فتح الباري لابن حجر

(قَوْلُهُ بَابُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ)
أَيْ ذَمُّ الْفَرِيقَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اللَّعْنُ الْمَذْكُورُ فِي الْخَبَرِ

[5885] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَهُوَ هُوَ قَوْلُهُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ فِي اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَلَا الْعَكْسُ قُلْتُ وَكَذَا فِي الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَأَمَّا هَيْئَةُ اللِّبَاسِ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فَرُبَّ قَوْمٍ لَا يَفْتَرِقُ زِيُّ نِسَائِهِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ فِي اللُّبْسِ لَكِنْ يَمْتَازُ النِّسَاءُ بِالِاحْتِجَابِ وَالِاسْتِتَارِ وَأَمَّا ذَمُّ التَّشَبُّهِ بِالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَمُخْتَصٌّ بِمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِتَكَلُّفِ تَرْكِهِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّدْرِيجِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَمَادَى دَخَلَهُ الذَّمُّ وَلَا سِيَّمَا إِنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ وَأَخْذُ هَذَا وَاضِحٌ مِنْ لَفْظِ الْمُتَشَبِّهِينَ وَأَمَّا إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ كَالنَّوَوِيِّ وَأَنَّ الْمُخَنَّثَ الْخِلْقِيَّ لَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ اللَّوْمُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَرْكِ التَّثَنِّي وَالتَّكَسُّرِ فِي الْمَشْيِ وَالْكَلَامِ بَعْدَ تَعَاطِيهِ الْمُعَالَجَةَ لِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِلَّا مَتَى كَانَ تَرْكُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَلَوْ بِالتَّدْرِيجِ فَتَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَحِقَهُ اللَّوْمُ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ الطَّبَرِيُّ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْنَعِ الْمُخَنَّثَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ التَّدْقِيقَ فِي وَصْفِ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي

(10/332)


ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَمَنَعَهُ حِينَئِذٍ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا ذَمَّ عَلَى مَا كَانَ من أصل الْخلقَة وَقَالَ بن التِّينِ الْمُرَادُ بِاللَّعْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ تَشَبَّهَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الزِّيِّ وَمَنْ تَشَبَّهَ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَذَلِكَ فَأَمَّا مَنِ انْتَهَى فِي التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ وَبِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى أَنْ تَتَعَاطَى السُّحْقَ بِغَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ فَإِنَّ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الذَّمِّ وَالْعُقُوبَةِ أَشَدُّ مِمَّنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِخْرَاجِ مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ مِنَ الْبُيُوتِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ الْأَمْرُ بِالتَّشَبُّهِ إِلَى تَعَاطِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُنْكَرِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مَا مُلَخَّصُهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الزَّجْرُ عَنِ التَّشَبُّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ عُرِفَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّشَبُّهُ فِي الزِّيِّ وَبَعْضِ الصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَنَحْوِهَا لَا التَّشَبُّهُ فِي أُمُورِ الْخَيْرِ وَقَالَ أَيْضًا اللَّعْنُ الصَّادِرُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرَادُ بِهِ الزَّجْرُ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ اللَّعْنُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ مَخُوفٌ فَإِنَّ اللَّعْنَ مِنْ عَلَامَاتِ الْكَبَائِرِ وَالْآخَرُ يَقَعُ فِي حَالِ الْحَرَجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَخُوفٍ بَلْ هُوَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَعَنَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي لَعَنَهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ كَمَا ثَبت من حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي لَعْنِ مَنْ تَشَبَّهَ إِخْرَاجُهُ الشَّيْءَ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَيْهِ أَحْكَمُ الْحُكَمَاءِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي لَعْنِ الْوَاصِلَاتِ بِقَوْلِهِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ قَوْلُهُ تَابَعَهُ عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ يَعْنِي بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُكَلَّلِ بِاللُّؤْلُؤِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِوُرُودِ عَلَامَاتِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ لَعْنُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إِلَّا لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي النَّهْيِ عَنهُ بِخُصُوصِهِ شَيْء

(قَوْلُهُ بَابُ إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْنَسَفِيِّ بَابُ إِخْرَاجِهِمْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ

[5886] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(10/333)


الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَكَأَنَّ أَبَا دَاوُدَ حَمَلَ رِوَايَةَ هِشَامٍ عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَإِنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ هِيَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَرِوَايَةَ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى هِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ كِلَاهُمَا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ تَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى ضَبْطِهِ عَقِبَ هَذَا قَوْلُهُ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا الْمُتَرَجِّلَاتُ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ الْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ قَوْلُهُ فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانَةَ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فُلَانَةُ بِالتَّأْنِيثِ وَكَذَا وَقع فِي شرح بن بَطَّالٍ وَلِلْبَاقِينَ فُلَانًا بِالتَّذْكِيرِ وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَتَمَّامٌ الرَّازِيُّ فِي فَوَائِدِهِ من حَدِيث وَاثِلَة مثل حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا بِتَمَامِهِ وَقَالَ فِيهِ وَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْجَشَةَ وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا وَأَنْجَشَةُ هُوَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ الَّذِي كَانَ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ وَسَيَأْتِي خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَسَامِي مَنْ كَانَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ مِنَ الْمُخَنَّثِينَ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى تَسْمِيَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عُمَرُ إِلَى أَنْ ظَفِرْتُ بِكِتَابٍ لأبي الْحسن الْمَدَائِنِي سَمَّاهُ كِتَابَ الْمُغَرَّبِينَ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثَقِيلَةٍ فَوَجَدْتُ فِيهِ عِدَّةَ قَصَصٍ لِمَنْ غَرَّبَهُمْ عُمَرُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ أَوَاخِرِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[5887] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا زُهَيْر هُوَ بن مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ قَوْلُهُ وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَسْمِيَتُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَشَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى وَبَيَانُ مَا وَقَعَ هُنَا مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَا يُدْخَلَنَّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ جَمَعَ مَعَ النِّسَاءِ الْمُخَاطَبَاتِ بِذَلِكَ مَنْ يَلُوذُ بِهِنَّ مِنْ صَبِيٍّ وَوَصِيفٍ فَجَاءَ التَّغْلِيبُ وَقَدْ تُفْتَحُ التَّحْتَانِيَّةُ أَوَّلَهُ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إِخْرَاجِ كُلِّ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ التَّأَذِّي لِلنَّاسِ عَنْ مَكَانِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ عَن ذَلِك أَو يَتُوب

(قَوْلُهُ بَابُ قَصِّ الشَّارِبِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِاللِّبَاسِ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الزِّينَةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا التَّرَاجِمَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالشُّعُورِ وَمَا شَاكَلَهَا وَثَانِيًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّطَيُّبِ وَثَالِثًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِتَحْسِينِ الصُّورَةِ

(10/334)


وَرَابِعًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّصَاوِيرِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الثِّيَابِ وَخَتَمَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِارْتِدَافِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ خَفِيٌّ وَتَعَلُّقُهُ بِكِتَابِ الْأَدَبِ الَّذِي يَلِيهِ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَصْلُ الْقَصِّ تَتَبُّعُ الْأَثَرِ وَقَيَّدَهُ بن سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِاللَّيْلِ وَالْقَصُّ أَيْضًا إِيرَادُ الْخَبَرِ تَامًّا عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ بِآلَةٍ مَخْصُوصَة وَالْمرَاد بِهِ هُنَا قطع الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ وَكَذَا قَصُّ الظُّفْرِ أَخْذُ أَعْلَاهُ مِنْ غير استئصال قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقَعَ لِلْبَاقِينَ وَكَانَ عُمَرُ قُلْتُ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَفِّرُ شَارِبَهُ قَوْلُهُ يُحْفِي شَارِبَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا مِنَ الْإِحْفَاءِ أَوِ الْحَفْوِ وَالْمُرَادُ الْإِزَالَةُ قَوْلُهُ حَتَّى يَرَى بَيَاضَ الْجِلْدِ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيه قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ رَأَيْت بن عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَهَذَا يرد تَأْوِيل من تَأَول فِي أثر بن عُمَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِزَالَةُ مَا عَلَى طَرَفِ الشَّفَةِ فَقَطْ قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ كَذَا وَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ جَازِمًا بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ وَقَوْلُهُ بَيْنَ كَذَا لِلْجَمِيعِ إِلَّا أَنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ رَوَاهُ بِلَفْظِ مِنْ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ

[5888] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنِ بن عُمَرَ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَيْخَهُ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ وَهُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرِ بن عُمَرَ فِي السَّنَدِ وَحَدَّثَ بِهِ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ عَن مكي مَوْصُولا بِذكر بن عُمَرَ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهَذَا جَزَمَ شَيْخُنَا بن الْمُلَقِّنِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنْ قَالَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى نَافِعٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَتَلَقَّى ذَلِكَ مِنَ الْحُمَيْدِيِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَأَمَّا الْكِرْمَانِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُنْقَطِعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَين مكي وبن عُمَرَ أَحَدًا فَقَالَ الْمَعْنَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ رَوَى أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعًا فَقَالُوا حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ عَن بن عُمَرَ فَطَرَحُوا ذِكْرَ الرَّاوِي الَّذِي بَيْنَهُمَا كَذَا قَالَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ مَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ مَوْصُول بَين مكي وبن عُمَرَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ النَّاظِرُ وَهُوَ مَاذَا الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنِ بن عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَوَاهُ مَرَّةً عَنْ شَيْخِهِ مَكِّيٍّ عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلًا وَمَرَّةً عَنْ أَصْحَابِهِ عَن مكي مَرْفُوعا عَن بن عُمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ الرَّاوِيَ عَنِ بن عُمَرَ إِلَى أَنَّهُ الْمَكِّيُّ اه وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْكِرْمَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رُبَّمَا رَوَى عَنِ الْمَكِّيِّ بِالْوَاسِطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ وَوَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِهِ نَظَائِرُ لِذَلِكَ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابِ الْجَعْدِ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَ حَدِيثًا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَ زِيَادَةً فِي الْمَتْنِ وَنَظِيرُهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ فِي بَابِ قَوْلِهِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ قُلْتُ وَهُوَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَقَالَ فِي آخِرِهِ أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ فَذَكَرَ كَلِمَةً فِي الْمَتْنِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا سَبَقَ فِي الْمَنَاقِبِ فِي ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَقَالَ فِي آخِرِهِ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ فَذَكَرَ زِيَادَةً فِي الْمَتْنِ أَيْضًا قُلْتُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَابِ وَقَعَ فِي الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ وَالِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِهِ وَقَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَتْنِ لَكِنِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي مُطْلَقِ الِاخْتِلَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ

(10/335)


الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا لَكِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ دَرَجَةً وَطَرِيقُ مَكِّيٍّ وَقَعَتْ لنا فِي مُسْند بن عُمَرَ لِأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ قَصُّ الشَّارِبِ وَالظُّفْرِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَكِّيٍّ قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَغْفَلَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ لَا مِنْ طَرِيقِ مَكِّيٍّ وَلَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ هَذَا ذَكَرَ لِي مُحَدِّثُ حَلَبَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ أَنَّ شَيْخَنَا الْبُلْقِينِيَّ قَالَ لَهُ الْقَائِلُ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ الْبُخَارِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ قَالَ وَالسَّنَدَانِ مُتَّصِلَانِ وَمَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ بَيَانُ أَنَّ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ سَمَّى حَنْظَلَةَ وَأَمَّا أَصْحَابُ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا رَوَوْهُ لَهُ عَنْ حَنْظَلَةَ لَمْ يُسَمُّوهُ بَلْ قَالُوا عَنِ الْمَكِّيِّ قَالَ فَالسَّنَدُ الْأَوَّلُ مَكِّيٌّ عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ وَالثَّانِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ ثُمَّ قَالَ وَفِي فَهْمِ ذَلِكَ صُعُوبَةٌ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَتَبَجَّحُ بِذَلِكَ وَلَقَدْ صَدَقَ فِيمَا ذَكَرَ مِنَ الصُّعُوبَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ لَقُوا حَنْظَلَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي سَمِعَ مِنْ حَنْظَلَةَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُحَدِّثُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ طَلَبِ البُخَارِيّ الحَدِيث قَالَ بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ بن نَافِع وبن حِبَّانَ مَاتَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَقَدْ أَفْصَحَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ بِالْمُرَادِ فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ حَدِيثُ مِنَ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَقَصُّ الشَّارِبِ خَ فِي اللِّبَاسِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَان عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ وَعَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَكِّيٍّ عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ فَصَرَّحَ بِأَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ عَنِ الْمَكِّيِّ الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ عَن بن عُمَرَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ أَرْسَلَهُ وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ وَصَلَهُ فَحَكَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ ثُمَّ سَاقَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ

[5889] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ بن الْمَدِينِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ قَوْلُهُ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّاوِي عَلَى الصِّيغَةِ وَهُوَ سَائِغٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةٌ هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِ الرَّاوِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوِهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ تَارَةً يَكُنِّي وَتَارَةً يُصَرِّحُ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي رِوَايَةً أَوْ يَرْوِيهِ أَوْ يَبْلُغُ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ زِيَادَةُ أَبِي سَلَمَةَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي السَّنَدِ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ قَوْلُهُ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ بِالشَّكِّ وَهُوَ مِنْ سُفْيَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ خَمْسٌ مِنَ الْفطْرَة وَلم يشك وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَهِيَ مَحْمُولَة على الأولى قَالَ بن دَقِيق الْعِيد

(10/336)


دَلَالَةُ مِنْ عَلَى التَّبْعِيضِ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْحَصْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ على أَن الْحصْر فِيهَا غير مُرَاد وَاخْتُلِفَ فِي النُّكْتَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَقِيلَ بِرَفْعِ الدَّلَالَةِ وَأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقِيلَ بَلْ كَانَ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْخَمْسِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِالزِّيَادَةِ وَقِيلَ بَلِ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ فَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اللَّائِقَ بِالْمُخَاطَبِينَ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالْحَصْرِ الْمُبَالَغَةُ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الدّين النَّصِيحَة وَالْحج عَرَفَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا مَنْ لَمْ يُؤْخَذْ شَارِبُهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ حَلْقَ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِتَانِ دَلِيلُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَذَكَرَ بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ خِصَالَ الْفِطْرَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ خَصْلَةً فَإِذَا أَرَادَ خُصُوصَ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثِينَ بَلْ تَزِيدُ كَثِيرًا وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ حَدِيثُ بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا ثَلَاثًا وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ وَبِلَفْظِ مِنَ الْفِطْرَةِ وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَأَخْرَجَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ الثَّلَاثَ وَزَادَ الْخِتَانَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ الْخَمْسَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا الْخِتَانَ وَزَادَ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَغَسْلَ الْبَرَاجِمِ وَالِاسْتِنْجَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ إِنَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونُ الْمَضْمَضَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ بِلَفْظِ عَشْرَةٌ مِنَ السُّنَّةِ وَذَكَرَ الِاسْتِنْثَارَ بَدَلَ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ يَذْكُرُ عَشْرَةً مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَشَكَكْتُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْقٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ عَشْرٌ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِتَانَ بَدَلَ غَسْلِ الْبَرَاجِمِ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ الرِّوَايَةَ الْمَقْطُوعَةَ عَلَى الْمَوْصُولَةِ الْمَرْفُوعَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لي أَنَّهَا لَيست بعلة فادحة فَإِن راويها مُصعب بن شيبَة وثقة بن مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَيَّنَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ سَائِغٌ وَقَوْلُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ سَمِعْتُ طَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ يَذْكُرُ عَشْرًا مِنَ الْفِطْرَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ مَا فَهِمَهُ النَّسَائِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُهَا وَسَنَدَهَا فَحَذَفَ سُلَيْمَانُ السَّنَدَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَالِانْتِضَاحُ وَذَكَرَ الْخَمْسَ الَّتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَاقه بن مَاجَهْ وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ فَأَحَالَ بِهِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَقَالَ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْفَرْقَ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ قُلْتُ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ربه بِكَلِمَات فأتمهن قَالَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالطَّهَارَةِ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ قُلْتُ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ سَوَاءً وَلَمْ يَشُكَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَذَكَرَ أَيْضًا الْفَرْقَ بَدَلَ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ وَأَخْرَجَهُ بن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ بَدَلَ الِاسْتِنْجَاءِ فَصَارَ مَجْمُوعُ الْخِصَالِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً اقْتَصَرَ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ السِّوَاكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَزَادَ النَّوَوِيُّ وَاحِدَةً فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ رَأَيْتُ قَبْلَ

(10/337)


الْخَوْضِ فِي شَرْحِ الْخَمْسِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنْ أُشِيرَ إِلَى شَرْحِ الْعَشْرِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا فَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالسِّوَاكُ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَأَمَّا الْفَرْقُ فَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَأَمَّا غَسْلُ الْبَرَاجِمِ فَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمَّتَيْنِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ الَّتِي فِي ظَهْرِ الْكَفِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَتَّسِخُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَا يَكُونُ طَرِيَّ الْبَدَنِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَغْسِلُ الْيَدَ عَقِبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْغُضُونِ وَسَخٌ فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ يَعْنِي أَنَّهَا يُحْتَاجُ إِلَى غَسْلِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا إِزَالَةَ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَإِنَّ فِي بَقَائِهِ إِضْرَارًا بِالسَّمْعِ وَقَدْ أخرج بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَعَاهُدِ الْبَرَاجِمِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوَسَخَ إِلَيْهَا سَرِيعٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رَفَعَهُ قُصُّوا أَظْفَارَكُمْ وَادْفِنُوا قُلَامَاتِكُمْ وَنَقُّوا بِرَاجِمَكُمْ وَفِي سَنَده راو مَجْهُول وَلأَحْمَد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَلِمَ لَا يُبْطِئُ عَنِّي وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَنُّونَ أَيْ لَا تَسْتَاكُونَ وَلَا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ وَالرَّوَاجِبُ جَمْعُ رَاجِبَةٍ بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَرَاجِمُ والرواجب مفاصل الْأَصَابِع كلهَا وَقَالَ بن سِيدَهْ الْبُرْجَمَةُ الْمِفْصَلُ الْبَاطِنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالرَّوَاجِبُ بَوَاطِنُ مَفَاصِلِ أُصُولِ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ قَصَبُ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ هِيَ ظُهُورُ السُّلَامَيَاتِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ البراجم من السلاميات وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ الرَّاجِبَةُ الْبُقْعَةُ الْمَلْسَاءُ الَّتِي بَيْنَ الْبَرَاجِمِ وَالْبَرَاجِمُ الْمُسَبِّحَاتُ مِنْ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ ثَلَاثُ بُرْجُمَاتٍ إِلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا بُرْجُمَتَانِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّوَاجِبُ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ اللَّاتِي تَلِي الْأَنَامِلَ ثُمَّ الْبَرَاجِمُ ثُمَّ الْأَشَاجِعُ اللَّاتِي عَلَى الْكَفّ وَقَالَ أَيْضا الرواجب رُؤُوس السُّلَامَيَاتِ مِنْ ظَهْرِ الْكَفِّ إِذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ وَالْأَشَاجِعُ أُصُولُ الْأَصَابِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِعَصَبِ ظَاهِرِ الْكَفِّ وَاحِدُهَا أَشْجَعُ وَقِيلَ هِيَ عُرُوقُ ظَاهِرِ الْكَفِّ وَأَمَّا الِانْتِضَاحُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحَ بِهِ مَذَاكِيرَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ انْتِضَاحُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّضْحِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ فَعَلَى هَذَا هُوَ وَالِاسْتِنْجَاءُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ غَيْرُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ إِنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَانْتَضَحَ بِهَا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سعيد بن جُبَير أَن رجلا أَتَى بن عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي أَجِدُ بَلَلًا إِذَا قُمْتُ أُصَلِّي فَقَالَ لَهُ بن عَبَّاسٍ انْضَحْ بِمَاءٍ فَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقُلْ هُوَ مِنْهُ وَأَمَّا الْخِصَالُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ لِمْ يَرِدِ التَّصْرِيحُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَفَعَهُ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْحَيَاءِ فَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ وَقِيلَ هِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّون فعلى الأول خَصْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْخُلُقِ وَعَلَى الثَّانِي هِيَ خَصْلَةٌ حِسِّيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْبَدَنِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ خَمْسٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ إِلَّا النِّكَاحَ وَزَادَ الْحِلْمَ وَالْحِجَامَةَ وَالْحِلْمُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي الضَّبْطَ الْأَوَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَإِذَا تُتُبِّعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ

(10/338)


