْإِجْمَاع على أَن الْأَمر فِيهِ
للاستحباب وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ قِبَالَانِ فِي نَعْلٍ)
أَيْ فِي كُلِّ فَرْدَةٍ وَمَنْ رَأَى قِبَالًا وَاحِدًا
وَاسِعًا أَيْ جَائِزٌ الْقِبَالُ بِكَسْرِ الْقَافِ
وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ لَامٌ هُوَ
الزِّمَامُ وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ
الشِّسْعُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ إِصْبَعَيِ الرجل قَوْله
همام وَقع فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ
هِشَامٌ بَدَلَ هَمَّامٍ وَالَّذِي عِنْدَ الْجَمَاعَةِ
أَوْلَى
[5857] قَوْلُهُ إِنَّ نَعْلَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ فِي رِوَايَة عِنْدَ
الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْإِفْرَادِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ
لَهُمَا قَوْله قبالان زَاد بن سَعْدٍ عَنْ عَفَّانَ عَنْ
هَمَّامٍ مِنْ سِبْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ بِدُونِ هَذِهِ
الزِّيَادَةِ وَقَوْلُهُ سِبْتٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ
وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ وَقَدْ
فَسَّرَهُ فِي الحَدِيث قَوْله حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ بن
مقَاتل وَعبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ
[5858] قَوْلُهُ عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ أخَرَجَ
إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَعْلَيْنِ لَهُمَا
قِبَالَانِ فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ هَذِهِ نَعْلُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا
مُرْسَلٌ قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قُلْتُ صُورَتَهُ
الْإِرْسَالُ لِأَنَّ ثَابِتًا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ
أَنَسًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ثَابِتٌ قَالَهُ
بِحَضْرَةِ أَنَسٍ وَأَقَرَّهُ أَنَسٌ عَلَى ذَلِكَ
فَيَكُونُ أَخْذُ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ لَهُ عَنْ أَنَسٍ
عَرَضًا لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي
الْخمس من طَرِيق بن أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ عِيسَى
بْنِ طَهْمَانَ بِمَا يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ
وَلَفْظُهُ أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ
جَرْدَاوَتَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ
الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ
بِهَذَا أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى عَنْ أَنَسٍ إِخْرَاجُهُ
النَّعْلَيْنِ فَقَطْ وَأَنَّ إِضَافَتَهُمَا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى
عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ أَشَارَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى أَنَّ إِخْرَاجَ طَرِيقِ أَبِي
أَحْمَدَ أَوْلَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّهَا
تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ وَالْبُخَارِيُّ عَلَى عَادَتِهِ
إِذَا صَحَّتِ الطَّرِيقُ مَوْصُولَةً لَا يَمْتَنِعُ مِنْ
إِيرَادِ مَا ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ اعْتِمَادًا عَلَى
الْمَوْصُولِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي
الشَّمَائِل وبن ماجة بِسَنَد قوي من حَدِيث بن عَبَّاسٍ
كَانَتْ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قِبَالَانِ مُثَنًّى شِرَاكُهُمَا قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ دلَالَة الحَدِيث
(10/312)
عَلَى التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
النَّعْلَ صَادِقَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ مَا يُلْبَسُ فِي
الرِّجْلَيْنِ وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي مِنَ
التَّرْجَمَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقَابَلَةَ الشَّيْءِ
بِالشَّيْءِ يُفِيدُ التَّوْزِيعَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
نَعْلِ كُلِّ رِجْلٍ قِبَالٌ وَاحِدٌ قُلْتُ بَلْ أَشَارَ
الْبُخَارِيُّ إِلَى مَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ
فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ حَدِيثِ
أَنَسٍ هَذَا وَزَادَ وَكَذَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ
وَأَوَّلُ مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً وَاحِدَةً عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ لَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ وَسِيَاقُ الْبَزَّارِ
مُخْتَصَرٌ وَرِجَالُ سَنَدِهِ ثِقَاتٌ وَلَهُ شَاهِدٌ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْس مثله دون ذكر عُثْمَان
(قَوْلُهُ بَابُ الْقُبَّةِ الْحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ)
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُهْمَلَةِ هُوَ الْجِلْدُ
الْمَدْبُوغُ وَكَأَنَّهُ صُبِغَ بِحُمْرَةٍ قَبْلَ أَنْ
يُجْعَلَ قُبَّةً ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي
جُحَيْفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ
بِتَمَامِهِ مَشْرُوحًا وَسَاقَهُ فِيهِ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا
[5859] قَوْلُهُ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ
فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ
الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ قَرِيبًا فِي بَابِ الثَّوْبِ
الْأَحْمَرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى
تَضْعِيفِ حَدِيثِ رَافِعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ هُنَاكَ
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ قَالَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَنْصَارِ
فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَهُوَ أَيْضًا
طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ
الْخُمُسِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
بِعَيْنِهِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْقُبَّةَ حَمْرَاءُ لَكِنْ يَكْفِي أَنَّهُ
يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ التَّرْجَمَةِ وَكَثِيرًا مَا
يَفْعَلُ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ لَعَلَّهُ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ
وَذَلِكَ لِقُرْبِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي
ذَكَرَهَا أَنَسٌ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالَّتِي
ذَكَرَهَا أَبُو جُحَيْفَةَ كَانَتْ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَبَيْنَهُمَا نَحْوُ سَنَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ
أَنَّهَا هِيَ تِلْكَ الْقُبَّةُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَتَأَنَّقُ فِي مِثْلِ
ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ وَإِذَا وَصَفَهَا أَبُو
جُحَيْفَةَ بِأَنَّهَا حَمْرَاءُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي
فَلَأَنْ تَكُونَ حُمْرَتُهَا مَوْجُودَةً فِي الْوَقْتِ
الْأَوَّلِ أَوْلَى
[5860] قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْث حَدثنِي يُونُس عَن بن
شِهَابٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ
الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدِ اقْتَطَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ
مِنَ الْحَدِيثِ فَسَاقَهَا عَلَى لَفْظِ اللَّيْثِ
وَأَوَّلُ حَدِيثِ شُعَيْبٍ عِنْدَهُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ
أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا حِينَ أَفَاءَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا
أَفَاءَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ فَحُدِّثَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ
فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي غَزْوَةِ
حُنَيْنٍ وَقَدْ وَصَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ
اللَّيْثِ مِنْ طَرِيقِ الرَّمَادِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو
صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَمِنْ
طَرِيقِ حَرْمَلَة عَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ
وَسَاقَهُ بِلَفْظِ فَحُدِّثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ
فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ هَكَذَا اقْتَطَعَهُ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ وَأَوَّلُهُ
عِنْدَهُ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ
حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ
(10/313)
(قَوْلُهُ بَابُ الْجُلُوسِ عَلَى
الْحَصِيرِ)
وَنَحْوِهِ أَمَّا الْحَصِيرُ فَمَعْرُوفٌ يُتَّخَذُ مِنَ
السَّعَفِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ
فَيُرِيدُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبْسَطُ وَلَيْسَ
لَهَا قَدْرٌ رَفِيعٌ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ
ومعتمر فِي إِسْنَاده هُوَ بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
وَعبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَسَعِيدٌ هُوَ
الْمَقْبُرِيُّ وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ
التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ أَوَّلُهُمْ أَبُو سَلَمَةَ
وَهُمْ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ضَعْفِ مَا
أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ
هَانِئٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى
الْحَصِيرِ وَاللَّهُ يَقُولُ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ
للْكَافِرِينَ حَصِيرا فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي
عَلَى الْحَصِيرِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّفْيِ
عَلَى الْمُدَاوَمَةِ لَكِنْ يَخْدِشُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ
شُرَيْحٌ مِنَ الْآيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ
فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ بَابَ الصَّلَاةِ عَلَى
الْحَصِيرِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فَقُمْتُ
إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ
الْحَدِيثَ وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَوله
[5861] فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ يَحْتَجِرُ بِحَاءٍ
مُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ
لِلْأَكْثَرِ أَيْ يَتَّخِذُ حُجْرَةً لِنَفْسِهِ يُقَالُ
حَجَرْتَ الْأَرْضَ وَاحْتَجَرْتَهَا إِذَا جَعَلْتَ
عَلَيْهَا عَلَامَةً تَمْنَعُهَا عَنْ غَيْرِكَ وَوَقَعَ
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِزَايٍ فِي آخِرِهِ
قَوْلُهُ يَثُوبُونَ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ
يَرْجِعُونَ وَقَوْلُهُ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ
حَتَّى تَمَلُّوا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ
الْإِيمَانِ وَأَنَّ الْمَلَالَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقَبُولِ
أَوِ التَّرْكِ أَوْ أُطْلِقَ عَلَى سَبِيلِ
الْمُشَاكَلَةِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ
إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ أَيْ مَا اسْتَمَرَّ فِي حَيَاةِ
الْعَامِلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الدَّوَامِ
الَّتِي هِيَ شُمُولُ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَوَقَعَ فِي
رِوَايَة الْكشميهني مَا دوَام أَي مَا داوم عَلَيْهِ
الْعَامِل
(10/314)
(قَوْلُهُ بَابُ الْمُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ)
أَيْ مِنَ الثِّيَابِ
[5862] قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ
أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ اللَّيْثِ
بِلَفْظِهِ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ كَامِلِ
بْنِ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
مَوْصُولًا قَرِيبًا وَفِي الْهِبَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ
اللَّيْثِ لَكِنْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ قَوْلُهُ إِنَّ
أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ يَا بُنَيَّ فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ قَالَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ
الْحَدِيثِ قَرِيبًا فِي بَابِ الْقَبَاءِ وَفَرُّوجٍ مِنْ
حَرِيرٍ وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ
دِيبَاجٍ مُزَرَّرٍ بِالذَّهَبِ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ وَقَعَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَمَّا وَقَعَ
تَحْرِيمُ الْحَرِير وَالذَّهَب على الرِّجَال لم يبْق فِي
هَذَا حُجَّةً لِمَنْ يُبِيحُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ فَيَكُونَ
أَعْطَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِأَنْ يَكْسُوَهُ النِّسَاءَ
أَوْ لِيَبِيعَهُ كَمَا وَقع لغيره وَيكون مَعْنَى
قَوْلِهِ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ أَيْ عَلَى يَدِهِ
فَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَطْيِيبَ قَلْبِ مَخْرَمَةَ
وَأَنَّهُ كَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ وَفِي قَوْلِهِ
لِوَلَدِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمَّا قَالَ لَهُ
أَدْعُو لَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَعْرِضِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِهِ ادْعُهُ
لِي فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَيْسَ
بِجَبَّارٍ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ مَخْرَمَةَ
وَإِنْ كَانَ قَدْ وُصِفَ بِأَنَّهُ سَيِّئُ الْخُلُقِ
وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَحُسْنُ تَلَطُّفِهِ بِأَصْحَابِهِ
(قَوْلُهُ بَابُ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ)
جَمْعُ خَاتَمٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى خَوَاتِمَ بِلَا
يَاءٍ وَعَلَى خَيَاتِيمَ بِيَاءٍ بَدَلَ الْوَاوِ وَبِلَا
يَاءٍ أَيْضًا وَفِي الْخَاتَمِ ثَمَانِ لُغَاتٍ فَتْحُ
التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَهُمَا وَاضِحَتَانِ
وَبِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأَلِفِ مَعَ كَسْرِ الْخَاءِ
خِتَامٌ وَبِفَتْحِهَا وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ
وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا وَاوٌ خَيْتُومٌ
وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ مَعَ سُكُونِ
الْمُثَنَّاةِ خَتْمٌ وَبِأَلِفٍ بَعْدَ الْخَاءِ
وَأُخْرَى بَعْدَ التَّاءِ خَاتَامٌ وَبِزِيَادَةِ
تَحْتَانِيَّةٍ بَعْدَ الْمُثَنَّاةِ الْمَكْسُورَة خاتيام
وبحذف الْألف الْأُولَى وَتَقْدِيمِ التَّحْتَانِيَّةِ
خَيْتَامٌ وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي بَيت وَهُوَ
(10/315)
(خاتام خَاتم ختم خَاتم وختا ... م
خَاتِيَامٌ وَخَيْتُومٌ وَخَيْتَامُ) وَقَبْلَهُ
(خُذْ نَظْمَ عَدِّ لُغَاتِ الْخَاتَمِ انْتَظَمَتْ ...