كَثُرَ الْعَدَدُ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ تُدْرَكُ بِالتَّتَبُّعِ مِنْهَا تَحْسِينُ الْهَيْئَةِ وَتَنْظِيفُ الْبَدَنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَالِاحْتِيَاطُ لِلطَّهَارَتَيْنِ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُخَالَطِ وَالْمُقَارَنِ بِكَفِّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَمُخَالَفَةُ شِعَارِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمَجُوسِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَامْتِثَالُ أَمْرِ الشَّارِعِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صوركُمْ لِمَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ حَسُنَتْ صُوَرُكُمْ فَلَا تُشَوِّهُوهَا بِمَا يُقَبِّحُهَا أَوْ حَافِظُوا عَلَى مَا يَسْتَمِرُّ بِهِ حُسْنُهَا وَفِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مُحَافَظَةٌ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَعَلَى التَّآلُفِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا بَدَا فِي الْهَيْئَةِ الْجَمِيلَةِ كَانَ أَدْعَى لِانْبِسَاطِ النَّفْسِ إِلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُحْمَدُ رَأْيُهُ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا شَرْحُ الْفِطْرَةِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ هُنَا السُّنَّةُ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ قَالُوا وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمَعْنِيُّ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بالفطرة فِي هَذَا الحَدِيث الدّين وَاسْتشْكل بن الصَّلَاحِ مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ مَعْنَى الْفِطْرَةِ بَعِيدٌ مِنْ مَعْنَى السُّنَّةِ لَكِنْ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُنَّةُ الْفِطْرَةِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الصَّوَاب فَإِن فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فَسَّرَ الْحَدِيثَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي الْبُخَارِيِّ اه وَقَدْ تَبِعَهُ شَيْخُنَا بن الْمُلَقِّنِ عَلَى هَذَا وَلَمْ أَرَ الَّذِي قَالَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بَلِ الَّذِي فِيهِ من حَدِيث بن عُمَرَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالسُّنَّةِ مَوْضِعَ الْفِطْرَةِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَطْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ الشَّقُّ طُولًا وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَهْيِ وَعَلَى الِاخْتِرَاعِ وَعَلَى الْإِيجَادِ وَالْفِطْرَةُ الْإِيجَادُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ وَقَالَ أَبُو شَامَةَ أَصْلُ الْفِطْرَةِ الْخِلْقَةُ الْمُبْتَدَأَةُ وَمِنْهُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيِ الْمُبْتَدِئُ خَلْقَهُنَّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ عَلَى مَا ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَوْ تُرِكَ مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ نَظَرُهُ لَأَدَّاهُ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهَا فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله وَإِلَيْهِ يُشِيرُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ حَيْثُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِذَا فُعِلَتِ اتَّصَفَ فَاعِلُهَا بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا وَحَثَّهُمْ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّهَا لَهُمْ لِيَكُونُوا عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ وَأَشْرَفِهَا صُورَةً اه وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ الْفِطْرَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِلَى مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الِاخْتِرَاعُ وَالْجِبِلَّةُ وَالدِّينُ وَالسُّنَّةُ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ وَكَأَنَّهَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهَا انْتَهَى وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ فِي قَوْلِهِ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ خَمْسٌ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ خِصَالٌ خَمْسٌ ثُمَّ فَسَّرَهَا أَوْ عَلَى الْإِضَافَةِ أَيْ خَمْسُ خِصَالٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي شُرِعَ لَكُمْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَالتَّعْبِيرُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِالسُّنَّةِ بَدَلَ الْفِطْرَةِ يُرَادُ بِهَا الطَّرِيقَةُ لَا الَّتِي تُقَابِلُ الْوَاجِبَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالُوا هُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ عِنْدِي أَنَّ الْخِصَالَ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْقَ صُورَتُهُ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَكَيْفَ

(10/339)


مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي مَقْصُودُهَا مَطْلُوبٌ لِتَحْسِينِ الْخَلْقِ وَهِيَ النَّظَافَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى وُرُودِ أَمْرِ إِيجَابٍ لِلشَّارِعِ فِيهَا اكْتِفَاءً بِدَوَاعِي الْأَنْفُسِ فَمُجَرَّدُ النَّدْبِ إِلَيْهَا كَافٍ وَنقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ دَلَّ الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ بِمَعْنَى الدِّينِ وَالْأَصْلُ فِيمَا أُضِيفَ إِلَى الشَّيْءِ أَنَّهُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَرْكَانِهِ لَا مِنْ زَوَائِدِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ أُمِرَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَنْ أُمِرَ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الِاتِّبَاعِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ مَتْبُوعٍ فِيهِ بَلْ يَتِمُّ الِاتِّبَاعُ بِالِامْتِثَالِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَتْبُوعِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى التَّابِعِ أَوْ نَدْبًا فَنُدِبَ فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ وُجُوبِ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ الْخِتَانُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ مَصْدَرُ خَتَنَ أَيْ قَطَعَ وللختن بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ قَطْعُ بَعْضٍ مَخْصُوصٍ مِنْ عُضْوٍ مَخْصُوصٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ الِاخْتِتَانُ وَالْخِتَانُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْخَاتِنِ وَلِمَوْضِعِ الْخِتَانِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ هُنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُ الذَّكَرِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُسْتَوْعَبَ مِنْ أَصْلِهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْحَشَفَةِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهَا مَا يَتَغَشَّى بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَفَةِ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُسْتَحَقُّ فِي الرِّجَالِ قَطْعُ الْقُلْفَةِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْجِلْدَةِ شَيْءٌ مُتَدَلٍّ وَقَالَ بن الصّباغ حَتَّى تنكشف جَمِيع الْحَشَفَة وَقَالَ بن كَجٍّ فِيمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِقَطْعِ شَيْءٍ مِمَّا فَوْقَ الْحَشَفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُهَا قَطْعُ جِلْدَةٍ تَكُونُ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالنَّوَاةِ أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ وَالْوَاجِبُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الْمُسْتَعْلِيَةِ مِنْهُ دُونَ اسْتِئْصَالِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قُلْتُ وَلَهُ شَاهِدَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَآخَرَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ إِعْذَارًا بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ خَفْضًا بِخَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو شَامَةَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الْكُلِّ إِعْذَارًا وَالْخَفْضُ يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عُذِرَتِ الْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ وَأَعْذَرْتَهُمَا خَتَنْتَهُمَا وَأَخْتَنْتَهُمَا وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُ خُفِضَتِ الْجَارِيَةُ قَالَ وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ الْغُلَامَ إِذَا وُلِدَ فِي الْقَمَرِ فُسِخَتْ قُلْفَتُهُ أَيِ اتَّسَعَتْ فَصَارَ كَالْمَخْتُونِ وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَنْ يُمَرَّ بِالْمُوسَى عَلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ قَالَ أَبُو شَامَةَ وَغَالِبُ مَنْ يُولَدُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ خِتَانُهُ تَامًّا بَلْ يَظْهَرُ طَرَفُ الْحَشَفَةِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ تَكْمِيلُهُ وَأَفَادَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ هَلْ يُخْفَضْنَ عُمُومًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ فَيُخْفَضْنَ وَنِسَاءِ الْمَغْرِبِ فَلَا يُخْفَضْنَ لِعَدَمِ الْفَضْلَةِ الْمَشْرُوعُ قَطْعُهَا مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ قَالَ فَمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا اسْتُحِبَّ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْمَوْضِعِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ قَالَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْخِتَانِ دُونَ بَاقِي الْخِصَالِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ عَطَاءٌ حَتَّى قَالَ لَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ لَمْ يَتِمَّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُخْتَنَ وَعَنِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ وَعَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَنْهُ سُنَّةٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا يَجِبُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي

(10/340)


عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَفَعَهُ الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ السُّنَّةِ إِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُرَادُ بِهِ الَّتِي تُقَابِلُ الْوَاجِبَ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ افْتِرَاقُ الْحُكْمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْوُجُوبِ فَقَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ الذُّكُورِ آكَدُ مِنْهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لِلنَّدْبِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ لِلْإِبَاحَةِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَن بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخُ وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْخِصَالَ الْمُنْتَظِمَةَ مَعَ الْخِتَانِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً إِلَّا عِنْدَ بَعْضِ مَنْ شَذَّ فَلَا يَكُونُ الْخِتَانُ وَاجِبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يُرَادَ بِالْفِطْرَةِ وَبِالسُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي يَجْمَعُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَهُوَ الطَّلَبُ الْمُؤَكَّدُ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلَا ثُبُوتِهِ فَيُطْلَبُ الدَّلِيلُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَلَا مَانِعَ مِنْ جَمْعِ الْمُخْتَلِفَيِ الْحُكْمَ بِلَفْظِ أَمْرٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقه يَوْم حَصَاده فَإِيتَاءُ الْحَقِّ وَاجِبٌ وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ هَكَذَا تَمَسَّكَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ لَفْظَةً وَاحِدَةً اسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمِيعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَكَرَّرَتْ فِيهَا وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ فَصُرِفَ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ الْآخَرُ عَلَى الْأَصْلِ وَهَذَا التَّعَقُّبُ إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ وَأَمَّا مَنْ يُجِيزُهُ كَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الِاخْتِتَانَ بِأَدِلَّةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقُلْفَةَ تَحْبِسُ النَّجَاسَةَ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ كَمَنْ أَمْسَكَ نَجَاسَةً بِفَمِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ أَنَّ وَضْعَ الْمَأْكُولِ فِيهِ لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ عِنْدَنَا مُغْتَفَرٌ الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ كُلَيْبٍ جَدِّ عُثَيْمِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ألق عَنْك شعر الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ مَعَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ خِطَابَهُ لِلْوَاحِدِ يَشْمَلُ غَيْرَهُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سَنَدَ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ الثَّالِثُ جَوَازُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مِنَ الْمَخْتُونِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِمَنْ بَلَغَ أَوْ شَارَفَ الْبُلُوغَ وَجَوَازُ نَظَرِ الْخَاتِنِ إِلَيْهَا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا أُبِيحَ ذَلِكَ وَأَقْدَمُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ رَآهُ فِي كِتَابِ الْوَدَائِعِ الْمَنْسُوبِ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَلَا أَظُنهُ يثبت عَنهُ قَالَ أَبُو شَامَةَ وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ بَعْدَهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَأَبِي الْفَرَجِ السَّرَخْسِيِّ وَالشَّيْخِ فِي الْمُهَذَّبِ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مُبَاحٌ لِمَصْلَحَةِ الْجِسْمِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا يُبَاحُ لِلْمُدَاوَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا إِجْمَاعًا وَإِذَا جَازَ فِي الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَانَ فِي الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ أَوْلَى وَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِغَيْرِ الْوَاجِبِ كَتَرْكِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ بِالتَّشَاغُلِ بِرَكْعَتَيِ التَّحِيَّةِ وَكَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ لِلْمُدَاوَاةِ مَثَلًا وَأَجَابَ عَنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الثَّالِثِ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لَا يَجُوزُ لِكُلِّ مُدَاوَاةٍ فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ وَقَوَّى أَبُو شَامَةَ الْإِيرَادَ بِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْغَاسِلَ الْمَيِّتَ أَنْ يَحْلِقَ عَانَةَ الْمَيِّتِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِلْغَاسِلِ إِلَّا بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَهُمَا حَرَامَانِ وَقَدْ أُجِيزَا لأمر

(10/341)


مُسْتَحَبٍّ الرَّابِعُ احْتَجَّ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ لَا يُسْتَخْلَفُ مِنَ الْجَسَدِ تَعَبُّدًا فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ إِنَّمَا أُبِيحَ فِي مُقَابَلَةِ جُرْمٍ عَظِيمٍ فَلَمْ يَتِمَّ الْقِيَاسُ الْخَامِسُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْخِتَانِ إِدْخَالُ أَلَمٍ عَظِيمٍ عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ لَا يُشْرَعُ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ وُجُوبٍ وَقَدِ انْتَفَى الْأَوَّلَانِ فَثَبَتَ الثَّالِثُ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ فِي الْخِتَانِ عِدَّةُ مَصَالِحَ كَمَزِيدِ الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ فَإِنَّ الْقُلْفَةَ مِنَ الْمُسْتَقْذَرَاتِ عِنْد الْحَرْب وَقَدْ كَثُرَ ذَمُّ الْأَقْلَفِ فِي أَشْعَارِهِمْ وَكَانَ لِلْخِتَانِ عِنْدَهُمْ قَدْرٌ وَلَهُ وَلِيمَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ وَأَقَرَّ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ السَّادِسُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ بِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ وَبِهِ يُعْرَفُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَخْتُونٌ بَيْنَ جَمَاعَةِ قَتْلَى غَيْرِ مَخْتُونِينَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ شِعَارَ الدِّينِ لَيْسَتْ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ وَمَا ادَّعَاهُ فِي الْمَقْتُولِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَكَثِيرًا مِنَ النَّصَارَى يَخْتِنُونَ فَلْيُقَيَّدْ مَا ذُكِرَ بِالْقَرِينَةِ قُلْتُ قَدْ بَطَلَ دَلِيلُهُ السَّابِعُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَحْسَنُ الْحُجَجِ أَنْ يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا اخْتُتِنَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ بن ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَصَحَّ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ فَأَتَمَّهُنَّ هِيَ خِصَالُ الْفِطْرَةِ وَمِنْهُنَّ الْخِتَانُ وَالِابْتِلَاءُ غَالِبًا إِنَّمَا يَقَعُ بِمَا يَكُونُ وَاجِبًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ إِلَّا إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ فَيَحْصُلُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ عَلَى وَفْقِ مَا فَعَلَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تهتدون وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ أَفْعَالَهُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَيْضًا فَبَاقِي الْكَلِمَاتِ الْعَشْرِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ سُنَّةٍ إِلَّا عَنْ أَمْرٍ مِنَ اللَّهِ اه وَمَا قَالَهُ بَحْثًا قَدْ جَاءَ مَنْقُولًا فَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ أَنْ يُخْتَتَنَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بن ثَمَانِينَ سَنَةً فَعَجَّلَ وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ فَدَعَا رَبَّهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّكَ عَجِلْتَ قَبْلَ أَنْ نَأْمُرَكَ بِآلَتِهِ قَالَ يَا رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ أَمْرَكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَدُومُ جَاءَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا وَهُوَ الْفَأْسُ الَّذِي اخْتُتِنَ بِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَكَانٌ يُسَمَّى الْقَدُومَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ يُقَالُ هُوَ كَانَ مُقِيلَهُ وَقِيلَ اسْمُ قَرْيَةٍ بِالشَّامِ وَقَالَ أَبُو شَامَةَ هُوَ مَوْضِعٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ وَقِيلَ بِقُرْبِ حَلَبَ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَن الْآلَة بِالتَّخْفِيفِ وَصرح بن السِّكِّيتِ بِأَنَّهُ لَا يُشَدَّدُ وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمُ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لما اختتن كَانَ بن مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُوَ أَنه اختتن وَهُوَ بن ثَمَانِينَ وَعَاشَ بَعْدَهَا أَرْبَعِينَ وَالْغَرَضُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاجِبًا فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ اسْتَقَامَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ بَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ الْخِتَانُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ وُجُوبٍ وَوَقْتُ اسْتِحْبَابٍ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ الْبُلُوغُ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ قَبْلَهُ وَالِاخْتِيَارُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ بَعْدِ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ الْوِلَادَةِ فَإِنْ أَخَّرَ فَفِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَخَّرَ فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَإِنْ بَلَغَ وَكَانَ نِضْوًا نَحِيفًا يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إِذَا اخْتُتِنَ تَلِفَ سَقَطَ الْوُجُوبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَتَنَ الصَّبِيُّ حَتَّى يَصِيرَ بن عَشْرِ سِنِينَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَوْمُ ضَرْبِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَلَمُ الْخِتَانِ فَوْقَ أَلَمِ

(10/342)


الضَّرْبِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّأْخِيرِ وَزَيَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنَ أَهْلِ الْعِبَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَدَنِ فَكَيْفَ مَعَ الْأَلَمِ قَالَ وَلَا يَرِدُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَبٌ بَلْ هُوَ مُضِيُّ زَمَانٍ مَحْضٍ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ فِي خِتَانِ الصَّبِيِّ وَهُوَ صَغِيرٌ مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجِلْدَ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يَغْلُظُ وَيَخْشُنُ فَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ الْخِتَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ كَرَاهَةَ الْخِتَانِ يَوْمَ السَّابِعِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَقَالَ مَالِكٌ يَحْسُنُ إِذَا أَثْغَرَ أَيْ أَلْقَى ثَغْرَهُ وَهُوَ مُقَدَّمُ أَسْنَانِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّبْعِ سِنِينَ وَمَا حَوْلَهَا وَعَنِ اللَّيْثِ يُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ وَعَنِ أَحْمَدَ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ سَبْعٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ وَيُخْتَنُ الْحَدِيثَ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن بن الْمُنْكَدِرِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَنَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْوَلِيدُ فَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي وَلَكِنَّ الْخِتَانَ طُهْرَةٌ فَكُلَّمَا قَدَّمَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ختن إِسْحَاق وَهُوَ بن سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مَشْرُوعِيَّةَ الدَّعْوَةِ فِي الْخِتَانِ وَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى خِتَانٍ فَقَالَ مَا كُنَّا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نُدْعَى لَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ رِوَايَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خِتَانَ جَارِيَةٍ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ السُّنَّةَ إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الْأُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَالِاسْتِحْدَادُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْمُوسَى فِي حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ مَكَانٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْجَسَدِ قِيلَ وَفِي التَّعْبِيرِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِهَا وَأَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا التَّعْبِيرُ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنْسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا مِنْ قَبْلُ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَا الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا قَالَ وَذَكَرَ الْحَلْقَ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْإِزَالَةُ بِالنَّوْرَةِ وَالنَّتْفِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو شَامَةَ الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الرَّكَبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْكَافِ وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْبَطْنِ فَكَانَ تَحْتَ الثَّنْيَةِ وَفَوْقَ الْفَرْجِ وَقِيلَ لِكُلِّ فَخِذٍ رَكَبٌ وَقِيلَ ظَاهِرُ الْفَرْجِ وَقِيلَ الْفَرْجُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ إِمَاطَةُ الشَّعْرِ عَنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بَلْ هُوَ مِنَ الدُّبُرِ أَوْلَى خَوْفًا مِنْ أنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنَ الْغَائِطِ فَلَا يُزِيلُهُ الْمُسْتَنْجِي إِلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ بِالِاسْتِجْمَارِ قَالَ وَيَقُومُ التَّنَوُّرُ مَكَانَ الْحَلْقِ وَكَذَلِكَ النَّتْفُ وَالْقَصُّ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَخْذِ الْعَانَةِ بِالْمِقْرَاضِ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ قِيلَ فَالنَّتْفُ قَالَ وَهَلْ يَقْوَى عَلَى هَذَا أَحَدٌ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْفَرْجِ وَقِيلَ هُوَ مَنْبَتُ الشَّعْرِ قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْخَبَرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ شَعْرُ الْعَانَةِ أَوْلَى الشُّعُورِ بالازالة لِأَنَّهُ يكْشف وَيَتَلَبَّدُ فِيهِ الْوَسَخُ بِخِلَافِ شَعْرِ الْإِبْطِ قَالَ وَأَمَّا حَلْقُ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ فَلَا يُشْرَعُ وَكَذَا قَالَ الْفَاكِهِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمَنْعِ مُسْتَنَدًا وَالَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ أَبُو شَامَةَ قَوِيٌّ بَلْ رُبَّمَا تُصُوِّرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا الْقَلِيلَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ لَوْ حَلَقَ الشَّعْرَ أَنْ لَا يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ من الْغَائِط

(10/343)


يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَسْلِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ زَائِد على قدر الِاسْتِنْجَاء وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ حَلْقِ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ قَالَ وَالْأَوْلَى فِي إِزَالَةِ الشَّعْرِ هُنَا الْحَلْقُ اتِّبَاعًا وَيَجُوزُ النَّتْفُ بِخِلَافِ الْإِبْطِ فَإِنَّهُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ تُحْتَبَسُ تَحْتَهُ الْأَبْخِرَةُ بِخِلَافِ الْعَانَةِ وَالشَّعْرُ مِنَ الْإِبْطِ بِالنَّتْفِ يَضْعُفُ وَبِالْحَلْقِ يَقْوَى فَجَاءَ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْمُنَاسِبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ السُّنَّةُ فِي إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ طُرُوقِ النِّسَاءِ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي النِّكَاحِ لَكِنْ يَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْإِزَالَةِ بِكُلِّ مُزِيلٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَالْأَوْلَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْحَلْقُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ النَّتْفُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْأَلَمِ وَعَلَى الزَّوْجِ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ بِاتِّفَاق الْأَطِبَّاء وَمن ثمَّ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِنَّ بَعْضَهُمْ مَالَ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمحل لَكِن قَالَ بن الْعَرَبِيِّ إِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَالنَّتْفُ فِي حَقِّهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْبُو مَكَانَ النَّتْفِ وَإِنْ كَانَتْ كَهْلَةً فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهَا الْحَلْقُ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ وَلَوْ قِيلَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهَا التَّنَوُّرُ مُطْلَقًا لِمَا كَانَ بَعِيدًا وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي وُجُوبِ الْإِزَالَةِ عَلَيْهَا إِذَا طُلِبَ ذَلِكَ مِنْهَا وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي نَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَيْضًا بِأَنَّ نَتْفَ الْإِبْطِ وَحَلْقَهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَاطَاهُ الْأَجْنَبِيُّ بِخِلَافِ حَلْقِ الْعَانَةِ فَيَحْرُمُ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَأَمَّا التَّنَوُّرُ فَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَأَجَازَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلَهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنَّهُ أَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طلى وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ وَمُقَابِلُهُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ وَلَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا قَوْلُهُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْآبَاطُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْإِبْطُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَصَوَّبَهُ الْجَوَالِيقِيُّ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَتَأَبَّطَ الشَّيْءَ وَضَعَهُ تَحْتَ إِبْطِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْحَلْقِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُؤْلِمُهُ النَّتْفُ وَقد أخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَرَجُلٌ يَحْلِقُ إِبْطَهُ فَقَالَ إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوجِعٌ وَلَكِنْ يَسْهُلُ عَلَى مَنِ اعْتَادَهُ قَالَ وَالْحَلْقُ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي نَتْفِهِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَخِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بِالْعَرَقِ فِيهِ فَيَتَلَبَّدُ وَيَهِيجُ فَشُرِعَ فِيهِ النَّتْفُ الَّذِي يُضْعِفُهُ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشّعْر ويهيجه فتكثر الرَّائِحَة لذَلِك وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَنْ نَظَرَ إِلَى اللَّفْظِ وَقَفَ مَعَ النَّتْفِ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَجَازَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ النَّتْفَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَهُوَ مَعْنًى ظَاهِرٌ لَا يُهْمَلُ فَإِنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ إِذَا احْتَمَلَ مَعْنًى مُنَاسِبًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْحُكْمِ لَا يُتْرَكُ وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ النَّتْفِ فِي ذَلِكَ التَّنَوُّرُ لَكِنَّهُ يُرِقُّ الْجِلْدَ فَقَدْ يَتَأَذَّى صَاحِبُهُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ جِلْدُهُ رَقِيقًا وَتُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ فِي إِزَالَتِهِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَيُزِيلُ مَا فِي الْيُمْنَى بِأَصَابِعِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْيُسْرَى إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِالْيُمْنَى قَوْلُهُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ قَصُّ الْأَظْفَارِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ تَقْلِيمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ قَصُّ الْأَظْفَارِ وَالتَّقْلِيمُ أَعَمُّ وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِسُكُونِهَا وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ كَسْرَ أَوله وَأنْكرهُ بن سِيدَهْ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي السَّمَّاكِ أَنَّهُ

(10/344)


قُرِئَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَالْمُرَادُ إِزَالَةُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُلَابِسُ رَأْسَ الْإِصْبَعِ مِنَ الظُّفُرِ لِأَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ فِيهِ فَيُسْتَقْذَرُ وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ فَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ غَالِبَ الْأَعْرَابِ لَا يَتَعَاهَدُونَ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ أَمْرُهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ قَدْ يُعَلَّقُ بِالظُّفُرِ إِذَا طَالَ النَّجْوُ لِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَلَمْ يُمْعِنْ غَسْلَهُ فَيَكُونُ إِذَا صَلَّى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة فأوهم فِيهَا فَسئلَ فَقَالَ مَالِي لَا أُوهَمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِهِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ يُجْمَعُ عَلَى أَرْفَاغٍ وَهِيَ مَغَابِنُ الْجَسَدِ كَالْإِبْطِ وَمَا بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ وَالتَّقْدِيرُ وَسَخُ رُفْغِ أَحَدِكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تُقَلِّمُونَ أَظْفَارَكُمْ ثُمَّ تَحُكُّونَ بِهَا أَرْفَاغَكُمْ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا مَا فِي الْأَرْفَاغِ مِنَ الْأَوْسَاخِ الْمُجْتَمِعَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ طُولَ الْأَظْفَارِ وَتَرْكَ قَصِّهَا قُلْتُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّدْبِ إِلَى تَنْظِيفِ الْمَغَابِنِ كُلِّهَا وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْصَاءُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الْأُصْبُعِ وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُبْقِيَ شَيْئًا لِحَاجَتِهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ لِذَلِكَ غَالِبًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَرْتِيبِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْقَصِّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِالْبَدَاءَةُ بِخِنْصِرِهَا ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ إِلَى الْإِبْهَامِ وَيَبْدَأُ فِي الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا إِلَى الْخِنْصِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلِاسْتِحْبَابِ مُسْتَنَدًا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَأَنَّ الْمَازِرِيَّ اشْتَدَّ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِ فِيهِ لَا بَأْسَ بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إِلَّا فِي تَأْخِيرِ إِبْهَامِ الْيَدِ الْيُمْنَى فَالْأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ الْيُمْنَى بِكَمَالِهَا عَلَى الْيُسْرَى قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَلَا أصل لَهُ اه وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ الْيَدِ فِي الْقَصِّ عَلَى الرِّجْلِ إِلَى دَلِيلٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَأْبَى ذَلِكَ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْجَامِعُ التَّنْظِيفُ وَتَوْجِيهُ الْبَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَالْبَدَاءَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ مِنْهَا لِكَوْنِهَا أَشْرَفُ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهَا آلَةُ التَّشَهُّدِ وَأَمَّا اتِّبَاعُهَا بِالْوُسْطَى فَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يُقَلِّمُهَا من قَبْلَ ظَهْرِ الْكَفِّ فَتَكُونُ الْوُسْطَى جِهَةَ يَمِينِهِ فَيَسْتَمِرُّ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ يُكْمِلُ الْيَد بقص الْإِبْهَام وَأما فِي الْيُسْرَى فَإِذَا بَدَأَ بِالْخِنْصَرِ لَزِمَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ إِلَى الْإِبْهَامِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ أَخَّرَ إِبْهَامَ الْيُمْنَى لِيَخْتِمَ بِهَا وَيَكُونَ قَدِ اسْتَمَرَّ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى جِهَةِ الْيُمْنَى وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ لِحَظِّ فَصْلِ كُلِّ يَدٍ عَنِ الْأُخْرَى وَهَذَا التَّوْجِيهُ فِي الْيَدِينِ يُعَكِّرُ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ غَالِبُ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَ رِجْلَيْهِ يُقَلِّمُهَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِ الْقَدَمَيْنِ فَيَسْتَمِرُّ التَّوْجِيهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ قَضِيَّةُ الْأَخْذِ فِي ذَلِكَ بِالتَّيَامُنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى أَنْ يَنْتَهِي إِلَى خِنْصِرِ الْيُسْرَى فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا وَكَأَنَّهُ لِحَظِّ أَنَّ الْقَصَّ يَقَعُ مِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا وَذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّهُ تَلَقَّى عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يُصِبْهُ رَمَدٌ وَأَنَّهُ جَرَّبَ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَصِّهَا مُخَالِفًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ يَبْدَأُ بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ وَيَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْيُمْنَى وَقد أنكر بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْهَيْئَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ وإحداث اسْتِحْبَاب

(10/345)


لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبِيحٌ عِنْدِي بِالْعَالِمِ وَلَوْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْبَدَاءَةَ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى مِنْ أَجْلِ شَرَفِهَا فَبَقِيَّةُ الْهَيْئَةِ لَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ نَعَمِ الْبَدَاءَةُ بِيُمْنَى الْيَدَيْنِ وَيُمْنَى الرِّجْلَيْنِ لَهُ أَصْلٌ وَهُوَ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ اه وَلَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا فِي اسْتِحْبَابِ قَصِّ الظُّفُرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَدِيثٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْمُسْتَغْفِرِيُّ بِسَنَدٍ مَجْهُولٍ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسَلْسَلَاتِ التَّيْمِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَقْرَبُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الشُّعَبِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ يُسَنُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَنْهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَعَنْهُ يَتَخَيَّرُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَيْفَ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَذَا وُقِّتَ فِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ الْعُقَيْلِيُّ إِلَى أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ وَفِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَصرح بن عَبْدِ الْبَرِّ بِذَلِكَ فَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ ثَابِتٍ وَصَدَقَةُ بْنُ مُوسَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ جَعْفَرًا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَقد أخرج بن مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ وَفِي عَلِيٍّ أَيْضًا ضعف وَأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الله بن عمر أَن شَيْخٌ مِصْرِيٌّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ أَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُسْتَغْرَبَةٍ قَالَ أَنْ يَحْلِقَ الرَّجُلُ عَانَتَهُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَنْ يَنْتِفَ إِبْطَهُ كُلَّمَا طَلَعَ وَلَا يَدَعُ شَارِبَيْهِ يَطُولَانِ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُولَانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ تَحْدِيدٌ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَلَا يُمْنَعُ تَفَقُّدُ ذَلِكَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالضَّابِطُ الْحَاجَةُ فِي هَذَا وَفِي جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ قُلْتُ لَكِنْ لَا يُمْنَعُ مِنَ التَّفَقُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنَظُّفِ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي سُؤَالَاتِ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ قُلْتُ لَهُ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ قَالَ يَدْفِنُهُ قُلْتُ بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ يَدْفِنُهُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَقَالَ لَا يَتَلَعَّبُ بِهِ سَحَرَةُ بَنِي آدَمَ قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوَهُ وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءَ مِنَ الْآدَمِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَرْعٌ لَو اسْتحق قصّ أَظْفَاره فَقص بَعْضًا وَترك بَعْضًا أبدى فِيهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ احْتِمَالًا مِنْ مَنْعِ لُبْسِ إِحْدَى النَّعْلَيْنِ وَتَرْكِ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ قَرِيبًا قَوْلُهُ وَقَصُّ الشَّارِبِ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَصِّ أَوَّلَ الْبَابِ وَأَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ فَقِيلَ هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ وَقِيلَ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَأَمَّا الْقَصُّ فَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ كَمَا هُنَا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ كَذَلِكَ كِلَاهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا حَدِيثُ حَنْظَلَة عَن بن عُمَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِلَفْظِ الْحَلْقِ وَهِيَ رِوَايَةُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَدِ هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ بن عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ الْقَصِّ وَكَذَا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ شَيْخِهِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ تَقْصِيرِ الشَّارِبِ نَعَمْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِمَا يُشْعِرُ بِأَنَّ رِوَايَة الْحلق محفوظه كَحَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ جُزُّوا

(10/346)


الشَّوَارِب وَحَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَفِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ انْهَكُوا الشَّوَارِبَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ لِأَنَّ الْجَزَّ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ الثَّقِيلَةِ قَصُّ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِلْدَ وَالْإِحْفَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الِاسْتِقْصَاءُ وَمِنْهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ الْزَقُوا الْجَزَّ بِالْبَشَرَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالنَّهْكُ بِالنُّونِ وَالْكَافِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَافِضَةِ أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أهل اللُّغَة وَقَالَ بن بَطَّالٍ النَّهْكُ التَّأْثِيرُ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ غَيْرُ الِاسْتِئْصَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنَّهُ يَقُصُّهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحُفَّهُ مِنْ أَصْلِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَحْفُوا فَمَعْنَاهَا أزيلوا مَا طَال على الشفتين قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَا أَدْرِي هَلْ نَقَلَهُ عَنِ الْمَذْهَبِ أَوْ قَالَهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ قُلْتُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ أَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانُوا يَحْفُونَ وَمَا أَظُنُّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ إِلَّا عَنْهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ الاحفاء أفضل من التَّقْصِير وَقَالَ بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ عِنْدِي مُثْلَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَالَغَةُ فِي أَخْذِ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ حَرْفُ الشَّفَتَيْنِ وَقَالَ أَشْهَبُ سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّنْ يُحْفِي شَارِبَهُ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا وَقَالَ لِمَنْ يَحْلِقُ شَارِبَهُ هَذِهِ بِدْعَةٌ ظَهرت فِي النَّاس اه وَأغْرب بن الْعَرَبِيِّ فَنَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الشَّارِبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الْحَلْقُ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اه وَقَالَ الْأَثْرَمُ كَانَ أَحْمَدُ يُحْفِي شَارِبَهُ إِحْفَاءً شَدِيدًا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْقَصِّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَصُّ الشَّارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَةِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْأَكْلَ وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ قَالَ وَالْجَزُّ وَالْإِحْفَاءُ هُوَ الْقَصُّ الْمَذْكُورُ وَلَيْسَ بِالِاسْتِئْصَالِ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ الِاسْتِئْصَالُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ قُلْتُ هُوَ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ مَالِكٍ وَقَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ الِاسْتِئْصَالُ ثُمَّ قَالَ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَلَا تَعَارُضَ فَإِنَّ الْقَصَّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِحْفَاءُ مُحْتَمَلٌ لِأَخْذِ الْكُلِّ وَالْقَصُّ مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ وَالْمُفَسِّرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُجْمَلِ اه وَيُرَجِّحُ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَصِّ فَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَارِبِي وَفَّى فَقَصَّهُ عَلَى سِوَاكٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عَلَى سِوَاكٍ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ وَضَعَ سِوَاكًا عِنْدَ الشَّفَةِ تَحْتَ الشَّعْرِ وَأَخَذَ الشَّعْرَ بِالْمِقَصِّ وَقِيلَ الْمَعْنَى قَصَّهُ عَلَى أَثَرِ سِوَاكٍ أَي بعد مَا تَسَوَّكَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ فَوَضَعَ السِّوَاكَ تَحْتَ الشَّارِبِ وَقَصَّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا وَشَارِبُهُ طَوِيلٌ فَقَالَ ائْتُونِي بِمِقَصٍّ وَسِوَاكٍ فَجَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِهِ ثُمَّ أَخَذَ مَا جاوزه وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَحَسَّنَهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ أَبُو أُمَامَةُ الْبَاهِلِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ وَعُتْبَةُ بْنُ عَوْفٍ السُّلَمِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثُّمَالِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ وَأَمَّا الْإِحْفَاءُ فَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ فَقَالَ إِنَّهُمْ يُوفُونَ سِبَالَهُمْ ويحلقون لحاهم فخالفوهم قَالَ فَكَانَ بن عُمَرَ يَسْتَقْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا كَمَا يَجُزُّ

(10/347)


الشَّاةَ أَوِ الْبَعِيرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَجَابِرَ بن عبد الله وبن عُمَرَ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَبَا رَافِعٍ يُنْهِكُونَ شَوَارِبَهُمْ كَالْحَلْقِ لَفْظُ الطَّبَرَيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُرْوَةَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ شَوَارِبَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أول الْبَاب أثر بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ لَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِأَنْ يُرَادَ اسْتِئْصَالُ جَمِيعِ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَمُحْتَمَلٌ لِأَنْ يُرَادَ اسْتِئْصَالُ مَا يُلَاقِي حُمْرَةَ الشَّفَةِ مِنْ أَعْلَاهَا وَلَا يَسْتَوْعِبُ بَقِيَّتَهَا نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى فِي مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْمَجُوسِ وَالْأَمْنُ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْأَكْلِ وَبَقَاءِ زُهُومَةِ الْمَأْكُولِ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ مُفْتَرَقَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ فِي شرح أثر بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُقْتَضَى تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أورد أثر بن عُمَرَ وَأَوْرَدَ بَعْدَهُ حَدِيثَهُ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ حَتَّى يُظْهِرَ حَرْفَ الشَّفَةِ الْعَلْيَاءِ وَمَا قَارَبَهُ مِنْ أَعْلَاهُ وَيَأْخُذُ مَا يَزِيدُ مِمَّا فَوْقَ ذَلِكَ وَيَنْزِعُ مَا قَارَبَ الشَّفَةَ مِنْ جَانِبَيِ الْفَمِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَعْدَلُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ من الْآثَار وَقد أبدى بن الْعَرَبِيِّ لِتَخْفِيفِ شَعْرِ الشَّارِبِ مَعْنًى لَطِيفًا فَقَالَ إِنَّ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنَ الْأَنْفِ يَتَلَبَّدُ بِهِ الشَّعْرُ لِمَا فِيهِ مِنَ اللُّزُوجَةِ وَيَعْسُرُ تَنْقِيَتُهُ عِنْدَ غَسْلِهِ وَهُوَ بِإِزَاءِ حَاسَّةٍ شَرِيفَةٍ وَهِيَ الشَّمُّ فَشَرَعَ تَخْفِيفَهُ لِيَتِمَّ الْجَمَالُ وَالْمَنْفَعَةُ بِهِ قُلْتُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَخْفِيفِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ إِحْفَافَهُ وَإِنْ كَانَ أَبْلَغَ وَقَدْ رَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ الْحَلْقَ عَلَى الْقَصِّ بِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحلق على التَّقْصِير فِي النّسك ووهى بن التِّينِ الْحَلْقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَكِلَاهُمَا احْتِجَاجٌ بِالْخَبَرِ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا الثَّانِي وَيُؤْخَذ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ بن الْعَرَبِيِّ مَشْرُوعِيَّةُ تَنْظِيفِ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَأَخْذُ شَعْرِهِ إِذَا طَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا غَضِبَ فَتَلَ شَارِبَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يوفره وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ الشَّوَارِبِ فِي الْحَرْبِ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ وَزَيَّفَهُ فَصْلٌ فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْأُولَى قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ بِخِلَافِ الْإِبْطِ وَلَا ارْتِكَابِ حُرْمَةٍ بِخِلَافِ الْعَانَةِ قُلْتُ مَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ وَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْحَلْقَ فَقَدْ يُبَاحُ لَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تُحْسِنُ الْحَلْقَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لَكِنْ مَحَلُّ هَذَا إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَنَوَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنِ الْحَلْقِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَكَذَا مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى النَّتْفِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحَلْقِ إِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي الْحَلْقِ لَمْ تُهْتَكِ الْمُرُوءَةُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى التَّنَوُّرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النُّورَةَ تُؤْذِي الْجِلْدَ الرَّقِيقَ كَجِلْدِ الْإِبْطِ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَغَابِنِ الَّتِي بَيْنَ الْفَخِذِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ فَيَنْبَغِي فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ أَخْذَهُ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَشَوَّهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يُحْسِنُ فَيَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ لَا يَجِدُ مِرْآةً يَنْظُرُ وَجْهَهُ فِيهَا عِنْدَ أَخْذِهِ الثَّالِثَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ يَتَأَدَّى أَصْلُ السّنة بِأخذ الشَّارِب بالمقص وَبِغَيْرِهِ وَتوقف بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ قَصِّ الشَّارِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ وُجُوبِهِ بِعَارِضٍ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ

(10/348)


كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ من كَلَام بن الْعَرَبِيّ وَكَأَنَّهُ لم يقف على كَلَام بن حَزْمٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ فِي ذَلِك وَفِي إعفاء اللِّحْيَة

(قَوْلُهُ بَابُ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ)
تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الثَّالِثُ مِنْهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالظُّفُرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَقَصَّ الشَّارِبِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى أَن حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْأَوَّلِ وَحَدِيثَهُ فِي الثَّالِثِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَنْ طَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ

[5890] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْهَرَوِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الرَّازِيُّ وَحَنْظَلَةُ هُوَ بن سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَزَعَمَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْأَشَجَّ رَوَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَرْفُوعًا وَتَعَقَّبَ الْحُمَيْدِيُّ كَلَامَ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَجَادَ قَوْلُهُ مِنَ الْفِطْرَةِ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ بِلَفْظٍ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ وَقَصُّ الشَّارِبِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَخْذُ الشَّارِبِ وَفِي أُخْرَى لَهُ وَقَصُّ الشَّوَارِبِ قَالَ وَقَالَ مَرَّةً الشَّارِبَ قَالَ الْجَيَّانِيُّ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لِعِظَمِ الشَّوَارِبِ وَهُوَ مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي فَرَّقَ وَسَمَّى كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ بِاسْمِهِ فَقَالُوا لِكُلِّ جَانِبٍ مِنْهُ شَارِبًا ثمَّ جمع شوارب وَحكى بن سِيدَهْ عَنْ بَعْضِهِمْ مَنْ قَالَ الشَّارِبَانِ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا الشَّارِبَانِ مَا طَالَ مِنْ نَاحِيَةِ السَّبَلَةِ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّي السَّبَلَةَ كُلَّهَا شَارِبًا وَيُؤَيِّدُهُ أَثَرُ عُمَرَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ فَتَلَ شَارِبَهُ وَالَّذِي يُمْكِنُ فَتْلُهُ مِنْ شَعْرِ الشَّارِبِ السِّبَالِ وَقَدْ سَمَّاهُ شَارِبًا الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[5892] قَوْلُهُ عُمَرُ بن مُحَمَّد بن زيد أَي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَالِفُوا الْمَجُوس وَهُوَ المُرَاد فِي حَدِيث بن عُمَرَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْلِقُهَا قَوْلُهُ أَحْفُوا

(10/349)


الشَّوَارِبَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الْإِحْفَاءِ لِلْأَكْثَرِ وَحَكَى بن دُرَيْدٍ حَفَى شَارِبَهُ حَفْوًا إِذَا اسْتَأْصَلَ أَخَذَ شَعْرَهُ فَعَلَى هَذَا فَهِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ قَوْلُهُ وَوَفِّرُوا اللِّحَى أَمَّا قَوْلُهُ وَفِّرُوا فَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنَ التَّوْفِيرِ وَهُوَ الْإِبْقَاءُ أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِرَةً وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَعْفُوا وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْجِئُوا وَضُبِطَتْ بِالْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ أَخِّرُوهَا وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا هَمْزٍ أَيْ أَطِيلُوهَا وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَوْفُوا أَيِ اتْرُكُوهَا وَافِيَةً قَالَ النَّوَوِيُّ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَاللِّحَى بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَبِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ جَمْعُ لِحْيَةٍ بِالْكَسْرِ فَقَطْ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا نبت على الْخَدين والذقن قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى نَافِعٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظ كَانَ بن عُمَرَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِقْدَارُ الْمَأْخُوذِ وَقَوْلُهُ فَضَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الضَّادِ كَعَلِمَ وَالْأَشْهَرُ الْفَتْح قَالَه بن التِّين وَقَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّ بن عُمَرَ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَقَصَّرَ مِنْ لَحَيَّتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ وَخَصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ وَفِّرُوا اللِّحَى فَحَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ غَيْرِ حَالَةِ النُّسُكِ قُلْتُ الَّذِي يظْهر أَن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَخُصُّ هَذَا التَّخْصِيصَ بِالنُّسُكِ بَلْ كَانَ يَحْمِلُ الْأَمْرَ بِالْإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ فَقَدْ قَالَ الطَّبَرَيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَكَرِهُوا تَنَاوَلَ شَيْءٍ مِنَ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَمِنْ عَرْضِهَا وَقَالَ قَوْمٌ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ يُؤْخَذُ الزَّائِد ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى بن عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِلَى عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ كُنَّا نُعَفِّي السِّبَالَ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ وَقَوْلُهُ نُعَفِّي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ نَتْرُكَهُ وَافِرًا وَهَذَا يُؤَيّد مَا نقل عَن بن عُمَرَ فَإِنَّ السِّبَالَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ سَبَلَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فَأَشَارَ جَابِرٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُقَصِّرُونَ مِنْهَا فِي النُّسُكِ ثُمَّ حَكَى الطَّبَرَيُّ اخْتِلَافًا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ هَلْ لَهُ حَدٌّ أُمْ لَا فَأَسْنَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَخْذِ الَّذِي يَزِيدُ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ الْكَفِّ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا مَا لَمْ يُفْحِشْ وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ النَّهْيَ عَلَى مَنْعِ مَا كَانَتِ الْأَعَاجِمُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَصِّهَا وَتَخْفِيفِهَا قَالَ وَكَرِهَ آخَرُونَ التَّعَرُّضَ لَهَا إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ وَأَسْنَدَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاخْتَارَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا وَعَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا وَهَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا إِلَّا هَذَا اه وَقَدْ ضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ هَارُونَ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ وَقَالَ عِيَاضٌ يُكْرَهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَقَصُّهَا وَتَحْذِيفُهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ فَحَسَنٌ بَلْ تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا كَذَا قَالَ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا قَالَ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ النُّسُكِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِيهِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ لِأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ فِي الْقُوتِ قَالَ يُكْرَهُ فِي اللِّحْيَةِ عَشْرُ خِصَالٍ خَضْبُهَا بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ الْجِهَادِ وَبِغَيْرِ السَّوَادِ إِيهَامًا لِلصَّلَاحِ لَا لِقَصْدِ الِاتِّبَاعِ وَتَبْيِيضُهَا اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِقَصْدِ التَّعَاظُمِ عَلَى الْأَقْرَانِ وَنَتْفُهَا إِبْقَاءً لِلْمُرُودَةِ وَكَذَا تَحْذِيفُهَا وَنَتْفُ