ثَمَانِيًا مَا حَوَاهَا قَبْلُ نُظَّامُ) ثُمَّ زِدْتُ
ثَالِثًا
(وَهَمْزُ مَفْتُوحِ تَاءٍ تَاسِعٌ وَإِذَا ... سَاغَ
الْقِيَاسُ أَتَمَّ الْعَشْرَ خَاتَامُ) أَمَّا الْأَوَّلُ
فَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الشَّوَاذِّ فِي
الْكَلَامِ عَلَى مَنْ قَرَأَ الْعَالَمِينَ بِالْهَمْزِ
قَالَ وَمِثْلُهُ الْخَأْتَمُ بِالْهَمْزِ وَأَمَّا
الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَاقْتَصَرَ
كَثِيرُونَ مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ عَلَى أَرْبَعَةٍ
وَالْحَقُّ أَنَّ الْخَتْمَ وَالْخِتَامَ مُخْتَصٌّ بِمَا
يُخْتَمُ بِهِ فَتَكْمُلُ الثَّمَانِ فِيهِ وَأَمَّا مَا
يُتَزَيَّنُ بِهِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا سِتَّةٌ
وَأَنْشَدُوا فِي الْخَاتِيَامِ وَهُوَ أَغْرَبُهَا
(أَخَذْتُ مِنْ سعداك خاتياما ... لموعد تكتسب الآثاما)
ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث الأول حَدِيثُ الْبَرَاءِ
قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ سَبْعٍ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ
أَوْ قَالَ حَلْقَةِ الذَّهَبِ كَذَا فِي هَذِهِ
الطَّرِيقِ مِنْ رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَة عَن أَشْعَث
بن سليم وَهُوَ بن أبي الشَّعْثَاءِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ
بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ
فَذَكَرَهُ بِتَقْدِيمِ النَّوَاهِي عَلَى الْأَوَامِرِ
وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ عَنْ أَبِي
الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ بتِقَدِيمِ الْأَوَامِرِ عَلَى
النَّوَاهِي لَكِنْ سَقَطَ مِنَ النَّوَاهِي ذِكْرُ
الْمَيَاثِرِ وَقَالَ فِيهِ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَلَمْ
يَشُكَّ وَأَوْرَدَهُ فِي الْمَظَالِمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ فِيهِ
الْمَنْهِيَّاتِ جُمْلَةً وَأَوْرَدَهُ فِي الطِّبِّ عَنْ
حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنْ سَقَطَ مِنَ
النَّوَاهِي آنِيَةُ الْفِضَّةِ وَذَكَرَ مِنَ
الْأَوَامِرِ ثَلَاثَةً فَقَطْ اتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ
وَعِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَإِفْشَاءَ السَّلَامِ
وَاخْتَصَرَ الْبَاقِي وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا خَاتَمِ
الذَّهَبِ وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَاخِرِ الْأَدَبِ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ لَكِنْ
لَمْ يَذْكُرِ الْقَسِّيَّ وَلَا آنِيَةَ الْفِضَّةِ
وَقَالَ بَدَلَ الْإِسْتَبْرَقِ السُّنْدُسَ وَأَخْرَجَهُ
فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ مُقْتَصَرًا عَلَى إِبْرَارِ الْقَسَمِ حَسْبَ
فَهَذَا مَا عِنْدَهُ مِنْ تَغَايُرِ السِّيَاقِ فِي
رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَقَطْ وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ
غَيْرِهِ عَنْ أَشْعَثَ عِنْدَهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ
أَخْرَجَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي
عَوَانَةَ عَنِ الْأَشْعَثِ فَقَدَّمَ الْأَوَامِرَ عَلَى
النَّوَاهِي وَسَاقَهُ تَامًّا وَقَالَ فِيهِ وَنَهَانَا
عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي
الْوَلِيمَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ
أَشْعَثَ مِثْلَهُ سَوَاءً وَهُوَ الْمُطَابِقُ
لِلتَّرْجَمَةِ هُنَا وَأَخْرَجَهُ فِي أَوَائِلِ
الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ أَشْعَثَ
كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ وَنَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي اللِّبَاسِ مِنْ رِوَايَةِ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الْقَسِّيِّ
مُخْتَصَرًا جِدًّا نَهَانَا عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمُرِ
وَعَنِ الْقَسِّيِّ وَفِي بَابِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ
مِنْ رِوَايَتِهِ أَمَرَنَا بِسَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا
الْعِيَادَةَ وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتَ
الْعَاطِسِ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَلَمْ يَذْكُرْ
مِنْهَا خَاتَمَ الذَّهَبِ وَلَا آنِيَةَ الْفِضَّةِ
فَهَذِهِ جَمِيعُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُ
فَأَمَّا الْمَنْهِيَّاتُ فقد شرحت فِي أماكنها ومعظمها
هَذَا الْكِتَابِ كِتَابِ اللِّبَاسِ وَتَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَى آنِيَةِ الْفِضَّةِ فِي كِتَابِ
الْأَشْرِبَةِ وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَنَذْكُرُ كُلَّ
وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي بَابِهَا وَيَأْتِي بَسْطُهَا فِي
كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ
الثَّانِي حَدِيثُ أبي هُرَيْرَة
[5864] قَوْلُهُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ بِفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَنَهِيكٌ
بِالنُّونِ وَزْنُهُ سَوَاءٌ قَوْلُهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ
خَاتَمِ الذَّهَبِ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ
نَهَى عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ قَوْلُهُ وَقَالَ
عَمْرو هُوَ بن مَرْزُوقٍ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ سَاقَ
هَذَا الْإِسْنَادَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ سَمَاعِ
قَتَادَةَ مِنَ النَّضْرِ وَهُوَ بن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ الَّذِي قَبْلَهُ وَسَمَاعِ
النَّضْرِ مِنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ وَقَدْ وَصَلَهُ
أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أبي قلَابَة الرقاشِي
وقاسم بن أصبغ فِي مُصَنفه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبِ
(10/316)
بْنِ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَرْزُوقٍ بِهِ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ قَتَادَةَ
مِنَ النَّضْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَأَخْرَجَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَذَلِكَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ
إِخْبَارُ الصَّحَابِيِّ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى
ثَلَاثِ مَرَاتِبٍ الْأُولَى أَنْ يَأْتِيَ بِالصِّيغَةِ
كَقَوْلِه افعلوا أَولا تَفْعَلُوا الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِكَذَا وَنَهَانَا عَنْ كَذَا وَهُوَ
كَالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فِي الْعَمَلِ بِهِ أَمْرًا
وَنَهْيًا وَإِنَّمَا نَزَلَ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ ظَنَّ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ أَمْرًا إِلَّا أَنَّ
هَذَا الِاحْتِمَالَ مَرْجُوحٌ لِلْعِلْمِ بِعَدَالَتِهِ
وَمَعْرِفَتِهِ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ لُغَةً
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا عَلَى
الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهِيَ كَالثَّانِيَةِ
وَإِنَّمَا نَزَلَتْ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ
الْآمِرُ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالنَّهْيُ عَنْ
خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوِ التَّخَتُّمِ بِهِ مُخْتَصٌّ
بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ
عَلَى إِبَاحَته للنِّسَاء قلت وَقد أخرج بن أَبِي
شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ
أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِلْيَةً فِيهَا خَاتم من ذهب فَأَخذه وَإِنَّهُ
لَمُعْرِضٌ عَنْهُ ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ ابْنَته
فَقَالَ تحلى بِهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَظَاهِرُ
النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ
وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ قَالَ عِيَاضٌ وَمَا
نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ مِنْ تَخَتُّمِهِ بِالذَّهَبِ فَشُذُوذٌ
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ فِيهِ
فَالنَّاسُ بَعْدَهُ مُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَكَذَا
مَا رُوِيَ فِيهِ عَن خباب وَقد قَالَ لَهُ بن مَسْعُودٍ
أَمَا آنَ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى فَقَالَ
إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ
فَكَأَنَّهُ مَا كَانَ بَلَغَهُ النَّهْيُ فَلَمَّا
بَلَغَهُ رَجَعَ قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى
أَنَّ لُبْسَهُ لِلرِّجَالِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ
لَا تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحَرِيرِ
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ
الْخِلَافِ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ يُنَاقِضُ الْقَوْلَ
بِالْإِجْمَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَا بُدَّ مِنَ
اعْتِبَارِ وَصْفِ كَوْنِهِ خَاتَمًا قُلْتُ التَّوْفِيقُ
بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ
بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ انْقَرَضَ وَاسْتَقَرَّ
الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ جَاءَ
عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لُبْسُ خَاتَمِ
الذَّهَبِ مِنْ ذَلِكَ مَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ رَأَى
ذَلِكَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ وَصُهَيْبٍ وَذكر سِتَّة أَو سَبْعَة
وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ
جَابِرِ بن سَمُرَة وَعَن عبد اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْخَطْمِيِّ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي
أُسَيْدٍ نَزَعْنَا مِنْ يَدَيْ أبي أُسَيْدٍ خَاتَمًا
مِنْ ذَهَبٍ وَأَغْرَبُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ
عَنِ الْبَرَاءِ الَّذِي روى النَّهْي فَأخْرج بن أَبِي
شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ
رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَعَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوُهُ أَخْرَجَهُ
الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ
مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى
الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا
فَأَلْبَسَنِيهِ فَقَالَ الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ قَالَ الْحَازِمِيُّ إِسْنَادُهُ لَيْسَ
بِذَاكَ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ قُلْتُ لَوْ ثَبَتَ
النَّسْخُ عِنْدَ الْبَرَاءِ مَا لَبِسَهُ بَعْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
رَوَى حَدِيثُ النَّهْيِ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ
عَنْهُ فَالْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَفِعْلِهِ إِمَّا
بِأَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ أَوْ فَهِمَ
الْخُصُوصِيَّةَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ الْبَسْ مَا كَسَاكَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ
الْحَازِمِيِّ لَعَلَّ الْبَراء لم يبلغهُ النَّهْي
وَيُؤَيّد الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي
رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِلْبَرَاءِ
لِمَ تَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَذْكُرُ
لَهُم هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ
تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَضَعَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَسْ مَا كَسَاكَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمِنْ أَدِلَّةِ النَّهْيِ أَيْضًا
مَا رَوَاهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ جَلَسَ رَجُلٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَرَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ
بِقَضِيبٍ فَقَالَ أَلْقِ هَذَا وَعُمُومُ الْأَحَادِيثِ
الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا فِي بَابِ لُبْسِ الْحَرِيرِ
حَيْثُ قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ هَذَانِ
حَرَامَانِ عَلَى رِجَالِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ مَنْ
مَاتَ مِنَ أُمَّتِي وَهُوَ
(10/317)
يَلْبَسُ الذَّهَبَ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ ذَهَبَ الْجَنَّةِ الحَدِيث أخرجه أَحْمد
وَالطَّبَرَانِيّ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ ثَالِثِ
أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَسْخِ
جَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِذَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الذَّهَبِ عَلَى
الرِّجَالِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لِلنَّهْيِ عَنِ
التَّخَتُّمِ وَهُوَ قَلِيل وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ
بِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ فِي قَدْرِ
الْخَاتَمِ وَمَا فَوْقَهُ كَالدُّمْلُجِ وَالْمِعْضَدِ
وَغَيْرِهِمَا فَأَمَّا مَا هُوَ دُونَهُ فَلَا دَلَالَةَ
مِنَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَتَنَاوَلَ النَّهْيُ جَمِيعَ
الْأَحْوَالِ فَلَا يَجُوزُ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ
لِمَنْ فَاجَأَهُ الْحَرْبُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ
بِالْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرِيرِ مِنَ
الرُّخْصَةِ فِي لُبْسِهِ بِسَبَبِ الْحَرْبِ وَبِخِلَافِ
مَا عَلَى السَّيْفِ أَوِ التُّرْسِ أَوِ الْمِنْطَقَةِ
مِنْ حِلْيَةِ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ لَوْ فَجَأَهُ
الْحَرْبُ جَازَ لَهُ الضَّرْبُ بِذَلِكَ السَّيْفِ
فَإِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ فَلْيُنْتَقَضْ لِأَنَّهُ
كُله من متعلقات الْحَرْب بِخِلَاف الْخَاتم الحَدِيث
الثَّالِث حَدِيث بن عُمَرَ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي
الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَوْلُهُ
[5865] فِيهِ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ أَيِ اتَّخَذُوا
مِثْلَهُ كَمَا بَيَّنَهُ بَعْدُ وَقَوْلُهُ مِنْ وَرِقٍ
أَوْ فِضَّةٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَجَزَمَ فِي الَّذِي
يَلِيهِ بِقَوْلِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَفِي الَّذِي يَلِيهِ
بِأَنَّهُ مِنْ وَرِقٍ وَالْوَرِقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَكَسْرِ الرَّاء وَيجوز اسكانها وَحكى الصغاني وَحَكَى
كَسْرَ أَوَّلِهِ مَعَ السُّكُونِ فَتِلْكَ أَرْبَعُ
لُغَاتٍ وَفِيهَا لُغَةٌ خَامِسَةٌ الرِّقَّةُ وَالرَّاءُ
بَدَلَ الْوَاوِ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ وَقِيلَ
الْوَرِقُ يَخْتَصُّ بِالْمَصْكُوكِ والرقة أَعم
(10/318)
(قَوْلُهُ بَابُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ)
أَيْ جَوَازُ لُبْسِهِ وَذكر فِيهِ حديثين الأول
[5866] قَوْله عبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ
قَوْلُهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مَعْنَى
اتَّخَذَهُ أَمَرَ بِصِيَاغَتِهِ فَصِيغَ فَلَبِسَهُ أَوْ
وَجَدَهُ مَصُوغًا فَاتَّخَذَهُ وَقَوْلُهُ مِمَّا يَلِي
بَاطِنَ كَفِّهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَطْنُ
كَفِّهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ
كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِذَا لَبِسَهُ وَقَوْلُهُ
وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا فِيهِ
بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَنَقَشَ أَيْ أَمَرَ
بِنَقْشِهِ قَوْلُهُ فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ
كَوْنَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَوْنَهُ عَلَى صُورَةِ النَّقْشِ
الْمَذْكُورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمُطْلَقِ
الِاتِّخَاذِ وَقَوْلُهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ لَا
أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ
عَنْ نَافِعٍ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ
وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ زِيَادٍ فَرَمَى بِهِ فَلَا نَدْرِي مَا فَعَلَ
وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ
الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِمَا رَأَى مِنْ زَهْوِهِمْ
بِلُبْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِنْ
ذَهَبٍ وَصَادَفَ وَقْتَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الذَّهَبِ عَلَى
الرِّجَالِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ الْمُخْتَصَرَةُ فِي هَذَا
الْبَابِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ
فَنَبَذَهُ فَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَوْلُهُ
وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فِي رِوَايَةِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ ثُمَّ أَمَرَ بِخَاتَمٍ مِنْ
فِضَّةٍ فَأَمَرَ أَنْ يُنْقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ قَوْلُهُ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ
الْفِضَّةِ لم يذكر فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي اتِّخَاذِ
النَّاسِ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ مَنْعًا وَلَا كَرَاهِيَةً
وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَوْله قَالَ بن
عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ
ثُمَّ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ
أَرِيسٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَزْنُ عَظِيمٍ وَهِيَ فِي
حَدِيقَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَسَيَأْتِي
فِي بَابِ نَقْشِ الْخَاتَمِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْعُمَرِيِّ بِلَفْظِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي
بَكْرٍ وَذَكَرَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِمِثْلِ هَذَا
التَّرْتِيبِ وَيَأْتِي بَعْدُ فِي بَاب هَل يَجْعَل نقش
الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ
وَقَالَ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى
بِئْرِ أَرِيسٍ وَزَادَ بن سعد عَن الْأَنْصَارِيُّ
بِسَنَدِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ
سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ اتَّفَقَا وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن
عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ نَافِعٍ مِنَ الزِّيَادَةِ
فِي آخِره عَن بن عُمَرَ فَاتَّخَذَ عُثْمَانُ خَاتَمًا
وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ
يَخْتِمُ بِهِ أَوْ يَتَخَتَّمُ بِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ
مُرْسَلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن عِنْد بن سَعْدٍ فِي
الطَّبَقَاتِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ
نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ إِلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ فَصَّهُ
مِمَّا يَلِي كَفَّهُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ
مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ نِسْبَةَ سُقُوطِهِ إِلَى عُثْمَانَ نِسْبَةٌ
مَجَازِيَّةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ عُثْمَانَ طَلَبَهُ
مِنْ مُعَيْقِيبٍ فَخَتَمَ بِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ فِي
يَدِهِ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ
فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ أَوْ رَدَّهُ إِلَيْهِ فَسَقَطَ
مِنْهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ
بن زِيَاد عَن نَافِع هَذَا الحَدِيث وَقَالَ فِي آخِرِهِ
وَفِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ عَمَلِهِ
فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ فَخَرَجَ
الْأَنْصَارِيُّ إِلَى قَلِيبٍ لِعُثْمَانَ فَسَقَطَ
فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجد الطَّرِيق الثَّانِيَة لحَدِيث
بن عمر
[5867] قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ
فَنَبَذَهُ كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَتَمَّ مِنْهُ وَسَاقَهُ
نَحْوَ رِوَايَةِ نَافِعٍ الَّتِي قَبْلَهَا وَسَيَأْتِي
فِي الِاعْتِصَامِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَار الحَدِيث
الثَّانِي
[5868] قَوْله يُونُس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ
قَوْلُهُ إِنَّهُ رَأَى فِي يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا
وَاحِدًا وَأَنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ
وَرِقٍ فَلَبِسُوهَا فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ
خَوَاتِيمَهُمْ هَكَذَا رَوَى الْحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ
عَنْ أَنَسٍ وَاتفقَ الشَّيْخَانِ
(10/319)
عَلَى تَخْرِيجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَنُسِبَ
فِيهِ إِلَى الْغَلَطِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ
الْخَاتَمَ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ اتِّخَاذِ النَّاسِ مِثْلَهُ
إِنَّمَا هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ كَمَا صرح بِهِ فِي
حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ
قَالَ جَمِيعُ أهل الحَدِيث هَذَا وهم من بن شِهَابٍ
لِأَنَّ الْمَطْرُوحَ مَا كَانَ إِلَّا خَاتَمَ الذَّهَبِ
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ كَمَا سَيَأْتِي قُلْتُ
وَحَاصِلُ الْأَجْوِبَةِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا قَالَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ
إِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْفُوظًا فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ
وَرِقٍ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ وَكَرِهَ أَنْ
يَتَّخِذَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فَلَمَّا اتَّخَذُوهُ رَمَى
بِهِ حَتَّى رَمَوْا بِهِ ثُمَّ اتَّخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ
مَا اتَّخَذَهُ وَنَقَشَ عَلَيْهِ مَا نُقِشَ لِيَخْتِمَ
بِهِ ثَانِيهَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
أَيْضًا أَنَّهُ اتَّخَذَهُ زِينَةً فَلَمَّا تَبِعَهُ
النَّاسُ فِيهِ رَمَى بِهِ فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى
الْخَتْمِ اتَّخَذَهُ لِيَخْتِمَ بِهِ وَبِهَذَا جَزَمَ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ
الْمُهَلَّبِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُتَكَلِّفٌ قَالَ
وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهَا
لِلزِّينَةِ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ لِيَطْرَحُوا ثُمَّ
لَبِسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْخَتْمِ بِهِ
وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي جَوَابُ الْبَيْهَقِيِّ
عَنْ ذَلِكَ فِي بَاب اتِّخَاذ الْخَاتم ثَالِثهَا قَالَ
بن بطال خَالف بن شِهَابٍ رِوَايَةَ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ
وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فِي كَوْنِ الْخَاتَمِ
الْفِضَّةِ اسْتَقَرَّ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ
فَوَجَبَ الْحُكْمُ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنْ وَهِمَ
الزُّهْرِيُّ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْمُهَلَّبُ قَدْ
يُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ لِابْنِ شِهَابٍ مَا يَنْفِي
عَنْهُ الْوَهْمَ وَإِنْ كَانَ الْوَهْمُ أَظْهَرَ
وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَزَمَ
عَلَى إِطْرَاحِ خَاتَمِ الذَّهَبِ اصْطَنَعَ خَاتَمَ
الْفِضَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ
الْخَتْمِ عَلَى الْكُتُبِ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ
مِنْ أَمَرَاءِ السَّرَايَا وَالْعُمَّالِ فَلَمَّا لَبِسَ
خَاتَمَ الْفِضَّةِ أَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَصْطَنِعُوا
مِثْلَهُ فَطَرَحَ عِنْدَ ذَلِكَ خَاتَمَ الذَّهَبِ
فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ قُلْتُ وَلَا
يَخْفَى وَهْيُ هَذَا الْجَوَابُ وَالَّذِي قَالَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَقْرَبُ مَعَ أَنَّهُ يَخْدِشُ فِيهِ
أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اتِّخَاذ خَاتم الْوَرِقِ
مَرَّتَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ نَحْوًا مِنْ قَول بن
بَطَّالٍ قَائِلًا قَالَ بَعْضُهُمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ
بِأَنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى تَحْرِيمِ خَاتَمِ
الذَّهَبِ اتَّخَذَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَلَمَّا لَبِسَهُ
أَرَاهُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَعْلَمُوا
إِبَاحَتَهُ ثُمَّ طَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ
وَأَعْلَمَهُمْ تَحْرِيمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ
خَوَاتِيمَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ
فَطَرَحَ خَاتَمَهُ وَطَرَحُوا خَوَاتِيمَهُمْ أَيِ
الَّتِي مِنَ الذَّهَبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ جَعَلَ
الْمَوْصُوفَ فِي قَوْلِهِ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ فَطَرَحُوا
خَوَاتِيمَهُمْ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ
ذِكْرٌ قَالَ عِيَاضٌ وَهَذَا يُسَوِّغُ أَنْ لَوْ جَاءَتِ
الرِّوَايَةُ مُجْمَلَةً ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ
رِوَايَةَ بن شِهَابٍ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ
فَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَارْتَضَى هَذَا التَّأْوِيلَ
وَقَالَ هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُهُ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ
فَصَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ مِنَ الْوَرِقِ
فَلَبِسُوهَا ثُمَّ قَالَ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ فَطَرَحُوا
خَوَاتِيمَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ
يَصْطَنِعَ لِنَفْسِهِ خَاتَمَ فِضَّةٍ اصْطَنَعُوا
لِأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ وَبَقِيَتْ مَعَهُمْ
خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ كَمَا بَقِيَ مَعَهُ خَاتَمُهُ إِلَى
أَنِ اسْتَبْدَلَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ وَطَرَحَ خَاتَمَ
الذَّهَبِ فَاسْتَبْدَلُوا وَطَرَحُوا اه وَأَيَّدَهُ
الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
الْخَاتَمَ الْمَطْرُوحَ كَانَ مِنْ وَرِقٍ بَلْ هُوَ
مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ عَلَى
مَا نُقِشَ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمِهِ قَالَ وَمَهْمَا
أَمْكَنَ الْجَمْعُ لَا يَجُوزُ توهيم الرَّاوِي قلت
وَيحْتَمل وَجها رَابِعهَا لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا
زِيَادَةُ اتِّخَاذٍ وَهُوَ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمَ
الذَّهَبِ لِلزِّينَةِ فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهِ
وَافَقَ وُقُوعَ تَحْرِيمِهِ فَطَرَحَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ
لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ
تَبَعًا لَهُ وَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ
الذَّهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ ثُمَّ
احْتَاجَ إِلَى الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ بِهِ
فَاتَّخَذَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ اسْمَهُ
الْكَرِيمَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ
فَرَمَى بِهِ حَتَّى رَمَى النَّاسُ تِلْكَ الْخَوَاتِيمَ
الْمَنْقُوشَةَ عَلَى اسْمِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ
نَقْشِ اسْمِهِ بِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فَلَمَّا عَدِمَتْ
خَوَاتِيمُهُمْ بِرَمْيِهَا رَجَعَ إِلَى خَاتَمِهِ
الْخَاصِّ بِهِ فَصَارَ يَخْتِمُ بِهِ وَيُشِيرُ إِلَى
ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي
(10/320)
بَابِ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ إِنَّا
اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا فَلَا
يَنْقُشُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ
يَبْلُغْهُ النَّهْيُ أَوْ بَعْضَ مَنْ بَلَغَهُ مِمَّنْ
لَمْ يَرْسَخْ فِي قلبه الْإِيمَان من مُنَافِق وَنَحْوه
اتَّخذُوا وَنَقَشُوا فَوَقَعَ مَا وَقَعَ وَيَكُونُ
طَرْحُهُ لَهُ غَضَبًا مِمَّنْ تَشَبَّهَ بِهِ فِي ذَلِكَ
النَّقْشِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ
مُخْتَصَرًا جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ
الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ إِنَّهُ رَآهُ فِي يَدِهِ
يَوْمًا لَا يُنَافِي ذَلِكَ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ
فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ
سُئِلَ أَنَسٌ هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا قَالَ أخر لَيْلَة صَلَاة
الْعشَاء إِلَى أَن قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى
وَبِيصِ خَاتَمِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ
كَذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ
بَقِيَّةَ يَوْمِهَا ثُمَّ طَرَحَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَاد عَن
نَافِع عَن بن عُمَرَ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَلَبِسَهُ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ
أَنَسٍ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَ
الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ خَاتَمٌ مِنْ وَرِقٍ
سَهْوٌ وَإِنَّ الصَّوَابَ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَوْلُهُ
يَوْمًا وَاحِدًا ظَرْفٌ لِرُؤْيَةِ أنس لَا لمُدَّة
اللّبْس وَقَول بن عُمَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفٌ
لِمُدَّةِ اللُّبْسِ وَإِنْ قُلْنَا أَنْ لَا وَهْمَ
فِيهَا وَجَمَعْنَا بِمَا تَقَدَّمَ فَمُدَّةُ لُبْسِ
خَاتَمِ الذَّهَبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي حَدِيث بن
عُمَرَ هَذَا وَمُدَّةُ لُبْسِ خَاتَمِ الْوَرِقِ
الْأَوَّلِ كَانَتْ يَوْمًا وَاحِدًا كَمَا فِي حَدِيثِ
أَنَسٍ ثُمَّ لَمَّا رَمَى النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ الَّتِي
نَقَشُوهَا عَلَى نَقْشِهِ ثُمَّ عَادَ فَلَبِسَ خَاتَمَ
الْفِضَّةِ وَاسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ مَاتَ قَوْلُهُ
تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ أَمَّا مُتَابَعَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ فَوَصَلَهَا
مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ
بِمِثْلِ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ لَا مُخَالَفَةَ
إِلَّا فِي بَعْضِ لَفْظٍ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ زِيَادٍ
وَهُوَ بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الخرساني نَزِيلُ مَكَّةَ
ثُمَّ الْيَمَنِ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَشَارَ
إِلَيْهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْهُ
كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ اضْطَرَبُوا وَاصْطَنَعُوا وَأَمَّا
مُتَابَعَةُ شُعَيْبٍ فَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ
كَذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو دَاوُد أَيْضا قَوْله
وَقَالَ بن مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَرَى خَاتَمًا
مِنْ وَرِقٍ هَذَا التَّعْلِيقُ لَمْ أَرَهُ فِي أَصْلٍ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ ثَابِتٌ لِلْبَاقِينَ
إِلَّا النَّسَفِيَّ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو
دَاوُدَ أَيْضًا وَصله الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنِ اللَّيْث عَن بن مُسَافِرٍ
وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ
عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ
لَفْظٌ أَرَى فَكَأَنَّهَا مِنَ الْبُخَارِيِّ قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَوَاهُ أَيْضا عَن بن شهَاب كَذَلِك
مُوسَى بن عقبَة وبن أَبِي عَتِيقٍ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ
طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْهُمَا قَالَ مِثْلَ
حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي حَدِيثَيِ
الْبَابِ مُبَادَرَةُ الصَّحَابَةِ إِلَى الِاقْتِدَاءِ
بِأَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَهْمَا أَقَرَّ عَلَيْهِ اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ
وَمَهْمَا أَنْكَرَهُ امْتَنعُوا مِنْهُ وَفِي حَدِيث بن
عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يُورَثُ وَإِلَّا لَدُفِعَ خَاتَمُهُ لِلْوَرَثَةِ كَذَا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ
الْخَاتَمُ اتُّخِذَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَانْتَقَلَ
لِلْإِمَامِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا صُنِعَ لَهُ وَفِيهِ
حِفْظُ الْخَاتَمِ الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ تَحْتَ يَدِ
أَمِينٍ إِذَا نَزَعَهُ الْكَبِيرُ مِنْ أَصْبَعِهِ
وَفِيهِ أَنَّ يَسِيرَ المَال إِذا ضَاعَ لَا يهمل طلبه
وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنْ أَثَرِ أَهْلِ الْخَيْرِ
وَفِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي وَفِيهِ أَنَّ الْعَبَثَ
الْيَسِيرَ بِالشَّيْءِ حَالَ التَّفَكُّرِ لَا عَيْبَ
فِيهِ
(10/321)
(
قَوْله بَاب فص الخات)
م قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَصُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ
وَالْعَامَّةُ تَكْسِرُهَا وَأَثْبَتَهَا غَيْرُهُ لُغَةً
وَزَادَ بَعْضُهُمُ الضَّمَّ وَعَلَيْهِ جرى بن مَالك فِي
المثلث ثمَّ ذكر حَدِيثُ حُمَيْدٍ سُئِلَ أَنَسٌ هَلِ
اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَاتَمًا قَالَ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ
الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ
مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ
[5869] وَبِيصٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ هُوَ
الْبَرِيقُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَسَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ بِلَفْظِ بِرِيقِهِ
وَمِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ
بَيَاضِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ
عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فِي آخِرِهِ وَرَفَعَ أَنَسٌ
يَدَهُ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَلَهُ فِي أُخْرَى وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ مِنْ يَده
الْيُسْرَى قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة
[5870] كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ
حُمَيْدٍ مِنْ فِضَّةٍ كُلُّهُ فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ
كُلَّهُ مِنْ فِضَّةٍ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِيَاسِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ
خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ فَرُبَّمَا
كَانَ فِي يَدي قَالَ وَكَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى خَاتَمِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي
كَانَ أَمِينًا عَلَيْهِ فَيحمل على التَّعَدُّد وَقد أخرج
لَهُ بن سَعْدٍ شَاهِدًا مُرْسَلًا عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ
خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ
غَيْرَ أَنَّ قصه بَادٍ وَآخَرَ مُرْسَلًا عَنْ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلَهُ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ
وَثَالِثًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَن خَالِد بن سعيد يَعْنِي بن
الْعَاصِ أَتَى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا
اطْرَحْهُ فَطَرَحَهُ فَإِذَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ
مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ قَالَ فَمَا نَقْشُهُ قَالَ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو
الْمَذْكُورِ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ
أَخِي خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَسَأَذْكُرُ لَفْظَهُ فِي
بَابِ هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ
قَوْلُهُ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ لَا يُعَارِضُهُ مَا
أَخْرَجَهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن من طَرِيق بن وهب عَن
يُونُس عَن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ خَاتَمُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ
وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ
يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى
قَوْلِهِ حَبَشِيٌّ أَيْ كَانَ حَجَرًا مِنْ بِلَادِ
الْحَبَشَةِ أَوْ عَلَى لَوْنِ الْحَبَشَةِ أَوْ كَانَ
جَزْعًا أَوْ عَقِيقًا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤْتَى بِهِ
مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ
الَّذِي فَصُّهُ مِنْهُ وَنُسِبَ إِلَى الْحَبَشَةِ
لِصِفَةٍ فِيهِ إِمَّا الصِّيَاغَةُ وَإِمَّا النَّقْشُ
قَوْلُهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ إِلَخْ أَرَادَ
بِهَذَا التَّعْلِيقِ بَيَانَ سَمَاعِ حُمَيْدٍ لَهُ مِنْ
أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ مُعَلَّقًا
أَيْضًا وَذَكَرْتُ مَنْ وَصَلَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَقَدِ اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ لَيْسَ
هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي تَرْجَمَهُ فِي
شَيْءٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا
يُسَمَّى خَاتَمًا إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ فَصٌّ فَإِنْ
كَانَ بِلَا فَصٍّ فَهُوَ حَلْقَةٌ قُلْتُ لَكِنْ فِي
الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ فَصَّ
الْخَاتَمِ كَانَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ
عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ خَاتَمٌ
إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ فَصٌّ مِنْ غَيْرِهِ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَصَاغَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَاتَمًا حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي
أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَحْمُولٌ عَلَى التَّبْيِين فِي
الرِّوَايَة الثَّانِيَة
(10/322)
(قَوْلُهُ بَابُ خَاتَمِ الْحَدِيدِ)
قَدْ ذَكَرْتُ مَا ورد فِيهِ فِي الْبَاب الَّذِي قبله
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
عَلَى شَرْطِهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ
مَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ
أَصْحَابُ السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ فَقَالَ مَا لِي
أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ
وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيد فَقَالَ مَالِي أَرَى
عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ قَالَ
اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا وَفِي
سَنَدِهِ أَبُو طَيْبَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ اسْمُهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ يُكْتَبُ حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ
بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ يُخْطِئُ وَيُخَالِفُ فَإِنْ
كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ الْمَنْعُ عَلَى مَا كَانَ
حَدِيدًا صِرْفًا وَقَدْ قَالَ التِّيفَاشِيُّ فِي كِتَابِ
الْأَحْجَارِ خَاتَمُ الْفُولَاذِ مَطْرَدَةٌ
لِلشَّيْطَانِ إِذَا لُوِيَ عَلَيْهِ فضَّة فَهَذَا
يُؤَيّد الْمُغَايرَة فِي الحكم ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ وَقَوْلُهُ
[5871] فِيهِ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ
حَدِيدٍ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ خَاتَمِ
الْحَدِيدِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
مِنْ جَوَازِ الِاتِّخَاذِ جَوَازُ اللُّبْسِ فَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ أَرَادَ وُجُودَهُ لِتَنْتَفِعَ الْمَرْأَةُ
بِقِيمَتِهِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ خَاتَمًا مَحْذُوفُ
الْجَوَابِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
لَمَّا أَمَرَهُ بِالْتِمَاسِ مَهْمَا وَجَدَ كَأَنَّهُ
خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ خُرُوجُ خَاتَمِ الْحَدِيدِ
لِحَقَارَتِهِ فَأَكَّدَ دُخُولَهُ بِالْجُمْلَةِ
الْمُشْعِرَةِ بِدُخُولِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا
وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ وَلَا
خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ انْتَصَبَ عَلَى تَقْدِيرِ لَمْ
أَجِدْ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى
(10/323)
(قَوْلُهُ بَابُ نَقْشِ الْخَاتَمِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ أَنَسٍ
[5872] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ بن
حَمَّاد وَسَعِيد هُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ قَوْلُهُ
أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ هُوَ
شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ مِنَ الْأَعَاجِمِ فِي
رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ
بَابُ إِلَى الرُّومِ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ فِي مُرْسَلِ
طَاوُسٍ عِنْدَ بن سَعْدٍ أَنَّ قُرَيْشًا هُمُ الَّذِينَ
قَالُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَوْلُهُ نَقْشُهُ مُحَمَّد رَسُول الله زَاد بن
سعد من مُرْسل بن سِيرِينَ بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذِهِ
الزِّيَادَةِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ مُرْسَلِ طَاوُسٍ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ
الزِّيَادَةُ وَكَذَا وَقع فِي الْبَاب من حَدِيث بن
عُمَرَ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عُقَيْلٍ أَنَّهُ أخرج لَهُم خَاتَمًا فَزَعَمَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَلْبَسُهُ فِيهِ تِمْثَالُ أَسَدٍ قَالَ مَعْمَرٌ
فَغَسَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَشَرِبَهُ فَفِيهِ مَعَ
إرْسَاله ضعف لِأَن بن عُقَيْلٍ مُخْتَلَفٌ فِي
الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا
خَالَفَ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَلَعَلَّهُ لَبِسَهُ
مَرَّةً قَبْلَ النَّهْيِ قَوْلُهُ فِي إِصْبَعِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي
كَفِّهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِيِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
شُعْبَةَ فِي يَدِهِ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي خِنْصره
الحَدِيث الثَّانِي حَدِيث بن عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
شَرْحُهُ فِي بَابِ خَاتَمِ الْفضة
(قَوْلُهُ بَابُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ)
أَيْ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَصَابِعِ وَكَأَنَّهُ
أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي
مُوسَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَلْبَسَ خَاتَمِي
فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ
وَالْوُسْطَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَيِّ الْخِنْصَرَيْنِ
الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ
فِيهِ بَعْدَ بَابٍ
[5874] قَوْلُهُ فَلَا يَنْقُشُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ يَنْقُشَنَّ
بِالنُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَنْقُشَ
أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ لِأَنَّ فِيهِ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ
وَإِنَّمَا صَنَعَ فِيهِ ذَلِكَ لِيَخْتِمَ بِهِ فَيَكُونَ
عَلَامَةً تَخْتَصُّ بِهِ وَتَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ
فَلَوْ جَازَ أَنْ ينقش أحد نَظِير نقشه لفات الْمَقْصُود
(10/324)
(قَوْلُهُ بَابُ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ)
سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ
الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَكُنْ لِبَاسُ الْخَاتَمِ مِنْ
عَادَةِ الْعَرَبِ فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى
الْمُلُوكِ اتَّخَذَ الْخَاتَمَ وَاتَّخَذَهُ مِنْ ذهب
ثمَّ رَجَعَ عَنهُ لمافيه مِنَ الزِّينَةِ وَلِمَا يُخْشَى
مِنَ الْفِتْنَةِ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ
كَفِّهِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التَّزَيُّنِ قَالَ
شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ دَعْوَاهُ أَنَّ
الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْخَاتَمَ عَجِيبَةً فَإِنَّهُ
عَرَبِيٌّ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ انْتَهَى
وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ لُبْسِهِ عَنِ الْعَرَبِ
وَإِلَّا فَكَوْنُهُ عَرَبِيًّا وَاسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ
فِي خَتْمِ الْكُتُبِ لَا يَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ
الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ
أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ ذَهَبَ
قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي
سُلْطَانٍ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَأَبَاحُوهُ وَمِنْ
حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
أَلْقَى خَاتَمَهُ أَلْقَى النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ
فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ
الْخَاتَمَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ مَنْ لَيْسَ ذَا
سُلْطَانٍ فَإِنْ قِيلَ هُوَ مَنْسُوخٌ قُلْنَا الَّذِي
نُسِخَ مِنْهُ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ قُلْتُ أَوْ
لُبْسُ خَاتَمِ الْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا
يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ
انْتَهَى وَلَمْ يَجِبْ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لُبْسَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ
خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّزَيُّنِ
وَاللَّائِقُ بِالرِّجَالِ خِلَافُهُ وَتَكُونُ
الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ هِيَ
الصَّارِفَةُ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ وَيُؤَيِّدُهُ
أَنَّ فِي بعض طرقه نهي عَنِ الزِّينَةِ وَالْخَاتَمِ
الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِالسُّلْطَانِ مَنْ لَهُ سُلْطَنَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَا
يَحْتَاجُ إِلَى الْخَتْمِ عَلَيْهِ لَا السُّلْطَانَ
الْأَكْبَرَ خَاصَّةً وَالْمُرَادُ بِالْخَاتَمِ مَا
يُخْتَمُ بِهِ فَيَكُونُ لُبْسُهُ عَبَثًا وَأَمَّا مَنْ
لَبِسَ الْخَاتَمَ الَّذِي لَا يُخْتَمُ بِهِ وَكَانَ مِنَ
الْفِضَّةِ لِلزِّينَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ
وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَالُ مَنْ لَبِسَهُ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَةِ نَقْشِ خَوَاتِمِ
بَعْضِ مَنْ كَانَ يَلْبَسُ الْخَوَاتِمَ مِمَّا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِصِفَةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ
فَضَعَّفَهُ وَقَالَ سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ الْبَسِ الْخَاتَمَ وَأَخْبِرِ
النَّاسَ أَنِّي قَدْ أَفْتَيْتُكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
تَكْمِلَةٌ جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ أَنَّ
اتِّخَاذَ الْخَاتَمَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ
وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّادِسَةِ
وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ السَّادِسَةِ
وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّخَذَهُ
عِنْدَ إِرَادَتِهِ مُكَاتَبَةَ الْمُلُوكِ كَمَا
تَقَدَّمَ وَكَانَ إِرْسَالُهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي
مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَكَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ
سِتٍّ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ
وَوَجَّهَ الرُّسُلَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّابِعَةِ
وَكَانَ اتِّخَاذُهُ الْخَاتَمَ قَبْلَ إِرْسَالِهِ
الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوك وَالله أعلم قَوْلُهُ بَابُ
مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ سَقَطَ
لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ بن
بَطَّالٍ قِيلَ لِمَالِكٍ يُجْعَلُ الْفَصُّ فِي بَاطِنِ
الْكَفّ قَالَ لَا قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي كَوْنِ
فَصِّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ الْكَفِّ وَلَا ظَهْرِهَا
(10/325)
أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَقَالَ غَيْرُهُ
السِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ جَعْلَهُ فِي بَطْنِ الْكَفِّ
أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ
لِلتَّزَيُّنِ بِهِ وَقد أخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث بن
عَبَّاسٍ جَعْلَهُ فِي ظَاهِرِ الْكَفِّ كَمَا
سَأَذْكُرُهُ قَرِيبا
[5876] قَوْله حَدثنَا جوَيْرِية هُوَ بن أَسمَاء وَعبد
الله هُوَ بن عُمَرَ قَوْلُهُ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ
ذَهَبٍ وَجَعَلَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي
وَالسَّرَخْسِيِّ وَيَجْعَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ
الْحَدِيثِ فِي بَابِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ قَوْلُهُ قَالَ
جُوَيْرِيَةُ وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَالَ فِي يَدِهِ
الْيُمْنَى هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ
قَالَ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ لَمْ يَقَعْ فِي
الْبُخَارِيِّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ مِنْ أَيِّ الْيَدَيْنِ
إِلَّا فِي هَذَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَمْ يَجْزِمْ
بِهِ جُوَيْرِيَةُ وَتَوَاطُؤُ الرِّوَايَاتِ عَلَى
خِلَافِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ وَعَمَلُ
النَّاسِ عَلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَسَارِ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ الْمَحْفُوظُ قُلْتُ وَكَلَامُهُ
مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّ الظَّنَّ فِيهِ مِنْ مُوسَى شيخ
البُخَارِيّ وَقد أخرجه بن سَعْدٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ جُوَيْرِيَةَ
وَجَزَمَا بِأَنَّهُ لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى
وَهَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ
خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنْ
ذَهَبٍ وَفِيهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ صَنَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا
مِنْ ذَهَبٍ فَتَخَتَّمَ بِهِ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ جَلَسَ
عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ اتَّخَذْتُ هَذَا
الْخَاتَمَ فِي يَمِينِي ثُمَّ نَبَذَهُ الْحَدِيثَ
وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَافِعٌ لِلَّبْسِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ
بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ كِلَاهُمَا
عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ فَقَدْ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ بعده وَرَوَاهُ بن إِسْحَاقَ
وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ فِي يَمِينه انْتهى
وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ قَدْ أَخْرَجَهَا أَبُو الشَّيْخِ
فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا رِوَايَةُ أُسَامَةَ
وَأَخْرَجَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَيْضًا فَظَهَرَ
أَنَّ رِوَايَةَ الْيَسَارِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ شَاذَّةٌ
وَمَنْ رَوَاهَا أَيْضًا أَقَلُّ عددا وألين حفظا مِمَّنْ
رَوَى الْيَمِينَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَار عَن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَن سَالم عَن بن
عُمَرَ نَحْوَهُ فَرَجَحَتْ رِوَايَةُ الْيَمِينِ فِي
حَدِيثِ بن عُمَرَ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ التَّخَتُّمُ فِي
الْيَمِينِ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى مِنْهَا عِنْدَ
مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ
فِي يَمِينِهِ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ
أَيْضًا من طَرِيق بن إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى
الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمًا فِي خِنْصَرِهِ
الْيَمِينِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ رَأَيْت بن عَبَّاسٍ
يَلْبَسُ خَاتَمَهُ هَكَذَا وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظهرهَا
وَلَا إخال بن عَبَّاسٍ إِلَّا ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْرَدَهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصرا رَأَيْت بن
عَبَّاسٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَلَا إِخَالُهُ
إِلَّا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ
وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ
فِي يَمِينِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ رَأَيْت بن أَبِي رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي
يَمِينِهِ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ
نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ
فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَصَححهُ
بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ
فِي الشَّمَائِلِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَعَائِشَةَ عِنْدَ
الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَعِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَعَنِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ
عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِسَنَدٍ
سَاقِطٍ وَوَرَدَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ مِنْ حَدِيث
بن عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا
أخرجه
(10/326)
مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ خَاتَمُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ
وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ الْيُسْرَى وَأَخْرَجَهُ
أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ
طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظٍ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ
فِي يَسَارِهِ وَفِي سَنَدِهِ لين وَأخرجه بن سَعْدٍ
أَيْضًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ
يَتَخَتَّمُونَ فِي الْيَسَارِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ
مَوْقُوفا على الْحسن وَالْحُسَيْن حسب وَأَمَّا دَعْوَى
الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى التَّخَتُّمِ فِي
الْيَسَارِ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ
مَالِكٍ لِلتَّخَتُّمِ وَهُوَ يُرَجِّحُ عَمَلَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فَظَنَّ أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ جَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَجَمْعٍ جَمٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَغَيْرِهِمُ التَّخَتُّمُ فِي الْيُمْنَى وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الَّذِي لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ
هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث بن
عُمَرَ وَالَّذِي لَبِسَهُ فِي يَسَارِهِ هُوَ خَاتَمُ
الْفِضَّةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ
الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ فِضَّةً
وَلَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ فَكَأَنَّهَا خَطَأٌ فَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَقَعَ لَهُ وَهَمٌ فِي
الْخَاتَمِ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ
أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَأَنَّ الَّذِي فِي
رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَهَبٍ
فَعَلَى هَذَا فَالَّذِي كَانَ لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ
هُوَ الذَّهَبُ اه مُلَخَّصًا وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ
لَبِسَ الْخَاتَمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ حَوَّلَهُ
إِلَى يَسَارِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا أخرجه أَبُو
الشَّيْخ وبن عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَطَاءٍ عَن نَافِع عَن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي
يَمِينِهِ ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ فِي يَسَارِهِ فَلَوْ
صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَلَكِن سَنَده
ضَعِيف وَأخرج بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ طَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ الذَّهَبَ
ثُمَّ تَخَتَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي
يَسَارِهِ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَقَدْ جَمَعَ
الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ
تَخَتَّمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ تَخَتَّمَ فِي
يَسَارِهِ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْأَمريْنِ وَقَالَ بن
أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنِ اخْتِلَافِ
الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ هَذَا
وَلَا هَذَا وَلَكِنْ فِي يَمِينِهِ أَكْثَرُ وَقَدْ
تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ
وَصُرِّحَ فِيهِ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَفِي
الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافٌ
وَالْأَصَحُّ الْيَمِينُ قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ
ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَصْدِ فَإِنْ كَانَ
اللُّبْسُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ
وَإِنْ كَانَ لِلتَّخَتُّمِ بِهِ فَالْيَسَارُ أَوْلَى
لِأَنَّهُ كَالْمُودَعِ فِيهَا وَيَحْصُلُ تَنَاوُلُهُ
مِنْهَا بِالْيَمِينِ وَكَذَا وَضْعُهُ فِيهَا ويترجح
التَّخَتُّم فِي فِي الْيَمِينِ مُطْلَقًا لِأَنَّ
الْيَسَارَ آلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُصَانُ الْخَاتَمُ
إِذَا كَانَ فِي الْيَمِينِ عَنْ أَنْ تُصِيبَهُ
النَّجَاسَةُ وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ
بِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ التَّنَاوُلِ وَجَنَحَتْ
طَائِفَةٌ إِلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعُوا
بِذَلِكَ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَحَادِيثِ وَإِلَى ذَلِكَ
أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ تَرْجَمَ بَابَ التَّخَتُّمِ
فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ
مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى
الْجَوَازِ ثُمَّ قَالَ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ يَعْنِي
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي
الْأَفْضَلِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ كَانَ آخِرُ
الْأَمْرَيْنِ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ وَتَعَقَّبَهُ
الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ النَّسْخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ
مُرَادَهُ بَلِ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ اتِّفَاقًا
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحِكْمَة فِيهِ مَا تقدم
وَالله أعلم
(10/327)
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُنْقَشُ)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ ذَكَرَ فِيهِ
حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
صُهَيْبٍ عَنْهُ فِي اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ
وَفِيهِ فَلَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ وَقَوْلُهُ
[5877] فِيهِ إِنَّا اتَّخَذْنَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
وَهِيَ لِلتَّعْظِيمِ هُنَا وَالْمُرَادُ أَنِّي
اتَّخَذْتُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ
مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ
ثُمَّ قَالَ لَا تَنْقُشُوا عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ
بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ قَالَ أَنَا صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا لَمْ يَشْرَكْنِي
فِيهِ أَحَدٌ نُقِشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ اسْمُ الَّذِي صَاغَ خَاتَمَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَشَهُ
وَأَمَّا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ أَيْ مِثْلَ نَقْشِهِ
فَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحِكْمَةِ فِيهِ
فِي بَاب خَاتم الْفضة وَقد أخرج بن أبي شيبَة فِي
المُصَنّف عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَكَذَا أَخْرَجَ عَنْ سَالِمٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَقَشَ اسْمَهُ
عَلَى خَاتَمِهِ وَكَذَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
بن بَطَّالٍ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ مِنْ شَأْنِ
الْخُلَفَاءِ والقضاة نقش أسمائهم فِي خواتمهم وَأخرج بن
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ
أَنَّهُ كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَنْ عَلِيٍّ اللَّهُ الْمَلِكُ
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِاللَّهِ وَعَنْ
مَسْرُوقٍ بِسْمِ اللَّهِ وَعَنِ أَبِي جَعْفَرٍ
الْبَاقِرِ الْعِزَّةُ لِلَّهِ وَعَنِ الْحَسَنِ
وَالْحُسَيْنِ لَا بَأْسَ بِنَقْشِ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى
الْخَاتَمِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَنُقِلَ عَن بن سِيرِينَ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
كَرَاهَتُهُ انْتَهَى وَقَدْ أخرج بن أبي شيبَة بِسَنَد
صَحِيح عَن بن سِيرِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا
أَنْ يَكْتُبَ الرَّجُلُ فِي خَاتَمِهِ حَسْبِيَ اللَّهُ
وَنَحْوَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ
عَنْهُ لَمْ تَثْبُتْ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ
الْكَرَاهَةَ حَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهِ حَمْلُهُ لِلْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْكَفِّ الَّتِي هُوَ
فِيهَا وَالْجَوَازُ حَيْثُ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ
فَلَا تَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ بَلْ مِنْ جِهَة مَا
يعرض لذَلِك وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ
ثَلَاثَةَ أسطر)
قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ كَوْنُ نَقْشِ الْخَاتَمِ
ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ أَوْ سَطْرَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ
كَوْنِهِ سَطْرًا وَاحِدًا كَذَا قَالَ قُلْتُ قَدْ
يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ
سَطْرًا وَاحِدًا يَكُونُ الْفَصُّ مُسْتَطِيلًا
لِضَرُورَةِ كَثْرَةِ الْأَحْرُفِ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ
الْأَسْطُرُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مُرَبَّعًا أَوْ
مُسْتَدِيرًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنَ
الْمُسْتَطِيلِ
[5878] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ
قَوْلُهُ عَنْ ثُمَامَةَ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَنَسٍ عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الرَّاوِي
وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ مِنْ آلِ أَنَسٍ
قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
مِنْ
(10/328)
طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي
أَبِي حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَوْلُهُ
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا
اسْتُخْلِفْ كَتَبَ لَهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمَكْتُوبَ
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ
الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ كَتَبَ لَهُ مَقَادِيرَ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ
مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولٌ سَطْرٌ وَاللَّهُ سَطْرٌ هَذَا
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى
ذَلِكَ لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي أَخْلَاقِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
رِوَايَةِ عَرْعَرَةَ بْنِ الْبِرِنْدِ بِكَسْرِ
الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ
ثُمَّ دَالٌ عَنْ عَزْرَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ
وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ فَصُّ خَاتَمِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَشِيًّا
مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وعرعرة ضعفه بن الْمَدِينِيِّ
وَزِيَادَتُهُ هَذِهِ شَاذَّةٌ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا
أَنَّهُ كَانَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لَكِنْ لَمْ
تَكُنْ كِتَابَتُهُ عَلَى السِّيَاقِ الْعَادِيِّ فَإِنَّ
ضَرُورَةَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِهِ
يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَحْرُفُ الْمَنْقُوشَةُ
مَقْلُوبَةً لِيَخْرُجَ الْخَتْمُ مُسْتَوِيًا وَأَمَّا
قَوْلُ بَعْضِ الشُّيُوخِ إِنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ
أَسْفَلَ إِلَى فَوْقَ يَعْنِي أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي
أَعْلَى الْأَسْطُرِ الثَّلَاثَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي
أَسْفَلِهَا فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ
مِنَ الْأَحَادِيثِ بَلْ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
يُخَالِفُ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا
مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَالسَّطْرُ الثَّانِي رَسُولٌ والسطر
الثَّالِث الله وَلَك أَن تقْرَأ مُحَمَّد بِالتَّنْوِينِ
وَرَسُول بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَاللَّهَ بِالرَّفْعِ
وَبِالْجَرِّ قَوْلُهُ وَزَادَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
الْأَنْصَارِيُّ إِلَى آخِرِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ
مَوْصُولَةٌ وَأَحْمَدُ الْمَذْكُورُ جَزَمَ الْمِزِّيُّ
فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَكِنْ
لَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا قَوْلُهُ وَفِي يَدِ عُمَرَ
بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ
عَلَى بِئْر أريس وَقع فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ عَنِ
الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ
سِنِينَ فَلَمَّا كَانَ فِي السِّتِّ الْبَاقِيَةِ كُنَّا
مَعَهُ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ قَوْلُهُ فَجعل يعبث بِهِ فِي
رِوَايَة بن سَعْدٍ فَجَعَلَ يُحَوِّلُهُ فِي يَدِهِ
قَوْلُهُ فَسَقَطَ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ فَوَقَعَ فِي
الْبِئْرِ قَوْلُهُ فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
مَعَ عُثْمَانَ فَنُزِحَ الْبِئْرُ فَلَمْ نَجِدْهُ أَيْ
فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَالنُّزُولِ إِلَى الْبِئْرِ
والطلوع مِنْهَا وَوَقع فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ
فَطَلَبْنَاهُ مَعَ عُثْمَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ
نَقْدِرْ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ فِي
خَاتَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
السِّرِّ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ فِي خَاتَمِ سُلَيْمَانَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فَقَدَ
خَاتَمَهُ ذَهَبَ مُلْكُهُ وَعُثْمَانُ لَمَّا فَقَدَ
خَاتَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْتَقَضَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ
الْخَارِجُونَ وَكَانَ ذَلِكَ مَبْدَأَ الْفِتْنَةِ
الَّتِي أَفْضَتْ إِلَى قَتْلِهِ وَاتَّصَلَتْ إِلَى آخِرِ
الزَّمَانِ قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ
أَنَّ يَسِيرَ الْمَالِ إِذَا ضَاعَ يَجِبُ الْبَحْثُ فِي
طَلَبِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَفْتِيشِهِ وَقَدْ فَعَلَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَمَّا ضَاعَ
عِقْدُ عَائِشَةَ وَحَبَسَ الْجَيْشَ عَلَى طَلَبِهِ
حَتَّى وُجِدَ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَأَمَّا عِقْدُ
عَائِشَةَ فَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ بِالْفَائِدَةِ
الْعَظِيمَةِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهُ وَهِيَ رُخْصَةُ
التَّيَمُّمِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا
فِعْلُ عُثْمَانَ فَلَا يَنْهَضُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أصلا
لما ذكر لِأَن الَّذِي يظْهر أَنه إِنَّمَا بَالَغَ فِي
التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَثَرَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَبِسَهُ
وَاسْتَعْمَلَهُ وَخَتَمَ بِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُسَاوِي
فِي الْعَادَةِ قَدْرًا عَظِيمًا مِنَ الْمَالِ وَإِلَّا
لَوْ كَانَ غَيْرَ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاكْتُفِيَ بِطَلَبِهِ بِدُونِ ذَلِكَ
وَبِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ قَدْرَ الْمُؤْنَةِ
الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ تَزِيدُ
عَلَى قِيمَةِ الْخَاتَمِ لَكِنِ اقْتَضَتْ صِفَتُهُ
عَظِيمَ قَدْرِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا ضَاعَ
مِنْ يَسِيرِ الْمَالِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ فِعْلِ
الصَّالِحِينَ الْعَبَثَ بِخَوَاتِيمِهِمْ وَمَا يَكُونُ
بِأَيْدِيهِمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَائِبٍ لَهُمْ قُلْتُ
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن ذَلِك مِنْ مِثْلِهِمْ
إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ فِكْرٍ وَفِكْرَتُهُمْ إِنَّمَا
هِيَ فِي الْخَيْرِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَعْنَى
قَوْلِهِ يَعْبَثُ بِهِ يُحَرِّكُهُ أَوْ يُخْرِجُهُ مِنْ
إِصْبَعِهِ ثُمَّ يُدْخِلُهُ فِيهَا وَذَلِكَ صُورَةُ
الْعَبَثِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الشَّخْصُ ذَلِكَ عِنْدَ
تَفَكُّرِهِ فِي الْأُمُور قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِيهِ
أَنَّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا وَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ بَعْدَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا
يَكُونُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُضَيِّعًا وَأَنَّ الثَّلَاثَ
حَدٌّ يَقَعُ بِهَا الْعُذْرُ فِي
(10/329)
تَعَذُّرِ الْمَطْلُوبَاتِ وَفِيهِ
اسْتِعْمَالُ آثَارِ الصَّالِحِينَ وَلِبَاسُ ملابسهم على
جِهَة التَّبَرُّك والتيمن بهَا
(
قَوْله بَاب الْخَاتم للنِّسَاء)
قَالَ بن بَطَّالٍ الْخَاتَمُ لِلنِّسَاءِ مِنْ جُمْلَةِ
الْحُلِيِّ الَّذِي أُبِيحَ لَهُنَّ قَوْلُهُ وَكَانَ
عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ الذَّهَب وَصله بن سَعْدٍ مِنْ
طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ
قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَقَدْ
رَأَيْتُ وَاللَّهِ عَائِشَةَ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ
وتلبس خَوَاتِيم الذَّهَب
[5880] قَوْله طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ شَهِدْتُ الْعِيدِ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ سَقَطَ لَفْظُ فَصَلَّى مِنْ
رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ وَهِيَ
مُرَادَةٌ ثَابِتَةٌ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ
طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ
طَرِيقِ عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج بِسَنَدِهِ هُنَا
قَوْله وَزَاد بن وهب عَن بن جريج يَعْنِي بِهَذَا
السَّنَد إِلَى بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ
بِالزِّيَادَةِ مَوْصُولًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
الْمُمْتَحَنَةِ مِنْ رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ
عَن بن وَهْبٍ قَوْلُهُ فَأَتَى النِّسَاءَ فَجَعَلْنَ
يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ الْفَتَخُ بِفَتْحِ
الْفَاءِ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ
جَمْعُ فَتْخَةٍ وَهِيَ الْخَوَاتِيمُ الَّتِي تلبسها
النِّسَاء فِي أَصَابِع الرجلَيْن قَالَه بن السِّكِّيتِ
وَغَيْرُهُ وَقِيلَ الْخَوَاتِيمُ الَّتِي لَا فُصُوصَ
لَهَا وَقِيلَ الْخَوَاتِمُ الْكِبَارُ كَمَا تَقَدَّمَ
ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ
الْعِيدَيْنِ مَعَ بسط ذَلِك
(قَوْلُهُ بَابُ الْقَلَائِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ)
السِّخَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ قَوْلُهُ
يَعْنِي قِلَادَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ بِضَمِّ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَفِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمِسْكٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ
الْمُهْمَلَةِ وَكَافٍ خَفِيفَةٍ وَالسِّخَابُ جَمْعُ
سُخُبٍ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا
فَسَّرَهُ بِهِ غَيْرُهُ فِي بَابِ مَا ذُكِرَ فِي
الْأَسْوَاقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ ثُمَّ أَوْرَدَ
فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ
تُلْقِي سِخَابَهَا وَخُرْصَهَا بِضَمِّ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ
هِيَ الْحَلْقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ
بَعْدَ الْعِيد من كتاب الْعِيدَيْنِ
(10/330)
(قَوْلُهُ بَابُ اسْتِعَارَةِ
الْقَلَائِدِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ قِلَادَةِ
أَسْمَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي
كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِيهِ بَيَانُ القلادة
الْمَذْكُورَة مِم كَانَت وَقَوله
[5882] زَاد بن نمير عَن هِشَام يَعْنِي بِسَنَدِهِ
الْمَذْكُور أَنَّهَا استعارت من أَسمَاء أَي بنت أبي بكر
القلادة الْمَذْكُورَة وَقد وَصله الْمُؤلف رَحمَه الله
فِي كتاب الطَّهَارَة من طَرِيقه
(قَوْلُهُ بَابُ الْقُرْطِ لِلنِّسَاءِ)
بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا طَاءٌ
مُهْمَلَةٌ مَا يُحَلَّى بِهِ الْأُذُنُ ذَهَبًا كَانَ
أَوْ فِضَّةً صِرْفًا أَوْ مَعَ لُؤْلُؤٍ وَغَيْرِهِ
وَيُعَلَّقُ غَالِبًا عَلَى شَحْمَتِهَا قَوْله وَقَالَ بن
عَبَّاسٍ أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى
آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ
وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْعِيدَيْنِ
وَفِي الِاعْتِصَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ بن عَبَّاسٍ فَأَمَّا فِي
الِاعْتِصَامِ فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ فَجَعَلَ النِّسَاءُ
يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ وَقَالَ فِي
الْعِيدَيْنِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ
يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ قُبَيْلَ
كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ
فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا
تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلَالٍ وَمَعْنَى الْإِهْوَاءِ
الْإِيمَاءُ بِالْيَدِ إِلَى الشَّيْءِ لِيُؤْخَذَ وَقَدْ
ظَهَرَ أَنَّهُ فِي الْآذَانِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَلَقِ
وَأَمَّا فِي الْحُلُوقِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
الْمُرَادَ الْقَلَائِدُ فَإِنَّهَا تُوضَعُ فِي الْعُنُقِ
وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا إِذَا تَدَلَّتِ الصَّدْرَ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ ثَقْبِ أُذُنِ
الْمَرْأَةِ لِتَجْعَلَ فِيهَا الْقُرْطَ وَغَيْرَهُ
مِمَّا يَجُوزُ لَهُنَّ التَّزَيُّنُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ
لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَضْعُ الْقُرْطِ فِي ثُقْبَةِ
الْأُذُنِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْبَكَ فِي الرَّأْسِ
بِسَلْسَلَةٍ لَطِيفَةٍ حَتَّى تُحَاذِيَ الْأُذُنَ
وَتَنْزِلَ عَنْهَا سَلَّمْنَا لَكِنْ إِنَّمَا يُؤْخَذُ
مِنْ تَرْكِ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِنَّ وَيَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ آذَانُهُنَّ ثُقِبَتْ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ
فَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الِابْتِدَاءِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أُمِّ زَرْعٍ أَنَاسَ
مِنْ حُلِيٍّ أُذُنِي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لما ذكرنَا
وَقَالَ بن الْقَيِّمِ كَرِهَ الْجُمْهُورُ ثَقْبَ أُذُنِ
الصَّبِيِّ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي الْأُنْثَى قُلْتُ
وَجَاءَ الْجَوَازُ فِي الْأُنْثَى عَنْ أَحْمَدَ
لِلزِّينَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِلصَّبِيِّ قَالَ
الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يَحْرُمُ ثَقْبُ أُذُنِ
الْمَرْأَةِ وَيَحْرُمُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ إِلَّا
إِنْ ثَبَتَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ قُلْتُ
جَاءَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ سَبْعَةٌ فِي الصَّبِيِّ مِنَ السُّنَّةِ
فَذَكَرَ السَّابِعَ مِنْهَا وَثَقْبُ أُذُنِهِ وَهُوَ
يَسْتَدِرْكُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ لَا
مُسْتَنَدَ لِأَصْحَابِنَا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ سنة
[5883] قَوْله أَخْبرنِي عدي هُوَ بن ثَابِتٍ وَقَدْ
تَقَدَّمَ قَبْلَ بَابَيْنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَيْضًا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ خُرْصِهَا بَدَلَ قُرْطهَا
(10/331)
(قَوْلُهُ بَابُ السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ)
تَقَدَّمَ بَيَانُ السِّخَابِ وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ
الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ
مَا ذُكِرَ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ
مُسْتَوْفًى وَقَوْلُهُ
[5884] فِيهِ أَيْنَ لُكَعُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي
وَالسَّرَخْسِيِّ أَيْ لُكَعُ بِصِيغَةِ النداء |