(10/350)


الشَّيْبِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَهُ لِثُبُوتِ الزَّجْرِ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً طَاقَةً تَصَنُّعًا وَمَخِيلَةً وَكَذَا تَرْجِيلُهَا وَالتَّعَرُّضُ لَهَا طُولًا وَعَرْضًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اخْتِلَافٍ وَتَرْكُهَا شَعِثَةً إِيهَامًا لِلزُّهْدِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا إِعْجَابًا وَزَادَ النَّوَوِيُّ وَعَقْدُهَا لِحَدِيثِ رُوَيْفِعٍ رَفَعَهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ عَقْدُهَا فِي الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مُعَالَجَةُ الشَّعْرِ لِيَنْعَقِدَ وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ التَّأْنِيث تَنْبِيه أنكر بن التِّين ظَاهر مَا نقل عَن بن عُمَرَ فَقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْقَبْضَةِ مِنْ لِحْيَتِهِ بَلْ كَانَ يُمْسِكُ عَلَيْهَا فَيُزِيلُ مَا شَذَّ مِنْهَا فَيُمْسِكُ مِنْ أَسْفَلِ ذَقْنِهِ بِأَصَابِعِهِ الْأَرْبَعَةِ مُلْتَصِقَةٍ فَيَأْخُذُ مَا سَفَلَ عَنْ ذَلِكَ لِيَتَسَاوَى طُولُ لِحْيَتِهِ قَالَ أَبُو شَامَةَ وَقَدْ حَدَّثَ قَوْمٌ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا نُقِلَ عَنِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَثْنَى مِنَ الْأَمْرِ بِإِعْفَاءِ اللِّحَى مَا لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا حَلْقُهَا وَكَذَا لَوْ نَبَتَ لَهَا شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَاب المتنمصات

(قَوْلُهُ بَابُ إِعْفَاءِ اللِّحَى)
كَذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَهُوَ بِمَعْنَى التَّرْكِ ثُمَّ قَالَ عَفَوْا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَرَادَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء فَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ عَفَوْا يَكْثُرُوا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ أَوْ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَعْفُوا اللِّحَى جَاءَ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَعَلَى الثَّانِي بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ مِنْهُم بن التِّين قَالَ وبهمزة قطع أَكثر وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ تَفْسِيرُ الْإِعْفَاءِ بِالتَّكْثِيرِ مِنْ إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْفَاءِ التَّرْكُ وَترك التَّعَرُّض للحية يسْتَلْزم تكثيرها وَأغْرب بن السَّيِّدِ فَقَالَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ

[5893] قَوْلَهُ أَعْفُوا اللِّحَى عَلَى الْأَخْذِ مِنْهَا بِإِصْلَاحِ مَا شَذَّ مِنْهَا طُولًا وَعَرْضًا وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ عَلَى آثَارِ مَنْ ذَهَبَ الْعَفَاءُ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى وَفِّرُوا أَوْ كَثِّرُوا وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ أَعْفُوا اللِّحَى تَجْوِيزَ مُعَالَجَتِهَا بِمَا يُغْزِرُهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ قَالَ وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ بَقِيَّةِ طُرُقِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ أَعْفُوا وَأَحْفُوا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ من البديع الجناس والمطابقة والموازنة

(10/351)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ)
أَيْ هَل يخضب أَو يتْرك

[5894] قَوْله عَن بن سِيرِينَ هُوَ مُحَمَّدٌ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ مُعَلَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ قَوْلُهُ سَأَلْتُ أَنَسًا أَخْضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّهُ الْمُبْهَمُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا حَيْثُ قَالَ ثَابِتٌ سُئِلَ أَنَسٌ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا يُفَسِّرُهُ

[5895] قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُخَضِّبُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ إِذَا بَدَأَ فِي اللِّحْيَةِ لَمْ يُبَادِرْ إِلَى خَضْبِهِ حَتَّى يَكْثُرَ وَمَرْجِعُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ وَزَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ خَضَّبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ قَالَ وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ الْخِضَابِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُ حَدِيث بن سِيرِينَ وَزَادَ وَلَمْ يُخَضِّبْ وَلَكِنْ خَضَّبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ الْمُرَادُ بِالشَّمَطَاتِ الشَّعَرَاتِ اللَّاتِي ظَهَرَ فِيهِنَّ الْبَيَاضُ فَكَأَنَّ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مَعَ مَا يُجَاوِرُهَا مِنْ شَعْرَةٍ سَوْدَاءَ ثَوْبٌ أَشْمَطُ وَالْأَشْمَطُ الَّذِي يُخَالِطُهُ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَجَوَابُ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ شِئْتُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لَعَدَدْتُهَا وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَنَاقِبِ بَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مَالك بن إِسْمَاعِيل هُوَ بن غَسَّان النَّهْدِيّ وَإِسْرَائِيل هُوَ بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ هُوَ التَّيْمِيُّ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ سَبَقَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ

[5896] قَوْلُهُ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَهْلِهِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ آلِ طَلْحَةَ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهِ امْرَأَتَهُ قَوْلُهُ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتُلِفَ فِي ضَبطه قُصَّةٍ هُوَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ أَوْ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ فَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى صِغَرِ الْقَدَحِ وَزَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ

(10/352)


عِبَارَةٌ عَنْ عَدَدِ إِرْسَالِ عُثْمَانَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهَا فَضَمِيرٌ لِمَعْنَى الْقَدَحِ لِأَنَّ الْقَدَحَ إِذَا كَانَ فِيهِ مَائِعٌ يُسَمَّى كَأْسًا وَالْكَأْسُ مُؤَنَّثَةٌ أَوِ الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالتَّذْكِيرِ فَوَاضِحَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ فِضَّةٍ إِنْ كَانَ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَهُوَ بَيَانٌ لِجِنْسِ الْقَدَحِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ لَا أَنَّهُ كَانَ كُلُّهُ فِضَّةً قُلْتُ وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ لَا تُجِيزُ اسْتِعْمَالَ آنِيَةِ الْفِضَّةِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَجَازَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ مِنَ الْفِضَّةِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ فَهُوَ مِنْ صِفَةِ الشَّعْرِ عَلَى مَا فِي التَّرْكِيبِ مِنْ قَلَقِ الْعِبَارَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ عَلَيْكَ بِتَوْجِيهِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْ سَبَبِيَّةٌ أَيْ أَرْسَلُونِي بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بِسَبَبِ قُصَّةٍ فِيهَا شَعْرٌ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مَحْفُوظَةٌ بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى أَنَّهُ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ وَلَفْظُهُ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَجَاءَتْ بِجُلْجُلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ إِلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ إِسْرَائِيلَ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ عَلَى رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ فَجَاءَتْ بِجُلْجُلٍ وَبِهِ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَيُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فضَّة بِالْفَاءِ والمعجمة وَأَنه صِفَةُ الْجُلْجُلِ لَا صِفَةُ الْقَدَحِ الَّذِي أَحْضَرَهُ عُثْمَان بن موهب قَالَ بن دِحْيَةَ وَقَعَ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ وَقَدْ بَيَّنَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنفه بعد مَا رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ كَانَ جُلْجُلًا مِنْ فِضَّةٍ صِيغَ صَوَّانًا لِشَعَرَاتٍ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وَكَانَ النَّاسُ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانُ أَيْ مِنْهُمْ عَيْنٌ أَيْ أُصِيبَ بِعَيْنٍ أَوْ شَيْءٍ أَيْ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ وَهُوَ مَوْصُولٌ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْآنِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مَنِ اشْتَكَى أَرْسَلَ إِنَاءً إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَتَجْعَلُ فِيهِ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ وَتَغْسِلُهَا فِيهِ وَتُعِيدُهُ فَيَشْرَبُهُ صَاحِبُ الْإِنَاءِ أَوْ يَغْتَسِلُ بِهِ اسْتِشْفَاءً بِهَا فَتَحْصُلُ لَهُ بَرَكَتُهَا قَوْلُهُ فَاطَّلَعَتْ فِي الْجُلْجُلِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِجِيمَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ وَآخِرُهُ أُخْرَى هُوَ شِبْهُ الْجَرَسِ وَقَدْ تُنْزَعُ مِنْهُ الْحَصَاةُ الَّتِي تَتَحَرَّكُ فَيُوضَعُ فِيهِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى صِيَانَتِهِ وَالْقَائِلُ فَاطَّلَعَتْ هُوَ عُثْمَانُ وَقِيلَ إِنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْجَحْلَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفُسِّرَ بِالسِّقَاءِ الضَّخْمِ وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا تَصْحِيفًا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ صَوَّانًا لِلشَّعَرَاتِ كَمَا جَزَمَ بِهِ وَكِيعٌ أَحَدُ رُوَاةِ الْخَبَرِ كَانَ الْمُنَاسِبُ لَهُنَّ الظَّرْفَ الصَّغِيرَ لَا الْإِنَاءَ الضَّخْمَ وَلَمْ يُفَسِّرْ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَلَا النِّهَايَةُ الْجُلْجُلَ كَأَنَّهُمَا تَرَكَاهُ لِشُهْرَتِهِ لَكِنْ حَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ بن السَّكَنِ الْمُخَضَّبِ بَدَلَ الْجُلْجُلِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِيهَا مَخْضُوبًا وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ

[5897] قَوْلُهُ سَلَّامٌ هُوَ بِالتَّشْدِيدِ اتِّفَاقًا وَجَزَمَ أَبُو نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ بِأَنَّهُ بن مِسْكين وَخَالفهُ الْجُمْهُور فَقَالُوا هُوَ بن أَبِي مُطِيعٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي هَذَا الحَدِيث عِنْد بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلام بن أبي مُطِيع وَقد أخرجه بن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ مُوسَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ قَوْلُهُ مَخْضُوبًا زَادَ يُونُسُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَكَذَا لِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ وَكَذَا لِأَحْمَدَ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ سَلَّامٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَعْرًا أَحْمَرَ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ كَانَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعْرِ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَثَرُ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَالْحِنَّاءُ مَعْرُوفٌ وَالْكَتَمُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُثَنَّاةِ سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بَعْدَ هَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ

(10/353)


لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي خَضَّبَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْمَرَّ بَعْدَهُ لِمَا خَالَطَهُ مِنْ طِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ فَغَلَبَتْ بِهِ الصُّفْرَةُ قَالَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَضِّبْ أَصَحُّ كَذَا قَالَ وَالَّذِي أَبَدَاهُ احْتِمَالًا قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ مَوْصُولًا إِلَى أَنَسٍ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ قُلْتُ وَكثير مِنَ الشُّعُورِ الَّتِي تُفْصَلُ عَنِ الْجَسَدِ إِذَا طَالَ الْعَهْدُ يَئُولُ سَوَادُهَا إِلَى الْحُمْرَةِ وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ مِنَ التَّرْجِيحِ خِلَافُ مَا جَمَعَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ جَزَمَ أَنَّهُ خَضَّبَ كَمَا فِي ظَاهِرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وكما فِي حَدِيث بن عُمَرَ الْمَاضِي قَرِيبًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَّبَ بِالصُّفْرَةِ حَكَى مَا شَاهَدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَأَنَسٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ مِنْ حَالِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ مَا كَانَ فِي رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا شَعَرَاتٌ كَانَ إِذَا دَهَنَ وَأَرَاهُنَّ الدُّهْنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْخِضَابَ شَاهَدُوا الشَّعْرَ الْأَبْيَضَ ثُمَّ لما واراه الدّهن ظنُّوا أَنه خضبه وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِوَصْلِهِ فَقَالَ قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَوْلُهُ نُصَيْرٌ بِنُونٍ مُصَغَّرٌ بن أبي الْأَشْعَث وَيُقَال الْأَشْعَث اسْمُهُ وَلَيْسَ لِنُصَيْرٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْموضع

(قَوْلُهُ بَابُ الْخِضَابِ)
أَيْ تَغْيِيرُ لَوْنِ شَيْبِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ

[5899] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ وَقَدْ مَضَتْ رِوَايَةُ صَالِحٍ فِي أَحَادِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَرِوَايَةُ الْآخَرِينَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ هَكَذَا أُطْلِقَ وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَغْيِيرِ الشَّعْرِ مُخَالَفَةً لِلْأَعَاجِمِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَسْأَلَة اسْتثِْنَاء الخضب بِالسَّوَادِ لحديثي جَابر وبن عَبَّاسٍ وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْأَوْلَى كَرَاهَتُهُ وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَهُ بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْخِضَابِ لَهُ وَأَجَابَ عَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ يَكُونُ قَوْمٌ يُخَضِّبُونَ بِالسَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَلْ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ بِأَنَّهُ

(10/354)


فِي حق من صَار شيب رَأسه مستبشعا وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ عَن بن شِهَابٍ قَالَ كُنَّا نُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَغَضُّ الْوَجْهَ وَالْأَسْنَانَ تَرَكْنَاهُ وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ وبن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ مَنْ خَضَّبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي التَّدَاوِي وَقَوْلُهُ فَخَالِفُوهُمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَخَالِفُوا عَلَيْهِمْ وَاصْبُغُوا وللنسائي من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَ وَالنَّصَارَى وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا وَقَوْلُهُ بَحْتًا بِمُوَحَّدَةِ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَيْ صِرْفًا وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا وَالْكَتَمُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ يُخْرِجُ الصَّبْغَ أَسْوَدَ يَمِيلُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَصِبْغُ الْحِنَّاءِ أَحْمَرُ فَالصَّبْغُ بِهِمَا مَعًا يَخْرُجُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَاسْتَنْبَطَ بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ كَانَ من عَادَتهم وَذكر بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اخْتَضَبَ بِالسَّوَادِ مِنَ الْعَرَبِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَمَّا مُطْلَقًا فَفِرْعَوْنُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْخَضْبِ وَتَرْكِهِ فَخَضَّبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَغَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَتَرَكَ الْخِضَابَ عَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأَنَسٌ وَجَمَاعَةٌ وَجَمَعَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَبَغَ مِنْهُمْ كَانَ اللَّائِقُ بِهِ كَمَنْ يُسْتَشْنَعُ شَيْبُهُ وَمَنْ تَرَكَ كَانَ اللَّائِقُ بِهِ كَمَنْ لَا يُسْتَشْنَعُ شَيْبُهُ وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ أَبِي قُحَافَةَ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى رَأْسَهُ كَأَنَّهَا الثُّغَامَةُ بَيَاضًا غَيِّرُوا هَذَا وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أول بَاب مَا يذكر فِي الشيب وَزَاد الطَّبَرِيّ وبن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ فَذَهَبُوا بِهِ فَحَمَّرُوهُ وَالثُّغَامَةُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ نَبَاتٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ زَهْرُهُ وَثَمَرُهُ قَالَ فَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ أَبِي قُحَافَةَ اسْتُحِبَّ لَهُ الْخِضَابُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغُرُورُ لِأَحَدٍ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ الْخِضَابَ مُطْلَقًا أَوْلَى لِأَنَّهُ فِيهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِيه صِيَانة للشعر عَنْ تَعَلُّقِ الْغُبَارِ وَغَيْرِهِ بِهِ إِلَّا إِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ تَرْكُ الصَّبْغِ وَأَنَّ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِدُونِهِمْ بِذَلِكَ يَصِيرُ فِي مَقَامِ الشُّهْرَةِ فَالتَّرْكُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ بِلَفْظِ مَنْ شَابَ شَيْبَةً فَهِيَ لَهُ نُورٌ إِلَى أَن ينتفها أَو يخضبها وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ خِصَالًا فَذَكَرَ مِنْهَا تَغْيِيرُ الشَّيْبِ إِذْ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تُسْتَحَبُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَمْعَ وَقَالَ دَعْوَى النَّسْخِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا قُلْتُ وَجَنَحَ إِلَى النَّسْخِ الطَّحَاوِيُّ وَتَمَسَّكَ بِالْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ ثُمَّ صَارَ يُخَالِفُهُمْ وَيَحُثُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ الْفَرْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ النَّتْفِ دُونَ الْخَضْبِ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الْخِلْقَةِ مِنْ أَصْلِهَا بِخِلَافِ الخضب فَإِنَّهُ لَا يُغير الْخلقَة علىالناظر إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجِبُ وَعَنْهُ يَجِبُ وَلَوْ مَرَّةً وَعَنْهُ لَا أحب

(10/355)


لِأَحَدٍ تَرْكَ الْخَضْبِ وَيَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَفِي السَّوَادِ عَنْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورَةُ يُكْرَهُ وَقِيلَ يحرم ويتأكد الْمَنْع لمن دلّس بِهِ

(10/356)


(قَوْلُهُ بَابُ الْجَعْدِ)
هُوَ صِفَةُ الشَّعْرِ يُقَالُ شَعْرٌ جَعْدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا ذُكِرَ فِيهِ سَبْعَةُ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا

[5900] قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ أَيْ إِنَّ شَعْرَهُ كَانَ بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَنَاقِبِ وَأَنَّ الشَّعْرَ الْجَعْدَ هُوَ الَّذِي يَتَجَعَّدُ كَشُعُورِ السُّودَانِ وَأَنَّ السَّبْطَ هُوَ الَّذِي يَسْتَرْسِلُ فَلَا يَتَكَسَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ كَشُعُورِ الْهُنُودِ وَالْقَطَطُ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْبَالِغُ فِي الْجُعُودَةِ بِحَيْثُ يَتَفَلْفَلُ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي لِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي تَعْيِينِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَمِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ هُنَاكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ دَهْرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ ثَلَاثُونَ شَعْرَةً عَدَدًا وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُنَّ دُونَ الْعِشْرِينَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ

[5901] قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ مَالك هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ إِنَّ جُمَّتَهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ شَعْرُ رَأْسِهِ إِذَا نَزَلَ إِلَى قُرْبِ الْمَنْكِبَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ الْوَاو والوفرة الشّعْر إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ ثُمَّ الْجُمَّةُ ثُمَّ اللِّمَّةُ إِذَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَقَدْ خَالَفَ هَذَا فِي حَرْفِ الْجِيمِ فَقَالَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْكِبَيْنِ فَهِيَ جُمَّةٌ وَاللِّمَّةُ إِذَا جَاوَزَتْ شَحْمَ الْأُذُنِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي تَرْجَمَةِ عِيسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي شرح

(10/357)


حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ الثَّانِي هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجمع بن بَطَّالٍ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ وَقْتَيْنِ فَكَانَ إِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرِهِ بَلَغَ قَرِيبَ الْمَنْكِبَيْنِ وَإِذَا قَصَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ الْأُذُنَيْنِ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الثَّانِي كَانَ إِذَا اعْتَمَرَ يُقَصِّرُ وَالْأَوَّلُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ ثُمَّ هَذَا الْجَمْعُ إِنَّمَا يَصْلُحُ لَوِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ وَأَمَّا هُنَا فَاللَّفْظَانِ وَرَدَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ مُتَّحِدَا الْمَخْرَجِ وَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الْحَمْلُ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي قَرِيبًا كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَوْلُهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمُعَلَّقَةِ عَقِبَ هَذَا شَعْرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَفْظُهُ لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّوِيلَ مِنْهُ يَصِلُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَغَيْرُهُ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ الَّذِي أَبْهَمَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا السَّنَدِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ قَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ شَعْرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَلِغَيْرِهِمَا تَابَعَهُ شُعْبَةُ شَعْرُهُ إِلَخْ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ وَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ شَيْخَ شُعْبَةَ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبُو إِسْحَاقَ لِأَنَّهُ شَيْخُهُ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن عمر فِي صفة عِيسَى بن مَرْيَمَ وَفِيهِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ وَفِي صِفَةِ الدَّجَّالِ وَأَنَّهُ جَعْدٌ قَطَطٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَلِطَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ فِي الْمَنَامِ بِمَكَّةَ أَنَّهُ دَخَلَهَا حَقِيقَةً وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ رَآهُ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَدْخُلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ فِي آخر الزَّمَان وَقد اسْتدلَّ على بن صَيَّادٍ أَنَّهُ مَا هُوَ الدَّجَّالُ بِكَوْنِهِ سَكَنَ الْمَدِينَةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ عُمَرُ وَجَابِرٌ يَحْلِفَانِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفِتَنِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَوْرَدَهُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ كَانَ شَعْرُهُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَالْجَوَابِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ سَوَاءٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْصَاف أُذُنَيْهِ وَوَقع عِنْد أبي دَاوُد وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفظ بن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَكْسُهُ فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ وَدُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَحَلِّ وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَقَوْلُهُ فَوْقَ الْجُمَّةِ أَيْ أَرْفَعُ فِي الْمَحَلِّ وَقَوْلُهُ دُونَ الْجُمَّةِ أَيْ فِي الْقَدْرِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ لَوْلَا أَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ مُتَّحِدٌ وَإِسْحَاقُ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ هُوَ بن رَاهَوَيْه وحبان بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة هُوَ بن هِلَال قَوْله فِي رِوَايَة جرير بن حَازِم

[5906] كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَقَدْ تُضَمُّ وتفتح أَي فِيهِ تكسر يَسِيرٌ يُقَالُ رَجَّلَ شَعْرَهُ إِذَا مَشَّطَهُ فَكَانَ بَيْنَ السُّبُوطَةِ وَالْجُعُودَةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ الرَّاوِي كَذَلِكَ فِي بَقِيَّة الحَدِيث ثمَّ أوردهُ من طَرِيق أُخْرَى عَن جرير وَهُوَ بن حَازِمٍ أَيْضًا زَادَ فِيهَا كَانَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَفِي ثَالِثَةٍ كَانَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صِفَةِ الشَّعْرِ وَزَادَ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ قَالَ وَكَانَ سَبِطَ الْكَفَّيْنِ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ هَمَّامٍ بِسَنَدٍ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنس أر عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا

(10/358)


تَأْثِيرَ لَهَا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الَّذِينَ جَزَمُوا بِكَوْنِ الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَضْبَطُ وَأَتْقَنُ مِنْ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ وَهُمْ حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ كَمَا هُنَا وَكَذَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كَمَا مَضَى وَمَعْمَرٌ كَمَا سَيَأْتِي حَيْثُ جَزَمَا بِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ قَتَادَةَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَالرَّجُلُ الْمُبْهَمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَدْ أَخْرَجَ بن سَعْدٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَقَتَادَةُ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي الرَّاوِي هَلْ هُوَ أَنَسٌ أَوْ رَجُلٌ مُبْهَمٌ ثُمَّ رَجَحَ كَوْنُ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ أَنَسًا خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِوَصْفِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَبَعُدَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ هُوَ أَقَلُّ مُلَازَمَةً لَهُ مِنْهُ اه وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ لَا يَحْتَمِلُهُ السِّيَاقُ أَصْلًا وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ الْبَعِيدُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَالْحَقُّ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِيهِ مِنْ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ هَلْ حَدَّثَهُ بِهِ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَوْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو مَسْعُودٍ وَالْحُمَيْدِيُّ وَالْمِزِّيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحفاظ

[5908] قَوْله وَقَالَ هِشَام هُوَ بن يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ بِهِ سَوَاءٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ أَبِي مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ وَقَوْلُهُ شَثْنٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِكَسْرِهَا بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ غَلِيظَ الْأَصَابِع والراحة قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ كَفُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْتَلِئَةً لَحْمًا غَيْرَ أَنَّهَا مَعَ ضَخَامَتِهَا كَانَتْ لَيِّنَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ يَعْنِي الَّذِي مَضَى فِي الْمَنَاقِبِ مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ الشَّثْنُ غِلَظُ الْكَفِّ مَعَ خُشُونَتِهَا فَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْخُشُونَةِ وَالَّذِي فسره بِهِ الْخَلِيل وَأَبُو عبيد أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ضَخْمُ الْكَفَّيْنِ والقدمين قَالَ بن بَطَّالٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا فَسَّرَ الْأَصْمَعِيُّ بِهِ الشَّثْنَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ وَصَفَ حَالَتَيْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا عَمِلَ بِكَفِّهِ فِي الْجِهَادِ أَوْ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ صَارَ كَفُّهُ خَشِنًا لِلْعَارِضِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ رَجَعَ كَفُّهُ إِلَى أَصْلِ جِبِلَّتِهِ مِنَ النُّعُومَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ عِيَاضٌ فَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ الشَّثْنَ بِالْغِلَظِ مَعَ الْقِصَرِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ سَابِلَ الْأَطْرَافِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي النُّعْمَانِ فِي الْبَابِ كَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سَبِطَ الْكَفَّيْنِ بِتَقْدِيمِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِوَصْفِهَا بِاللِّينِ قَالَ عِيَاضٌ وَفِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ سَبِطٌ أَوْ بَسِطٌ بِالشَّكِّ وَالتَّحْقِيقِ فِي الشَّثْنِ أَنَّهُ الْغِلَظُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ قِصَرٍ وَلَا خُشُونَةٍ وَقَدْ نَقَلَ بن خَالَوَيْهِ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ لَمَّا فَسَّرَ الشَّثْنَ بِمَا مَضَى قِيلَ لَهُ إِنَّهُ وَرَدَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُ شَيْئًا فِي الْحَدِيثِ اهـ وَمَجِيءُ شَثْنِ الْكَفَّيْنِ بَدَلَ سَبِطِ الْكَفَّيْنِ أَوْ بَسِطِ الْكَفَّيْنِ قَالَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَصْفُ الْخِلْقَةِ وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِبَسْطِ الْعَطَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ جَابِرٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا لَهُ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي فَوَائِدِ الْعِيسَوِيِّ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ بِهِ وَأَبُو هِلَالٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الرَّاسِبِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ وَقَدْ ضَعَّفَهُ مَنْ قَبِلَ حِفْظِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لِشَكِّهِ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَتْ إِحْدَى رِوَايَاتِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ صِحَّةَ الْحَدِيثِ بِتَصْرِيحِ قَتَادَةَ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِسِيَاقِ هَذِهِ الطُّرُقِ بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَخَفِيَ مُرَادُهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَقَالَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْوَارِدَةُ فِي صِفَةِ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالتَّرْجَمَةِ وَجَوَابُهُ

(10/359)


أَنَّهَا كُلَّهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ اخْتَلَفَتْ رُوَاتُهُ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْصِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ بِالْأَصَالَةِ صِفَةُ الشَّعْرِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ تَبَعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ شَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِلَى قُرْبِ مَنْكِبَيْهِ كَانَ غَالِبَ أَحْوَالِهِ وَكَانَ رُبَّمَا طَالَ حَتَّى يَصِيرَ ذُؤَابَةً وَيَتَّخِذَ مِنْهُ عَقَائِصَ وَضَفَائِرَ كَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ وَفِي لَفْظٍ أَرْبَعُ ضَفَائِرَ وَفِي رِوَايَة بن مَاجَهْ أَرْبَعُ غَدَائِرَ يَعْنِي ضَفَائِرَ وَالْغَدَائِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ غَدِيرَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَالضَّفَائِرُ بِوَزْنِهِ فَالْغَدَائِرُ هِيَ الذَّوَائِبُ وَالضَّفَائِرُ هِيَ الْعَقَائِصُ فَحَاصِلُ الْخَبَرِ أَنَّ شَعْرَهُ طَالَ حَتَّى صَارَ ذَوَائِبَ فَضَفَّرَهُ أَرْبَعَ عَقَائِصَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي يَبْعُدُ عَهْدُهُ بِتَعَهُّدِهِ شَعْرَهُ فِيهَا وَهِيَ حَالَةُ الشُّغْلِ بِالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ فَقَالَ ذِنَابُ ذُبَابٍ فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أعنك وَهَذَا أحسن الحَدِيث الْخَامِس والْحَدِيث السَّادِس عَن أبي هُرَيْرَةَ وَعَنْ جَابِرٍ ذُكِرَا تَبَعًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا تقدم الحَدِيث السَّابِع حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ

[5913] قَوْله فِيهِ وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ بِالْمَدِّ جَعْدٌ الْحَدِيثَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُكُمْ نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(قَوْلُهُ بَابُ التَّلْبِيدِ)
هُوَ جَمْعُ الشَّعْرِ فِي الرَّأْسِ بِمَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْخِطْمِيِّ وَالصَّمْغِ لِئَلَّا يَتَشَعَّثَ وَيَقْمَلَ فِي الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي الْحَجِّ

[5914] قَوْلُهُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ مَنْ ضَفَّرَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا قَوْلُهُ فَلْيَحْلِقْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ يَعْنِي فِي الْحَج وَكَانَ بن عُمَرَ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَبِّدًا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فِي الْبَاب وَأما قَول عمر فَحَمله بن بَطَّالٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ فَضَفَّرَ شَعْرَهُ لِيَمْنَعَهُ مِنَ الشَّعَثِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ

(10/360)


لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ التَّلْبِيدَ الَّذِي أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الْحَلْقَ وَكَانَ عُمَرُ يَرَى أَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَالنُّسُكُ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ فَشُبِّهَ مَنْ ضَفَّرَ رَأْسَهُ بِمَنْ لَبَّدَهُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ مَنْ ضَفَّرَ أَنْ يَحْلِقَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَرَادَ الْأَمْرَ بِالْحَلْقِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى التَّلْبِيدِ وَلَا إِلَى الضَّفْرِ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَفِّرَ أَوْ يُلَبِّدَ فَلْيَحْلِقْ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُضَفِّرَ أَوْ يُلَبِّدَ ثُمَّ إِذَا أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّقْصِيرَ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْأَخْذِ مِنْ سَائِرِ النَّوَاحِي كَمَا هِيَ السّنة وَأما قَوْله تشبهوا فَحكى بن بَطَّالٍ أَنَّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْأَصْلُ لَا تَتَشَبَّهُوا فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ قَالَ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَكسر الْمُوَحدَة وَالْأول أظهر وَأما قَول بن عُمَرَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ تَرْكَ التَّلْبِيدِ أَوْلَى فَأَخْبَرَ هُوَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ التَّلْبِيدِ وَحُكْمُهُ فِي كتاب الْحَج وَكَذَا حَدِيث بن عُمَرَ فِي التَّلْبِيدِ وَحَدِيثُ حَفْصَةَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وقلدت هَدْيِي الحَدِيث

(قَوْلُهُ بَابُ الْفَرْقِ)
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ فَرْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَهُوَ قِسْمَتُهُ فِي الْمَفْرِقِ وَهُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ يُقَالُ فَرَقَ شَعْرَهُ فَرْقًا بِالسُّكُونِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْمَفْرِقُ مَكَانُ انْقِسَامِ الشَّعْرِ مِنَ الْجَبِينِ إِلَى دَارَةِ وَسَطِ الرَّأْسِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِكَسْرِهَا وَكَذَلِكَ الرَّاءُ تُكْسَرُ وَتُفْتَحُ ذَكَرَ فِيهِ حديثين الأول

[5917] قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ كَذَا وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَغَيْرِهَا وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَكَذَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ حَيْثُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ فَوْقَهُ قَوْلُهُ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَكَانَ إِذَا شَكَّ فِي أَمْرٍ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ صَنَعَ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ يُرْسِلُونَهَا قَوْلُهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ هُوَ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَقَدْ شَدَّدَهَا بَعْضُهُمْ حَكَاهُ عِيَاضٌ قَالَ وَالتَّخْفِيفُ أَشْهَرُ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ فَرَقَ الْأَشْهَرُ فِيهِ التَّخْفِيفُ وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ أَبْعَدُ عَنِ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَمَسَّكُونَ بِشَرِيعَةٍ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ وَلَوْ أَدَّتْ مُوَافَقَتُهُمْ إِلَى مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ مَعَهُ وَالَّذِينَ حَوْلَهُ وَاسْتَمَرَّ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى

(10/361)


كُفْرِهِمْ تَمَحَّضَتِ الْمُخَالَفَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ ثُمَّ أَمَرَ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ وَكَانَ الْفَرْقُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَمِمَّا يُشْبِهُ الْفَرْقَ وَالسَّدْلَ صَبْغُ الشَّعْرِ وَتَرْكُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ ثُمَّ أَمَرَ بِنَوْعِ مُخَالَفَةٍ لَهُمْ فِيهِ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَمِنْهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَمُخَالَفَتُهُمْ فِي مُخَالَطَةِ الْحَائِضِ حَتَّى قَالَ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ فَقَالُوا مَا يَدَعُ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَمِنْهَا مَا يظْهر لي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَنَاسِخُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا يَوْمَا عَيدِ الْكُفَّارِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا مَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صِيَامِهِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَوْمَا عِيدٍ إِلَى أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ عِيدٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالْأَحَدُ عِيدٌ عِنْدَ النَّصَارَى وَأَيَّامُ الْعِيدِ لَا تُصَامُ فَخَالَفَهُمْ بِصِيَامِهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ كَرَاهَةِ إِفْرَادِ السَّبْتِ وَكَذَا الْأَحَدُ لَيْسَ جَيِّدًا بَلِ الْأَوْلَى فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ وَأما السبت والأحد فَالْأولى أَنْ يُصَامَا مَعًا وَفُرَادَى امْتِثَالًا لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ عِيَاضٌ سَدْلُ الشَّعْرِ إِرْسَالُهُ يُقَالُ سَدَلَ شَعْرَهُ وَأَسْدَلَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَضُمَّ جَوَانِبَهُ وَكَذَا الثَّوْبُ وَالْفَرْقُ تَفْرِيقُ الشَّعْرِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَكَشْفُهُ عَنِ الْجَبِينِ قَالَ وَالْفَرْقُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِوَحْيٍ لِقَوْلِ الرَّاوِي فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَرَقَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهِ النَّسْخَ وَمَنْعَ السَّدْلَ وَاتِّخَاذَ النَّاصِيَةِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ اسْتِئْلَافِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يُنْجَعْ فِيهِمْ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَكَانَتْ مُسْتَحَبَّةً لَا وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُ الرَّاوِي فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ أَيْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ وَالطَّلَبُ يَشْمَلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَأَمَّا تَوَهُّمُ النَّسْخِ فِي هَذَا فَلَيْسَ بِشَيْء لَا مَكَان الْجَمْعِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ وَلَوْ كَانَ السَّدْلُ مَنْسُوخًا لَصَارَ إِلَيْهِ الصَّحَابَةُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَفْرُقُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَسْدُلُ وَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَّةٌ فَإِنِ انْفَرَقَتْ فَرَقَهَا وَإِلَّا تَرَكَهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَرْقَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ قُلْتُ وَقَدْ جَزَمَ الْحَازِمِيُّ بِأَنَّ السَّدْلَ نُسِخَ بِالْفَرْقِ وَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَبْلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ جَوَازُ السَّدْلِ وَالْفَرْقِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقِيلَ للاسئتلاف كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا حَتَّى يَرِدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ وَعَكَسَ بَعْضُهُمْ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ يُحِبُّ بَلْ كَانَ يَتَحَتَّمُ الِاتِّبَاعَ وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهِ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ شُرِعَ لَهُمْ لَا مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ هُمْ إِذْ لَا وُثُوقَ بِنَقْلِهِمْ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُوَافِقُهُمْ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا وَهُوَ أَقْرَبُ أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي تَدُورُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ شَرْعٍ بِخِلَافِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَرِيعَةٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُونَ انْحَصَرَتِ الْمُخَالَفَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَمَرَ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَقَدْ جَمَعْتُ الْمَسَائِلَ الَّتِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا بِمُخَالَفَةِ

(10/362)


أَهْلِ الْكِتَابِ فَزَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِينَ حُكْمًا وَقَدْ أَوْدَعْتُهَا كِتَابِي الَّذِي سَمَّيْتُهُ الْقَوْلَ الثَّبْتَ فِي الصَّوْم يَوْم السبت وَيُؤْخَذ من قَول بن عَبَّاسٍ فِي الْحَدِيثِ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدَ نَسْخِ حُكْمِ تِلْكَ الْمُوَافَقَةِ كَمَا قَرَّرْتُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْحَج وَقَوله

[5918] عبد الله هُوَ بن رَجَاءٍ الَّذِي أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْهُ مَقْرُونًا بِأَبِي الْوَلِيدِ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَرَادَ أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَقَالَ مَفَارِقُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ فَقَالَ مَفْرِقٌ وَقَدْ وَافَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ آدَمَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّهَارَةِ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَحَمَّادٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ كُلُّهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْهُ وَوَافَقَ أَبَا الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْأَعْمَشُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَأَنَّ الْجَمْعَ وَقَعَ بِاعْتِبَارِ تعدد انقسام الشّعْر وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الذَّوَائِبُ)
جَمْعُ ذُؤَابَةَ وَالْأَصْلُ ذَآئِبُ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا وَالذُّؤَابَةُ مَا يَتَدَلَّى مِنْ شعر الرَّأْس ذكر فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا

[5919] قَوْلُهُ فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَإِنَّ فِيهِ تَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اتِّخَاذ الذؤابة وَفِيه دفع لرِوَايَة مَنْ فَسَّرَ الْقَزَعَ بِالذُّؤَابَةِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَأورد الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ هُشَيْمٍ ثُمَّ أَرْدَفَهَا بِرِوَايَتِهِ عَالِيًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ نَازِلًا مِنْ أَجْلِ تَصْرِيحِ هُشَيْمٍ فِيهَا بِالْإِخْبَارِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِرِوَايَتِهِ عَالِيًا أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ عَنْ هُشَيْمٍ مُصَرَّحًا أَيْضًا وَكَأَنَّهُ اسْتَظْهَرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْفَضْلِ بْنِ عَنْبَسَةَ مَقَالًا لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ

(10/363)


(قَوْلُهُ بَابُ الْقَزَعِ)
بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةُ جَمْعُ قَزَعَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَسمي شعر الرَّأْس إِذا حلق بعضه وَترك بَعْضُهُ قَزَعًا تَشِبِّيهَا بِالسَّحَابِ الْمُتَفَرِّقِ

[5920] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّد هُوَ بن سَلام ومخلد بِسُكُون الْمُعْجَمَة هُوَ بن يَزِيدَ قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ الْعمريّ الْمَشْهُور نسبه بن جُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِلَى جَدِّهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو قُرَّةَ فِي السُّنَنِ عَنِ بن جُرَيْجٍ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِهِ فَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَشَيْخُهُ هُنَا عُمَرُ بْنُ نَافِع والراوي عَنهُ هُوَ بن جُرَيْجٍ أَقْرَانٌ مُتَقَارِبُونَ فِي السِّنِّ وَاللِّقَاءِ وَالْوَفَاةِ وَاشْتَرَكَ الثَّلَاثَةُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ نَافِعٍ فَقَدْ نزل بن جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ دَرَجَتَيْنِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قِلَّةِ تَدْلِيسِهِ وَقَدْ وَافَقَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بن طَارق فِي السّنَن عَن بن جريج وَأخرجه أَبُو عوَانَة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَن بن جُرَيْجٍ وَكَذَلِكَ قَالَ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِهِ لَكِنْ سَقَطَ ذِكْرُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَمَنْ رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بِأَنَّ حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَافَقَ مَخْلَدَ بْنَ يَزِيدَ عَلَى ذِكْرِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَلَى الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فِي إِسْقَاطِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَإِثْبَاتِهِ وَقَالَ إِثْبَاتُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ عَنْ نَافِعٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقد أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِثْبَاتِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْقَاطِهِ وَكَأَنَّهُمْ سَلَكُوا الْجَادَّةَ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَافِعٍ مُكْثِرٌ عَنْهُ وَالْعُمْدَةُ عَلَى مَنْ زَادَ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ وَلَا سِيَّمَا فِيهِمْ مَنْ سَمِعَ عَنْ نَافِعٍ نَفْسِهِ كَابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ قَوْلُهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قُلْتُ وَمَا الْقَزَعُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْئُولَ هُوَ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ لَكِنْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ إِنَّمَا سَأَلَ نَافِعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ قُلْتُ لِنَافِعٍ وَمَا الْقَزَعُ فَذَكَرَ الْجَوَابَ وَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ الله قَالَ إِذا حلق الصَّبِي وَترك هَا هُنَا شَعْرَة وَهَهُنَا وَهَهُنَا فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأسه

(10/364)


الْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ قَالَ إِذَا حَلَقَ هُوَ نَافِعٌ وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ الْمَذْكُورَةِ لَفْظُهُ قَالَ يَحْلِقُ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيَتْرُكُ بَعْضًا قَوْلُهُ قِيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْقَائِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون هُوَ بن جُرَيْجٍ أَبْهَمَ نَفْسَهُ قَوْلُهُ فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ كَأَنَّ السَّائِلَ فَهِمَ التَّخْصِيصَ بِالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ فَسَأَلَ عَنِ الْجَارِيَةِ الْأُنْثَى وَعَنِ الْغُلَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ غَالِبًا الْمُرَاهِقُ قَوْلُهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَعَاوَدَتْهُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمَّا أَجَابَ السَّائِلَ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَعَادَ سُؤَالَ شَيْخِهِ عَنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ حَدَّثَ عَنْهُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيِّ وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ كِلَاهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ وَأَلْحَقَا التَّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي أَدْرَجَاهُ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيِّ وَلَفْظُهُ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ وَالْقَزَعُ أَنْ يَحْلِقَ فَذَكَرَ التَّفْسِيرَ مُدْرَجًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ فَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَحَذَفَ التَّفْسِيرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظُهُ وَهُوَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي سِيَاقِهِ مَا يدل على مُسْتَند من رفع تَفْسِير الْقَزَعَ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ احْلِقُوا كُلَّهُ أَوْ ذَرُوا كُلَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْقَزَعَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ نَافِعٌ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ رَأْسِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلظَّاهِرِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ قُلْتُ إِلَّا أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالصَّبِيِّ لَيْسَ قَيْدًا قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ إِذَا كَانَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ إِلَّا لِلْمُدَاوَاةِ أَوْ نَحْوِهَا وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَقِيلَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقُصَّةِ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ قَالَ وَمَذْهَبُنَا كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا قُلْتُ حُجَّتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ فَقِيلَ لِكَوْنِهِ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ الْيَهُودِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَوْلُهُ أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا الْقُصَّةُ بِضَمِّ الْقَافِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا شَعْرُ الصُّدْغَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْقَفَا شَعْرُ الْقَفَا وَالْحَاصِلُ مِنْهُ أَنَّ الْقَزَعَ مَخْصُوصٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَلَيْسَ شَعْرُ الصُّدْغَيْنِ وَالْقَفَا مِنَ الرَّأْسِ وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقُصَّةِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ تُطْلَقُ الْقُصَّةُ عَلَى الشَّعْرِ الْمُجْتَمِعِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْأُذُنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوصَلَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْمَوْصُولَةِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقَزَعِ وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ وَيُتَّخَذَ لَهُ ذُؤَابَةٌ فَمَا أَعْرِفُ الَّذِي فَسَّرَ الْقَزَعَ بِذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَتْ لِي ذُؤَابَةٌ فَقَالَتْ أُمِّي لَا أَجُزُّهَا فَإِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُدُّهَا وَيَأْخُذُ بِهَا وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى ذُؤَابَتِهِ وَسَمَتَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَمِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ قَرَأْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَعَ الْغِلْمَانِ لَهُ ذُؤَابَتَانِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الذُّؤَابَةَ الْجَائِزُ اتِّخَاذُهَا مَا يُفْرَدُ مِنَ الشَّعْرِ فَيُرْسَلُ وَيُجْمَعُ مَا عَدَاهَا بِالضَّفْرِ وَغَيْرِهِ وَالَّتِي تَمْنَعُ أَنْ يَحْلِقَ الرَّأْسَ كُلَّهُ وَيُتْرَكَ مَا فِي وَسَطِهِ فَيَتَّخِذُ ذُؤَابَةً وَقَدْ صَرَّحَ الْخَطَّابِيُّ

(10/365)


بِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْقَزَعِ وَالله أعلم
(

قَوْله بَاب تطييب الْمَرْأَة زَوجهَا بيدَيْهِ)
اكأن فِقْهَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ طِيبِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ طِيبَ الرَّجُلِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ وَالْمَرْأَةُ بِالْعَكْسِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابتا لامتنعت الْمَرْأَة من تطييب زَوجهَا بطيبه لِمَا يَعْلَقُ بِيَدَيْهَا وَبَدَنِهَا مِنْهُ حَالَةَ تَطْيِيبِهَا لَهُ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَهُ فَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُطَابِقِ لِلتَّرْجَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي الْحَجِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِالِاسْتِتَارِ حَالَةَ بُرُوزِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا وَالطِّيبُ الَّذِي لَهُ رَائِحَة لَو شرع لَهَا لكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ فِي الْفِتْنَةِ بِهَا وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ ثَابِتًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ لَهَا مَنْدُوحَةً أَنْ تَغْسِلَ أَثَرَهُ إِذَا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِأَنَّ مَنْعَهَا خَاصٌّ بِحَالَةِ الْخُرُوجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ لُبْسَهَا النَّعْلَ الصَّرَّارَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْفِتُ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ هُوَ الْمروزِي وَعبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَيحيى هُوَ بن سعيد الْأَنْصَارِيُّ

[5922] قَوْلُهُ طَيَّبْتُهُ بِيَدَيَّ لِحُرْمِهِ وَطَيَّبْتُهُ بِيَدَيَّ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ بِذَرِيرَةٍ

(قَوْلُهُ بَابُ الطِّيبِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ)
إِنْ كَانَ بَابٌ بِالتَّنْوِينِ فَيَكُونُ ظَاهِرَ التَّرْجَمَةِ الْحَصْرُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِالْإِضَافَةِ فَالتَّقْدِيرُ بَابُ حُكْمِ الطِّيبِ أَوْ مَشْرُوعِيَّةُ الطِّيبِ

[5923] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي إِسْحَاق بن نصر هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ وَإِسْرَائِيلُ هُوَ بن يُونُسَ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ طِيبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ طِيبَ الرِّجَالِ لَا يُجْعَلُ فِي الْوَجْهِ بِخِلَافِ طِيبِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ يُطَيِّبْنَ وُجُوهَهُنَّ وَيَتَزَيَّنَّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَإِنَّ تَطْيِيبَ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ لَا يُشْرَعُ لِمَنْعِهِ من التَّشَبُّه بِالنسَاء

(10/366)


(قَوْلُهُ بَابُ الِامْتِشَاطِ)
هُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْمَشْطِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ بِالْمُشْطِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَشِّطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْم ولأصحاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِإِصْلَاحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحُ السَّنَدِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَسَأَذْكُرُ طُرُقَ الْجمع بَين مختلفي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي بَابِ التَّرَجُّلِ

[5924] قَوْلُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ وَسَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا قِيلَ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالِدُ مَرْوَانَ وَقِيلَ سَعْدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَسَأُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ اطَّلَعَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْجُحْرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِدْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ عُودٌ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا لِتَضُمَّ بَعْضَ شَعْرِهَا إِلَى بَعْضٍ وَهُوَ يُشْبِهُ الْمِسَلَّةَ يُقَالُ مَدِرَتِ الْمَرْأَةُ سَرَّحَتْ شَعْرَهَا وَقِيلَ مُشْطٌ لَهُ أَسْنَانٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْمُشْطُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُ الْمِدْرَى الْقَرْنُ وَكَذَلِكَ الْمِدْرَاةُ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ أَوْ حَدِيدَةٌ كَالْخِلَالِ لَهَا رَأْسٌ مُحَدَّدٌ وَقِيلَ خَشَبَةٌ عَلَى شَكْلِ شَيْءٍ مِنْ أَسْنَانِ الْمُشْطِ وَلَهَا سَاعِدٌ جَرَتْ عَادَةُ الْكَبِيرِ أَنْ يَحُكَّ بِهَا مَا لَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدُهُ مِنْ جَسَدِهِ وَيُسَرِّحُ بِهَا الشَّعْرَ الْمُلَبَّدَ مَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْمُشْطُ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِعَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِدْرَى غَيْرُ الْمُشْطِ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْهَا قَالَتْ خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ الْمِرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ وَالْمُشْطُ وَالْمِدْرَى وَالسِّوَاكُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى وَهُوَ ضَعِيف وَأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَقْوَى مِنْ هَذَا لَكِنْ فِيهِ قَارُورَةُ دُهْنٍ بَدَلَ الْمِدْرَى وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ لَا يُفَارِقُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاكَهُ وَمُشْطَهُ وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ إِذَا سَرَّحَ لِحْيَتَهُ وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ مُرْسَلِ خَالِدِ بن معدان أخرجه بن سَعْدٍ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ الْمِدْرَى تُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ يُتَّخَذُ مِنْ آبِنُوسٍ أَوْ عَاجٍ أَوْ حَدِيدٍ يَكُونُ طُولُ الْمِسَلَّةِ يُتَّخَذُ لِفَرْقِ الشَّعْرِ فَقَطْ وَهُوَ مُسْتَدِيرُ الرَّأْسِ عَلَى هَيْئَةِ نَصْلِ السَّيْفِ بِقَبْضَةٍ وَهَذِهِ صِفَتُهُ ثَانِيهُمَا كَبِيرٌ وَهُوَ عُودٌ مَخْرُوطٌ مِنْ أَبَنُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي رَأْسِهِ قِطْعَةٌ مَنْحُوتَةٌ فِي قَدْرِ الْكَفِّ وَلَهَا مِثْلُ الْأَصَابِعِ أُولَاهُنَّ مُعْوَجَّةٌ مِثْلَ حَلْقَةِ الْإِبْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلتَّسْرِيحِ وَيَحُكُّ الرَّأْسَ وَالْجَسَدَ وَهَذِهِ صِفَتُهُ اه مُلَخَّصًا قَوْلُهُ تَنْتَظِرُ كَذَا لَهُمْ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ تَنْظُرُ وَهِيَ أَوْلَى وَالْأُخْرَى بِمَعْنَاهَا وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَطَّلِعُ عَلَيَّ وَقَوْلُهُ مِنْ قِبَلِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَالْأَبْصَارُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جَمْعُ بَصَرٍ وَبِكَسْرِهِ مَصْدَرُ أَبْصَرَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ أَجْلِ

(10/367)


الْبَصَر بِفتْحَتَيْنِ أَي الرُّؤْيَة

(قَوْلُهُ بَابُ تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا)
أَيْ تَسْرِيحُهَا شعره ذكر فِيهِ حَدِيث مَالك عَن بن شِهَابٍ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَرَّقَهُمَا كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْهُ هُنَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ هَكَذَا مُفَرَّقًا عِنْدَ أَكْثَرِ الروَاة وَرَوَاهُ خَالِد بن مخلد وبن وَهْبٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِع وَأَبُو حذافة عَن مَالك عَن بن شِهَابٍ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمِيعًا عَنْ عُرْوَةَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ

[5925] قَوْلُهُ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ كَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ أَبُو حُذَافَةَ عَنْهُ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ يُخْرِجُهُ إِلَيْهَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضا

(قَوْلُهُ بَابُ التَّرْجِيلِ وَالتَّيَمُّنِ فِيهِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّنُ فِي التَّرَجُّلِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَأَنْ يَفْعَله باليمنى قَالَ بن بَطَّالٍ التَّرْجِيلُ تَسْرِيحُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَدَهْنُهُ وَهُوَ مِنَ النَّظَافَةِ وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهَا وَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَرِيبًا فَالْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّرَفُّهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ اه وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَذَاذَةُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا تَرْكُ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَطُّعِ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّوَاضُعُ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا بِسَبَبِ جَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْهَى عَن كثير من الارفاه قَالَ بن بُرَيْدَةَ الْإِرْفَاهُ التَّرَجُّلُ قُلْتُ الْإِرْفَاهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَاءٍ وَآخِرُهُ هَاءٌ التَّنَعُّمُ وَالرَّاحَةُ وَمِنْهُ الرَّفَهُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالْكَثِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْوَسَطَ الْمُعْتَدِلَ مِنْهُ لَا يُذَمُّ وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ أَيْضًا

(10/368)


(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ)
قَدْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِهِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ بَابُ الْمِسْكِ وَأَوْرَدَ هُنَا حَدِيثَ أبي هُرَيْرَة رَفعه كل عمل بن آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ

[5927] قَوْلُهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَوْلُهُ هُنَا فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ فَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كل عمل بن آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعْدٍ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ إِنَّ الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا بَيَّنْتُ هُنَا وَذَكَرْتُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى إِضَافَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصِّيَامَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي وَنَقَلْتُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ الطَّالْقَانِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ كَثِيرَةٍ نَحْوَ الْخَمْسِينَ وَأَنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوُقُوفَ عَلَى كَلَامِهِ وَتَتَبَّعْتُ مَا ذَكَرَهُ مُتَأَمِّلًا فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الْأَجْوِبَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي حَرَّرْتُهَا هُنَاكَ إِلَّا إِشَارَاتٍ صُوفِيَّةً وَأَشْيَاءَ تَكَرَّرَتْ مَعْنًى وَإِنْ تَغَايَرَتْ لَفْظًا وَغَالِبُهَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ خَالِيَةٌ عَنِ السَّعْيِ وَإِنَّمَا هِيَ تَرْكٌ مَحْضٌ وَقَوْلُهُ يَقُولُ هُوَ لِي فَلَا يَشْغَلُكَ مَا هُوَ لَكَ عَمَّا هُوَ لِي وَقَوْلُهُ مَنْ شَغَلَهُ مَا لِي عَنِّي أَعْرَضْتُ عَنْهُ وَإِلَّا كُنْتُ لَهُ عِوَضًا عَنِ الْكُلِّ وَقَوْلُهُ لَا يَقْطَعُكَ مَا لِي عَنِّي وَقَوْلُهُ لَا يَشْغَلُكَ الْمِلْكُ عَنِ الْمَالِكِ وَقَوْلُهُ فَلَا تَطْلُبْ غَيْرِي وَقَوْلُهُ فَلَا يَفْسُدُ مَا لِي عَلَيْكَ بِكَ وَقَوْلُهُ فَاشْكُرْنِي عَلَى أَنْ جَعَلْتُكَ مَحَلًّا لِلْقِيَامِ بِمَا هُوَ لِي وَقَوْلُهُ فَلَا تَجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيهِ حُكْمًا وَقَوْلُهُ فَمَنْ ضَيَّعَ حُرْمَةَ مَا لِي ضَيَّعْتُ حُرْمَةَ مَا لَهُ لِأَنَّ فِيهِ جَبْرَ الْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ أَدَّاهُ بِمَا لِي وَهُوَ نَفْسُهُ صَحَّ البيع وَقَوله فَكُن بِحَيْثُ تَصْلُحُ أَنْ تُؤَدِّي مَا لِي وَقَوْلُهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ بِهِ يَتَذَكَّرُ الْعَبْدُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الشِّبَعِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ رِضَا اللَّهِ عَلَى هَوَى النَّفْسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الصَّائِمِ الْمُطِيعِ وَبَيْنَ الْآكِلِ الْعَاصِي وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَحَلَّ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَانْتِهَاءَهُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ لِحَدِيثِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ رِيَاضَةَ النَّفْسِ بِتَرْكِ الْمَأْلُوفَاتِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الشَّهَوَاتِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ بِتَرْكِ مَحْبُوبِهَا وَفِي مُخَالَفَةِ النَّفْسِ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ فَرْحَةَ اللِّقَاءِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ مُشَاهَدَةَ الْآمِرِ بِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ مَجْمَعَ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَهُمَا حَاصِلَانِ فِيهِ وَقَوْلُهُ مَعْنَاهُ الصَّائِمُ لِي لِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةُ الصَّائِمِ وَقَوْلُهُ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحِمَايَةِ لِئَلَّا يَطْمَعَ الشَّيْطَانُ فِي إِفْسَادِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ اسْتَوَى فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَهَذَا عُنْوَانُ مَا ذَكَرَهُ مَعَ إِسْهَابٍ فِي الْعِبَارَةِ وَلم أستوعب ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ على شرطي فِي هَذَا

(10/369)


الْكِتَابِ وَإِنَّمَا كُنْتُ أَجِدُ النَّفْسَ مُتَشَوِّقَةً إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ وَغَالِبُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ مِنْ شُيُوخِنَا لَا يَسُوقُهَا وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّ الطَّالْقَانِيَّ أَجَابَ عَنْهُ بِنَحْوٍ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ جَوَابًا وَلَا يَذْكُرُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا أَدْرِي أَتَرَكُوهُ إِعْرَاضًا أَوْ مَلَلًا أَوِ اكْتَفَى الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ أَوَّلًا بِالْإِشَارَةِ وَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ مَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ وَالله أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ)
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ اسْتِعْمَالَ أَطْيَبِ مَا يُوجَدُ مِنَ الطِّيبِ وَلَا يُعْدَلُ إِلَى الْأَدْنَى مَعَ وُجُودِ الْأَعْلَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي التَّطَيُّبِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَرِيبًا

[5928] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل ووهيب هُوَ بن خَالِد وَهِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ قَوْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ هَكَذَا أَدْخَلَ هِشَامٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخَاهُ عُثْمَانَ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ مَا يَرْوِي هِشَامٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنِّي اه وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ أَنَّ اللَّيْثَ وَدَاوُدَ الْعَطَّارَ وَأَبَا أُسَامَةَ وَافَقُوا وُهَيْبَ بْنَ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ فِي ذِكْرِ عُثْمَان وَأَن أَيُّوب وبن الْمُبَارك وبن نُمَيْرٍ وَغَيْرَهُمْ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ بِدُونِ ذِكْرِ عُثْمَانَ قُلْتُ وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَرِوَايَةُ دَاوُدَ الْعَطَّارِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بن طهْمَان وبن إِسْحَاقَ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فِي آخَرِينَ رَوَوْهُ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ بِدُونِ ذِكْرِ عُثْمَانَ قَالَ وَرَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ ثُمَّ لَقِيتُ عُثْمَانَ فَحَدَّثَنِي بِهِ وَقَالَ لِي لَمْ يَرْوِهِ هِشَامٌ إِلَّا عَنِّي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يَسْمَعْهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ لَا أَعْلَمُ عِنْدَ عُثْمَانَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ اه وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنده حَدِيثا آخر فِي فضل الصَّفّ الأول وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُحْرِمَ وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ طَيَّبْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَطْيَبِ الطَّيِّبِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْتُ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْبَحْثُ فِي أَحْكَامِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ الْمِسْكُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ قَالَ الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا

(10/370)


(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يُرِدِ الطِّيبَ)
كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن النَّهْيِ عَنْ رَدِّهِ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ

[5929] قَوْلُهُ عَزْرَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ بن ثَابت أَي بن أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ لِجَدِّهِ صُحْبَةٌ قَوْلُهُ وَزَعَمَ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ قَوْلُهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ مَا عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبٌ قَطُّ فَرَدَّهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَزْرَةَ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ نَحْوُهُ وَزَادَ وَقَالَ إِذَا عُرِضَ عَلَى أَحَدِكُمُ الطِّيبَ فَلَا يَرُدُّهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يُصَرَّحْ بِرَفْعِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ طيب الرّيح خَفِيف الْمحمل وَأخرجه مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ رَيْحَانٌ بَدَلَ طِيبٍ وَالرَّيْحَانُ كُلُّ بَقْلَةٍ لَهَا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّيْحَانِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ يَعْنِي مُشْتَقًّا مِنَ الرَّائِحَةِ قُلْتُ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِدٌ وَالَّذِينَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ الطِّيبِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَحْفَظُ فَرِوَايَتُهُمْ أَوْلَى وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ رَيْحَانٍ أَرَادَ التَّعْمِيمَ حَتَّى لَا يُخَصَّ بِالطِّيبِ الْمَصْنُوعِ لَكِنِ اللَّفْظُ غير واف بِالْمَقْصُودِ وَلِلْحَدِيثِ شَاهد عَن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الطِّيبُ فَلْيُصِبْ مِنْهُ نَعَمْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ فَلَا يَرُدَّهُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ لِمَحَبَّتِهِ فِيهِ وَلِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُنَاجِي مَنْ لَا نُنَاجِي وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ رَدِّ الطِّيبِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لَا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ مَرْدُود بِأَصْل الشَّرْع

(قَوْلُهُ بَابُ الذَّرِيرَةِ)
بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءَيْنِ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مُرَكَّبُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ تُجْمَعُ مُفْرَدَاتُهُ ثُمَّ تُسْحَقُ وَتُنْخَلُ ثُمَّ تُذَرُّ فِي الشَّعْرِ وَالطَّوْقِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَرِيرَةً كَذَا قَالَ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ طِيبٍ مُرَكَّبٍ ذَرِيرَةٌ لَكِنِ الذَّرِيرَةُ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مَخْصُوصٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ فُتَاتُ قَصَبِ طِيبٍ يُجَاءُ بِهِ مِنَ الْهِنْدِ

[5930] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنهُ أما مُحَمَّد فَهُوَ بن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَأَمَّا عُثْمَانُ فَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ بِلَا وَاسِطَةٍ مِنْهَا فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ وَفِي النِّكَاحِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ كَمَا سَيَأْتِي حَدِيثا آخَرُ بِمِثْلِ هَذَا التَّرَدُّدِ قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بن عبد الله بن عُرْوَة أَي بن الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَقد ذكره بن حِبَّانَ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِنَ الثِّقَاتِ قَوْلُهُ سمع عُرْوَة هُوَ جده وَالقَاسِم هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَوْلُهُ بِذَرِيرَةٍ كَأَنَّ الذَّرِيرَةَ كَانَ فِيهَا مِسْكٌ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ قَوْلُهُ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا هُنَا وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بن عبَادَة عَن بن جُرَيْجٍ بِلَفْظِ حِينَ أَحْرَمَ وَحِينَ رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْم النَّحْر قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ

(10/371)


(قَوْلُهُ بَابُ الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ)
أَيْ لِأَجْلِ الْحُسْنِ وَالْمُتَفَلِّجَاتُ جَمْعُ مُتَفَلِّجَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَطْلُبُ الْفَلْجَ أَوْ تَصْنَعُهُ وَالْفَلْجُ بِالْفَاءِ وَاللَّامِ وَالْجِيمِ انْفِرَاجُ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ وَالتَّفَلُّجُ أَنْ يُفْرَجَ بَيْنَ الْمُتَلَاصِقَيْنِ بِالْمِبْرَدِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ عَادَةً بِالثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّاتِ وَيُسْتَحْسَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَرُبَّمَا صَنَعَتْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَكُونُ أَسْنَانُهَا مُتَلَاصِقَةً لِتَصِيرَ مُتَفَلِّجَةً وَقَدْ تَفْعَلُهُ الْكَبِيرَةُ تُوهِمُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ غَالِبًا تَكُونُ مُفَلَّجَةً جَدِيدَةَ السِّنِّ وَيَذْهَبُ ذَلِكَ فِي الْكِبَرِ وَتَحْدِيدُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى الْوَشْرَ بِالرَّاءِ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ أَيْضًا فِي بَعْضِ طرق حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي آخِرِ بَابِ الْمَوْصُولَةِ فَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ

[5931] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ بن أبي شيبَة وَجَرِير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وعلقمة هُوَ بن قَيْسٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَابَعَ مَنْصُورٌ الْأَعْمَشَ وَمِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ عَلْقَمَةُ فِي السَّنَدِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أُمِّ يَعْقُوب عَن بن مَسْعُودٍ وَالْمَحْفُوظُ قَوْلُ مَنْصُورٍ قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ جَمْعُ وَاشِمَةٍ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَشِمُ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ جَمْعُ مُسْتَوْشِمَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَطْلُبُ الوشم وَنقل بن التَّيْنِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْوَاشِمَةُ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا الْوَشْمُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ الَّتِي تَفْعَلُهُ وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ الْمُسْتَوْشِمَاتِ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ وَبِفَتْحِهَا الَّتِي تَطْلُبُ ذَلِكَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُفَضَّلِ بْنِ مُهَلْهَلٍ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْمَوْشُومَاتِ وَهِيَ مَنْ يُفْعَلُ بِهَا الْوَشْمُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَشْمُ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ أَنْ يُغْرَزَ فِي الْعُضْوِ إِبْرَةٌ أَوْ نَحْوُهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ثُمَّ يُحْشَى بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَخْضَرُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ الْوَاشِمَةُ الَّتِي تَجْعَلُ الْخِيلَانَ فِي وَجْهِهَا بِكُحْلٍ أَوْ مِدَادٍ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا انْتَهَى وَذُكِرَ الْوَجْهُ لِلْغَالِبِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الشَّفَةِ وَسَيَأْتِي عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي اللِّثَةِ فَذِكْرُ الْوَجْهَ لَيْسَ قَيْدًا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَسَدِ وَقَدْ يُفْعَلُ ذَلِكَ نَقْشًا وَقَدْ يُجْعَلُ دَوَائِرَ وَقَدْ يُكْتَبُ اسْمُ الْمَحْبُوبِ وَتَعَاطِيهِ حَرَامٌ بِدَلَالَةِ اللَّعْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَيَصِيرُ الْمَوْضِعُ الْمَوْشُومُ نَجِسًا لِأَنَّ الدَّمَ انْحَبَسَ فِيهِ فَتَجِبُ إِزَالَتُهُ إِنْ أَمْكَنَتْ وَلَوْ بِالْجَرْحِ إِلَّا إِنْ خَافَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ شَيْنًا أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ فَيَجُوزُ إِبْقَاؤُهُ وَتَكْفِي التَّوْبَةُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ قَوْلُهُ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ يَلِي الْبَابَ الَّذِي يَلِيهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ جَرِيرٍ الْوَاصِلَاتُ بَدَلَ الْمُتَنَمِّصَاتِ هُنَا قَوْلُهُ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَذْمُومَةَ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحُسْنِ

(10/372)


فَلَوِ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ لِمُدَاوَاةٍ مِثْلًا جَازَ قَوْلُهُ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ هِيَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِمَنْ يَصْنَعُ الْوَشْمَ وَالنَّمْصُ وَالْفَلْجُ وَكَذَا الْوَصْلُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ مَا لِي لَا أَلْعَنُ كَذَا هُنَا بِاخْتِصَارٍ وَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ بِزِيَادَةٍ وَلَفْظُهُ فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ مَا هَذَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ شَيْخَيِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَتَمُّ سِيَاقًا مِنْهُ فَقَالَ بَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ إِلَخْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّ السِّيَاقَ لِإِسْحَاقَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُثْمَانَ وَسِيَاقُهُ مُوَافِقٌ لِسِيَاقِ إِسْحَاقَ إِلَّا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ لَا تُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَسَبَقَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ بِتَمَامِهِ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن وَمَا فِي قَول بن مَسْعُودٍ مَا لِي لَا أَلْعَنُ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَهُوَ بَعِيدٌ قَوْلُهُ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْعَلُ الْمُصْحَفُ فِيهِ وَكَانُوا يَكْتُبُونَ الْمُصْحَفَ فِي الرِّقِّ وَيَجْعَلُونَ لَهُ دَفَّتَيْنِ مِنْ خَشَبٍ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْكُرْسِيِّ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ اسْمُ لَوْحَيْنِ قَوْلُهُ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ كَذَا فِيهِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهِيَ لُغَةٌ وَالْأَفْصَحُ حَذْفُهَا فِي خِطَابِ الْمُؤَنَّثِ فِي الْمَاضِي قَوْله وَمَا آتَاكُم الرَّسُول إِلَى فَانْتَهُوا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا آتَاكُمْ إِلَخْ وَزَادَ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ إِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْحَشْرِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا حَفِظْتُ وَصِيَّةَ شُعَيْبٍ إِذًا يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنهُ وَفِي إِطْلَاق بن مَسْعُودٍ نِسْبَةُ لَعْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَفَهْمِ أُمِّ يَعْقُوبَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنَ وَتَقْرِيرُهُ لَهَا عَلَى هَذَا الْفَهْمِ وَمُعَارَضَتُهَا لَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَجَوَابُهُ بِمَا أَجَابَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ نِسْبَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِنْبَاطُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْبَةً قَوْلِيَّةً فَكَمَا جَازَ نِسْبَةُ لَعْنِ الْوَاشِمَةِ إِلَى كَوْنِهِ فِي الْقُرْآنِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ مَعَ ثُبُوتِ لَعْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَجُوزُ نِسْبَةُ مَنْ فَعَلَ أَمْرًا يَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ خَبَرٍ نَبَوِيٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهِ إِلَى الْقُرْآنِ فَيَقُولُ الْقَائِلُ مَثَلًا لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ وَيُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ أُمُّ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهَا وَهِيَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَلَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى تَرْجَمَة ومراجعتها بن مَسْعُودٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا إِدْرَاكًا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

(10/373)


(قَوْلُهُ بَابُ وَصْلِ الشَّعْرِ)
أَيِ الزِّيَادَةُ فِيهِ من غَيره ذكر فِيهِ خَمْسَة أَحَادِيث الأول حَدِيث مُعَاوِيَة

[5932] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أَوَيسٍ قَوْلُهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ رِوَايَتَيْ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ لَكِنْ أَحَالَ بِهِمَا عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ بَدَلَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحُمَيْدٌ هُوَ الْمَحْفُوظُ قَوْلُهُ عَامَ حَجَّ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ تَعْيِينُ الْعَامِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً من شعر

(10/374)


كَانَ بِيَدِ حَرَسِيٍّ الْقُصَّةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ كُبَّةٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ زِيَّ سُوءٍ وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ وَالْحَرَسِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَاتِ نِسْبَةٌ إِلَى الْحَرَسِ وَهُمْ خَدَمُ الْأَمِيرِ الَّذِينَ يَحْرُسُونَهُ وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ حَرَسِيٌّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ وَجَدْتُ هَذِهِ عِنْدَ أَهْلِي وَزَعَمُوا أَنَّ النِّسَاءَ يَزِدْنَهُ فِي شُعُورِهِنَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَا كُنْتُ أَرَى يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا الْيَهُودُ قَوْلُهُ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قِلَّةِ الْعُلَمَاءِ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إِحْضَارَهُمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ أَوْ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِمْ سُكُوتَهُمْ عَنْ إِنْكَارِهِمْ هَذَا الْفِعْلَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَهَى عَنِ الزُّورِ وَفِي آخِرِهِ أَلَا وَهَذَا الزُّورُ قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي مَا تُكْثِرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعَارَهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ وَصْلِ الشَّعْرِ بِشَيْءٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرًا أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِشَعْرِهَا شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَذَهَبَ اللَّيْثُ وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ وَأَمَّا إِذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِغَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ خِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْقَرَامِلُ جَمْعُ قَرْمَلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ نَبَاتٌ طَوِيلُ الْفُرُوعِ لَيِّنٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُيُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ صُوفٍ يُعْمَلُ ضَفَائِرَ تَصِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَا إِذا كَانَ مَا وصل بِهِ الشّعْر من غير الشّعْر مَسْتُورا بعد عقده مَعَ الشّعْر بِحَيْثُ يظنّ أَنه من الشّعْر وَبَين مَا إِذا كَانَ ظَاهرا فَمنع الأول قوم فَقَطْ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّدْلِيسِ وَهُوَ قَوِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ الْوَصْلَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَعْرٍ آخَرَ أَوْ بِغَيْرِ شَعْرٍ إِذَا كَانَ بِعِلْمِ الزَّوْجِ وَبِإِذْنِهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ مَنْعَ تَكْثِيرِ شَعْرِ الرَّأْسِ بِالْخِرَقِ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَثَلًا قَدْ تَمَزَّقَ شَعْرُهَا فَتَضَعُ عِوَضَهُ خِرَقًا تُوهِمُ أَنَّهَا شَعْرٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ ذَمُّ ذَلِكَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْبُخْتُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ جَمْعُ بُخْتِيَّةٍ وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِبِلِ عِظَامِ الْأَسْنِمَةِ وَالْأَسْنِمَةُ بِالنُّونِ جَمْعُ سَنَامٍ وَهُوَ أَعْلَى مَا فِي ظَهْرِ الْجَمَلِ شَبَّهَ رُءُوسَهُنَّ بِهَا لِمَا رَفَعْنَ مِنْ ضَفَائِرِ شُعُورِهِنَّ عَلَى أَوْسَاطِ رُءُوسِهِنَّ تَزْيِينًا وَتَصَنُّعًا وَقَدْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ بِمَا يُكْثِرْنَ بِهِ شُعُورَهُنَّ تَنْبِيهٌ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الزِّيَادَةُ فِي شَعْرِ رَأْسِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِ رَأْسِهَا بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أم عُثْمَان بنت سُفْيَان عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الحَدَيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[5933] قَوْله وَقَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ كَذَا أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُصَنَّفِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَوَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ المُرَاد لِأَن أَبَا بكر وَعُثْمَان كِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَيُونُسُ هُوَ الْمُؤَدِّبُ وَفُلَيْحٌ هُوَ بن سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ أَيِ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ سَوَاءٌ كَانَ لِنَفْسِهَا أَمْ لِغَيْرِهَا وَالْمُسْتَوْصِلَةُ أَيِ الَّتِي تَطْلُبُ فِعْلَ ذَلِكَ وَيُفْعَلُ بِهَا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي حِكَايَةِ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ كَانَ خَبَرًا فَيُسْتَغْنَى عَنِ استنباط بن مَسْعُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ

(10/375)


[5934] قَوْلُهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَآخِرُهُ قَافٌ كَأَنَّهُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَعَّالٍ مِنَ الْأَنِيقِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْحَسَنُ الْمُعْجِبُ فَسُهِّلَتْ هَمْزَتُهُ يَاءً وَالْحَسَنُ الْمَذْكُورُ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ وَكَانَ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنْ طَاوُسٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ قَوْلُهُ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَسْمِيَتِهَا وَتَسْمِيَةِ الزَّوْجِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَوْلُهُ فَتَمَعَّطَ بِالْعَيْنِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ وَأَصْلُ الْمَعْطِ الْمَدُّ كَأَنَّهُ مُدَّ إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ سَقَطَ شَعْرُهُ قَوْلُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا أَيْ يَصِلُوا شَعْرَهَا وَقَوْلُهُ فَسَأَلُوا تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ السَّائِلَ أُمُّهَا وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي يَلِي هَذَا قَوْله تَابعه بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ بن مُسْلِمٍ وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ رَوَيْنَاهَا مَوْصُولَةً فِي أَمَالِي الْمَحَامِلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّينَ عَنْهُ ثُمَّ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ فَذَكَرَهُ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ عِنْدَهَا عَنْ وَصْلِ الْمَرْأَةِ رَأْسهَا بِالشَّعْرِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ فَتَمْرُقُ بِالرَّاءِ وَالْقَافِ وَقَالَ فِيهِ أَفَأَضَعُ عَلَى رَأْسِهَا شَيْئًا وَالْبَاقِي مِثْلَهُ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُتَابَعَةِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ جَمِيعًا وَلِأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ عَنْ مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ دُونَ الْقِصَّةِ وَزَادَ فِيهِ النَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ صَنَعَتِ الْوَشْمَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ بَلْ تَدَاوَتْ مَثَلًا فَنَشَأَ عَنْهُ الْوَشْمُ أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الزَّجْرِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى

[5935] قَوْلُهُ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْحَجَبِيُّ وَأُمُّهُ هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ رَاوِيهِ عَنْ مَنْصُورٍ وَإِنْ كَانَ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ لَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَوْلُهُ فَتَمَزَّقَ بِالزَّايِ أَيْ تَقَطَّعَ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْحَمَوِيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَبِالرَّاءِ لِلْبَاقِينَ أَيْ مُرِقَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَرْقِ وَهُوَ نَتْفُ الصُّوفِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ فَأَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ أَوِ الْجُدَرِيُّ فَسَقَطَ شَعْرُهَا وَقَدْ صَحَّتْ وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنَا وَلَيْسَ عَلَى رَأْسِهَا شَعْرٌ أَفَنَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهَا شَيْئًا نُجَمِّلُهَا بِهِ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَعْرُهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ فَسَبَّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَعَنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ

[5936] قَوْلُهُ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الرَّاوِي عَنْهَا وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ هِيَ جَدَّتُهُمَا مَعًا لِأَنَّهَا أُمُّ الْمُنْذِرِ وَأُمُّ عُرْوَةَ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ تُؤَكِّدُ رِوَايَةَ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ وَأَنَّ لِلْحَدِيثِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَصْلًا وَلَوْ كَانَ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي وَجَدْتُهُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فَكَأَنَّهَا مَا سَمِعَتِ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ فِي الْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَرَأَيْتُ يَدَ أَسْمَاءَ مَوْشُومَةً قَالَ الطَّبَرِيُّ كَأَنَّهَا كَانَتْ صَنَعَتْهُ قَبْلَ النَّهْيِ فَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهَا قَالَ

(10/376)


وَلَا يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا فَعَلَتْهُ بَعْدَ النَّهْيِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ قُلْتُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ أَوْ كَانَتْ بِيَدِهَا جِرَاحَةٌ فَدَاوَتْهَا فَبَقيَ الْأَثر مثل الوشم فِي يَدهَا الحَدِيث الْخَامِس

[5937] قَوْله عبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيِّ قَوْلُهُ قَالَ نَافِعٌ الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَا عَلَى الْأَسْنَانِ مِنَ اللَّحْمِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْأَسْنَانِ صُفْرَةً أَوْ غَيْرَهَا كَذَا قَالَ وَلَمْ يُرِدْ نَافِعٌ الْحَصْرَ فِي كَوْنِ الْوَشْمِ فِي اللِّثَةِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ الْوَصْلُ فِي الشَّعْرِ وَالْوَشْمُ وَالنَّمْصُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى التَّنْزِيهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّعْنِ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ أَقْوَى الدَّلَالَاتِ بَلْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكَبِيرَةِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا رَخَّصَتْ فِي وَصْلِ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ وَقَالَتْ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاصِلِ الْمَرْأَةُ تَفْجُرُ فِي شَبَابِهَا ثُمَّ تَصِلُ ذَلِكَ بِالْقِيَادَةِ وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَأَبْطَلَهُ بِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَاب وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ وَإِيقَاعُ الْمَنْعِ عَلَى فِعْلِ الْوَصْلِ لَا عَلَى كَوْنِ الشَّعْرِ نَجِسًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِيهِ جَوَازُ إِبْقَاءِ الشَّعْرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ دَفْنِهِ وَفِيهِ قِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّهْيِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رَآهُ فَاشِيًا فَيُفْشِي إِنْكَارَهُ تَأْكِيدًا لِيُحَذِّرَ مِنْهُ وَفِيهِ إِنْذَارُ مَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ بِوُقُوعِ الْهَلَاكِ بِمَنْ فَعَلَهَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمين بِبَعِيد وَفِيهِ جَوَازُ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ فِي الْخُطْبَةِ لِيَرَاهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَذَا غَيْرِهِمْ من الْأُمَم للتحذير مِمَّا عصوا فِيهِ
(

قَوْله بَاب المتنمصات)
جمع متنمصة وَحكى بن الْجَوْزِيِّ مُنْتَمِصَةٌ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى النُّونِ وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ النِّمَاصَ وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَفْعَلُهُ وَالنِّمَاصُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْوَجْهِ بِالْمِنْقَاشِ وَيُسَمَّى الْمِنْقَاشُ مِنْمَاصًا لِذَلِكَ وَيُقَالُ إِنَّ النِّمَاصَ يَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ لِتَرْفِيعِهِمَا أَوْ تَسْوِيَتِهِمَا قَالَ أَبُو دَاوُد فِي السّنَن النامصة الَّتِي تنقش الْحَاجِب حَتَّى ترقه ذكر فِيهِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَاضِي فِي بَابِ الْمُتَفَلِّجَاتِ قَالَ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ كَمَنْ تَكُونُ مَقْرُونَةَ الْحَاجِبَيْنِ فَتُزِيلُ مَا بَيْنَهُمَا تَوَهُّمُ الْبَلَجَ أَوْ عَكْسَهُ وَمَنْ تَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَتَقْلَعُهَا أَوْ طَوِيلَةٌ فَتَقْطَعُ مِنْهَا أَوْ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَتُزِيلُهَا بِالنَّتْفِ وَمَنْ يَكُونُ شَعْرُهَا قَصِيرًا أَوْ حَقِيرًا فَتُطَوِّلُهُ أَوْ تُغَزِّرُهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ وَالْأَذِيَّةُ كَمَنْ يَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ تُعِيقُهَا فِي الْأَكْلِ أَوْ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ تُؤْذِيهَا أَوْ تُؤْلِمُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَالرَّجُلُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ

(10/377)


كَالْمَرْأَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَثْنَى مِنَ النِّمَاصِ مَا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ قُلْتُ وَإِطْلَاقُهُ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَعِلْمِهِ وَإِلَّا فَمَتَى خَلَا عَنْ ذَلِكَ مُنِعَ لِلتَّدْلِيسِ وَقَالَ بعض الْحَنَابِلَة ان كَانَ النمص أشهر شِعَارًا لِلْفَوَاجِرِ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَيَكُونُ تَنْزِيهًا وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ إِلَّا إِنْ وَقَعَ بِهِ تَدْلِيسٌ فَيَحْرُمُ قَالُوا وَيَجُوزُ الْحَفُّ وَالتَّحْمِيرُ وَالنَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ شَابَّةً يُعْجِبُهَا الْجَمَالَ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ تَحُفُّ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا فَقَالَتْ أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ التَّزَيُّنُ بِمَا ذُكِرَ إِلَّا الْحَفَ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّمَاصِ

(قَوْلُهُ بَابُ الْمَوْصُولَةِ)
تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ قَبْلُ بِبَابٍ وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث الأول حَدِيث بن عمر

[5940] قَوْله عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَان وَعبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيِّ قَوْلُهُ الْمُسْتَوْصِلَةَ هِيَ الَّتِي تَطْلُبُ وَصْلَ شَعْرِهَا الثَّانِي حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ

[5941] قَوْلُهُ أَصَابَتْهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَصَابَهَا بِالتَّذْكِيرِ عَلَى إِرَادَةِ الْحَبِّ وَالْحَصْبَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ بَثَرَاتٌ حُمْرٌ تَخْرُجُ فِي الْجِلْدِ مُتَفَرِّقَةً وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْجُدَرِيِّ قَوْلُهُ امَّرَقَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَأَصْلُهُ انْمَرَقَ بِنُونٍ فَذَهَبَتْ فِي الْإِدْغَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ بِالزَّايِ بَدَلَ الرَّاءِ كَمَا تَقَدَّمَ

[5942] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْفَضْلُ بْنُ زُهَيْرٍ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْفَرَبْرِيِّ أَيْضًا الْفَضْلُ بْنُ زُهَيْرٍ أَوِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَجَزَمَ مَرَّةً أُخْرَى بِالْفَضْلِ بْنِ زُهَيْرٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ بْنِ

(10/378)


حَمَّادِ بْنِ زُهَيْرٍ فَنُسِبَ مَرَّةً إِلَى جَدِّ أَبِيهِ وَهُوَ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالْكَثِيرِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَحَدَّثَ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى قَلِيلَةٍ بِوَاسِطَةٍ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ بِلَفْظِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَّجِهْ لِي هَذَا التَّفْسِيرُ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَوْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَعْنِ اللَّهِ وَقَدْ سَقَطَ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا لَفْظُ لَعَنَ اللَّهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ بِلَفْظِ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَيَأْتِي كَذَلِكَ بَعْدَ بَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ وَصْلِ الشَّعْرِ بِلَفْظِ لَعَنَ اللَّهُ وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَوْلُهُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُوتَصِلَةُ وَهِيَ بِمَعْنَاهَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَسمَاء الموصولة الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُود

[5943] قَوْله عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَلَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلْوَاصِلَةِ وَلَا لِلْمَوْصُولَةِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمُتَفَلِّجَاتِ وَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْوَاصِلَةِ فِيهِ فِي التَّفْسِيرِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْعَوْفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْخَرَّازِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ الْمَرْأَة جَاءَت إِلَى بن مَسْعُودٍ فَقَالَتْ أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ قَالَ نَعَمْ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَفِي آخِرِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْهَى عَنِ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ أَذَى

(قَوْلُهُ بَابُ الْوَاشِمَةِ)
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظ آخر فِي الوشم الثَّانِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمُتَفَلِّجَاتِ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ

[5945] قَوْلُهُ رَأَيْتُ أَبِي فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَاقَهُ فِي الْبُيُوعِ تَامًّا وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا فَكَسَرَ مَحَاجِمَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَالَّذِي هُنَا وَزَادَ وَعَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ سِيَاقِهِ فِي بَابِ مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ

(10/379)


(قَوْلُهُ بَابُ الْمُسْتَوْشِمَةِ)
ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الأول حَدِيث أبي هُرَيْرَة

[5946] قَوْله عَن عمَارَة هُوَ بن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة وَأَبُو زرْعَة هُوَ بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ قُلْتُ لَمْ تُسَمَّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَوْلُهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ سَمِعَ الزَّجْرَ عَنْ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَثْبِتَ فِيهِ أَوْ كَانَ نَسِيَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَهُ أَوْ بَلَغَهُ مِمَّنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْمَعَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ لَا تَشِمْنَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ثُمَّ نُونُ خِطَابِ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ بِالنَّهْيِ وَكَذَا وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ أَيْ لَا تَطْلُبْنَ ذَلِكَ وَهَذَا يُفَسِّرُ قَوْلُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ نَهَى عَنِ الْوَشْمِ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ عُمَرَ إِظْهَارُ ضَبْطِهِ وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسْتَثْبِتُهُ فِي الْأَحَادِيثِ مَعَ تَشَدُّدِ عُمَرَ وَلَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ ذَلِك لنقل الحَدِيث الثَّانِي والْحَدِيث الثَّالِث عَن بن عمر وَعَن بن مَسْعُود وَقد تقدما قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ وَلَوْ رَخَّصَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَكَانَ وَسِيلَةً إِلَى اسْتِجَازَةِ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْغِشِّ وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَغْيِيرِ الْخِلْقَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ الْمُغَيِّرَاتُ خَلْقَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ بَابُ التَّصَاوِيرِ)
جَمْعُ تَصْوِيرٍ بِمَعْنَى الصُّورَةِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمُهَا مِنْ جِهَةٍ مُبَاشَرَةِ صَنْعَتِهَا ثُمَّ مِنْ جِهَةِ

(10/380)


اسْتِعْمَالِهَا وَاتِّخَاذِهَا

[5949] قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَي بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَنَسٍ قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ وَفَائِدَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ تَصْرِيحُ الزُّهْرِيِّ بْنِ شِهَابٍ وَتَصْرِيحُ شَيْخِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَكَذَا مَنْ فَوْقَهُمَا بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يذكر بن عَبَّاسٍ بَيْنَهُمَا وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ يَعُودُهُ فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا الْمَتْنُ الْمَذْكُورُ وَزَادَ فِيهِ اسْتِثْنَاءَ الرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فَلَعَلَّ عُبَيْدَ اللَّهِ سَمِعَهُ مِنَ بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا طَلْحَةَ لَمَّا دَخَلَ يَعُودُهُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ زِيَادَةَ الْقِصَّةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ لَكِن قَالَ بن عبد الْبر الحَدِيث لِعبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا طَلْحَةَ وَلَا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَذَا قَالَ وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَعُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا بَلْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ إِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَلَا رَآهُ وَزَيْدٌ مَاتَ بَعْدَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِمُدَّةٍ وَلَكِنْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ لِعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ لَا لِسَهْلٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعُثْمَانُ تَأَخَّرَ بَعْدَ سَهْلٍ بِمُدَّةٍ وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَدْرَكَهُمَا قَوْلُهُ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ وَقِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحَفَظَةُ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الشَّخْصَ فِي كُلِّ حَالَة وَبِذَلِك جزم بن وَضَّاحٍ وَالْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ وَالْمُخَصِّصُ يَعْنِي الدَّالَّ عَلَى كَوْنِ الْحَفَظَةِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنَ الدُّخُولِ لَيْسَ نَصًّا قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يُطْلِعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ وَيُسْمِعَهُمْ قَوْلَهُ وَهُمْ بِبَابِ الدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا مَثَلًا وَيُقَابِلُ الْقَوْلُ بِالتَّعْمِيمِ الْقَوْلَ بِتَخْصِيصِ الْمَلَائِكَةِ بِمَلَائِكَةِ الْوَحْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَهُوَ شَاذٌّ قَوْلُهُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ بِنَاءً أَوْ خَيْمَةً أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ كَلْبٍ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْي وَذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ وَطَائِفَةٌ إِلَى اسْتِثْنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهَا وَهِيَ كِلَابُ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَجَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ الْعُمُومِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِقِصَّةِ الْجَرْوِ الَّتِي تَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ قَالَ فَامْتَنَعَ جِبْرِيلُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ ظُهُورِ الْعُذْرِ فِيهِ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الدُّخُولِ لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ مِنَ الدُّخُولِ اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِاتِّخَاذِهِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْكَلْبِ حَتَّى مَنَعَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقِيلَ لِكَوْنِهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَمَرَ بِنَضْحِ مَوْضِعِ الْكَلْبِ وَقِيلَ لِكَوْنِهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقِيلَ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا فَإِنَّهَا تُكْثِرُ أَكْلَ النَّجَاسَةِ وَتَتَلَطَّخُ بِهَا فَيَنْجَسُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ وَعَلَى هَذَا يَحْمِلُ مَنْ لَا يَقُولُ إِنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ نَضْحَ مَوْضِعِهِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ النَّضْحَ مَشْرُوعٌ لِتَطْهِيرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ وَأَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ بِقِصَّةِ جِبْرِيلَ الْآتِي ذِكْرُهَا فَقِيلَ يُسْتَثْنَى الْحَفَظَةُ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا مَعَ اسْتِمْرَارِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ

(10/381)


نَزَلَ مِنْهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَقِيلَ مَنْ نَزَلَ بِالْوَحْيِ خَاصَّة كجبريل وَهَذَا نقل عَن بن وَضَّاحٍ وَالدَّاوُدِيُّ وَغَيْرِهِمَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِعَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ بَعْدَهُ وَبِانْقِطَاعِهِ انْقَطَعَ نُزُولُهُمْ وَقِيلَ التَّخْصِيصُ فِي الصِّفَةِ أَيْ لَا يَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ دُخُولَهُمْ بَيْتَ مَنْ لَا كَلْبَ فِيهِ قَوْلُهُ وَلَا تَصَاوِيرُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَاضِيَةِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَا صُورَةٌ بِالْإِفْرَادِ وَكَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَفَائِدَةُ إِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ الِاحْتِرَازُ مِنْ تَوَهُّمِ الْقَصْرِ فِي عَدَمِ الدُّخُولِ عَلَى اجْتِمَاعِ الصِّنْفَيْنِ فَلَا يَمْتَنِعُ الدُّخُولُ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا فَلَمَّا أُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ صَارَ التَّقْدِيرُ وَلَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالصُّورَةُ الَّتِي لَا تُدْخِلُ الْمَلَائِكَةَ الْبَيْتَ الَّذِي هِيَ فِيهِ مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا الرُّوحُ مِمَّا لَمْ يُقْطَعْ رَأْسُهُ أَوْ لَمْ يُمْتَهَنْ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ مَا وطيء مِنَ التَّصَاوِيرِ بَعْدَ بَابَيْنِ وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى تَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ فِي بَابِ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَأَغْرَبَ بن حِبَّانَ فَادَّعَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ قَالَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رُفْقَةٍ فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَخْرُجَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ لِقَصْدِ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَوَاحِلَ لَا تَصْحَبُهَا الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ انْتَهَى وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَيُزِيلُ شُبْهَتَهُ أَنَّ كَوْنَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُؤَاخَذُوا بِمَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنْ خَطِيئَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْرَمُوا بَرَكَةَ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ مُخَالَطَتِهِمْ لَهُمْ إِذَا ارْتَكَبُوا النَّهْيَ وَاسْتَصْحَبُوا الْجَرَسَ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ يَقْتَنِي الصُّورَةَ وَالْكَلْبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُ الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ التَّصَاوِيرُ مَعَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ من محاريب وتماثيل وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ كَانَتْ صُوَرًا مِنْ نُحَاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ وَمِنْ زُجَاجٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ وَكَانُوا يَعْمَلُونَ أَشْكَالَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْهُمْ عَلَى هَيْئَتِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ لِيَتَعَبَّدُوا كَعِبَادَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ حَرَامًا ثُمَّ جَاءَ شَرْعُنَا بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ التَّمَاثِيلَ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ النُّقُوشِ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمَلًا لَمْ يَتَعَيَّنِ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُشْكِلِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي كَانَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ التَّصَاوِيرِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةِ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي ذَلِكَ الشَّرْعِ مَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ شَرُّ الْخَلْقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ مُحْدَثٌ أَحْدَثَهُ عُبَّادُ الصُّوَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(10/382)


(قَوْلُهُ بَابُ عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أَيِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ

[5950] قَوْله عَن مُسلم هُوَ بن صُبَيْحٍ أَبُو الضُّحَى وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمَ بْنَ عِمْرَانَ الْبَطِينَ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَوْله كُنَّا مَعَ مَسْرُوق هُوَ بن الْأَجْدَعِ قَوْلُهُ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ هُوَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ وَأَبُوهُ بِنُونٍ مُصَغَّرٌ وسيار مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَكَانَ مَوْلَى عُمَرَ وَخَازِنَهُ وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ غَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو وَائِلٍ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُوَثَّقٌ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ قَوْلُهُ فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عِنْدَ مُسْلِمٍ كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ فَقَالَ لِي مَسْرُوقٌ هَذِهِ تَمَاثِيلُ كِسْرَى فَقُلْتُ لَا هَذِهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ كَأَنَّ مَسْرُوقًا ظَنَّ أَنَّ التَّصْوِيرَ كَانَ مِنْ مَجُوسِيٍّ وَكَانُوا يُصَوِّرُونَ صُورَةَ مُلُوكِهِمْ حَتَّى فِي الْأَوَانِي فَظَهَرَ أَنَّ التَّصْوِيرَ كَانَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهُمْ يُصَوِّرُونَ صُورَةَ مَرْيَمَ وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَيَعْبُدُونَهَا قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فَقَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ الْمُصَوِّرُونَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْند بن أبي عمر عَن سُفْيَان وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْحُمَيْدِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ أَوْ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَ بِهِ بِلَفْظِ عِنْدَ اللَّهِ وَالتَّرْجَمَةُ مُطَابِقَةٌ لِلَّفْظِ الَّذِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمُ اللَّهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ مِنْ أَشد النَّاس وَاخْتلفت نَسْخُهُ فَفِي بَعْضِهَا الْمُصَوِّرِينَ وَهِيَ لِلْأَكْثَرِ وَفِي بَعْضِهَا الْمُصَوِّرُونَ وَهِيَ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَيْضًا وَوُجِّهَتْ بِأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ وَاسْمُ إِنَّ أَشد ووجهها بن مَالِكٍ عَلَى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ إِلَخْ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْمُصَوِّرِ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَوِّرُ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَنْ يُصَوِّرُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهُوَ عَارِفٌ بِذَلِكَ قَاصِدًا لَهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُدْخَلَ مُدْخَلَ آلِ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا مَنْ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِتَصْوِيرِهِ فَقَطْ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِإِثْبَاتِ مِنْ ثَابِتَةٌ وَبِحَذْفِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ مَنْ يَفْعَلُ التَّصْوِيرَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا كَانَ مُشْتَرِكًا مَعَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ آلِ فِرْعَوْنَ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ بَلْ هُمْ فِي الْعَذَابِ الْأَشَدِّ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَذَابِ الْأَشَدِّ وَقَوَّى الطَّحَاوِيُّ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُصَوِّرِ وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ هَجَا رَجُلًا فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فَكُلُّ

(10/383)


وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَشْتَرِكُ مَعَ الْآخَرِ فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي مُخْتَصَرِ مُشْكِلِ الطَّحَاوِيِّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ الْوَعِيدَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ إِنْ وَرَدَ فِي حَقِّ كَافِرٍ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِكًا فِي ذَلِكَ مَعَ آلِ فِرْعَوْنَ وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ كُفْرِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ وَرَدَ فِي حَقِّ عَاصٍ فَيَكُونُ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْعُصَاةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى عِظَمِ الْمَعْصِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ أَشَدُّ لَا يُرَادُ بِهِمْ كُلُّ النَّاسِ بَلْ بَعْضُهُمْ وَهُمْ مَنْ يُشَارِكُ فِي الْمَعْنَى الْمُتَوَعَّدِ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ فَفِرْعَوْنُ أَشَدُّ النَّاسِ الَّذِينَ ادَّعَوُا الْإِلَهِيَّةَ عَذَابًا وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي ضَلَالَةِ كُفْرِهِ أَشَدُّ عَذَابًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي ضَلَالَةِ فِسْقِهِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً ذَاتَ رُوحٍ لِلْعِبَادَةِ أَشَدُّ عَذَابًا مِمَّنْ يُصَوِّرُهَا لَا لِلْعِبَادَةِ وَاسْتَشْكَلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا بِإِبْلِيسَ وَبِابْنِ آدَمَ الَّذِي سَنَّ الْقَتْلَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي إِبْلِيسَ وَاضِحٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى آدَمَ وَأما فِي بن آدَمَ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّهِ أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ يَقْتُلُ ظُلْمًا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي مِثْلِ تَعْذِيبِهِ مَنِ ابْتَدَأَ الزِّنَا مَثَلًا فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنْ يَزْنِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ وَلَعَلَّ عَدَدَ الزُّنَاةِ أَكْثَرُ مِنَ الْقَاتِلِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَمْ لِغَيْرِهِ فَصُنْعُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَمَّا تَصْوِيرُ مَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ التَّعْمِيمَ فِيمَا لَهُ ظِلٌّ وَفِيمَا لَا ظِلَّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إِلَّا كَسَرَهُ وَلَا صُورَةً إِلَّا لَطَّخَهَا أَيْ طَمَسَهَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ مَنْ عَادَ إِلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا عُظِّمَتْ عُقُوبَةُ الْمُصَوِّرِ لِأَنَّ الصُّوَرَ كَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهَا يَفْتِنُ وَبَعْضُ النُّفُوسِ إِلَيْهَا تَمِيلُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالصُّوَرِ هُنَا التَّمَاثِيلُ الَّتِي لَهَا رُوحٌ وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَذَابِ وَالْعِقَابِ فَالْعَذَابُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُؤْلِمُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَالْعَتْبِ وَالْإِنْكَارِ وَالْعِقَابُ يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُصَوِّرِ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ عُقُوبَةً هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي الْغُرَرِ وَتُعُقِّبَ بِالْآيَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا انْبَنَى الْإِشْكَالُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَرَّجَ عَلَيْهَا فَلِهَذَا ارْتَضَى التَّفْرِقَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُشَبِّهَةِ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمُصَوِّرُونَ أَيِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِلَّهِ صُورَةً وَتُعُقِّبَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ أَن الَّذين يصنعون هَذِه الصُّور يُعَذَّبُونَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ بِلَفْظِ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ سَلِمَ لَهُ اسْتِدْلَالُهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ بِمَنْ صَوَّرَ قَاصِدًا أَنْ يُضَاهِيَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ كَافِرًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا وطيء مِنَ التَّصَاوِيرِ بِلَفْظِ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ لَكِنْ إِثْمُهُ دُونَ إِثْمِ الْمُضَاهِي قُلْتُ وَأَشَدُّ مِنْهُ مَنْ يُصَوِّرُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَعْمَلُونَ الْأَصْنَامَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ عَمِلَ صَنَمَهُ مِنْ عَجْوَةٍ ثُمَّ جَاعَ فَأَكَلَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[5951] قَوْله عَن عبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ هُوَ أَمْرُ تَعْجِيزٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ صِفَةُ تَعْذِيبِ الْمُصَوِّرِ وَهُوَ أَنْ يُكَلَّفَ نَفْخَ الرُّوحِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي صَوَّرَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيَسْتَمِرُّ تَعْذِيبُهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً بَعْدَ أَبْوَاب

(10/384)


(قَوْلُهُ بَابُ نَقْضِ الصُّوَرِ)
بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَالصُّوَرُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ جَمْعُ صُورَةٍ وَحُكِيَ سُكُونُ الْوَاوِ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ

[5952] قَوْلُهُ هِشَامٌ هُوَ بن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ اللِّبَاسِ وَفِي قَوْلِهِ إِنَّ عَائِشَة حدثته رد على بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ إِنَّ عِمْرَانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ سَرْحٍ عَنْ عِمْرَانَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ وَفِي الطَّبَرِيِّ الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِمْرَانَ قَالَتْ لِي عَائِشَةُ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ اللِّبَاسِ لَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِهِ عَائِشَةَ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ جَمْعُ صَلِيبٍ كَأَنَّهُمْ سَمَّوْا مَا كَانَتْ فِيهِ صُورَةُ الصَّلِيبِ تَصْلِيبًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ شَيْئًا فِيهِ تَصْلِيبٌ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تصاوير بدل تصاليب وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أثبت فقد أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ تَصَالِيبُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبَانٍ الْعَطَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَاجُ إِلَى مُطَابَقَةِ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ نَقْضِ الصَّلِيبِ نَقْضَ الصُّورَةِ الَّتِي تَشْتَرِكُ مَعَ الصَّلِيبِ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ عِبَادَتُهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصُّوَرِ فِي التَّرْجَمَةِ خُصُوصَ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ بَلْ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ إِلَّا نَقَضَهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبَانَ إِلَّا قَضَبَهُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةُ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة عِنْد بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ وَرَجَّحَهَا بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ وَعَكَسَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَضْبَطُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ أَوْلَى قُلْتُ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ النَّقْضَ يُزِيلُ الصُّورَةَ مَعَ بَقَاءِ الثَّوْبِ عَلَى حَالِهِ وَالْقَضْبُ وَهُوَ الْقَطْعُ يُزِيلُ صُورَةَ الثَّوْبِ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُضُ الصُّورَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا لَهُ ظِلٌّ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تُوطَأُ أَمْ لَا سَوَاءٌ فِي الثِّيَابِ وَفِي الْحِيطَانِ وَفِي الْفُرُشِ وَالْأَوْرَاقِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ تَصَاوِيرَ وَأَمَّا بِلَفْظِ تَصَالِيبَ فَلَا لِأَنَّ فِي التَّصَالِيبَ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى مُطْلَقِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الصَّلِيبَ مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ فَلَيْسَ جَمِيعُهَا مِمَّا عُبِدَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ فِي الصُّوَرِ بَيْنَ مَا لَهُ رُوحٌ فَمَنَعَهُ وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الْإِزَالَةَ دَخَلَ طَمْسُهَا فِيمَا لَوْ كَانَتْ نَقْشًا فِي

(10/385)


الْحَائِط أَو حكها أَو لظخها بِمَا يُغَيِّبُ هَيْئَتَهَا الْحَدِيثُ الثَّانِي

[5953] قَوْلُهُ عَبْدُ الْوَاحِد هُوَ بن زِيَاد وَعمارَة هُوَ بن الْقَعْقَاع قَوْله حَدثنَا أَبُو زرْعَة هُوَ بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الْمَذْكُورِ حَدِيثٌ آخَرُ بِسَنَدٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ بِنُونٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ قَوْلُهُ دَارًا بِالْمَدِينَةِ هِيَ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ عُمَارَةَ دَارًا تُبْنَى لِسَعِيدٍ أَو لمروان بِالشَّكِّ وَسَعِيد هُوَ بن الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ وَكَانَ هُوَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَتَعَاقَبَانِ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ وَالرِّوَايَةُ الْجَازِمَةُ أَوْلَى قَوْلُهُ مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَقَوْلُهُ يُصَوِّرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ لِلْجَمِيعِ وَضَبَطَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالْآخَرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ ثُمَّ رَاءٍ مُنَوَّنَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ قَوْلُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي هَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ وَقَعَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ وَفِيهِ حَذْفٌ بَيَّنَهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ الْمَذْكُورَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ إِلَخْ وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ وَقَوْلُهُ ذَهَبَ أَيْ قَصَدَ وَقَوْلُهُ كَخَلْقِي التَّشْبِيهُ فِي فِعْلِ الصُّورَةِ وَحْدَهَا لَا مِنْ كل الْوُجُوه قَالَ بن بَطَّالٍ فَهِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ التَّصْوِيرَ يَتَنَاوَلُ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَيْسَ لَهُ ظِلٌّ فَلِهَذَا أَنْكَرَ مَا يُنْقَشُ فِي الْحِيطَانِ قُلْتُ هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْصَرَ عَلَى مَا لَهُ ظِلٌّ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ كَخَلْقِي فَإِنَّ خَلْقَهُ الَّذِي اخْتَرَعَهُ لَيْسَ صُورَةً فِي حَائِطٍ بَلْ هُوَ خَلْقٌ تَامٌّ لَكِنْ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الزَّجْرِ عَنْ تَصْوِيرِ كُلِّ شَيْءٍ وَهِيَ قَوْلُهُ فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِيجَادُ حَبَّةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا تَصْوِيرُهَا وَوَقَعَ لِابْنِ فُضَيْلٍ من الزِّيَادَة وليخلقوا شَعْرَة وَالْمُرَادُ بِالْحَبَّةِ حَبَّةُ الْقَمْحِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الشَّعِيرِ أَوِ الْحَبَّةُ أَعَمُّ وَالْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ النَّمْلَةُ وَالْغَرَضُ تَعْجِيزُهُمْ تَارَةً بِتَكْلِيفِهِمْ خَلْقَ حَيَوَانٍ وَهُوَ أَشَدُّ وَأُخْرَى بِتَكْلِيفِهِمْ خَلْقَ جَمَادٍ وَهُوَ أَهْوَنُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ أَيْ طَلَبَ تَوْرًا وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ إِنَاءٌ كَالطَّسْتِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ مِنْ مَاءٍ أَيْ فِيهِ مَاءٌ قَوْلُهُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ وَبَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ فَتَوَضَّأَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَغَسَلَ يَدَهُ حَتَّى بلغ إِبْطِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ رُكْبَتَيْهِ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدَّمَ قِصَّةَ الْوُضُوءِ عَلَى قِصَّةِ الْمُصَوِّرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ قِصَّةَ الْوُضُوءِ هُنَا قَوْلُهُ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ إِنَّهُ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الطَّهَارَة فِي فضل الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَالْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَلَيْسَ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ التَّصْوِيرِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ وُضُوءِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُنَاسَبَةٌ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَبُو زُرْعَةَ بِمَا شَاهَدَ وَسَمِعَ مِنْ ذَلِكَ

(10/386)